صفحات العالم

مستقبل سوريا؟!


عبد المنعم سعيد

اهبط على أي مؤتمر دولي يخص الشرق الأوسط هذه الأيام، وسوف تجد أسئلة كثيرة، ولكن يقع في مقدمتها السؤال عن مستقبل سوريا. وبطريقة أخرى: هل تنجح الثورة السورية في الوصول إلى غاياتها بالإطاحة بنظام البعث، ومن بعدها الدخول في مرحلة انتقالية؟ السؤال ليس جديدا لمن تابع هذه المؤتمرات منذ العام الماضي، فقد كان السؤال مطروحا لوقت طويل حتى بعد دخول حلف الأطلنطي المعركة الثورية في ليبيا، وظل كذلك في اليمن، والحظوظ تتراوح ما بين تطبيق المبادرة الخليجية أو خفوت فرصها. وهنا وهناك لم يهدأ السؤال حتى ذهب القذافي إلى غير رجعة، وحتى تم التصديق الشعبي اليمني على رئيس جديد للجمهورية، حتى ولو كان انتقاليا، وكان يوما نائبا للرئيس السابق. تغيرت الحالة ورفع السؤال، ولكنه ظل مطروحا فيما يخص سوريا التي احتدمت فيها المعارك، وزادت فيها العزلة، ووصل عدد القتلى إلى ما يتراوح ما بين 7500 و10 آلاف قتيل، بالإضافة إلى الجرحى والمدن المدمرة. المشهد دام ولا شك، ولكن لأنه جزء من قصة «الربيع العربي» المثيرة والدامية معا، فإن النظارة لا يتساءلون فقط عما إذا كان ستقطعها الحالة السورية، أم أنها جزء من استمرارية تمهد لفصول بعدها ربما تكون أكثر إثارة.

الإجابة عن السؤال هذه المرة لم تكن أبدا قاطعة ونهائية، وجاء من الأغلبية أن النظام السوري سوف يسقط كما سقط غيره لأسباب كثيرة سوف نذكرها توا، ولكن التحفظ كان مرجحا أن يبقى حتى نهاية العام، ولا يسقط إلا بعد وقت طويل، وثمن فادح. وسبب البقاء لهذا المدى هو أن النظام قد أخذ القسوة حتى آخرها من استخدام القوة العسكرية والأمنية بحيث لم يعد لديها حياء إنساني. وعلى الرغم من أنه حاول أن يحد من الإعلام وبالتالي يقلل من خسائره العالمية، فإن الإعلام نجح في الوصول إلى الساحة فكانت استجابة النظام مزيدا من القتل والترويع. وعلى الرغم من أن محاولة الإصلاح لم تخدع أحدا لأن النظام ليس لديه القدرة ولا الاستعداد لتقديم تنازلات حقيقية، فإنه ظهر للبقية الباقية من مؤيديه من دول العالم أنه يحاول أن يفعل شيئا، وخاصة روسيا والصين، التي تتعلق كلتاهما بقشة حتى لا تتهما بأنهما، وهما دولتان غير ديمقراطيتين أو شبه ديمقراطيتين، تقفان أمام حالة من العسف ضد حقوق الإنسان.

ولكن الأوراق الباقية في يد النظام تظل أنه لم يعط أحدا مجالا للشك في أن لديه الإرادة حتى يصل بالطريق إلى آخره، وهو في نفس الوقت يستثمر إلى أقصى حد حلفاءه في إيران وحزب الله وحتى وقت قريب حماس؛ سواء للتعامل مع أزمته الاقتصادية أو لإبقاء صورته واقعة ضمن معسكر المقاومة والممانعة الذي يوفر غطاء ما من الشرعية قد لا يصدقها أحد، ولكنها تظل ورقة التوت التي يغطي بها النظام عورته. والأهم من ذلك كله أن انقسام المعارضة السورية بين المجلس الوطني السوري، ولجان التنسيق السورية، والجيش الحر، ومجالس كثيرة تمثل أقليات متعددة يعطي مصداقية للصورة الطائفية التي يروع بها النظام العالم والشعب السوري؛ أن سقوطه لا يعني سوى الحرب الأهلية والصراع بين الطوائف.

ومع ذلك، فإن النظام يظل مجروحا، فعزلته تزداد داخل البلاد، وشرعيته بين أغلبية الشعب السوري باتت مفقودة، وحتى تباهيه أن كبرى المدن السورية (دمشق وحلب) لم تنضم إلى الثورة، بدأت تنزاح عنها فضيلة السكوت، وبدأت المظاهرات تخرج منها يوما بعد آخر. وعلى أي حال فإن المتحدثين عن حتمية سقوط النظام يرون في ذلك أن الثورة باتت تشمل كل الشعب السوري تقريبا، ومن ثم فإن خروج الأموال بات يحدث بسرعة أكبر من أي وقت مضى. وعلى الرغم من الفيتو الروسي والصيني، فإن اجتماع أصدقاء سوريا أظهر أن انقسام المعارضة ليس بالصورة التي يخشاها مؤيدو الثورة، وأنه على العكس يعكس تنوعا مطابقا للحالة السورية، حيث الاختلاف ليس صراعا وإنما هو جزء من العملية التفاوضية لجماعات سياسية يوجد ما يجمعها في إسقاط النظام أكثر مما يفرقها. وكان هذا المشهد هو الذي جعل في النهاية روسيا والصين توافقان على قرار للأمم المتحدة بمد العون الإنساني للمحاصرين في سوريا.

هكذا تبدو الصورة معقدة، ولكنها لا تغطي على إمكانية المفاجآت التي قد تسبب تمردا داخل الجيش السوري أو عمليات للخلاص من القيادة السورية، بالاغتيال أو بالاختيار، بعد أن يتأكد الجميع من النهاية الحتمية. فلم يعد ممكنا تصور عودة الأمور إلى مجراها مرة أخرى، أو كما كانت عليه، أو أن يقبل أحد دستورا يعطي رئيس الجمهورية 14 عاما إضافية، وكل ذلك بعد كل ما نُزف من دماء وضاع من شهداء. المسألة هي أن النظام سوف يسقط حتما، وبقي متى، وبأي تكلفة؟ وهذه الأخيرة يمكن تقليلها بإدارة أفضل للملف الطائفي وحماية المدنيين والصمود في وجه الآلة العسكرية الجبارة.

وجهة النظر السائدة هذه يوجد استثناءات عليها، فسوريا هي الحلقة الخامسة من «الربيع العربي». وفي الحلقات الأربع السابقة، لم تكن النتائج دوما مريحة لكثيرين في المجتمع الدولي، الذي لم يكن مستعدا لتقديم كل هذا التأييد. سوف يجد الدول العربية الواحدة بعد الأخرى تسقط في يد قوى إسلامية لم يعلم أحد بعد متى ستكون معتدلة أو متطرفة، وهل تعيش دائما في مرحلة الجهاد الأصغر أم أنها سوف تدخل مباشرة بعد حكم البلاد إلى مرحلة الجهاد الأكبر للتنمية والتعمير والتقدم. ولذا فإن أحدا لا يبدو متعجلا، أو على استعداد لتقديم تضحيات كبرى لحسم المعركة السورية عن طريق حظر جوي فوق الأجواء السورية أو منع جحافل الدبابات السورية من الانقضاض على المدن السورية الواحدة بعد الأخرى.

ما يمكن عمله حتى الآن هو سلسلة إضافية من الضغوط البسيطة والمتوسطة، ولكنها التي لا تشمل تدخلا عسكريا أو ثمنا قد يدفع أطرافا أخرى للتدخل في المنطقة نفسها بحيث لا تصير المسألة معركة دمشق فقط، وإنما معركة بغداد وبيروت أيضا. مثل ذلك يمثل مانعا إضافيا، ومن ثم فإن العبء الأكبر في تغيير النظام السوري سوف يظل واقعا على الثورة السورية ذاتها التي سوف تدخل في معركة عض للأصابع مع النظام السوري. لا يوجد ما يؤكد أن الإنهاك والإرهاق لم يعد ثقيلا على الشعب السوري، الذي ظل يقاتل عاما كاملا الآن دون وجود ضوء مؤكد في نهاية النفق. أو هكذا يقول مثل هذا المنطق، ولكن التجربة تثبت دائما، ولدينا الآن تجارب كثيرة، أن الانهيار حينما يأتي يكون سريعا وقاصما، بحيث لا يكون هناك نجاة للنظام بعده.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى