صفحات العالم

مفاجأة واشنطن الاتصال المباشر بالمعارضة السورية والتلميح الى إغراق طهران في مستنقع المشرق العربي سام منسّى *

 

يعتبر مراقبون أن جولة وزير الخارجية الأميركي جون كيري على المنطقة وما صدر عنه من مواقف وتصريحات قد تحدّ من منسوب «التشاؤم» من أداء السياسة الخارجية الأميركية الذي يسيطر على أجواء الكثير من المراقبين والمحللين السياسيين، كما يعتبر آخرون أن واشنطن بصدد التفكير بمراجعة سياستها بعدما تبين أن حجم الأضرار الناجمة عن «انحسار» الانخراط الأميركي في ملفات المنطقة، قد يكون أكبر من تداعيات «التورط»، فيما لو قُدّر لواشنطن الانغماس في صراعات المنطقة.

كيف يمكن تلمس التغيير إذا كان صحيحاً ومتابعة خطواته المتدرّجة؟ وما هي حقيقة الأجواء التي سادت دوائر القرار ودفعت بالرئيس الأميركي باراك أوباما إلى تغيير موقفه خلال أقل من شهر من الأزمة السورية تحديداً؟ وهل أدّت إلى ما يمكن وصفه «بالتغيير»؟

رُبّ قائل إن ما اعترض عليه أوباما، عندما عرض عليه فريق الأمن القومي السابق مشروع تسليح المعارضة السورية، عاد ووافق على خلاصاته مع فريقه الجديد الذي لا يزال في طور الاكتمال.

وما يمكن الجزم به، هو أن اعتراض أوباما لم يكن أكثر من تأجيل بانتظار انتهاء المعركة الانتخابية، فيما أثبتت الوقائع أن «نقزة» أميركية ما، قد تكون عجلّت في هذا التعديل.

وقد برهنت الولايات المتحدة على قدرتها على إحداث فارق في السياسة الدولية، حتى من دون «ديبلوماسية مسلحة»، إذا كانت راغبة في إيصال رسائلها السياسية الدولية.

لا نحتاج إلى كثير عناء لنعتبر أن كيري أبلغ المعنيين أنّ الغطاء عن نظام الأسد قد رُفع نهائياً ولا يفكرن أحد في أي نوع من التسويات التي تضمن له البقاء. غير أن التطور النوعي الأبرز في الموقف الأميركي من الثورة السورية يكمن وللمرة الأولى في مخاطبة الجيش الحر والمعارضة السياسية مباشرة، عبر الإعلان عن أن المساعدات الأميركية ستصلهم من الآن فصاعداً في شكل مباشر، ومن دون أي وساطة أو وسيط… ما يعني أن الأدوات الإقليمية التي كانت تشكّل قنوات «الاتصال» مع المعارضة السورية باتت مضطرة لتغيير تعاملها وإعادة تموضعها، وفق هذا التطور الأميركي.

أهمية الحديث عن خطط تسليح وتدريبات عسكرية في دول الجوار، وتحديداً مع القوى التي يمكن الوثوق بها في المرحلة المقبلة، تكمن في أنها تعكس محاولة أميركية لإحداث تغيير في المناخ السائد وبسرعة كبيرة، بدءاً من سورية التي تُعدّ اليوم النقطة المركزية للتوترات التي تشهدها منطقتنا. وبعيداً من تضخيم مقصود لحجم التيارات الأصولية والسلفية المقاتلة في سورية الآن، لا بد من الأخذ في الاعتبار المعلومات الاستخبارية التي نشرت أخيراً، والتي تؤكد أن أخطاراً عدة باتت تهدد المرحلة المرحلة فيما لو قُدّر لتلك القوى، سواء كانت سنية أم شيعية، أن تسيطر على مصادر السلاح وعلى مستـقبل الـصراع في سـورية. الأمـر الذي يدخل المنطقة بكاملها في تحديات لا يفيد معها أي نوع من الاستدراك. على الأقل هذا ما كشفه الإسرائيليون أيضاً. وعندما نتحدث عن إسرائيل، فقد لا نحتاج إلى جهد كبير لمعرفة الأولوية التي تبديها واشنطن لأمنها وانعكاس ذلك على صناعة القرار في واشنطن.

تفيد المعلومات أن جهداً أميركياً حثيثاً قد بذل لإقناع الشركاء الخليجيين بموقفه من جماعات الثورة السورية. وأعلن كيري في شكل واضح أن المساعدات يجب أن تتجه إلى القوى «الجيدة»، كذلك يجب منع الأسلحة عن الأطراف السيئة، سواء كانت هذه الأطراف مع النظام أو المعارضة، كما قال.

وهناك حراك سياسي خليجي يتناول غير ملف إقليمي، خصوصاً ملف العلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين، بنسخهم المتعددة والجماعات الأخرى، من مـصر إلى تونـس إلى سـورية وإلى أي مكان آخر.

ولعل ما جرى خلال زيارة كيري إلى مصر يظهر أن سياسة أميركية معدّلة هي في طور التبلور تجاه المحصلة الإسلامية التي انتجتها دول الربيع العربي. وتحتل مصر بهذا المعنى الموقع الرئيس، فالأداء السيء لحكم الأخوان المسلمين في مصر والتداعيات الناتجة منه والتي أدخـلـت مـصر في حال من الاضـطراب والـعنف واللااسـتقرار تحتاج إلى عناية فائقة. وقد تكون، مع تفاعلات الحدث التونسي بعد اغتيال شكري بلعيد، وراء «النقزة» الأميركية، حيث تقول أوساط أميركية إنه لا يمكن اختصار العلاقة مع أكبر دولة عربية في مسار واحد أو ضمن سياسة واحدة، فهناك أكثر من اعتبار يدخل في تقييم العلاقة الأميركية مع مصر، من الموقع إلى الدور إلى العلاقة مع إسرائيل، إلى دول الخليج وإيران.

الوعد الأميركي ببدء الإفراج عن المساعدات وصولاً إلى رفع كل التجميد الذي فرضه الكونغرس على تقديم المساعدات إلى مصر، كان مقروناً، وبشكل لا لبس فيه، بضرورة تغيير الأداء السياسي، سواء عبر استعادة الثقة والتوافق السياسي بين المكونات المصرية، أو عبر الانخراط في إصلاحات تعيد الثقة بالاقتصاد المصري.

لم يصل الأمر حتى اللحظة إلى رفع الغطاء السياسي عن العلاقة التي اتهمت بها الإدارة الأميركية مع إسلاميي الربيع العربي، خصوصاً أن هؤلاء قد جاؤوا عبر «صناديق الاقتراع»… إلا أن إدراك المجتمع الدولي بأن أسلمة المجتمعات العربية سياسياً، لا سيّما على طريقة «الإخوان» في مصر، لا يمكن أن يصب في مصلحة الاستقرار الدولي أو التنمية أو الأمن في المنطقة.

قد نحتاج إلى مزيد من الوقت لإدراك الفارق الذي تسعى الإدارة الأميركية إلى إحداثه مع دول الربيع العربي. غير أن إبقاء ملف العلاقة مع إيران مبهماً، تحت أي مسمى، لا شك في أنه يثير أيضاً مخاوف كثيرة، خصوصاً في دول الخليج الذي تعتبره ملفها الرئيس. هناك شيء غامض يحتاج إلى توضيح لمعرفة ما الذي تخطط له إدارة الرئيس أوباما مع إيران.

عندما أعلن الإيرانيون قبيل بدء اجتماعات كازاخستان أنهم يرغبون في نقاش الوضع في «سورية والبحرين» إلى جانب ملفهم النووي وبالتوازي معه، كانوا يعلنون صراحة مقاصدهم من كل ما يجري… ما هو موقعهم ودورهم الإقليمي؟ وما هو الثمن الذي سينالونه من المجتمع الدولي؟

وعلى رغم التصريحات المتفائلة التي صدرت، سواء من طهران أو واشنطن، بأن تقدماً ما قد حصل في محادثات «الماآتا»، إلا أنه لا يمكن الجزم بأن التسوية باتت جاهزة بين الطرفين. وتجدر الإشارة في هذا الشأن إلى عدم إغفال التباينات التي بلغت حدّ الخلاف داخل أوساط الحكم في إيران بالنسبة إلى العلاقة مع واشنطن ومستقبلها.

فإذا كان موقع إيران الإقليمي يقترن بالأوراق التي تستطيع تحريكها، فان تصاعد حدّة الصراع في سورية وحولها لا يوحي أنه سيكون جائزة ترضية لها. بل قد يكون الأمر معكوساً تماماً، لناحية أن يكون المستنقع السوري واللبناني والعراقي المشترك، هو المكان الذي ستدفع منه طهران أثمان سياسة تضخيم الذات والقدرات التي تمارسها منذ سنوات. من دون أن نغفل أن ثمناً آخر ستدفعه واشنطن بدورها، علماً أن لا أحد يمكنه أن يجزم ما هو هذا الثمن وأين سيدفع؟ هل تظهر زيارة الرئيس الأميركي المقبلة الصورة بشكل أكثر وضوحاً، تأسيساً على الملامح التي رسمتها زيارة وزير خارجيته؟

* إعلامي لبناني

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى