صفحات العالم

معضلة إمبراطوريّة الوسط في الشرق الأوسط/ جوناثن إيال

 

 

يسع الرئيس الصيني شي جينبينغ، النظر بعين الرضا إلى جولته في الشرق الأوسط. ففي أقل من أسبوع، صار أول رئيس لدولة كبرى يزور إيران منذ رفع العقوبات عنها، ويركب أمواج الديبلوماسية الشرق الأوسطية المتلاطمة، فيزور أبرز خصوم إيران، مصر، وهي الأكثر سكاناً في العالم العربي، ويلقى حفاوة الاستقبال. وأبرم شي جينبينغ حيثما حلّ، عقوداً ضخمة مقدارها بلايين الدولارات. وقد يحسب المرء أن الصين، اكتشفت دون غيرها من دول المعمورة، صيغة ناجعة للتعامل مع الشرق الأوسط من دون جبه حروبه وسيل الدماء فيه والانشغال فحسب بالازدهار الاقتصادي. لكن الصين لم تقع على حل سحري. فركن مكانتها في الشرق الأوسط، تفادي مشكلات المنطقة. لكن هذه السياسة قصيرة الأمد. وفي خطابه في مقر الجامعة العربية في القاهرة الأسبوع الماضي، أشاد الرئيس الصيني بعلاقات تعود الى آلاف السنين بالعالم العربي. ولكن، على رغم أن مصر مدّت جسور العلاقات مع الجمهورية الشعبية الصينية في خمسينات القرن الماضي، نأت بنفسها عن بكين في شطر راجح من الحرب الباردة نزولاً على طلب الاتحاد السوفياتي. وتعود العلاقات الديبلوماسية السعودية مع الصين الى تسعينات القرن الماضي، فلطالما نظرت المملكة بعين الارتياب الى الأنظمة الشيوعية. وخلال الثورة الإيرانية في 1979، دعمت الصين الشاه حتى بعدما تركته العواصم الغربية لمصيره.

ولا يعتد بالزعم الصيني أن بكين تستدير ديبلوماسياً الى الشرق الأوسط. فشي زار المنطقة بعد ثلاث سنوات على بلوغه منصبه، على خلاف القادة الغربيين. فإرجاء زيارة الشرق الأوسط ضعيف الصلة بالواقع. وزيارته هي الأولى لرئيس صيني في عقد من الزمن. فعلى سبيل المثل، زار باراك أوباما، الرئيس الأميركي الذي مضى على بلوغه البيت الأبيض 7 سنوات، الشرق الأوسط أكثر مما زاره قادة الصين المعاصرة مجتمعون. وكلام شي جينبينغ عن علاقات ثقافية بالعالم العربي «نابضة بالحياة» هو من قبيل اللغو. فموقع السفارة الصينية في القاهرة لم يجدّد أخباره منذ آب (أغسطس) الماضي.

ولا شك في أن العلاقات الصينية – الشرق الأوسطية تتطور تطوراً سريعاً. والعامل الرئيسي في هذا التغير، الانعطاف في سوق الطاقة: فالولايات المتحدة تحولت من مستهلك للطاقة الى مصدِّر بارز للنفط والغاز الطبيعي. لذا، تسعى الدول المنتجة للنفط في الشرق الأوسط الى بيع نفطها الى الصين. وأبرز دواعي عدم تخفيض معدلات استخراج النفط، على رغم هبوط أسعاره، عدم خسارة الحصص في السوق الصينية. وبكين لا تتوانى عن استغلال مخاوف منتجي النفط والغاز في الشرق الأوسط لاقتناص أفضل الصفقات. وارتفعت معدلات استيرادها النفط السعودي 2 في المئة فحسب في العام المنصرم، في وقت زادت معدلات استيرادها النفط الروسي ثلث ما كانت عليه. وعلى رغم العقوبات، استرضت بكين الجمهورية الإسلامية في إيران من طريق السماح لها بتخزين فائض الغاز الطبيعي الإيراني في مرفأ داليان الصيني، لدى امتلاء الخزانات الإيرانية. وترغب دولة نفطية في الشرق الأوسط في دخول قطاع تكرير النفط الصيني للإمساك بمقاليد سوق الطاقة هناك. والإيرانيون يخفضون سعر نفطهم من أجل استعادة حصتهم في السوق الصينية.

حاجة حكومات الشرق الأوسط الى الصين تحملها على غضّ النظر عما لا تستسيغه. فمرشد الثورة علي خامنئي، دعا الى تمتين العلاقات الأمنية والاقتصادية مع بكين، ودار كلامه على الغرب «المخادع» وغير الأهل للثقة، رغم أن الصين دعمت الشاه، شأن الغرب، وتشتري التكنولوجيا العسكرية من إسرائيل…

وفي مقدور الصينيين الكلام على «الحلول السلمية» و «النتائج المتناغمة» و «استراتيجية ربح – ربح» و «حزام واحد، وطريق واحد» ما شاؤوا، لكن الجيش الأميركي هو من يحرس طرق الملاحة البحرية من الخليج الى الصين، فيسع حاملات النفط العبور آمنة. ومع الوقت، يتعاظم إدراك الصينيين أن بلادهم لا يسعها شراء المواد الأولية من الشرق الأوسط من غير المساهمة في إرساء الاستقرار. وهذا ما أدركوه في أفريقيا. والناظر الى تاريخ بروز القوة النامية، يلاحظ أن القوى النامية لا تترك طرق تجارتها في أيدي قوى أخرى. وقد يسير الصينيون على خطى البريطانيين الذين كان شاغلهم في الماضي نفط الشرق الأوسط، لكنهم سرعان ما أدركوا أن لا مناص من التدخل في السياسات المحلية والسيطرة على الطرق البحرية.

و «الاستدارة (الصينية) الى الغرب»، أي الشرق الأوسط، تقتضي قدرة على بسط النفوذ وموارد تحليل أكبر. فعدد الخبراء الصينيين في شؤون المنطقة قليل. ويضطر الجيش الصيني الى نقل الناطق العسكري الإعلامي الصيني وعدد صغير من الضباط الصينين من بلد شرق أوسطي الى آخر نتيجة الافتقار الى الناطقين بالعربية. وعلى رغم أن القادة في الشرق الأوسط يتكلمون عن علاقات أوثق بالصين، لا يقصدونها لشراء العقارات، بل يشترونها في أوروبا، ويرسلون أولادهم الى الجامعات الغربية. وعاجلاً أم آجلاً، ستضطر الصين الى خيار حاسم: التعاون مع الولايات المتحدة في الحفاظ على توازنات الأمر الواقع الحالية في الشرق الأوسط، أو تحدّيها.

* مراسل، عن «سترايتس تايمز» السنغافورية، 25/1/2016، إعداد منال نحاس.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى