صفحات سوريةفايز ساره

مسارات الرعب السوري أخفقت في تحقيق أهدافها!

 

فايز سارة

يمثل الحضور العاصف للرعب بمؤسسته ومساراته احد ابرز ملامح الازمة في سوريا، وهي مسارات وسلوكيات بدأتها السلطات ضد الحراك الشعبي في منتصف آذار 2011، ومازالت تواصلها على نطاق واسع وعميق. بل يمكن القول، انها طورت بعضاً من تلك المسارات، وخلقت مسارات جديدة على طريق مواجهة الثورة السورية الشعبية، التي بدأت بالمطالبة بالحرية والكرامة، قبل ان تنتقل في اهدافها الى اسقاط النظام او تغييره بالقوة حسب هذا الطرف او ذلك في الحراك السوري.

غير انه وقبل الدخول في ملامح مسارات الرعب السوري، لابد من اشارة الى ان اول وابرز المسارات، كانت مسارات تقليدية عرفها السوريون في علاقتهم بالنظام في سنوات حكمه الطويل و”اعتادوا” عليها، وثمة مسارات جديدة جاءت مع الثورة، وتطورت في سياقها نتيجة ما تفتق عنه العقل الاجرامي في مؤسسة الرعب السوري، التي ضمنت بين اركانها عناصر امنية وعسكرية ووسعت حضورها في اوساط الشبيحة الذين ولدت جماعاتهم على هامش الازمة، ثم دخلوا في عمقها عبر مؤسسة الرعب.

ان مسارات الرعب السوري التقليدية، تعود الى ذات الممارسات القديمة والمعروفة، والتي يندرج في اطارها شن حملات الاعتقال في سياق مطاردة المعارضين، والاعتداء على التجمعات والتجمهرات بالضرب والاعتقال، بهدف فض التجمعات، قبل ان تتحول الى اعتصامات وتظاهرات، وتصير بحاجة الى اجراءات اشد قسوة من جانب الاجهزة الامنية، واكثر تكلفة لها بالمعنى السياسي والمادي، رغم ان الاحداث كشفت، ان تكلفة القمع السوري ليست في حساب النظام او مؤسساته العسكرية والامنية، حيث قوبلت الاعتصامات والتظاهرات بقمع شديد ومكلف منذ بدء الثورة، والامر في هذا الجانب كان واضحاً في اطلاق الرصاص الحي على التظاهرات الاولى في درعا وقتل وجرح العشرات، وتكرر الحال في حمص وفي معظم الاماكن التي شهدت اعتصامات وتظاهرات، وكان الهدف الاساسي لاطلاق النار وقف حركة التظاهر والاحتجاج حيث امكن.

وتنتمي حالات التعذيب في مراكز التوقيف والمعتقلات الى السياق التقليدي في مسارات الرعب، حيث الهدف منها متعدد. لكن الاهم في الاهداف رغبة القائمين بها في الحصول على معلومات من المعتقل، او الرغبة في اذلاله وتحطيم انسانيته بسبب موقفه السياسي، وقد تطور الأمر بالنسبة لهذا المسار في ظل الثورة بزيادة هدف جديد، وهو الانتقام الشخصي. حيث ساد نهج في مراكز التوقيف والاعتقال لدى العناصر الموجودين فيها، ان المعتقلين اعداء ومجرمون وخونة وخصوم بالمعنى الشخصي، وان تعذيبهم واذلالهم، ينبغي ان يكون في هذا الاطار، وانطلاقاً مما سبق صارت عمليات التعذيب، تتضمن تعذيباً واذلالاً جسدياً ولفظياً ونفسياً وغيرها، سواء في ايقاع العقوبات على الشخص او على الآخرين، وقد يكون بينهم اقارب واصدقاء من نساء ورجال.

والملاحظة الاساسية في موضوع الرعب السوري التقليدي بتفاصيله وحيثياته، انه موجه الى اشخاص بعينهم، وان هدفه الرئيس اجبارهم على تغيير قناعاتهم وسلوكياتهم ومنعهم من الاستمرار في مواقفهم او تطويرها في سياق الاحتجاج على سياسات النظام او معارضة نهجه، وفي السعي الى اسقاطه او تغييره واستبداله بنظام آخر.

لقد طورت مؤسسة الرعب السوري جوانب في مسارات الرعب التقليدي، كان الابرز فيها جانبان اولهما تكثيف عمليات التعذيب والاذلال الى اوسع مدى بحيث صار من الشائع موت المعتقلين او اقترابهم من حافة الموت، وايقاع اصابات وعاهات جسدية دائمة بالكثير منهم بشكل مقصود، بما يورث لهم مشاكل لا يمكن التخلص منها او معالجتها، والجانب الثاني القيام بتصوير افلام فيديو لوقائع عمليات التحقيق والتعذيب مع ما يرافقها من استهانة بالذات الانسانية والاساءة الى المعتقدات الاساسية للمعتقلين بما فيها المعتقدات الدينية والقيم الاجتماعية، ثم تسريب آلاف الافلام التي وان تسببت في اثارة الغضب في بعض الاوساط، الا انها اشاعت رعباً في اوساط اخرى هدفه تغيير قناعات او سلوكيات بعض الجمهور، والحد من مواقفهم المعارضة او الناقدة للنظام.

غير ان اهم ما قامت به مؤسسة الرعب السوري، هو استنباط مسارات جديدة في الرعب سمتها الاساسية انها لا تطال اشخاصاً تعنيهم فقط. بل تشمل عبر عقوبات جماعية الحواضن الاجتماعية للمعارضين ولمناهضي النظام، والى هذا السياق تنتسب عمليات اجتياح امني عسكري لمدن وقرى واحياء في معظم المناطق السورية، ومثلها هي عمليات القصف الجوي والمدفعي قبل ان يدخل القصف الصاروخي على هذا المسار، ومثل ذلك المذابح الجماعية التي ترتكبها عصابات الشبيحة واللجان الشعبية وعمليات الخطف والاغتصاب، وابقاء القتلى في الشوارع وعلى الطرقات العامة، وعمليات التهجير التي طالت مئات المدن والقرى السورية، والتي تحول بسببها نحو اربعة ملايين من سكانها الى لاجئين خارج البلاد او نازحين في مناطق غير مناطقهم بعد ان فقدوا بيوتهم ومعظم ممتلكاتهم ومصادر عيشهم، وقتل او جرح او اعتقل كثير من اقاربهم.

ان اهداف المسارات الجديدة في عمل مؤسسة الرعب السوري كثيرة ومتعددة، لكن الابرز فيها، هو تفتيت للبنى السكانية القائمة في المناطق الهدف، والتي تم اكتشاف مدى معارضتها للنظام او اعتراضها عليه وعلى سياساته، وانخراط بعض ابناء تلك المناطق في سياق المعارضة السياسية والمسلحة للنظام، والسعي الى منع تلك المناطق من القيام باي انشطة ضد النظام، ودفعها للاشتغال بما يخلفه النظام عليها من كوارث بشرية ومادية، ولعل ماحدث في مدينة داريا القريبة من وسط دمشق مثال بارز، حيث كانت داريا ابرز معاقل الحراك السلمي الديموقراطي، وكان اهلها يعارضون اي توجهات نحو التسلح والعسكرة لاشهر طويلة رغم ما أصابهم من قتل واعتقال ودمار، لكن ذلك لم يمنع من اقتحامها وقصفها وتهجير اهلها عدة مرات وبصورة شبه كلية. وثمة هدف اخر للرعب السوري من عمليات القصف والتهجير، وهو ارباك الحياة في المناطق التي مازالت تحظى بقدر ما من الاستقرار، ودفع الفئات المعارضة فيها، والتي يعتبرها النظام فئات نائمة الى التحرك من اجل القضاء عليها في سياق حركة عامة حتى لايضطر النظام الى مواجهتها لاحقاً بصورة منفردة.

ان مسارات الرعب السوري في ما تتضمنه من اعمال، انما تسعى الى ايقاع افدح الخسائر بالسوريين بحيث لايشمل المعارضين السلميين او المسلحين، ولا حواضنهم الاجتماعية فقط، بل ذلك شمل آخرين في سياق عمليات عقاب جماعية، خلاصتها اجبارهم على الرحيل، ومن اراد البقاء، فعليه ان يكون مع النظام، او صامتاً على نحو ما كانت اغلبية السوريين قبل ان تنطلق ثورة أذار 2011، غير ان كل الوقائع تشير الى فشل مسارات الرعب في تحقيق اهدافها، وتؤكد ان السوريين تجاوزوا فكرة القبول الى ما كان عليه الحال في اذار 2011 رغم كل مااصابهم ويصيبهم من قتل ودمار.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى