صفحات الثقافةمها حسن

مشهديات الثورة السورية هل تجمع يوماً ؟


مها حسن

أين تذهب عشرات «اليوتيوب» التي يصوّرها المتظاهرون من كاميراتهم الخاصة، أو عبر هواتفهم المحمولة، ثم يبثونها عبر الانترنت، والفضائيات، ثم لا يعرف أحد مصيرها؟ هل ثمة مؤسسات أو جمعيات تؤرشف لهذه الأفلام؟ كان هذا باختصار سؤال الباحثة السينمائية أنييس دوفكتور، أثناء مداخلتها في الندوة التي أقامتها مدرسة الدراسات العليا الجامعية في باريس، تحت عنوان «ارحل، تصوير».

المخرج السوري شريف كيوان، قال إن هذا سؤال لا يُطرح الآن، لأن ما من مؤسسات أو جمعيات تؤرشف للسينما، ولأن هدف هذه الأفلام آني، يبثه صاحبه بقصد إطلاع العالم على ما يحدث في سورية، من دون أي هدف فني أو سينمائي.

الباحث السينمائي جان كلـود بينار قال على سبيل الدعابة، إنه ربما على دولة عربية ثرية أن تقوم بإنشاء أرشيف سمعي – بصري لهذه الأفلام التي تذهب إلى سلة المهملات، مع أنها تؤرّخ لمراحل وفترات مهمة من الثورات الشعبية.

شخصياً، يؤرقني هذا السؤال، لأننا أحياناً نجد شريطاً مصوراً مبثوثاً عبر «الفايسبوك»، سرعان ما يتم الإبلاغ عنه من جهات معارضة لبثه، فتقوم إدارة «الفايسبوك» بحذف الشريط. علماً أن هذه الظاهرة، ظاهرة تصوير التظاهرات، أو الموت أثناء التظاهر، أو التعذيب، أو قنص المتظاهرين، أو الجنازات… لعبت دوراً يكاد يكون وحيداً من ناحية الرؤية، أو الصورة، بحيث تبث وسائل الإعلام الرسمية «أفلامها» المتلائمة مع خططها السياسية.

سبق ان كُتب الكثير عن هذه الأفلام التي صدمتنا، كفيلم «البيضا» حيث ظهرت قوات الأمن تدوس المواطنين، أو فيلم «حمزة الخطيب»،أو «غياث مطر» وغيرها، من اللقطات التي لم تؤخذ لأهداف سينمائية، إلا أنها يمكن أن تندرج تحت عنوان سينما المؤلف، كما تعتقد السينمائية السورية هالة العبد الله. وتقصد بها أفلام «اليوتيوب» التي أصبحت ظاهرة حساسة ومهمة في الثورات العربية، والسورية بخاصة، لما تسبب من ضريبة كبيرة يدفعها صاحب الفيلم، أو اللقطة، قد تكلفه حياته. وثمة أمثلة هائلة عن هذه الأفلام الوثائقية القصيرة، التي لا تتجاوز مدة بعضها الثواني، ولكن ظروف تصويرها وشخوص مصوّريها، بالغة التعقيد، فنحن نشاهد مثلاً فيلماً لشخص يصور، وفي الوقت ذاته، يعلق على الأحداث التي يصورها، ويردد شعارات التظاهرة، بصفته مشاركاً في التظاهرات.

في الندوة، تحدثت هالة العبدالله عن ثلاثة أنواع من السينما السورية التي تتعرض لما يمكن تسميته بـ «الربيع العربي». النوع الأول، وهو السابق لزمن الثورة، كأفلام عمر أميرلاي «الحياة اليومية في قرية صغيرة» أو «طوفان في بلاد البعث» وغيرها لعمر، وأفلام أخرى كفيلم علي الأتاسي الأخير. النوع الثاني هو الأفلام الوثائقية التي تعرضت للثورة، كفيلم «آزادي» الحاصل على الفضية في مهرجان روتردام للأفلام العربية. الفيلم الذي صوّر في صيف السنة الحالية، في منطقة القامشلي والمناطق الكردية في شمال سورية. وكلمة آزادي صارت معروفة، وهي «حرية» باللغة الكردية، حيث خرجت تظاهرات عدة، في المناطق العربية من سورية، تضامناً مع الأكراد، وحملت شعار «آزادي». وكذلك فيلم «تهريب 23 دقيقة ثورة من سورية» وهو الفيلم الذي عرض في قناة «العربية»، في الصيف أيضاً، ويروي تفاصيل خروج حماه في التظاهرات، وكذلك فيلم «حماة 82» الذي أُنتج لتكريم حماة.

النوع الثالث من الأفلام، هو ما سمّته هالة سينما المؤلف، ونوّهنا عنها آنفاً.

أما شريف كيوان فاستعرض في مداخلته أيضاً في المدرسة العليا للدارسات الاجتماعية في باريس، الأفلام القصيرة، التي تم إنجازها أثناء الثورة السورية. وهي أفلام لا تتجاوز مدتها الدقائق القليلة، كفيلم «طلائع» و «الشارع السوري»، وغيرهما، وكلها متوافرة عبر الانترنت و «الفايسبوك»، تحت اسم الشركة المنتجة «أبو نضارة»، وطبعاً هي أفلام تخلو من همّ الربح، ولا تعود بأي منفعة مادية، لأنها تبثّ مجاناً عبر الشبكة العنكبوتية.

ربما يمكن التحدث أيضـاً عن فـيلم الفرنـسيـة صوفيـا عمارة «سورية في جحيم القمع» الذي قيل عنه، انه دُفع ثمنه دماً، وهو أهم أفلام المرحلة، وأطولها، إذ تبلغ مدته اكثر من خمسين دقيقة، وتم تصويره في مناطق عدة من سورية، في دمشق، والرستن، وحمص، وحماة، ومع الضباط المنشقّين. الفيلم الذي أدى إلى توقيف صاحبته قبل مغادرتها دمشق، وبعد البحث في أغراضها وحاسوبها، لم تجد السلطات السورية ما يثير ريبتهم، فتم تركها، فهي تقول في تقرير مصوّر معها، بثه التلفزيون الألماني: «أجمل وأسعد لحظات حياتي كانت عندما تمّ إغلاق باب الطائرة عليّ».

أما هالة محمد، وبمناسبة عرض فيلمها «قطعة الحلوى» في مهرجان سينما الربيع العربي في باريس، فقالت لنا: «من المهمّ أن يُحكى عن سورية في السينما، من المهمّ أن يشارك السوريون وأن يُسمعوا أصواتهم، ألا يسكتوا. باريس منبر منفتح على الكون، وربيع السينما العربية كانت حققته حفنة من صديقات عربيات معنيات في العمق بالوجع العربي ليقمن بما يستطعن تجاه شعوبهنّ.

كنت أشعر وأنا أقدّم فيلمي «قطعة الحلوى» بأنني في سورية. أنا صورت فيلمي في بلدي، وقلتُ: كي لا يتكرر ذلك لكن مع الأسف هو يتكرر. الألم أكبر من أي كلام. لا تستطيعين التنظير للمآسي. ربما بعد سنوات سنستطيع أن نضع النقاط على حروف الألم. الآن، نتمسك بالأمل المنقذ ونترك الآلام تحقق معادلة العدالة إن استطاعت. أن أندد بالظلم وبالسجن وبالقمع وأطـالـب حـيـثـما حططت رحالي بضرورة الحرية والتعبير والانـتقـال إلـى دولـة تـتـساوى فيـها المواطنة أمام القانون العادل، هذا بالنسبة إليّ وشم المواطنة التي أتمسّكُ بضرورتها في دولة مدنية تؤمن بنهضتنا. في اللحظة التي أقف فيها كسورية على أيّ منبر عالميّ أشعر بـخشـوع لبـلادي وأشـكـر الـله أنني أنتمي إلى شعبها».

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى