صفحات العالم

معنى ما حَدَثَ في الجولان !

 


جواد البشيتي

الولايات المتحدة, وعلى ما بَدَت في عهد إدارتها الحالية بقيادة الرئيس أوباما على وجه الخصوص, تؤيِّد تماماً, ولا تقف ضدَّ, أي حراك شبابي شعبي عربي (وفي أيِّ بلد عربي) إذا ما تحلَّى الثائرون أو المنتفِضون بفضيلة “نَبْذ العنف”, واستمسكوا, حتى النهاية, قولاً وفعلاً, بمبدأ “السلمية” في حراكهم, واحتجاجهم, والتعبير عن مطالبهم, والسعي إلى رَفْع المظالِم عنهم, أي عن الشعب; فـ “العنف”, ومن حيث المبدأ, تَنْظُر إليه القوَّة العظمى في العالم, وهذه الإدارة, على أنَّه “شَرٌّ أخلاقي” ينبغي للشعوب المنتفِضة والثائرة اجتنابه ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً; ويفضَّل أنْ تجتنبه على وجه الإطلاق.

ولَمَّا شرح الرئيس أوباما مناقب ومزايا الثورات الشعبية الديمقراطية العربية, وفي تونس ومصر على وجه الخصوص, خصَّ بالذِّكْر والثناء والمديح طابعها السلمي, مؤكِّداً, في هذا الصَّدد, أنَّ تلك الثورات أقامت الدليل الحي على ما أسماه “القوَّة الأخلاقية (الهائلة) لنَبْذ (الشباب الثائر) العنف”; ولا شكَّ في أنَّ الرئيس أوباما أراد أنْ يفسِّر “إيجابية” موقف إدارته من الثورات العربية (والتي تحتاج إلى تفسير آخر) على أنَّها بعضٌ من معاني وأوجه تلك “القوَّة الأخلاقية”.

لكن, يبدو أنَّ إدارة الرئيس أوباما تتوفَّر الآن على اكتشاف بعض “الاستثناءات” لتلك “القاعدة (“القوَّة الأخلاقية لنبذ العنف”)”; فإنَّنا لم نرَ في مواقفها من الحراك الشعبي الفلسطيني والعربي السلمي على الحدود السورية واللبنانية مع إسرائيل في ذكرى “النكبة”, وذكرى “النكسة”, ما يَعْكِس “القوَّة الأخلاقية لنبذ العنف”; وإنَّنا لا نتجنَّى عليها إذا ما قُلْنا إنَّنا رأيْنا في مواقفها (ومنها اللاموقف) تلك ما يعكس إيمانها وثقتها بـ “القوَّة الأخلاقية للعنف الإسرائيلي (وللإفراط في هذا العنف) ضد هذا الحراك الشعبي السلمي من أَلِفِه حتى يائِه”; وكأنَّ العنف (إذا ما مارسه العرب ولو عن اضطِّرار) هو “الرذيلة”; أمَّا إذا مارسته (وأفرطت في ممارسته) إسرائيل ضدَّ هذا الحراك الشعبي العربي السلمي (أي من غير أنْ تكون مضطَّرة إلى ذلك) فإنَّه يغدو, بالشعوذة السياسية, “الفضيلة (بعينها)”!

في ذكرى “النكسة”, وعلى المحرَّر من أرض الجولان, أي في الجانب السوري من الحدود مع إسرائيل, تصدَّى الجيش الإسرائيلي لمئات من الشبَّان الفلسطينيين والسوريين السلميين, فأطلق عليهم النار, عملاً بأمْرٍ من رئيس الحكومة الإسرائيلية, متسبِّباً بقتل العشرات منهم, وجَرْح المئات, على مرأى ومسمع من العالم أجمع, ومن إدارة الرئيس أوباما أيضاً; فَلَمْ يَصْدُر عن هذه الإدارة من المواقف (ضدَّ هذا العنف الإسرائيلي غير المبرَّر) ما يَعْكِس إيمانها بـ “القوَّة الأخلاقية” لالتزام أولئك الشبَّان مبدأ “نبذ العنف” في حراكهم القومي ضد الاحتلال الإسرائيلي.

سأفْتَرِض أنَّ هؤلاء الشبَّان (أو بعضهم) قد اجتازوا الحدود (في الجولان) ووصلوا إلى تل أبيب, وتجمَّعوا هناك, وشرعوا يهتفون ضد الاحتلال الإسرائيلي, أو ضدَّ إسرائيل نفسها; فهل في هذا التطوُّر (الافتراضي) ما يُبرِّر إطلاق النار عليهم, وقتل وجرح العشرات والمئات منهم?!

حتى “الدفاع (المعنوي) عن السيادة (والحدود)” هو زَعْمٌ لا يَصْلُح أبداً تبريراً لارتكاب إسرائيل هذه الجرائم في حقِّ شبَّان عرب سلميين لا يَمْلِكون (ولا يستخدمون) من “سلاح” إلاَّ “حناجرهم” و”قبضات أيديهم” و”صدورهم العارية”!

ومع ذلك, أجِدُ للمجرم الإسرائيلي (وللساكت عن جرائمه في إدارة الرئيس أوباما) عُذْراً; وفي هذا العُذْر أجِدُ كثيراً من معاني “القوَّة الثورية (والسياسية)” للحراك الشبابي الشعبي الفلسطيني والعربي السلمي ضد الاحتلال الإسرائيلي, وضدَّ إسرائيل نفسها, والذي يتَّخِذ من الحدود العربية مع الدولة العبرية مَقَرَّاً له (و”مَمَرَّاً”) عمَّا قريب, أو في المستقبل; فالجيش الإسرائيلي يتصدَّى الآن بالذخيرة الحيَّة لمئات من الشبَّان الفلسطينيين والعرب, درءاً للأسوأ, وهو أنْ يَجِد هذا الجيش نفسه في مواجهة مئات الآلاف (والملايين) من الشباب العربي الثائر الذي ما عاد يخشى الموت, يحتشدون على الحدود (وبعضهم جاء من مصر الثورة, عابراً قطاع غزة, ليحتشد على حدوده الشمالية والشرقية مع إسرائيل) محاولين اختراقها.

في عصر ومناخ الثورات العربية (أو في هذا “الربيع العربي”) يمكننا وينبغي لنا أنْ ننظر إلى هذا التطوُّر الافتراضي, أو المحتمل, على أنَّه أمْرٌ أصبح أقرب إلى “الواقعية السياسية” منه إلى “الطوباوية السياسية”; فإذا حَدَثَ هذا الذي تخشاه إسرائيل, وتتطيَّر منه, فإنَّ أحداً لا يمكنه, عندئذٍ, توقُّع العواقب المترتبة عليه, إسرائيلياً وعربياً ودولياً.

إنَّني أتوقَّع أنْ يأتي الحراك الشبابي الشعبي العربي الديمقراطي السلمي في اتِّجاه نَيْل الشعب سيادته السياسية الفعلية بما يسمح لعشرات ومئات الآلاف من المواطنين العرب في الدول المجاوِرة لإسرائيل بالتَّجمُّع والاحتشاد والاعتصام والتنظيم في “ساحات (وميادين) حدودية”, أي تُسْتَحْدَث في الجانب العربي من الحدود, فَتَظْهَر, من ثمَّ, إلى الوجود (السياسي) قوى ضغط شعبي عربي (تشبه جيشاً من الشعوب على الحدود) ضدَّ إسرائيل, وضدَّ كل سياسة (أو موقف) عربية يمكن أنْ تُكسبها مزيداً من القوَّة في مواجهتنا; فإنَّ من الحماقة بمكان أنْ يُفْهَم الحراك الشعبي الديمقراطي العربي, ويُفسَّر, على أنَّه حراك لا يَضْرب جذوره عميقاً في العداء الشعبي العربي القومي لإسرائيل, ولكل من يناصرها وينتصر لها ضدَّنا.

الغد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى