صفحات العالم

مغالطة نظرية “الذئب الوحيد”/ ألكس راول

 

 

أدلّة جديدة تظهر أنّ اعتداءات أوروبا مخطّطة ومدارة من عاصمة داعش السورية، ما يجعل عملية إيقافها أصعب بكثير

انتحاريو أوروبا

عندما اسُتئنِفت الاعتداءات على الأراضي الأوروبية عقب صعود الجهادية في سوريا، كان الاعتقاد السائد بأنّ منفّذي هذه الاعتداءات عبارة عن “ذئاب وحيدة”، أي أفراد مستقلّون تُحرِّكهم عن بعد البروباغندا الإعلامية المنتشرة عبر الإنترنت لمجموعات مثل الدولة الإسلامية في العراق والشام، لكن بدون أي علاقات تنظيمية رسمية تجمعهم بها.

على سبيل المثال، قيل إنّ المواطن الفرنسي مهدي نموش، الذي أردى أربعة مواطنين في المتحف اليهودي في بروكسل في أيار 2014، نقلاً عن مكتب المدعي البلجيكي، إنّه “على الأرجح عمل بمفرده”. واستمر وصف نموش في التقارير الصحافية “بالذئب الوحيد” لأشهر بعد اعتدائه، على الرغم من الكشف بأنّه أمضى عاماً يقاتل الى جانب داعش في سوريا. غير أنّ الاتفاق العام في أوساط المحللين السياسيين والأمنيين هو بأنّ داعش (على خلاف القاعدة) اتجّه خطأ نحو استهداف مدن غربية، وهو الذي يفضّل التركيز على بناء “خلافة” في سوريا والعراق، وقتال الشيعة والطوائف المسلمة الأقلية الأخرى الأقرب اليه.

إلاّ أنّ الاعتداءات الدراماتيكية الأخيرة في بروكسل وباريس، التي قتلت 165 مدنياً من ضمنهم المعتدون، أظهرت بأنّ نظرية “الذئب الوحيد” قائمة على أسس غير صحيحة وخطيرة. فكما تبيّن من خلال تحقيق مفصّل في النيويورك تايمز نُشر الأسبوع الماضي، يبدو بأنّ كافة الاعتداءات الجهادية الكبيرة في أوروبا منذ عام 2014، ومن ضمنها إطلاق النار في المتحف اليهودي في بروكسل، كانت مُدارة ومخطط لها بدقة من قبل قيادة داعش في عاصمتها السورية في الرقّة، ومنفّذوها حصلوا كلهم تقريباً على تدريب وخبرة في القتال ضمن صفوف الجهاديين داخل الأراضي السورية (الاستثناء الوحيد هو مجزرة شارلي ايبدو في باريس في كانون الثاني، التي نُفّذت بالتنسيق مع القاعدة التي تأخذ من اليمن مقراً لها في شبه الجزيرة العربية، على الرغم من أنها هي أيضاً ليست مبادرة من قبل شخص واحد).

وبالفعل فإنّ الاعتداءات الأساسية الخمسة حتى الآن نُفذت بواسطة خلية واحدة تابعة لداعش، وذلك وفقاً لتقرير التايمز. واعتبرت الصحيفة بالاستناد الى “مرافعات في المحكمة، ومستندات تحقيقات وتسجيلات اتصالات هاتفية أوروبية” بأنّ كل عميل، بدءاً من نموش وصولاً إلى الانتحاريين في مطار زافنتام في بروكسل ومحطة مترو مالبيك الشهر الماضي، كان له صلات بالمواطن البلجيكي عبد الحميد أباعوض، وهو مسؤول في داعش قسّم وقته بين سوريا وأوروبا.

أباعوض هو الذي أرسل سيد أحمد غلام لإطلاق النار في كنيسة جنوب باريس في نيسان 2015 (قتل امرأة قبل أن يُلقى القبض عليه)، وأرسل أيوب الخزاني لإطلاق النار على أحد القطارات المنطلق من أمستردام إلى باريس بعد أربعة أشهر (أوقفه الركاب بعد أن جرح ثلاثة أشخاص). وأباعوض قام شخصياً بتدريب مجنّدين في سوريا، مثل رضا حام، الذي ألقي القبض عليه في باريس في آب 2015 قبل أن يتمكن من تنفيذ اعتدائه.

أما أسوأ ما اشتهر به أباعوض فهو قيادته فريقاً يضم 9 معتدين على الأقل في باريس في تشرين الثاني 2015، مطلقاً هو نفسه النار على روّاد مطعم قبل أن يهرب. وعلى الرغم من أنّه قُتل في مداهمات في باريس بعد خمسة أيام، فإنّ شريكه صلاح عبد السلام استطاع الفرار في بروكسل لأربعة أشهر. واعتقال عبد السلام أخيراً في 18 آذار يُعتقد بأنّه كان المسبّب والمسرّع في حصول اعتداءات المترو والمطار بعد أربعة أيام.

في هذا السياق، قال محللون لـNOW إنّ حقيقة أن أبرز أعضاء خلية أباعوض باتوا إمّا في عداد الأموات أو قيد الاعتقال لا يعني ولا بأي شكل من الأشكال بأن خطر داعش قد تراجع. فمن جهة، لا يزال عملاء بارزون آخرون مثل سليم بن غالم – الذي قال لـNOW عنه مايكل ويس، صاحب كتاب “داعش: داخل جيش الارهاب”، إنّه الرأس المدبر لاعتداءات باريس، والذي هو اليوم “رئيس العمليات الأوروبية لداعش”- طليقين في سوريا.

من جهة أخرى، تم تدريب أكثر من 400 مقاتل في داعش وإرسالهم الى أوروبا لتنفيذ اعتداءات فيها، وفقاً لمسؤولين أمنيين كما نقلت صحيفة “أسوشييتد برس” الأربعاء الماضي.

“لو كنتُ أقوم برهان، لقمتُ به على التهديد الذي لم يحصل بعد”، قال لـ NOW دافيد غارتنستاين روس، المسؤول الكبير في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات.

بالفعل، مع تحوّل الاعتداءات على الأراضي الأجنبية جزءاً لا يتجزأ من أهم عمليات داعش، سوف يستمر التهديد لأوروبا طالما أن داعش موجود، كما قال محللون.

“المنظمة تنقسم الى شعبتين”، قال ويس لـNOW، “لا تزال منظمة واحدة، لكن في الواقع لدينا جيشان مختلفان. واحد هو جيش المشاة المؤلّف من قادة المعارك وداعش الداخلية، والأمن الداخلي، والـ FBIالخاص بهم، وزارة داخليتهم، وإلى ما هنالك. ومن ثم لدينا الاستخبارات المركزية لداعش، وقيادة العمليات الخاصة لداعش إذا صحّ القول، لأنّه في الحقيقة ما يقوم به هؤلاء غير مهني، ولكن كذلك ليس عمل هواة”.

بما أنّ داعش لا يبدو بأنّه سيمضي بعيداً في أي وقت قريب، لا يزال الكثير أمام الدول الأوروبية لكي تخفّف من تهديده، كما يقول محللون. بالنسبة لويس، الأولوية هي “ايقاف الناس من الذهاب من أوروبا للانضمام الى الجهاديين قبل أي شيء آخر”- وهو أمر يقول إنه كان سهلا جداً في السنوات الأخيرة. مثلاً، يقول ويس إنّ أباعوض جنّده خالد الزرقاني المعروف باسم “بابا نويل”، وهو جهادي مخضرم دفع لعشرات البلجيكيين تكاليف رحالتهم الى سوريا في حين كان “يختبئ بكل وضوح في بروكسل، عاصمة أوروبا”.

من جهته رأى غارتنستاين روس في تقرير أخير بأن على الدول الأوروبية تبنّي ما يدعوه “مثال الكابون” لإغلاق شبكات الجهاديين الداخلية، في إشارة الى العصابة الإجرامية الأميركية التي جرت محاكمتها في النهاية بعد سنوات من الإفلات من العدالة، على خلفية تهرّبها من الضرائب، وهي تهمة بسيطة نسبياً مقارنةً بباقي التهم.

“عليهم تثبيت الشبكات الجهادية فوراً”، قال غارتنستاين روس لـNOW، “فإذا كان أحد ما متورّطاً في جرائم مالية غير كبيرة، وفي تجارة المخدرات والى ما هنالك، يُقبض عليهم على خلفية هذه التهم […] هذا ليس حلاً كاملاً، ولكنّه يعالج المشكلة المباشرة”. غير أنّه على المدى الطويل، تبقى الأولوية هي هزيمة الجماعة بشكل كامل في ملجئها الآمن، كما قال غارتنستاين روس.

“الأهم هو التأكّد من أن يخسر داعش وجوده في سوريا”، كما قال لـNOW، وختم روس: “الحقيقة هي أنّ عندما يكون لديك مجموعة ارهابية تتمتع بما تتمتع به الدولة لجهة الأراضي التي تسيطر عليها في سوريا، فهذا يجعلهم أكثر فعالية بكثير في العمليات، نقطة على السطر”.

هذا المقال ترجمة للنص الأصلي بالإنكليزية

(ترجمة زينة أبو فاعور)

لبنان ناو

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى