صفحات سورية

مع رفع حالة الطوراىء وضد إلغاء قانون الطوراىء

 


المحامي ميشال شماس – كلنا شركاء

اتسعت دائرة النقاش والجدل  حول إلغاء قانون الطوراىء أم رفع حالة الطوراىء  بين مؤيد ومعارض  في ظل ما تشهده سورية من حراك سياسي وتوتر بلغ حداً ينذر بخطر شديد على مستقبل سوريا وشعبها لاسيما بعد سقوط المزيد من الشهداء والجرحى، حيث بات الأمر يحتاج إلى مزيد من الحكمة والتعقل والسرعة في وضع الإصلاحات التي أُعلن عنها موضع التنفيذ قبل أن تنزلق الأمور إلى مزالق خطرة لا نتمنى أبداً الوصول إليها.

في هذا الجو المشحون طرحت وسائل الإعلام الرسمية المقروءة والمسموعة والمكتوبة موضوع إلغاء قانون الطوراىء للنقاش العام فعقدت الندوات واستطلعت آراء عدد كبير من المواطنين المهتمين والعاديين لبيان رأيهم في هذا الأمر في سابقة لم تشهدها البلاد من قبل.. وهي لم تكن لتحصل لولا هذا الحراك السياسي الذي نشهده اليوم المطالب بوقف العمل بقانون الطوارئ وتفعيل الحياة السياسية في البلاد.. فتعددت الآراء والمواقف  بين مؤيد لبقاء حالة الطوراىء والقانون المنظم لها وبين مؤيد لرفع حالة الطوراىء وبقاء قانون الطوراىء ، وبين من يطالب كلياً بإلغاء قانون الطوراىء واستبداله بقانون جديد أطلق عليه البعض ” قانون مكافحة الإرهاب “.  واختلطت الأمور لاسيما بعد ارتفاع منسوب التوتر والقلق لدى السوريين بسبب الأحداث التي تشهدها البلاد وارتفاع عدد الشهداء وما يُحكى عن “عصابات مسلحة” وانتشار “اللجان الشعبية” في عدد من شوارع المدن وأحيائها لحماية الأمن والنظام بعد غياب غير مبرر لعناصر الشرطة المكلفة بحفظ الأمن، كل ذلك دفع الكثير من السوريين إلى المطالبة بالإبقاء على حالة الطوراىء لظنهم واعتقادهم أن حالة الأمن والآمان التي كانت تنعم بها سورية قبل الخامس عشر من شهر آذار يعود الفضل فيها إلى حالة الطوارئ المفروضة  منذ عام 1963. فيما اقترح البعض بحصر تطبيق حالة الطوارئ على الأقل في المجال الاقتصادي ومكافحة الفساد والرشوة..

وللتوضيح فقط نقول إن حالة الأمن والأمان التي كان ينعم بها السوريون قبل الخامس عشر من آذار والتي نأمل استعادتها من جديد في أقرب وقت، ليست ناتجة بالتأكيد عن فرض حالة الطوارئ ، بل تعود بالدرجة الأولى إلى طبيعة الشعب السوري المسالمة، وإلى التنوع الفريد في المجتمع السوري الذي أضفى حالة من التعايش والتسامح بين مختلف أطياف المجتمع السوري المتعدد والمنفتح وهذه الميزة هي التي جعلت السوريون يعيشون بسلام ووئام وإخاء بعيداً عن حالة العنف التي نشاهدها في غير بلد عربي . وهذه الميزة هي التي جعلت فارس بيك الخوري يعتلي رئاسة مجلس الوزراء في سوريا في الخمسينات من القرن الماضي، وهي التي دفعت الشهيد جول جمال للتضحية بنفسه دفاعاً عن مصر خلال العدوان الثلاثي عام 1956 .. أجل هذه الميزة هي التي جعلت السوري المسلم يسكن بجوار المسيحي في بناية واحدة، وجعلت العربي والكردي والشركسي والأرمني والأشوري والتركماني يتعايشون في حي واحد.. ففي سورية نادراً ما تشاهد أحياء مغلقة.. حتى في القرى والبلدات الصغيرة تجد المسيحي إلى جوار المسلم وتجد الكردي إلى جوار العربي .. هكذا هي سورية لوحة فسيفساء جميلة متناغمة ومنسجمة مع بعضها البعض ولا علاقة لفرض حالة الطوارئ بتشكيل هذه اللوحة..

أما فيما يتعلق بمحاربة الفساد والرشوة فأعتقد جازماً أن استمرار فرض حالة الطوارئ قد شجع الفساد على الانتشار، وسمحت لعناصر الأمن التدخل المباشر في أدق تفاصيل حياتنا دون حسيب أو رقيب، كما سمحت بإضعاف سلطة القضاء العادي لمصلحة التوسع في صلاحيات القضاء الاستثنائي،  وسمحت بالتدخل في شؤونه إلى الحد الذي جعلته يقف عاجزاً في حالات كثيرة عن محاكمة رموز الفساد.. خلافاً لما نص عليه الدستور السوري من أن القضاء المنصوص عليه في الدستور هو صاحب الولاية الكاملة والاختصاص الشامل في البت بمختلف المنازعات بغض النظر عن طبيعة القضية والأفراد المتنازعين.. وهو القضاء الذي أناط به الدستور وحده أمر تحقيق العدالة مستقلاً عن السلطة التنفيذية والتشريعية.

إنني والكثير من السوريين لا نطالب بإلغاء قانون الطوارئ ، بل إن مطلبنا الرئيسي ينحصر برفع حالة الطوارئ  حتى يتسنى لنا العيش بحرية وبشكل طبيعي، بما يسمح لنا اللجوء إلى القاضي الطبيعي المنصوص عليه بالدستور، ويسمح لنا بمقاضاة رجل الأمن ومحاسبته إذا تجاوز صلاحياته..ويسمح لنا بتنظيف بيتنا من الفساد والمفسدين والمتسلطين.. وأن نعبر عن رأينا بحرية والمشاركة في إدارة شؤون البلاد بصرف النظر عن السياسة والدين واللون والجنس والعرق.

إننا نريد الإبقاء على قانون الطوارئ وتعديله بما يحفظ أمن الوطن وكرامة المواطن  أسوة ببقية دول العالم ، نلجأ إليه حين تدعونا الحاجة، كما في حالات الضرورة كحالة اندلاع حرب أو وقوع كارثة عامة أو فوضى قد تهدد أمن البلاد، فقط عند حدوث إي حالة من تلك الحالات تفرض حالة الطوارئ  استناداً للقانون المنظم لها لمواجهة تلك الحالات ومعالجتها بالسرعة الممكنة، في وقت محدد ومكان محدد ، ترفع بعدها حالة الطوارئ وتعود الحياة العامة إلى طبيعتها المعتادة..

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى