صفحات العالم

مستقبل الشعب السوري بين أستانة وجنيف/ محمد زاهد غول

 

 

 

بقيت التحليلات السياسية طوال ست سنوات سابقة تتحدث عن مستقبل الثورة السورية والنظام السوري والدولة السورية، وكان من أوائل من بشّر بنهاية الدولة السورية إلى التقسيم، هو السفير الأمريكي الأسبق في سوريا روبرت فورد، عندما اعلن عام 2012 أن سوريا ذاهبة إلى التقسيم إلى ست دول أو كيانات سياسية. واستمر القتل والتدمير والتهجير ست سنوات لإخضاع الشعب السوري إلى هذه النتيجة، التي تريدها أمريكا وإسرائيل فقط، على الرغم من استخدام أمريكا في عهد أوباما للدولة الإيرانية وجيشها وميليشياتها العربية والأعجمية لتصل إلى هذه النتيجة، إضافة إلى تشجيع أمريكا لروسيا لاستخدام قوتها العسكرية الهائلة الجوية والباليستية والصاروخية لقصف الثورة السورية وإضعافها.

وأخيرا وليس آخرا استخدمت أمريكا مؤتمر أستانة ليوصلها إلى النتيجة نفسها بابتزاز أوجاع ثلاث دول هي روسيا وتركيا وإيران، التي توصف بأنها الدول الضامنة مع أطراف الأزمة لتصل إلى النتيجة نفسها، لذا فإن الحلول السياسية اليوم في مراحلها الأخيرة لتحقيق هذه النبوءة الأمريكية المشؤومة، وكأن الخطة أو المشروع الأمريكي لسوريا والمنطقة هو الذي أخذ حظه الأكبر من النجاح، بينما البقية بما فيها روسيا وإيران وبعض الدول العربية أخذت حظوظها الجزئية، كذلك الحال مع حكومة الأسد وطائفته، أو من سيحل مكانه في المستقبل، بحسب برنامج الانتخابات البرلمانية العامة وفي المكونات الفيدرالية والرئاسية المقبلة.

هذه الحلول أساس مخرجها اليوم هو رفض رئاسة ترامب مواصلة اللعب بورقة «داعش» التي تبناها الرئيس السابق أوباما أولاً، إما لانتهاء الحاجة إليها، أو لرغبة إدارة ترامب انتهاج سياسة جديدة، أو لإدراكها أنه حان الأوان لقطف ثمارها. والأساس الثاني هو إعطاء أمريكا لروسيا دورا عسكريا وضابطا للوضع العسكري في سوريا، مع أوباما وترامب، من خلال قوتها العسكرية، ومعها قوة إيران وميليشياتها الفارسية أو العربية المتحالفة معها، بما فيها قوات الأسد، التي يتم الاحتياج إليها بوصفها القوات الرسمية من الناحية الدولية، وبالأخص من قبل القوات الروسية، بذريعة أنها القوات الرسمية في نظر الأمم المتحدة، وما قام به حزب الله اللبناني مؤخراً من طرد أو ترحيل او الاتفاق مع «داعش» من لبنان إلى إدلب تم بموافقة وتنسيق أمريكي، وهذا ما ألجم الجيش اللبناني عن التدخل أو منع المساومات التي تحكم بها حزب الله اللبناني. والأساس الثالث أن أمريكا أعطت للميليشيات التابعة لحزب العمال الكردستاني دورا عسكريا كبيراً يفوق حجمها، وأصبحت هذه القوات ممثلة باسم «قوات سوريا الديمقراطية» القوة الضاربة باسم المشروع الأمريكي في تقسيمات سوريا شمالاً، ولا تملك روسيا ولا إيران ولا قوات الأسد مواجهتها، لأن تحركاتها تتم بالتنسيق الأمريكي الروسي الإيراني، ولذلك فإن الأساس الرابع وهو أن صاحب الأرض والبلاد وهو الشعب السوري العربي السني ـ الذي يمثل الأغلبية الشعبية في سوريا ـ فقد تم إضعافه وانهاكه وتشتيته وتهجيره، بتهم وذرائع كثيرة، كان آخرها تهمة الإرهاب، وهو اليوم لا يعول كثيرا على دعم بعض الدول العربية التي تبنت قضيته في بداية الثورة، لأنها أصبحت اليوم تدافع عن نفسها داخل حدودها. أما الأساس الخامس وهو التركي، فقد اختار أن يكون داعماً للشعب السوري، إنسانياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، في محنته بقدر ما يستطيعه، بعد أن تحولت سوريا إلى قضية مساومات واتفاقات بين أمريكا وروسيا وإيران وإسرائيل، واتفقت جميعها على تدمير الثورة السورية، وحرمان شعبها من الانتصار، وتقسيم دولته وتشتيت شعبه، ولم يكن التدخل العسكري التركي في درع الفرات وغيره، إلا في حالة الدفاع القصوى عن النفس، سواء في حالة مهاجمة الأراضي التركية من داخل سوريا، أو في حالة منع إقامة مخاطر على الأمن القومي التركي في مشاريع التقسيم المقبلة في سوريا، ولذا تم تقديم الدعم العسكري للجيش السوري الحر والفصائل السورية المعتدلة للدفاع عن أراضيها وحقوقها القومية والسياسية، بما يتعاون مع الرؤية التركية في حماية أمنها وحدودها.

هذا يعني أن سوريا كدولة ذاهبة إلى التقسيم في مؤتمر جنيف المقبل، وقد استطاعت أمريكا من التحكم بنتائج مؤتمر أستانة بالاتفاق مع روسيا ليكون أداة للضبط العسكري على الأرض فقط، ولا خلاف على أن من مصلحة روسيا وإيران وتركيا، وهي الدول الضامنة في مؤتمر أستانة، على أنها معنية جميعها بوقف القتال وإراقة الدماء في سوريا، لأنها استنزفت الكثير من قدراتها وقواتها العسكرية ومواردها البشرية والاقتصادية، وأصبحت هذه الدول أكثر إدراكا ويقينا أن الإدارة الأمريكية لن تسمح بحل سياسي يعارض رؤيتها لمستقبل سوريا مهما طال الزمن، أو لا يأخذ الأمن الإسرائيلي بعين الاعتبار، وبالتالي فلم يعد من مصلحة هذه الدول الثلاث مخالفة الرؤية الأمريكية، إلا في حالة تهديد امنها القومي الداخلي، ولذا تعمل كل واحدة منها، روسيا وتركيا وإيران، على تجنب الاصطدام مع أمريكا، ولكنها على تواصل للتعاون بمنع أمريكا عن ما يضر بمصالحها جميعاً، فكل واحدة منها بتفاهم او بدون تفاهم تعمل لحماية نفسها من مخاطر المشروع الأمريكي عليها في سوريا والمنطقة، ولذا فإن مطالبها وتعاونها مع بعضها هو نوع من البحث عن مخارج من الخطر الذي يهددها جميعاً أو منفردة، ولذا تحاول كل واحدة منها إقناع الأخرى بأن الخطر عليها في سوريا من المشروع الأمريكي هو مهدد للجميع، وهذا من أهم أسباب التقارب الروسي التركي، او التقارب التركي الإيراني، أو التقارب الروسي الايراني، بل دخل على الخط أخير التفاهم السعودي الروسي، والتفاهم السعودي التركي، وما يجري الآن من تقارب سعودي إيراني هو على المنوال نفسه، فما قاله ديمستورا من أن الحرب السورية قد انتهت، تعني بالنسبة لهذه الدول ان تجلس إلى طاولة توزيع الحصص، أو طاولة دفع المخاطر عن نفسها وحدودها وشعبها ومصالحها.

ولكن للأسف فإن هذه الدول حتى الآن لا تقوى على مواجهة المشروع الأمريكي في سوريا، وإنما تسعى لجعل حصصها ومصالحها أفضل وأقوى، ولذلك لم تتأخر روسيا إلا ساعات قليلة لتنفي قيام طائراتها الحربية يوم السبت 16/9/2017 بقصف مواقع لقوات سوريا الديمقراطية وقتلها 45 عنصرا منها في دير الزور، على الرغم من أن الخبر السابق عن القصف الروسي لدير الزور استعمل ورقة النظام السوري أيضاً، مدعيا أن القصف كان مشتركا بين الطائرات الروسية وطائرات النظام، ومع ذلك نفت روسيا استهدافها لقوات سوريا الديمقراطية، لانها تعلم ان هذا الاستهداف هو ضد المشروع الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية في سوريا، وهذا يعني أنه لا يمكن الركون إلى روسيا لمنع المشروع الأمريكي في سوريا.

إن المفاوضات التي جرت في أستانة 6 تعتبر مرحلة نهائية للمباحثات الرامية إلى حل الأزمة السورية القائمة منذ عام 2011، فهي وإن كانت تركز في الجانب العسكري، إلا أنها تصب في الحل السياسي في النهاية، أو على الأقل إلى هدنة طويلة الأمد، على طريقة الهدنة السورية الإسرائيلية، ولذا ليس بمستبعد أن يتم إحضار قوات دولية للفصل بين قوات الكيانات السياسية المقبلة داخل سوريا، لحفظ الأمن والسلام، فقد أبدى الرئيس الكازخي نورباييف استعداد بلاده لإرسال قوات سلام كازاخية إلى سوريا بشرط إقرار وإشراف أممي عليها، فهذا مؤشر على ان مؤتمر أستانة 6 بحث ذلك في الجلسات السرية على الأقل، وأن مشروع التقسيم الفيدرالي ستتولاه الأمم المتحدة بالنيابة عن أمريكا وباقي الأطراف لمنحه المشروعية الدولية.

كاتب تركي

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى