صفحات المستقبل

«مساجد الثورة» في دمشق


أوس مبارك *

لعلّ الأسئلة حول دور المساجد والأئمة في دمشق، كان يجب أن تنال نصيباً أوفرَ من البحث، بعيداً عن بداهة فكرة أنها الأماكن الوحيدة التي يمكن التجمع فيها، في ظلّ السيطرة الأمنية على ساحات دمشق وشوارعها الرئيسة. ولعلّنا نتذكر أنّ المساجد التي خرجت منها التظاهرات مع بدايات الثورة كالجامع الأموي، لم تعد تخرج منها، واستقرّت اختيارات المتظاهرين على مساجد بتنا نحفظ أسماءها لتكرارها أسبوعياً. فلمَ هذه المساجد دون غيرها تخرج منها التظاهرات؟ ولمَ هؤلاء الأئمة دون غيرهم؟

لا نبالغ إن قلنا إنّ الأمر يعود الى حوالى القرن، فمعــــظم هذه المســـاجد يؤمّها تلامذة لتلامذة الشيخ بدر الدين الحسني، الذي كان شيـــخ زمانه، في وقتٍ اتّســم بـــتراجع في العلوم الدينــية وجـــميع العلوم والفنون بعد عصر الانحطاط الذي رافق نهاية الحكم العثماني، وقد خرّج الشيخ عدداً من التلاميذ أصبحوا من أهمّ مشايخ دمشق، وأسسوا ما سموه «رابطة العلماء».

وعاش الشيخ ليشهد الثورة ضد الاستعمار الفرنسي، ويكون تلميذاه محمد الأشمر وحسن الخراط من قادة الثورة.

أما تلميذه حسن حبنكة الميداني، الذي دعا عام 1967 لإسقاط حكم البعث عبر الإضراب والعصيان المدني من منبر الجامع الأموي قبل أن يقتحمه الجيش بدباباته، فكان معلماً لكريّم راجح، إمام مسجد حسن حبنكة الميداني في الميدان، الذي مُنع من الخطابة أثناء الثورة بعد تحوّل مسجده مركزاً للتظاهر. وبذلك نلحظ أنّ هذا حال معظم «مساجد الثورة» في دمشق. مسجدا عبد الكريم الرفاعي وعلي الدقر في كفرسوسة، والدقاق في الميدان، والحسن في أبو رمانة الذي خرجت منه التظاهرات قبل منع شيخه محمد أبو الهدى اليعقوبي (ابن أحد تلامذة الشيخ بدر الدين) من الخطابة فيه، وكذا حال الشيخ معاذ الخطيب وعبد العزيز الخطيب وغيرهم.

لم تكن هذه الجماعة المتأصّلة في المجتمع الدمشقي المتديّن على قرب من حكم الأسد الأب، ولا الابن بطبيعة الحال، بما فيها أولئك الصامتون الآن، رغم محاولات النظام استمالتها، لكنه استطاع استمالة بعضهم مثل حسام الدين الفرفور ابن محمد صالح الفرفور تلميذ الشيخ بدر الدين ومؤسس معهد الفتح، ومفتي سورية السابق أحمد كفتارو. لكن ظلت أغلبية هذه الجماعة على حال أقرب للخصام مع حكم الأسد، وكانوا سنداً خلال الثورة للشباب الراغبين في الخروج من مساجدهم للتظاهر، حتى إن بعضهم ساعد في تخليص الثوار من قبضة الأمن أثناء محاصرتهم، وساعد في الإفراج عن معتقلين، فضلاً على خطبهم التي كانت تعطي معنويات أعلى للشباب، فكان بذلك مشايخ رابطة العلماء ومساجدهم أشبه بما يسمى «بيئة حاضنة» للشباب الحالم بالحرية وبالدولة المدنية الديموقراطية.

* كاتب سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى