صفحات الناس

مسرحية “الضربة”: هل هذه ثورتنا؟/ عاصم حمشو

(*)

يعيش السوريون، الذين دفعوا الغالي والثمين ليصلوا يوماً ما إلى حلم نسجوا خيوطه بدمائهم، تخبطاً حيال موقفهم من الضربة العسكرية المرتقبة ضد نظام الأسد، وهم الذين لم يتركوا حلاً أو وسيلة لينالوا حقهم في الحرية والكرامة.

من قال إن ما يريده المجتمع الدولي وأممه المتحدة، اليوم، هو الخير للشعب السوري؟ أو أن هذا المجتمع الدولي بمنظماته يسعى أصلاً إلى تحقيق حرية شعب في بلد ما؟ ومن قال إن ثوار الحرية في سوريا لا يعلمون هذا كله، أو أنهم غير آبهين بالمخاطر وبما ستؤول إليه الأوضاع بعد هذه الضربة؟ أو أنهم لا يعلمون بأنها ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها النظام غاز السارين ضد المدنيين؟

لكن السؤال يكمن في حقيقة مفجعة: من يخلّص هذا الشعب من آلة القتل والتدمير ضد المدنيين وكيف؟ من يوقف صواريخ “سكود” التي تسقط على المباني لتزهق مئات الأرواح البريئة؟ من يوقف البراميل المتساقطة من طائرات النظام على الأطفال والعزّل؟ أخيراً وليس آخراً، هل على أهالي المناطق الثائرة أن ينسوا كل المجازر التي ارتكبت في أبنائهم، من الحولة إلى داريا إلى دير العصافير إلى دير الزور وحلب وإدلب و..و..و.. وصولاً إلى مجزرة الغوطتين بالكيماوي؟ وهل ننسى مئات الآلاف من الأرواح التي أزهقت على الأرض السورية، وهل ننسى مئات الآلاف من المعتقلين؟ الأبسط من ذلك: ألا تكفي دماء غياث مطر وباسل شحادة على الأقل لنطالب بإسقاط النظام؟

لكن، نقول لمن يحذرون من الضربة الأميركية بحجة أن علينا قراءة التاريخ، إن القوى الدولية وعلى رأسها أميركا تستعد لضرب مواقع عسكرية محددة للنظام في سوريا من دون إسقاطه. أي أن الضربة ليست لإسقاط الأسد وتدمير النظام كما حصل في العراق، ولا هي طبعاً لتحقيق مطالب المعارضة أو الثأر لأرواح الموتى الذين قتلوا بالأسلحة المحرمة دولياً. بل هي ضربة تأديبية، خصوصاً في فترة الموازنات الدولية المؤدية إلى جنيف. ويمكننا القول إن الضربة من أجل حفظ ماء الوجه ومحاولة الضغط على روسيا من أجل مؤتمر جنيف. هكذا، إن حصلت الضربة ودمرت ما يملكه النظام من عتاد للقتل، لكن بقيت تركيبته الأمنية ولجانه الشعبية وظهر بعدها كالمنتصر، سيعلو صوت المجتمع الدولي وتقوى حجته بأن الخيار الوحيد للأزمة السورية هو الطريق إلى جنيف.

بالطبع لم تخرج الثورة من أجل ذلك.

يتساءل الكثيرون من الناشطين والقوى الثورية على الأرض، والذين لا يملكون معلومات عن حيثيات هذه الضربة وآلياتها وما يمكنهم فعله أثناءها ومن دون غض النظر عن التحركات التي يقوم بها النظام من إعادة انتشار وتغيير مواقع ومشاهدات عن نقل أسلحة من مكان إلى آخر وانتشاره المسلح داخل المدن للاحتماء بين التجمعات المدنية وتجهيز نفسه للمرحلة التي تتلو الضربة العسكرية.. يتساءلون: هل ستكون المعارضة قادرة على ملء الفراغ الذي تسابقها عليه قوى عدمية متطرفة نشأت كالطحالب في الماء العكر؟ هل سيتابع الجيش الحر تقدمه والاستفادة من هذه الضربات ليقوم بالتوحد على الأرض وفرض سيطرة كاملة على المواقع العسكرية؟ هل ستستطيع القوى الثورية، من تنسيقيات ومجالس محلية وحركات مجتمع مدني، بسط السيطرة الأخلاقية منعاً للانجرار إلى حرب طائفية؟ وماذا عن معتقلات وسجون النظام حيث يقبع في ما يشبه الموت، أكثر من 300 ألف مواطن سوري موثقين بالاسم، بحسب منظمات محلية ودولية، وعدد كبير منهم في مراكز النظام في دمشق ومطار المزة العسكري، في فرع فلسطين والدوريات، المربع الأمني بكفر سوسة، فرع 215، السجن المركزي بريف دمشق، وعدرا.

اذا حصلت الضربة العسكرية ستستهدف مواقع فيها، تحت الأرض، آلاف المعتقلين، وبالتأكيد من قتل الناس قرابة سنوات ثلاث، ومن ضربهم بالكيماوي وأعطى الحجة لأميركا للتدخل في سوريا لن يبالي بأرواح المدنيين.

بعد كل هذا، هل هذه هي ثورتنا؟ وهل يمكننا العودة إلى الكفاح الشعبي الذي يحقق للثورة الشعبية مطالبها بالحرية والكرامة؟ هذا السؤال يزداد الآن أهمية.

(*) ناشط سوري

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى