صفحات سوريةفايز ساره

معركة القلمون وأبعادها/ فايز سارة

 تدور في منطقة القلمون بريف دمشق، معركة عسكرية حاسمة، تشارك فيها قوات النظام مدعومة بقوات إيرانية وميليشيات حزب الله اللبناني بهدف السيطرة على المنطقة، تقابلها تشكيلات مسلحة من قوات الجيش الحرّ وثوار القلمون وتشكيلات إسلامية تقوم بالدفاع عن المنطقة، التي خرجت أغلب مدنها وقراها عن سيطرة النظام منذ بدايات الثورة. وتتركز المعركة بشكل رئيسي على الخط الدولي الواصل بين مدينتي النبك جنوباً وقارة شمالاً، وتستخدم فيها مختلف أنواع الأسلحة.

ورغم غياب التكافؤ في ميزان القوى العددية والتسليحية وفارق الدعم بين الجانبين، إلا أن المعركة تجري وسط تناقض أهداف الطرفين. حيث تسعى تشكيلات الجيش الحرّ وثوار القلمون إلى الدفاع عن المنطقة انطلاقاً من الحق في الدفاع عن النفس والحاضنة الاجتماعية إضافة إلى تأكيد وجودها ودورها في الثورة، فيما يسعى النظام للسيطرة على المنطقة لتأمين طريق دمشق-حمص الاستراتيجي، وإغلاق خط التواصل السوري مع لبنان عبر جبال القلمون، وقطع خطوط التواصل مع غوطة دمشق الشرقية مما يمهّد لاقتحامها لاحقاً، إضافة إلى تدمير وتهجير الخزان البشري الهائل في القلمون المؤلف من سكانه ووافدين لجأوا إليه من المناطق الأخرى وعددهم يقاس بمئات الآلاف.

وبخلاف الأهداف القريبة للنظام في معركة القلمون، فإن انتصاره فيها ينقله إلى حيز آخر في مواجهة الثورة. إذ يعطيه قدرة أكبر على تطويق الغوطة الشرقية بحلقة أبعد، ويجعله أقدر على التوجه إليها للسيطرة عليها، ثم على الغوطة الغربية مروراً بأحياء دمشق الجنوبية باتجاه مدن وقرى درعا لتدمير قوات الجيش الحرّ وإعادة السيطرة على المنطقة الجنوبية، رغم أن ذلك لن يكون نزهة لقوات النظام وأدواتها من قوات إيرانية وميليشيات حزب الله.

وكما هو واضح، فإن معركة القلمون ذات طبيعة استراتيجية، يتوقف على كسبها حدوث تغييرات في حدود سيطرة النظام والمعارضة على الأرض، وبالتالي فإن لتلك السيطرة تفاعلات سياسية وعسكرية، ستكون لها تأثيرات في مستقبل القضية السورية سواء اتجهت القضية نحو حل سياسي على نحو ما يفترض أن يسير إليه مؤتمر جنيف2 المرتقب باعتباره بوابة لحل، تسعى إليه القوى الدولية، أو أن تستمر القضية في صراع عسكري لا يبين له حسم منظور في المدى القريب.

ويفرض الوضع في القلمون ومعركته المتواصلة البدء الفوري بتدخلات محلية ودولية، لعلّ الأبرز في التدخلات المحلية، أن يتقدم الائتلاف الوطني وهيئة الأركان، وكل القوى السياسية والعسكرية السورية بصورة جدية وفعالة لتأمين أكبر دعم ومساعدة بشرية ومادية وبالسلاح والذخيرة لقوات الجيش الحرّ وثوار القلمون في معركتهم، إضافة إلى احتضان ورعاية نازحي القلمون، وقد وصل منهم الكثير إلى لبنان ودمشق ومناطق حمص جراء أوسع عملية تهجير تشهدها المنطقة. بل إن المطلوب أكثر مما تقدم، تصعيد المعركة سياسياً مع النظام في المستويين الإقليمي والدولي، لأن نتائج المعركة، ستؤثر على مسار القضية السورية واحتمالاتها، وعلى دول الجوار وخاصة لبنان، الذي أخذت قوافل المهجرين من القلمون بالتوافد إليه.

كما أن مجريات المعركة في القلمون، تتطلب من التشكيلات المسلحة للثورة، التي تقاتل قوات النظام وحلفاءه التدقيق في ممارسات بعض قواها ولاسيما الجماعات الإسلامية، ووضع هذه الممارسات في الإطار الذي يخدم أهداف الثورة في الحرية والعدالة والمساواة، لا في خدمة اجنداتها الخاصة والفئوية.

ولا ينفصل عن التحرك الداخلي العملي والسياسي، وجوب حصول تدخل دولي قوي وفعال لمنع انتصار النظام في معركة القلمون، لأن انتصاره هناك، سيخلق صعوبات أكبر في وجه العملية السياسية، التي تتخذ من جنيف2 بوابة لها، حيث ستعزز قوة النظام على الأرض، وتعطيه فرصة أكبر لفرض وتحسين شروطه ليس فقط للدخول في جنيف2، وإنما أيضاً في المفاوضات التي ستجري في إطاره من أجل تنفيذ محتوياته، التي تتضمن في الأساسي منها تشكيل هيئة حكم انتقالي، تأخذ القضية السورية نحو حل شامل وانتقال من حكم الاستبداد والقتل إلى نظام ديمقراطي تعددي.

خلاصة القول، أن معركة القلمون، وإن جاءت في سياق التطورات السورية بما تعنيه من فصل جديد في حرب النظام على السوريين، وزيادة حجم معاناتهم بما تتركه من قتل وتدمير وتهجير يتواصل، ويصيب مئات آلاف السوريين، فإنها معركة استراتيجية سيكون لها تأثيرات عميقة وخطيرة على القضية السورية في المحيطين الإقليمي والدولي على الصعيدين الأمني والسياسي خاصة لجهة صيرورة الحل السياسي الأصعب بكثير مما هو عليه الآن.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى