زين الشاميصفحات سورية

معطف زهري في «الحولة»


زين الشامي

من المهن الصعبة اليوم ان تكون سوريا وتعمل في وسيلة إعلام، أي وسيلة إعلام، حيث تنهال عليك صور الموت لشعبك وناسك وأهلك وأقربائك من كل حدب وصوب. من وكالات الانباء، من «اليوتيوب» من «تويتر»… او من خلال صفحات اصدقائك على «الفايسبوك»..

من الصعب والقاسي ان تشاهد فيديو يظهر قريبا لك حملته يوما في حضنك عندما كان صغيرا، ورأيته يذهب للمدرسة عندما صار في السادسة، ورأيته لاحقا يصبح شابا وسيما وقوي البنية… ثم تغيب عنه لداعي السفر أو الهرب من النظام خوفا من الاعتقال لتراه لاحقا بعد سنين في فيديو على «اليوتيوب» غارقا في دمه ومحمولا على الأيدي، شهيدا.

من القاسي والمؤلم ان ترى الشبان في قريتك أو مدينتك، من خلال شاشات التلفزة ومواقع التواصل الاجتماعي، يتظاهرون تحت شرفة منزلك المهجور أو يعدون قرب نافذته، فيما انت ممنوع من دخول بلدك أو زيارته والمرور من قرب ذلك المنزل لتهتف مع أولئك الشبان للحرية أو تستشهد مثلهم.

من المؤلم والقاسي أن ترى صديقك الذي درست معه في الجامعة، ولم تره منذ نحو خمسة وعشرين عاما، من المؤلم ان تراه ثانية على «اليوتيوب» وقد غزا بعض الأبيض شعره، يحمل ولده الذي يبلغ من العمر أربعة عشر عاما مضرجا بدمه ويقول باكيا مكسور القلب ومخاطبا الله والعالم: «يا الله..يا عالميا ناس… ما ذنب هذا الطفل حتى يقتلوه بقذيفة؟» صديقي هذا من مدينة تلبيسة في حمص ولم أجرؤ الى اليوم أن أهاتفه معزيا، أما أنا فلدي أيضا طفل عمره اربعة عشر عاما.

من المؤلم جدا ان يأتيك ابنك الآخر، ذو الـ17 عاما، بوجه حزين ومتألم وانت في الغربة ويقول لك حرفيا باللغة الانكليزية: «أبي لقد قررت أن أذهب لأقاتل جانب أهلنالقد فكرت طويلا… أنت تحجز لي في الطائرة إلى تركيا، ومن هناك أدخل الى ادلب أو جبل الزاويةثم أنضم للثوار» فيما أنت كأب مطلوب منك أن تطلب منه ان يصبر ويكمل تعليمه لأن في ذلك فائدة اكبر لسورية ولقضية سورية ولأن شعبنا ربما يحتاجه في الخارج الآن وليس كمقاتل هناكتقول له ذلك وتعرف تماما أن الذين قتلوا أو في طريقهم إلى الموت لا يقلون غلاوة عن ابنك، لا بل هم اكثر إيمانا وبطولة وشجاعة وتضحية وحبا. من المؤلم أن ترى فيديو عبر اليوتيوب لمجزرة وقعت في جبل الزاوية في أحد الأودية..وأنت تعلم وتعرف ذلك الوادي تماما وأكلت من شجر الكرز والتين والعنب والرمان المنتشر حوله عندما كنت في زيارة لصديق ما في إحدى تلك القرى المتناثرة هناك ولم تتوقع يوما في حياتك أن تصبح تلك القرى خبرا أو أن تصلها مجرد كاميرا فوتوغراف حتىمن المؤلم ان ترى اهلها الطيبون يموتون قتلا في… مجزرة وتراهم مذبوحين على «اليوتيوب».

من الصعب والقاسي والمؤلم جدا أن تعمل في وسيلة إعلام ما وتشاهد كل صور مجزرة «الحولة» في حمص وموت بعض من أهلك وشعبك، من النساء والأطفال، ومن المؤلم، أو ربما الأكثر ألما، أن ترى طفلة بمعطف زهري اللون، بشعر كستنائي ووجه حنطي، عمرها نحو ثمانية أعوام، تراها مذبوحة.. وان يكون عندك طفلة تملك معطفا زهريا مشابها وشعرا كستنائيا بذات الطول ووجهها حنطي وعمرها ثمانية أعوام .مثل ابنتك تماما.

كم هو مؤلم ان تكون سوريا اليوم. كم هو مؤلم أيها العالم أن تتفرج علينا.

الراي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى