صفحات سوريةفاطمة ياسين

معارك الشمال السوري/ فاطمة ياسين

 

 

عاش النظام السوري، في الأسابيع الستة الماضية، كابوساً عسكرياً في الشمال، تمثل في تراجعه الدراماتيكي عن مركز المحافظة في إدلب، وانكفائه المر عن جسر الشغور، الثغر المتاخم للمناطق الساحلية، ثم خساراته المتتالية قرى سهل الغاب. ونتج عن آخر معركة إخلاؤه السريع منطقة عسكرية حصينة. وساهم هذا التقدم السريع لقوات المعارضة في تحطيم أحد أيقونات النظام العسكرية، العقيد سهيل الحسن الملقب بالنمر، وانهيار في معنويات “القوات” المرابطة على “فيسبوك”، تجلى في سوداوية “بوستاتها”، وهبوط سريع في ضغطها الشرياني.

كان التقدم في هذه المناطق سهلاً وسريعاً، ويمكن القول إنه لم تحصل معارك حقيقية داخل إدلب أو جسر الشغور، بعد أن سارع جنود النظام إلى إخلائهما، عندما كانت القوات المهاجمة على مسافة بعيدة عنهم، وهو سلوك عسكري، تلجأ إليه القطع العسكرية، عند انقطاع خطوط إمدادها، أو حين تخاف من تعرضها للحصار.

اعتمد الثوار المسلحون تكتيك الهجوم على نقاط الدعم والإسناد التي يعتمدها النظام “خطوط استشعار عن بعد” المنشورة على شكل أقواسٍ، تحيط دائرياً بالمدن، وتسد خطوط مواصلاتها، وتوضع تحت اسم “حواجز”، فتم القضاء عليها تدريجياً، ثم أفسح المجال أمام عدد كبير من القوات المؤللة، لتتقدم إلى المدن من محاور كثيرة، ما سهل سقوطها السريع من دون مقاومة كبيرة. وقد يكون الاعتماد على قوة عددية كبيرة تملأ المكان خياراً ذكياً، ومتاحاً في الوقت نفسه، عندما تتكتل أعدادٌ كبيرة من التجمعات المقاتلة، تحت مسمى كبير، وتتحرك بانسجام وتخطيط يوحي بتداخل استخباراتي إقليمي. أجبر هذا التكتيك النظام على تكثيف طلعاته الجوية، والاعتماد على سلاح الجو بشكل شبه كامل، أو بالقصف المدفعي ذي المدى البعيد، مناورة تهدف إلى تثبيت الخطوط والتحول نحو معارك استنزاف، تكون السيادة فيها للتراشق الناري والحفاظ على ممر آمن يفصل القوات. تبدو هذه العملية أكثر ملاءمة للنظام، وقد اعتمدها في جبهة الشمال منذ مدة.

لم يكن رد النظام على خساراته الكبيرة مساوياً لحجم الزلزال الشمالي، على الرغم من مضاعفة عدد الطلعات الجوية التي اقتصر بعضها على مهاجمة مخلفات عسكرية، تركتها قواته وراءها، عند هروبها السريع، في محاولة لتدميرها، ومنع قوات الثوار من استخدامها ضده. وبدا رده الإعلامي فقيراً شاحباً، وظهرت خيبات الأمل كبيرة على صفحات الميديا الاجتماعية، ما أضفى مناخاً يوحي بانتهاء الحرب، وهو شعور مزيف، بدأ بالانحسار عندما عاد المحللون إلى تفحص الخرائط والجغرافيا، فما زال الطريق إلى أريحا محفوفاً بمخاطر، مع سهولته النسبية، وقد تكون المعركة الفاصلة ما زالت بعيدة.

لم يكن هذا الاندفاع السريع ليحصل، لولا ما يُقال عن تزايد الدعم (القطري التركي السعودي)، والتكتل الكبير الذي جمع عدداً كبيراً من القوات المعارضة، وربما ساهم توجهها الإسلامي العام في تقريبها من بعضها، ولكن مزيداً من التقدم قد يكون أكثر صعوبة، فقد صغرت المساحة التي على النظام الدفاع عنها، بعد أن خسر القسم الأكبر من الأرض، وحافظت قواتُه، نتيجة انسحاباتها الآمنة من المدن، على معظم كوادرها، فهي قد تلجأ إلى تحصين ما بين يديها، ودفع قواتها الجوية للعمل بطاقتها القصوى، لمنع كتائب الثوار من الراحة، وإعادة تنظيم الصفوف، استعداداً للمعركة التالية. لذلك، على الكتائب المتحالفة الحفاظ على وئامها العقائدي، لتُبقي على جودة أدائها العسكري الذي ثبت أنه على مستوى عالٍ، ما دامت في حالة اتحاد.

المعركة القادمة أريحا، التجمع السكاني الكبير والأخير في محافظة إدلب، وقد ظهر أن النظام مولع بالوجود في التجمعات الحضرية الكبرى، وترك القرى والمناطق النائية، فذلك يؤمن له حضوراً إعلامياً وشكلاً مسيطراً، وقد يكون خروجه من أريحا نهائياً من محافظة إدلب، ونقلاً للمعارك إلى ملاعب النظام الأكثر أهمية، حيث لن يحتمل خسارات كبيرة، كخساراته في إدلب. لذلك، من المنتظر أن تكون أريحا محطة مهمة، لن يتسرع الثوار في قرع أبوابها، قبل مرحلة تحضير كافية، ومشاورات بعضها إقليمي، قد يخضع لمساومات لقاء جنيف التشاوري الذي يتم التحضير له، على وقع قصف الطيران الحربي الكثيف على مناطق كانت مرتعاً للنظام.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى