سمر يزبكصفحات سورية

مع الإنتفاضة حتى العظم.

 


سمر يزبك

رسالة وردتني من صديق “مثقف” كاتب يقول فيها: “والله يا سمر لو نزلت الشارع وشفت الناس اللي بتطلع مظاهرات كنت  غيرت رأيك بما يحدث في سوريا وقلت هدون زعران “

وانا أقول له دون ذكر اسمه، حتى لا يلوثه التاريخ، إلا إذا أراد أن يعلن ذلك صراحة، بأني نزلت التظاهرات في بداية حركة الإحتجاج، ورأيت بأم عيني  الناس  الشرفاء العزل المسالمين الذين ينزلون الشوارع، ورأيت بأم عيني تمرغ  غالبية النخبة المثقفة في سوريا في الوحل، وكيف خانت دورها التاريخي في الحياة، ولم تستطع أن ترقى إلى مستوى  الانسانية الفريدة، التي وجدتها لدى المتظاهرين على اختلاف أطيافهم، سواء من الإسلاميين أو العلمانيين.

في دوما  وأثناء حصارها في بداية حركة الاحتجاجات، كنت  أدخل إليها من البسايتن مع سائق شاب، تركت السيارة وتوغلت في الأزقة، وكانت مجموعات من رجال دوما كل منهم يقف في  زقاق، وأمام كل زقاق كان هناك  جيش صغير من الأمن والعسكر والشبيحة. كان الرجال ينتظرون الوقت للانضمام الى التظاهرات، واحد منهم رآني عن بعد، فأشار بيده إلي لأعود. عدت، وأنا أخرج من الزقاق، وجدته أمامي، وقال لي بالحرف: “يا اختي، خليك هون وسأرسل اليك ولداً يدلك، اذا مسكوكي والله ما رح يتركوكي”

الرجل لم ينظر في عيني مباشرة، وضع يده على صدره وانحنى برأسه، ولم يسألني، من أنا، وكنت سافرة وأرتدي الجينز، بعد قليل وصل ولد، ودلني على الطرقات، وقال لي ” إذا لزمك شي أبي قللي اخدك لعند النسوان”  قلت له بغصة: بدي سلامتك. الولد قال لي: “إذا جوعانة أمي  عاملة غدا” ذهبت الى بيت  الولد، وجلست مع أمه وشقيقاته، كن محجبات، عقولهن كانت منفتحة، تناقشنا طويلاً بالمطالب، وضحكنا رغم حصار دوما والخوف خارج جدران المنزل، وصرنا أصدقاء. ثم اجتاز الولد الأزقة الخطرة،  وآتى بالسائق ، ليأكل، وبعد ذلك عاد بنا من نفس الأزقة.

هؤلاء هم الزعران؟ الولد الذي كان سعيدا بوجود ضيفة في بيته الفقير، كان نحيلا، ثيابه مهلهلة، ووجهه شاحب، وعظامه ناتئة، لحظتها وانا انظر اليه قلت لنفسي: “أنا مع  هؤلاء الناس حتى العضم” عظامهم الناتئة من الجوع والحاجة.  هؤلاء الفقراء الذين يخرجون من أكثر احياء دمشق فقراً، هل هم الزعران  أيها المثقفون السوريون؟  هل سيخرج إلى الشارع  إلا الفقراء ؟  هل تريدون أن يلبس المتظاهر بدلة ” بيير كاردان” وحذاء لامع؟ هل تريدون أن يقف ويتحدث بهدوء وسلاسة بعبارات منمقة، بعد أن  يقتل كل يوم، وبعد أن تحبل الجنازات بالجنازات؟

هل فكر واحد منكم، لو أن الطفل حمزة الخطيب هو ابنه؟

يحق لأي كان ان يؤمن بالله ودياناته الثلاث.

يحق لأي كان أن يكون ملحداً.

ويحق لنا قبول الاختلاف مع أي  كان.

لايحق لأحد سلب حياة إنسان، أوتجويعه وإهانته وإذلاله

ما لايحق لنا ان نقوله الآن، ان الناس التي خرجت تطلب الحرية والكرامة والخبز هم زعران!

اصمتوا على الأقل، ولا تشاركوا في الجريمة الكبرى، التي تقتل الشعب السوري.

التاريخ لن يسامحكم.

أنا  من هؤلاء الزعران وأنحني لهم، ولدمائهم، ومعهم  حتى تحقيق مطالبهم، وأتشرف بهم واحداً واحداً، وواحدة واحدة.

 

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. تحية لكل انسان اراد العيش بكرامة وحرية، تحية لأحرار سوريا الذين تحدوا الخوف وطالبوا بإنهاء القمع الوحشي ضد الأبرياء العزل.

  2. اخي وهران خلينا ارقى من هذا الذي لا يعرف الا لغة السب والقذف ولنرقى الى مصاف القيمة الانسانية التي تحترم الانسان لكونه ذو مشاعر واحاسيس لنحلم بذلك اليوم الذي يبتسم فيه الموظف للمواطن ولا ينظر الى مافي يده ليرشيه مقابل اداء واجبه ويحنو الضابط على المجند ليعلمه حب الوطن وليس ليقبض منه مالا ليعطيه اجازة ويهتم المعلم بتلميذه ليعلمه لا ليعرض عليه دروسا خصوصية ووووووو الخ هل سنصل الى هذا ؟لا ادري لكن لا عذر لنا ان لم نحاول

  3. سيدتي كل التحية لك ننحني لكل الابطال الذين يواجهون الطغيان والذل والالة الهمجيةللنظام الهمجي البربري في داخل سوريا قلوبنا معهم

اترك رداً على سلمية إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى