صبر درويشصفحات الناس

مسعفو الغوطة يتحدّون الموت

صبر درويش

خلف خطوط الجبهة، تبدو أحياء بلدات الغوطة مكسورة، إثر قصف عنيف تعرضت له. الدمار يعم المكان، والضحايا أطفال بعمر الورد، نساء ورجال وجدوا أنفسهم وجهاً لوجه أمام حرب لا موازين متكافئة للقوى فيها.

يبذل المتطوعون في أعمال الإغاثة، الذين خذلهم أطباؤهم وممرضوهم، جهوداً جبارة، ينقذون خلالها من يمكن إنقاذه. ينتشلون الجثث من بين الأنقاض، ويلهثون بحثاً عن الأحياء، يسعفون الجرحى بما تيسر من مواد طبية وغير طبية تم ابتكارها على عجل في ظل نقص خطير في المواد الإسعافية والكوادر الطبية.  لا شيء بقي على حاله في هذه المدن المنتهكة، والشعور السائد لدى آخر المدنيين، هو أننا وحيدون في هذه المعركة.

تهطل على بلدات الغوطة يومياً عشرات القذائف من شتى الأشكال والمسميات، لا يهدف منها النظام السوري لضرب معاقل الثوار كما يزعم الاعلام الرسمي، بل يجري القصف على الحاضنة الشعبية للثوار، ولذلك فإن غالبية الضحايا هم من غير المقاتلين، أطفال كثر ونساء ورجال لم يسعفهم الوقت بالهروب من موت محتم.

عند كل عملية قصف، يهرع عمال الإغاثة، وهم من الشبان المتطوعين، إلى مكان الدمار. ينقلون الجرحى بسيارات متواضعة، ويذهبون بهم إلى المشافي الميدانية، التي أقيمت غالبيتها في أقبية تحت الأرض، وذلك خوفاً من القصف الذي بات يستهدفها، بينما نادراً ما يتواجد طبيب مختص في هذه المشافي. الكادر بشكل عام يتألف من الشبان والشابات المتطوعين في أعمال الإغاثة، والذين كانوا قد تلقوا تدريبات سريعة تؤهلهم كي يوقفوا حالات النزيف أو يضمدوا جرحاً طفيفاً ريثما يتم نقل الجرحى إلى مكان آمن. بيد أن الظروف التي فرضت عليهم، نتيجة عدد الجرحى الهائل ونقص الطاقم المتخصص، دفعتهم إلى أن ينجزوا أعمالاً هي أشبه بالإعجاز. إذ راح المسعفون يجرون بعض العمليات الجراحية. وقد جرت إحدى هذه العمليات أمامنا لطفلة لم يتجاوز عمرها الـ3 سنوات. كما أجروا عمليات بتر الأعضاء وخياطة الجروح، حتى وصلت بهم الحالة إلى القيام بعمليات الولادة لبعض النساء. وكل هذا في ظل نقص خطير بالمعدات الطبية والأدوية، وتحديداً المضادات الحيوية منها والمسكنات.

يقول أبو عبد الله، المسؤول عن نقطة زملكا وعربين، “لقد وجّهنا عدداً كبيراً من النداءات للمنظمات الدولية وللقوى السياسية، وعبرنا بأكثر من طريقة عن خطورة الأوضاع في الغوطة، كما أكدنا على أن هذه المشافي لن تصمد إن لم تتلق الدعم الكافي”.

وبالرغم من تمكن بعض الجهات الداعمة من إيصال كميات لا بأس بها من المساعدات الطبية، وحتى أنه تم إرسال العديد من المعدات والأجهزة الضرورية في عمليات إنقاذ الجرحى، بيد أن الحصار، الذي ضرب على محيط الغوطة منذ منتصف آذار/ مارس من العام الحالي، منع وصول أي شكل من أشكال المساعدات ضمن اطار ما يعرف بسياسة “تجفيف منابع الدعم للثوار”.

وعلى الإثر، نضبت المواد الطبية والإسعافية حتى بات إيجاد علبة دواء للأطفال يعد إنجازاً يُحسب لصاحبه. الأمر الذي يجعل من الوضع في مدن وبلدات الغوطة الشرقية في غاية السوء على الصعد كافة. إلا أن الوضع الطبي هو الأسوأ من نوعه ويشير إلى كارثة قد تتعرض لها هذه البقعة من الأرض السورية، التي حولتها قوات النظام السوري من غوطة إلى أرض يباب غير قابلة للعيش.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى