إياد الجعفريصفحات المستقبل

مساران وتحالفان/ إياد الجعفري

 

 

يبدو أن أولئك الذين استهدفوا جبهة “النُصرة” في سوريا، لم يدرسوا تداعيات ذلك على مختلف الصعد. أو أنهم درسوا ذلك بالفعل، وهم يريدون تحقيق تلك التداعيات، لغاية في نفس يعقوب.

أول تلك التداعيات تظهر في الأردن، حيث ينقلب واحدٌ من أبرز منظريي السلفية الجهادية، أبو محمد المقدسي، على المراجعات التصالحية، غير المُعلنة، مع الدولة الأردنية، ببيانٍ يصف فيه الأنظمة العربية التي تشارك في الحرب على “داعش” و”النُصرة” بـ “الطواغيت”، ويصف جيوشهم بـ “المُرتدة”.

المقدسي الذي شنّ، خلال أشهر، حرباً فقهية وخطابية لاذعة ضد “داعش”، تغيرت حساباته كُلياً مع “الحرب الصليبية” على “المجاهدين” في سوريا والعراق. ولا يبدو أنه وحده في الساحة، فـ “أبو قتادة”، صنو “المقدسي”، رفض تأييد التحالف الدولي لمحاربة “داعش”، رغم أنه سبق ووصف قيادات ومقاتلي الأخيرة بـ “كلاب جهنم”.

الزعيمان الضالعان في عالم “السلفية الجهادية”، أُطلق سراحهما من السجون الأردنية، في خطوة مُثيرة للجدل، نظراً لتوقيتها. فالأول، المقدسي، أُطلق سراحه في منتصف حزيران الماضي، عقب سيطرة “داعش” على الموصل العراقية، بأيام قليلة. أما “أبو قتادة”، فقررت محكمة أمن الدولة الأردنية براءته والإفراج عنه، قبل أيام قليلة. وزاره المقدسي في منزله، وقام بتهنئته، وعقد معه اجتماعاً وُصف بالهام، نظراً لوزن الرجلين كمنظّرَين في تيار “السلفية الجهادية”، في الأردن خصوصاً، وفي الهلال الخصيب عموماً.

متحدثون مُقربون من السلطات الأردنية برروا ذلك بأسباب قانونية، لكن التوقيت رجّح وجود أبعاد سياسية، تحدث عنها خبراء بأنها تندرج في سياق استراتيجية أردنية لفتح سبل الحوار مع قيادات التيار السلفي الجهادي الأردني، ممن يقبلون الحوار. جاء ذلك وسط ما أُشيع عن نيّة الرجلين، المقدسي وأبو قتادة، القيام بمراجعات اجتهادية لفكر “السلفية الجهادية” قد تصل إلى حدّ تبني “سلمية الدعوة” في الأردن، ورفض القيام بأية عمليات عسكرية أو أمنية فيه. ويعتقد مختصون أن الحكومة الأردنية تراهن على المقدسي وأبو قتادة في ضبط المتعاطفين مع “داعش” و”النُصرة” في الأردن. أولئك المتعاطفون الذين يبدو أن أعدادهم في ارتفاع منذ إعلان “الخلافة” من جانب “داعش”، ومن ثم، على وقع ضربات “التحالف الدولي” ضدها مؤخراً.

إذاً، أولى تداعيات حشر “النُصرة” في زاوية “داعش”، عبر قصف الطرفين، بدأت في الأردن، عبر انهيار مبدئي لمسار مصالحة غير معلن بين “تيار السلفية الجهادية” وبين الحكومة الأردنية، خاصةً مع مشاركة الأخيرة في الحرب على “داعش” و”النُصرة”.

أما المجموعة الثانية من التداعيات فقد تتمثل بإتمام مسار مصالحةٍ آخر، أُشيع عن دورٍ للرجلين، المقدسي، وأبو قتادة، في تدشينه، بين “داعش” و”النُصرة”، قبل بدء ضربات التحالف الدولي. وبعد تعرض مواقع للـ “النُصرة” لضربات الحلفاء، يبدو أن هذا المسار سيُصبح أكثر إلحاحاً بالنسبة للمقدسي وأبو قتادة، وربما بالنسبة للعديد من قيادات الصف الثاني والثالث في صفوف “جبهة النُصرة”، التي يُجمع الخبراء أنها مُقبلة، إما على انطواءٍ تحت جناح “داعش”، أو على انشقاقٍ لكوادر وقيادات كثيرة لصالح الأخيرة، وبوتيرة أكبر مما أصاب “النُصرة” في تجارب سابقة.

بناءً على المعطيات السابقة يمكن أن نطرح التساؤل الآتي: هل فكرت قيادة التحالف الدولي في تداعيات حشر “النُصرة” في زاوية “داعش”؟

المؤشرات الأولية لا تُوحي بأن استهداف مواقع للـ “النُصرة” ينحصر في “مجموعة خراسان” التي وصفها الأمريكيون بأنها أخطر من “داعش”. كما أن سياسة الغرب، وحلفائه الإقليميين، منذ القرار الدولي الخاص بقطع سبل تمويل كلٍ من “داعش” و”النصرة”، المُعتمد بالإجماع في مجلس الأمن، في منتصف آب/أغسطس الماضي، لا تُوحي بأن استهداف مواقع “النُصرة” تزامناً مع قصف مواقع لـ “داعش” في سوريا، جاء كحالة استثنائية.

إذاً، هناك نيّة واضحة لحشر “النُصرة” في زاوية “داعش”.

قد يقول البعض بأن ذلك أمر طبيعي، فـ “النُصرة” هي الممثل الشرعي للـ “القاعدة” في سوريا، حسب زعيم الأخيرة “أيمن الظواهري”. وتنظيم “القاعدة” هو العدو اللدود للولايات المتحدة الأمريكية، ومعظم حلفائها الدوليين والإقليميين.

لكن تلك القراءة المُبسطة تتناقض مع استراتيجية أحد حلفاء واشنطن، كمثال، الأردن، التي أطلقت سراح أبرز منظريي “السلفية الجهادية”، تزامناً مع تقدم “داعش” في العراق. والأردن، ذاته، أحد أعضاء التحالف الدولي الذي تشن طائراته الآن ضربات جوية على مواقع “داعش” و”النُصرة”، في الوقت الذي تسعى فيه حكومته لإقامة سبلٍ للحوار مع مُنظرَي السلفية الجهادية، وتراهن عليهما في ضبط إيقاع المتعاطفين مع هذا التيار داخل البلاد.

رهان الحكومة الأردنية انهار بصورة مبدئية، ووصفُ المقدسي للأنظمة العربية المُشاركة في الحرب على “داعش” و”النُصرة” بـ “الطواغيت” وجيوشها بـ “المرتدة”، كفيلٌ بإعطاء مبررٍ شرعي لأي جهادي سلفي لأن يفجر نفسه في أي موقعٍ أردني اليوم.

فهل كانت القضية قضية رهان فاشل؟، أم أبعد من ذلك؟

يصعب الجزم بإجابة حاسمة اليوم. لكن الأيام القادمة ستُوضح الكثير، والأهم أن مؤشراتٍ أولية تُوحي باحتمالات قيام تحالف “جهادي” لمواجهة التحالف الدولي القائم حالياً. وهكذا يبدو أننا سنشهد إعادة ترتيب للاصطفافات على الساحة الميدانية السورية تحديداً. ويبدو أن النظام السوري سيبقى في مأمنٍ، في الأفق المنظور، من تداعيات الاصطفافات الجديدة، إلا إن كان في جُعبة التحالف الدولي مفاجآت أخرى من قبيل قصف “النُصرة” بالتزامن مع قصف “داعش”، ومنذ الساعات الأولى لعملياته العسكرية.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى