صفحات الناس

مشكلة اللاجئين السوريين -مجموعة مقالات-

 

 

تداعيات ازمة النازحين السوريين على لبنان/ لينا الخطيب

يعاني لبنان احتقاناً اجتماعياً ناتجاً من أزمة النازحين السوريين. للاحتقان اسباب متعددة، من عدد النازحين بالنسبة الى عدد اللبنانيين، إلى التوزيع الديموغرافي للنازحين وكثافة أعدادهم في المناطق المهمشة أصلاً، إلى عدم وجود دعم مالي كاف، إلى إجراءات حكومية نتيجتها عكسية. فلبنان يحتضن نازحين سوريين أكثر من أي بلد آخر في العالم، بنسبة ٣٨ في المئة من مجموع عدد النازحين السوريين (أكثر من مليون سوري وفق السجلات الرسمية)، والذين يشكلون الآن حوالى ثلث سكان لبنان.

86 في المئة من النازحين يقيمون في الأنحاء التي تعيش فيها أكثرية اللبنانيين المهمشين (٦٦ في المئة). وهناك مشكلة ازدحام سكنية في بعض المناطق. ففي البقاع والشمال، ازداد عدد سكان بعض القرى بنسبة مئة في المئة. في بلدة عرسال مثلاً، التي تشهد اشتباكات متكررة في محيط مخيمات النازحين، يعيش الآن 40 ألف سوري الى جانب 35 ألف لبناني. مقابل هذا، تم دفع أقل من ثلث الاموال الخارجية الموعودة للبنان من أجل دعم النازحين، وفق منظمة العفو الدولية.

هذا الوضع دفع طبعاً الكثير من النازحين نحو السعي لإيجاد فرص العمل، ما خلق انطباعاً بأنهم يأخذون فرص العمل من طريق اللبنانيين. ردود فعل الحكومة اللبنانية كانت باتخاذ اجراءات تحد من حرية عمل النازحين في لبنان، ما دفع الكثير منهم نحو الاقتصاد غير الرسمي. حالياً، ثلث النازحين الذكور عاطلون من العمل، بينما معدل تحصيل أولئك الذين يعملون هو فقط ٤٠ في المئة من الحد الأدنى للأجور، والوضع أسوأ بالنسبة الى الإناث، ناهيك عن الاستغلال والإساءة.

عندما نضع كل هذه العوامل مع بعضها بعضاً، نرى أن الاحتقان الحالي في لبنان بسبب أزمة النازحين أمر متوقع. أصبحت المجتمعات المضيفة ترى النازحين منافسين اقتصاديين وسبب استنزاف للخدمات الصحية والاجتماعية. وما زاد الوضع سوءاً هو الحوادث الأمنية في الشمال اللبناني والبقاع، ما جعل مخيمات النازحين ينظر اليها كبؤر إرهابية. نتيجة كل العوامل الآنفة، تغيرت النظرة العامة للنازحين من ضحايا الى ارهابيين.

ولكن المعضلة ليست فقط مسألة وجهة نظر، ولا في أن أكثرية النازحين تقوم فعلاً بأعمال إجرامية. ببساطة، يستتبع ازدياد عدد السكان في أي بلد بشكل تلقائي ازدياد عدد الأعمال غير القانونية بسبب وجود عدد أكبر من الناس. المشكلة في لبنان هي أن ازدياد عدد الجرائم الناجم عن تفاقم عدد السكان يقابله ازدياد بسبب الأوضاع الاقتصادية والأمنية، حيث إن التهميش الاقتصادي يدفع البعض نحو الجريمة والتنظيمات الإرهابية، وهذا ينعكس سلباً على صورة النازحين بعامة وعلى علاقتهم باللبنانيين.

في حزيران (يونيو) وتموز (يوليو) ٢٠١٤ قامت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بدراسة 446 منطقة تستضيف النازحين في لبنان، ووجدت أن 61 في المئة من هذه المجتمعات أقرت بحصول حوادث توتر أو عنف متعلقة بالنازحين خلال الأشهر الستة السابقة لتاريخ الاستطلاع، أي منذ بداية السنة. وهناك عشرات الحالات الموثقة من جانب المجتمع المدني اللبناني والدولي والأمم المتحدة وغيرها تشير الى استخدام العنف ضد النازحين. فمثلاً، يتم توزيع المناشير في كل المناطق اللبنانية التي تدعو النازحين الى المغادرة، أحياناً تحت التهديد بالموت او اعمال العنف. وهناك الكثير من حالات التهجم على السوريين من أجل طردهم من المناطق أو لحظر تجولهم.

يجب تحليل هذه الأزمة من خلال إطار أوسع هو إطار الدولة، لأن وجود مؤسسات الدولة عامل إيجابي للحد من النزاع. وإذا نظرنا الى الأرقام التي نشرتها الأمم المتحدة عن حالات العنف نجد أن منطقتي بيروت وجبل لبنان حصلت فيهما نسبة حوادث أقل من مناطق أخرى، وهذا يعزى جزئياً الى وجود بلديات فعالة اكثر من نظيراتها في المناطق الأخرى، ولوجود أكبر للشرطة والجيش اللبناني (كما أن النازحين في بيروت والجبل هم اصلاً أغنى من النازحين الموجودين في المناطق النائية، وهذا يساهم في تخفيف حدة التشنج الاجتماعي والاقتصادي).

ولكن هناك حوادث أشير إليها في تقارير منظمة «هيومن رايتس واتش» تمت في وجود الشرطة، التي لم تتدخل لوقفها. فيما هناك الكثير من الحوادث التي لا يتم الابلاغ عنها بسبب خوف النازحين من الانتقام، بينما هناك حالات قامت الشرطة فيها بالرد على المُبلغين بأن ينسوا الأمر. وهناك عدد من المبلغين السوريين الذين اعتقلوا عند الذهاب الى الشرطة للإبلاغ عن مثل هذه الحوادث، بعضهم اعتقل بسبب عدم حمل الأوراق التي تثبت إقامتهم في لبنان والبعض الآخر على رغم حملهم بطاقات الإقامة.

إن مختلف البلديات في لبنان تتعامل مع النازحين بشكل انفرادي، فمثلاً، أصدرت بلدية زحلة قراراً بمنع تجول «الاجانب» في الليل، وهذا طبعاً لا علاقة له بالقانون اللبناني. والمشكلة هنا تقع ضمن اطار عدم وجود سياسة مركزية من جانب الدولة تنظم كيفية تعامل البلديات مع اوضاع النازحين. وفي الكثير من المناطق، ليست الدولة هي من يطبق القانون ولكن الأحزاب أو العشائر أو الأفراد.

وللاحتقان الاجتماعي منحى آخر هو التوزيع الطائفي في لبنان. فحالياً، بسبب كون حوالى ثلاثة أرباع النازحين من الطائفة السنّية، أصبح السنّة يشكلون العدد الأكبر من سكان لبنان، مما يشكل قلقاً من التداعيات السياسية والأمنية لهذا التغيير الديموغرافي، والتي بدأت تُذكّر بأزمة اللاجئين الفلسطينيين وإشكالية تجنيسهم والسماح لهم بالعمل، كما هناك اشكالية الشحن الطائفي ضمن اطار «الدفاع عن النفس»، والذي تستغله جهات عدة سياسية للدعوة إلى التسلح بحجة حماية المجتمعات من الارهاب.

والواضح أن الدولة اللبنانية لا تملك أي خطة مدروسة للتعامل مع هذا الوضع، علماً أن الكثير من النازحين لن يعودوا الى سورية بشكل تلقائي حين انتهاء الحرب الأهلية، حيث إن الكثير منهم فقدوا منازلهم ومصادر رزقهم في بلدهم. هناك بعض البرامج من جانب المجتمع المدني والأمم المتحدة والتي تهدف الى تخفيف حدة التشنج الاجتماعي الناتج من أزمة النازحين. وتشمل هذه البرامج عقد حلقات الحوار بين السكان، وحل النزاعات، والعمل مع المؤسسات التربوية والإعلامية لتوعية الناس ولمكافحة العنصرية، وزيادة الخدمات الاجتماعية والصحية وخلق فرص العمل في مجالات تعتبر غير منافِسة لمجالات عمل اللبنانيين إجمالاً (كصناعة الحرف مثلاً).

هذه البرامج هي أنجح نسبياً في الجنوب حيث هناك بنية تحتية أفضل للمجتمع المدني جراء الأزمات السابقة في هذه المنطقة والتي استدعت إحداث برامج متعددة للمنظمات غير الحكومية. ولكن يعاني الشمال والبقاع وضعاً أمنياً يحد من نطاق تطبيق برامج المجتمع المدني. وإذا نظرنا الى آخر الأرقام المنشورة من جانب الأمم المتحدة نجد أن هذه البرامج في جميع أنحاء لبنان هي بعيدة جداً من تحقيق أهدافها. فمثلاً، حتى شهر أيلول (سبتمبر) الماضي قامت مفوضية الأمم المتحدة بتدريب 843 شخصاً فقط لترويج الانسجام الاجتماعي من أصل الهدف الاساسي الذي كان يقضي بتدريب 7 آلاف شخص، بينما تم إيجاد فرص عمل جديدة لأقل من 5 آلاف شخص من أصل هدف هو 90 ألفاً.

نتيجة هذه العوامل المشتركة هي أن الكثير من المناطق تدخل في حلقة مفرغة: تفاقم الوضع الاقتصادي والأمني يؤدي إلى الاحتقان الاجتماعي، ما يزيد الوضع الأمني تفاقماً، وهذا بدوره يمنع عمل المجتمع المدني بكفاءة، ما يزيد من الاحتقان الاجتماعي والضغط الاقتصادي، ويؤدي إلى المزيد من التردي في الوضع الأمني.

في إطار عدم وجود فعال للدولة اللبنانية والدعم الخارجي على المستوى المطلوب وضيق نطاق قدرة المجتمع المدني، يدخل لبنان في دوامة أزمة مزمنة تهدد العقد الاجتماعي في البلد ومستقبله الأمني. فإذا كان لبنان يفتقر اليوم الى مقومات بيئة حاضنة للحركات الإرهابية المتطرفة، فإن زيادة نسبة التهميش الاقتصادي والاحتقان الاجتماعي والطائفي في ظل استمرار الازمة السورية ستشكل عوامل يمكن أن تدفع لبنان إلى عدم الاستقرار على المدى البعيد. المسؤولية هنا مشتركة، وجزء كبير منها يقع على عاتق المجتمع الدولي وكيفية تعامله مع الأزمة السورية. وصحيح أن قدرة لبنان على الإلحاح على المجتمع الدولي لنجدته محدودة، ولكن في امكان الحكومة اللبنانية والمجتمع السياسي اللبناني أن يكونا أكثر استجابة لمتطلبات أزمة النازحين. وعسى أن تصبح الأزمة من دوافع الاتفاق السياسي الداخلي في لبنان، حيث إن جميع الأطراف السياسية تتأذى من تداعياتها.

* كاتبة لبنانية ومديرة مركز «كارنيغي» للشرق الاوسط في بيروت

الحياة

 

 

اللاجئون السوريون ومسؤولية السلطة السورية/ حسين العودات

لجأ أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون سوري إلى بلاد العالم، سواء منها بلدان الجوار أم بلدان أوروبية وأميركية وآسيوية وأفريقية. ونادراً ما يوجد بلد في العالم لم يلجأ إليه سوريون، ربما باستثناء كوريا الشمالية، إما بشكل شرعي أو غير شرعي. وحتى أعماق البحر المتوسط لجأ إليها سوريون أمواتاً بعدما غرقت السفن التي تقلهم أو أغرقها أصحابها المهربون. ويقدر عدد السوريين الذين غرقوا في هذا البحر في طريقهم للهجرة إلى أوروبا بأكثر من خمسة آلاف شخص. وباستثناء عشرات ألوف السوريين الذين حالفهم الحظ في بلدان أوروبا الغربية حيث يتقاضون الحد الأدنى من «الجعالات» التي لا تكاد تكفيهم شظف العيش ولمدة عام واحد فقط، فإن الملايين الثلاثة الذين لجأوا إلى دول الجوار، يعيش معظمهم في المخيمات، تحت غائلة البرد والجوع والإذلال، من دون أي أمل يلوح في الأفق، ليس لخلاصهم بالعودة، بل حتى لتخفيف سوء أحوالهم وتحسين شروط لجوئهم بما يساعدهم على أن يشبعوا الخبز ويتقوا البرد والمطر والطين والسيول، إضافة لانعدام توفر الشروط الصحية والتعليمية وشروط الحياة الإنسانية عامة.

وقد أعلنت مؤسسات الأمم المتحدة لمساعدة اللاجئين وإغاثتهم أنها ستتوقف عن مساعدة هؤلاء اعتباراً من مطلع العام المقبل، حتى أنها لم تجد لديها ما يساعدها على إغاثتهم حتى نهاية الشهر الحالي. وعلى ذلك، فإن هذه الملايين الثلاثة من السوريين لن تجد ما تأكله أو تلبسه أو تتدفأ به، ولن يقدم لهم لا الدواء ولا الغذاء، وسيتركون وحدهم يواجهون الطبيعة من دون توفر شروط مواجهتها، ما يغري الرجال بأن يلتحقوا بالمنظمات الإرهابية التي تدفع لهم رواتب تعيل أسرهم، ويغوي النساء للقيام بأعمال لا يردنها، ذلك لأن عمل الأطفال اللاجئين بمسح الأحذية والتسول والقيام بالأعمال القذرة لا يكفي لسد حاجة الأسرة. فكأن بلاد العالم كلها، غنيها وفقيرها ومنظمات الأمم المتحدة على تنوعها، تدير ظهرها للسوريين وتقول لهم «اذهبوا أنتم وربكم فقاتلوا إنا ها هنا قاعدون»!

لقد زعمت الحكومة الأردنية أنها بحاجة لثلاثة مليارات دولار مقابل «النفقات» و»التقديمات» التي تنفقها على اللاجئين السوريين، علماً أنها منعت معالجتهم في مستشفيات الدولة المجانية، كما منعت تشغيلهم وتقديم أي مساعدات لهم. وتشير معظم الدراسات التي أجريت على أوضاعهم في الأردن أن 40 في المئة من المساعدات المقدمة لهم لا تصلهم، ويضع بعض الأفراد الأردنيين اليد عليها سواء من يعمل بشؤون هؤلاء اللاجئين، أو من يعمل بتوزيع المساعدات، أو من يؤدي مهمات أمنية أم غير ذلك. ومع أن هذا الأمر سلوك فردي من طواقم العاملين في شؤون اللاجئين ليس للسلطات الأردنية يد فيه، إلا أنها قد تعلم بما يجري ولا تحرك ساكناً.

إن الأمر المستغرب هو رفض الأردن دخول أي سوري للأردن (لاجئاً كان أم غير لاجئ) مع بعض الاستثناءات التي لا تلغي القاعدة. وصار شأن السياسة الأردنية هذه تجاه السوريين كما هي حال نظرة الفقهاء للدين الإسلامي. فالدين انطلق من أن كل شيء حلال باستثناء عدد من المحرمات ذكرها نصاً وسماها صراحة، إلا أن الفقهاء استنوا قاعدة معاكسة هي أن كل شيء حرام باستثناء ما يسمحون به. وهذا هو حال السياسة الأردنية التي جعلت الأساس منع دخول السوريين بحجة رفض اللجوء، والاستثناء دخولهم، وهذا يتجاوز أمر اللاجئين واللجوء والقدرة على استقبالهم أو كما يقولون، إلى منع شعب بأكمله من زيارة الأردن كبلد ثان كان يزوره من دون سمة دخول.

أما في لبنان، فقد تم تسييس التعامل مع اللاجئين من قبل شرائح عديدة من الشعب اللبناني، فهؤلاء اللاجئون، برغم البؤس الذي يعيشون فيه، والظروف الاقتصادية والأمنية الصعبة، وانقطاع المساعدات عنهم، وحرمانهم من الحد الأدنى من مستلزمات العيش والصحة والتعليم والعمل، عوملوا معاملة سياسية لا شأن لهم بها، فغالباً ما حملهم بعض اللبنانيين مسؤولية الممارسات القذرة للمنظمات الإرهابية العاملة في سوريا، كأنهم من أسس هذه المنظمات ويعمل معها، علماً بأن معظم هؤلاء اللاجئين لم يكونوا مسلحين في سوريا ولم يقوموا بثورة مسلحة بل لا يعملون في السياسة بالأساس، وهربوا من بيوتهم بعدما دُمرت، ومن قراهم بعدما افتقدت الأمن، وطمعوا بأن يجدوا أمنا ًوعيشاً كريماً في لبنان الشقيق، ولم يكن أمامهم خيار بأن يهربوا من بلادهم أو لا يهربون، فكانوا مجبرين على سلوك الطريق التي سلكوها، حفاظاً على حياتهم وحياة أسرهم، فوجدوا أنفسهم في لبنان يُمنعون من العمل، وينتظرون لقمة العيش والمساعدات الأخرى من المنظمات الدولية، وهي لا تكفيهم وهم لا يلوون على شيء، فأخذوا يتبعون مختلف السبل لسد حاجاتهم التي ستتضاعف بعد أن تنقطع المساعدات عنهم ويصبحون «زغب الحواصل لا ماء ولا شجر».

لا يلوم أحد الحكومة اللبنانية ولا السلطات اللبنانية تجاه حال اللاجئين (فلعل ما في لبنان يكفيه) وهي في الأصل لم تتدخل مباشرة بشؤونهم وتركت المهمة لمنظمات الأمم المتحدة. لكن اللوم يأتي من أن السياسة اللبنانية طبقت قبل بضعة أسابيع على السوريين كافة سياسة غريبة استفزازية تجاه دخولهم لبنان، فقد أصدرت تعليمات تمنع استقبال اللاجئين السوريين وهذا حقها (وأمر يمكن تفهمه بعدما بلغ عدد هؤلاء ما بلغ). ولكن سلطات الجوازات على الحدود تطبق هذا القرار بما يقضي بمنع كل السوريين من دخول لبنان من حيث المبدأ، ويستثني من ذلك بعض الأفراد كما الحال في الأردن، ويعود السماح الاستثنائي بالدخول لمزاج الشرطي أو لمزاج رئيسه الضابط. وفي ضوء ذلك، يعاد سوريون لهم مساكن في لبنان وأعمال تجارية ومصالح مالية أو بدون العلاج في المشافي اللبنانية أو يرغبون بزيارة القطر الشقيق. ويمارس رجال الجوازات اللبنانية تصرفات تجاه السوريين لا تتماشى مع علاقات القرابة والأخوة والعيش المشترك والمصير الواحد، ولا مع التعابير والمفاهيم والشعارات التي تقال منذ نصف قرن، ولا حتى مع المصالح المشتركة للبلدين والشعبين أو «الشعب الواحد في بلدين» وهي شعارات لم يعد لها معنى.

تبقى ثالثة الأثافي، وهي أن السلطات السورية نسيت أو تناست أن هؤلاء اللاجئين إلى مختلف دول العالم هم من مواطنيها، وهي تعرف أنهم لم يحملوا سلاحاً ضدها، وهربوا بسبب فقدان الأمن في قراهم ومدنهم، وبسبب القصف والتدمير العشوائي أو خوفاً من الاضطهاد والاعتقال والقمع، وأن منهم الموالي كما المعارض. وهذه السلطة تتحمل مسؤولية لا شك فيها تجاه هؤلاء، مثل مسؤولية جميع الدول والحكومات تجاه مواطنيها، ومع ذلك تتركهم أيتاماً بلا سند ولا معيل لهم أو مدافع عنهم. ووفق أي منطق وأي ظروف، حتى لو كان هؤلاء من المعارضين، ينبغي على السلطة السورية، إما أن تنشئ لهم مخيمات داخل البلاد، وتتكفل بإطعامهم وتعليمهم وعلاجهم الصحي، أو أن تقيم لهم في بلاد اللجوء مستوصفات ومدارس وخيماً، وتتولى شؤونهم وتقدم لهم الأغذية والحاجات الأخرى. إلا أن الذي جرى حتى الآن هو أن السلطة السورية لم تكلف نفسها أو أحداً من موظفيها أو لجنة أو هيئة لدراسة أحوالهم واحتياجاتهم، وتركتهم لقدرهم ولـ»حسن أخلاق» سلطات بلدان اللجوء، وللابتزاز والإهانة والجوع والمرض. وبغض النظر عن المشاعر والواجبات الإنسانية والعطف والضمير وما يشبه ذلك، فإن المسؤولية التي تقع على عاتق السلطة السورية تتطلب منها مواقف أخرى وعملاً جاداً لمساعدتهم والبحث المسؤول لإيجاد طريقة تخلصهم مما هم فيه. ومن المستغرب تجاهل السلطة السورية أحوال مواطنيها اللاجئين إلى الخارج وهي في الأصل مسؤولة عن كل مواطن سوري ولا يخلصها من مسؤولياتها أي مبرر، وإن تجاهلها القائم تجاه هؤلاء هو في الواقع أكثر من تقصير أو إهمال.

لقد ساءت معاملة السوريين في البلدان العربية وغيرها ولحقتهم اللعنة أينما حلوا. فقد اتخذت السلطات المصرية قراراً بمنعهم من دخول مصر (إلا بسمة دخول وموافقة أمنية) وكان السوري قبلها يدخل مصر آمناً من دون هذه السمة طوال عشرات السنين، بما في ذلك أيام السادات. واتخذت الجزائر قراراً مماثلاً، ومازالت اللعنة تنتقل في البلدان العربية تلاحقهم من بلد لآخر حتى صار السوريون «الملعونين» أينما ارتحلوا، ولم ينفعهم ما قدموه خلال عشرات السنين للعرب والعروبة وثورات التحرير العربية، كما لم تنفعهم علاقات الأخوة والتضامن والتعاون، ولذلك فعليهم الآن احتراس اللعنة.

السفير

 

 

 

 

تأبيد اللجوء السوري/ محمود الريماوي

قبل أيام، وفي 10 ديسمبر/كانون الأول الجاري، أعلن مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، أنطونيو غوتيريس عن قبول 27 دولة توطين 100 ألف لاجئ سوري على أراضيها. تجيء الخطوة، كما يقول، للتخفيف عن دول الجوار السوري، نتيجة التدفق الذي لا ينقطع للاجئين.

تحفل وسائل الإعلام ومواقع التواصل بأخبار يومية عن اللاجئين السوريين، من أشدها قسوة تلك التي تفد من لبنان، حيث يتم تحميل اللاجئين السوريين (غير المعترف بهم بهذه الصفة) مسؤولية ما ترتكبه “النصرة” بحق جنود لبنانيين، ويتم تجييش طائفي ضدهم منذ بدء تدفقهم إلى جيرانهم، وحرمانهم من أبسط حقوق الإيواء، وممارسة أشكال شتى من العنف العاري ضدهم.

وقد تعرض اللاجئون، منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إلى محنة وقف العون الطبي لهم، ثم وقف العون الغذائي، قبل أن يعود الأخير جزئياً، من دون أن يسهم ذلك في وقف حالة شظف العيش التي يعانيها أكثر من ثلاثة ملايين سوري في دول اللجوء التي تتحمل مسؤولية مفاجئة عن أكبر حالة طوارئ إنسانية يشهدها عصرنا، وفق تعبير مفوضية اللاجئين. هذا ناهيك عمن يخاطرون بحياتهم في البر والبحر، ولا يتمكنون من العبور الآمن والدخول الشرعي إلى دول شقيقة.

دول الجوار، وبالذات في لبنان والأردن، تتحدث عن أعباء اللجوء والضغوط التي تمارس على الخدمات الأساسية، وذلك مع ازدياد عدد السكان بنسبة تقارب 10% في الأردن، و20 % في لبنان. وهي، بلا شك، نسبة كبيرة، في بلدين يعانيان من ظاهرة الفقر والبطالة والمديونية، غير أن اللاجئين لا يتحملون مسؤولية هذه الظاهرة، فهم، في جميع الأحوال، ضحايا مقتلعون من ديارهم، والمسؤولية تقع على النظام في بلدهم الذي تعامل، منذ البدء، بحل عسكري مع ظواهر احتجاجية مدنية، قبل أن يتفاقم الوضع، ويتم دفع الانتفاضة المدنية دفعاً نحو العسكرة.

وتكمن محنة اللاجئين، في بعض وجوهها، بافتقاد بيئة حاضنة ومتعاطفة، حيث يسهل على كثيرين في أوساط الجمهور تحميلهم مسؤولية صعوبة الأوضاع الاقتصادية في البلاد التي لجأوا إليها.

نازح سوري لجأ منذ أواخر العام 2012 إلى الاردن تحدث لكاتب هذا المقال، بنبرة تمتزج فيها السخرية بالمرارة، عن أن اللاجئين الفلسطينيين حين نزحوا من ديارهم في العام 1948 كانوا “محظوظين”، فقد تلقوا استقبالاً طيباً من المجتمعات في سورية ولبنان والأردن والعراق ومصر، خلافاً للاجئين السوريين الذين يجري التعامل معهم، في أغلب الحالات، على أنهم غير مرغوب بهم.

في واقع الأمر، الظروف هي التي تغيرت، فعدد السكان، قبل ستين عاماً وأكثر، كان ضئيلاً، وكانت هناك حاجة إلى أيد عاملة في المشاريع الزراعية والصناعية والخدمية، ولم تكن المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الغالبة على اهتمامات الرأي العام (رغم وجود تلك المشكلات)، فالغالب كانت الطموحات الوطنية والقومية للتحرر من قبضة الأجنبي الذي كان محتلاً، أو يحتفظ ببعض وجود له.

افتقاد الأمان الفردي والجماعي للاجئين السوريين، وخسارتهم الوشائج التي كانت تربطهم ببيئتهم المحلية، وغموض المصير الذي ينتظرهم، هي بعض مما يؤرق القطاعات الأكبر من هؤلاء، غير أن ما يرصده المرء خلال ذلك أن الاهتمام الإقليمي والدولي، إما أن يتخذ طابعاً إنسانياً، أياً كانت الملاحظات على أوجه العون والغوث، أو يتم من منظور رفع الأعباء الاقتصادية عن دول اللجوء. ولا ضير في هذا وذاك، بل إن الاهتمام، حين يسلك هذين الاتجاهين، مطلوب، فثمة حاجات إنسانية عاجلة للإيواء والغذاء والدواء والتعليم، وهناك، في المقابل، الإمكانات المتاحة لدول اللجوء، بعضها يقصر عن تلبية حاجات مواطني هذه الدول، ومن الواجب دعم هذه الدول.

الثغرة الماثلة، والتي تزداد اتساعاً، هي في افتقاد النظرة السياسية لمشكلة اللجوء السوري وسبل معالجتها. فحين يتزايد تدفق اللاجئين، يدور الحديث، فوراً عن إمكانية استيعابهم هنا وهناك، وعن الصعوبات الجمة التي تكتنف ذلك، والتي تصاحبها نداءات تدعو لوقف استقبال المزيد، وردة الفعل هذه يمكن اعتبارها طبيعية، في ظروفٍ لا تبشر بوقف ظاهرة التدفق، غير أن هذا الموقف ينقصه التصريح بأمرٍ جوهري، وهو التساؤل عن سبب استمرار هذه الظاهرة، عن ظروف الطرد التي يتعرض لها النازحون، فيضطرون معها لمغادرة ديارهم، والتخلي عن بيوتهم وموارد رزقهم، تحت طائلة الخطر الماحق على حياتهم.

وبينما يبدي نظام بلادهم لامبالاة تامة إزاء محنة هؤلاء المقتلعين، بعد أن تسبب بها، ويعفي “نفسه” من أية مسؤولية عن رعايتهم في مواطن اللجوء (في واقع الأمر، لا يعترف بهم وهم في عداد الملايين! وقد رفض النظام، ولو لغايات شكلية ودعائية، منح حق المشاركة لهم في ما سميت انتخابات رئاسية العام الماضي). في هذا الوقت، ينظر المجتمع الدولي لمحنة اللجوء نظرة يغلب عليها الطابع الإنساني، كما لو أنهم ضحايا كوارث طبيعية، تهدمت بيوتهم ومدنهم، بفعل زلزال مدمر أو تسونامي جامح. والدليل أن سائر المقاربات والمعالجات لا تشمل بنداً من قبيل: السعي إلى تمكين اللاجئين من العودة إلى ديارهم. مبدأ الحق في العودة، والضرورة الماسّة لها يغيب أكثر فأكثر عن أجندات الرعاية والاستقبال. ولم يعد ينقص، الآن، سوى تشكيل وكالة دائمة لإغاثة وتشغيل اللاجئين السوريين، على غرار ما جرى مع اللاجئين الفلسطينيين مطلع خمسينيات القرن الماضي، وأن يتحرك مجلس الأمن لاستصدار قرار بهذا الاتجاه. علماً أن مفوضية اللاجئين في الأمم التحدة تنشط نحو توطين (أو إعادة توطين) لاجئين سوريين في سائر دول العالم، بينما كانت “أونروا”، وما زالت تنشط في مجال الإغاثة والتشغيل للاجئين الفلسطينيين فقط.

أصدقاء سورية، وأصدقاء السوريين من العرب خصوصاً، مدعوون لمهمة مزدوجة، هي استقبال إخوتهم المقتلعين، وشق الطريق، في الوقت نفسه، نحو تمكينهم من العودة، بدلاً من انتهاج سياسةٍ تفضي عملياً إلى تأبيد اللجوء، ومواجهة النظام الحاكم في بلادهم الذي يرفض عودتهم، ويتعامل معهم باعتبارهم فائضاً بشرياً، وليس شطراً كبيراً من الشعب الذي ما زال يحكمه. ومن الوهم افتراض إمكانات تتيح عودة جزء يسير من اللاجئين، وفق خطة المبعوث الأممي دي ميستورا، فالخطة عرجاء، تفتقد لأي منظور سياسي شامل، ولا تنطوي على ضغط للنظام الذي لا يتورع بعد التنكيل بشعبه، عن طرد هذا الشعب، وقذفه خارج الحدود، وسد الأبواب أمام عودته.

العربي الجديد

 

 

 

هل تسد القذائف رمق اللاجئين السوريين؟/ د. مثنى عبدالله

إشهدوا بأن أشقاءنا السوريين لم يتركوا أحدا منا يوما ينصب خيمة له على مشارف مدنهم، أو على طول الحدود الفاصلة بينهم وبين الأقطار المجاورة. إن لم تعلموا فأقروا التاريخ الحديث والقريب جدا، ستجدون أفواج اللاجئين الفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين دخلوا عليهم بالملايين، لكنهم بمجرد دخولهم تحولوا من لاجئين إلى مواطنين أسوة بأبناء البلد.

سكنوا في كل الأحياء والمدن والقرى والأرياف، وعملوا في كل المهن البسيطة والعالية، وزاحموا أبناءهم على مقاعد الدراسة في كل المدارس والجامعات، وتطببوا في كل المستشفيات والمراكز الصحية، ولم نسمع كلمة «أف» واحدة من مواطن سوري. نحن لا نتحدث في السياسة في هذا الجانب لأنها هي من فرقتنا، ولا يفهم أحد بأننا نشير إلى بركات النظام السوري، فهو كحال بقية الأنظمة العربية التي زرعت الفرقة بيننا، فلا علاقة للنظام بهذا، بل هو مزاج أهلنا في سوريا على مر التاريخ، ولا نقول بأن لهم فضلا على أحد من كل أولئك الذين لجأوا اليهم، فحاشى السوريين أن يعتبروا ذلك فضلا، لانهم يؤمنون أيمانا راسخا بأنه كان واجبهم تجاه أشقاء لهم، لكننا نقول، أي عار هذا الذي يلاحقنا نحن أبناء هذه الأمة، حينما نترك ملايين الأطفال اليتامى والأرامل والشيوخ والمرضى من السوريين، يواجهون الشتاء القارس في الصحارى على الحدود وعلى أطراف مدننا العربية؟ وأي جحود هذا الذي يدفعنا لنسيان كل روابط الدم والتاريخ والدين وحتى الرابطة الإنسانية، إلى الحد الذي جعل برنامج الغذاء العالمي يعلن عن إيقاف معوناته للاجئين السوريين الأسبوع الماضي، بعد أن نفد ما لديه من شحيح المال، وتراجع المانحون عن التزاماتهم، فيمر علينا الخبر مرور الأثير ولا يحرك فينا بقية غيرة أو وفاء؟ هل علمتم ما معنى إيقاف المساعدات الغذائية في هذا الوقت بالذات؟ إنه يعني بقاء أكثر من مليون وسبعمئة الف أنسان بدون طعام، وان هنالك ما يفوق 132000 أسرة و660000 لاجئ، سيفقدون فرصة الحصول على مساعدة لاتقاء برد الشتاء القارس فقط في لبنان، وعليكم أن تتصوروا العدد الإجمالي، عندما نضيف اليهم الأخرين في الأردن، ومن يسكنون الدور والمساجد والبنايات المدمرة في الداخل السوري. أحصوا معنا ما يهدر من أموال في أقطارنا العربية على الأعياد الوطنية، وعلى استضافاتنا لسباقات «الفورمولا واحد» وكرة اليد والخيول والهجن، وعلى بناء أعلى برج وأطول جسر وأعرض شارع وردم بحر كي نبني عليه فندقا وملعب تنس.. تذكروا الأرقام الفلكية التي ذهبت لشراء أسلحة وطائرات وصواريخ، لم تخرج من أماكنها يوما، حتى باتت غير صالحة للاستعمال ثم استبدلوها بأحدث.. إبحثوا في تقارير مراكز البحوث الغربية عن حجم الأموال التي ستخرج من الخزائن العربية لتسديد فواتير ما يسمى الحرب العالمية على الإرهاب القائمة الآن، التي قررتها ورسمتها ونفذتها الولايات المتحدة لتأمين مصالحها في المنطقة، ثم التحقنا بها مجـــــبرين كي نسدد مصروفاتها، علّنا نحصل على شهادة حسن سلوك من المجرم الأول في العالم.

كم يمثل مبلغ قدره 64 مليون دولار هو الذي يطلبه برنامج الغذاء العالمي، لتغطية الحاجات العاجلة للاجئين السوريين لمواجهة الظروف المناخية الصعبة في فصل الشتاء، نسبة إلى أرقام المبالغ الخيالية التي يتم صرفها من قبل هذه الأنظمة؟ إننا لاندعو للانغلاق والتقوقع والانعزال عن العالم ومستحقات العلاقات الدولية، وبناء عوامل جذب للآخرين للاستثمار في أقطارنا، وتنفيذ مشاريع ضرورية وترفيهية، لكننا نستغرب على أنظمتنا وولاة أمورنا أن يتركوا أشقاءنا تحت رحمة الدول المانحة، التي تخلت عن التزاماتها بتسديد تعهداتها خلال المؤتمرين الأول والثاني، ما جعل عقد المؤتمر الثالث أمرا مستحيلا. ما فائدة الاستثمار في الأرض بدون الاستثمار في الإنسان، الذي هو القيمة العليا والهدف الرئيسي من كل مشاريع الاستثمار؟ أليس عملا إرهابيا ترك ملايين الأفواه لا تجد ما تقات عليه؟ أليس إرهابيا كل من يمتلك الموارد ولا يتقدم لتأمين حياة لائقة لملايين المشردين؟ نعم هو كذلك، وإذا ما أحصينا الأموال العربية والتركية والإيرانية والغربية والإسرائيلية، التي تحركت على الأرض السورية على شكل دبابات وطائرات ومدفيعة وقذائف صاروخية وإطلاقات، والتي قتلت ودمّرت وفرّقت وانتهكت وعوّقت ويتّمت ورمّلت، حينها سنعرف أن مأساة أهلنا في سوريا هي في رقبة كل أولئك المتاجرين بالقضية، وأن كل سوري بات له دين في ذمة كل من ساهم في المأساة، بدءا من النظام وحتى آخر من شارك في الكارثة. فلقد هرول الجميع إلى الساحة السورية كي يبرزوا عضلاتهم الطائفية والمالية، وهم يقدمون الدعم لهذا الطرف أو ذاك، لكن أحدا منهم لم يلتفت إلى الضحية. تباهت المعارضة السورية وهي تتبختر على مسارح المؤتمرات في باريس ولندن وجنيف وغيرها من العواصم العربية والغربية، بالكلام المعسول، الذي كان يصدر من هذا الزعيم أو ذاك السياسي، وصدّقوا أنفسهم وهم يشكلون ما يسمى «حكومة مؤقتة»، ويفتحون سفارات لهم هنا وهناك، لكنهم لم يستطيعوا أن يقدموا شيئا يذكر لشعبنا في الداخل ولا من هم في الخارج، وكل ما حصلوا عليه من الغرب هوما يسمى، «أصدقاء سوريا»، بينما باعهم الغرب حينما تخلى عن الخطوط الحمراء التي وضعها للنظام.

أما النظام فهو الآخر تباهى أيضا بتحالفاته مع أطراف دولية وإقليمية ومحلية، فتمادى وتغول في عنجهيته وتصور أن النار وحدها هي التي تطهر أرض سوريا من معارضيه، لكن لا القوة ولا الحلفاء استطاعوا إخراجه حتى الآن من غرفة العناية المركزة التي هو فيها، وها هي الجغرافية السورية تتقلص تحت أقدامه وتخرج عن سيطرته كل يوم، حتى بات وجود نظامه من عدمه سيان.

المهمة الملقاة على عاتق كل من تاجر بالقضية السورية، وكل من صفى حساباته مع الآخر على حساب شعبنا العربي فيها، وكل من استعرض قوته وأمواله ومواقفه السياسية الفارغة، عليهم جميعا أن يتحلوا ببقية من صحوة ضمير، وأن يلتفتوا إلى ملايين المشردين على الحدود في المخيمات، وأن يحاولوا إعادة شيئا من كرامتهم المهدورة وأمنهم المفقود وخبزهم الذي بات نيله صعبا. لقد كانوا جميعا كرماء في بيوتهم ووطنهم، أعزاء بين الناس، لكنهم ذلوا على أيدي دهاقنة السياسة والمال. فهل سيستجيب ولاة أمورنا إلى وخزة أخيرة من ضمير؟

 

٭ باحث سياسي عراقي

 

 

 

 

 

حملة “دولار واحد” الأممية لغذاء اللاجئين السوريين: فشل مدهش/ نذير رضا

ضعف الاقبال على تقديم مبلغ دولار واحد، لصالح منظمة الغذاء العالمية، لتأمين غذاء الى 1.7 مليون لاجئ سوري، مرده أساساً الى عدم الثقة في آلية التبرع عبر مواقع التواصل الإجتماعي في العالم العربي. انتهت المدة التي حددتها المنظمة، مساء السبت، من غير توفير المبلغ، وبعد 3 أيام على إطلاق الحملة، ونشر الحملات الإعلانية لها. ورغم نهاية المدة، بقي التطبيق فاعلاً، لجمع التبرعات.

الهدف الإنساني من الحملة هذه المرة، يعني العرب بشكل خاص. خلافاً لكل الحملات الإلكترونية السابقة التي ظهرت في مواقع التواصل الإجتماعي في دول أوروبية وفي أميركا، مثل دلو الثلج، وقد ترأست الحملة منظمة دولية تعترف كل دول العالم بجهودها. وينعكس ذلك مصداقية وثقة في الهدف منها. أما الطرف الآخر المعنيّ بها، وهو الشعب السوري، فيمسّ كل سكان العالم العربي، وهو ليس مرضاً لا يعرف عنه العرب الكثير، كما في حملات سابقة. إنها جهود لتلافي مصير الموت جوعاً. هي قصة حياة أو موت لأكثر من مليون ونصف المليون لاجئ سوري، ما يستدعي تفاعلاً مع الحملة، والتبرع بدولار واحد، لا يسمن ولا يغني من جوع مفترض للمتبرعين.

الواضح أن عدم الإقبال على جمع 64 مليون دولار، منذ الأربعاء الماضي، مردّه أساساً الى غياب الثقة في التبرع الالكتروني. فهواجس الإحتيال الإلكتروني، تتحكم في سلوك الفرد العربي، وأثبتتها حكايا طويلة وبيانات أمنية عن ضحايا الإختلاس الإلكتروني. تلك القضية، قوضت المساهمة الى حد كبير. فلو كان ميدان التبرع بالدولار الواحد عبر شركات هاتفية، لكان الموضوع أسهل، وأكثر قدرة على الإنجاز… عدا عن أن قسماً كبيراً من الشعب العربي لا يستخدم مواقع التواصل، والإنترنت بشكل عام. ويكثر لدى المستخدمين تصفّح المواقع الترفيهية.

غير أن هذا الجانب، ليس الوحيد الذي جعل الحملة غير قادرة على تحقيق أهدافها. فالحملة في حدّ ذاتها، تنقصها معايير إعلانية قادرة على جذب المتبرعين. أول تلك العراقيل، كان ضعف انتشار الرابط الإلكتروني الذي يصل إلى العازمين على التبرع، وصولاً الى آلية العطاء إلكترونياً. يلزم الباحث عن الرابط، بحثاً مطولاً للوصول اليه، ذلك انه لم ينتشر في نطاق واسع. وهذه في حد ذاتها معضلة كبيرة اعترت الحملة. يُضاف اليها النقص في انتشار وسوم الحملة (هاشتاغ) #AdollarALifeline و #حملة_72_ساعة على نطاق واسع، ولن تتسع أبعد من هذين الوسمين.

وتتمثل النقطة الثانية في أن فيديو الحملة، على أهميته وقدرته على التأثير بصوره القادرة على خدمة الحملة، لم يستطع جذب المتبرعين. دراسة قصيرة لاهتمامات العرب، وهم المعنيون أساساً بالتبرع، تفضي الى اتباع استراتيجية اعلانية مختلفة، قادرة على شدّ المتبرعين وحثّهم على التبرع. كان يكفي أن يكون القائم على الحملة مغنياً عربياً، من أصحاب عشرات آلاف المتابعين في “تويتر” و”فايسبوك”، لتغطي وسائل الإعلام نشاطاته ويُعلِم متابعيه على الأقل بأن هناك حملة انسانية.

عوضاً عن ذلك، استعان القائمون على الحملة بفيديو غنائي للموسيقي الأميركي ألو بلاك. وعليه، بدت الحملة موجهة إلى جمهور غربي، ربما لا تعنيه الأزمة الإنسانية التي يعانيها اللاجئون السوريون. كان الأجدى اعتماد مغنٍ من حاملي ألقاب “النوايا الحسنة” للقيام بالمهمة. فهؤلاء أصلاً يجب أن يتحركوا في ظروف مشابهة، كون ألقابهم بقيت تشريفية لمدة طويلة من غير تجسيد عملي لها.

إنتهى توقيت الحملة الهادفة الى جمع 64 مليون دولار لصالح اللاجئين في لبنان والأردن وتركيا ومصر.. لكن قصر المدة، وعدم تمكن القائمين عليها من تحقيق الأهداف، دفعا الى إبقاع لينك/رابط التبرع مفتوحاً، وقد ازداد عدد المتبرعين، ظهر اليوم الأحد، من 11 ألف الى 12 ألفاً، كما أظهر المؤشر في رابط الحملة.

وكان برنامج الغذاء العالمي أطلق حملة تدعو العالم إلى التبرع بدولار أميركي واحد من أجل المساعدات الغذائية التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي للاجئين السوريين، وذلك بعدما أعرب برنامج الاغذية العالمي عن أسفه الشديد بأنه لن يتمكن من تقديم المساعدات الغذائية لشهر ديسمبر/كانون الأول الحالي، للاجئين السورين المقيمين خارج المخيمات في الاْردن بسبب أزمة في التمويل.

وقالت المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي، إرثارين كازين: “دولار واحد يمكن أن يصنع فرقاً كبيراً، ونحن نقول للناس بالنسبة إليكم هو دولار واحد، لكنه بالنسبة إليهم طوق نجاة، نحن نعلم أن الناس يهتمون لهذه القضية وندعوهم الى أن يترجموا اهتمامهم عبر التبرع بهذا المبلغ الضئيل من المال إلى اللاجئين السوريين”، وأضافت: “دولار واحد من 64 مليون شخص يفي بالغرض”. ودعت المستخدمين إلى استبدال صور حساباتهم في موقعي “تويتر” و”فايسبوك” بشعار الحملة: “دولار واحد للاجئين السوريين”.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى