صفحات مميزة

معركة تحرير الموصل آثارها وتداعياتها على الحدث السوري –مقالات مختارة-

تركيا ترتدي “درع الفرات” في طريقها إلى الموصل/ محمود سمير الرنتيسي

ملخص

تناقش هذه الورقة آليات الاستجابة التركية لتطورات الأوضاع الإقليمية في كل من العراق وسوريا من خلال تعامل تركيا في كل من عملية درع الفرات وعملية تحرير الموصل. وتحدِّد الورقة عددًا من ملامح التغير في الأداء التركي الذي أصبح يعطي وزنًا أكبر للقوة الصلبة ولديه توجه لتقليل الاعتماد على وعود الولايات المتحدة.

وفيما يتعلق بالرأي العام التركي فإن الورقة ترى أن الرأي العام في تركيا يدعم بشكل عام عملية درع الفرات ويؤيد المشاركة في عملية تحرير الموصل.

وترى الورقة أن تركيا سوف تستمر في عملية درع الفرات نحو مدينة الباب فيما تصطدم بضيق الخيارات أمام عملية تحرير حلب، أما فيما يتعلق بعملية الموصل فإن تركيا ستشارك في العمليات وتواصل التنسيق مع حلفائها في الـ”بيشمركة” وقوات الحشد الوطني ما لم تدخل قوات الحشد الشعبي إلى داخل مدينة الموصل أما إن دخلت الأخيرة فإن التدخل التركي المباشر في الموصل يُعد أمرًا مرتقبًا.

خرجت تركيا قبل حوالي ثلاثة أشهر من محاولة انقلابية فاشلة (15 يوليو/تموز 2016) وما زالت تفاعلاتها على المستويات الداخلية والخارجية مستمرة. وقد مارست تركيا خلال هذه الفترة نشاطًا كبيرًا في الساحة الإقليمية والدولية سواء مع الزخم المصاحب لتطبيقها سياسة “انفتاحية” لحل الخلافات الثنائية مع عدد من الدول (روسيا، إسرائيل، الإمارات) أو مع عدد من المبادرات السياسية والعسكرية للتعامل مع عدد من الأزمات الإقليمية ولعل أهم ما تتعامل معه السياسة الخارجية التركية الآن هو التطورات الإقليمية الحاصلة في كل من العراق وسوريا.

درع الفرات

في محاولة لاستدراك الموقف من التطورات في سوريا، بدأت تركيا، في 24 أغسطس/آب 2016، عملية درع الفرات، وهي عملية تم تنسيقها بشكل رسمي مع قوات التحالف الدولي تدعم القوات التركية من خلالها قوات من الجيش السوري الحر من أجل تحقيق عدة أهداف، منها: إنهاء سيطرة “تنظيم الدولة” في مناطق شمال سوريا وخاصة القريبة من الحدود التركية من أجل تأمين المدن التركية من هجمات التنظيم علمًا بأن العملية أتت بعد ثلاثة أيام من مقتل 50 مواطنًا تركيًّا في تفجير نفَّذه التنظيم في حفل زفاف في مدينة غازي عنتاب(1).

ومن أهم الأهداف التي تريد تركيا تحقيقها من عملية درع الفرات منع القوات الكردية المتمثلة في حزب الاتحاد الديمقراطي من وصل “الكانتونات” الكردية بين كوباني وعفرين، ويُعَدُّ الاعتماد الأميركي على قوات حماية الشعب الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي ((PYD، والتي سيطرت على الكثير من الأراضي التي انسحبت منها داعش، أحد أهم محفزات تركيا لإطلاق عملية درع الفرات؛ حيث وصلت الأمور إلى نقطة لم تعد تتحمل عندها تركيا الانتظار طويلًا عندما بقيت القوات الكردية في مدينة منبج بعد هزيمتها لتنظيم الدولة بالرغم من التعهد الأميركي بعودة هذه القوات إلى مناطقها شرق نهر الفرات بعد انتهاء العمليات حيث إن القوات الكردية تقدمت إلى غرب الفرات بضمانات أميركية علمًا بأن قسمًا صغيرًا منها قد انتقل إلى شرق الفرات بعد تهديد نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، برفع الغطاء عنها في حال لم تنسحب إلى شرق الفرات(2).

وجاء من بين الأهداف أيضًا حصول تركيا على مطلبها الذي طالما نادت به وهو إقامة منطقة آمنة شمال سوريا تمنع من خلالها المزيد من عمليات النزوح إلى أراضيها وتعمل على إعادة عدد من اللاجئين السوريين إلى هذه المناطق، وقد تمكنت العملية، حتى كتابة هذه السطور وفي مرحلتيها الأولى والثانية وقسم من المرحلة الثالثة حتى 16 أكتوبر/تشرين الأول 2016، من تحرير ما مجموعه 1300 كيلومتر مربع من الأراضي بطول 90 كم وعمق 20 كم. وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أعلن أن هدف عملية “درع الفرات” هو تطهير 5 آلاف كيلومتر مربع من إرهابيي داعش وإنشاء منطقة آمنة للاجئين.

ومن أجل هذا الهدف المتمثل بمنطقة آمنة يُفرض فيها حظر للطيران فيما بعد أعلن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أن قوات عملية “درع الفرات” شمالي سوريا، مضطرة للتمدد 45 كيلو مترًا على الأقل نحو الجنوب للوصول إلى مدينة “منبج”(3).

خارطة لتوزيع مناطق النفوذ في عملية درع الفرات صادرة عن الجبهة الشامية وهي أحد الفصائل المشاركة في العملية. (المصدر: الحساب الرسمي لفصيل الجبهة الشامية) [Unspecifeid]

ويفصل عملية درع الفرات حاليًّا عن الوصول إلى مدينة الباب حوالي 13 كيلومترًا بعد أن استطاعت العمليات أن تحرر مدينة دابق التي كانت تحتل أهمية كبيرة لدى التنظيم لارتباطها بتصورات عقدية متعلقة بنبوءات حول معركة نهاية العالم.

أما فيما يتعلق بعمليات جيش الفتح، فقد أسهمت تركيا في دعم عدد من الفصائل المشاركة فيه، وقد تمكَّن في مارس/آذار 2015 من تحرير مدينة إدلب في فترة قياسية، وما زالت تركيا تواصل دعمها لعدد من الفصائل المشاركة فيه من أجل العمل على تحرير محافظة حلب وفك الحصار عن مناطق المعارضة المحاصرة فيها بالحد الأدنى لكن الجهود ما زالت تواجه صعوبات في ظل القصف الجوي الروسي المكثف.

ومن الواضح أن الاعتراض الروسي المتواضع على عملية درع الفرات يجعل من المنطقي التفكير بأن هناك تفاهمات معينة مع الروس حولها بل إن بعض المصادر أفادت بأن العملية كانت ستبدأ قبل وقت طويل لولا الأزمة التي حدثت مع إسقاط الطائرة الروسية وذلك بسبب عدم تضرُّر روسيا من منع تركيا لإنشاء كيان كردي شمال سوريا إضافة إلى تركيز بوتين على إنجاح مشروع السيل التركي الذي سينقل الغاز الروسي عبر البحر الأسود ومن ثم إلى الدول الأوروبية. ومن الأمور الأخرى التي تجعل روسيا تتغاضى عن عملية درع الفرات هو رغبتها بتوسيع هوة الخلاف بين واشنطن وأنقرة من خلال إظهار مراعاتها للمصالح التركية الحيوية شمال سوريا على عكس واشنطن وبالتالي توثيق العلاقة مع أنقرة على حساب واشنطن. ومن زاوية أخرى، فإن موسكو تدرك أن علاقة حزب العمال الكردستاني مع واشنطن أكبر من أن تستطيع إحداث اختراق فيها كما أن مصالحها مع تركيا لا تُقارَن بمصالحها مع الحزب ولذلك كان سهلًا عليها التخلي عنه. أما فيما يتعلق بجهود جيش الفتح الذي تشارك تركيا في دعمه فإن الطرفين يحاولان الابتعاد عن المواجهة المباشرة وتعاني خيارات أنقرة ضيقًا فيما يتعلق بمواجهة الروس في حلب خاصة مع الضغوط التي تتعرض لها قوى المعارضة السورية في ما يتعلق بجبهة فتح الشام (النصرة سابقًا) والتي أُفيد بأن تركيا والسعودية وقطر وافقت على المفاوضات العسكرية مع أميركا وروسيا بهدف إبعاد مقاتلي جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة(4).

ولا يعني التوافق التركي-الروسي الملحوظ مؤخرًا أن تركيا سوف تتخلى عن دعم قوات المعارضة في محيط حلب ولكن لأهداف روسية لا تعترض موسكو على ما تقوم به تركيا في شمال سوريا؛ لأنها تركز على حلب، ولأن ما تقوم به تركيا لا يؤثِّر في مصالحها كثيرًا. ومع ذلك، فإن المعلومات الواردة تشير إلى تقديم دعم تركي وتدريب لآلاف من عناصر المعارضة من أجل بدء عمليات فك حصار النظام عن حلب في أقرب وقت ممكن(5). وهذا من شأنه أن يضع العلاقات التركية-الروسية أمام اختبار حقيقي في ظل التصميم الروسي على تمكين النظام من السيطرة على حلب، وهذا ما تدركه تركيا ولذلك فإن حضورها في حلب سيكون محدودًا حتى ضمان انتهاء عملية درع الفرات بنجاح.

وعلى الصعيد السياسي، شاركت تركيا في اجتماع لوزان بشأن تحريك الأمور لبدء العملية السياسية في سوريا  وقد ناقش الاجتماع عددًا من الأفكار التي قدَّمها المبعوث الدولي، ستيفان دي ميستورا، إلى مجلس الأمن الدولي قبل عشرة أيام والمتعلقة بوقف الغارات الجوية على مدينة حلب مقابل انسحاب مقاتلي جبهة فتح الشام (النصرة سابقًا) من المدينة باتجاه إدلب وإبقاء الحكم المحلي في الأحياء المحاصرة منوطًا بالمجالس المحلية، والسماح بتواجد دولي في المدينة، لكن الاجتماع اختُتم دون تحقيق أية نتائج(6).

عملية تحرير الموصل

يبدو بشكل واضح أن الحكومة العراقية لا تريد أن تكون تركيا موجودة في عملية تحرير الموصل من سيطرة تنظيم الدولة؛ فمع بدء التحضيرات للعملية قام البرلمان العراقي في مطلع أكتوبر/تشرين الأول الحالي برفض وجود القوات التركية في شمال العراق واعتبارها قوات محتلة ومعادية، وجاء ذلك بعد أن أقرَّ البرلمان التركي تمديد بقاء القوات التركية في العراق، وقد سبق ذلك إعفاء وزير الدفاع العراقي، خالد العبيدي، الذي زار معسكر بعشيقة من منصبه وكذلك إلغاء منصب أسامة النجيفي كنائب للرئيس وهو معروف بقربه من تركيا وكان له دور في التنسيق لتدريب الجنود الأتراك لقوات الحشد الوطني(7).

وبالرغم من أن الخلاف بين تركيا والحكومة العراقية ليس جديدًا حيث شهد شهر ديسمبر/كانون الأول 2015 خلافًا حول تواجد القوات التركية في معسكر بعشيقة إلا أن الخلاف هذه المرة يكتسب أهمية كبيرة بسبب ارتباطه برغبة تركية كبيرة في المشاركة في عملية تحرير الموصل مما أدَّى إلى بزوغ توتر وصل إلى مستوى تبادل الانتقادات شديدة اللهجة بين الرئيس التركي ورئيس الوزراء العراقي؛ حيث قال أردوغان للعبادي: “أنت لست بمستواي، وصراخك في العراق ليس مهمًّا، فنحن سنفعل ما نشاء، وعليك أن تلزم حدَّك أولًا”، فيما قال رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي: إن “تصعيد الأتراك للهجتهم يهدف إلى عرقلة عملية تحرير الموصل حتى يتاح لهم الوقت الكافي لإنشاء بديل لتنظيم الدولة الإسلامية”(8).

تعتقد تركيا أن الحكومة المركزية العراقية بتوجيهات أطراف دولية وإقليمية تريدها خارج المعادلة من أجل استمرار السيطرة الشيعية على العراق. ولهذا، فإن تركيا تحاول جاهدة مقاومة هذا الرفض من خلال بعض المداخل مثل الاعتماد على التوافق مع الأطراف التي تشعر بالقلق من السيطرة الشيعية مثل كردستان العراق والعشائر العربية السنية(9). وتدرك تركيا أن عملية تحرير الموصول ستكون محطة مهمة في مستقبل العراق لذلك هي حريصة على أن تكون موجودة بأكبر قدر ممكن. وفي هذا الإطار، فإن جملة من العوامل المهمة تدفع تركيا نحو الإصرار على المشاركة:

اعتبار استقرار منطقة الموصل أمرًا يمس الأمن القومي بشكل مباشر، مع وجود حدود طولها 350 كم مع العراق.

المساهمة في وقف نزوح مئات الآلاف إلى حدودها (مع الإشارة إلى صعوبة القدرة على التمييز بين النازحين والإرهابيين).

منع مشاركة قوات حزب العمال الكردستاني تحت غطاء الحشد الشعبي خاصة أن مواقع الحزب في شمال العراق لا تبعد كثيرًا عن مناطق العمليات في الموصل فضلًا عن الرغبة في عدم تكرار تجربة حزب الاتحاد الديمقراطي في تصدر الحزب للمواجهة مع داعش في سوريا، وبالتالي منع اتصال الممر الكردي على الحدود التركية مع سوريا والعراق.

منع قوات الحشد الشعبي الطائفية من دخول الموصل تحسبًا لوقوع عمليات انتقامية ضد المواطنين السنَّة وحماية الأقلية التركمانية في العراق.

منع عملية التغيير الديمغرافي في الموصل التي تقطنها أغلبية عربية سُنِّية وتلعفر التي تقطنها أغلبية تركمانية.

ارتكاز تركيا على وجود 2000 من قواتها وعلى التعاون مع قوات الـ”بيشمركة”، إضافة إلى تدريبها 3 آلاف من قوات الحشد الوطني بدأت في تدريبهم منذ نهاية 2014.

الإنجازات التي تحققها عملية درع الفرات.

وبالرغم من توتر العلاقة حاولت أنقرة تخفيف الأزمة بالحوار حيث وصل، الاثنين 17 أكتوبر/تشرين الأول 2016، وفد تركي عالي المستوى إلى بغداد لنقاش الخلاف حول التواجد التركي في بعشيقة إلا أن الزيارة جاءت في ظل تأكيد الرئيس التركي رفضه الانسحاب من الأراضي العراقية، قائلًا: “يجب ألا ينتظر منَّا أحد أن نغادر بعشيقة”. وقال أردوغان: “سنكون جزءًا من عملية الموصل، سنكون موجودين على الطاولة، ومن غير الوارد أن نكون خارج العملية”. ولهذا، وبالرغم من حديث عن وفد عراقي سيزور أنقرة فإن الأخيرة تتوفر لديها قناعة بأن الرفض العراقي ليس نابعًا من قرار الحكومة المركزية بقدر ما هو اجتماع رغبة أميركية-إيرانية على رفض المشاركة، وبالتالي، فإن أنقرة وجدت نفسها أمام التنسيق مع التحالف الدولي بعد أن حاولت الاستدارة حول موقف الحكومة المركزية من خلال رئيس إقليم كردستان الذي وجد نفسه تحت ضغوط كبيرة اضطرته إلى دعوة بغداد وأنقرة للتفاهم بشأن الموصل مؤكدًا أن مشاركة أية قوة إضافية في المعركة يجب أن تكون بالتنسيق مع القيادة العامة للقوات العراقية، سواء تعلَّق الأمر بالقوات التركية أو بميليشيات الحشد الشعبي(10).

وبعد المباحثات التي أجراها المسؤولون الأتراك مع قيادة قوات التحالف الدولي، وفي ظل الإصرار التركي، تم التوصل إلى اتفاق تشارك بموجبه مقاتلات تركية في غارات قوات التحالف الدولي على مواقع لتنظيم داعش ضمن إطار تحرير مدينة الموصل العراقية، مع وجود تعهدات بعدم دخول قوات الحشد الشعبي الشيعية إلى داخل الموصل.

ولكن من خلال استقراء تصريحات المسؤولين الأتراك يمكن أن نستشعر الثقة المفقودة في وعود قوات التحالف؛ حيث أشار وزير الدفاع التركي، فكري إيشك، في معرض تعليقه على الاتفاق مع قوات التحالف على مشاركة المقاتلات التركية، إلى أن أي خطأ يُرتَكب في الاستراتيجية المتَّبعة لتحرير الموصل من داعش، سيؤدي إلى حدوث كارثة إنسانية وسيجبر قرابة مليون شخص على النزوح عن ديارهم باتجاه الأراضي التركية، لافتًا في هذا الصدد إلى أن المعطيات الأولية تشير إلى عدم ارتكاب القوات المشاركة في العملية أخطاء من هذا القبيل(11).

وتتناقض تصريحات إيشك مع التصريحات الصادرة عن البنتاغون حول مشاركة تركيا في العمليات حيث أفاد البنتاغون بأن تركيا ليست مشاركة في العمليات الجوية لتحرير الموصل ولعل ما يفسر هذا أن تركيا هي ضمن قوات التحالف الدولي ضد الإرهاب كغيرها من الدول أما فيما يتعلق بعملية الموصل فهناك خلافات ما زالت قائمة حول مشاركتها لكن يُتوقَّع أن يتم حل هذه الخلافات والسماح لتركيا بالمشاركة في العمليات.

وفي ذات السياق، ألمح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بنبرة تهديدية إلى ضرورة إيفاء قوات التحالف بوعودها وإلا ستنتهي الشراكة: “قوات التحالف أخلفت وعدها وسمحت لحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات الحماية الشعبية بدخول منبج، على الرغم من كون 95 بالمئة من سكانها من العرب، وبناء على ذلك قمنا نحن باللازم وبدأنا عملية درع الفرات، وأقولها من هنا: إن لم تُطهَّر المنطقة من حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات الحماية الشعبية فإن شراكتنا ستنتهي”(12). ولعل هذه النبرة تعد غير مسبوقة في العلاقة بين أنقرة وواشنطن.

وبعد هذه التصريحات دُعيت تركيا للمشاركة في الاجتماع الوزاري الذي ستعقده فرنسا مع العراق من أجل “التحضير للمستقبل السياسي للموصل”، فضلًا عن زيارة سيجريها وزير الدفاع الأميركي، آشتون كارتر، إلى تركيا يوم الجمعة، لبحث آخر تطورات الوضع في سوريا والعراق ويعتقد أن هذه الزيارات هي محاولات لطمأنة تركيا ومنع إقدامها على خطوات غير متسقة مع الموقف الغربي(13).

التغيرات في الأداء التركي

في سياق التطورات الإقليمية الأخيرة، يمكن ملاحظة عدد من المتغيرات على السياسة التركية وخاصة مع التوترات في العلاقات بين أنقرة وواشنطن فلطالما نعتت كل من الولايات المتحدة وتركيا العلاقات الثنائية بينهما بأنها علاقة تحالفية، ولكن تركيا التي شهدت محاولة انقلابية في 15 يوليو/تموز الماضي والتي يقيم الرأس المدبِّر لها، حسب الإفادة الرسمية التركية، فتح الله غولن، في ولاية بنسلفانيا الأميركية، تفتَّح أمامها الكثير من الأسئلة حول علاقة واشنطن ودورها في هذه المحاولة الانقلابية أو على الأقل علمها المسبق بها.

ولم تقف الأمور عند هذا الحدِّ؛ فالولايات المتحدة تعتمد بشكل رئيسي على قوات وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا وتقدم لها كافة أنواع الدعم اللازم لتحقيق مزيد من السيطرة في شمال سوريا حيث إن تركيا تعتبر هذه القوات تنظيمات إرهابية تابعة لحزب العمال الكردستاني، وقد زادت الأمور توترًا في ظل الاعتراض الأميركي غير المباشر على مشاركة تركيا في عملية تحرير الموصل بحجة عدم موافقة الحكومة المركزية في العراق.

قاد كل ما سبق إلى تغير في الأداء التركي، ويمكن إجمال مجموعة من التغيرات في النقاط التالية:

اعتماد تركيا على القوة الصلبة وسياسة فرض الأمر الواقع في تحقيق أهدافها، والعمل على الاستفادة من الوقائع على الأرض في تثبيت مكاسب سياسية.

فشل المحاولة الانقلابية وتطهير قسم كبير من مؤسسات الدولة من جماعة غولن أعطى مرتكز قوة إضافيًّا لصانع القرار التركي مما أعطى وزنًا أكبر للقيادة السياسية في اتخاذ القرار في الشؤون الخارجية المتعلقة بالعمليات العسكرية.

الانتقال من التركيز على البُعد الإنساني في التعامل مع الملف السوري إلى التركيز على البعد السياسي والعسكري بمعنى تبنِّي سياسات أكثر واقعية.

المواجهة مع سياسة الولايات المتحدة المتعارضة مع السياسة التركية بشكل عملي.

التوجه نحو عدم التعامل مع الولايات المتحدة كحليف.

زيادة التقارب مع روسيا والتباحث الثنائي في الملف السوري (من أبرز التطورات: تهنئة الرئيس الروسي للرئيس التركي بنجاح العمليات ضد تنظيم الدولة في سوريا مساء الثلاثاء 18 أكتوبر/تشرين الأول 2016، إضافة إلى التنسيق من أجل وقف الاشتباكات الدائرة في مدينة حلب السورية، وتعزيز العلاقات على كافة الأصعدة خاصة في مجال الاقتصاد والتبادل التجاري وقطاع الطاقة بين البلدين).

تراجع تكتيكي في الخطاب تجاه نظام الأسد؛ حيث يمكننا بوضوح ملاحظة الحديث عن المحافظة على وحدة الأراضي السورية والتركيز على المواجهة مع داعش والقوات الكردية وتراجع الحديث عن تنحي الأسد وعدم إشراكه في العملية السياسية المستقبلية.

زيادة مركزية رئيس الدولة في توجيه السياسة الخارجية، والتعامل كما أن النظام الرئاسي أمر واقع.

بالرغم من التركيز على البُعد عن الاصطفافات الإقليمية من منطلقات طائفية إلا أن هناك تزايدًا للنبرة في الحديث عن الدفاع عن السنَّة في المنطقة(14).

اتجاهات الرأي العام التركي

في استطلاع للرأي العام التركي نفَّذته شركة ORC للأبحاث، في نهاية أغسطس/آب 2016، في 32 مدينة تركية، قال 94.6% من المستطلعة آراؤهم إنهم يدعمون عملية درع الفرات التي بدأها الجيش التركي، فيما أكد 5% أنهم لا يدعمون العملية(15).

كما أكد 85.5% أنهم ينظرون بشكل إيجابي لإصلاح العلاقات بين روسيا وتركيا.

أما فيما يتعلق بالمشاركة التركية في الموصل، فلم يتسنَّ للكاتب أن يصل إلى استطلاعات رأي حديثة حول اتجاهات الرأي العام التركي لكن يمكن القول: إن نسبة كبيرة من الشعب التركي تدعم العمليات في الموصل تحديدًا وذلك لاعتبار قسم من الشعب التركي الموصل وكركوك جزءًا من الدولة التركية، وكما قال رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي: إذا لم تكن الموصل جزءًا من الدولة التركية ماديًّا فهي كذلك معنويًّا. كما أن الاعتبار الآخر يتعلق بالروح الشعبية المؤيدة لإجراءات الحكومة وللرئيس أردوغان والتي تزايدت بعد فشل المحاولة الانقلابية، كما تجدر الإشارة هنا أيضًا إلى أن وسائل الإعلام التركية المرئية والمقروءة تخصِّص تغطية شاملة وغير مسبوقة للأزمة مع العراق والتدخل المحتمل في الموصل.

السيناريوهات المحتملة

من المرجح أن تستمر عملية درع الفرات في تقدمها نحو مدينة الباب ويُتوقع تسارع العمليات من أجل كسب أكبر قدر من المناطق استباقًا للأجواء الصعبة في ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني، وفي حال لم تخرج قوات سوريا الديمقراطية من مدينة منبج من المرجح أن تتوجه عملية الفرات إلى منبج ولكن ذلك لن يتم غالبًا قبل السيطرة على مدينة الباب. أما فيما يتعلق بجبهة حلب، فإن هناك احتمالات لأن يتم عدد من المعارك لفكِّ الحصار عن حلب من قبل قوات المعارضة لكن الخيارات التركية هناك صعبة لذلك سيتم العمل على الجانب السياسي والإنساني لتطبيق اتفاقيات هدنة، وهذا مرهون بالجهود الدولية. أما معركة الرقة، فإنه من المبكر الحديث عنها قبل انتهاء عملية الموصل بالرغم من إعلان تركيا عن استعدادها، لكن من المهم الإشارة إلى أن هروب عدد كبير من قوات تنظيم الدولة إلى سوريا كنتيجة محتملة لعملية الموصل سيجعل من الرقة القلعة الأخيرة لتنظيم الدولة مما سيصعِّب من عملية تحريرها.

وفيما يتعلق بعملية تحرير الموصل، ومع تضارب التصريحات حول مشاركة الطائرات التركية في عمليات قوات التحالف، ستعمل تركيا على المشاركة في عمليات التحالف الدولي ضد الإرهاب بشكل عام، والتنسيق مع قوات الـ”بيشمركة”. ومن المتوقع أن يُفتح المجال أمام تركيا للمساهمة في عمليات القصف الجوي لاحقًا ومع هذا ستستمر تركيا في الاعتماد والتنسيق مع حلفائها على الأرض وهو ما يحول دون دخول قواتها البرية، وهو ما سيجعل تدخلها أقل فاعلية.

يبقى أن نشير إلى أن توقع مدة انتهاء عملية الموصل أمر صعب وذلك لصعوبة مقارنتها بالفلوجة والرمادي من حيث تحصن قوات داعش فضلًا عن أنها مدينة كبيرة يعيش بها أكثر من مليون ونصف مليون نسمة. فيما يتعلق بمستقبل الموصل، فإنه من المرجح أن تسعى تركيا بشكل جدي لأن تكون الموصل ولاية سُنيَّة مستقلة كما هي الحال مع إقليم كردستان أو يتم العمل على التنسيق في إدارتها بشكل مشترك بين إقليم كردستان والمكونات العربية السنية فيها، خاصة مع رفض المكونات السنية في نينوى العودة إلى حكم الحكومة الاتحادية التي تركتهم بمفردهم أمام داعش، مع وجود غموض حول تقدير كيفية قيام تركيا بذلك في ظل الأدوات المتوفرة بين أيديها، وبالتأكيد فإن كيفية تحقيق ذلك مرتبطة بالتدخل التركي حيث لا تزال أنقرة تواجه صعوبات كبيرة في إدارة تدخلها في عملية الموصل بسبب المعارضة من أهم الأطراف الفاعلة في العراق، وهي: واشنطن وإيران والحكومة المركزية، كما أن هناك خللًا واضحًا في إدارة الأزمة مع الحكومة المركزية في العراق تارة من خلال التصريحات المتبادلة وفرض الأمر رغمًا عنها وتارة بالحديث عن الحوار معها.

أما على صعيد العلاقة مع الحكومة المركزية في العراق، فبالرغم من عمليات الحوار الدائرة إلا أن العلاقات مرشحة للتوتر في أية لحظة خاصة في ظل البيئة الطائفية الموجودة في العراق، كما من المتوقع زيادة التقارب التركي-الخليجي في ظل عملية الموصل التي تدعم فيها إيران الحكومة المركزية وميليشيات الحشد الشعبي.

خاتمة

تبدو تركيا عازمة على فرض أجندتها فيما يتعلق بخطوطها الحمراء، وتسعى لتثبيت وقائع على الأرض وانتهاج بدائل تقلِّل من الاعتماد على الولايات المتحدة، مرتكزة على سياسة أكثر واقعية من ذي قبل في محاولة لتوسيع دائرة الخيارات من أجل المساهمة في رسم النظام الإقليمي المستقبلي بما لا يضر أمنها ومصالحها.

محمود سمير الرنتيسي – باحث متخصص في الشأن التركي

مراجع

1- 50 قتيلًا و94 جريحًا في تفجير إرهابي بأحد الأفراح في غازي عنتاب جنوب تركيا، ديلي صباح، 21 أغسطس/آب 2016،  تاريخ الدخول: (19 أكتوبر/تشرين الأول  2016):

http://www.dailysabah.com/arabic/turkey/2016/08/21/blast-hits-turkeys-southern-gaziantep-province-casualties-reported

2- بايدن: على أكراد سوريا الانسحاب إلى شرق الفرات لضمان الدعم الأميركي، رويترز، 24 أغسطس/آب 2016، تاريخ الدخول: (19 أكتوبر/تشرين الأول 2016): http://ara.reuters.com/article/worldNews/idARAKCN10Z1W1

3- مراد أونلو، جاويش أوغلو: “درع الفرات” قد تتمدد جنوبًا للوصول إلى “منبج” شمالي سوريا، وكالة الأناضول، 25 سبتمبر/أيلول 2016، تاريخ الدخول: (19 أكتوبر/تشرين الأول 2016): إضغط هنا.

4- بلال ياسين، هل رضخت تركيا وقطر والسعودية لضغوط إبعاد “فتح الشام”؟، عربي 21، 18 أكتوبر/تشرين الأول 2016، تاريخ الدخول: (19 أكتوبر/تشرين الأول 2016):

http://arabi21.com/story/954275/%D9%87%D9%84-%D9%82%D8%A8%D9%84%D8%AA-%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D9%82%D8%B7%D8%B1-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B6%D8%BA%D8%B7-%D9%84%D8%A5%D8%A8%D8%B9%D8%A7%D8%AF-%D9%81%D8%AA%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7

5- اختتام اجتماع لوزان بشأن سوريا بلا نتائج، الجزيرة نت، 16 أكتوبر/تشرين الأول 2016، تاريخ الدخول: (19 أكتوبر/تشرين الأول 2016): إضغط هنا.

6- مقابلة مع باحث من مدينة إدلب في الداخل السوري، نتحفظ على نشر اسمه لأسباب أمنية، تاريخ المقابلة 18 أكتوبر/تشرين الأول 2016.

7- تولغا تانش، دلائل وحيثيات الموصل، ترك برس، 11 أكتوبر/تشرين الأول 2016، تاريخ الدخول: (19 أكتوبر/تشرين الأول 2016):

http://www.turkpress.co/node/26893

8- أردوغان: لن نسمح بأن تسبِّب معركة الموصل دماء ونارًا، الجزيرة نت، 12 أكتوبر/تشرين الأول 2016، تاريخ الدخول: (19 أكتوبر/تشرين الأول 2016): إضغط هنا.

9- غالب دلاي، قرار عملية الموصل نقطة تحول مفصلية، صحيفة قرار، 18 أكتوبر/تشرين الأول 2016، ترجمة وتحرير: ترك برس، تاريخ الدخول: (19 أكتوبر/تشرين الأول 2016):

http://www.turkpress.co/node/27129

10- العبادي يتهم تركيا بمحاولة عرقلة معركة الموصل، الجزيرة نت، 18 أكتوبر/تشرين الأول 2016، تاريخ الدخول: (19 أكتوبر/تشرين الأول 2016): إضغط هنا.

11- وزير الدفاع التركي: اتفقنا مع التحالف الدولي حول مشاركة مقاتلات تركية في عملية الموصل، ترك برس، 19 أكتوبر/تشرين الأول 2016، تاريخ الدخول: (19 أكتوبر/تشرين الأول 2016):

http://www.turkpress.com.tr/node/27148

12- أردوغان لأميركا: تطالبوننا بالحصول على إذن من بغداد لدخول العراق! هل حصلتم على إذن من صدام حين دخلتموه؟!، ترك برس، 19 أكتوبر/تشرين الأول 2016، تاريخ الدخول: (19 أكتوبر/تشرين الأول 2016):

http://www.turkpress.co/node/27101

13- وزير الدفاع الأميركي يزور تركيا لبحث تطورات الوضع في الموصل، ديلي صباح، 19 أكتوبر/تشرين الأول 2016، تاريخ الدخول: (19 أكتوبر/تشرين الأول 2016):

http://www.dailysabah.com/arabic/politics/2016/10/18/us-secretary-of-defense-carter-to-visit-turkey-1476825127

14- الكرملين: بوتين وأردوغان يبحثان في اتصال هاتفي الأوضاع في سوريا والعراق، سبوتنيك، 19 أكتوبر/تشرين الأول 2016، تاريخ الدخول: (19 أكتوبر/تشرين الأول 2016): https://arabic.sputniknews.com/arab_world/201610181020496799-%D8%A8%D9%88%D8%AA%D9%8A%D9%86-%D8%A3%D8%B1%D8%AF%D9%88%D8%BA%D8%A7%D9%86-%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7-%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82/

15- ORC’den gündeme özel anket, Sabah, 2 Eylül 2016, giri? tarihi (19 Ekim 2016): http://www.sabah.com.tr/fotohaber/

 

 

 

تركيا وعملية تحرير الموصل/ بكر صدقي

قام وفد من الخارجية التركية، برئاسة المستشار أوميد يالتشن، بزيارة إلى بغداد في مسعى تركي للوصول إلى تفاهم مع الحكومة المركزية العراقية ينهي حالة التوتر بين البلدين. ووفقاً لتسريبات صحافية، حمل الوفد ورقة تضمنت اقتراحات ملموسة وضعت على مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي للرد عليها.

تتضمن الورقة التركية، وفقاً للتسريبات، التأكيد على وحدة العراق وسيادته، والإقرار التركي بأن قاعدة بعشيقة هي قاعدة عراقية وليست تركية، وتعهداً بفتحها أمام مختلف المجموعات العراقية، على أن يحدد مصيرها لاحقاً بعد إنجاز تحرير الموصل من قوات داعش.

إلى ذلك عبرت الورقة عن الهواجس التركية بشأن أمنها القومي، فاقترحت على الحكومة العراقية تنظيم عملية عسكرية مشتركة ضد حزب العمال الكردستاني في جبل سنجار، بعد الانتهاء من عملية تحرير الموصل.

يبدو الاقتراح الأخير نشازاً في متن الورقة، كما في السياق الراهن للتوتر التركي ـ العراقي. لكنه يضع النقاط على الحروف بشأن مكمن «الوجع التركي» في دعوى استبعادها من عملية تحرير الموصل. فهناك بون شاسع بين ما يقوله القادة الأتراك على وسائل الإعلام، والروائز الحقيقية التي تحرك السياسة الخارجية التركية، ويأتي في مقدمتها الهاجس الكردي الداخلي ذي الأبعاد الإقليمية.

لقد عبر رئيس الجمهورية أردوغان، في مناسبات عدة، عن رأيه بخصوص قرار البرلمان التركي بعدم المشاركة في الحرب الأمريكية الدولية على العراق، في العام 2003، باعتباره خطأً تاريخياً دفعت تركيا ثمنه باستبعادها من تحديد مصير عراق ما بعد صدام حسين. وهكذا أصبح العراق تحت الهيمنة الإيرانية من جهة، وتشكل كيان كردي شبه مستقل على حدود تركيا الجنوبية، من جهة أخرى.

وقد تعاملت تركيا مع الكيان الفيدرالي، في البداية، بعدائية شديدة، ثم اضطرت لتغيير موقفها، فتحول إقليم كردستان، بقيادة مسعود بارزاني، إلى الحليف الأقرب إلى أنقرة، وتنامت المصالح المشتركة بين أربيل وأنقرة، في السياسة والاقتصاد، إلى درجة توترت معها العلاقات بين بغداد وأنقرة، وبخاصة بسبب التعاون النفطي الكردي ـ التركي من وراء ظهر الحكومة المركزية في بغداد.

ما زاد من حرج موقف تركيا في الشأن العراقي أن واشنطن انحازت دائماً إلى بغداد في كل خلاف لهذه الأخيرة مع أنقرة، بما في ذلك الخلاف الحالي حول استبعاد تركيا من المشاركة في معركة تحرير الموصل.

ولكن هل كانت تركيا جادة فعلاً في طلبها المشاركة المذكورة؟ هل تملك الإمكانات العسكرية التي تتطلبها هذه المشاركة؟ وهل تريدها أنقرة مشاركة برية أم جوية، أم الاثنين معاً؟

لفت الكاتب يالتشن دوغان، في مقالة له على موقع T24 الأخباري، إلى مفارقة عجيبة جديرة، في رأيه، بأن تنتمي إلى عالم الكاتب عزيز نسين الساخر. ففي أعقاب المحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 تموز الماضي، تم القاء القبض على جميع الطيارين في قاعدة «آكنجلر» التي كانت بمثابة مركز قيادة أركان الانقلابيين، بتهمة المشاركة في المحاولة الانقلابية. ثم تم إخلاء سبيل مشروط لتسعة من أولئك الطيارين، على أن يثبتوا حضورهم كل يوم في أحد مراكز الشرطة، لأن المحكمة التي تنظر في قضيتهم تخشى من احتمال فرارهم.

المفارقة هي أن هؤلاء الطيارين التسعة يشاركون، كل يوم، في طلعات جوية في إطار حرب الجيش التركي ضد حزب العمال الكردستاني في جنوب شرق الأناضول! فهم يمرون على مركز الشرطة كل صباح، يوقّعون على محضر مخصص لإثبات حضورهم، ثم يمضون إلى المطار العسكري ويقلعون بطائراتهم لتنفيذ مهمات قتالية داخل الأراضي التركية!

فلا هم يمنعون من قيادة الطائرات، بسبب خشية المحكمة من فرارهم، ولا يتم إعفاؤهم من التوقيع اليومي لدى مركز الشرطة، ما داموا أهلاً للثقة بما يسمح بتسليمهم طائرات حربية.

وإذ سأل الكاتب دوغان عن هذا الوضع العجيب، أجابه نائب في البرلمان قائلاً إن الجيش مضطر لاستخدام هؤلاء الطيارين بسبب النقص في الكادر، بعد التصفيات الكبيرة التي أعقبت المحاولة الانقلابية.

فإذا كان هذا هو وضع القوات الجوية التركية، كيف يتحدث رئيس الوزراء بن علي يلدرم عن الاتفاق بين تركيا والولايات المتحدة على مشاركة الطيران الحربي التركي في معركة تحرير الموصل؟ بل يبلغ الأمر درجة من السوريالية حين يقول يلدرم، في التفاصيل، إن الطائرات التركية ستنطلق من الكويت لضرب مواقع داعش في الموصل، مع أن طيران التحالف الدولي سينطلق من قاعدة إنجرلك التركية للقيام بالمهمة نفسها!

أما لناحية المشاركة المفترضة بقوات برية، فتعلم أنقرة جيداً أن حكومة بغداد التابعة لإيران لن تقبل بذلك، إضافة إلى الصعوبات اللوجستية لنقل قوات برية تركية إلى معركة تحرير الموصل.

عملية درع الفرات بذاتها تلاقي ما تلاقي من صعوبات عسكرية وسياسية. فما بالكم بعملية «درع دجلة» داخل الأراضي العراقية، وهي التسمية الافتراضية التي أطلقتها، فعلاً، بعض الصحافة الموالية لأغراض التحشيد والتعبئة الداخليين.

من المحتمل أن الدول الغربية أرادت احتواء الغضبة التركية المفتعلة بشأن معركة الموصل، لذلك فهي مدعوة إلى اجتماع دولي سيعقد في باريس للتباحث في مصير الموصل بعد تحريرها من داعش، إلى جانب السعودية والولايات المتحدة وبريطانيا، مع استبعاد إيران. همُّ دول التحالف الغربي ينصب على عدم تمكين الحشد الشعبي من استثمار تحرير الموصل لمصلحته المذهبية بما يزيد من الاحتقان السني الذي شكل منبع التطرف الداعشي. في حين أن «الوجع التركي» كردي اللون، سواء في العراق أو في سوريا.

٭ كاتب سوري

القدس العربي

 

 

 

 

 

داعش” باق/ بشير البكر

حظيت ظاهرة داعش باهتمام إعلامي كبير، منذ تمدّد التنظيم، وتحوّل إلى قوةٍ ضاربةٍ، تحكّمت بمساحاتٍ شاسعةٍ من سورية والعراق، وباتت لها فروع في ليبيا ومصر واليمن، وخلايا في أوروبا قادرة على تنفيذ عمليات إرهابية كبيرة. والقاسم المشترك بين القراءات التي تناولت أسباب ولادة التنظيم أنه ثمرة بيئة عليلة، انتعشت بفعل التمييز الطائفي لسلطة آل الأسد في سورية، وحكم رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي.

تبدو صورة داعش في العراق أوضح منها في سورية. وعلى الرغم من أن التنظيم تحول قوةً كبيرةً في سورية، وسيطر في شهر سبتمبر/ أيلول 2013 على الرقة، المدينة الوحيدة التي حرّرها الجيش الحر من سيطرة النظام، فإن نشأته الأولى وحاضنته الأساسية في العراق، وهو يعتبر، في نظر غالبية الخبراء، نتيجة مباشرة للاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، وكنايةً عن زواجٍ بين تنظيم القاعدة وقسم من حزب البعث والجيش العراقي الموالي للرئيس صدام حسين.

تنبّه الأميركيون إلى مخاطر هذا اللقاء بين “القاعدة” و”البعث”، بعد أن دفعوا الثمن غالياً بين 2006 و2008، فلجأوا إلى بناء تنظيم الصحوات في مقابل تنظيم القاعدة، والذي تكوّن من أبناء الطائفة السنية، ووصل تعداده إلى حوالى 100 ألف بموازنةٍ قدّرت بـ 200 مليون دولار شهريا، وتمكّنت الصحوات، بعد مواجهاتٍ داميةٍ، من توجيه ضربةٍ كبيرة للقاعدة، بإشراف الجنرال دافيد بترايوس، إلا أنه جرى التخلي عن الصحوات، بعد وصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض، وفرط عقدها نوري المالكي.

قامت فكرة الصحوات على محاربة “القاعدة” بأهل البلد، والطائفة السنية على وجه التحديد، ولم يكن من الممكن استمالة هؤلاء إلى صف الأميركيين، لو لم تتوافر جملة من الضمانات، أهمها إعادة التوازن إلى الوضع في العراق، والذي اختلّ بعد إسقاط صدام وحل الجيش العراقي واجتثاث حزب البعث، وفتح المجال أمام إيران وأنصارها كي تتحكّم بالعراق ومقدّراته. وكان الالتزام الأميركي مقابل انخراط السنة في الصحوات هو تصحيح الخلل الطائفي، ولكنهم، بمجرّد أن تم تحجيم القاعدة، تراجعوا عن تعهداتهم، وحلوا الصحوات واعتقلوا زعماءها، وتركوا الساحة للمالكي الذي أبان عن ممارساتٍ طائفيةٍ حرّكت الشارع السني العراقي في ثورةٍ شعبيةٍ بدأت في نهاية 2012، ومن ثم تطوّرت وتنامت في عامي 2013 و2014. وفي هذه السنة، حصل ما لم يكن في الحسبان، فمن جهةٍ، دخلت القاعدة على خط المظلومية السنية، ومن جهةٍ ثانيةٍ، فتح المالكي أبواب الموصل لهذا التنظيم، ليغرق العراق في الفوضى.

بعد دخول “داعش” الموصل في يونيو/ حزيران 2014، بدأت مسيرةٌ أخرى، لسنا في وارد استعادة تفاصيلها، فهي شريط أسود، وفصولٌ من المآسي التي ذاق منها أصحاب المظلومية السنية الويلات، وانعكس نهج داعش في الإجرام والتوحش على السوريين والعراقيين في صورةٍ كارثية، وكانت إحدى النتائج التراجيدية تدمير الثورة السورية، وخلق حالةٍ من الشقاق والاقتتال أخذت مجهود المواجهة إلى مكان آخر، وأراحت النظام، وفتحت الباب أمام استقدام مليشياتٍ طائفيةٍ شيعيةٍ من شتى بقاع الأرض لتقتل السوريين، وقادت، في نهاية المطاف، إلى الاحتلال الروسي لسورية.

يواجه داعش اليوم معركةً كبيرة في الموصل، لن يخرج منها سالماً. وعلى الأرجح، ستكون المقدمة لكسر هذا التنظيم عسكرياً، ومن ثم الإجهاز عليه. وسواء طالت هذه المدة أو قصرت، فإن جذر المشكلة التي نشأ داعش في كنفها، لم يزل قائماً، وبات أخطر مما كان عليه، بسبب تعفن الوضع طائفياً في سورية والعراق، ولا يلوح في الأفق ما يوحي بفتح صفحة ما بعد داعش، لأن هاجس أوباما وحيدر العبادي هو البحث عن نصر سريع، وليس معالجة أصل المشكلة.

العربي الجديد

 

 

 

 

 

عن داعش الذي لا يموت/ عمار ديوب

تشكّل ائتلافٌ دوليٌ لمحاربة داعش بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وتدخلت روسيا في سورية لمحاربة داعش وإخوته الجهاديين، حتى الحشد الشعبي الإيراني في العراق ولد للسبب عينه، وكل دولة ترسل طائرة وأسلحة إلى سورية أو العراق تقول: السبب السيد داعش. ولكن داعش الخرافي هذا، وكأنه كائن لا يُرى، حالما تشتّد المعارك يُزال من هذه المدينة أو تلك، وهو ذاته يختفي من بعض المدن، فهو يقول إنه لا يتمسك بأرضٍ محدّدة، ويمكن أن يعود مجدداً إلى الصحارى. هذا ليس جديداً على الجهاديين، فقد خسر تنظيم التوحيد والجهاد في الفلوجة 2004، وانتهى مجدّداً في 2008، على يد الصحوات، واستقر بعد خساراته في الصحارى، كما تقول دراسة صدرت، أخيراً، في موقع العالم للدراسات “معركة الموصل ومستقبل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا”، وعاد إثر المظاهرات في الفلوجة والموصل، والتي رفعت احتجاجاتٍ رفضتها حكومة نوري المالكي 2014، وكأنه بُعث لإنهائها، بعد أن عجزت حكومة المالكي عن ذلك، وقد توسع بشكل كبير على وقع السياسات الطائفية في العراق التي رافقت عهدي المالكي وحيدر العبادي؛ وبالتالي، ظهور داعش، وقبله الحركات الجهادية، مرتبط بسياسات الإقصاء للطائفة السنية من السلطة، وإن كان لا يعبر عنها بحال، بل يستغل أزمتها ويفرض سلطته المطلقة على المدن التي أكثرية أهلها من الطائفة السنية، وهذا ما حدث في العراق، وفي سورية خصوصاً.

منذ الاحتلال الأميركي للعراق، وتفكيك الجيش والدولة وظهور مقاومة وطنية، ظهرت الحركات الجهادية قوة إجرامية لتصفية المقاومة، وها هو داعش يتوسع في سورية وليبيا ومصر، ليصير القول السليم إن هذه التنظيمات الجهادية نتاج طبيعي للسياسات الاحتلالية والسياسات الطائفية لإيران في الدواخل العربية، وتغييب أي مشروع وطني عربي، وكذلك لغياب منظومةٍ نقديةٍ للفكر الإسلامي نفسه، وبقاء الوعي العربي رهين التراث الديني والانقسامات الهوياتية الدينية؛ هنا جذر الأصل. للحركات الجهادية سببٌ آخر لظهورها، فهي لعبة استخباراتية عريقة؛ فتنظيم القاعدة كان كذلك، حينما برز دوره في أفغانستان، ويلعب هذا الدور في كل المناطق التي برز فيها، وذلك لتأزيم الوضع الداخلي في أي دولة، أو ليشوّه أي ثورةٍ شعبيةٍ تفتقد درجةً عاليةً من التنظيم ووضوح الرؤية لأهدافها، وهو ما حصل في سورية تحديداً.

تأتي عملية تحرير الموصل، وقبلها الفلوجة، وقبلها مدن أخرى، ولاحقاً ربما الرقة، لتقول إن

“لداعش جذر محلي، يكمن في شكل الوعي الديني السائد” سورية والعراق أصبحتا محتلتين من دول إقليمية أو عالمية؛ فالحرب تلك تُخطط وتُشن وتُحشد لها القدرات العسكرية من الدول الإقليمية والعالمية. المشكلة الأكبر هنا أن لا بديل سياسيا في العراق أو سورية، والحرب تُشن من الأنظمة التي حكّمت الخارج، وكانت بسياساتها سبباً لظهور داعش. ففي سورية، تمّ القضاء على ثورة شعبية، وتأمين كل الشروط لظهور داعش وبقية الجهاديين والسلفية، والأمر عينه في العراق. داعش نتاج الأنظمة التي تساهم حالياً في الحرب عليه، لكن هذه الأنظمة لم تكتف بـ”الجيش الوطني”، بل خلقت، وعبر تدخل إيراني بشكل أساسي، منظماتٍ طائفية، كالحشد الشعبي ومنظمات في سورية ما زالت في طور التشكّل بالمعنى “الطائفي”. يشكّل نجاح التخلص من داعش، وفق ما ذكرنا، سبباً حقيقياً لعدم اجتثاثه نهائياً، فهو سيختفي في الصحارى أو القرى الهامشية وسيظهر مجدداً، وبالتالي، الحرب على الموصل حالياً هي لتدمير هذه المدينة، كما تمّ تدمير مدن عراقية وسورية كثيرة، وسيعود داعش أو نسخة مطورة عنه للظهور مجدّداً.

ما قد يساهم في محاربة اجتثاثية فعلية لداعش وإخوته الجهاديين والسلفية، الرافضين كل حياة سياسية حديثة قائمة على المواطنة، وكل حياة اجتماعية فيها الفرد حر بذاته، نقول ما يساهم في ذلك هو سياسات جديدة تُنهي المظالم السياسية وفق الأساس الطائفي، واعتماد نظام سياسي مستند إلى المواطنة، وليس بتسييس السنة، كما يُعمم نقاش عربي خاطئ يدّعي وصلاً بالسنة، فالخلاص من المظالم لا يتم بتأسيس الطائفية السياسية، بل بإنهاء كل طائفية سياسية. تجربة لبنان مثال نموذجي لتعطيل كل مؤسسات الدولة، وتحويل الشعب إلى طوائف متحاربة، وتحويل البلد إلى لعبةٍ بيد الدول الإقليمية والعالمية، وبالتالي، تدمير كل مستقبل وطني يرغب به أهل الأرض الأصليون.

نعم، داعش له جذر محلي، يكمن في شكل الوعي الديني السائد، والذي لم يقطع، بصورة كليّةٍ،

“تجربة لبنان مثال نموذجي لتعطيل كل مؤسسات الدولة، وتحويل الشعب إلى طوائف متحاربة” مع مفاهيم الخلافة والحدود والفرقة الناجية، لكن هذا الفكر لا يصبح داعشياً بذاته، بل يصبح كذلك بسبب الشروط السياسية التي تدفع به إلى الظهور، وهو ما تطرّقنا له. لا يعني تأكيد هذه الفكرة هنا رفض الفكرة النقدية هذه، بل تأكيدها، فنقد الفكر الإسلامي وإصلاحه يتم في إطار فصل الدين عن الدولة والتعليم، وإعادته إلى علاقة شخصية بين الفرد والله، أو مسألة دينية تخص جماعات بعينها، ولكن بعيداً عن السياسة. تكمل هذه النقطة ضرورة تخلي الأحزاب “الدينية” عن الجانب الدعوي في عملها، وتبني قيم المواطنة وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، وهي قيمٌ كونية مناصرة للإنسان، أيّ إنسان، أي تبني قيم العصر الحديث في حقل السياسة والاقتصاد والتعليم والثقافة.

نضيف إلى ما ذكرناه، أن محاربة داعش تبدأ من محاربة شكل النظام السياسي القائم، فهو سبب تحكّم الدول الخارجية وسبب ظهور داعش، وكذلك تبني سياسات اقتصادية واجتماعية، لا تعتمد التمييز الطائفي، وتشمل تنمية كل مستويات الحياة. يساعد في ذلك إنهاء أي دور إيراني بصفة خاصة من سورية والعراق، وكذلك ابتعاد المعارضات في هذين البلدين عن أي برامج طائفية، كما حال كتل كبيرة في العراق وسورية، فهي ترى الأنظمة ضد السنة، وهي أنظمة لصالح الشيعة، وتتجاهل أنها أنظمة سياسية، وتريد تأبيد نفسها بإشعال الحروب الطاحنة، والتي تأكل أولاد الطوائف كافة، أي كل الشعب.

الحرب في الموصل والرقة وبقية المدن لتدميرها! ولتمكين كل الدول المحيطة بالمنطقة العربية فيها، بدءاً بإيران وتركيا وإسرائيل، وطبعاً ضمن لعبة التقاسم الدولي الروسية الأميركية، لن أقول عن واجبات العرب في هذه الشروط العربية الكارثية، فهذا يتطلب مقالاً آخر.

العربي الجديد

 

 

 

تركيا ومعركتا الموصل والرقة/ خورشيد دلي

أسس الدور التركي

عقبات ورهانات

سيناريوهات مفتوحة

مع بدء معركة الموصل ما زالت تركيا تبدي تركيا رغبة شديدة بالمشاركة في هذه المعركة وكذلك في معركة الرقة، وتستند الرغبة التركية هذه إلى جملة من العوامل التاريخية والجغرافية والسياسية والأمنية، ولكنها تثير ردود فعل غاضبة ولاسيما من قبل بغداد ومن خلفها إيران الدولة التي تنافس تركيا تاريخيا في منطقة المشرق العربي.

ولهذه الحساسية الكبيرة إزاء الدور التركي علاقة بأهمية معركتي الموصل في تحديد مستقبل العراق وسوريا وطبيعة القوى التي ستحكم المنطقتين بعد تحريرها.

أسس الدور التركي

لا يمكن النظر إلى الدور الذي تتطلع إليه تركيا في معركة الموصل بعيدا عن البعد التاريخي والذي عرف بمسألة الموصل، بعد أن حسمت اتفاقية أنقرة عام 1926 مع العراق وبريطانيا السيادة على ولاية الموصل (كانت ولاية الموصل وقتها تعني كل شمال العراق) لصالح الدولة العراقية، ففي هذه الاتفاقية جملة من البنود التي ترى تركيا أنها تضمن لها حق التدخل العسكري في الموصل، منها ما يتعلق بحماية الأقلية التركمانية، ومنها ما يتعلق بالحفاظ على وحدة الأراضي العراقية، حيث تقول أنقرة إن العراق منقسم عمليا اليوم، وإن ما يجري فيها يشكل تهديدا لأمنها القومي.

ولعل هذا المستند شكل مصدرا لدعوات تركية منذ تأسيس الجمهورية التركية عام 1923 تجاه الموصل، إذ سبق وأن وعد مصطفى كمال أتاتورك النواب المعترضين على اتفاقية أنقرة باستعادتها في الوقت المناسب، وهو ما كرره لاحقا -وإن بطرق مختلفة- كل من الرؤساء تورغوت أوزال وسليمان ديميريل وعبد الله غل وصولا إلى الرئيس رجب طيب أردوغان.

مقابل هذه الرؤية التركية ترى بغداد أن اتفاقية أنقرة حسمت قضية السيادة العراقية على الموصل، وأن أنقرة اعترفت بالحدود الحالية، وبالتالي فأي حديث عن دور تركي في الموصل بعيدا عن الاتفاق مع بغداد هو اعتداء على السيادة العراقية، كما أن أي وجود عسكري تركي هناك هو احتلال لأراض عراقية.

ومع أن الجدل التركي العراقي المتصاعد لا يدور علنا حول هذه الاتفاقية إلا أنه يعكسها بطريقة أو بأخرى، فالموصل لها أهمية كبيرة في إستراتيجية تركيا، والأخيرة في سبيل ذلك ذهبت إلى عقد اتفاقيات مع قيادة إقليم كردستان العراق وقوات الحشد الوطني التي تضم قبائل سنية، وأقامت ما يشبه قاعدة عسكرية في بعيشقة لتدريب هذه القوات. ومع أن مسألة التدخل العسكري التركي لإعادة ضم الموصل مستبعدة إلا أن تركيا ترى أن مرحلة ما بعد تحرير الموصل ستكرس أدوارا ومحاصصات إقليمية في ظل الاشتراط الأميركي بمنح دور أساسي للعرب السنة في تحرير المدينة وتحديد مستقبلها.

خلافا لمعركة الموصل، فإن محددات الدور التركي في معركة الرقة تبدو مختلفة، وهذا ما يتضح من الشروط التي وضعتها أنقرة للمشاركة في هذه المعركة والتي تتلخص في استبعاد وحدات حماية الشعب الكردية من المشاركة في هذه المعركة، حيث ترى أنقرة أن مشاركة هذه الوحدات ستعطي دفعة قوية للمشروع الكردي على حدودها الجنوبية في شمال سوريا خاصة وأنها تعتقد أن من يقف وراء هذا المشروع هو عدوها اللدود، أي حزب العمال الكردستاني.

عقبات ورهانات

من الواضح أن الدور الذي تتطلع إليه أنقرة في معركة الموصل يلقى رفضا قاطعا من قبل بغداد، فقد تحول الجدل بين العاصمتين بهذا الخصوص إلى حرب تصريحات إعلامية وتبادل استدعاء للسفراء وسط تحذيرات من الحكومة العراقية بأن أي تدخل عسكري تركي سيؤدي إلى حرب إقليمية، ومطالبة تركيا بسحب قواتها من بعيشقة، بل ومحاسبة الأطراف العراقية التي تدعو إلى دور تركي في معركة الموصل، لكن رفض الحكومة العراقية ليس العقبة الوحيدة في وجه مسعى أنقرة التي تعتقد أن غموض الموقف الأميركي هو السبب الأساسي في ظهور مثل هذا الجدل.

ففي الوقت الذي تعتبر فيه تركيا دولة أساسية في التحالف الدولي في الحرب ضد داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) في العراق وسوريا، ومن على أراضيها في قاعدة انجرليك تنطلق طائرات التحالف لضرب مواقع داعش في البلدين، صدر أكثر من تصريح من قادة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة يقول إن القوات التركية الموجودة في العراق ليست في إطار قوات دول التحالف الداعمة للقوات العراقية في الحرب ضد داعش، وهو ما يثير استفهامات تركية كثيرة، وهذه الاستفهامات تطال الساحة السورية أي معركة الرقة، وتحديدا لجهة الإصرار الأميركي على توطيد العلاقة مع وحدات حماية الشعب التي يشكل الكرد عمادها، خاصة وأن الشروط التي وضعها الكرد للمشاركة في معركة الرقة تشكل ضربة للسياسة التركية.

فقد أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي بزعامة صالح مسلم جملة من الشروط لهذه المشاركة، وهي: اعتراف الإدارة الأميركية بالحكم الفيدرالي الذي ينوي الحزب الإعلان رسميا عنه قريبا بعد إقراره في مارس/آذار الماضي، وتقديم أسلحة متطورة لوحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية، ودعم مشاركة الكرد بوفد مستقل في مباحثات جنيف، وهذه الشروط هي عكس الشروط التركية للمشاركة في معركة الرقة، بل إنها تشكل ضربة للسياسة التركية إذا جرت الأمور على هذا النحو.

ففي المحصلة قد تسفر معركتا الموصل والرقة دون مشاركة تركيا عن تعزيز التطلعات الكردية في العراق وسوريا على شكل اتصال جغرافي بين مناطقهم في البلدين، وهو ما قد ينسحب على التواصل مع كرد تركيا، فيما ترفض أنقرة مثل هذا الأمر، وتنظر إلى مشاركتها في معركة الموصل على أنها ضمانة لإبقاء المناطق الكردية في هذه الدول معزولة وغير قابلة لأن تتحول في المستقبل إلى دولة مستقلة.

العقبات التي تواجه الدور التركي في معركتي الموصل والرقة كبيرة، لكن من الواضح أن تركيا تراهن على طبيعة معركة الموصل كونها معركة مصيرية لا تقبل الفشل، فهي تتعلق بالقضاء على أقوى تنظيم عسكري في المنطقة، وأن مثل هذا الأمر قد يجعل من المستحيل على الإدارة الأميركية خوض هذه المعركة من دونها، خاصة وأن هذه الإدارة تستعد لخوض الانتخابات الرئاسية بعد أسابيع قليلة، وستكون لنتائج هذه المعركة أكبر الأثر في صناديق الانتخابات.

سيناريوهات مفتوحة

الأسئلة بشأن المشاركة التركية في معركة الموصل تبقى قائمة، طالما أن المعركة لم تدخل في المرحلة الأهم منها، وطالما أن السيناريوهات والخطط العسكرية شبه سرية، وأن واشنطن حريصة على أوسع مشاركة فيها، خاصة وأنها تطمح إلى أن تكون المعركة سريعة وحاسمة تترك تداعيات مدوية على الأرض وفي صناديق الانتخاب معا، ولعل الاعتقاد بأن معركة الموصل ستكون على هذا النحو، دفع بكثيرين إلى التوقع بأن تتحول معركتا الموصل والرقة إلى معركة واحدة، خاصة بعد أن قامت قوات التحالف الدولي بنسف العديد من الجسور الحيوية في محافظتي دير الزور والرقة في سوريا، وتقديم المزيد من الأسلحة إلى قوات سوريا الديمقراطية، وإقامة مطارات وقواعد عسكرية في المناطق الكردية.

السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه هنا، هو ماذا لو فشلت الإدارة الاميركية في تأمين مشاركة تركيا في معركة الموصل بسبب رفض بغداد؟ وماذا لو فشلت هذه الإدارة أيضا في الجمع بين الحليفين التركي والكردي السوري في معركة الرقة؟ سؤالان يلخصان مأزق المشاركة التركية في معركتي الموصل والرقة من عدمها.

الثابت أن عدم مشاركة أنقرة في المعركتين، يطرح سيناريوهات كثيرة، منها الحد أو حتى وقف مشاركتها في الحرب ضد داعش في سوريا والعراق، ولاسيما أن لديها ورقة قوية تتمثل بإغلاق قاعدة إنجرليك أمام قوات التحالف الدولي في هذه الحرب.

وربما التفكير -ثانيا- في احتمال توسيع عملية درع الفرات التي لها أهداف متدحرجة، خاصة وأنها تقول إن وحدات الحماية الكردية مازالت في غرب الفرات حيث الوصول إلى منبج يعني أن الطريق إلى الرقة ستصبح مفتوحة أمام القوات التركية ومن معها من الفصائل السورية المسلحة.

في جميع الأحوال، لا تتخيل تركيا معركة الموصل من دون مشاركتها، لا للأسباب التاريخية أو الإشكاليات القانونية والحقوقية التي تحدثنا عنها، بل لأنها تعتقد أن مثل هذه المعركة لن تكون حاسمة ومصيرية من دونها، فهي (تركيا) أقرب الدول جغرافيا إلى الموصل وتقدم أراضيها لما عليها من قواعد إمكانات عسكرية وخطط بديلة للاحتمالات التي قد تظهر خلال سير المعركة، فضلا عن كونها عضوا في الحلف الأطلسي وحليفة لواشنطن رغم الخلافات والتباينات. ولعل ما سبق كفيل بوضع جميع السيناريوهات على الطاولة.

الجزيرة نت

 

 

 

 

 

 

معركة الموصل:غوامض العاقبة

صبحي حديدي

Oct 22, 2016

 

الواقعيون، في صفوف محللي معركة تحرير الموصل من قبضة «داعش»، لا يختلفون مع نظرائهم المثاليين حول ابتداء المنازلة، أو حول ميادينها الأضيق أو محيطها الأعرض؛ إذْ أنّ الخلاف يدور حول سؤال الـ«ما بعد»: متى تضع المعركة (أم الحرب؟) أوزارها؟ أين، على وجه الدقة أو حتى الترجيح النسبي؟ وكيف، في ما يخصّ المآلات على الأرض، خلال العمليات وما بعدها، لدى الأطراف المناهضة لتنظيم «الدولة الإسلامية»، وكذلك لجهة مستقبل التنظيم على الأراضي العراقية، ومصير الخلافة هنا، وسائر أرجاء انتشار وسيطرة التنظيم؟

وحول الزمن، يرى الواقعيون ـ ويشاطرهم الرأي ضباط عراقيون ميدانيون، لا يخفون قناعاتهم بعد اشتراط إخفاء اسمائهم ـ أنّ القتال قد يمتدّ على ستة أشهر، في الحدود الدنيا وليس القصوى. صحيح أنّ «داعش» تسيطر اليوم على 10٪ من الأراضي العراقية، مقابل سيطرتها على 40٪ قبل سنتين، ساعة سقوط الموصل وانهيار الجيش العراقي، في حزيران (يونيو) 2014. ولكن هذه الـ10٪ مساحة محفوفة بالمخاطر والعوائق والمصاعب، التي يمكن أن تبدأ من حقول الألغام، وتمرّ باحتمال تفجير سدّ الموصل وإشعال عشرات الآبار النفطية؛ ولا تنتهي عند لجوء «داعش» إلى احتجاز مئات الآلاف من المدنيين سكّان الموصل (قرابة المليون نسمة)، رهائن في وجه الزحف الأرضي أو القصف الجوي.

سؤال الـ«أين»، من جانبه، لا يصحّ أن يُختزل في الميادين الموصلية وحدها، أو تخومها القريبة مثل البعيدة؛ لأنّ تنظيم «الدولة» سوف يستأنف تكتيكاً بالغ الفعالية، سبق أن جُرّب مراراً في معارك «داعش» خلال الأشهر الأخيرة: أي تنشيط معارك محورية في مناطق بعيدة عن أرض القتال الفعلية، ولكنها عالية التأثير على قدرات الخصم في الحشد والتغطية والانتشار وتلبية المقتضيات اللوجستية. هذا فضلاً عن تنويع طرائق الهجوم المضاد، بين مواجهة كلاسيكية، وأخرى تعتمد السيارات المفخخة والانتحاريين، وثالثة تحوّل الكثافات السكانية المدنية إلى خنادق حماية… وليست الهجمات الانتحارية ضدّ مدينة كركوك، بعد ساعات قليلة من إعلان بدء معركة «تحرير الموصل»، إلا النموذج الأبكر على سلسلة مماثلة من العمليات، أشدّ وأمضى ربما.

سؤال الـ«أين» ينطوي، كذلك، على احتمالات الهجوم المضاد في مواقع أخرى داخل العراق، حيث ما يزال تنظيم «الدولة» يمتلك هوامش مناورة قتالية، وجيوباً سهلة التعبئة، وخلايا نائمة توكل إليها مهامّ التشويش والإرباك ودبّ الاضطراب. هنالك، أيضاً، احتمال نجاح «داعش» في استغلال خيار تكتيكي ميداني (يتردد أنّ مخططي وزارة الدفاع الأمريكية كانوا وراء اقتراحه)، يتمثل في تعمّد ترك ثغرات في خطوط حصار الموصل، تسهّل على مقاتلي التنظيم الانسحاب، أو الفرار، نحو الأراضي السورية؛ مما يتيح لعمليات القصف الجوي أن تكون أكثر فعالية. وبالطبع، الافتراض النظري هنا يمكن أن ينقلب إلى النقيض، أي أن تتحول تلك الثغرات إلى منافذ لتكتيكات مضادة في الكرّ والفرّ، وفي تغذية ساحات القتال، بدل استنزافها.

ويبقى أنّ سؤال الـ«كيف» يطرح معضلات شاقة على خصوم «داعش»، وهم كثر بالطبع، أبعد أثراً وأوخم عاقبة من معضلة سقوط «الدولة» في عاصمة خلافتها، وأكبر مدنها. وللمرء أن يبدأ من إشكالية تركيب القوات الزاحفة على الموصل، أي الوحدات الخاصة العراقية، إلى الجيش النظامي، فالتشكيلات العشائرية، ووحدات البيشمركه الكردية؛ وصولاً إلى عقدة المخاوف الكبرى، المتمثلة في قوات «الحشد الشعبي»، والتخوّف الجدّي من إقدامها على ارتكاب مجازر ثأرية ضدّ جمهور السنّة في المدينة. فبمعزل عن وضوح الفرضيات، أو الفرضية المركزية المتمثلة في طرد التنظيم من الموصل؛ كيف ستتناغم مصالح الحدود الدنيا بين هذه الأطراف؟ وماذا عن استطالاتها الإقليمية، لدى إيران وتركيا بصفة خاصة؟

وفي نهاية المطاف، مَن الجهة القادرة على ضبط التنافر أو توظيف التناغم، أو إدارة غوامض العاقبة؟

القدس العربي

 

 

 

 

تركيا ومفاعيل معركة الموصل/ عمر كوش

المشاركة التركية

ما بعد المعركة

التعويل الوهمي

أصر المسؤولون الأتراك على المشاركة في معركة الموصل منذ بدء التحضيرات لها، لكن إصرارهم قابله رفض من طرف مسؤولين في حكومة بغداد أطلقوا تصريحات مناهضة لتركيا ولوجودها العسكري بالعراق، ووصل الأمر بهم إلى حد اعتبار القوة العسكرية المحدودة الموجودة في معسكر بعشيقة قوة احتلال.

وفي ظل عدم وضوح وتذبذب الموقف الأميركي الذي انحاز إلى الطرف المعارض للمشاركة التركية في البداية، حذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من أنه في حال رفض المشاركة التركية فلدى بلاده خطة (ب) وإذا فشلت فلديها خطة (ج)، وتزامن إعلانه مع تحليق طائرة رئيس أركان الجيش التركي فوق المحيط الأطلسي في طريقه إلى واشنطن للمشاركة في اجتماعات رؤساء أركان جيوش التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

المشاركة التركية

ويبدو أن المناقشات بين الأتراك وقيادة التحالف الدولي على ضوء المقترحات التي قدمها رئيس الأركان التركي، أفضت إلى مشاركة الطيران التركي في المعركة، لكنها مشاركة محدودة، إضافة إلى مشاركة متطوعي كل من “الحشد العشائري، و”الحشد الوطني”، الذين يتراوح عددهم بين ألفين وثلاثة آلاف مقاتل، من متطوعي أهالي محافظة نينوى على اختلاف انتماءاتهم، دربتهم القوات التركية الموجودة في معسكر بعشيقة القريب من مدينة الموصل، وتم إعداد القسم الأكبر منهم، والإشراف عليهم من قبل أثيل عبد العزيز النجيفي محافظ نينوى السابق، فيما بقيت مشاركة القوة التركية في بعشيقة معلقة.

وهي بالمناسبة قوة صغيرة العدد وليست قوة قتالية هامة، يمكنها تقديم الإسناد والدعم اللوجستي، لكن المسؤولين العراقيين المعروفين بولائهم لإيران وتنفيذهم لأجندتها، كانوا يمانعون في مشاركة كل من الحشد الوطني والحشد العشائري، ويرفضون أي مشاركة تركية، مباشرة أو غير مباشرة في المعركة.

ويخشى المسؤولون الأتراك بشدة من مفاعيل خطة معركة الموصل وما بعدها، ولم يخفوا استياءهم من الأخطاء التي ترتكبها واشنطن في إعدادها وتوزيع الأدوار فيها، معتبرين أن من شأنها إشعال فتيل الصراعات المذهبية في العراق والمنطقة.

وتعتقد أنقرة أن لديها مسوغات قانونية لمشاركتها في معركة الموصل، فهي طرف في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، ويخولها ذلك حق نشر قواتها في العراق لمحاربته من دون الحصول على موافقة حكومة بغداد، كما تستند إلى قرار مجلس الأمن الدولي 2249 عام 2015، بوصفها إحدى الدول المتضررة من هجمات تنظيم الدولة الذي استهدف مدنها وحدودها الجنوبية خلال العامين الماضيين، إضافة إلى أن اتفاقية أنقرة 1926 ومعاهدة لوزان 1923، تعطيان الحق لتركيا في تأمين حدودها بالتدخل العسكري في العراق أو سوريا.

لذلك وضعت القيادة التركية الخطة “ب” التي يسميها الكاتب التركي عبد القادر سلفي “صيغة البشمركة”، وتتضمن عملية مشتركة ما بين القوات التركية وقوات البشمركة بناء على دعوة رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني للمساندة وفقا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، وفي حال عدم حصول ذلك ستلجأ تركيا إلى الخطة (ج)، التي تقوم على مبدأ مشابه لعملية درع الفرات في شمال سوريا، من خلال توجيه قوات الحشد الوطني، أو ما يعرف بقوة “حراس نينوى” التي يقودها أثيل النجيفي، دعوة لتركيا من أجل دعمها للتوجه نحو مدينة الموصل.

ما بعد المعركة

وإن كانت القيادة الأميركية قد أجرت تحضيرات كبيرة لمعركة الموصل، وحشدت حوالي مئة ألف مقاتل على الأرض، إضافة إلى أكثر من مئة قاذفة ومقاتلة في الجو، فإن الأهم هو الإعداد والتخطيط لما بعد هذه المعركة، خاصة في ظل التنافس المحلي والإقليمي على الموصل، الذي قد يحول المعركة إلى نكسة إستراتيجية، من خلال نشوب سلسلة من الحروب التي ستدمر الموصل وما حولها، لذلك تخشى تركيا من تكرار ما حدث في الفلوجة والرمادي وتكريت وجرف الصخر وغيرها في الموصل، فما سمي بـ”التحرير” ألحق الدمار بهذه المدن وشرد سكانها.

وماتزال أحداث الفلوجة ماثلة في أذهان أهل الموصل وغيرهم، حين طوقت ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية هذه المدينة ثم دخلتها، بالرغم عن كل ما قيل عن اقتصار دورها على البقاء خارج المدينة، وقامت بارتكاب جرائم وفظاعات بحق سكانها المدنيين الفارين من القصف تفوق كثيرا ما ارتكبه تنظيم الدولة بحقهم. وحتى الآن لم يعد إلى مدينة الفلوجة إلا ما يقارب الخمسمائة شخص من سكانها، الذين كان يزيد عددهم عن الثلاثمائة ألف شخص قبل “التحرير”، لذلك فتخوف تركيا من تكرار ذلك في الموصل له وجاهة، خاصة وأن لا أحد من حكومة بغداد أو من التحالف الدولي يستطيع منع ميليشيات الحشد الشعبي من تكراره في الموصل.

ولم تقم حكومة بغداد بأي مسعى لإعادة إعمار المدن والمناطق التي دمرتها الحرب على تنظيم الدولة، كما لم تحاسب أيا من أفراد الحشد الشعبي الشيعي الذين ارتكبوا انتهاكات وجرائم بحق سكانها، إضافة إلى عدم سعيها لاتخاذ التدابير اللازمة لعودة النازحين إلى مدنهم ومناطقهم، الأمر الذي يكشف مدى عدم اكتراث هذه الحكومة بمصيرهم وحياتهم، إضافة إلى أن القوى السياسية الشيعية المتحكمة بقرارها وتوجهاتها، تعمل على زيادة التوترات المذهبية في العراق، الأمر الذي ينبئ بأنه حتى ولو تم القضاء على تنظيم الدولة (داعش)، فإن كيانات أخرى شبيهة له ستنبعث من جديد.

والأدهى من ذلك كله هو أن قيادة التحالف الدولي أوكلت للحشد الشعبي مهمة الذهاب إلى منطقة تلعفر التي تسكنها غالبية تركمانية، حيث حذرت تركيا من نزوح مليون شخص إذا لم يتم إعداد خطة محكمة لعملية تحرير الموصل، والأخذ بعين الاعتبار التركيبة الديمغرافية للمدينة، ولا شك في أن قسما كبيرا منهم سيتوجه نحو تركيا، الأمر سيؤثر عليها وعلى أوروبا أيضا.

كما حذرت تركيا أيضا من المفاعيل السلبية في حال دخول الميليشيات الشيعية إلى تلعفر، وما يستتبع ذلك مع عمليات تغيير ديموغرافي، خاصة وأن أحد قادة هذا الحشد، قاسم الخزعلي، اعتبر أنها تخوض معركة الموصل “ثأرا وانتقاما من قتلة الحسين، لأن هؤلاء الأحفاد من أولئك الأجداد”، الأمر الذي يكشف مرجعيات هذه الميليشيات، وهدفها من المعركة، خاصة وأن ما يقارب نصف مليون تركماني كانوا يعيشون في تلعفر وما حولها قبل سقوطه بيد تنظيم الدولة عام 2014.

وترى أنقرة أن هدف ميليشيا الحشد الشعبي هو تنفيذ مخطط إيران في استكمال حزامها المذهبي الشيعي الواصل بين إيران وسوريا مرورا بالعراق، عبر تلعفر والموصل، وذلك بالتعاون مع حليفها حزب العمال الكردستاني (بي كا كا)، المتواجد في بعض مناطق وجبال سنجار، حيث إن هذا الحزام سيسهم في تزويد نظام الأسد في سوريا بالميليشيات المذهبية العراقية والإيرانية، وفي دعم هذا النظام ومده بالمعدات العسكرية واللوجستية.

 

 

إضافة إلى أن تركيا تخوض حربا دامية مع مقاتلي حزب العمال الكرستاني الذي تعتبره منظمة إرهابية، ويتخذ من مواقعه في العراق مراكز للهجوم على تركيا، كما أن حكومة بغداد تغض الطرف عن تواجده ونشاطه، ولم تعامله مثلما عاملت منظمة مجاهدي خلق المناهضة لنظام الملالي في إيران.

التعويل الوهمي

ولا شك في أن الإدارة الأميركية تدرك جيدا مفاعيل معركة الموصل وما بعدها، إلا أنها لا تكترث بخطورة هذه المفاعيل على العراق وتركيا وسوريا، بل والمنطقة كلها، لأن المهم بالنسبة إليها هو توظيف هذه المعركة كإنجاز تضعه في سجل الرئيس باراك أوباما قبل مغادرته البيت الأبيض، وأن تدخلها في حسابات الانتخابات الأميركية، كنصر يمكنه أن يضيف نقاطا إضافية لصالح المرشحة الديمقراطية هيلاي كلينتون، عله يزيد من حظوظ فوزها بالانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة.

وبالرغم من كل مفاعيل وإرهاصات معركة الموصل، فإن التعويل الأميركي والإيراني على هزيمة تنظيم الدولة هو مجرد وهم، لأنه ليس جيشا نظاميا كي تخاض ضده المعارك ويهزم فيها، ولا يهمه كثيرا التمسك بالأرض، بل هو أقرب إلى حالة تمرد واستجابة خاطئة على ممارسات خاطئة ومظالم وانتهاكات مرتكبة، تستلزم بالأساس معالجة سياسية لاجتثاث أسباب القهر والاضطهاد بحق الناس البسطاء، بمعنى أن الخلاص من التنظيم ومقاتليه، يستلزم حلا سياسيا ينهي الظروف والأسباب التي أفضت إلى ظهوره وانتشاره الكبير، وقد تفضي المعارك العسكرية إلى اختفاء أو ذوبان عناصر التنظيم، لكنه اختفاء في انتظار انبعاث جديد في شكل قد يكون أكثر تطرفا وجذرية.

جميع حقوق النشر محفوظة، الجزيرة

2016

 

 

 

 

 

في ظل هذا المشهد تُـجرى جهود «صادقة» لهزم “داعش”!/ حازم الامين

حتى الآن يبدو أن طهران هي الجهة الإقليمية الأقدر على الاستثمار في هزيمة «داعش» في الموصل. أنقرة معنية بالجانب الكردي من هذه المعركة، وواشنطن ستنكفئ ميدانياً فور انجاز المهمة، والعرب غائبون عن هذه الحرب غيبتهم عن الحرب في سورية.

وحدها طهران من تؤمن لها الحرب على «داعش» في العراق ركائز لمد مزيد من النفوذ في أرجاء «دولة الخلافة» المتداعية، ووحدها من يملك تصوراً عما بعد الموصل. والحال أن ذلك ليس جديداً، فمنذ بدء الانسحاب الأميركي من العراق، واتضاح رغبة الرئيس الأميركي باراك أوباما بالإنكفاء عن المنطقة، وطهران لا تفوت فرصة لملء الفراغ الهائل الذي خلفه الغياب الأميركي. طهران كانت المستفيد الأكبر من سقوط نظام البعث في العراق على رغم أنها لم تكن منخرطة رسمياً في الحرب على صدام حسين. وطهران أيضاً انقضت على مدن العراق على نحو لا يتيح عودة إلى ما قبل نفوذ الملالي الايرانيين فيها. واليوم يتكرر المشهد. العالم راغب في هزم «داعش» ولا أحد يمكنه ملء الفراغ سوى طهران على ما يبدو.

يجيد النظام الإيراني هذه اللعبة. الانخراط في الحروب الدولية إلى جانب القوى الكبرى، وإبقاء خطاب شيطنة الغرب والدعوة إلى التيقظ من مؤامراته. ويبدو أن الغرب نفسه مفتون بازدواجية خطاب الملالي الإيرانيين. إنها السياسة على ما يقولون، أي أن تعطينا أفعالاً وأن تأخذ الأقوال إلى حيث ترغب. على هذا النحو تقريباً جرى توقيع الاتفاق النووي بين القوى الكبرى وطهران. فالغرب اعتقد أنه يُجوف الخطاب الإيراني عبر إفراغه من الوقائع. الولايات المتحدة ما زالت «الشيطان الأكبر»، لكنها أخذت ما تريد من طهران. هذا الوهم هو ما تستثمر فيه طهران منذ أمد بعيد. اعتقاد الغرب أن خطاب الشحن والحشد لا قيمة له من دون إسناده بالوقائع. «حزب الله» لا يقاتل اليوم إسرائيل، لكنه يُفرّغ لها آلته الإعلامية والخطابية، وطهران لا تُهدد المصالح الأميركية في العراق، وإن كانت تُطلق على أميركا اسم الشيطان الأكبر.

نحن هنا أمام سذاجة مُضاعفة، فالافتتان بازدواجية الخطاب ينطوي على استعجال الانجاز، لكنه لا يرى أبعد من «الإنجاز». أن تكون طهران القوة الإقليمية الوحيدة القادرة على الاستثمار في النصر على «داعش» في الموصل، فهذا يعني أن الغرب سلم قوة أهلية ومذهبية مهمة حكم جماعة أهلية أخرى هي على أشد الخصومة مع حاكمها الجديد. و «داعش» في هذه الحال لن يكون بعيداً، وستعيد طهران تسليمه المدينة فور شعورها بأن الأمر ليس لها في الموصل. وللمرة الألف علينا العودة إلى وقائع احتلال «داعش» المدينة، وما سبقه من انتفاضات أهلية على نوري المالكي، حيث قال الأخير لـ «داعش» كُنْ فكان.

من الواضح أن الشروط الغربية على مشاركة طهران في حملة الموصل ملتبسة، لكنها شديدة الوضوح في ما يتعلق بمشاركة أنقرة. في الحالة الثانية تم تقييد الدور التركي بحدود ضبط أخطار حزب العمال الكردستاني، أما في الحالة الأولى فطهران حاضرة عبر حلفائها العراقيين، والأرجح عبر «الموقع الاستشاري» الذي يحتله قاسم سليماني في الخريطة الأمنية العراقية، على ما قال وزير الخارجية العراقي ابراهيم الجعفري ذات يوم.

طائرات «الشيطان الأكبر» تقصف مواقع «داعش» في الموصل، وجنود الإمام يتقدمون، وفي هذا الوقت يتنافس مرشحا الرئاسة الأميركية على إطلاق وعود بضبط الدور الايراني في المنطقة، بينما يدعو الولي الفقيه علي الخامنئي شعوب المنطقة إلى عدم الرضوخ لنفوذ «الشيطان الأكبر».

نعم، ثمة من يراوغنا في واشنطن، أما في طهران فالحروب وتناسلها هي الأفق الوحيد لمد النفوذ، وهذا يجعل ما تُقدم عليه واشنطن كارثياً، فهي تفسح في المجال لقوة لن يستقيم نفوذها من دون استمرار الحروب، وكيف لهذه الأخيرة أن تستمر من دون إبقاء «داعش» على قيد الحياة.

لا يمكن طهران أن تُمسك بأقاليم سنّية هائلة الاتساع من دون إشغالها بالحروب. الاستقرار سيعني بداية نهاية النفوذ. سقوط الموصل بيد قوى شيعية حليفة لإيران وتحويل المدينة إلى ممر لقواتها إلى سورية، على ما كتب المبعوث الدولي زلماي خليل زادة، سيعني استئناف جهد لمقاومة القوى الجديدة، وهو ما سيفضي إلى عودتنا إلى دوامة «داعش».

الأرجح أن «الدرس الإسرائيلي» يكمن وراء هذه المراوغة. فنجاعة «ازدواجية الخطاب» في الحالة الإسرائيلية ربما كانت ما جعل الغرب يستكين لهذه المعادلة. البعث حكم سورية خمسين سنة مستعيناً بخطاب الحرب على إسرائيل، وبقيت الحدود آمنة. وها هو «حزب الله» يُكرر المعادلة نفسها منذ أكثر من عشر سنوات في لبنان. ويبدو أن ثمة من يعتقد أن طهران يُمكنها تكرار المعادلة نفسها اذا ما تم تسليمها العراق. أي: خطاب ممانعاتي ناري في وجه الغرب في مقابل سلم وتعاون وضمانات بحماية المصالح والنفوذ. وربما اعتقد أصحاب وجهة النظر هذه، ومن بينهم باراك أوباما، أن الضمانات تشمل الأمن في العواصم الغربية أيضاً. فقد سلم الغرب بالبعث في سورية لأكثر من خمسين عاماً، وها هو يُسلم بـ «حزب الله» في لبنان. والنتائج في عرفه مضبوطة بالخسائر التي تتكبدها مجتمعات هذه الدول، فلا بأس من تكرار التجربة في العراق.

السذاجة بطن ولادة لأفكار هدامة. لبنان وسورية بلدَا حروب أهلية لن تنتهي، وحفظ أمن إسرائيل لا يكفي للإعتقاد بأن الغرب نجا من كوارثنا. أما العراق فانفجاره لم يتوقف ولن يتوقف عند حدود تسليمه للحرس الثوري الإيراني. وخلف الإعتقاد بأن من الممكن أن ننهي «داعش» عبر تسليم الموصل لحلفاء طهران شيء مخيف فعلاً، فالمدينة معقل السنّة الأكبر في العراق وفي سورية، وقرار إسقاط نفوذ شيعي عليها من طائرات التحالف الغربي ينطوي على بعد هذياني، والكارثة تكمن في أن يتحول الهذيان واقعاً، وأن يحصل بموازاة سقوط مدينة سنية أخرى بيد «التحالف الشيعي» هي حلب، وأن تعقب ذلك هزيمة ثالثة للسنّة في الإقليم تتمثل في استسلام سعد الحريري لمرشح «حزب الله» للانتخابات الرئاسية اللبنانية.

هل لأحد أن يُصدق أن ثمة من يرغب بالقضاء على «داعش»؟

الحياة

 

 

 

حول معركة الموصل وغابة النزاعات الخلفية/ حسن شامي

خلف الراية الواحدة والكبيرة المرفوعة لتحرير الموصل من سطوة داعش ثمة رايات كثيرة تتزاحم وتتدافع. فمعركة تطهير الموصل من جهاديي دولة الخلافة، الشجرة العالية التي تحجب غابة نزاعات من كل الأحجام والأهواء. وبات بلا جدوى، بل حتى من العبث، أن يُطلب من الأنظار الانصباب على أعالي الشجرة أو على ضخامة جذعها كي لا ترى أطياف صراعات مقيمة في الغابة الخلفية.

وهي صراعات مقبلة وواعدة بالمزيد من النزاعات. يكاد المشهد العسكري أن يكون سوريالياً. وهو على أي حال، وفي أدنى تقدير، غير مسبوق ولا مثيل له في حوليات الحروب القديمة والمعاصرة. فهناك تحالف دولي ضد داعش تقوده القوة الأعظم في العالم ويضم «نظرياً» ثلاثين دولة ويحظى بمروحة من التوافق حول شرعية تشكله وصوابية هدفه. وهناك أكثر من مئة ألف مقاتل من قوات الحكومة المركزية في بغداد من جيش وشرطة وقوات مكافحة الإرهاب. القوات العراقية هذه يقودها رئيس الحكومة والسلطة التنفيذية حيدر العبادي الذي أعلن قبل أيام قليلة بدء المعركة تحت شعار ملحمي واعد بالخلاص الأبدي وهو «قادمون يا نينوى». غير أن حكومة العبادي موصوفة ومتهمة كسابقتها، بحق ولكن ليس دائماً، بأنها ذات طابع شيعي فئوي غالب وخاضعة للنفوذ الإيراني. هذا ناهيك عن غموض وضعية قوات «الحشد الشعبي» الشيعية التي أثار اشتراكها في المعارك السابقة جدلاً لا نهاية له. هناك أيضاً آلاف من مقاتلي قوات البيشمركة الكردية الذين بدأوا عملية تحرير البلدات والقرى القريبة من الموصل. وهناك قوات من ميليشيا «الحشد الوطني» ذات الطابع السني المحلي بقيادة الحاكم السابق لمحافظة نينوى أثيل النجيفي، وهي قوات مدرّبة ومدعومة من تركيا، ومن حكومة كردستان العراق.

مقابل هذه الميليشيا هناك آلاف من عناصر الميليشيات العشائرية السنية الموصلية بقيادة نوفل السلطان والمدعومة من حكومة بغداد. وهناك قوة عسكرية تركية ترابط منذ 1994 في محيط بعشيقة تغذيها في هذه الأيام تصريحات القادة الأتراك عن «حتمية» المشاركة التركية في معركة الموصل ضد داعش مهما ارتفعت نبرة الاحتجاج الحكومي العراقي على انتهاك السيادة الوطنية. كل هذه القوات الدولية والإقليمية والمحلية تحتشد لخوض معركة فاصلة، وملحمية وفق البعض، ضد قوات تنظيم جهادي وإرهابي يتراوح عدد مقاتليه في الموصل، وفق تقديرات الخبراء والعارفين بالميدان، بين خمسة آلاف وثمانية آلاف مقاتل.

هذا التركيز على التفاوت الهائل بين طرفي المواجهة الموعودة لا يسعى إلى التقليل من قوة داعش وسيطرته شبه السحرية على مساحات شاسعة من الأقاليم العراقية والسورية، خصوصاً ذات الغالبية السنية، كما هي حال مدينتي دولة الخلافة الداعشية، أي الموصل العراقية والرقة السورية. غير أن هذا لا يمنع أي مراقب من حقه في أن يسأل من دون أن يتخفى تحت رداء من السذاجة المحسوبة: ما الذي يجعل من معركة يفترض أن تكون، في حالات عادية، بين الجيش الوطني وقوة انفصالية متمردة، معركة عالمية تستدعي كل هذه الحشود من القوى الدولية والإقليمية والمحلية؟.

قبل أن نجيب عن هذا السؤال علينا أن نتذكر أن في صفوف القوات المحتشدة وفي غرف عملياتها الكثير من حملة الخرائط العسكرية وغير العسكرية. إنها خرائط الجغرافيا البشرية وأقاليمها الاجتماعية الإتنية والطائفية والمذهبية والعشائرية.

بعبارة أخرى يفصح التوافق الكبير ضد داعش عن ضرورة طرد التنظيم الطارئ من تاريخ المنطقة الحديث بوصفه، في نهاية المطاف، ظاهرة عابرة. كل فنون القتل وتقنيات التوحش التي طاب لتنظيم الدولة الإسلامية استعراضها برعونة لا تبدّل شيئاً في صفة انتسابه إلى الظواهر التاريخية القصيرة الأمد. أما الجغرافيا والمساحة الترابية التي استولى عليها داعش فهي مسرح التاريخ الفعلي. ولم يتوقف المؤرخون الكبار من ابن خلدون إلى فرنان بروديل عن تذكيرنا، نحن المنبهرين بالتماعات الحدث الصاخب والمدوّي، بأهمية الظواهر العنيدة ذات الأمد الطويل، أي العصية على التبدّل السريع، وفي مقدمها الإطار الجغرافي.

المحتشدون حول الموصل لمقاتلة داعش لا يخفون نزاعاتهم حول ما بعد داعش. وقد صدرت منذ اليوم الثاني على ابتداء المعركة تصريحات لقادة ميدانيين في البيشمركة وفي الجيش العراقي الحكومي تبادلوا فيها الاتهامات والشكوك في نوايا بعضهم البعض متحدثين عن ضعف التنسيق الميداني بين القوات المشتركة. وإذا أضفنا إلى المشهد حملة التصريحات العنيفة بين حيدر العبادي وأردوغان حول شرعية التدخل العسكري التركي يتكون لدينا مؤشر كبير إلى أن الصراع على جلد الدب الداعشي بدأ قبل اصطياده.

وتتضح الصورة أكثر عندما نلتفت إلى الاجتماع الذي عقد في باريس وضم ممثلي الدول المجاورة للعراق، بما في ذلك إيران، للتباحث حول مستقبل الموصل كما لو أنها على وشك التخلص من حاضرها – ماضيها الداعشي. وليس جلد الدب سوى جغرافيا النفوذ والولاء وتقرير حصص الجماعات المتزاحمة على تثبيتهما. وهناك على الأرض من يلخص مشهد شد القمصان الدائر بين القوى الزاحفة لطرد داعش. إنهما نوفل السلطان الزعيم العشائري السني المدعوم من حكومة بغداد وأثيل النجيفي البعثي السابق وقائد «الحشد الوطني» المدعوم من تركيا ومن حكومة كردستان.

لنقل إن معركة الموصل باتت مسرح لعبة أمم وجماعات وإن في قوالب جديدة. والرايات الكثيرة المرفوعة تزعم كل واحدة منها تمثيل تاريخية الجماعة المنضوية تحتها بطريقة استعراضية محمومة، سواء كانت جماعات وطنية أم ما دون الوطنية الحديثة. واختزال هذه التاريخيات في معادلة صراع مفتوح بين الشيعة والسنة يبقى، على وجاهة العديد من مؤشراته، ضرباً من الاختزال المريح والكسول. إنها لعبة أمم من الطراز السابق على الحرب الباردة. وليست دعوة الرئيس التركي إلى قراءة التاريخ القريب والعثماني لتبرير التدخل التركي في الموصل إلا طريقة لوضع التاريخ في خدمة مصالح آنية. فالتاريخ العثماني حافل بتقلبات وتعرجات كثيرة بحيث تصعب المطابقة بين السلطنة ومداها الأمبراطوري وبين توسعية الدولة القومية الحديثة. والقضية الكردية التي تشكل وسواس السياسة الأردوغانية الحالية تقيم على الحدود الملتبسة بين السلطنة والقوميات الحديثة. أما هروب قادة داعشيين إلى سورية فهو ضمن لعبة الأمم.

الحياة

 

 

 

داعش: بين إنهاء سايكس ـ بيكو والتسبب بأسوأ منه/ جلبير الأشقر

في حزيران/يونيو 2014، بعد اجتياحه للأراضي العراقية واحتلاله لمدينة الموصل، طلع علينا التنظيم الذي سبق أن أطلق على نفسه اسم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» والمعروف بداعش، طلع علينا بنبأ إعلانه خلافة إسلامية جديدة نصّب فيها «أبو بكر البغدادي» نفسه خليفةً، ونبأ إسقاطه العراق والشام من اسمه ليتحوّل إلى «الدولة الإسلامية» بغير تحديد المكان. ترافق ذلك بإعلان التنظيم «نهاية سايكس ـ بيكو»، وهو يزعم توحيد المنطقة التي تقاسمها الاستعماران البريطاني والفرنسي عند اندحار «الدولة العليّة العثمانية» ومعها الخلافة التي كانت تحتضنها، خلال الحرب العالمية الأولى.

وفي مايو/ أيار 2016، أي قبل خمسة أشهر فقط وفي الذكرى المئوية للاتفاقية التي عقدها الديبلوماسي البريطاني مارك سايكس وزميله الفرنسي فرانسوا جورج ـ بيكو لتقاسم الأراضي العربية والكردية التي كانت دولتاهما قد بدأت تنتزعها من السيطرة التركية ـ العثمانية في سياق الحرب العالمية، طلع علينا التنظيم نفسه بافتتاحية لجريدته «النبأ» يتباهى فيها بقضاء «الدولة الإسلامية» المزعومة على إرث الاتفاقية المذكورة، وذلك بأسلوبه الطائفي المعهود:

(اقتباس) «فكان من تيسير الله لها أن تجاوزت حدود «سايكس ـ بيكو» بجهادها، بإرسالها المجاهدين إلى الشام لقتال النصيرية، ومدّهم بما توفّر من سلاح ومال، ثم رفض محاولات الضالّين ترسيخ تلك الحدود بفصلهم فرعها في الشام عنها، فأعلن أميرها أنها دولة واحدة في العراق والشام، ومع انشغالها بقتال النصيريين فلم تترك قتال الروافض في العراق بل زادت من وطأتها عليهم حتى أذن الله بالفتح، وكسر مجاهدوها الحدود على الأرض بعد أن كسروها في النفوس، وكان التمكين بفضل الله.

ثم كان الإعلان الحاسم بإنهاء كل أشكال التفرّق والانقسامات بين المسلمين، سواء منها التي أوجدتها الحدود المصطنعة، أم التي خلقها الطواغيت، أم التي ابتدعتها الفصائل والتنظيمات، وذلك بإعادة الخلافة، ومبايعة خليفة للمسلمين هو الشيخ أبو بكر البغدادي، حفظه الله، وجاءت البيعات من مشارق الأرض ومغاربها، مؤكدة وحدة المسلمين في كل مكان تحت ظل دولة الخلافة، وإنهاء حالة التفرّق التي أوجدها الصليبيون، ورسّخها الطواغيت، وقامت على أساسها الفصائل والتنظيمات الضالّة».. (انتهى الاقتباس.)

ويا لها من مسخرة مأساوية! فقد بات جليّاً أن تباهي «الدولة الإسلامية» المزعومة بقضائها على التقسيم الناجم عن اتفاقية سايكس-بيكو سوف يبقى في تاريخ منطقتنا كإحدى أقسى وأبشع سخريات ذلك التاريخ. وفي حين بدأ الهجوم على الموصل لانتزاعها من السيطرة الداعشية، تنقشع هلوَسة البغدادي وأنصاره أمام حالة كارثية هي أسوأ بما لا يُقاس من الحالة التي كانت سائدة عندما طلعوا علينا بإعلانهم «الخلافة».

والحصيلة مصيبة لم يشهد تاريخ منطقتنا أسوأ منها على مرّ القرون. فإن جنون العظمة لدى البغدادي، الذي تعدّى كافة حالات الجنون المماثل التي حفل بها تاريخنا، قد أتاح التطورات الكارثية التالية (مع حصر التعداد هنا بالتطورات المتعلقة بالتقسيم والسيطرة اللذين زعم تنظيم داعش القضاء عليهما وبصرف النظر عن الجرائم المقيتة التي ارتكبها): عودة قوات الولايات المتحدة وحلفائها إلى العراق بعد خروجها منه في نهاية عام 2011؛ تصعيد التدخّل الإيراني في العراق وسوريا إلى مستوى بات معه بمثابة احتلال سافر؛ سيطرة الميليشيات التابعة لإيران على مساحات من أراضي العراق لم تكن تحت سيطرتها المباشرة من قبل؛ تدخّل القوات الروسية وقيام طائراتها بقصف المناطق المأهولة بالسكان في سوريا على نحو لم تشهده المنطقة منذ العدوان الصهيوني على لبنان في عام 2006؛ امتداد سيطرة القوات الكردية إلى مناطق ذات أغلبية عربية في العراق وسوريا؛ تدخّل القوات التركية المباشر بصحبة ميليشيات تابعة لها في سوريا وقريباً في العراق؛ وويلٌ لنا ممّا ينتظرنا بعد.

قبل ربع قرن وسنة، قام زعيم عربيّ أرعن متربّع على الحكم في بغداد، يُدعى صدّام حسين، باجتياح الكويت موفّراً للولايات المتحدة الأمريكية فرصةً ذهبية للتدخل العسكري الكثيف في منطقتنا وصولاً إلى احتلال العراق. وقد نتجت عن ذلك كارثةٌ بعد أخرى ليست أقلّها نشوء تنظيم «القاعدة» في العراق، بما أفضى إلى ظهور ذلك «الخليفة» الذي أطلق على نفسه اسم «أبو بكر البغدادي». والحقيقة أن البغدادي إن كان خليفة لأحد فليس سوى لصدّام حسين، وقد تسبّب باكتمال الكارثة العظيمة التي أطلق هذا الأخير العنان لها.

٭ كاتب وأكاديمي من لبنان

القدس العربي

 

 

 

 

معركة الموصل تحوّل أنظار العالم عن مجازر حلب/ راغدة درغام

دحر تنظيم «داعش» في الموصل سيكون لمصلحة السُنَّة العرب عموماً بقدر ما هو في مصلحة إيران والشيعة في العراق، لأن ضحايا هذا التنظيم الإرهابي هم السُنَّة بالدرجة الأولى، شعباً وحكومات. القضاء على «داعش» بات مطلباً عالمياً وموضع وفاق بين الغرب والشرق، فلا خلاف على ضرورة الحسم العسكري ضده، بل هناك إيكال لمهمة الإشراف على القضاء عليه للولايات المتحدة في العراق ولروسيا في سورية. كل المؤشرات تفيد بأن المعركة العسكرية، وإن طالت، ستنتهي بتحرير الموصل من «داعش»، وأن سحق «داعش» في العراق سيجعله تنظيماً ضعيفاً في سورية. تداخل الساحتين العراقية والسورية سيؤدي إلى ترابط ما بينهما، بما يعني أن لا حل للأمن العراقي بلا حل للأمن السوري، والعكس بالعكس، لا سيما أن كبار اللاعبين الإقليميين كتركيا وإيران، متمسكون بأدوات نفوذهم في الدولتين العربيتين المهمتين، وأن بينهم عنصر الكرد وكل ما يحيط به من وئام وخصام وتلاقي مصالح وتنافسها. معركة الموصل قد تُحسَم عسكرياً خلال أسابيع، كما يقال، لكن تزاحم الأجندات المتعارضة ما بعد المعركة ينذر بتعقيدات وقد يؤدي إلى إلغاء تمرد وولادة تمرد آخر في آن. لذلك، فإن التحذيرات حول الأداء السياسي للحكومة العراقية ترتبط بأدائها في الميدان ومدى سماحها لما يسمى «الحشد الشعبي» الشيعي – الذي تدرب إيران ميليشياته – بالمشاركة في معركة الموصل، ثم استخدام الانتصار لهدف إخضاع السُنَّة في المدينة السنّية الكبرى بالعراق. أما المدينة السنّية الكبرى في سورية، حلب، فإنها قد تكون مرشحة لوقف النزيف، إذا صدقت التعهدات التي توصلت إليها الأطراف المؤثرة التي التقت الأسبوع الماضي في لوزان.

لوزان، أولاً، طبقاً لمصدر قريب من المفاوضات الوزارية التي شملت الولايات المتحدة وروسيا وتركيا والسعودية وقطر وإيران – أضيف إليها العراق ومصر بطلب من طهران واستبعدت منها بريطانيا وفرنسا بموافقة أميركية على مطلب روسي. يقول المصدر أن ما قاله السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، لجهة موافقة تركيا والسعودية وقطر على إقناع أطراف المعارضة السورية بالانفصال عن «جبهة النصرة» كلام صحيح، لكنه ناقص. السفير تشوركين نفى أن يكون هناك مقابل روسي للاستعداد الثلاثي المتعلق بالفصل، وقال علناً أن لا مقابل في المعادلة.

المصدر القريب من المفاوضات أكد أن ما تم التوصل إليه في نهاية المفاوضات هو أن الثلاثي التركي – السعودي – القطري أعرب عن «استعداده للتجاوب مع روسيا عبر النفوذ مع المعارضة السورية المسلحة للانفصال عن جبهة النصرة، إنما، على روسيا مسؤولية موازية وهي أن تتواصل مع النظام في دمشق وتضمن أن يقوم بتجميد عملياته العسكرية في حلب، ووقف القتل الممنهج للمدنيين، وفك الحصار».

«وافق الروس»، يقول المصدر، وبالتالي، ليس صحيحاً أنه لم يكن هناك «مقابل» كما قال تشوركين. اتفق الوزراء على الاستمرار في النقاش وعقد الاجتماعات على مستوى العسكريين على أساس التفاهم «بالاتجاهين».

حديث لوزان انصبّ على حلب قطعاً مع تركيز الروس على إخراج «جبهة النصرة» من حلب وعمل إجراءات انفصال المعارضة السورية عن الجبهة. كانت مقترحات المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا في صلب النقاش رغم اقتناع البعض بأنها ساذجة في جزء منها وبهلوانية، لا سيما عندما تطوّع لمرافقة 900 عنصر من «جبهة النصرة» لمغادرة المدينة.

المصدر أكد أن البحث لم يتطرق إلى مصير الرئيس السوري بشار الأسد لأنه ركّز قطعاً على حلب وعلى المقايضة بين الطرفين الأساسيين وهما: تركيا والسعودية وقطر من جهة، وروسيا وإيران من جهة أخرى. لوحظ على دي ميستورا أنه كان أقرب إلى الموقف الروسي ونقل المصدر عنه أنه تحدث عن «صعوبة كبيرة» في تنفيذ ما طُلِب من روسيا وأنه عبّر عن رأيه أنه «أسهل» على الدول الثلاث أن تنفِّذ ما تطلبه منها روسيا وإيران.

الإيرانيون كانوا مترددين في حضور اجتماع لوزان، ثم اشترطوا وجود مصر والعراق. الإصرار الإيراني على وجود مصر في خضمّ التقارب الروسي – المصري واهتزاز العلاقات الخليجية – المصرية أثارا الكثير من التساؤلات والاستغراب. أما الانزعاج الخليجي فقد كان نتيجة قرار استبعاد فرنسا وبريطانيا من الاجتماع.

أثناء الاجتماع، ووفق المصدر، كان وزير الخارجية الإيراني مدافعاً قوياً عن النظام السوري وكان «صوت النظام في الاجتماع». عندما وافق الروس على «المقابل»، لم يكن الإيرانيون طرفاً موافقاً أو معارضاً.

أما الأتراك فإنهم توجهوا بصورة مباشرة إلى الإيرانيين في الاجتماع ليقولوا «عليكم واجبات أيضاً» بالذات لوقف عمليات «حزب الله» والميليشيات في سورية. وأتى الرد الإيراني بتجاهل المطروح والتركيز بدلاً من ذلك على خروج «النصرة» من حلب والقضاء على الإرهاب.

قد تحوّل معركة الموصل الأنظار العالمية عن معركة حلب التي فضحت روسيا بالذات مما سيريح موسكو من الأضواء والانتقادات وسيبعد من دمشق المحاسبة. لكن تدفق تنظيم «داعش» من العراق إلى سورية قد يصعِّب أكثر وأكثر الانتصار الذي يصبو إليه محور روسيا – إيران – النظام والميليشيات الشيعية التابعة لطهران، بل قد يعزز احتمالات سقوطه في مستنقع.

كلام «حزب الله» عن «تكديس» عناصر «داعش» في سورية كإفراز لمعركة الموصل، سوية مع تهديد دمشق بإجراءات غير معروفة لمنع هجرة «داعش» من العراق إلى سورية، إنما يشير إلى القلق من عواقب معركة الموصل على الرقة وعلى معركة حلب. ثم إن «الحرس الثوري» الإيراني – الذي سيكون على الأرجح في معركة الموصل عبر قاسم سليماني – قد يجد نفسه ممزّقاً بين المعركتين على أكبر مدينتين عربيتين سنيتين.

مهما كان، فإن الانتصار في الموصل، بالنسبة لإيران، هو ضرورة قاطعة. كذلك، فإن توحد القوى الشيعية العراقية في الفترة الأخيرة يشير إلى قرار استراتيجي بأن لا مناص من الحكم الشيعي في مناطق السنّة. «فإما على السنّة التعايش مع هذا الواقع مع الشكر، وإما المذبحة التي سترتد عليهم» وفق ما قال مراقب قريب من التفكير الشيعي، اعتبر أن معركة الموصل ستؤدي بالضرورة إلى إخضاع السُنّة.

وهذا تماماً ما يثير مخاوف سنّة العراق وسنّة منطقة الخليج الذين ينظرون إلى رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي أنه «الوجه المعتدل للنيات الإيرانية» وفق مصدر خليجي مطّلع أشار إلى أن العبادي أضاف «تجميليات» إلى «الحشد الشيعي» بتحميله العلم العراقي واعتباره مشاركاً في المعركة، إنما ليس في الخط الأمامي منها. وفق هذا المصدر فإن الخليج يعتبر العبادي «رجلاً ضعيفاً غير قادر» على منع «الحشد الشعبي» الذي تديره جماعة نوري المالكي، رئيس الحكومة السابق، ووراءه إيران، وبالذات «الحرس الثوري».

مشاركة دول الخليج في التحالف الدولي والإقليمي حول الموصل ليست مشاركة عسكرية، إنما قد تكون سياسية ومالية. هناك حوالى 60 ألفاً من الجيش العراقي ومعه «البيشمركة» الكردية وكذلك «الحشد الشعبي» في معركة ضد 4 آلاف من عناصر «داعش» تمد فيها الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وألمانيا المعونة الجوية وتشارك إيران في إدارتها على الأرض عبر «الحرس الثوري». أمام هذه المعادلة العسكرية، بالتأكيد ستكون هذه نهاية «داعش» في العراق حتى وإن كان بعد فترة طويلة وبكلفة إنسانية باهظة. هذا في العراق، وليس في سورية.

لعل الهدف من إخراج عناصر «داعش» إلى سورية هو تطهير العراق وتلويث سورية، ولعله يكون فخَّاً للالتفاف عليهم وملاحقتهم هناك بعد إنهاكهم عسكرياً.

التصور الأميركي حول الموصل هو أن على الحكومة العراقية أن تمنع «الحشد الشعبي» في الموصل كي لا تثير حفيظة الخليج. وأن على الكرد منع «حزب العمال الكردستاني» من المشاركة في المعركة كي لا يثير ذلك حفيظة الأتراك. ففي العراق، إن مسعود بارزاني وكرد العراق شبه حليف للأتراك، ما يشير إلى أن الأتراك «أصبحت لهم سياسة أكثر تعقيداً وذكاءً من السابق» عبر تمييزهم بين هذه الصداقة وذلك العداء مع «حزب العمال الكردستاني»، يقول المصدر الكردي.

أما إذا أصرت إيران وحلفاؤها في العراق على إدخال «الحشد الشعبي» الشيعي إلى داخل الموصل، فإن «داعش» سيزداد شراسة، والبيئة ستزداد شكوى، ما قد يحملها على أن تفضّل بطش «داعش» على بطش ميليشيات «الحشد» الشيعي.

تحرير الموصل يمكن أن يشكّل عودة عربية مهمة للتأثير في العراق إذا لعبت دول الخليج دوراً مهماً في استئصال الضمانات من الولايات المتحدة ومن الحكومة العراقية لجهة أمان السنَّة وحقوقهم في العراق، بعيداً من نبرة الإذلال وأهداف الإخضاع.

الحياة

 

 

 

 

دور “داعش” لم ينتهِ بعد!/ موناليزا فريحة

منذ تسارع الاستعدادات أخيراً لتحرير الموصل، اختلفت التكهنات بين معركة شرسة سيخوضها “داعش” دفاعاً عن المدينة التي اعتبرت لؤلؤة تاج الخلافة، وهزيمة نكراء يمنى بها، تليها معارك طائفية بين الطامعين الكثر بالموصل بعده. هذا في العراق. أما في الجانب السوري، فبدأ النظام السوري وحلفاؤه من “حزب الله” والميليشيات التي تدعمها إيران يحذرون من “غزو” داعشي لسوريا، في إطار ما اعتبروه خطة مدبرة من أميركا لإغراق سوريا بجحافل الجهاديين الذين سينقلون معركتهم لمحاربة نظام بشار الأسد!

وكان الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله تطرق الى هذه “المؤامرة”، بتحذيره في كلمته الاسبوع الماضي من أن الأميركيين يريدون تكرار ما حصل عندما فتحوا الطريق أمام مقاتلي “داعش” للتوجه الى شرق سوريا، وهم اليوم “يريدون فتح الطريق لداعش من الموصل إلى شرق سوريا”. وتنسجم هذه الفرضية مع التقارير التي تنسجها المخابرات السورية عن طلب إمدادات جديدة للمياه والكهرباء في بلدات وقرى في جنوب الحسكة، تحسباً لتدفق مقاتلي “داعش” من الموصل.

باختصار، يحاول النظام السوري وحلفاؤه القول إن واشنطن لن تسعى الى القضاء على مقاتلي “داعش” في الموصل، وإنما ستضغط عليهم للخروج الى سوريا وتركيز جهودهم الحربية على اسقاط الأسد. وثمة من ذهب أبعد الى القول إن معركة تحرير الرقة أرجئت لأن دور “داعش” في سوريا لم ينته بعد.

لعل ساعة “داعش” في توقيت أميركا وتركيا وغيرهما أيضاً لم تحن بعد. ولكن ليس مبالغاً فيه القول إنه منذ ظهوره، لم يبد هذا التنظيم المتوحش اهتماماً لافتاً باطاحة النظام، لا بل انه تجنب في حالات كثيرة المواجهة المباشرة معه، مؤثراً عرض ذلك إضعاف خصومه المعارضين للأسد. لكن نظرية المواجهة بين النظام و”داعش” ليست جديدة في الخطاب السوري. فمنذ اشتداد الصراع في سوريا، حاول الأسد وحلفاؤه الروس والايرانيون تصوير الحرب بأنها بينهم وبين الجهاديين وفي مقدمهم “داعش”. وقد نجح هذا الخطاب الى حد كبير في تغيير نظرة العالم الى هذا الصراع، وخصوصاً بعدما نجح “داعش” خصوصاً في استقطاب المقاتلين من كل الألوان والاشكال للانضمام اليه وتحويل سوريا ساحة للجهاد. وها هو النظام وأتباعه يدفعون مجدداً بهذه النظرية مع معركة الموصل والزخم المتجدد للانقضاض على حلب. فالدور المفترض لـ”داعش” بعد الموصل، سيبرر هجوماً سريعاً وعنيفاً على المدينة السورية ، استعداداً لمعركة وهمية مع خصم يبدو واثقاً من أن حاجة الكبار إليه لم تنتف بعد.

النهار

 

 

 

 

إما نجاح تكتيكي وإما نكسة استراتيجية في الموصل/ زلماي خليل زاد

ترمي عملية الحكومة العراقية بالتنسيق مع قوات البيشمركة الكردية الى تحرير الموصل من قبضة «داعش». وعلى رغم أن حظوظ نجاح الحملة هذه كبيرة في استعادة السيطرة على ثاني أكبر المدن العراقية، قد يحوِّل التنافس المحلي والإقليمي النجاح (النصر) التكتيكي الى نكسة استراتيجية.

وإذا لم يُحسن الإعداد لما بعد العملية العسكرية، تُشعل الحملة على الموصل عدداً من الحروب في الحرب المتواصلة الفصول، وتُلحق بالموصل دماراً عظيماً. ومثل هذا الانزلاق قد يعقد مساعي إرساء الاستقرار في العراق، وهذا يتعثر بسبب غياب السعي الى إعادة إعمار مدن سنية محررة، وعدم السعي الى عودة النازحين، ولو الحد الأدنى، الى مناطقهم، والخوف من الميليشيات الشيعية وانتهاكاتها. وهذه العوامل تشير الى تفاقم التوتر المذهبي، وتعاظم احتمالات انبعاث تنظيم «داعش» أو من يخلفه.

وثمة 6 مسائل معلقة لم تجبه بَعد:

1- دور الميليشيات الشيعية: في البداية، أعلن رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، أن الميليشيات الشيعية لن يكون لها دور في عمليات استعادة الموصل. وكان دافعه الى هذا القرار حوادث وقعت بعد تحرير الفلوجة قبل أشهر. وحين طوقت الميليشيات الشيعية المدينة هذه، اتهمها السكان، وهم سنّة في معظمهم، بإنزال فظاعات بالمدنيين. والى اليوم، أثر 600 مدني مفقود. ويبدو أن اعتداءات تلك الميليشيات تفوق انتهاكات «داعش» الفظيعة، وحملت السنّة على الشكوى والتنديد، وكانت وراء هجمات انتقامية على أهداف شيعية. وإثر ثلاثة أشهر على تحريرها، يقتصر عدد العائدين من سكان الفلوجة النازحين على 500 شخص، وكانت هذه المدينة تعد 350 الف نسمة. وإذا كانت الميليشيات الشيعية ستدخل الموصل أو «تغربل» المدنيين الفارين، توقع المرء تعقيدات كثيرة.

وتراجع العبادي عن إعلانه تقييد تدخل الميليشيات، وقال أنه لا يملك عدم إشراكهم في عملية الموصل. ويرجح أنه تراجع على وقع ضغوط قائد «فيلق القدس»، قاسم سليماني، وأحزاب شيعية في بغداد متحالفة مع إيران (لاحقاً أكد العبادي أن الجيش والشرطة العراقيَّين وحدهما سيدخلان الموصل).

وترى إيران أن حوادث الموصل وازنة، وترغب في هزيمة «داعش». ويندرج انشغالها بالموصل في سياق سعيها الى إضعاف الجماعات السنّية. وتتصدر أولويات طهران كذلك منطقة تلعفر، وهي موئل تركمان شيعة. وهي جبهة متقدّمة في مناطق كردية عراقية وسورية وتركية متداخلة. وسيطرة إيران على تلعفر هي الجسر الى بسط نفوذها وخدمة مصالح نظام الأسد في سورية والتضييق على الإقليم الكردي في العراق. وفي زيارتي الأخيرة المنطقة، أبلغني قادة كثر قلقهم من اقتناص إيران فرصة احتلال عناصر تابعة لها الموصل لإنشاء ممر بري الى سورية تستخدمه لضرب حلفاء أميركا أو زعزعة استقرارهم. وترى طهران أن تدخل عناصر موالية لها يجبه انتشار تركيا العسكري ويُقيده ويساهم في عودة النازحين من الشيعة التركمان.

2- دور تركيا: الاعتداءات الإيرانية هي من عوامل قد تحمل تركيا على التدخّل. فمن مصلحة أنقرة الدفاع عن السنّة التركمان في وجه فظاعات الميليشيات الشيعية وضمان عدم إقصاء حلفائها من العرب السنّة في حكم مرحلة ما بعد «داعش». وأنقرة تنظر بعين القلق الى مرابطة حزب العمال الكردستاني ووحدات «حماية الشعب» الكردية في منطقة سنجار بين الموصل والحدود السورية. وطالب، أخيراً، ممثلو العراقيين التركمان بطرد «الكردستاني» من مناطقهم. وأعلن الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، أنه سيدعم دخول قوات عربية سنّية لحماية السنّة التركمان. وأثيل النجيفي، محافظ نينوى السابق، من أبرز حلفاء تركيا. وعلى خلاف رغبة بغداد، أنشأت أنقرة قاعدة عسكرية على ضفاف دجلة في بعشيقة حيث يدرب جنودها قوات «الحشد الوطني» من متطوعين عرب جمعهم النجيفي. ودعوة العبادي القوات التركية الى مغادرة الأراضي العراقية هي مؤشر الى مشكلات ستبرز ما لم يُتفق على دور تركيا. وهذه قد تضطر الى التدخل إذا دخلت الميليشيات الموالية لإيران الى الموصل وتلعفر. وقد يساهم تدخل تركي راجح في تعقيد مساعي إرساء الاستقرار المحلية.

3- التوترات بين بغداد والأكراد: على رغم أن الأكراد والحكومة العراقية يتعاونون في وجه «داعش» في الموصل، فإن استبعاد النزاع بينهما متعذر. وليس وراء امتــــناع الأكراد العراقيين عن إعلان الاستقلال تصدر أولوياتهم مكـــافحة «داعـــش» فحسب، بل الخلاف مع بغداد على كركوك وغيرها من الأراضي الواقعة تحت سيطرتهم. وإثر عملية الموصل، يرجح أن يسعى مسعود بارزاني الى علاقات جديدة بالحكومة العراقية، سواء من طريق الاستقلال المباشر أو مباشرة ترتيبات كونفيديرالية.

4- الحكم المحلي: ثمة انقسامات يعتد بها بين القوى المحلية على سبل حكم الموصل. وتنوي بغداد تسليم الحكم الى نوفل حمادي، محافظ نينوى، بمساعدة نواب عن الحكومة المركزية وحكومة الإقليم الكردي. لكن موقف أهالي نينوى- من النازحين أو الذين عانوا عنف «داعش»- يلفه الغموض الى اليوم. وشطر من المشكلة مرده الى دمج الحكومة العراقية والقوات الأميركية بعض القبائل السنّية في خطط العمليات، في وقت يبدو غامضاً مستقبل المتطوعين العاملين مع النجيفي، وهو يرغب في دور في إدارة الموصل وربما أن يكون رئيس إقليم فيديرالي في المستقبل.

5- إعادة الإعمار: يُفتقر الى خطة جدية يعتد بها لإعمار الموصل بعد التحرير. وإدارة اوباما نسّقت مع منظمات دولية لإغاثة مدنيي الموصل الهاربين من المدينة قبل تحريرها، لكنها لم تعلن عن أي برنامج لتذليل مسائل طويلة الأمد. ووضع العراق المالي سيئ بسبب أسعار النفط المنخفضة وحال الطوارئ. لذا، تمسّ الحاجة الى مساعدة بغداد على إعداد خطة إعمار تحول دون إهمال انزلقت اليه في الفلوجة والرمادي. وتوقيت إقالة البرلمان العراقي وزير المال، الزعيم الكردي هوشيار زيباري، في غير محله. والخطوة هذه تفاقم التعثر الاقتصادي العراقي وقد تقوض تدابير القروض مع صندوق النقد الدولي، وتساهم في تعقيد العلاقة بين الأكراد وشرائح في البرلمان العراقي.

6- معالجة علة الأزمة الأولى: ومع معركة الموصل، يحمل التأخر في تذليل هذه المسائل على القلق في سياق انتظارات إقليمية من الدور الأميركي. وكثر في المنطقة يحسبون أن إدارة اوباما ترى أن تحرير الموصل حيوي في إرثها (السياسي)، وأنها ترغب في إنجاز التحرير قبل الانتخابات الأميركية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. ويخشى السنّة العرب أن تستغل إيران نفاد صبر الإدارة الأميركية لتنتزع منها مساومات في مسائل بارزة، منها مشاركة الميليشيات الشيعية. وليس الحل العدول عن إلحاق الهزيمة بـ «داعش» في الموصل والانصراف الى مناقشة هذه المسائل، بل الإقرار بأن تأجيل جبه التحديات الطويلة الأمد يفاقم الإرهاب في العراق ومشكلته مع التطرف. ويؤيد كثر من السنّة العرب تحويل نينوى منطقة فيديرالية. ودعا إلى هذه الفكرة النجيفي ومجالس محافظتي صلاح الدين وديالى قبل سيطرة «داعش» على الموصل، لكن رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي رفض هذه الدعوات.

وعلى خلاف سلفه، يبدو العبادي منفتحاً على مثل هذه الحلول، لكنه مغلول اليدين. والقيد الأول عليه هو معارضة المتطرفين الذين تدعمهم إيران منح السنّة العرب إدارة ذاتية أو استقلالاً، مخافة إضعاف قبضة الشيعة. والقيد الثاني ناجم عن خوف عام من انتشار الفيديرالية ما وراء كردستان، وانتقال عدواها إلى البصرة الثرية بالنفط فتضعف قوة الحكومة المركزية.

ولا شك في أن حل هذه المشكلات ومشكلات تقاسم السلطة والنفوذ، والموازنة بين المركز والمناطق على وجه التحديد، حيوي لإنهاء الحرب الأهلية في العراق. ومن صيغ الحل تقاسم عائدات النفط. وليس ميثاق وطني شامل يجمع العراقيين كلهم ممكناً في هذه المرحلة. فهو يقتضي اتفاقات على تقاسم السلطة بين المركز والفيديرالية، أو إرساء كونفيديرالية أو اللامركزية في المجتمعات المحلية. لكن الإقدام على خطوات أولى في المتناول. وخلاصة القول إن حملة عسكرية ناجحة في الموصل قد تكون ركن عملية المصالحة، إذا تصدرت الأولويات مرحلة ما بعد الحرب. وإذا لم يُعد لهذه المرحلة، قد يؤذن النصر في الموصل ببداية مرحلة جديدة من الحرب الأهلية العراقية.

* السفير السابق للولايات المتحدة لدى أفغانستان والعراق والأمم المتحدة، صاحب «المبعوث من كابول الى البيت الأبيض: رحلتي في عالم هائج»، عن «ناشينل انتيريست» الأميركية، 27/9/2016، إعداد منال نحاس

الحياة

 

 

 

 

معركة “الممر الشيعي”/ زهير قصيباتي

طرد «داعش» من الموصل يحظى بإجماع إقليمي- دولي، فضلاً عن توافق نادر بين القوى السنّية والشيعية العراقية. لكن للإجماع وجهاً آخر هو الخوف من هزيمة قد تبقى مخفية الملامح لأسابيع، بعد بدء معركة تحرير الموصل من «خلافة» أبو بكر البغدادي، ومن بطش «داعش» وهمجيته.

والهزيمة التي قد تواكب الانتصار العسكري للقوات العراقية والتحالف الدولي، هي كارثة إنسانية، يخشاها الجميع، في حال لجأ تنظيم «داعش» إلى ضربات عشوائية انتقامية، مستخدماً سلاحاً كيماوياً. الثمن الباهظ سيكون من حصة المدنيين أولاً، ثم وحدات الجيش والشرطة العراقيَّين التي ستدخل مدينة الموصل لتطهيرها من مسلحي التنظيم وصواريخه وسياراته المفخّخة، وألغامه التي يراد لها أن تجعل المدينة المنكوبة نسخة عن بلدات ومدن سورية، محاها القصف والغارات السورية- الروسية.

كان مرجّحاً ألا يتلكأ رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي كثيراً في تحديد «ساعة الصفر» لمعركة الموصل، وهي كلما تأخرت زُرع مزيد من الألغام أمام حكومته المحظية برعاية خصمين سابقين: أميركا التي تعتبرها شريكاً في الحرب على الإرهاب، وإيران التي تعدّها شريكاً مخلصاً في محور إقليمي، يكرّس سيطرة طهران من بغداد إلى صنعاء ودمشق وبيروت.

هكذا، حظيت القوات العراقية برعاية جوية من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، واحتضنتها خبرة مستشاري «الحرس الثوري» الإيراني… على الأرض. ولم يزعِج العبادي كثيراً أن يشاكس الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رافضاً سحب قوة من شمال العراق، كرّر أنها أُرسِلت استجابة لطلب من بغداد. وتبيّن سريعاً أن المسألة في «سوء التفاهم» تتعدى مشكلة ذاكرة إلى طموحات تركية ومخاوف: مخاوف على تركمان العراق الذين قد ينزحون من الشمال إذا اندفعت إلى مناطقهم ميليشيات «الحشد الشعبي» الشيعية، بعد اقتلاع «داعش» من الموصل. وأما الطموحات التي تفسّر اندفاع أنقرة إلى إعلان رغبتها في المشاركة في معركة الموصل جواً، فتندرج في سعي أردوغان إلى الاحتفاظ بأوراق تفاوض، أو مقعد في مفاوضات، ربما يمليها تبديل في التركيبة السكانية للمنطقة الممتدة إلى الحدود العراقية- التركية.

ما لا تريده بغداد أن ينسب أردوغان إلى الجيش التركي لاحقاً، فضلاً في معركة تحرير الموصل، فيما يدرك العراقيون الطموحات التركية تاريخياً، للمشاركة في تقرير مصير كركوك، والمنطقة الغنية بحقول النفط شمالاً.

الأكيد أن العبادي يراهن على الدور الأميركي في لجم اندفاع الشريك التركي لواشنطن في الحرب على الإرهاب، وفي عضوية الحلف الأطلسي. لكن أحداً لا يمكنه التكهُّن الآن بتعقيدات أو مفاجآت تواكب القتال في الموصل وتداعياته إنسانياً، والقدرة على إيواء أفواج النازحين، ومنع مواجهات مذهبية، أو تنكيل مذهبي يكرر مآسي تلت تحرير الفلوجة.

العراقيون خائفون من ثمن تحرير الموصل، ومن مفاجآت «داعش» الذي يُستبعد انكفاؤه سريعاً إلى سورية. الأوروبيون خائفون من «أفواج جهاديين» تتسلّل إلى أراضيهم لتوسيع سيناريو الرعب، بعد الحرب، وأما القوى الإقليمية فمعظمها يخشى أن تسهّل معركة الموصل لإيران تحقيق مشروع الممر الآمن من العراق إلى سورية، أي ما وُصِفَ بالممر «الشيعي» في الشمال.

وبصرف النظر عن استخدام إدارة الرئيس باراك أوباما والحزب الديموقراطي في الولايات المتحدة، تلك المعركة لتعزيز حظوظ هيلاري كلينتون في انتخابات الرئاسة الشهر المقبل، يُستبعد أن يُنصت أوباما إلى النصيحة الفرنسية بفتح معركة الرقة سريعاً، وعدم التريُّث إلى ما بعد اقتلاع «داعش» من الموصل. لدى البيت الأبيض، العراق ملف أميركي- إيراني، فيما سورية ملف آخر تديره روسيا التي ما زالت مصرّة على أن غارات الإبادة تنتقي «الإرهابيين» في شرق حلب، مثلما ترصد طائرات التحالف الدولي «دواعش» أبو بكر البغدادي في الموصل.

نبأ سعيد للكرملين أن ينهمك التحالف بـ «الجناح الشرقي» للتنظيم الإرهابي في العراق، كي يحوّل انتباهه عما تشهده حلب من جرائم وكوارث، تأمل روسيا بأن تسرّع إسقاط شرق المدينة في قبضة النظام السوري. والمفارقة أنها تستعجل هدنة لثماني ساعات «لا تضيّع الوقت» لإخراج مقاتلي المعارضة ومسلّحي «جبهة فتح الشام» من الأحياء المحاصرة.

8 ساعات لا تضيّع الوقت، لقلب موازين القوى، وأما الموصل فملحمة على خطوط مذهبية- عرقية ما زالت في بدايتها. وبين محرقة حلب وملحمة الموصل، هوية واحدة لدماء الضحايا، سورية- عراقية.

الحياة

 

 

 

 

أي عراق وأية سورية… بعد حربي الموصل وحلب؟/ محمد مشموشي

من الموصل، حيث تقود الولايات المتحدة، بأركانها وطيرانها وسلاحها الحديث (وإن بأيدي العراقيين)، الحرب على «داعش» لطردها من المدينة العراقية، الى حلب في سورية، حيث تقوم روسيا بعملية لا تختلف عن ذلك كثيراً لتفريغ المدينة من سكانها، يقول المشهد السياسي في المنطقة عبارة واحدة: لا دولة في كل من العراق وسورية، على رغم جعجعة النظامين فيهما عن السيادة الوطنية والاستقلال والقرار الحر. بل وأكثر، على رغم الاسطوانة الفارغة والمكررة، لدى ولي أمر النظامين في طهران، عن «المقاومة والممانعة» ضد ما يطلق عليه تمويهاً اسم «الاستكبار العالمي».

واذا كان لـ «الاستكبار» هذا، كما قد يقال، عنوان آخر غير عنوان الدولتين العظميين اللتين تحاربان جنباً الى جنب مع «الولي الفقيه» تحت شعار الدفاع عن تابعيه في العراق وسورية، فهل من معنى بعد ذلك لـ «المقاومة والممانعة»، أو حتى لوجود دولتين مستقلتين ونظامي حكم في بغداد ودمشق؟

لكن السؤال الحقيقي في النهاية ليس هنا. انه عما بعد حرب الموصل وحلب، الذي لن يبقى كما كان قبلها في أي حال… وليس بالنسبة للبلدين المعنيين فقط، انما أساساً بالنسبة الى المنطقة كلها فضلاً عن صورتها في العالم وعلاقات القوى السياسية والاجتماعية والطائفية والعرقية فيها.

فقد يستمرّ، وإن بصورة موقتة، نظام حزب «الدعوة» بحكومة حيدر العبادي في العراق ونظام «البعث» برئاسة بشار الأسد في سورية، لكن عراقاً آخر وسورية أخرى هما حتماً ما سيجد «القائدان المظفران» (ليس مستبعداً أن يعلن العبادي والأسد بطلي تحرير) نفسيهما فيهما بعد انتهاء هذه الحرب.

أي عراق، وأية سورية، بل أية منطقة مختلفة كلياً، سيجد العالم نفسه أمامها بعد حرب تدمير كل من الموصل وحلب، ثاني أكبر مدينتين في البلدين من ناحية، وأكثرها كثافة سكانية من طائفة معينة هي الطائفة الاسلامية السنّية من ناحية ثانية؟

في تصريح لوزير الخارجية الأميركي جون كيري، بعد لقاء فيينا في شأن الحرب في حلب (للمناسبة، لم يدع اليه النظام السوري) أن تدمير المدينة في شكل كامل، على طريقة غروزني، لن ينهي الحرب لا في سورية ولا في حلب نفسها. في المقابل، قال بيان مشابه لوزارة الخارجية الروسية، بعد بدء العملية الحربية في الموصل، أن هذه المدينة مهددة بكارثة إنسانية. هل ما سبق مجرد اتهامات متبادلة بين الدولتين اللتين تخوضان الحرب هنا وهناك، أم أنه يلمح الى أمر آخر سيبرز الى العلن في المستقبل القريب أو حتى المتوسط والبعيد؟

لم يعد خافياً أن الولايات المتحدة وروسيا لا تريدان التورط في حرب ساخنة بينهما، على رغم تحريك الصواريخ والأساطيل (معظم الأسطول الروسي بات في بحار المنطقة)، لكنهما لم تسلما بعد بما يبدو تعديلاً لميزان القوى الدولي والاقليمي فيها. هل هي الحرب الباردة مجدداً، انطلاقاً من الشرق الأوسط وليس أوروبا هذه المرة، بخاصة أن المنطقة مهيأة لمختلف أنواع الحروب بالوكالة، أم أن الأمر ليس سوى مرحلة البحث بتقاسم النفوذ؟

في الوقت ذاته، لا شك في أن موسكو فلاديمير بوتين تريد، من خلال حربها في حلب، فرض «حسم عسكري» للأزمة في سورية، خصوصاً بعدما أقامت فيها ما وصف بقاعدتين «الى أجل غير مسمى»، عبر معاهدة مكتوبة مع الأسد في جانب، وبموافقة كاملة من حاميه الايراني في جانب آخر. ولهذا، فليست حرب حلب، من وجهة نظرها، إلا معركة في حرب أوسع تشمل الأراضي السورية كلها، ولو أنها تتم سياسياً وإعلامياً، كما كانت منذ بدء التدخل الروسي قبل عام، باسم الحرب على الإرهاب.

لكن أية سورية بعد سقوط حلب، كما أي عراق بعد تحرير الصومال، هما ما قد يشكلان ساحة هذه الحرب؟

لن ينتهي «داعش» في العراق، ولا طبعاً «جبهة فتح الشام» في سورية، لأن مقاتليهما (عشرات الآلاف، وفق كل التقديرات) لا بد سينتشرون في مدن وبلدات وقرى البلدين، فضلاً عن الصحارى الشاسعة فيهما وعبر الحدود الواسعة في ما بينهما، ليشكلوا ما يمكن وصفه بـ «جيوش نائمة» لن تلبث أن تعود الى القتال ضد النظامين اللذين لم يوفرا أداة للقتل والقمع والتدمير والتجويع والتهجير الا واستخدماها بحق شعبي البلدين، كما ضد من يدافع عن هذين النظامين أو يحميهما… من القوات الأميركية، الى الروسية، الى الإيرانية والميليشيات التابعة لها تحت أسماء مختلفة.

ولأنه لا همّ للولايات المتحدة وزميلاتها الأوروبيات سوى منع المقاتلين هؤلاء من الانتقال الى الغرب، كما لا همّ لتركيا سوى إقفال حدودها في وجوههم، فضلاً عن هواجس روسيا وإيران بدورهما من أمر مماثل، فليس مبالغاً فيه القول ان سورية الأخرى (بعد حرب حلب) والعراق الآخر (بعد حرب الموصل) سيكونان الساحة المفتوحة على مصراعيها للحروب المقبلة.

وعملياً، فاذا لم يكن ذلك كله كافياً ستكون ممارسات «الحشد الشعبي» وأشباهه في العراق والميليشيات الايرانية واللبنانية والعراقية والأفغانية في سورية جاهزة لصب المزيد من الزيت على النار.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

 

 

 

 

رسم الخرائط بين الموصل وحلب/ سميح صعب

تريد الولايات المتحدة من معركة الموصل ألا تحدث تغييراً في موازين القوى لمصلحة روسيا أو ايران. من هنا كان اصرار واشنطن متلاقياً مع مطالب تركيا والسعودية على عدم اشراك الحشد الشعبي في المعركة باعتبار ان الحشد من القوى التي تدعمها ايران في العراق.

ولا يظهر أدنى اهتمام من الولايات المتحدة بتحذيرات روسية وسورية وايرانية من امكان فرار مقاتلي “داعش” من الموصل الى شرق سوريا. إذ يهم أميركا استراتيجيّاً أن يبقى التواصل البري مقطوعاً على خط بيروت – دمشق – بغداد – طهران. وهذا الانقطاع حصل منذ سيطرة الجهاديين على الموصل وشرق سوريا. صحيح ان واشنطن تود الحاق الهزيمة بـ”داعش” في الموصل، ولكن يهمها في الوقت عينه ان تبقي التواصل البري مقطوعاً من بيروت الى دمشق الى بغداد فطهران. فواشنطن ومعها دول الخليج العربية وتركيا ترى ان هذا التواصل يعزز نفوذ ايران الاقليمي. ولذلك تظهر أميركا تسامحاً حيال انتقال “داعش” من الموصل الى سوريا.

ولا يشكل انتقال “داعش” من الموصل الى سوريا عامل ضغط على ايران وحدها، وإنما أيضاً على روسيا. ولا تمانع واشنطن أو ربما تكون راغبة في استنزاف روسيا في سوريا بتعزيز نفوذ “داعش” فيها بما يفرض على موسكو أن تزج بمزيد من قواتها في الحرب السورية.

ولعل التنبه الروسي الى مثل هذا الاحتمال دفع موسكو الى تعزيز قواتها الجوية والبحرية في سوريا الى مدى يقول حلف شمال الاطلسي إنه الاوسع منذ انتهاء الحرب الباردة.

ولا تريد روسيا أن تجعل حتى معركة حلب ساحة استنزاف لها، لذلك تحاول تارة بالضغط العسكري وطوراً باعلان الهدنات، ان تنهي هذه المعركة التي تؤسس لمعادلة عسكرية جديدة في سوريا.

والملاحظ ان أميركا فتحت معركة الموصل مع تقدم روسيا في معركة حلب. ولا يدخل ذلك في باب المقايضة أو تقاسم الحصص بين واشنطن وموسكو، وإنما في باب محاولة فرض معادلات عسكرية في سياق التنافس الاميركي – الروسي، وخصوصاً مع انسداد الآفاق أمام تسويات سياسية.

ومعركة الموصل هي معركة اقليمية ودولية نظراً الى النتائج العسكرية – السياسية التي ستترتب عليها. ها هو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يأسف لان البرلمان التركي عام 1920 وافق على اتفاق لوزان الذي وافقت تركيا بموجبه على الانسحاب من الموصل التي كانت ضمن حدود السلطنة العثمانية.

من الشمال السوري الى الشمال العراقي، تستمر معركة واحدة هي معركة رسم الخرائط ومعها معركة فرض التوازنات الجديدة في الاقليم.

النهار

 

 

 

خديعة اليوم التالي في سوريا والعراق/ د. خطار أبودياب

ما بين حلب والموصل تتواصل حملات التدمير المنهجي والتغيير السكاني في الهلال الخصيب كي يتم استكمال تحطيم العالم العربي ومدنه التاريخية وتغيير وجه الإقليم. منذ سقوط بغداد في العام 2003 يحدثوننا عن اليوم التالي في بلاد الرافدين، التي أرادها المحافظون الجدد مختبر “الشرق الأوسط الكبير” الذي بقي شعارا، وتحولت إلى ميدان النفوذ الإيراني والتفكك وصعود ما يسمى “داعش” والبقية تأتي.

أما في سوريا التي دخلت دوامة العاصفة منذ العام 2011، بدأ الأميركان عبر منظماتهم غير الحكومية يحدثوننا عن “اليوم التالي” منذ 2012، وها هي تتحول إلى حقل الرماية المفتوح حيث تجرب موسكو أسلحتها وتتحارب فيها الدول بالوكالة في “حرب الجهاد بطرفيه” وصراع إقليمي ودولي مفتوح.. والبقية تأتي.

أما اليوم التالي أو الأفق القريب لنهاية المأساة والعنف في قلب المشرق، فهذا يقترب ليس من الخديعة البصرية وحسب، بل هو بيع للأوهام بامتياز من قبل تجار السلاح والموت والدين وأصحاب مشاريع الهيمنة والحنين للإمبراطوريات في غياب مشاريع إنقاذ فعلية من أبناء البلاد وصعوبات التواصل لبلورة حلول واقعية وعادلة، بانتظار انعقاد “يالطا” أو “وستفاليا” أو “دايتون” أو “الطائف” أو “سايكس – بيكو”، ربما بعد تمركز الإدارة الأميركية الجديدة، وتخفيف اندفاع القيصر والمرشد والسلطان.

سيأتي هذا الأفق البعيد ولحظة التسوية أو الخلاص من المحنة “بعد خراب البصرة”، وفي هذه الأثناء يخيم الموت الزؤام والتنكيل بالناس في بلاد أولى الحضارات ومن الفخاخ في المرحلة الحاضرة، التبسيط في المقارنة بين معركتي الموصل وحلب.

إذ سرعان ما انتهز الرئيس الروسي فرصة انطلاق القصف ضد الموصل كي يركز على الشبه بين غارات التحالف الأميركي فوق العراق وغارات تحالفه فوق سوريا.

من الناحية العسكرية المحض، هناك قواسم مشتركة مع هذا الشكل من الحروب المعتمدة على سلاح الجو، حيث لا يختلف الذي جرى في الرمادي والفلوجة عن أسلوب “مدرسة غروزني” ولو على شكل أصغر، لكن الفارق يكمن في الأهداف إذ أن حرب استعادة المدينة الثانية في العراق تتم وفق توقيت زمني مقرر سابقا ووعود بتجنب المدنيين، بينما يندرج مسعى إخضاع أو استعادة شرق حلب ضمن إستراتيجية فلاديمير بوتين المستعجل للحسم، والذي يأخذ معركة الموصل والتجاوزات المحتملة ستارا لتسهيل حملته وحجب التركيز الإعلامي على محنة حلب وتفادي الضغط.

ولذا يبدو التكتيك البوتيني تصاعديا عبر تمرير هدنة محدودة لتسهيل إفراغ الأحياء من المدنيين، لكن في نفس الوقت تتحرك الأساطيل الروسية وتتم التهيئة لما يسمى حملة حاسمة متزامنة مع الاحتدام في الموصل واقتراب الانتخابات الأميركية.

بينما تعربد غربان الموت على شكل طائرات من التحالفين الروسي والأميركي ويدفع الثمن المدنيون والفقراء، ينعقد اجتماع عن مستقبل الموصل في باريس تحت عنوان التنبه لحقوق الإنسان ومنع الانفجار المذهبي واليوم التالي في إعادة بناء الدولة، يبدو ذلك ضمن حملات العلاقات العامة أو الحروب النفسية أو في استعجال تقاسم كعكة العقود لاحقا أي كمن “يبيع الجلد قبل صيد الغزال”. لكن الأدهى تجرؤ وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني على طرح “إعادة الإعمار” في سوريا ضمن خطة لفتح “حوار” مع القوى الإقليمية والتمهيد لعملية انتقال سياسي تكرس عمليا تأهيل النظام.

ويبرز “الاستفزاز” أو “الوقاحة” في تقديم هكذا اقتراحات قبل ساعات من انطلاق القمة الأوروبية في بروكسل، 20 و21 أكتوبر، والتي يفترض أن تتطرق إلى الملف السوري ودور روسيا في مواصلة النظام ارتكاب المجازر بحق المدنيين في مدينة حلب.

عادت موغيريني وأقرت بأن طرحها قد يبدو “غير واقعي” لأنه يتصور رحلة ما بعد إنهاء المأساة في حين أن النزاع لا يزال محتدما.

بيد أن الشقراء الإيطالية ربما تكشف المستور إذ أن كل هذه القوى الإقليمية والدولية التي تستثمر أو تتورط في نزاعات الفوضى التدميرية، تنتظر اليوم التالي بعد الحروب كي تشارك وتستثمر وتتقاسم مشاريع إعادة البناء، بينما تأتي مسائل إعادة بناء الدولة والمصالحة في المقام الثاني، إذا كانت أصلا مدرجة على جداول أعمال البعض.

من الناحية العملية، هناك الكثير من السيناريوهات المكتوبة والخرائط المرسومة، لكن الأرجح أن اقتلاع داعش من أراضيه كما يرتسم أمامنا، يضع حدا ولو بشكل مرحلي لمقولة سقوط حدود سايكس – بيكو، ويعيد التركيز على إعادة تركيب هذه الكيانات المشرقية من الداخل.

بالرغم من التداول المبالغ فيه عن مشاريع تقسيم أو “فَدْرلة” في سوريا، تبقى الصورة غامضة والتفكك والاهتراء سيدي الموقف في ظل انتزاع روسيا لقيادة منطقة النفوذ الأكثر جدوى (أو ما يسمى سوريا المفيدة) وإرضاء تركيا بمنطقة “آمنة” وإيران بممر بري لهلالها الإمبراطوري.

أما على صعيد العراق فيمكن العودة إلى تطبيق محدث لمشروع جو بايدن (قدمه نائب الرئيس الأميركي الحالي حينما كان سيناتورا في العام 2003) حيث أن ما بعد استعادة الموصل، يمكن أن يدفع سكان المناطق والمدن ذات الأغلبية السنية، في محافظات الأنبار ونينوى وديالى صلاح الدين وأجزاء من كركوك، للتجمع في إقليم على حدة.

وحسب دراسة حديثة لمعهد هدسون الأميركي “يمكن لمناطق العراق الغربية أن تعتمد على مقومات لدعم استقلالها وأهمها موارد طبيعية كبيرة غربي العراق ومنها الفوسفات، وحقل غاز عكاس الذي يتوقع أن يحوي ما يقارب 5.6 تريليونات قدم مكعب”.

ما بعد الحرب العالمية الأولى غيرت رائحة النفط حول الموصل الخرائط وتقاسم النفوذ. هذه المرة في اليوم التالي، هناك الاكتشافات الموعودة للغاز من الموصل إلى شرق المتوسط، وهي بالطبع إلى جانب الاهتمامات الإستراتيجية تجذب الكثير من اللاعبين وتخيف نائب رئيس الوزراء التركي نعمان قورتولموش من الوصول إلى صراع عالمي.

أستاذ العلوم السياسية، المركز الدولي للجيوبوليتيك – باريس

العرب

 

 

 

 

الأكراد في معادلة تحرير الموصل/ كه يلان محمد

على الرغم من استمرار الجدل حول مصير اقليم كردستان وما يدور من تكهنات عن انفصاله عن العراق، غير أن الوقائع الجغرافية والتاريخية تكْشف أن ثمة عوامل عديدة لا يمكن تجاهلها تربط بين أجزاء الكيان العراقي ولا يصح التفكير وفقاً لمنطق مصائب قوم عند قوم فوائد، لأن ما وقع في حزيران/يونيو 2014 واحتلال تنظيم «الدولة» لمدينة الموصل برهن على أن الخطر الذي تتعرض له أي منطقة في العراق يتداعى إلى غيرها. إذ أخطأ من توقع أن وقوع مدن عراقية بيد التنظيم وسيطرته على مساحات من الأرض العراقية يسْفر عن ضعف وتهلهل الكيان العراقي فتكون فرصة مواتية للإستفادة من هذا الظرف وإعلان الدولة الكردية، مع أن قيام الدولة الكردية لا يمكن ان يغير البعد الجغرافي، كما أن ذلك الأمر لا يبعد شبح المخاطر التي تهدد مناطق أخرى في العراق.

لم يَدم الوقت طويلاً حتى لمست الجهات المتنفذة في الإقليم ما يشكله تنظيم «الدولة» من تهديد على كل المستويات، فإن زيارة وفد الإقليم برئاسة مسعود البارزاني مؤخراً قبل إنطلاقة عمليات تحرير مدينة الموصِل إلى بغداد لدليل واضح على ضرورة إيجاد التنسيق المستمر بين الإقليم والمركز وعدم جدوى التصريحات الاستهلاكية، كما أنه لا يوجد بديل للتوافق بين مكونات الشعب العراقي لدرء مخاطر التطرف والإرهاب ومنع تحول أي مدينة عراقية إلى معقل أو بقعة مهددة بالإنشطار إلى أجزاء أخرى. الآن تقود القوات العراقية بجانب قوات البيشمركه معركة تحرير الموصِل، غير أن إهتمام الباحثين والمحللين ينصب في ما هو واقع ما بعد انتهاء العمليات العسكرية، إذ هل تتعامل القوات المشاركة بعقلية ضيقة ومناطقية ويحاول كل طرف توسيع مجال نفوذه وحماية مصالحه، أم أن المعطيات تحتِم على الجميع تفكيراً ونظرةً شمولية والخروج من حدود دائرة المصالح الضيقة؟ بمعنى هل يتولد خطاب سياسي جديد بعد تحرير الموصل؟ من المعلوم أن كل هذا رهن وجود إرادة سياسية تعمل في إتجاه بناء مشروع وطني بحيث يتحول إلى مظلة لكل أطياف المجتمع العراقي، كما يتطلب ذلك بناء الثقة بين الأطراف السياسية. ما يمكن خلاصته حتى الآن من متابعة معركة الموصل ميدانيا والتحضيرات إليها هو توحد كل القوى السياسية لدحر تنظيم «الدولة» بغض النظر عن الاختلافات المذهبية والقومية. صحيح ان ثمة مخاوف من أن يتمترس البعض وراء محاربة التنظيم وتتم تنفيذ عملية تصفيات مذهبية ولكن هنا يجب ان تتنبه القيادات السياسية إلى حساسية الموقف وتدرك أن التخندق المذهبي هو بداية لتعثر كل محاولة إصلاحية ولا يخدم مشروع ترتيب البيت العراقي.

دور الكرد في معركة الموصِل واضح وتتفهم القيادات الكردية ضرورة إنهاء المرحلة «الداعشية» وإنهزام هذا التنظيم المتطرف، فمنذ إعلان دولة الخلافة انشغل العالم بما يقترفه عناصر التنظيم من جرائم وحشية. لكن أيا كان حجم مشاركة الأطراف العراقية في معركة الموصل وانجاز اسدال الستار على هذا الفصل الدموي من تاريخ عراق ما بعد الاحتلال لابد أن لا يبلغ التفاؤل بمستقبل العراق حد الإفراط، أولاً لتعددية الأطراف المشاركة في معركة الموصل، إذ لاشك أن كل طرف يعمل وفقاً لمصالحه هنا نقصد الأطراف الخارجية التي لا تتوانى في وأد كل مشروع من شأنه أنْ يضع العراق على طريق الوحدة ومنها ينطلق نحو بناء دولة تستوفي مفاهيم المواطنة والديمقراطية. معركة تحرير الموصل بقدر ما تحمل من المؤشرات الايجابية وصارت عاملا لجمع كلمة العراقيين كذلك تشَكِل مصدر قلق، لأن وجود تنظيم «الدولة» فتح المجال لعودة الأمريكيين بجانب القوات المتعددة الجنسيات إضافة إلى أن دول الجوار تعطي الحق لنفسها بالتدخل في العراق باسم حماية أمنها القومي. ويسود الاعتقاد أنه مع إطفاء نيران معركة الموصل ستشتعل نار حرب القوميات والإثنيات وتطرح المشاريع لتقسيم ما هو مقسم أساسا من الأراضي العراقية.

ما هو تصور الكرد في واقع ما بعد المعركة؟ طبعا القوى الكردية أعلنت أن المناطق التي سميت بمناطق متنازع عليها وسيطرعليها مقاتلوهم بعد أن تركها الجيش العراقي في عام 2014 ليست موضوعا للمساومة وهويتها أمر غير قابل للنقاش، وهذا الملف سيكون موضع شد وجذب بين الإقليم والحكومة الاتحادية وقد تتأزم الأجواء بين الطرفين جراء الخلاف حول إيجاد آلية لحل هذه المشكلة، وكان من الأفضل وجود خريطة الطريق بين الحكومة الاتحادية والإقليم للتعامل مع هذا الملف قبل إنطلاق عمليات تحرير الموصل.

أن الاحتكام إلى منطق الغالب والمغلوب لا يتفق مع السياسة الواقعية وإذا تفاقمت الأوضاع حول المناطق المتنازع عليها ربما تتدخل الجهات الخارجية ويفْتَح الباب لتوافد مندوبي الأمم المتحدة وطرح مشاريع متعددة حيث من الصعب بلورة برنامج تتوافق عليه جميع الأطراف لأن الوصول إلى موقف حول هذا الملف يحتاج إلى تفاهم وحوار صريح بين الجهات السياسية والإرتقاء إلى مستوى المسؤولية في إدارة ما هو معَقَد من القضايا والمسائل الخلافية، إذ إن تواجد تنظيم «الدولة» في العراق عقد الأوضاع على الأصعدة كافة وبهزيمة هذا التنظيم لا تنتهي أزمات العراق لذلك فإن مواقف الأطراف السياسية حيال مرحلة ما بعد التنظيم ستكشف عما إذا كانت العقلية السياسية في العراق قد وصلت إلى حالة النضوج أو لا تزال محتمية بخيمة الطائفية والمناطقية.

القدس العربي

 

 

 

 

إيران: طريق القدس يمر عبر الموصل!/ نجاح محمد علي

ما ميز الموقف الإيراني من حرب تحرير الموصل هو «الصمت» الذي أثار حفيظة وسائل إعلام مرموقة نقلت هذا الموقف كـ «خبر عاجل» خصوصاً في ظل تصاعد الأزمة بين بغداد وأنقرة حول تواجد القوات التركية داخل الأراضي العراقية، وما إذا كانت ستشارك في هذه العمليات أم لا.

«صمت» طهران قبل وبُعيد اندلاع معارك تحرير الموصل، فسرته أوساط عارفة بأنه هو الموقف الذي تم الاتفاق عليه مع «الحكومة العراقية» وباقي الأطراف المعنية مباشرة بمعركة الموصل، خصوصاً فصائل الحشد الشعبي، بعد أن شهدت التحضيرات لها، سجالاً وصل إلى حد مطالبة أطراف «سنية» مشاركة في الحكومة والبرلمان، إيران بأن لا تشارك بأي شكل من الأشكال فيها.

وبالفعل أصدر تحالف القوى العراقية «السني» بياناً قبل شروع المعارك طالب إيران بعدم التدخل فيها، وكما هو واضح فقد استجابت إيران على الرغم من تصريحات سابقة أطلقها قادة نافذون في الحشد الشعبي، أشارت إلى دور بارز سيلعبه قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني في تحرير الموصل.

وليس هذا وحسب، فقد كان الحشد الذي يحظى برعاية خاصة من سليماني، يؤكد على مشاركته الفعالة في تحرير الموصل، لكنه وافق على الاكتفاء بدور في محور تلعفر، وتعهد بعدم دخول مدينة الموصل، كما هو الحال مع قوات الأكراد، البيشمركه، بعد سلسلة اتصالات أجراها رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي مع الأطراف الدولية المعنية وتحديداً الولايات المتحدة،لارسال رسالة تطمين إلى السعودية وتركيا اللتين تعارضان دخول هذه القوات إلى الموصل بتبريرات شتى أبرزها، الخوف على أهل السنة من حمامات دم على حد تعبير وزير الخارجية السعودي عادل الجبير.

وبعد البدء بالعمليات، ظل «الصمت» الإيراني هو سيد الموقف، عدا تصريحات هنا وهناك لا تعبر عن موقفها الرسمي، لكنها تعكس بالطبع مزاج نظام الجمهورية الإسلامية من هذه التطورات، التي تراها الصحف الإيرانية القريبة من صانعي القرار مرتبطة أساساً بالتطورات السياسية والميدانية في سوريا واليمن، وما يجري من صراع نفوذ واستنزاف بين إيران والسعودية، وبينهما وتركيا في مناطق الصراع الأخرى.

كسر الصمت

وبعد نحو أربعة أيام من «الصمت» الإيراني الرسمي، أبرزت وسائل الإعلام الإيرانية تصريحات القائد السابق لفرقة محمد رسول الله في الحرس الثوري الإيراني وعضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية السابق في البرلمان الإيراني اسماعيل كوثري، الذي نفى فيها الخميس، وجود مستشارين عسكريين إيرانيين لدعم القوات العراقية في العمليات العسكرية الجارية لتحرير الموصل.

وقال كوثري في تصريح لصحيفة «جام جم» الإيرانية المحافظة، «إيران ليس لها مستشارون عسكريون في معركة الموصل، فضلاً عن إرسال مقاتلين»، عازياً ذلك إلى «ارتفاع مستوى الوعي والقدرة على القتال في صفوف القوات العراقية وقوات الحشد الشعبي بعد فترة طويلة من قتال تنظيم الدولة الإسلامية».

وأوضح كوثري وهو يلمح أيضاً إلى دور إيراني في لملمة أطراف العملية السياسية المتعثرة في العراق إن «مشاركة مختلف القوات المقاتلة من مختلف العراقيين عززت الوحدة بين أبناء الشعب العراقي في معركة الموصل»، منوهاً إلى أن «الشعب العراقي بذل جهودا كبيرة وأشياء عظيمة في استعادة العديد من المدن من قبضة داعش».

وأضاف وهو يربط بين معارك الموصل والتطورات في سوريا إذ تستعد إيران وروسيا والجيش السوري لإطلاق معركة حلب الكبرى إن «إيران كانت تعتقد منذ البداية أن الأزمات في المنطقة خصوصاً في العراق وسوريا يمكن حلها بالاعتماد على مواطنيهم والمقاتلين المحليين لتحرير البلدين من قبضة داعش الإرهابي».

ومؤكداً أن «إرسال المستشارين العسكريين الإيرانيين يتطلب دعوة من الحكومة العراقية».

وسبق تلميح كوثري، عن العملية السياسية، تصريح أمين مجلس الأمن القومي الإيراني الأميرال علي شمخاني أن إيران كانت عملت على حل الخلافات بين كتلة تحالف القوى العراقية والقوى السنية الأخرى عندما اندلع الخلاف بين رئيس البرلمان سليم الجبوري ووزير الدفاع المقال خالد العبيدي، ما يفسر طبيعة «الصمت» وسعي طهران لتبديد مخاوف القوى السنية التي كانت سابقاً أيدت تدخلاً تركياً مباشراً في تحرير الموصل!.

وشارك مئات المستشارين العسكريين الإيرانيين خصوصاً قائد فيلق القدس قاسم سليماني في معارك عديدة في العراق وسوريا، لكن إيران نأت بنفسها عن التورط المباشر في معركة الموصل، بينما هي تتحرك خلف الكواليس في إطار مشروعها الاستراتيجي لإيجاد اتصال مباشر من خلال العراق، بسوريا ولبنان عبر السيطرة على ممر بري، يبدأ أساساً من أفغانستان، لتأمين نقل قوات ومعدات إلى سوريا.. وأيضاً لبنان.

وليس خافياً المشروع الإيراني لمواجهة إسرائيل والذي رصدته الدولة العبرية عندما نفذت عمليات استباقية أبرزها في كانون الثاني/يناير العام الماضي بالاغارة على سيارتين قرب مدينة القنيطرة على الحدود مع الجولان المحتل، واغتالت حينها قائدين عسكريين من حزب الله واربعة ضباط إيرانيين، وكان من بينهم جهاد مغنية ابن عماد مغنية. يومها أعلن حزب الله أنه يملك صواريخ إيرانية من طراز «فاتح 110» التي يمكن ان تطال أي هدف في فلسطين المحتلة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب حيث يبلغ مداها أكثر من 200 كيلومتر، وأكد ان المقاومة الاسلامية في «جهوزية تامة» على جبهة الجنوب، وهي مستعدة لمواجهة أي احتمال لافتا إلى «ان جزءا أساسيا من المقاومة متفرغ بشكل تام لهذه الجبهة لان الأولوية هي مواجهة المشروع الصهيوني».

طريق القدس عبر كربلاء

في أيام الحرب العراقية الإيرانية رفعت إيران شعار «طريق القدس يمر عبر كربلاء»، وتغنى منشد الحرب الحماسي آنذاك صادق آهنكران في فصول تلك الحرب المثيرة بأناشيد حماسية لتعبئة المقاتلين الإيرانيين نحو اسقاط نظام صدام، والسيطرة على العراق لفتح ممر يربط إيران بسوريا الحليف الاستراتيجي، ومنها إلى تحرير القدس.

وجاءت الأحداث المثيرة في سوريا لتجعل إيران تستعجل مشروعها نحو القدس وجبهة الجولان في ضوء ما يجري من صراع ميداني تعتقد طهران أن إسرائيل جزء رئيسي منه في سوريا. ولذلك فهي تستثمر التراجع السياسي وحتى العسكري، لأمريكا وباقي الأطراف الإقليمية والمحلية المناوئة لحليفها السوري، لتحقيق انتصار كبير في الموصل، دون أن تثير حفيظتهم!.

وتأتي في هذا السياق أيضاً معلومات عن زيارة قام أو سيقوم بها إلى بغداد، القائد الأفغاني في زمن الجهاد الافغاني ضد الاحتلال السوفييتي لافغانستان، ومرجع الشيعة الأفغان آية الله آصف محسني، لبحث نقل مقاتلين من أفغانستان إلى العراق ومنها إلى سوريا، فيما لو لم يواجه مشروع إيران أي مشكلة.

معركة سهلة

في ضوء هذه السياقات ومنها بالطبع سعي واشنطن وحلفائها لموازنة الانتصار الروسي الإيراني في سوريا، تبدو معركة تحرير الموصل سهلة بالقياس لباقي المعارك التي خاضتها القوات العراقية سابقاً مع «الدولة» لأنها تأتي في ظل ظروف إقليمية ودولية تصب كلها لصالح العراق.

فالأطراف الإقليمية والدولية الضالعة في الأزمة السورية كالولايات المتحدة والسعودية وتركيا والجماعات التي تدعمها، في وضع سياسي وميداني لا تحسد عليه وهي تتراجع لصالح الحلف الروسي الإيراني السوري وحزب الله والجماعات العراقية المسلحة الذي يتقدم ميدانيا ويفرض شروطه سياسياً بانتظار معركة الحسم في حلب.

وحتى قبل أن تبدأ المعركة فتحت الولايات المتحدة وتركيا ممراً لكبار قادة تنظيم «الدولة» في الموصل لنقلهم إلى سوريا، ووصل بالفعل إلى الرقة السورية رتل مؤلف من اثني عشر شاحنة نقلت عوائل قادة التنظيم من الموصل.

وأكد مسؤولون في الحشد الشعبي أيضا نقل أرتال من مقاتلي «الدولة» إلى سوريا تحت مرآى من التحالف الدولي برغم الحصار المفروض على الموصل إلا من جهة الغرب المحاذية لسوريا، وهو ما أكده بشكل ما، الرئيس الفرنسي.

من هنا فان معركة الموصل يريدها الجميع، للسيطرة على الطريق الذي يربط سوريا بالعراق.

وبينما تعهد الحشد الشعبي بعدم الدخول إلى الموصل لكنه بعد التحرير ترك الباب موارباً لدخولها، لأن الموصل يراد لها أن تتحول إلى مشكلة جديدة إذا نجحت اطراف خارجية في إقامة إقليم (سني) يفصل العراق عن سوريا لمنع إيران من الاتصال بسوريا وبالتالي لبنان.

وفي هذا الواقع لا يمكن تجاهل خطوة القضاء العراقي بإصدار مذكرة إعتقال بحق محافظ الموصل السابق أثيل النجيفي بتهمة التخابر مع دولة أجنبية، برغم أن بعض «الحشد الوطني» الذي أسسه ودرّبته القوات التركية المتواجدة في بعشيقة، تشارك تحت إمرة الفرقة 16 للجيش العراقي في العمليات.

وربما تفسر هذه الخطوة التي قد لا تنفذ كما حصل في مذكرة اعتقال نائب الرئيس العراقي السابق طارق الهاشمي، بأنها خطوة نحو إجهاض مشروع الإقليم (السني) الذي يقابله مشروع إيران الاستراتيجي بتأمين ممر بري يخترق العراق في نقطة الحدود بين البلدين ثم شمال شرق سوريا إلى حلب وحمص وينتهي بميناء اللاذقية على البحر المتوسط.

وبالفعل فان قوات كبيرة من المقاتلين الموالين لإيران في «حلف الممانعة» تضع اللمسات الأخيرة على خطط للتقدم بتنفيذ مشروع الممر الذي ظل في طور التبلور خلال العقود الثلاثة الماضية، وأن من هذه القوات، فصائل من الحشد الشعبي العراقي أصرت على أن تُمنح دورا في المعركة لاستعادة مدينة الموصل، وأخرى كانت تخطط لتقطع الطريق غرب الموصل على أي قوات لتنظيم «الدولة» تحاول الهروب من المدينة إلى الرقة في سوريا.

وتفسر هذه الرؤية الإيرانية غضب السعودية من مشاركة الحشد الشعبي في معركة تحرير الموصل والصمت الإيراني «المريب» على التدخل التركي في هذه المعركة من واقع أن الشريط البري غرب الموصل الذي تعمل فيه فصائل من الحشد الشعبي، يُعتبر أساسيا في تحقيق أهداف حلف «الممانعة» للوصول إلى البحر الأبيض المتوسط.

وفي خضم الأزمة المحتدمة منذ العام الماضي وتصاعدت مؤخراً بين بغداد وأنقرة، بسبب معركة الموصل، تبدو طهران راغبة أو مستعدة لنقل المقاتلين والإمدادات بين إيران والبحر المتوسط في أي وقت تشاء عبر طرق آمنة يحرسها موالون لهم أو آخرون، وهي تسعى أيضاً لتفكيك اقليم الأكراد وفصله عن التعاون مع تركيا، إذ يقاتل لأول مرة منذ تأسيس الجيش ـ العراقي عام 1921 البيشمركة والجيش العراقي  معاً لتحرير الموصل.

 

 

 

 

قادمون يا نينوى» تحرير الموصل والتخوفات الدولية/ عبد الحميد صيام

نيويورك (الأمم المتحدة) «القدس العربي»: منذ نحو شهرين ونحن هنا في مقر الأمم المتحدة نثير مسألة تحرير الموصل مع المسؤولين الأممين والمخاوف التي تعتري مثل هذه العملية المعقدة التي تشترك فيها أطراف عديدة قد تختلف أهدافهم وتكتيكاتهم. وها قد بدأت المعركة ببطء يوم الإثنين الماضي والتي أطلق عليها رئيس الوزراء العراقي «قادمون يا نينوى». وفر إلى خارج الموصل لغاية الآن أكثر من أربعة آلاف شخص من الأحزمة الخارجية التي يبدو أن سيطرة التنظيم عليها رخوة بسبب إعادة الانتشار أو التمركز حسب الخطط الدفاعية. استطاعت القوات العراقية أن تستعيد ثلاث مدن رئيسية تعرضت للاحتلال من قبل تنظيم «الدولة» وعندما تم طرد التنظيم منها تعرضت إلى تدمير هائل وهي تكريت والرمادي والفلوجة. وأظهر تحرير تكريت الذي إستكمل في 31 اذار/مارس 2015 نجاحا نسبيا للحكومة العراقية في إعادة سكان المناطق السنية التي تستردها من التنظيم، حيث عاد إلى المدينة  نحو 150 ألف شخص في غضون بضعة أشهر، ولكن العائدين وجدوا أنفسهم داخل مدينة تعجز عن توفير أبسط الخدمات، خاصة أن التنظيم دمر أجزاء مهمة منها بما في ذلك المستشفى الرئيسي وزرع المدينة بالعبوات المتفجرة.

وبالنسبة للرمادي الذي استكمل في الأسبوع الأول من كانون الثاني/يناير الماضي فقد كان الدمار عظيما بسبب القصف العراقي الشامل للمدينة. فبعد عشرة أشهر على إعلان الحكومة العراقية تحرير الرمادي، لا تزال أجزاء من المدينة غير ملائمة للعيش فيها بسبب القنابل وغيرها من مخلفات الحرب الخطرة المخبأة تحت الأنقاض أو داخل المدارس والمستشفيات والمنازل الخاوية. وتقدر الأمم المتحدة أن تصل تكلفة إزالة هذه المتفجرات إلى 200 مليون دولار بينما من المتوقع أن تصل تكاليف إعادة الإعمار إلى مليارات الدولارات.

أما مدينة الفلوجة فقد تعرضت للتدمير بنسة أقل من الرمادي عند تحريرها الذي استكمل بتاريخ 26 حزيران/يونيو الماضي. فالقصف العشوائي الذي شنته ميليشيات «الحشد الشعبي»، بجانب القتال المحتدم الذي اندلع خلال الأسابيع الأخيرة من الهجوم، حوَّل أجزاء من المدينة إلى دمار. لكن القصة لم تنته بعد التحرير. فقد قامت قوات الحشد الشعبي بالسيطرة على الموقف تحت سمع وبصر الحكومة التي أعلنت أن هناك ممرات آمنة للمدنيين لتبين أن تلك الممرات كانت تؤدي بالفارين من جحيم التنظيم أو من القصف العشوائي إلى أيدي الحشد الشعبي. وقامت قوات الحشد بنفسها بعملية التمحيص والتدقيق في الخارجين من المدينة وتعرض العديد منهم إلى الإعدامات الميداينة أو الحجز أو الاختفاء القسري. وقامت مجموعة بتسليم نفسها لقوات تلبس زي الجيش والشرطة فأعدموا ميدانيا وما زال 73 فردا من القبيلة مختفين كما جاء في تقرير «منظمة العفو الدولية» الذي نشر يوم أيام. وقامت قوات الحشد الشعبي باعتقال 1300 شخص من بلدة الصقلاوية قرب الفالوجة وأعادوا منهم 600 إلى القوات الرسمية وآثار التعذيب عليهم. وقد أقر 470 منهم بأنهم تعرضوا للتعذيب وما زال نحو 700 مختفين وكلهم ينتمون للعشائر السنية. معركة الموصل أكثر تعقيدا ويشكل تحريرها، تحدياً حقيقيا في ضمان سلامة المدنيين الذين يقدرون بـ 1.2 إلى 1.5 المليون.

وقد أثرنا هذا التخوف مع كافة المسؤولين الأممين. وردت السيدة ليز غراندي على هذا التخوف قائلة: «إن من بين الدروس التي تعلمناها من الفلوجة أن تقوم قوات الأمن العراقية بعملية التحقق والتدقيق في المدنيين. واتفقنا كذلك على تسريع عملية التدقيق وبحضور مراقبين من طرف ثالث. قدمت لنا قوات الأمن العراقية ضمانات بأن المدنيين سوف تتم حمايتهم. سيتم إطلاق التحذيرات مع بداية العملية العسكرية، وتحضير بطاقات تعريف خاصة لتسهيل مرور المدنيين والتعريف بالطرق الآمنة للهرب وتحضير المواصلات وتمييزها ووضع الأعلام البيضاء للتعرف على المناطق الآمنة».

وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، ستيفن أوبراين، أعرب عن قلقه البالغ إزاء سلامة المدنيين في مدينة الموصل وضواحيها بعد أن أعلنت القوات العراقية بدء عملية التحرير. وأكد أن نحو مليون ونصف المليون «قد يتأثرون من جراء العمليات العسكرية الهادفة إلى إستعادة المدينة من داعش، فالقتال قد يدفع بأكثر من مليون للهرب من منازلهم. وقد يستخدم تنظيم الدولة عشرات بل مئات الألوف من المدنيين المحاصرين تحت سيطرتهم كدروع بشرية».

وأعدت الأمم المتحدة عددا من مخيمات اللجوء تكفي لإيواء 60 ألف شخص والعمل جار على إنشاء مزيد من المخيمات تتسع لربع مليون شخص كما أن مواد غذائية تكفي لـ 220،000 شخص جاهزة للتوزيع بالإضافة إلى 240 طنا من المواد الطبية.

المعلومات التي ترد إلى مقر الأمم المتحدة من مصادر عديدة تؤكد أن قوات الحشد الشعبي أعدت قائمة طويلة بأسماء الأشخاص الذين سيتم إعتقالهم وتصفيتهم من الموصل. وتقول مصادر إن هناك نوايا بتخفيف عدد سكان السنة من المدينة كما حدث في بغداد فهم يعرفون أن بعض المهاجرين خارج الحدود لن يعودا إلى ديارهم في ظل التحريض الطائفي وإستهداف قيادات المكون السني بحجة التآمر مع «داعش» أو الانتماء لحزب البعث المحظور. وقد صدر فرمان مؤخرا بعدم السماح لعودة محافظ الموصل أثيل النجيفي إلى ممارسة مهماته وقد يعين أحد العسكريين على الأقل في فترة ما بعد التحرير.

قد تشهد الموصل أكبر كارثة إنسانية من صنع الإنسان، حسب تصريح المفوض السامي لشؤون اللاجئين، فيليبوغراندي. لكن التخوف الحقيقي لدى المسؤولين هنا هو في وقوع مجازر في صفوف سكان المدينة والتي تقطنها تاريخيا غالبية سنية. وقد يجد المجتمع الدولي نفسه عاجزا عن منع مجزرة أخرى على طريقة ما يجري في حلب وهو ما يعطي زخما لنظرية المؤامرة التي تقول لم يكن إنسحاب الجيش العراقي من الموصل عام 2014 إلا من أجل هذا النوع من التحرير.

 

 

 

الزحف نحو الموصل: هل تتداعى الخلافة ويقرر مصير العالم؟/ إبراهيم درويش

تحمل معركة استعادة الموصل الكثير من الدلالات المحلية والإقليمية والدولية، وهي مهمة للولايات المتحدة مثلما هي مهمة للقوات العراقية التي تكبدت في المدينة هزيمة منكرة على يد مئات من المقاتلين الأيديولوجيين المتحمسين الذين احتلوا المدينة في حزيران (يونيو) 2014 وتحصنوا فيها باعتبارها من أكبر التجمعات الحضرية التي سيطر عليها التنظيم. والمدينة تحمل دلالة رمزية ويوتوبية لزعيم التنظيم أبو بكر البغدادي الذي ظهر المرة الأولى والأخيرة في صورة «أيقونية» من على منبر الجامع النوري وبشر المسلمين في كل أنحاء العالم بولادة «الخلافة» ودعا الشباب للهجرة إلى الأرض الجديدة التي الغيت فيها حدود سايكس- بيكو. ومن هذه الأرض الموعودة المفتوحة للجميع خرجت عقيدة «باقية وتتمدد». كانت «الدولة» في بدايات خروجها قوة عصية على الهزيمة، جمعت بين الحرب التقليدية وحرب العصابات الخاطفة وكيفت التكتيكات العسكرية إلى أعلى درجات القسوة، فقد تحولت السيارة الإنتحارية لرتل من الشاحنات ونشرت رعبها عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بطريقة فنية مثيرة للتقزز وأتقنت فن الدعاية والنشر من خلال أشرطة فيديو عالية الحرفية. ومنذ خروجه أصبح تنظيم الدولة «ظاهرة» جهادية ومجالا للبحث صدرت حوله مئات الكتب وكتبت عنه آلاف التقارير، فهو تارة من أغنى التنظيمات الجهادية في العالم وأخرى قائد الحركة الجهادي العالمية. وهو التنظيم الذي يسيطرعلى منطقة تساوي مساحتها أرض هولندا أو بريطانيا.وغير ذلك من الأوصاف

مرحلة التدهور

واليوم وبعد إعلان الحكومة العراقية عن بداية معركة الموصل في 17 تشرين الأول (أكتوبر) أصبح التنظيم ظل نفسه ولم يعد يسيطر إلا على مساحة بسيطة لا تساوي مساحتها دولة سريلانكا. ومنذ العام الماضي لم يربح ولا معركة واحدة، فقد خسر تكريت والرمادي والفلوجة. وخرج من شمال سوريا وتدمر في الوسط ولم يبق بيده سوى البلدة الصحراوية، الرقة التي تعتبر العاصمة الفعلية للخلافة. ومعظم التقارير التي نقرأها يوميا تقول إنه تنظيم في حالة رثة مخترق من أجهزة المخابرات الغربية خاصة البريطانية (إندبندنت 20/10/2016) أو يواجه مقاومة قريبة وثورة في الموصل (الغارديان 20/10/2016) وهناك حديث عن حركة اسمها «سرايا الرماح» جاهزة للتحرك مع وصول القوات العراقية، فيما قام مواطنون بالتعبير عن رفضهم للجهاديين بكتابة حرف «م» أي مقاومة على جدران المدينة كما أوردت «نيويورك تايمز» (17/10/2016).

المهم الرسالة

وفي سياق آخر يظهر التنظيم اليوم مجردا من أيديولوجيته القيامية وانسحب جنوده بدون قتال من ساحة المعركة الأخيرة في دابق (واشنطن بوست، 16/10/2016). ومع تقدم القوات العراقية ومقاتلي البيشمركه والمقاتلين السنة تحدث عسكريون في البنتاغون عن هروب قادته من المدينة فيما تحدث مسؤولون أمريكيون عن تحول التنظيم من دولة إلى حركة تمرد عسكرية جاهزة لتوجيه ضربات للحكومة العراقية وإرسال مقاتليه للقيام بعمليات خارجية (ديلي بيست، 20/10/2016). وقالت صحيفة «نيويورك تايمز» (19/10/2016) إن التنظيم الذي واجه نكسات في الآونة الأخيرة بدأ يضع الأسس في الأشهر الماضية لإستمرار الجاذبية الأيديولوجية. وبهذه المثابة فسقوط الخلافة لا يعني الهزيمة. وجاء في صحيفة «النبأ» التابعة للتنظيم أن «الجيل الذي عاش في ظل الخلافة أو شهد المعارك العظيمة سيواصل ـ إن شاء الله ـ رفع الراية عالية». وذكر كاتب المقال أجيال «الخلافة» أن الجهاديين السابقين انسحبوا إلى الصحراء بعد الهجوم الأمريكي عليهم ليظهروا من جديد في سوريا ويتمددوا مرة جديدة في العراق. ونقلت الصحيفة عن الخبير في تنظيم الدولة ويليام ماكانتس قوله إن الجهاديين في أثناء حصار دابق حاولوا جاهدين شرح أن المعركة القادمة فيها «لن تكون معركة دابق الأخيرة». وأشار إعلام الجهاديين أن سبب عدم وقوع الملحمة الأخيرة في البلدة الصغيرة هو عدم توافر الشروط اللازمة مثل وصول الجيش الصليبي أو ظهور المهدي. إلا أن نقاد التنظيم تعاملوا مع سقوط دابق على أنها صورة عن تداعي رؤيته، خاصة أن مجلته حملت اسم البلدة. ورغم سخرية البعض من هذه التبريرات إلا أن محللين يرون في خطابه الجديد دليلا على براغماتيته ومرونته أمام التحولات التي تصيبه. وكان المتحدث باسم التنظيم أبو محمد العدناني الذي قتل في آب (أغسطس) أكد أن مصير التنظيم لا يرتبط بقيادي. وبعيدا عن مآلات الحركة الجهادية التي تحولت لمركز جذب للجهاديين من كل أنحاء العالم وبنت مواقع تأثير لها من غرب أفريقيا إلى جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا، فالسؤال الملح مرتبط بمدينة الموصل.

مظلومية السنة

في بداية الشهر الحالي خصصت مجلة «إيكونوميست» محورا حول أزمة العالم العربي (8/10/2016) تحدثت فيه عن مظلومية العرب السنة. وقالت إن من يكتوي اليوم بنار الحرب هم السنة مع أنهم يمثلون أكبر تجمع إثني في المنطقة وهم ورثة حضارات عظيمة إلا أن حواضرهم العظيمة باتت في أيدي غيرهم: اليهود في القدس والمسيحيون والشيعة في بيروت والعلويون في دمشق وفي الفترة الأخيرة الشيعة في بغداد. ويشكل السنة معظم اللاجئين في المنطقة، وفي المناطق التي يحكم فيها السنة يشعرون بالحصار من إيران وتخلي ولا إبالية الولايات المتحدة عنهم. وقالت إن حالة الحصار التي يشعر بها السنة من كل جانب تفسر ظاهرة تنظيم الدولة الإسلامية الذي أعلن عن إحياء نظام الخلافة القديم. ومن هنا «فلن يكون الإنتصار على الجهاديين كاملا ولن ينجح أي حل دبلوماسي بدون التعامل مع حالة الإقتلاع التي يعاني منها السنة». وقالت المجلة إن مصير السنة اليوم يعتمد على مصير مدينتين عظيمتين: حلب التي تعتبر آخر معقل للمعارضة السورية المسلحة التي تقاتل نظام الأسد ووصفها الأمين العام للأمم المتحدة بأنها اليوم مسلخ، والموصل التي تعتبر أهم مركز حضري يسيطر عليه تنظيم الدولة في العراق. وترى أن «سلوك» ما بعد المعركتين سيقرر مسار الحروب البربرية التي تواجه المنطقة العربية. وتقول إن أفضل أمل لتحقيق الإستقرار بالمنطقة لا يكون إلا عبر الفدرالية واللامركزية التي تعطي السنة وغيرهم صوتا ودورا واضحا. وتعتقد أن حلب تظل رمزا لأسوأ تدخل عسكري خارجي، فالروس يساعدون النظام السوري وحلفاءه الإيرانيين والشيعة الذين يقومون بدك معاقل المعارضة السنية المحاصرة. إلا أن الموصل تحمل ملامح تغيير وهذا يعتمد على الكيفية التي «سيتصرف فيها المنتصرون في مرحلة ما بعد تنظيم «الدولة.

التعامل بحكمة

وفي عددها الاخير (22/10/2016) عادت المجلة وقالت إن الطريقة التي ستتم فيها السيطرة على المدينة ستحدد فيما إن كان النصرعلى الجهاديين تاما أو أنه مرحلة جديدة من معاناة لا نهاية لها في العالم العربي. وترى أن الطريق لاستقرار العراق مرتبط بقادته وقدرتهم على استيعاب السنة ومنحهم صوتا في الحياة السياسية. ولو تمت العملية بطريقة جيدة فلن تؤدي لتحرير مليون عراقي أو أكثر يعيشون تحت حكم تنظيم الدولة الوحشي بل وستريح العالم. وترى أن الأسابيع والأشهر المقبلة لن تكون سهلة. فلا أحد يستطيع التكهن بالطريقة التي ستتكشف عنها المعركة. فعندما تمت استعادة الرمادي، قاتل التنظيم وتم تدمير معظم المدينة وتشريد سكانها. وتقول إن معظم المقاتلين في الموصل وقادة التنظيم ربما خرجوا من المدينة. وتدعو إلى أهمية تعامل «المحررين» مع السكان بطريقة حذرة. ويجب أن لا تتحول الموصل إلى حلب جديدة. وعوضا عن ذلك يجب أن تكون معظم التحركات محسوبة ويجب تجنب أذى المدنيين وحراسة المناطق بعد طرد التنظيم منها. وهناك حاجة لتوفير المساعدات الإنسانية للعناية بمن فر ومن اختبأ في بيته. وعليه يجب تجنب أي مظهر من مظاهر الطائفية ومنها سيطرة شيعية على المدينة، فهي والمناطق المحيطة بها تظل مناطق سنية ويجب أن تتمتع بنوع من الإستقلالية/الحكم الذاتي. كما ويجب حماية حقوق الأقليات فيها سواء كانت مسيحية وأزيدية وتركمانية. وهناك حاجة لمنع القوى الخارجية الراغبة بالحصول على قطعة منها من الدخول إليها، كردية كانت أم شيعة وإيران وتركيا.

إعادة الإعمار

ومهما كانت نتيجة المعركة فلو قرر التنظيم القتال حتى النهاية، فهذا يعني دمارا للمدينة. وتقول صحيفة «نيويورك تايمز» (18/10/2016) «لو كان التاريخ دليلا، فستتحول أجزاء كبيرة من الموصل التي كانت ثاني المدن العراقية يسكن فيها مليوني نسمة إلى أطلال مشتعلة بعد انسحاب المقاتلين الذين قاتلوا حتى النهاية والذين قد يستخدمون ما تبقى من المدنيين كدروع بشرية وقد يفخخون الأحياء بقنابل بدائية الصنع، فتنظيف هذه المتفجرات يحتاج لأشهر». فالسيطرة على الموصل ستكون أكثر تعقيدا وإعادة بنائها فيه تحديات كبيرة خاصة أنها الأكبر من بين «فتوحات» تنظيم الدولة وتحتوي على تنوعات سكانية واسعة من سنية وشيعية ومسيحية وكردية.

مهمة لأمريكا

وفي النهاية تعتبر معركة الموصل مهمة للولايات المتحدة فالمعركة كما تقول «كريستيان ساينس مونيتور» (19/10/2016) لا تعتبر فحصا مهما للتأثير الأمريكي بالمنطقة فقط ولكن كنموذج جديد لمكافحة الإرهاب. وبحسب ألين غولدبنرغ، مدير برنامج الأمن في مركز الأمن الأمريكي الجديد بواشنطن «ما عثر عليه أوباما هو طريقة جديدة للقيام بمكافحة الإرهاب لا تشبه نموذج جورج بوش بنشر 150.000 ولا صفر وجود في العراق». وأضاف «إذا كان هذا النموذج المكون من عدد قليل من الجنود الأمريكيين المرفقين مع القوات الأمنية ناجحا في استعادة مدينة كبيرة، فسيتحول إلى طريقة دائمة للتعامل مع ملاجئ الإرهاب الآمنة التي تهدد أمن الولايات المتحدة القومي». ويقول الخبراء إن المعركة ستحدد مصداقية الولايات المتحدة الدبلوماسية والعسكرية بالمنطقة في الأعوام المقبلة.

وبحسب جيمس جيفري، السفير الأمريكي في العراق الفترة ما بين 2010- 2012 «لو تمت إدارة العملية بنجاح فستقوم بإعادة بعض الثقة بالقدرة الأمريكية وستعيد بعض المصداقية لالتزامنا للعمل مع أصدقائنا وحلفائنا في المنطقة». وبهذه الطريقة يقول الكاتب إن الموصل تمثل تطورا مهما لمدخل أوباما «القيادة من الخلف» في الشرق الأوسط. ويعلق جيفري «في الموصل، نشاهد نوعا مختلفا من المشاركة، فبدلا من الوقوف في الخلف فإننا نظهر التزامنا من خلال المشاركة في القتال». وأكدت الولايات المتحدة للعراقيين أن القادة الأمريكيين لن يقفوا متفرجين في حالة تعقد المعركة بل سيشاركون القتال مع العراقيين». وفي حالة هزمت الولايات المتحدة «الدولة» في الموصل وأعادت دمج المعقل السني في الحياة الوطنية السياسية والاقتصادية فستكون رسالة قوية. ويقول أنتوني كوردسمان، محلل شؤون الشرق الأوسط في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن إن «النجاح في الموصل والعراق سيعزز مصداقية الولايات المتحدة وتأثيرها» و «ستساعد بمواجهة نجاح روسيا في سوريا وتحديد دور إيران وإعادة قدر من الثقة عند حلفائنا العرب».

 

 

 

 

هل تعبر الميليشيات الشيعية العراقية الحدود إلى سوريا؟

ترجمة وتحرير شادي خليفة – الخليج الجديد

سنرى الآن إذا ما كانت الميليشيات الشيعية العراقية الممثلة في قوات الحشد الشعبي ستعبر الحدود إلى سوريا بحجة مطاردة مقاتلي تنظيم الدةلة. ومن المحتمل أن يحدث ذلك عن طريق تلعفر أو بالقرب منها.

وكان تنظيم الدولة قد فقد المدينة الرمزية دابق بعد معركة قصيرة مع الجيش السوري الحر وحملة «درع الفرات» المدعومة من تركيا. وانسحبت الدولة الإسلامية من المدينة ليلًا، وتركت قلة من المقاتلين لتأخير تقدم قوات المعارضة.

في الوقت نفسه، يحرز «نظام الأسد» وحلفاؤه تقدمًا بطيئًا في شمال وشرق حلب. ويبدو أن «نظام الأسد» يحاول فصل شمال حلب عن المناطق الجنوبية في شرقها والتي دمرتها طائرات روسيا والنظام تمامًا.

وقد تنتهي عملية تدمير حلب على طريقة «غروزني» بأن يسيطر «نظام الأسد» على أنقاض مدمرة شرق حلب. وقد صرح «الأسد» في 14 أكتوبر/ تشرين الأول أنّ الجيش السوري إذا تمكن من السيطرة على حلب فسيطارد الإرهابيين لدفعهم للعودة إلى تركيا التي قدموا منها أو لقتلهم. وقال عمال الإنقاذ أنّ «نظام الأسد» وروسيا قتلوا أكثر من 150 شخصًا في شرق حلب هذا الأسبوع فقط في هجومهم على المدينة.

هل «الأسد» على حق؟

تبرز حقيقة طبيعة القتال شمال سوريا فيما وراء شرق حلب. فالأمريكيون والأتراك والسنة السوريون والعراقيون يواجهون الآن بوضوح بخطة ثلاثية من إيران و«الأسد» وحزب الله تقوم على إنشاء جسر من الأرض يمتد من تلعفر إلى الرقة إلى حلب. وتكمن خطة الحرس الثوري في محاولات يائسة للإبقاء على قوات «الأسد» في دير الزور والحسكة، في محاولة عابثة للتقدم من الشرق عبر الطبقة والاستيلاء على حلب جميعها. وهذا بالطبع سباق مع الوقت. فقوات «الأسد» وحلفائه يبذلون كل الجهد للربط بين المنطقتين. وهم يسيرون تمامًا على آثار خطوات تنظيم الدولة، لكن في الاتجاه المضاد.

وتتحدث الميليشيات الشيعية اللبنانية والعراقية الآن بصوت عال حول مسؤوليتهم عن مطاردة مقاتلي تنظيم الدولة إلى الرقة. وتضع قوات الحشد الشعبي العراقية والتي تدار بعض وحداتها بالفعل عن طريق الحرس الثوري الإيراني، عينها الآن على الطريق من العراق إلى سوريا بالحجة المزعومة «مطاردة داعش». وقد تم المبالغة في استخدام تنظيم الدولة من قبل الجميع لتحقيق أهدافهم المختلفة.

وقد يصبح هذا السيناريو هو مركز الاهتمام خلال أشهر قليلة على الأكثر. ولكن لا يمكن اختزال الاستيلاء على شرق حلب بأخذ بضعة كيلومترات من الركام. فمن أجل بناء هذا الحزام الاستراتيجي من العراق إلى سوريا، لا يحتاج الحرس الثوري الإيراني فقط لتأمين الممر نفسه، ولكن أيضًا لمسح المناطق المحيطة به. ويمكن تحقيق ذلك بالاستيلاء على مطار حلب.

وتعود الأهمية الكبيرة لهذا الحزام لما سيكون له من تأثير على جميع اللاعبين الرئيسيين: تركيا والأكراد والمجتمعات السنية على جانبي الحدود والقواعد الأمريكية الجديدة في كردستان العراق والمناطق التي تقع تحت سيطرة الأكراد في شمال شرق سوريا. من الممكن أن يفر مقاتلوا تنظيم الدولة إلى سوريا ويذوبوا في عدد عريض من جماعات المعارضة. لذا، فطالما بقي القتال طائفيا، لن يختفي التنظيم. من الممكن أن تتغير الأسماء والمظاهر والقادة، لكنه سيبقى هناك، في مكان ما.

وإذا تحركت الميليشيات العراقية الشيعية إلى سوريا، سيتحول الصراع سريعًا إلى حرب إقليمية. فلن تقف الدول السنية، وتحديدا تركيا والسعودية، مكتوفة الأيدي. وستتجمع جماعات المعارضة في كيان يتم تشكيله على أسس طائفية بحتة، مع تجنب الخلافات الفقهية والعقدية لمرحلة لاحقة. وبعبارة أخرى، سينتقل القتال إلى مستوى جديد أشد ضراوة وعنفًا مما نشهده الآن.

إذًا، فمن الآمن أن نقول أن الرئيس السوري كان مخطئا. ما سنراه سيكون ببساطة قتال تصبح فيه القوى المتقاتلة على الأرض أكثر شراسة، وتلعب فيه القوى الإقليمية أدوارًا أكبر.

لم تنته الأزمة السورية بعد. وفي الواقع، ربما فقط تكون نهاية مرحلتها الأولى. وللحقيقة، فهي ليست «أزمة سورية»، ولم تكن أبدًا كذلك. لقد بدأ الأمر بثورة سلمية لشعب يبحث عن الديمقراطية وتورط في معركة إقليمية. ويقترب الأمر الآن من أن تكون مواجهة عالمية. فالمرحلة الجديدة ستشهد مواجهة مباشرة بين استراتيجية الحرس الثوري للنفاذ إلى العراق وسوريا من أجل الوصول إلى شرق البحر المتوسط، واستراتيجية تركيا والدول العربية لإيقاف تمدد الحرس الثوري في الغرب.

والسبيل للخروج من الأزمة، كما قلنا مرارًا وتكرارًا، هو وضع خطة للتعايش الإقليمي. على الولايات المتحدة أن تحذر قوات الحشد الشعبي أنّها إذا اخترقت الحدود العراقية السورية ستصبح هدفًا للتحالف ضد الإرهاب. فالإرهاب ليس حكرًا على تنظيم الدولة. وبعض وحدات قوات الحشد الشعبي اعتبرتها وزارة الخارجية الأمريكية بالفعل جماعات إرهابية. في الوقت نفسه، يتعين على الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي أن يعملوا معًا حول خطة لتسوية الأوضاع بين إيران والعرب لتهدئة المنطقة. كل من الأطراف الثلاثة لديه نفوذه الإقليمي. ويستطيعون معًا الوصول إلى معادلة عملية وخطة تنفيذ وآليات تحكيم.

إذا تمّ ترك هذه المعركة الملحمية لدينامياتها الخاصة، فإنها ستهدد بالتأكيد العالم كله.

المصدر | سمير التقي وعصام عزيز – ميدل إيست بريفينج

 

 

 

 

الموصل.. معركة جوهرية برايات طائفية/ سلمان الدوسري

المشاهد التي نقلتها وكالات الأنباء للآليات العسكرية لـ«القوات العراقية» وهي تتقدم معركة الموصل رافعة شعارات طائفية، تكشف الحقيقة السوداء لصورة يُراد تجميلها بشكل بدائي ومكشوف، وفعلنا الصورة تغني عن ألف كلمة، ففي الوقت الذي يتّحد العالم فيه لطرد تنظيم داعش من معقله في العراق، هناك من يصرّ على مشاركة الميليشيات الطائفية بطريقة غير مباشرة في اقتحام المدينة، وكأنه كتب على الأبرياء أن يقعوا بين فكي «داعش» والحشد الشعبي، وأن يتعرضوا لنفس الانتهاكات الفظيعة التي جرت على المدنيين في الفلوجة وتكريت والرمادي. وعندما تعتبر الميليشيات أن جميع سكان المدينة والبالغ عددهم نحو 2.5 مليون نسمة «دواعش» وأهداف مشروعة للمهاجمين، فلن تكون مفاجأة إذا تكررت الكارثة الإنسانية، لكن هذه المرة ستكون بشكل أبشع، نظرًا لضخامة عدد سكان الموصل، مقارنة بالمدن الأخرى التي تم دحر «داعش» منها.

من الواضح أن «داعش» وهو يتلقى الخسارة تلو الأخرى سيطرد من الموصل شرَّ طردة، حتى لو كانت المدينة الملاذ الآمن الأخير له في العراق، فقدرة التنظيم على احتلال المدن ستزول، وسيتحول تدريجيًا إلى أحد التنظيمات الإرهابية التي ابتليت بها المنطقة وتمارس إرهابها في السر والعلن.

المعضلة ليست في الحرب ضد بضعة آلاف من الدواعش متوقع هزيمتهم، المشكلة الحقيقية ستظهر بعد تحرير الموصل، نظرًا للسياسات الطائفية التي ورثتها حكومة حيدر العبادي من سلفه نوري المالكي، والتي غدت أكبر من قدرة الحكومة العراقية على السيطرة عليها، فالميليشيا تدين بالولاء للنظام الإيراني وتتحكم فيها طهران للدرجة التي تجعل قاسم سليماني يقود معاركها، كل هذه المخاوف تنذر بكارثة إنسانية على المدنيين في الموصل وتسبب قلقًا للمجتمع الدولي بأكمله، وهو ما ترجمه اجتماع باريس الذي التأمت من خلاله 20 دولة – بينها تركيا والولايات المتحدة ودول الخليج، إضافة إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية – للتحضير للمستقبل السياسي لمدينة الموصل مع البحث عن ضمان لحماية السكان المدنيين في المدينة والقرى المجاورة وتقديم المساعدة الإنسانية، وإن كانت كل هذه الاجتماعات لن تفضي إلى نتائج إيجابية طالما الأرض تتحكم فيها الميليشيات، إلا أنها تقر بأن المشكلة ليست فقط في طرد «داعش»، وإنما أيضًا في أعقاب خروجه من المدينة وسيطرة الميليشيات الشيعية المتطرفة عليها.

ما أقسى معاناة المدنيين في الموصل، من يتخيل مئات الآلاف تحت طائلة العقاب والانتقام، يحملون جريرة جرائم قام بها 5 آلاف مقاتل داعشي حكموهم بالحديد والنار، لا شك أن منتسبي التنظيم سيختلطون بالسكان المحليين بعد هزيمتهم، وسيرتدون ملابس غير التي يرتدونها وينخرطون بين المدنيين، وهنا ستتكرر الانتهاكات التي جرت سابقًا، بل ربما الأسوأ سيشهدها قضاء تلعفر التي يقطنها خليط من الشيعة والسنة والتركمان، في ظل سعي إيران لتعميق نفوذها، عن طريق الحشد الشعبي بالطبع، الذي أعلن بكل صفاقة أنه سيتصدر القوات العسكرية التي ستقود معركتها، وهنا من يستطيع التفريق بين الداعشي والمواطن العادي؟ وهل يمكن الوثوق بميليشيات لديها آلاف الأسباب للانتقام، عندما تبدأ عمليات التحقيق والتدقيق وفق أسس عدوانية وطائفية؟!

كـ«المستجير من الرمضاء بالنار»، هكذا حال الموصليين الواقعين تحت احتلال الدواعش، وكأنه كتب عليهم الوقوع بين مطرقة «داعش» وسندان الحشد، من يدري ربما تكون سيطرة الميليشيات مقدمة لحرب طائفية قاسية تشهدها الموصل ثم تنتقل لما حولها، في ظل تقاعس الحكومة العراقية عن تحديد الجهة التي ستتولى إدارة شؤون المدينة في أعقاب تطهيرها، وهل العالم قادر على استيعاب هجرة أكثر من مليون شخص، في حال تأكدت المخاوف من حالة عدم الاستقرار التي ستتعرض لها المدينة؟!

الأخطاء تتكرر، والأزمة تتعمق، والطائفية تتسع، وفيما العالم يواصل حربًا لا هوادة فيها ضد «داعش»، يغض النظر عن ممارسات الحشد الشعبي وكأنها ليست إرهابية ولا يحزنون. ستظل المعركة مع الإرهاب قاصرة وضعيفة وعاجزة طالما ينظر للإرهاب بحسب طائفته؛ إن كان سنيًا حورب بقوة وعزيمة، وإن كان شيعيًا فالمسألة فيها نظر وألف خط أحمر.

* نقلا عن “الشرق الأوسط”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى