سمير سليمانصفحات مميزة

معارضة سياسية بلا سياسة: سمير سليمان

 

سمير سليمان

       كشفت المبادرة السياسية التي أقدم عليها رئيس الإئتلاف الوطني أحمد معاذ الخطيب , وهي المبادرة السياسية الأولى للمعارضة على مدى سنتين من صراع دموي عنيف , كشفت , ليس فقط عن غياب السياسة في هذا الصراع , بل ايضا عن تمايزات واضحة بين أصناف المعارضة السياسية . تمايزات تحددها الرؤى السياسية لهذا الصراع , من جهة وجود تلك الرؤى , ومن جهة كيفيتها وآفاقها .

        وتفرد السيد معاذ الخطيب في مبادرته , رغم حداثته في المعترك السياسي , خارج أي إطار توافقي معلن أو ممهّد لها من داخل الإئتلاف , يؤكد على غياب التفكير السياسي في صفوف هذا الإئتلاف . ولكن مانودّ الإشارة إليه في هذا المقال , ليس هذا الغياب بحد ذاته , والذي لم يعد بحاجة إلى برهان أو تأكيد , رغم أهميته . بل إلى الدلالات التي حملتها المواقف المتباينة تجاه تلك المبادرة , على بساطتها ووضوحها .

        تناثرت المواقف من المبادرة , كالعادة في أية مسألة هامة , على كامل المسافة الواصلة بين الرفض المطلق , والتأييد المطلق . وتكثف الإستقطاب قليلا , كما هو متوقع , حول ” نعم ” من جهة , و” لا ” من جهة أخرى . فلنتفحّص قليلا مواقف الطرفين , ولنبدأ بطرف ” الرافضة ” للمبادرة , والرافض للتفاوض بالمطلق مع ممثلي النظام .

        من بديهيات علم الإجتماع السياسي المعروفة , أن الحرب هي شكل خاص من أشكال الصراع السياسي , تقتضيها اللحظة التي يستننفذ فيها الطاقة اللازمة للوسائل السلمية لهذا الصراع , والتي يبدو ممكنا فيها تحقيق الأهداف عبر الوسائل العنيفة أو العسكرية , وذلك بتغيير توازن القوى , وتحقيق الأرجحية أو النصر . وبالمقابل , فإن الأشكال العنيفة للصراع , تهدف في النهاية الى فرض الإرادة السياسية للطرف الرابح , أي تهدف إلى إعادة السياسة بشكلها السلمي , بعد شحنها بالطاقة الكافية بواسطة الحرب والعنف . إذن , حكمة السياسة هي التي تقرر متى يبدأ المقاتلون عملهم , ومتى يتوقفون . ألا يقال أن الحرب هي استئناف للسياسة بطرق أخرى ؟ إذن : السياسة هي الأصل ( على طريقة نوال السعداوي : المرأة هي الأصل ) .

        طيب . وإذا غابت السياسة , ماذا يكون ؟ والأصح : إذا غابت السياسة في أجواء حرب دائرة , ماذا يكون ؟ ليس عند المعارضة ” الرافضية ” أي جواب على هذا السؤال . ولكن التجربة التاريخية أعطت نموذجين للحرب بلا سياسة : النموذج العنصري بالعقلية الفاشية أعطت الحروب الفاشية التي تتطلب الذهاب بالحرب إلى نهايتها بسحق احد الأطراف , والنموذج الطائفي بالعقلية البدوية أو العشائرية التي تخوض حروبا لاتنتهي إلا باستنزاف شامل لجميع الأطراف . والعبرة في ذلك أن غياب السياسة يعني غياب المدنية . المدنية تشترط العقل السياسي في جميع مراحلها , وفي جميع أشكال الصراع التي تخوضها . فبأي عقل مدني سياسي ترفض المعارضة التفاوض بالمطلق مع النظام ؟ للجواب على هذا السؤال ينبغي العودة لسلوك المعارضة الرافضة للتفاوض خلال العشرين شهرا الماضية من عمر الثورة . فهذه المعارضة ذاتها , التي وضعت كل بيوضها في سلة التدخل الخارجي المباشر , ثم نقلته إلى سلة التدخل الخارجي غير المباشر , هذه المعارضة ذاتها , هي من يعترض على مبادرة من الواضح أنها وضعت ووجّهت للأطراف الخارجية كي تتدخل وتفعل شيئا . فلم تعترض إذن ؟ تجاوبا مع رغبة شعبية ؟ ليس من تحقيق ميداني وليس من تحليل سياسي يثبت ذلك . بل على العكس , فحجّة معاذ الخطيب القوية في طرحه للمبادرة كانت الحالة الشعبية التي وصلت لحدود مأساوية شاملة , لحدود فجيعة شعب ودولة . ايضا , لايصح تفسير رفض التفاوض بحجة سلوك النظام الفائق العنف . لأن النظام يتسم بالطابع الفاشي في صراعه مع شعبه , ويملك قوة تدميرية هائلة , ومن المستحسن تدميره وتحطيمه تماما , ولكن المعارضة لاتملك لاالقوة ولا الخطة لتحقيق ذلك . فمالعمل إذن ؟ يقول الرافضون : استئناف الصراع . وهذا ليس جوابا للسؤال , بل هو هروب منه بالعقلية البدوية , عقلية داحس والغبراء واستئناف الحرب بلا آفاق سياسية , عقلية البدوي الحديث الذي يفهم بالبزنس والمال ولا يفهم بالسياسة . تفكير بدوي عشائري بسلوك انتهازي , تؤطره العقيدة والغنيمة كما يقول الجابري .

        القسم الآخر من المعارضة , الموافقة على المبادرة , لايصح تسميتها ” قسم آخر ” إلاّ بناء على اشتراكها في تأييد المبادرة , ولكنها في الحقيقة ليست قسما واحدة , فهي لاتشترك بشيء آخر , وليست متجانسة . ولكن مايهمنا هنا هم التقليديون أمثال هيئة التنسيق وأشباهها ( ليسوا كثيرين ) . هؤلاء , شعروا فجأة وكأن المبادرة أعادتهم إلى ساحة السياسة السورية بعد أن كانوا خارج المعركة , عادوا ولسان حالهم يقول : ألم نقل لكم ؟ متناسين أن المبادرة لاتزال في مرحلة الجنين وقد لاتولد نهائيا . هؤلاء لايذكروننا إلاّ بذاك النبيل الإنكليزي الذي وقع أسيرا بيد آكلي لحوم البشر المتوحشين , ففي الوقت اللذين كانوا هؤلاء يحضرون النار لشيّه والتهامه , كان يردد على مسامعهم بلغته الإنكليزية الفصيحة : أيها السادة . إنني أحتج . هكذا كانت هيئة التنسيق تحتج على فاشية نظام الأسد .

      لاتخلو الساحة السياسية من سوريين عقلاء , يفهمون مايجري , يمتلكون العقل السياسي , والثقافة المدنية , ويحملون الهم العام في ضميرهم . وهؤلاء كثيرون , ولكن ليس في هياكل المعارضة التنظيمية , ولانقول مؤسساتها , فالمعارضة السورية لاتعرف , ولاتريد , بناء المؤسسات . البدوي الإنتهازي لايحتاج للمؤسسات , وإن كان قياديا في ثورة عظيمة كالثورة السورية .

خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى