صفحات الناس

معاناة السوريات … والحرب لإسقاط النظام/ منى غانم

 

 

لا بد للحرب كحدث أن تؤثر وتتأثر بالعلاقات الجندرية المسيطرة في المجتمعات التي تحدث فيها. ويتحكم بطبيعة هذا التأثير موقع تلك المجتمعات في سلّم التنمية الإنسانية، وكذلك دور النساء ومكانتهن في هذه المجتمعات، وأخيراً طبيعة الحرب التي تتعرض لها البلاد ودور النساء فيها.

والحرب في سورية لم تكن كغيرها من الحروب التي عرفتها البشرية، فهي من أكثرها تعقيداً. فحرب الوكالة التي بدأت أفرزت العديد من المنظمات الإرهابية، وعلى رأسها «داعش» و»جبهة النصرة» التي أخذت تهدد أمن العالم واستقراره، ما دفع بالدول المتصارعة إلى إيجاد آليات للتعاون العسكري والاستخباراتي لمحاربة الإرهاب.

وفي الوقت الذي كان العديد من المدافعين عن الديموقراطية وحقوق الإنسان يتطلعون إلى موجة جديدة من الديموقراطيات تنطلق من دمشق عبر حراك سلمي ديموقراطي، أتت دعوات التسلّح لتغير مسارات الصراع السياسي في شكل جذري، وتحوّله إلى حرب تصلح لأن تصنّف، وبجدارة، كحرب عالمية ثالثة، ليس فقط من ناحية الكارثة الإنسانية التي سببتها، بل أيضاً بما ستحدثه من تغيرات في النظام السياسي العالمي والمنظومة الفكرية التي تحكم العالم. وأخيراً، فالحرب في سورية أظهرت تراجع دور الأمم المتحدة في عمليات التفاوض والتسوية السياسية وبناء السلام، إذ عملت القوى العظمى وفي شكل أساسي روسيا وأميركا، على التنسيق في شكل مباشر في الأمور الجوهرية، من دون الرجوع إلى منظمة الأمم المتحدة في كثير من الأحيان.

لغاية 2011، كانت المرأة السورية في وضع أفضل نسيباً من قريناتها في المنطقة العربية إذا ما استثنينا المرأة التونسية. فلقد كانت الحكومة السورية التي يقودها حزب البعث منذ الستينات، تعمل على إظهار دعمها الشكلي للنساء في الحياة العامة والسياسية، فكانت المرأة في منصب نائب لرئيس الجمهورية وكذلك كانت الوزيرة والقاضية والمديرة، من دون أي تغيير في واقع التمييز والنظرة الدونية وقوانين الأحوال الشخصية غير المنصفة التي عانت منها السوريات في حياتهن الخاصة.

لكن الحرب سببت تدهوراً كبيراً في مكانة المرأة وتراجعاً في دورها الاجتماعي والسياسي، ناهيك عن تعرّضها لكل أشكال الانتهاكات الجسدية والجنسية.

من نافل القول أن الحرب تأخذ الرجال بعيداً عن الأسرة، فهم إما معتقلون أو مخطوفون أو محاربون أو قتلى، ما أوجد واقعاً جديداً كان على المرأة أن تواجهه سواء في معسكرات اللجوء حيث الغالبية من النساء والأطفال، أو في المناطق التي تسيطر عليها السلطة حيث يخلو الكثير من القرى والمدن من الرجال الشبان. فأصبحت المرأة في غالب الأحيان، المعيلة الأساسية للأسرة في ظل ظرف اقتصادي صعب استخدم فيه سلاح العقوبات الاقتصادية على الحكومة السورية، ما أدى الى تضخّم نقدي رهيب وارتفاع البطالة بنسبة تفوق الـ٤٠ في المئة، وبالتالي تعرّضت السوريات لدورة جديدة من العنف تمثلت بزواج الطفلات في معسكرات اللجوء واتساع شبكة الدعارة وغيرهما من المشاكل الاجتماعية.

وأدى استخدام العنف المفرط في الحرب والترويج له من الجهات المنخرطة في الصراع، إلى إعلاء العنف كقيمة مجتمعية في العالم تشجع الشباب على ارتكابه في سورية والتباهي به، ونتيجة لذلك أصبح العنف هو المسيطر على العلاقات الاجتماعية الجندرية. فالدعوات الى الحرية والديموقراطية التي من شأنها إعلاء مكانة المرأة في المجتمع، تحولت بسرعة كبيرة دعوات للعنف والتطرف كانت المرأة أولى ضحاياه، فتعرضت لكل أشكال العنف الجسدي والجنسي بما فيها العبودية الجنسية والبيع في أسواق النخاسة من جانب «داعش». ولأن شرف العائلة ما زال مرتبطاً بنسائها، اعتمد كثير من المقاتلين على العنف الجنسي والجسدي للنساء كأداة إذلال ووسيلة حرب على الخصوم.

ومن نافل القول أن ممارسات «داعش» و»جبهة النصرة»، المتعلقة بسبي النساء ورجمهن، مرتبطة وبقوة بالتراث الإسلامي، ما يجعل الواقع المرير الذي تعانيه النساء في بعض المناطق السورية أشبه بنكوص تاريخي الى ما قبل ١٥٠٠ سنة، في مفارقة تجمع بين استخدام أحدث وسائل التكنولوجيا للقتل والترويع وممارسات قروسطية على النساء السوريات.

وانطلاقاً من التزامها بتنفيد القرار الأممي ١٣٢٥، تم تأسيس العديد من المنظمات النسوية من قياديات في المعارضة، كشبكة النساء السوريات واللوبي النسائي السوري، بل قامت الأمم المتحدة بتشكيل مبادرة خاصة للنساء في السلام والديموقراطية ضمت عدداً كبيراً من السوريات المعارضات. كذلك، قام المبعوث الخاص للأمم المتحدة في سورية بتشكيل مجلس استشاري نسائي ضم 12 امرأة من النسويات والقياديات في المجتمع المدني السوري، وبضغط من بعض الناشطات السوريات في مؤتمر الرياض للمعارضة المعتدلة شكّلت اللجنة الاستشارية النسائية في الهيئة العليا للمفاوضات.

لكن على رغم هذه الجهود كلها، لم تستطع السوريات تشكيل كتلة للاضطلاع بدور منظور وفاعل في العملية السياسية أو التفاوضية، وباستثناء عدد قليل من السياسيات يمكن القول إن السوريات لم يستطعن الوصول إلى طاولة المفاوضات والسياسة، فلم تعط عضوات اللجنة الاستشارية النسائية في الهيئة العليا للمفاوضات أي دور سياسي يذكر، كما هوجم المجلس الاستشاري النسائي الذي شكله المبعوث الخاص للأمم المتحدة من جانب قوى معارضة وثورية ثورية مستخدمةً الإيحاءات النمطية والجنسية كأداة للهجوم السياسي.

إن ضعف دور المرأة السورية وتراجعه خلال السنوات الخمس الأخيرة، هما نتيجة حتمية لطريقة إدارة القوى الدولية الصراع، إذ عملت اعتماداً على مقولة «عدو عدوي صديقي» بالتحالف مع القوى الرجعية والأصولية، رغبة منها في إسقاط النظام، وشجعت القوى العنفية وتحويل الحراك السلمي إلى صراع مسلّح إيماناً منها بأن التسلح هو الطريقة الوحيدة لتغير النظام وتحقيق «الربيع العربي» في سورية. ولم تستمع تلك القوى الدولية لوجهة نظر القوى الديموقرطية السورية السلمية المناهضة للتسلح والتحالف مع القوى الأصولية، بل همّشتها.

هكذا فقدت المرأة السورية فرصة للتغير نحو الأفضل من خلال الحراك السلمي الذي بدأ في ٢٠١١، وانتهى بها الأمر مشردة ولاجئة ومعيلة وسبية في أسواق «داعش»، ما يؤكد أن النهوض بواقعها في الأنظمة الشمولية لا يحدث بلا تغيير ديموقراطي حقيقي تدريجي، ولا يمكن محاولات إسقاط الأنظمة بالحصار الاقتصادي والسياسي واعتماد الحركات الأصولية المسلّحة كأداة لتغيير الأنطمة، إلا أن تسبّب نكوصاً حقيقياً في أوضاع النساء.

فهل تقنع تجارب أفعانستان وليبيا والعراق وسورية الحركات النسائية العالمية بالعمل من أجل التصدي لمنهجية إسقاط الأنطمة بالسلاح، أم أن الكلام عن ضرورة تمكين النساء في دول العالم المختلفة مجرد مشروع يحتاج إلى تمويل؟!.

* رئيسة ملتقى سوريات يصنعن السلام

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى