إياد الجعفريصفحات المستقبل

معايير النجاح في مؤتمر الرياض/ إياد الجعفري

 

 

علينا أن نقر أنها ستكون مفاجأة صادمة أن يُفلح المؤتمرون بالرياض في الخروج برؤية موحدة، وبوفد موحد، قادر على البقاء متماسكاً في معركة التفاوض مع النظام وحلفائه.

ومن ثم، ستكون المفاجأة الأكبر أن يحرز مسار التفاوض بين وفد المعارضة “المتماسك ذي الرؤية الموحدة” وبين وفد النظام، النجاح المأمول بالاتفاق على حل سياسي للصراع بسوريا، يتضمن اتفاقاً حول تفاصيل المرحلة الانتقالية في البلاد.

وأخيراً، ستكون المفاجأة الكبرى أن يتم تطبيق الحل السياسي، والمرحلة الانتقالية، بصورة ناجحة تخرج بالبلاد من أتون المأساة الراهنة.

هي نظرة متشائمة نسبياً، لكن التاريخ يقول لنا أن الحروب والصراعات الأهلية، خاصة إذا تعرضت للتدخل الإقليمي والدولي، لا تنتهي إلا بإحدى حالتين، تمكن طرف محلي من المتصارعين، من فرض إرادته على باقي الأطراف، أو وجود طرف خارجي يستطيع وقف الصراع وإجبار المتصارعين على حل سياسي، يخدم مصالحه بطبيعة الحال.

ولدينا في هذا المجال أمثلة عديدة، منها المثال اللبناني، الذي لم تنتهِ الحرب الأهلية المريرة فيه، خلال القرن الماضي، إلا بعد أن تمكن النظام السوري بدمشق من إحكام القبضة بصورة شبه كاملة على المشهد الميداني، بحيث أقرت الولايات المتحدة الأمريكية بذلك، وكذلك السعودية، وكان اتفاق الطائف تخريجة سياسية تمنح نظام الأسد وصاية مؤقتة نظرياً على جاره اللبناني، مقابل نفوذ سياسي سعودي نسبي.

في الحالة الأفغانية، شهدت البلاد صراعاً بين الفصائل عشر سنوات، بعد انتهاء الحرب مع السوفييت، ولم تنحسر صراعات الأفغان، إلا بعد أن أحكمت حركة طالبان سيطرتها على معظم التراب الأفغاني، في نهاية العقد الأخير من القرن الماضي.

في الحالة اليوغسلافية، انتهى الصراع بتقسيم البلاد، بصورة سمحت لكل قوة محلية بالتحكم في إقليمها.

أمثلة كثيرة، تؤشر إلى أن الصراعات الأهلية لا تنتهي إلا بانتصار طرف، داخلي، أو خارجي. لا توجد نماذج نعرفها لحروب أهلية انتهت بحل سياسي مستقر بين الفرقاء المحليين، إلا إن كانت الكفة تميل لبعضهم على حساب بعضهم الآخر. أما في حالة توازن القوى، لا تتوقف الحرب.

في الحالة السورية، يوجد توازن قوى، وتوجد أطراف عديدة، إقليمية ودولية. لا يوجد طرف وحيد قادر على فرض إرادته على باقي الأطراف، لا بين الأطراف المحلية، ولا بين الأطراف الخارجية المتورطة في الصراع. لذلك، لن تتوقف الحرب في الأفق القريب.

في الصراعات والحروب الأهلية، لا تكون السياسة هي الخاتمة إلا في حالتي الانتصار والهزيمة، أو انهيار الدولة وتفككها. في الصراعات الأهلية، التي يكون فيها انتصار طرف، هزيمةً للآخر، يصعب إيجاد تسويات، إلا حينما تميل كفة الانتصار لطرف، وكفة الهزيمة لآخر، فيفضل من يستشعر الهزيمة أن يقبل بتسوية، يقدم فيها تنازلات سياسية، على أن يتم إلغاؤه تماماً بالقوة، ويفضل المنتصر أن يقبل بتسوية يحصل فيها على معظم المكاسب التي أرادها، وليست جميعها، على أن يخوض حرب إبادة ضد خصمه الذي سيكون شرساً في الدفاع عن وجوده حتى اللحظة الأخيرة.

في الختام، يبدو أن الحالة السورية الراهنة لا تفرز مقومات الحل السياسي حتى الآن. يكفي أن ندقق في قائمة الأطراف المدعوة لمؤتمر الرياض، ونراجع مواقف كل منها، لنتصور حجم الفروق الآيديولوجية والسياسية، ناهيك عن الانتهازية، المتوافرة بين من سيجلس على طاولة واحدة، كي يكون ممثلاً للمعارضة في مفاوضات فيينا القادمة.

هل يعني ذلك أن مؤتمر الرياض لن ينجح؟، سؤال لا ينم عن دراية كافية بمعايير النجاح المطلوبة لهذا المؤتمر، كي يكون أساساً متيناً لمعارضة قادرة على فرض نفسها كمفاوض متزن مع خصم شرس ومتمرس من قبيل نظام الأسد وحلفائه. فالنجاح المطلوب، ليس أن يتم تمرير وثيقة توافق بالحد الأدنى، غير واضحة المعالم، قابلة للتأويل لاحقاً، يتم الاتفاق عليها بالتصويت، ومن ثم يتم إعلان نجاح المؤتمر في توحيد المعارضة. المطلوب أكبر وأعمق من ذلك بكثير، المطلوب خلق تكتل معارض متماسك قادر على مواجهة تكتل النظام وحلفائه، سياسياً، وميدانياً، بصورة تسمح لمسار فيينا أن يُثمر بالصورة المأمولة للسوريين، وللأطراف الإقليمية والدولية الراغبة حقاً، في حل الأزمة السورية.

ورغم ما سبق، نأمل كل التوفيق للمؤتمرين، وللمشرفين على هذا المؤتمر، ونأمل لجهودهم كل النجاح.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى