صفحات مميزة

مفاوضات “جنيف 4” مقالات مختارة

 

تمثيلية المفاوضات.. سورية على طريق فلسطين/ برهان غليون

لن يتقدّم السوريون خطوة واحدة إلى الأمام في محادثات جنيف الرابعة، والتي سوف تنتهي كما انتهت مفاوضات جنيف 1 و2 و3، أي قبل أن تبدأ، وقبل أن تنهي مناقشة جدول الأعمال التي تحطمت على “صخرتها” جميع المؤتمرات التفاوضية السابقة. ربما، هذه المرة، بمنسوبٍ أقل من التهم والشتائم التي يتقنها وفد النظام، احتراما للحليف الروسي الذي وقعت عليه، للمرة الأولى، رعاية “تمثيلية” المفاوضات السورية. والسبب بسيط جدا، وأقل تعقيدا بكثير مما تدّعي الدبلوماسية الدولية، وما يريد كبارها أن يقنعوا الرأي العام السوري به، وهو لا يختلف عن السبب الذي أفشل مفاوضات الحل السياسي في فلسطين، منذ مؤتمر مدريد الشهير في 1991. نظام الأسد وحلفاؤه الأساسيون في طهران يرفضون التخلي عن السيطرة على كامل السلطة والبلاد، مهما كانت الظروف، ولأي طرفٍ كان، لأنهم يريدون، بكل بساطة، الاحتفاظ بها، تماما كما رفض نظام الاحتلال الإسرائيلي “التنازل” عن أي شبرٍ من فلسطين، وأراد ولا يزال السيطرة على جميع الأراضي الفلسطينية، وضمها بالتدريج وحرمان الفلسطينيين من أي أمل بإقامة دولة على حدود “إسرائيل”.

كما كان عليه الحال في المسألة الفلسطينية، لم يكن لدى القيادة الفلسطينية بكل أجنحتها، ولا لدى الرأي العام الفلسطيني، على تعدّد اتجاهاته، أي شك في أن الولايات المتحدة هي الراعي الرئيسي لإسرائيل، والضامن لمصالحها وأمنها، وتفوّقها على عموم المنطقة العربية وغير العربية في الشرق الأوسط كله، وأن واشنطن لا يمكن أن تفعل، في أي ظرف، ما يمكن أن يسيء إلى مصالح الاحتلال الإسرائيلي. لكن، لهذا السبب بالذات، وفي ظرفٍ تضاءلت فيه الخيارات إلى حدود العدم، راهن الفلسطينيون على العلاقة الوجودية بين واشنطن وتل أبيب، من أجل تحقيق تسويةٍ تحفظ ماء الوجه، وتقبل بجزءٍ لا يكاد يذكر من فلسطين، يرضي طموح النخبة الفلسطينية، ويبرّر استمرارها ووجودها على رأس شعبٍ لا يزال أغلبه يعيش في المخيمات. ما يعني أن من مصلحة إسرائيل إيجاد حل للقضية الفلسطينية بأرخص الأثمان، ومن مصلحة الولايات المتحدة الضغط على حكومات إسرائيل، من أجل تسهيل التوصل إلى هذا الحل الذي لا يعدو أن يكون مبادرةً لحفظ ماء الوجه للسلطة الفلسطينية التي يعترفون بفائدتها في منع بروز حركات متطرّفة فلسطينية.

ويكاد الوهم ذاته الذي ربط مصير الحركة الفلسطينية بالتفاهم مع الولايات المتحدة والرهان

“ستستمر المفاوضات مع النظام السوري عقيمة مهما تعدّدت المؤتمرات”

على تماهيها مع إسرائيل، من أجل إقناعها باتباع سياسة أكثر عقلانيةً حتى بالنسبة لحفظ مصالحها ذاتها، يعود بالصورة نفسها في ما يتعلق بمراهنة سوريين كثيرين وقادة المعارضة أيضا على موسكو، وعلاقتها القوية مع نظام الأسد، والتي تريد، في نظري، أن تحولها إلى علاقاتٍ وثيقة ونهائية، لا تنافسها أي علاقات أخرى، بما يناظر الترابط الوثيق في العلاقات الأميركية الإسرائيلية، للضغط على نظام الأسد وطهران، وحثهما على قبول تسويةٍ تحفظ ماء وجه معارضةٍ فقدت، كما حصل للفلسطينيين، كثيراً من حماس حلفائها السابقين ودعمهم، وغيّب أصدقاءها اليأس والخوف من التورّط معها.

في الحالتين، كانت الحصيلة صفرا. وبدل أن تكون المفاوضات وسيلةً للتوصل إلى حل للنزاع أو الصراع القائم، صارت هي المشكلة، وصار الهدف الذي يسعى إليه الأطراف، حلفاء المعارضة وأصدقاء الشعب السوري، أو من يتّسمون باسمهم، هو الجري وراء اجتماعاتٍ لا معنى ولا قيمة لها، والتأكيد على أهمية محادثاتٍ تبعد الأطراف عن القضية المطروحة للنقاش أكثر مما تقربها من إيجاد حل لها. والحال أن ما يحصل هو بالضبط تقويض أسس أي مفاوضاتٍ جدية، ووضع السوريين ومعارضتهم، كما وضع الفلسطينيون وقادتهم منذ ربع قرن، أمام خيار واحد: قبول الأمر الواقع. كل ما هنالك أن استمرار الحديث عن مفاوضاتٍ قادمة، ومؤتمرات محتملة، يفتح إمكانية تمرير فرض الأمر الواقع بالتدريج، ومن دون أن يشعر الطرف المعني، أو بالأحرى تهريب الحل العسكري الذي يتقدم وحده على الأرض، وتحويل المفاوضات إلى مخدّر من أرخص الأثمان.

لم يكن السوريون بحاجة إلى وساطة موسكو، إذا كان الهدف من المفاوضات التي تدفع إليها وتتوسط لإنجاحها، هو إعادة هيكلة النظام السوري، وإعادة الشرعية والاستقرار إليه، كما صرح مبعوث روسيا للقضية السورية ميخائيل بوغدانوف، الاثنين الماضي، في مداخلته في منتدى فالداي للحوار الاستراتيجي في موسكو، عندما انتقد “الثورات التي تسعى إلى إطاحة أنظمةٍ بدعم خارجي”، وقال إن الاحتجاجات تسمح بتقويم مشاعر المواطنين، وتتيح الفرصة لتحسين الدستور، إلا أن ذلك لا يعني ضرورة إلغاء الدستور والمطالبة برحيل السلطات الشرعية عن طريق القوة أو الثورات أو الانتفاضات، من دون انتظار إجراء انتخابات جديدة، وهذا يعني تكليف النظام الشرعي بالإصلاحات، وتنظيمه الانتخابات، أي ببساطة إلغاء جوهر المفاوضات في جنيف.

وليس هناك أي سببٍ لكي تعطي المعارضة السورية، مهما وصلت من الضعف، ولا الشعب الذي قاتل ست سنوات وحيدا، بركتهما لتعيين ممثلي منصة موسكو أو غيرها أعضاء في حكومة مشتركة مع النظام، فهؤلاء أحرار، وبإمكانهم في أي وقت أن ينضموا إلى حكومةٍ واحدة، يسمونها كما يشاؤون، حكومة وحدة وطنية أو حكومة روسية سورية، أم أي شيء آخر. ولن يقف أحد ضد خياراتهم، لكن هذه ليست الحكومة التي تمثل موقف الشعب الذي تريد أن تعبر عنه المعارضة، ولا موقع معارضةٍ قدمت آلاف الضحايا، من أجل تغيير النظام القائم، وتحرير الشعب من القهر والذل والاضطهاد. ومن الأفضل، في هذه الحالة، أن تبقى المعارضة معارضة، وتترك الروس والإيرانيين يشكلون حكومتهم الخاصة، ويضعوا على رأسها أيا من الدمى التي يثقون بها، ويستطيعون التلاعب بقراراتها، كما يشاؤون. قد يمثل هذا حلا لبقاء الأسد، وبقاء طهران ومصالحهما الفائقة، ولتوسيع نفوذ الروس وتكريس انتدابهم على سورية، لكنه لن يكون اتفاقا، ولا حلا للمسألة، ولا إنهاءً لأي نزاع.

لا ينبغي أن يخدع الروس أنفسهم، ولا أن تخدع الحكومات العربية وغير العربية التي تراهن

“لن يكون هناك حل، مهما حصل، وحتى لو وقّعت المعارضة على صك الاستسلام”

على الروس، في مثل هذا الحل، باسم الحفاظ على إمكانية الحرب على الإرهاب، نفسها أيضا. لن يكون هناك حل، مهما حصل، وحتى لو وقّعت المعارضة على صك الاستسلام، ولن توقع، مع نظامٍ شنّ الحرب على شعبه، وقام بتدمير وطنه، وتشريد أبنائه في مختلف بقاع الأرض، ولن تكون هناك تسويةٌ ممكنةٌ مع نظامٍ قبل بأن يكون غطاء للاحتلال.

في نظري، ستستمر المفاوضات مع النظام السوري، وأولياء أمره من الإيرانيين، عقيمة، مهما تعدّدت المؤتمرات، وأعيد صياغة المبادرات لتمريرها على الرأي العام السوري. والمستفيد الوحيد من هذا العقم والفشل والتأجيل الدائم للحل قوى التطرّف التي يمقتها الجميع، لكنه يعمل على تغذيتها في كل خطوةٍ يسعى فيها إلى الإبقاء على أصل المأساة ومصدرها، وهو نظام القهر والإذلال والتعذيب والمعتقلات.

وسيخطئ أيضا الذين يسوقون من بين الحكومات العربية حلا رخيصا على طريقة المحاصصة الطائفية، يغطي على الإبقاء على نظام العبودية، أو تقاسما للسلطة مع مجرمي الحرب وأبطال الإبادة الجماعية، لأن الأغلبية الساحقة من السوريين لن تقبل، وسوف ترفض تحويلها إلى طائفةٍ وطوائف متنازعة على سلطاتٍ ومناصب وهمية. ما يريده السوريون هو الحرية.

والتسوية السياسية الوحيدة التي تقود إليها، وتفتح الطريق أمام مفاوضاتٍ حقيقية ومثمرة، ترضي تطلع السوريين إلى الحرية، هي وقف الحديث عن جميع المواضع الثانوية، وتركيز الأطراف كافة، وفي مقدمتها الدول الكبرى التي تريد الخلاص، أو على الأقل تخفيف عواقب الكارثة السورية التي لم تنته بعد، على نقطةٍ وحيدة واحدة: توفير الشروط الأمنية والسياسية التي تسمح للشعب السوري، من دون تمييز بين الطوائف والقوميات والطبقات، بتقرير مصيره من خلال انتخاباتٍ عامةٍ نزيهة وحرة وتحت إشراف دولي. وإذا كان التوصل إلى هيئةٍ انتقاليةٍ تقوم بالإعداد لهذه الانتخابات، وتضمن استمرار الدولة، وإدارة الشؤون العامة خلال سنة أو أكثر، مستحيلا بين الحكم والمعارضة، أي إذا أصر الحكم القائم على عرقلة التوصل إلى حلٍّ يفضي إلى عملية تقرير مصير، فعلى الأمم المتحدة والدول الكبرى الخمس في مجلس الأمن أن تتحمل مسؤولياتها إزاء السوريين المنكوبين، وتأخذ على عاتقها تحقيق هذه المهمة، قبل تسليم السلطة لحكومة سوريةٍ ديمقراطيةٍ، منبثقةٍ من الشعب ومعبرة عن إرادته. أمام رفض النظام وشركائه التراجع، وتردّد الدول الكبرى في مواجهة حلفاء النظام، وتفاقم الأزمة الإنسانية، وتنامي مخاطر التطرف الجديد النابع من الإحباط والبؤس والهوان، لا أعتقد أن هناك، ما لم تتغير المعطيات الدولية، أي حلّ آخر قابل للحياة.

العربي الجديد

 

 

 

 

من هي المعارضة السورية؟/ سلامة كيلة

الملفت في مفاوضات جنيف 4 السورية هو الخلاف حول المعارضة، التي سوف تحاور النظام، حيث ظهر أن هناك ثلاث معارضات، تتنافس على الجلوس لحوار النظام الذي لا يزال يرسل الشخص ذاته، والتي تعني مشاركته أنْ لا نتائج ممكنة، لأنه آتٍ ليكرّر الخطاب ذاته، الخطاب الذي يريد تكريس النظام، ولملمة بعض أطراف المعارضة للمشاركة في “حكومة وحدة وطنية”، كون أن منصب الرئيس غير مطروح للنقاش أو التفاوض، وحيث أن الأولوية للحرب على الإرهاب، الإرهاب الذي يصنعه النظام أصلاً.

هناك في جنيف وفد الهيئة العليا للمفاوضات، وهي التي تشكلت في الرياض انطلاقاً من مشاركة أطراف المعارضة كافة، وبالتالي، باتت تعبّر عنها، فهي تضم أكبر كتلتين معارضتين: هيئة التنسيق والائتلاف الوطني، وكذلك شخصيات عديدة. وهناك وفد مؤتمر القاهرة الذي من المفترض أن المؤتمر جرى تمثيله في الرياض، ومن ثم مؤتمر موسكو. وإذا كان وفد التفاوض الذي شكلته الهيئة العليا يعتبر “الممثل الشرعي”، بالضبط لأنه يضم أطياف المعارضة، فإن منصتي موسكو والقاهرة تعتبر كل منهما أنها تمثل المعارضة، وتريد وفداً موحداً مقسماً بالتساوي بينهما.

حين أخذت المؤتمرات تتوالى، وبات كل مؤتمر يعتبر أنه منصة للمعارضة، أشرت إلى الهدف من هذا التشتيت، حيث كان واضحاً أن روسيا تريد تشتيت المنصات، لكي تتحكم هي في تحديد من هي المعارضة، وبالتالي تهمّش المعارضات التي لا تريدها. كان هذا واضحاً حينها، لكن مع الأسف انساقت المعارضة وراء مؤتمراتٍ لم تعرف الهدف منها، وبات حينها عقد المؤتمر بعد الآخر موضة. وها هي تصطدم الآن بما “فعلت يداها”، حيث باتت في تنافس مع منصّات صنعتها هي. وعلى الرغم من أنها ممثلة في وفد التفاوض، إلا أن “خيالات مآته” التي اخترعتها باتت تنافسها، وتطالب بأن تكون لها حصة مساوية لها، فمؤتمر القاهرة الذي يطالب بحصته في وفد التفاوض شاركت فيه هيئة التنسيق الوطني لقوى التغيير الديمقراطي، وجزء مهم من شخصيات الائتلاف الوطني، مع عدد محدود من الشخصيات المعارضة. وأصدر بيانات لا تختلف عن البيان الذي صدر عن اجتماع المعارضة في الرياض. لكن نلمس الآن أنه بات ورقةً لتقزيم وفد التفاوض، وبالتالي، باتت الشخصيات المعارضة المستقلة هي التي تستحوذ على منصة القاهرة، وتنافس الكتلة الأساسية التي قام عليها مؤتمر القاهرة. أخذت التسمية، واستحوذت على التمثيل، وباتت تريد المساواة مع كل المعارضة.

أما مؤتمر موسكو فيختلف قليلاً، على الرغم من أنه ضم هيئة التنسيق، لأنه يضم طرفا شارك في السلطة بعد الثورة، وسُحب لكي يوضع في وفد المعارضة، بناء على رغبة موسكو المباشرة، لكنه فشل. ولهذا، أخذ يدعو إلى مؤتمراتٍ في موسكو لكي يقول إنه المعارضة، أو إنه طرفٌ أساسي في المعارضة. هذا هو وضع الجبهة الشعبية للتحرير والتغيير، وهي الجبهة التي عارضت بخفةٍ، بعد أن كان بعض أطرافها يشير الى خطل السياسة الاقتصادية وآثارها المدمرة. وقد باتت تنشط ضمن محور موسكو، وبالتالي، ليس بعيداً عن النظام، ولا عن المنظور الروسي للحل الذي يكرّس الاحتلال الروسي لسورية.

هناك اختلاف بين هذه “المنصات” في فهم طبيعة الصراع وفي طبيعة الحل، والجوهري هنا قبول استمرار بشار الأسد أو رفضه، وكذلك دور بشار الأسد في الحل. لكن ما يهدف إليه الروس هو نشوء معارضةٍ “على مقاسها”، تقبل بما تريد هي، بعد أن ظلت مصرّةً على بقاء الأسد. وقد سمح “تخبيص” المعارضة بأن تلعب روسيا كما تريد، وأن تظل تناور إلى أن تصل إلى الحل الذي تريده بالشخصيات والهيئات التي تريدها. ولسوف تظل تقضم المعارضة على الأرض إلى أن تصل إلى ذلك. ما أظنه ضرورياً هو أن يُفسح المجال لمن يقبل “حكومة الوحدة الوطنية”، ليعود إلى “سقف الوطن”، فلا داعي للتنافس على “فطيسة”.

لا حل لا في جنيف 4 ولا 5 ولا 6، ولا حل باستمرار وجود بشار الأسد ومجموعته.

العربي الجديد

 

 

 

جنيف 4 … أسبوع سوريالي/ بشير البكر

إذا كان مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية، ستيفان دي مستورا، استبق انعقاد جنيف 4 الخميس الماضي، بالتصريح بأن اللقاء بين النظام السوري والمعارضة لن يحقق اختراقاً، فلماذا انتظار خروج الدخان الأبيض من مداخن المدينة السويسرية؟

تحولت جنيف إلى مسرح للعبث السوري، منذ انعقد في فنادقها أول مؤتمر حول سورية في يونيو/حزيران 2012، والذي بات يُعرف بجنيف 1. وقد كان المؤتمر بين أطراف دولية وعربية، برعاية الأمم المتحدة، من أجل وضع خارطة طريق لحل سلمي في سورية. وقاد العملية في ذلك الحين مبعوث الأمم المتحدة، كوفي عنان، الذي نجح في انتزاع مرجعية جنيف 1 التي تم اعتمادها من قبل مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.

ومن يراجع تفاصيل الحراك الدبلوماسي الدولي في تلك الفترة، يقف عند حقيقتين أساسيتين: الأولى، أن المفاوضات بين المعارضة والنظام هدفها الوصول إلى صيغة لرحيل رأس النظام بشار الأسد. والثانية هي أن روسيا تقف ضد كل تحرك يسير في هذا الطريق. هذه الثنائية تحكّمت في مسار جنيف 2 في عام 2014، ومن ثم جنيف 3 في 2016، وها هي تفرض نفسها على جنيف 4، في ظل تغيرات كبيرة تحكّمت في المشهدين الميداني والسياسي خلال السنة الماضية، أملاها، في صورة أساسية، التدخل الوحشي الروسي إلى جانب نظام الأسد، الذي كان على وشك السقوط في صيف 2015.

في كل مرة يذهب وفد المعارضة إلى جنيف يحمل معه مرجعيات التفاوض التي أقرتها الأمم المتحدة، لكنه يجد أمامه وفداً من موظفي نظام الأسد، يتحرك وفقاً لتعليمات روسية وإيرانية. وفي كل مرة ينجح وفد النظام في إفشال المؤتمر، من دون أن يصدر عن الأمم المتحدة أي رد فعل يضع الأمور في نصابها. مهندس جنيف 1، كوفي عنان، استقال حين اكتشف مبكراً، بحسه السياسي والمهني، عدم جدوى الرهان على هذا الطريق العبثي، وخليفته الأخضر الإبراهيمي استقال هو الآخر كي ينأى بنفسه عن المهزلة التي لم يتأخر في تحميل مسؤوليتها للنظام. أما دي ميستورا فإنه صامد في مهمته، التي صارت تتغير، شكلاً ومضموناً، حتى باتت في الأشهر الأخيرة أشبه بمسرحية هزلية تبعث على الأسى.

في فترة الانكفاء الأميركي، التي طبعت حكم الرئيس السابق، باراك أوباما، تراجعت الأمم المتحدة حيال الشأن السوري إلى حالة سوريالية، بعد أن صارت روسيا بمكانة القطب الدولي المهيمن الذي قاد إلى وقف إطلاق نار في سورية بشروطه، وعلى طريقته، كي يخدم بقاء نظام الأسد في الحكم، ومن ثم ابتكرت عملية تفاوض في أستانة، هي أقرب ما تكون إلى لعبة تتدرج إلى تفريغ المعارضة من جوهرها، وتحويلها من جسم فاعل إلى منصة، مثل منصة موسكو، غير القادرة على تسيير تظاهرة من عشرة أشخاص.

إذا كانت المعادلة مختلّة في مجلس الأمن الدولي، وتتحكم روسيا والصين فيها، فلماذا يتوجّب الرهان على مؤتمر جنيف من أجل إنتاج حل سوري عادل؟ لقد كان اجتماع مجلس الأمن، الثلاثاء، لمناقشة استخدام النظام السوري أسلحة كيماوية، مناسبة جديدة لروسيا كي تؤكد أن النظام السوري خط أحمر حتى اللحظة، فهي أسقطت مشروع قرار أميركي فرنسي بريطاني معتدل نسبياً، لكنه يثبت على النظام استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين ثلاث مرات. وكالعادة، لجأت روسيا إلى حق النقض (الفيتو)، في حين اكتفت القوى الدولية الأخرى باستنكار تصرف موسكو لا غير. جنيف 4 واجتماع مجلس الأمن مناسبتان هامتان لاستطلاع موقف الإدارة الأميركية الجديدة، لكنها لم تتحرك في الحالتين، في حين استمر التصعيد الميداني من قبل النظام السوري وإيران وروسيا على الجبهات كافة، من أجل تركيع المعارضة في جنيف كي تقبل ببقاء النظام، وتغيّر اتجاه البوصلة نحو محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش).

العربي الجديد

 

 

 

 

جنيف 4/ بكر صدقي

أعلن المبعوث الأممي ستيفان دي مستورا، منذ البداية، عن تشاؤمه بشأن الجولة الرابعة من مفاوضات جنيف بسبب غياب التوافق الأمريكي ـ الروسي. الواقع أن سبب غياب هذا التوافق هو عدم تبلور سياسة أمريكية، إلى الآن، في الموضوع السوري. بدلاً من ذلك هناك أولوية لدى الإدارة الأمريكية الجديدة، باتت واضحة، بشأن محاربة تنظيم «الدولة» الإسلامية (داعش) في العراق وسوريا من جهة، وتحجيم التمدد الإيراني عبر الإقليم من جهة ثانية. تحت هذين العنوانين العريضين هناك تفاصيل كثيرة متشابكة الخيوط تحتاج إلى وضع استراتيجية متكاملة بشأنها، من المرجح أنها ستغير، إلى حد كبير، استراتيجية الإدارة السابقة.

كانت زيارة وزير الخارجية السعودي المفاجئة للعراق من أهم وجوه تلقف القوى الإقليمية للسياسة الأمريكية الجديدة قيد التبلور. فالعراق الذي تركته إدارة أوباما مباحاً للنفوذ الإيراني، أصبح يملك خيارات الموازنة بينه وبين نفوذ عربي مدعوم أمريكيا. صحيح أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ينتمي، مثله مثل سلفه نوري المالكي، إلى تيار سياسي محسوب على إيران، لكن تبقى بوصلة الطبقة السياسية العراقية، بما فيها الكتل الشيعية، مشدودة إلى واشنطن. والآن بعدما وصل قتال «داعش» إلى داخل مدينة الموصل، بات السؤال عما بعد «داعش» هو الذي يشغل جميع القوى الفاعلة في العراق. فإذا كانت واشنطن هي البوصلة لدى الحكومة العراقية، فهذا يعني رسم سياسات ما بعد تحرير الموصل بما لا يتعارض مع التصعيد الأمريكي إزاء النفوذ الإيراني. وهو ما يتطلب عودة الموصل إلى أهلها السنة، وتحجيم دور الحشد الشعبي لمصلحة الجيش العراقي المركزي، وتفاهماً إيجابياً مع إقليم كردستان.

أما في الإقليم السوري لـ»دولة الخلافة» فمعركة تحرير الرقة هي العنوان الذي تدور حوله التجاذبات السياسية. وهنا نرى إشارات أمريكية متناقضة بشأن الحليف المحلي الذي ستعتمده واشنطن في محاربة «داعش»: تركيا أم حزب الاتحاد الديموقراطي؟ فمن جهة أولى لدينا زيارة رئيس هيئة الأركان الأمريكية إلى أنقرة وقاعدة إنجرلك الجوية، والاجتماع المطول بين رئيس الوزراء التركي ونائب الرئيس الأمريكي مايكل بنس في بون، وكان موضوع معركة الرقة وتعقيداتها على رأس المباحثات في المناسبتين. ولدينا، من جهة ثانية، زيارة النائب الجمهوري جون ماكين إلى كوباني ولقائه بقادة «الاتحاد الديموقراطي» وجناحه العسكري «وحدات حماية الشعب» ومظلته العسكرية المسماة «قوات سوريا الديموقراطية». قدم الأتراك لحليفهم الأمريكي مغريات مرفقة باقتراحات: اشتباك لفظي حاد مع إيران، وخطتان للاختيار بينهما بشأن المشاركة التركية في تحرير الرقة بشرط استبعاد «قوات سوريا الديموقراطية» من العملية.

وتنطوي الخطتان على مخاطر الاشتباك مع القوات الحليفة لنظام دمشق الكيميائي، في الخطة الأولى، ومع وحدات حماية الشعب وحلفائها في الخطة الثانية التي تقترح الدخول من تل أبيض باتجاه الرقة. لا يمكن لواشنطن أن تجمع القوات التركية والكردية في عملية عسكرية واحدة، ولا بد لها من المفاضلة بينهما. كما أن التوجه من الباب، وفقاً للخطة الأولى، قد يشكل نقطة تفارق تركية مع موسكو المؤيدة لنظام دمشق. وهكذا تجد تركيا نفسها، مجدداً، في وضع لا تحسد عليه، بعدما تنفست الصعداء بانتهاء ولاية أوباما. فلا روسيا متفهمة للهواجس التركية، ولا الإدارة الأمريكية الجديدة بعد السابقة.

من جهة ثانية، ما زالت السياسة التي يمكن أن تتبعها إدارة ترامب إزاء روسيا غير واضحة المعالم، وهي ما من شأنها أن ترسم ملامح السياسة الأمريكية في الموضوع السوري نفسه. موسكو التي تفاقم قلقها بعد إقالة مايكل فلين من موقع مستشار الأمن القومي، لم تعد واثقة من قدرتها على تحويل إنجازاتها العسكرية لمصلحة النظام الكيميائي في سوريا إلى إنجاز سياسي في الإستانة وجنيف، من وراء ظهر الأمريكيين، عادت إلى شن الغارات الجوية على مواقع الفصائل المعارضة، جنباً إلى جنب مع طيران النظام. وهو ما يعني إجهاض وقف إطلاق النار الهش أصلاً بيديها بالذات، وليس فقط بيدي إيران وتابعه السوري.

على هذه الخلفية من التطورات الميدانية والتجاذبات السياسية الإقليمية وسيطرة اللايقين بسبب عدم تبلور سياسة أمريكية متكاملة في الموضوع السوري، تدور مباحثات جنيف بصورة باهتة وبلا أي أفق غير الفشل الذي تمتنع الأطراف المشاركة عن إعلانه. وبعيداً عن جدول الأعمال «الطموح» الذي حاول ديمستورا فرضه على المتفاوضين (قضايا الحكم والدستور والانتخابات)، يبدو الإنجاز الوحيد الذي يتطلع المبعوث الأممي إلى تحقيقه في هذه الجولة هو فرض «مدونة سلوك» على الوفود السورية (النظام والمعارضة والمنصات) تتضمن التأدب في الكلام والحفاظ على سرية المباحثات وإبعاد الهواتف الخلوية عن قاعة الاجتماعات! من المشكوك فيه أن ينجح ديمستورا حتى في فرض هذه المدونة، على الأقل على بشار الجعفري ووفده. فهو الوحيد في مباحثات جنيف الذي لا يشعر بأي قلق، فيتصرف على مألوف وقاحته، لأنه ليست لديه أية مخاوف على أمور بعيدة عن اهتماماته كالكرامة أو السيادة أو هيبة «الدولة» التي يزعم تمثيلها وسمعتها.

٭ كاتب سوري

القدس العربي

 

 

 

مفاوضات جنيف لن تقود إلى حلٍ في سورية/ رضوان زيادة

في 21 تشرين الأول (أكتوبر) 2013 نشرت في هذه الصفحة من جريدة «الحياة» مقالاً بعنوان «لماذا على المعارضة السورية حضور مؤتمر جنيف؟». أثار المقال حينها الكثير من ردود الفعل المرحبة وربما لعب دوراً في إقناع المعارضة التي كانت مترددة وقتها في حضور أول مفاوضات غير مباشرة عقدت في جنيف برعاية الأمم المتحدة، وكان المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي يشرف وقتها على المفاوضات ويضع أجندتها.

في ذلك المقال حاججت بأنه «يجب أن تظهر المعارضة السياسية والعسكرية سواء ممثلة في الجيش الحر أو الائتلاف حساً بالمسؤولية تجاه الشعب السوري المهجر والمشرد، إذ لا يعقل أننا لا نستطيع أن نقدم أجوبة لملايين السوريين حول انتهاء الأزمة وأمل عودتهم إلى بيوتهم، حول مصير أبنائهم وبناتهم المعتقلين في سجون نظام الأسد، والخوف يزداد يوماً بعد يوم حول وفاتهم تحت التعذيب في ممارسة اعتادت سجون الاحتلال الأسدي على ممارستها بحق كل المعتقلين من دون تمييز بين سنهم أو جنسهم» .

وبالتالي قلت إنه يجب أن تظهر المعارضة نوعاً من الإحساس بالمسؤولية تجاه كل ذلك، وأن النصر العسكري عبر «الجيش الحر» لا يمكن تحقيقه من دون تدخل عسكري خارجي بدا بعيداً وقتها على رغم استخدام الأسد السلاح الكيماوي في الغوطة في ٢١ أب (اغسطس) 2013، حيث تجنب الأسد حينها الضربة العسكرية الأميركية عبر صفقة روسية قضت بتسليم أسلحته الكيماوية مقابل تجنب الضربة.

ولذلك أضفت بأنه يجب أن تكون أولويات المعارضة السورية في التحضير لمؤتمر جنيف كالتالي:

– تجنب أي معارك جانبية تزيد من خسارة المعارضة قيمتها وسمعتها في الشارع السوري حول من سيحضر اللقاء؟ ومن هو الوفد الذي سيمثل السوريين؟ وتركيز النقاش والحوار حول لماذا سنحضر إلى جنيف؟ وماذا يمكن أن نحققه من حضور المؤتمر؟

– ينص اتفاق جنيف الأول على ما يسمى «جسم انتقالي كامل الصلاحيات»، وبالتالي لا بد للمعارضة من الإصرار على تشكيل مجلس انتقالي لا دور للأسد فيه، يمتلك الصلاحيات الكاملة بما فيها الجيش والاستخبارات ويشرف على المرحلة الانتقالية، إلى حين إجراء انتخابات حرة ونزيهة بإشراف الأمم المتحدة، تسبقها إجراءات شاملة تشمل عودة المهجرين والنازحين.

– يجب أن تصر المعارضة على تشكيل إجراءات ثقة ومسارات متابعة تشرف عليها الأمم المتحدة، وهي: مسار المعتقلين السياسيين بحيث يجري تسليم كل اللوائح إلى الأمم المتحدة لإجبار نظام الأسد على إطلاقهم من دون أي شروط، ومتابعة شؤونهم بحيث تستطيع المعارضة أن تكسب ثقة آلاف العائلات السورية التي لديها معتقلون في سجون الأسد، والمسار الثاني يتعلق بفك الحصار عن المناطق المحاصرة وعلى رأسها الغوطة الشرقية وحمص ومخيم اليرموك، وتكون مسؤولية الأمم المتحدة هي مراقبة وصول المساعدات الإنسانية في شكل كامل إلى هذه المناطق، أما المسار الثالث فهو التزام دولي ومن كل الدول الداعمة لمؤتمر جنيف بإعادة إعمار المناطق المتضررة والمنكوبة وإعطائها وأهلها تعويضات خاصة وسخية، فكل مناطق المعارضة أصابها الأسد بالدمار، وعلى المعارضة السياسية أن تعي ضرورة فتح كل الفرص لإعادة ملايين اللاجئين إلى بيوتهم بأمان وكرامة، فلم يذلّ السوري في عمره كما يخضع للإذلال اليوم في مخيمات اللجوء.

تلك إذن هي النقاط التي يجب أن يدور النقاش حولها بين المعارضة اليوم، ويجب عدم تحويل النقاش إلى نقاش حول الوطنية والخيانة. يجب أن تتصرف المعارضة بمسؤولية تجاه ملايين السوريين وبحنكة بحيث تتخلص من الأسد عبر مسار دولي يلتزم به المجتمع الدولي حول المرحلة الانتقالية.

للأسف لم يتحقق شيء من ذلك خلال السنوات الأربع الماضية وعقدت جولات تفاوضية عدة في جنيف أيضاً بلا معنى أو حتى مبرر لعقدها من دون تحضير من القائمين عليها في الأمم المتحدة.

وبالتالي وكما يقال المكتوب ظاهر من عنوانه: لن تقود المفاوضات المستأنفة مجدداً إلى أي حل، بل بالعكس تماماً ازداد الوضع على الأرض في سورية سوءاً وتدهوراً، فارتفع عدد الشهداء إلى ما يقارب النصف مليون، وزاد عدد اللاجئين إلى ما يعادل الستة ملايين أما النازحون في وطنهم ففاق عددهم 9 ملايين، وبالتالي تعرض أكثر من نصف السكان للقتل والتهجير والتشريد مع سياسات الأسد التي ازدادت شراسة وهمجية، والأسوأ من ذلك أن المعارضة السورية العسكرية تعرضت لهزيمة قاسية جداً بالخروج من مدينة داريا رمز الصمود والمقاومة في دمشق، وحلب التي كانت لوقت طويل رمز امتلاك المعارضة زمام المبادرة في الشمال السوري، وتتالت عمليات التهجير القسري بإشراف روسي – إيراني.

وحتى في الملف الذي يبدو لوهلة أولى أنه في غاية البساطة ولا يكلف النظام أي تكلفة سياسية أو عسكرية وهو الملف الإنساني، لم يفرج النظام عن المعتقلين وزاد عدد التقارير المروعة عن عمليات القتل والتصفية الجماعية داخل السجون وآخرها كان تقرير منظمة العفو الدولية عن سجن صيدنايا، أما المناطق المحاصرة فبدل أن تنتهي ازداد عددها وبات التجويع سياسة يومية لكسر المدنيين والمعارضة، وبات المجتمع الدولي يستمع إلى هذه الأخبار من دون اكتراث أو مسؤولية بأنه يجب القيام بشيء لوقف عمليات الإبادة هذه.

وفوق ذلك كله أتى فوز إدارة أميركية جديدة ترى الحل السوري في روسيا فجعل السوريين يترحمون ربما على أيام باراك أوباما وسلبيته الكارثية التي أوصلت سورية إلى دمار معمم على يد الأسد وحلفائه.

بالتالي ما هي نقاط القوة التي يمكن المعارضة أن ترتكز عليها في مفاوضاتها السياسية في جنيف؟ عصفت ذهني كثيراً فلم أجد ما يستحق عناء الذهاب إلى جنيف.

والأسوأ من ذلك كله أن المعارضة السياسة تشظت إلى معنى ضياع الهوية السورية تماماً، فتحالفاتها باتت هي التي تفرض عليها قرارها ولم يعد القرار الوطني موجهاً لها أو بوصلة لتحركاتها.

إذاً، ما الحل؟

الحل يكمن في عملية تعبئة جماعية للمعارضة بما أسميه عملية «التحشيد المدني» من أجل التغيير، وهذه تشمل المهجرين واللاجئين والسوريين في المناطق المحررة وحتى في مناطق النظام، إنهاء عهد ما يسمى الفصائل المسلحة والتوحد تحت راية وطنية واحدة، وفي الوقت نفسه خلق مناخ سياسي ضاغط دولي وإقليمي وداخلي باتجاه مطالب محددة وواضحة مثل الإفراج عن المعتقلين كلهم وإنهاء وصمة العار و «المسالخ» البشرية التي تستمر تحت أعيننا، والتركيز على المطالب الإنسانية في كسر الحصار عن المناطق المحاصرة.

يجب على المعارضة السياسية العمل على تشكيل قطب مواز مؤثر وفعال عبر تكثيف الاجتماعات الدورية والاتفاق على عدد من الخطوات السياسية ذات الأثر الجماهيري مثل الدعوة إلى عدد من الاعتصامات السلمية والعلنية في شكل مشترك داخل سورية وخارجها.

علينا أن نعتمد على الشباب كشريحة محورية في بناء التراكمات السياسية على أرض الواقع، ففعاليتهم في المشاركة تؤشر إلى الديمومة والاستمرارية والقدرة على الوصول إلى أكبر الشرائح تأثيراً في المجتمع السوري بحكم كونه مجتمعاً شاباً كما يدل على ذلك متوسط العمر في هذا المجتمع.

والجزء الأخير من عملية التحشيد يتعلق ببناء إستراتيجية واضحة ومحددة الخطوات والأهداف لعملية الانتهاء من الألم وإشاعة الأمل بأن التغيير في سورية ليس ممكناً فحسب بل مقبل بكل تأكيد.

* كاتب سوري وباحث في المركز العربي – واشنطن

الحياة

 

 

 

ماذا يحدث في جنيف؟/ عمر قدور

لا تحظى وقائع مؤتمر جنيف4 باهتمام سوري يوازي جنيف2 وجنيف3، على الأرجح بسبب انعدام التوقعات منه، وأيضاً لأن الأمم المتحدة الراعية نظرياً للمؤتمر تبدو عاجزة أمام وفد النظام الذي عرقل ويعرقل الدخول في مفاوضات فعلية. المسألة لا تتوقف هنا على استغلال تفجيرات ترافق، يا للمصادفة!، جلسات جنيف كل مرة، ويصرّ وفد النظام بعدها على عدم مناقشة أي بند قبل الاتفاق على محاربة “الإرهاب”. ولا تتوقف بالطبع عند تصعيد قوات النظام وحلفائه حربها على السوريين عشية المؤتمر وأثناءه، فهذا مما لا ينتقده المبعوث الدولي أسوة بانتقاده مقتل ثلة من ضباط أمن النظام في مدينة حمص، حتى وفد المعارضة لم يتوقف طويلاً عند الهجمة العسكرية الوحشية الأخيرة، وكأنه يستسلم لفكرة عدم جدوى إثارتها، مثلما استسلم لفكرة استكمال الهجوم بضم منصات تدّعي معارضة النظام، ولا تفعل شيئاً سوى التهجم على المعارضة.

لكن عدم الاهتمام بمؤتمر جنيف لا يعني عدم حصول شيء فيه، فالتحذير “التهديد” الذي نقله ديمستورا، وفحواه أن النظام وحلفاؤه سيفعلون بإدلب ما فعلوه بحلب إذا فشل المؤتمر، ينبئ بنوعية وحجم الضغوط التي تُمارس على المعارضة لتقديم تنازلات قد تكون بحجم التهديد المذكور. أما تغاضي المعارضة عن الضغوط التي تتعرض لها فهو على الأرجح ليس نوعاً من “التعقل” تبديه إزاء الاستفزازات، هو بالأحرى استسلام لواقع عزلتها الدولية وضعفها، من دون امتلاكها وعياً مطابقاً لضعفها وما يترتب عليه، أو ما إذا كانت قادرة حقاً على دفع ثمن الضعف، سواء لجهة امتلاكها شجاعة دفع الثمن أو القدرة على فرضه.

لا يثير الارتياح في تصرف وفد المعارضة إذعانه لفرض منصات تكاد تكون موالية، إن لم يكن للنظام فلحلفائه، إذ من هذه الثغرة يريد رعاة تلك المنصات الحصول على تنازلات جوهرية، ومنها أيضاً قد تجد المعارضة مخرجاً لها لتقديم تنازلات تتنصل من المسؤولية عنها. مثلما لا يثير الارتياح إذعانها لمبدأ أن المشاركة تعفيها أمام المجتمع الدولي من مسؤولية عرقلة الحل السياسي، فالمجتمع الدولي أعلم بعدم نيته على فرض حل سياسي حقيقي ومستدام، وما يريده من المعارضة يتعدى المشاركة إلى القبول بسلسلة تراجعات تُعرف بدايتها لكن لا تُعرف نهايتها بعد.

لا نستطيع القول ألا شيء يحدث في جنيف، أو أنه عديم التأثير على الإطلاق. تلك قد لا تكون المصيبة الأكبر، فالأكبر منها ألا يحدث شيء خارج مقرات المؤتمر، وألا يُواجه الأخير بحركة اعتراض تمثّل الثورة، وتضع تحدياً شعبياً أمام منظّميه، وحتى أمام وفد المعارضة ذاته إذا لم يلتزم بمطالب الحد الأدنى. الاتفاقيات العسكرية شأن آخر، ولها ظروفها الميدانية التي يتحكم فيها العسكر أو تحكمهم، أما بقية المطالب فهي غير قابلة للتصرف قانونياً، والالتفاف عليها من خلال الأمم المتحدة، ثم تكريس الالتفاف لاحقاً بقرارات دولية تكتسب صفة القانون، يعنيان السطو على حقوق السوريين، أقله على صعيد الشرعية الدولية.

أول تلك الحقوق غير قابلة للتفاوض هو إطلاق سراح المعتقلين، والكشف عن مصير عشرات الآلاف على الأقل منهم. هذا مطلب لا ينبغي اقتصاره على بضع من عائلات المعتقلين حضرت إلى جنيف كي تضع معاناتها أمام المجتمعين، هي قضية تتعلق مباشرة بملايين من أهالي المعتقلين، وتتعلق بملايين السوريين الذين انتفضوا وطالبوا بإسقاط الطغمة المخابراتية الحاكمة. أمس مرت الذكرى السادسة لاعتقال أطفال درعا، على خلفية كتابتهم آنذاك شعارات من قبيل “أجاك الدور يا دكتور” تيمناً بموجة الربيع العربي، ولئن لعبت هذه القصة دوراً مؤثراً في اندلاع الثورة فإن قصص الاعتقال والقتل تحت التعذيب اللاحقة تستحق وحدها العديد من الثورات.

في سياق متصل لا يحق لأية جهة، بما في ذلك وفد المعارضة، التنازل عن محاكمة مجرمي الحرب، بخاصة القادة منهم. هناك حقوق شخصية تتعلق أولاً بذوي القتلى، فضلاً عن الحقوق العامة المحمية بكافة القوانين الدولية. بدءاً من الحقوق الشخصية لا يحق لأحد التنازل نيابة عن أولياء الدم، ولا يحق لأحد التنازل عن الحق العام إلا وفق مصالحة وسلم أهلي حقيقيين، المدخل إليهما هو عدالة انتقالية تتسم بالشفافية وبالجرأة على تجريم الجناة قبل الجرأة على التسامح.

الملف الثالث، الذي لا يقل أهمية عن الملفين السابقين، هو ملف العودة الطوعية الآمنة لكافة المهجّرين. هذا أيضاً حق شخصي لمن يرغب في العودة، لا يحق لأحد تجاهله أو التفاوض عليه، وهو يزداد إلحاحاً مع الهدن المشروطة برحيل الأهالي التي يعرضها النظام على المناطق المحاصرة، وهي جريمة تطهير ديموغرافي بامتياز. ولعل إثارة هذه القضية تزداد إلحاحاً أيضاً مع ما يُشاع عن رغبة أمريكية في إقامة مناطق آمنة، وما يثير الريبة ألا ترفض موسكو الفكرة من حيث المبدأ وأن تقبل بمناقشتها مع النظام، فمثل هذا التواطؤ قد يفضي إلى إنشاء مناطق ضيقة لحشر المهجرين، غايتها الأساسية إراحة الغرب من همّ اللاجئين، وأثرها على المدى البعيد هو تكريس التطهير الديموغرافي وإبطال حق العودة.

ما يحدث في جنيف لا يلحظ مجمل هذه القضايا التي تمس مباشرة حوالي نصف السوريين، فكل حديث عن الحكم والحوكمة، وكل حديث عن دستور جديد وانتخابات قادمة، يقفزان على طرحها فهذا لا يعني سوى منح شرعية لنظام مجرم. لذا يصحّ ألا ننتظر حلاً من جنيف، إذا عمل أهل الثورة على الإعلاء من شأن تلك التضحيات، وبمقدار صلابتهم أمام محاولات طمسها بذريعة أو أخرى. بعد أيام تمر الذكرى السادسة لاندلاع الثورة، ربما أكثر ما ينبغي التفكير فيه هو ألا تكون مجرد مناسبة تفرض فحسب ذكراها كل عام.

المدن

 

 

 

 

نجاح مفاوضات جنيف المستبعد/ ميشيل كيلو

من المستبعد جدا نجاح جولة جنيف الحالية في بلوغ أي تفاهم على حل سياسي في سورية، يطبق وثيقة جنيف 1 وقراري مجلس الأمن الدولي 2118 و2254، للأسباب التالية:

أولا، استحالة تطبيق الوثائق الدولية التي بلورها الخمسة الكبار، أعضاء مجلس الأمن، بالإجماع، حول تطبيق حل سياسي في سورية، ونصت حرفيا على بدئه بتشكيل “هيئة حاكمة انتقالية”، تتولى مسؤوليات بشار الأسد، وتشرف على الانتقال إلى الديمقراطية. بما أن النظام الأسدي يرفض القرارات الدولية، لإيمانه بأن أي حل ينطلق منها سيطيحه، مهما كان حجم التنازلات التي يمكن للمعارضة تقديمها له، واعتقاده بقدرته على إنجاز حل عسكري، هو وحده الحل السياسي الذي قرّر تطبيقه، واقتناعه بأن ظهور تنظيمات الإرهاب جلب له قبولا دوليا جديا، فإنه يرفض القرارات، والحل السياسي الذي تعتمده، ويقرّر رحيل الأسد وتغيير نظامه، ورد الحرية إلى شعبها، بعد نصف قرن من القهر والإذلال والتهميش.

بقول آخر: كيف تطبق قرارات بموافقة طرفٍ، رفضها قرابة خمسة أعوام، من دون أن تتخذ الأمم المتحدة والقوى الكبرى التي أقرتها أية إجراءات رادعة، أو تعترض مجرد اعتراضٍ على قيام روسيا وإيران بمساعدته على التنصل من تطبيق ما كانت قد شاركت في بلورته والموافقة عليه، وتعهدت بتقديم الضمانات الضرورية لنجاحه، في وثيقةٍ صاغتها معا في جنيف، وأصدرتها يوم 30 يونيو/ حزيران من عام 2012، لكن سياسات موسكو وطهران أسهمت في جعلها حبرا على ورق، بانخراطها في حرب الأسد ضد شعبه، وبوقوف العالم مكتوف اليدين على ما ترتكبه الدولتان، إلى جانب جيشه، من قتل وتهجير وتدمير.

“هل يتخيل عاقل أن لدى روسيا القوة الكافية للي ذراع أميركا وأوروبا والعرب وتركيا، وإجبارها على قبول حلها من دون أي رد فعل؟”

ثانيا، نجاح المناورات الروسية في تمييع الوثائق والقرارات الدولية، واستبدال بعضها ببعضها الآخر. لذلك، لم يعد من الواضح على أية قرارات سيستند التفاوض والحل السياسي، وهل ستبقى مرجعيته وثيقة جنيف والقرار 2118، وما يحتمانه من رحيل الأسد ونظامه، أم أنها القرار 2254 الذي يستبدل “الهيئة الحاكمة الانتقالية”، ومرجعيتها الدولية بحكومة وحدة وطنية مرجعيتها الأسد الذي سيشكلها ويشرف عليها، مع ما يعنيه ذلك من تعارضٍ جذريٍّ مع وثيقة جنيف، إذ بينما يبقي القرار 2254 الأسد في السلطة، تزيحه وثيقة جنيف عنها، ولا تكتفي بذلك، وإنما تعتبر رحيله بداية تطبيق الحل. لذلك لن يشارك في المرحلة الانتقالية، بما أن الحل سيبدأ بتشكيل “الهيئة” التي ستمارس صلاحيات، ولن تترك لبقائه في الحكم أمن وظيفة غير السماح بازدواجية سلطةٍ، ستكون مفعمةً بالتضارب والصراع، وستتكفل بتخريب الحل المطلوب.

ثالثا، إذا كان من غير المعروف اليوم أي قرار هو الذي سيطبق، وكان تطبيق قرارات متناقضة أصدرها مجلس الأمن لن يفضي، بطبيعة الحال، إلى حل ينهي الحرب، بل إلى نتيجتين متعارضتين، إحداهما رحيل الأسد والأخرى بقاؤه، فإنه ليس من المعروف أيضا من هي الجهات التي ستفاوض النظام باسم الطرف الآخر، إذ بينما انفرد “الائتلاف” بالتفاوض في جولة جنيف الأولى عام 2014، هناك اليوم طرف تفاوضي رئيس يمثل “الهيئة العليا للمفاوضات”، وممثلون عن منصتين، تحملان اسمي القاهرة وموسكو، تسود خلافات جدية بينهما وبين وفد “الهيئة العليا”، سيضعف استمرارها موقف “المعارضة” التفاوضي، والنتائج التي ستترتب على التفاوض. ويذهب معظمها في اتجاهٍ يعطي الأولوية لتطبيق القرار 2254، ولتشكيل حكومة وحدة وطنية مرجعيتها الأسد، بينما يتجاهل “الهيئة الحاكمة الانتقالية” لوثيقة جنيف التي تقول برحيله. ومن المعروف أن منصة موسكو تتبنى الموقف الروسي بحذافيره، وكان منسّقها قدري جميل نائب رئيس الوزراء في حكومة أسدية، فهو، ومن دون أي تجن أو ظلم، حالة محروقة سوريا، ولا تمثل شيئا أو أحدا في الداخل، ولا تستمد قيمتها من مواقف خاصة أو ذاتية، بل من حاجة الروس إليها، وقدرتها على اختراق المعارضة، وإجبارها على القبول بخطة إبقاء الأسد في السلطة، وإفشال كل ما طالبت به الثورة من حرية وإصلاح.

رابعا، ليس هناك أي تفاهم بين موسكو وواشنطن على الحل في سورية. وليس هناك ضمانات دولية لاحترام حلٍّ ينجح الروس في فرضه، كما أن العرب والأوروبيين لا يشاركون في مفاوضات جنيف الراهنة، فهل يعقل أن يسمح العالم لروسيا وإيران بفرض حلٍّ يخالف إرادة معظم دوله، كما تجلت في قرارات مجلس الأمن، وسيقوّضها انفراد موسكو وطهران بسورية، ذات الموقع الاستراتيجي المهم على حدود فلسطين والخليج، بما تحمله الصهيونية من أخطار على العرب، ويمتلكه الخليج من قدراتٍ اقتصادية ومكانة سياسية وأمنية، بالنسبة لمجمل الوضع الدولي.

خامسا، لو افترضنا أن روسيا نجحت في لي ذراع المعارضة، وفرضت عليها حلها. هل يتخيل عاقل أن لدى روسيا القوة الكافية للي ذراع أميركا وأوروبا والعرب وتركيا، وإجبارها على قبول حلها من دون أي رد فعل؟

العربي الجديد

 

 

 

 

 

تمرين تفاوضي في جنيف/ مروان قبلان

بإبداء تشاؤمه حيال إمكانية تحقيق تقدم في الجولة الحالية من مفاوضات التسوية السورية، يقر المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، أن دوره، في غياب توافق إقليمي دولي، تفصيلي، لا بل يمكن حتى الاستغناء عنه، كما حصل تقريبا في “أستانة 1″، لولا أنه سارع لإنقاذه في اللحظات الأخيرة. بناء عليه، وبانتظار حصول خرق إقليمي – دولي يسمح ببدء مفاوضات فعلية، وضع دي ميستورا الذي يفضل أن يتم توصيفه “بالُمَيسِر أو المُسَهِل” (Facilitator)، أهدافاً متواضعة لهذه الجولة. أولها، الاتفاق على جدول أعمال للمفاوضات (حكم ـ دستور- انتخابات). وثانيها، إقناع الجميع بالاستمرار في التظاهر بوجود وقف إطلاق نار، منعاً لانهيار المفاوضات، وأخيراً الاتفاق على موعد جولة جديدة من المفاوضات. لكن حتى هذه الأهداف المتواضعة تبدو صعبة المنال، في ضوء تضارب الرؤى والأولويات بين أطراف الصراع، وانتظار اتضاح سياسة الإدارة الأميركية الجديدة تجاه المسألة السورية.

يعرف دي ميستورا، أن إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لم تكن تريد عقد هذه الجولة من المفاوضات، وهذا ما دفعه، من بين أسباب أخرى، إلى تأجيلها من 8 فبراير/ شباط إلى 20 ثم إلى 23 منه، فإدارة ترامب لا تبدو مستعجلةً على الحل السياسي، في ضوء رؤيتها للمسألة السورية، باعتبارها مشكلة إرهاب ولاجئين، ما يتطلب، وفقاً لها، تكثيف الجهد في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية من جهة، وإقامة مناطق آمنة لإيواء اللاجئين، ومنعهم من “غزو” مجتمعات الغرب “المتحضرة”. من جهة أخرى، العمى السياسي والعطب الأخلاقي الذي تعانيه إدارة ترامب إلى درجة تجعلها غير قادرة على إدراك أن مشكلة الإرهاب واللاجئين ليستا إلا نتيجة مباشرة لسياسات النظام وحلفائه، يرتب عليه أن ما يجري في جنيف يكاد يكون منفصلاً عن الواقع.

لم تبد الولايات المتحدة فقط عدم اهتمام بمساعي الحل السياسي الذي يحاول الروس هندسته في جنيف عبر أستانة، بغيابها الكامل عن جولة المفاوضات الحالية، بل برهنت من جديد على أن لا قيمة لأي مسار سياسي، لا تكون هي طرفاً رئيساً فيه. وعليه، عمدت إلى تقويض مسار أستانة وإسقاط التفاهم، التركي – الروسي – الإيراني. وأدى إحياء ترامب فكرة إنشاء مناطق آمنة في سورية إلى إنعاش آمال تركيا بإمكانية تحقيق هذا الهدف، وكبح من ثم جماح انجرافها نحو روسيا، ما يفسر سلوكها غير المتحمس لأستانة 2 الذي عقد في 15 و16 فبراير، كما يفسّر أيضاً البرودة المستجدة في العلاقة مع موسكو، والتي تمثلت بعودة الاتهامات التركية لها بدعم الأكراد، وكذلك ارتفاع نبرة الخطاب التركي تجاه إيران، حيث بلغ التلاسن بين الطرفين في الآونة الأخيرة مداه. بالمثل، أدى الضغط الأميركي على إيران إلى تسريع محاولاتها التي لم تتوقف، لفرض وقائع جديدة على الأرض في سورية، ما يجعل إعلان موسكو الثلاثي في مهب الريح. أما الطرف الثالث في المعادلة، وهو روسيا، فقد تركتها إدارة ترامب في حالةٍ من الحيرة والضياع، فالرئيس يدافع عنها ونائبه يهاجمها، ثم تجري إطاحة أفضل أصدقائها، مايكل فلين، قبل أن تعود وترتفع أسهم التفاهم معها، كما عبر عن ذلك صديقها الآخر في الإدارة، ريكس تيليرسون.

في الشق الآخر، أدى تكثيف الاستعدادات الأميركية لطرد تنظيم الدولة الإسلامية من الرقة إلى استدراج عروضٍ متفاوتةٍ من شركاء أستانة، فقد عرض الأتراك خطتين على الأميركيين: الأولى أن يتجهوا مع قوات “درع الفرات” من الباب بعد استعادتها من تنظيم الدولة الإسلامية شرقاً عبر منبج نحو الرقة، أو التوجه، مع قوات عربية خليجية، من تل أبيض جنوباً باتجاه الرقة. قدّم الروس والإيرانيون هم الآخرون عرضهم أن يطردوا، مع النظام السوري، بغطاء أميركي كما في العراق، التنظيم من المدينة، وهذا ما يفسر استماتة قوات النظام وحلفائها في سعيهم إلى قطع الطريق بين الباب والرقة على الأتراك وحلفائهم في “درع الفرات”. وهكذا لم يبق أمام الأتراك إلا خيار تل أبيض، لكن الأميركيين لا يبدون متحمسين له، لأنه سيؤدي إلى صراع دام بين الأتراك والأكراد المسيطرين على شمال الرقة وغربها، قبل حصول أي اشتباكٍ مع تنظيم الدولة الإسلامية المتحصن في الرقة. يدرس الأميركيون هذه العروض، لكن النتيجة المباشرة لما فعلوه أنهم فكّكوا أستانة، ويتجاهلون جنيف، وبالتالي يصح القول، إن ما يجري في جنيف لا يعدو كونه تمريناً تفاوضياً.

العربي الجديد

 

 

 

نتائج “جنيف 4″/ فاطمة ياسين

توقفت الجولة السابقة من محادثات جنيف 3 السورية عند نتيجة واحدة، هي وعدٌ قاطعٌ من المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا على عقد مؤتمر لاحق. برَّ الرجلُ، بعد عشرة أشهر، بوعده، وها هو يفتتح مؤتمر جنيف مجدّداً. جرتْ، بين المؤتمرَين، أحداثٌ كثيرة، وتمدّد النظام على مدن وقرى جديدة، ونزحت موجات بشرية ضخمة. وقام أفرادٌ مغامرون بتحرّكات عديدة، وبنيت منصات تفاوضية في موسكو والقاهرة وبيروت، جميعها ترغب بتمثيل السوريين في جنيف الجديد، أما الحدث الأبرز فهو ظهور اسم دولة كازاخستان، وعاصمتها أستانة التي استضافت مؤتمراً تمهيدياً، بموافقتين، تركية وأميركية، كرَّس روسيا عراباً للسلام في سورية، بعد أن كانت مجرّد وكيل عسكري مساند. وبدت كل تلك التحركات العسكرية والسياسية ممهدة لجنيف الحالي، وقاعدة أساسية للنتائج التي يمكن أن تخرج عنه.

يعتقد النظام، بلكنة موفده بشار الجعفري المتعجرفة، الشبيهة ببرود معادن الدبابات الروسية، أن بشار الأسد أصبح في منأى عن مطالبته بالتنحّي، وعلى مبعدة كافية من أخطار السقوط، وإن حصلت مثل هذه المطالبات في جلسات المؤتمر، فهي من باب رفع سقوف التفاوض، وهو أسلوبٌ تكتيكي يلجأ إليه المتفاوضون عادة، رصيده في ذلك عودة مدينة حلب إلى حضنه، وتقدّمه إلى تخوم الباب، وهي إنجازاتٌ تعتبر مهمةً على الرغم من انتكاساته في تدمر، وظهور هشاشةٍ في بنيته الداخلية، باختراق قاتل في المربع الأمني في مدينة حمص، وانشغال جاليته العسكرية الصغيرة في دير الزور بمناورة عناصر “داعش”، لكن البطاقة الأهم التي يضعها في جيبه هي مؤازرة سنده الروسي الذي يَعتبر طلب التنحّي غير واقعي، وقد تضاف إلى ذلك كله مواقف الأحزاب المتطرّفة اليمينية الصاعدة في الغرب، فوفدُه منفتح، ومنشرح الصدر، ولدى الجعفري ترسانة مختارة من التعابير الوطنية المخاتلة، يمكن إلقاؤها أو حتى بيعها، وقد تجد لها مصفقين كثراً بين أعضاء المنصّات التي حضرت المؤتمر نتيجة التطورات الأخيرة، وأصرتْ على الجلوس إلى جانب رئيس الوفد المعارض، نصر الحريري.

بعيداً عن المنصّات، لا يملك وفد المعارضة الأساسي، المختلط من السياسيين والعسكريين، إلا مطلب التنحي حالياً، فهو يرى وجود النظام بشكله الحالي، وعقلية الحروب الباردة التي يتحلى بها، سبب كل الكوارث، ويمكن تأجيل كل عمليات الإصلاح والبناء إلى ما بعد التخلص النهائي منه، وهو مطلبٌ لا يقلل من وجاهته تعددُ الوجوه المعارضة، وانقسامها إلى معسكراتٍ وجبهات، وطغيان الفكر الديني على مكوّنها العسكري، فهي استطاعت أن تتجمع ضمن وفدٍ موحد، وحصلت على دعمٍ من أطرافٍ متعدّدة، ساعد في تكتلها وتبنيها موقفٌ مقبولٌ ذو شكل وطني عريض. وقد تبنى هذا الوفد مطلباً مشابهاً في المؤتمرات السابقة؛ وما زال يحمل المطلب نفسه، ولديه وثيقة دولية مهمة، هي قرار دولي بانتقال سياسي ودستور جديد، لكنه الآن قد يواجه بطريقةٍ مختلفة، وربما من بعض المنصّات التي تحضر المؤتمر على أنها معارضة، الأمر الذي قد يُحدث بلبلةً تصرف الأنظار عمّا هو مطلوب من هذا المؤتمر حقاً.

لم يكن تأجيل المؤتمر ضمن خيارات دي ميستورا، بملامحه الباردة، وهو الذي أقصي عن اجتماعات أستانة، فقال بإيمانٍ كثير إنه لا يتوقع أي اختراقٍ في هذا المؤتمر، لكنه يعمل لتكثيف الجهود فقط، أو بعبارةٍ فيزيائية لبناء عطالةٍ كافيةٍ لتقود مسار المفاوضات إلى نقطةٍ نهائيةٍ، تصب في مصلحة السوريين.

تلزم لبناء العطالة كتلة كافية ومسار محدّد، وليس كتل كثيرة ورؤى متعدّدة، وما تفرزه العواصم من منصات يشي بمزيدٍ من التفتيت وتشعب المسارات إلى مزيد من الوجهات المتضاربة، وهذا أمر آخر، لا يستطيع دي ميستورا أن يتحكّم به، فهو مرهونٌ أكثر بعواصم الجوار وعواصم القرار، وكلنا يعرف أن مؤتمر جنيف الرابع لن يخرج بحل حقيقي، ونشارك دي ميستورا رؤيته، على ألا تستمر المنصّات بالتوالد الفطري، حتى يمتلئ وجه البحر الأبيض المتوسط بها.

العربي الجديد

 

 

 

بين مفاوضات السوريين ومفاوضات إسرائيل مع الفلسطينيين/ سميرة المسالمة

استبدل النظام السوري خلال السنوات الست الماضية المصطلحات الدولية في التعامل مع ثورة الشعب السوري، محولاً الأنظار عنها من صراع سياسي إلى قضايا متشابكة من إنسانية وإغاثية وحرب دامية على الإرهاب، ولاحقاً المشاركة في الإدارة وآليات الوصول إلى ذلك، وإعداد دستور جديد وقانون انتخابات، وكل ما من شأنه أن يغير معادلة أن الثورة تعني التغيير الكامل، لتصبح الثورة ومسألة التغيير السياسي في مكان، وطاولة المفاوضات في مكان آخر.

وفي مقاربة واضحة المعالم مع تعامل إسرائيل في المفاوضات الفلسطينية، بدءاً من طرق حصار المدن والمناطق وعزل بعضها عن بعض ومروراً بتهجير السكان وترهيبهم، ووصولاً إلى طاولة مفاوضات عقيمة أبدت إسرائيل رغبتها في استمرار العملية التفاوضية إلى ما لا نهاية، وفي تعبير آخر طاولة تفاوض لا تمنع بقاء الحال على ما هو عليه، ولا تفيد في إعادة الحقوق الأساسية لتكون فوق تفاوضية، كحق الإنسان في الحياة الآمنة في بيته وعلى أرضه مع حقوق مواطنة كاملة.

ورغم الفروقات الكبيرة بين ثورة شعب من أجل الحرية ونضال شعب ضد احتلال إسرائيلي لأرضه، وهذا الفرق الكبير بين القضيتين، لكن المدهش أيضاً وجود تشابه كبير بينهما، على الأقل في العمليتين التفاوضيتين السورية- السورية، والفلسطينية- الإسرائيلية، ففي الحالين مثلاً لا يوجد اعتراف بالشعب أو بحقوق هذا الشعب، فلا إسرائيل تعترف بوجود الشعب الفلسطيني بوصفه شعباً له حقوق، ولا النظام السوري يعترف بوجود شعب له حقوق، فالشعب الذي يعترف به النظام هو من يحمل السلاح معه ويدافع عن سورية الأسد، فهو يعتبر سورية ملكاً خاصاً له، وإرثا عائلياً، ما يفصح عنه شعار: سورية الأسد أو نحرق البلد، وما تبقى من السوريين هم مجموعة من الإرهابيين أو مرتبطين بمؤامرة خارجية أو لا لزوم لهم في «سورية المفيدة» أي «سورية الأسد» لا أكثر.

كل شيء مسموح به تحت سقف النظام الحاكم: تغيير وزارة، أو تغيير مجلس الشعب، وحريات اقتصادية وإعلامية، بشرط ألا تهدد سقف النظام، ولا تقترب من مناطق سيادته (السيطرة على الموارد والقرار والجيش والأمن)، والأمر نفسه في إسرائيل أيضاً، التي تسمح للفلسطينيين بحكم ذاتي، أو حتى بإقامة دولة منقوصة السيادة، لكن السيادة الفعلية على الأمن والسلطة والموارد تبقى لإسرائيل.

أيضاً، في المفاوضات عملت إسرائيل على تجزئة القضية الفلسطينية، بمعنى أن القضية لم تعد تتعلق بدولة تحتل أرض شعب آخر وتصادر حقوق مواطنيه، وإنما قضايا متعددة ومختلفة وكل قضية يفترض حلها بمعزل عن غيرها، إذ هناك قضية اللاجئين، والقدس، والحدود، والمستوطنات، والأمن، والمياه، والعلاقات الاقتصادية، والمعتقلين، وقضية مواجهة الإرهاب… إلخ، وهذا ما اشتغل عليه النظام بدعم كبير من روسيا وإيران، ولاحقاً مجموعة الدول التي وجدت مصالحها متقاطعة مع هذه الرؤية، فتشعبت القضية السورية وتجزأت لتصل إلى مسارات عديدة، كل مسار يحتاج إلى «جنيفات»، وكل جولة في جنيف تحتاج إلى قاموس لتفسير مضامينها، إذ يرفض النظام ومن يوافقونه بشكل مطلق اعتبار الثورة قضية سياسية، أو قضية شعب يريد التغيير السياسي من أجل الحرية والكرامة والديموقراطية والمواطنة، لأن كل ذلك يمس وجوده كنظام، ولذلك فهو عمل بكل جهوده على تحويلها قضية اعتداء خارجي، أو قضية إرهاب، أو قضية صراع بين الأقليات، أو قضية طائفية، أو قضية إنسانية أو إغاثية للاجئين والنازحين.

المتابع اليوم لتفاصيل ما يقدمه الوسيط الدولي ستيفان دي ميستورا لحل الصراع السوري- السوري، من اقتراحات للدخول في العملية التفاوضية التي لا تزال مستعصية على النظام والمعارضة، يستذكر ما حدث في اتفاق أوسلو عام 1993 وكيف عملت إسرائيل على مرحلة حل القضية الفلسطينية، ومن يراجع اتفاق أوسلو، يلاحظ وجود مرحلتين، انتقالية مدتها خمس سنوات تتعلق بإيجاد حلول موقتة وجزئية، ومرحلة نهائية تناقش القضايا الأساسية، لكن من دون تحديد أي جدول زمني، ومن دون أي ضمانات. في المفاوضات السورية توجد أيضاً مرحلة انتقالية، لكنها لا تهدد النظام، الذي يعمل، مع حلفائه، على اعتبارها مرحلة لإعادة تعويمه، بل يسعى خلالها النظام لتجنيد إمكانات خصمه المعارض في الحرب المزعومة على الإرهاب، وهي الحرب التي يمكن أن تمتد وتتمدد وفق المصلحة الدولية التي تتضمن أيضاً مصلحة النظام في «عدم الانتقال السياسي».

وعلى هدى إسرائيل بما فعلته من تقسيم للأراضي في الضفة الغربية التي لا يتنازع على ملكيتها الفلسطينية أحد، وتحويل المفاوضات إلى لعبة علاقات عامة، أو إلى مسار عبثي لا جدوى منه، يفعل النظام السوري الشيء ذاته كما لاحظنا من جنيف1 إلى جنيف4 إضافة إلى مسار آستانة، وما كان للنظام أن يفعل ذلك لولا أنه وجد إسرائيل مثله الأعلى في الضرب عرض الحائط بكل القرارات الدولية التي صدرت، وستصدر، لتبقى المفاوضات حفلات سمر يراق خلالها مزيد من الدم السوري.

* كاتبة وإعلامية سورية

الحياة

 

 

 

 

قبل جنيف 5/ علا عباس

هذا وقد انتهت جولة المفاوضات الرابعة في جنيف، من دون تحقيق أي تقدم باتجاه حل سياسي في سورية، هذا هو المدخل الذي كان متوقعاً عند الإعلان عن عقد جولة المفاوضات هذه، وهذا هو المدخل الذي تم استخدامه بعد انتهائها، فما من أحدٍ في العالم كان يتوقع أن تصل هذه المفاوضات إلى شيء، حتى المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، مهّد لهذه النتيجة منذ البداية، وقال قبل انطلاق المفاوضات: “لا نتوقع تحقيق معجزات”، وكلمة معجزات في اللغة الدبلوماسية تعني “شيئاً”، ولا نتوقع تعني “نحن متأكدون”، والعبارة ترجمها السوريون إلى معناها الحقيقي وتعاملوا مع هذه الجولة أنها “نحن متأكدون أنه لن يحصل شيء”، فلم ينتظروا منها شيئاً، فلا مهجرين استعدوا للعودة إلى بيوتهم، ولا مهاجرين حزموا حقائب العودة إلى بيوتهم، ولا مقاتلين بدأوا بفك بنادقهم، والجميع تعامل مع المفاوضات على أنها أمر يجري لمجرّد أن يجري، ولا علاقة له بالواقع.

بات التكرار في هذه الجولة مملاً، فالكلمات نفسها والمواقف نفسها، وطريقة رئيس وفد النظام، بشار الجعفري، في المماطلة والتسويف هي نفسها، فهو تابع إغراق المبعوث بالتفاصيل، وحرف النقاش عن مضمونه، ولم يفوّت مناسبة لإظهار عدم جديته، وعدم جدية النظام الذي يمثله في هذه المفاوضات، ومع أي مفاوضات أخرى. والجميع صار يعرف مفهوم النظام للمفاوضات ولعملية الانتقال السياسي، والتي تعني بالنسبة له “العودة إلى حضن الوطن”، أي الاستسلام والخضوع الكامل لإرادته والعودة إلى تحت حكمه.

وفد المعارضة الذي يتعرّض في كل جولة لبعض التغيير في الوجوه المشاركة يبدو أبهت في كل مرة، وأقل تأثيراً وفعالية وجدية، ووفد النظام يتكرّر بكل تفاصيله، والمبعوث الأممي يقوم بذلك كله، وكأنه موظف بيروقراطي في مؤسسة حكومية، ينفذ واجبه اليومي، من دون أدنى حماس أو تفكي ويطمحون لها فرصة لتغيير الظروف القاسية التي يعيشونها داخل البلاد وخارجها، وهذا التنبؤ المبكر، والذي يبدو ضرباً من الجنون، هو تعبير عن حقيقة الشعور التي أصابتنا، نحن السوريين، تجاه كل أنواع المفاوضات على اختلاف تسمياتها وأماكن إقامتها، ونوعية المشاركين فيها، فقد فقدنا أي أمل بتحقيق، ولو خطوة صغيرة، باتجاه السلام المنشود.

ليس لدى أحد من الأطراف المشاركة في هذه الجولة من المفاوضات (وسابقاتها) أدنى فكرة جدية للدخول في عملية تفاوض مثمرة، يمكن أن توقف شلال الدم المستمر منذ ست سنوات. ولعدم المبالغة في لغة التعميم، فإن من يملكون رغبةً حقيقيةً في الوصول إلى السلام هم من لا يملكون سلطة فعلية على الأرض قادرة على تحقيقه، بينما للقوى التي تملك هذه القدرة أجنداتها المتنوعة التي تجعل السلام عدواً لها، كما هي عدوٌّ له، وفي الحروب عادة ما تكون مفاتيح السلام بيد من يملك مفاتيح النار، ومن يملكون مفاتيح النار، اليوم، هم النظام والجماعات الإرهابية، ولا تفكير جدياً لدى كل من الطرفين في الوصول إلى نتائج، أما الثوار الحقيقيون الذين يسعون إلى بناء سورية جديدة، ويريدون وطناً جامعاً (سالماً منعماً وغانماً مكرماً) فهؤلاء يفقدون أوراق اللعبة شيئاً فشيئاً، ولم يبق في يدهم سوى النيات الطيبة التي لم تستطع يوماً أن توقف حرباً.

في الجولة التي انتهت من المفاوضات، أعطيت الفرصة لرئيس وفد النظام، بشار الجعفري، ليجدد اتهاماته للشعب السوري بالإرهاب، وهذه المرة من بوابة هجوم شنته جبهة النصرة على فرعين للأمن في حمص، فقد كان هذا الحدث فرصة له ليمارس تضليله، ويقول للعالم، إن الثورة السورية مجموعة من الإرهابيين، والمفارقة أن كلا الطرفين (من فجّر نفسه، ومن كان هدف التفجير) هما عدوان للشعب السوري، أذاق كل منهما السوريين مرّ العذاب، فجبهة النصرة، كما “داعش” تمارس في المناطق التي تسيطر عليها فنون الاضطهاد والتعذيب، لكل من لا يروقها، بينما تمثل فروع الأمن التي جرى استهدافها رموزاً للإرهاب والاضطهاد، حيث قتل فيها عشرات آلاف السوريين تحت التعذيب، وربما كانت هذه أهم نتائج هذه الجولة، بانتظار جولةٍ أخرى أكثر غرابة.

العربي الجديد

 

 

 

 

 

 

أشياء «صغيرة» تحدث في جنيف/ صادق عبد الرحمن

في جنيف ترعى روسيا مفاوضات للسلام، دون أن تكفَّ عن كونها طرفاً مباشراً في الحرب، مؤقتاً على الأقل. ثمة مستشفيات ومدارس ومراكز دفاع مدني دمرتها روسيا بينما تنعقد جلسات التفاوض، وهذا مستوىً من «الوحشية السياسية» لم تصل إليه الولايات المتحدة الأميركية عندما كانت تدعم إسرائيل وترعى عملية السلام معها في الوقت نفسه.

لا يستطيع وفد المعارضة الانسحاب من جنيف بسهولة، هذا واضحٌ تماماً، خاصةً أن الرسائل المبطنة والمعلنة تقول بوضوح إن ثمن الانسحاب سيكون أعلى من ثمن البقاء. هذا ما تريده روسيا، سحقُ قوى الثورة والمعارضة بوتيرة قد تكون أبطأ وأقلّ دمويةً إذا ذهبت بعض تلك القوى إلى قاعات التفاوض.

لا يبدو أن هناك ما يمكن فعله حيال هذا الأمر، فالنظام يواصل عملياته العسكرية بمفاوضات أو بدونها، وبالتزامن مع مفاوضات الأستانة تم إفراغ وادي بردى من قوى الثورة بعد معارك قاسية ما كان يمكن لمقاتلي الفصائل الصمود فيها أكثر، ويبدو أن محاولات إفراغ أحياء القابون وبرزة وتشرين في دمشق تسير على المنوال نفسه جنباً إلى جنب مع جلسات المفاوضات في جنيف.

إذا كانت مخططات النظام العسكرية تسير كما هي سواء ذهبت المعارضة إلى التفاوض أم لم تذهب، فما الذي يفعله الوفد المفاوض هناك؟ يبدو هذا سؤالاً مشروعاً ووجيهاً، لكن ثمة سؤالاً آخر يبدو مشروعاً ووجيهاً أيضاً: ما دامت مخططات النظام العسكرية تسير كما هي سواء ذهبت المعارضة إلى التفاوض أم لم تذهب، فلماذا لا تذهب إلى المفاوضات محاولةً انتزاع مكسبٍ ما؟ مكسبٍ لن تخسر شيئاً في حال فشلت في انتزاعه.

هذا هو حجم العبث والعدم الذي يضعنا العالم في مواجهته، وهو وضعٌ لا يبدو أن ثمة فكاكاً منه إلا بمعجزة. ولكن هل توجد مكاسب يمكن انتزاعها حقاً في جنيف؟ إذا كان هناك ما يمكن انتزاعه، فإن هذا يتوقف على أداء وفد المعارضة.

***

في جنيف قال العقيد فاتح حسون أحد ممثلي فصائل المعارضة السورية المسلحة، في ردّه على سؤال حول الهجمات التي استهدفت مراكز النظام الأمنية في حمص بالتزامن مع المفاوضات، إن «المنطقة التي يتواجد بها الفرع الأمني هي منطقة أمنية شديدة وخاضعة للمراقبة الدائمة، ولا يمكن أن تتم أي عملية أمنية إلا بتسهيلات من قوى أمنية أخرى تمتلك نفوذاً… ما جرى اليوم يمكن أن نعده تصفية من قبل النظام للمطلوبين دولياً… وعلى رأسهم اللواء الذي تم قتله اليوم…».

جاء ذلك في مؤتمر صحفي لوفد المعارضة السورية إلى جنيف، وهو يعني أن الوفد المفاوض يرى أن النظام هو من نفذ هذه الهجمات لعرقلة المفاوضات، والتخلص من اللواء حسن دعبول جزار الموت سابقاً في سرية المداهمة 215، لكن هيئة تحرير الشام بلسان قائدها العسكري أبي محمد الجولاني تبنت العملية بعد ذلك، وشرحت كيفية تنفيذها بالتفصيل.

وهيئةُ تحرير الشام مزيجٌ من القاعدة وفصائل أخرى، والمفارقة أن كثيراً من الأصوات التي اتهمت النظام عبر وسائل التواصل الاجتماعي بتدبير الهجوم، في تناغمٍ مع منطق تفكير فاتح حسون والوفد المفاوض، كانت ولا تزال تهلّل لهيئة تحرير الشام وتتهم خصومها بالتخاذل.

على أي حال، يعني ما قاله فاتح حسون أن الهيئات السياسية للمعارضة والثورة السورية لا تريد أن تتعلم شيئاً، وأنا ما يفكر به شخصٌ غاضبٌ يكتب منشوراً على فيسبوك لا يختلف كثيراً عما يفكر به أعضاء الوفد المفاوض. وواقع الحال أن قوى المعارضة العسكرية المُمثَّلة في المفاوضات لا تستطيع فصل نفسها تماماً وعلناً عن هيئة تحرير الشام لأن هذا سيقود إلى مواجهة عسكرية مع الأخيرة، لكن واقع الحال أيضاً أن طفلاً صغيراً يمكنه أن يعرف أن هيئة تحرير الشام ستسعى بكل ما أوتيت من قوة لنسف المفاوضات، ولذلك فلم يكن ثمة معنىً من اتهام النظام بتنفيذ تلك الهجمات، وكان يمكن لسيادة العقيد أن يقدّم ألف إجابة أخرى تعفيه من الحرج.

من حسن حظّ العقيد فاتح حسون أن ديمستورا لم يطلب منه توضيحاً أو اعتذاراً علنياً عن تصريحاته وتحليلاته، لكن لعلّ ديمستورا سعيدٌ بما يحصل، فالوضوح وقول الأشياء كما هي أمرٌ لا يروق له، ويبدو أن الرجل حريصٌ على نقل رسائل النظام التي تتوعد بسحق المعارضة إذا غادرت المؤتمر، لكنه ليس معنياً أبداً بجعل الأشياء أكثر وضوحاً.

لكن ما فات الجميع قوله هو أن تلك الهجمات لم تكن هجمات إرهابية أصلاً، فالإرهاب هو استهداف المدنيين المتعمد لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية، وتلك الهجمات لم تكن تستهدف المدنيين.

لا شكَّ أن جناح القاعدة القوي في هيئة تحرير الشام كان يهدف من تلك الهجمات إلى إفشال المفاوضات، لكنها ليست هجمات إرهابية على كل حال، وما يُقدِّمُ الذريعةَ والبيئةَ الملائمةَ لتنفيذها هو عنف النظام المتواصل، وليس من الممكن إدانة تلك الهجمات إلا بإدانة استمرار النظام في عملياته العسكرية.

ما تقدَّمَ واحدٌ من الإجابات التي كان يمكن لسيادة العقيد المنشق الاكتفاء بها بدل تحليله العسكري والسياسي المراوغ والمحزن، لكن يبدو أن أحداً لا يعير انتباهاً إلى ما تقوم به القوى العظمى في ثنايا مؤتمراتها للسلام، أعني «إعادة تعريف مصطلح الإرهاب» بحيث يصبح مناسباً لوصف أي رصاصةٍ تطلقها جهاتٌ غير الدول ذات السيادة المعترف بها في الأمم المتحدة.

***

في جنيف تبدو واضحةً هشاشة نظام الأسد السياسية، وهو الدولة ذات السيادة المعترفُ بها في الأمم المتحدة، ويدلُّ على تلك الهشاشة إصرار وفد النظام على رفض النقاش في المسائل السياسية قبل مسائل مكافحة الإرهاب، خلافاً لما يطرحه ديمستورا مستنداً إلى القرار 2254.

تريد القوى العظمى من وفد النظام أن يناقش المسائل السياسية مع وفد المعارضة في جنيف، ويبدو أن روسيا نجحت في إجباره آخر الأمر على القبول اللفظي بنقاشٍ كهذا، لكن هذا القبول اللفظي بدا أشبه بتجرّع السمّ بالنسبة له، على الرغم من تفاهة نتائجه وعدم أهميتها.

السياسة التي يعرفها النظام هي سياسة العلاقات الدولية، السياسة في التعامل مع الدول ذات السيادة، أما في التعامل مع السوريين الآخرين فإنه لا مجال لأي سياسة مهما قلّت مقاديرها، بل هو العنف وعلاقات الحرب فقط. ليس هذا نظاماً سياسياً، بل هو كتلةٌ مدججةٌ بالسلاح يتزعمها بشار الأسد، وتحميها إيران وروسيا وميثاق الأمم المتحدة.

في جنيف تريد القوى العظمى منحَ هذه الكتلة العسكرية معنىً سياسياً، تريدُ أن تجعلها نظاماً سياسياً، وتقدِّمُ لها في سبيل ذلك كل الدعم والوقت اللازمين، لكنها تبدو حتى اللحظة عاجزةً عن استغلال هذا الدعم والتحوّل إلى ممارسة بعض السياسة مع السوريين، حتى أنها لا تتيح لخصومها خيار الاستسلام.

تقول الدول العظمى للنظام السوري في جنيف: «مارِس بعض السياسة وستنجو»، لكنه يردُّ بأنه لا يستطيع ذلك حتى الآن، ويطلب المزيد من الوقت والسلاح والأراضي، والقرارات الدولية.

موقع الجمهورية،

 

 

 

 

سوريا.. مفاوضات من نوع مختلف/ ثائر الزعزوع

تشير كافة المعطيات التي وصلت إليها الأيام الماضية من مفاوضات جنيف 4 بين وفود المعارضات السورية من جهة، وبين وفد نظام دمشق من جهة أخرى، إلى أن هذه المفاوضات لن تحرز تقدما يذكر ولن تكون طوق نجاة لسوريا التي تكاد تغرق في لجة محيط من الحروب التي لا تنتهي، وهي غارقة فيه أصلا. إلا أن مفاوضات من نوع آخر تجري بعيدا هناك على الأرض السورية، قد تكون أكبر تأثيرا وستكون انعكاساتها وتداعياتها حاسمة أكثر من تضييع الوقت في تنظيم أوراق عمل تتطاير مع تصريح طائش قد يصدر عن هذا الطرف أو ذاك، أو “حرد” سياسي شبيه بذلك الذي حدث في جنيف 3.

المفاوضات على الأرض لا يمكن فصلها عن أروقة جنيف، رغم أنها تخالف فحواه التي تقوم أصلا على فرض هدنة بين المتحاربين كانت موسكو قد أشرفت على توقيع بنودها النظرية في العاصمة الكازاخية أستانة قبيل الذهاب إلى مدينة جنيف بأيام قليلة، وتعهدت موسكو نفسها بأن تسهر على تنفيذها، لكنها لم تفلح ولا نظن أنها ستفلح، لذلك نـراها تبحث عـن سبل أكثر نجاعة ولا تستبعد اللجوء إلى الحل الأميركي – التركي الذي يقترح إقامة مناطق آمنة شمال البلاد وجنوبها، ربما تفصل ما بين المتحاربين وتضمن لمن تبقى من المدنيين أن ينعموا بالسلام أخيرا بعد قرابة ست سنوات من القصف والتدمير المتواصل.

تلك المفاوضات الدموية لم تبدأ بانفجار هزّ أركان المربع الأمني في مدينة حمص وأودى بحياة العشرات من القتلى من القوات الأمنية بينهم ضابطان كبيران، لكنها بدأت قبل ذلك بغارات مازالت مستمرة حتى الآن على مدينة درعا جنوبا، وعلى مناطق غوطة دمشق الشرقية التي مازالت خارجة على سيطرة النظام، وعلى مناطق متفرقة في ريفي حلب وإدلب كانت حصيلتها العشرات من الضحايا من المدنيين. كل ذلك بالتزامن مع سباق محموم على الأرض تقوم به قوات النظـام المدعومة بغطاء جوي – روسي باتجاه بعض المناطق في ريف حلب، مدينة الباب خاصة، والتي استطاع الجيش الحر المدعوم من تركيا طرد عناصر تنظيم داعش منها، وهو يستعد للتقدم أكثر في منطقة تريدها تركيا خالية من عدوين أساسيين لها، تنظيم داعش من جهة والقوات الكردية من جهة أخرى، والتي سارعت بدورها إلى التقدم باتجاه معاقل تنظيم داعش في مدينة دير الـزور، وهي مدعومة بغطـاء أميركي. دون أن ننسى أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تبدو جادة أكثر من سابقتها في موضوع القضاء على تنظيم داعش وإنهائه.

علينا ألا ننشغل بمتابعة مفاوضات على الورق نعلم سلفا أنها لن تصل إلى نتيجة، فلا رأس النظام في دمشق سيوافق على الرحيل طواعية، ولا المعارضة تستطيع القبول ببقائه حاكما (إلى الأبد)

ولذلك فهي قد تسرّع من وتيرة تلك العمليات التي تقوم بها القوات الكردية، وسـوف لن تـدخر جهدا في دعمها وإسنـادها، لا بغطـاء جوي فقط ولكن بقدرات وقوات عسكرية على الأرض، ويبدو أن الزيارة الخاطفة التي قام بها السناتور الجمهوري البارز جون ماكين تندرج ضمن هذه الخطة الأميركية، دون أن نغفل ما قد يحدثه الدعم الأميركي لتلك القوات الكردية من استيـاء تركي قـد ينعكـس سلبـا على تقـدم العمليـة، وقـد يؤخـر الوصول إلى مدينة الرقة العاصمة السورية لتنظيم داعش.

ويبدو أن نظام دمشق قد تلقى الرسالة الأميركية التي لم تكن موجهة إليه أصلا، لذلك فقد بادر إلى الإعلان أنه ماض في طريقه لطرد تنظيم داعش وتطهير البلاد من وجوده، رغم أن بشار الأسد كان قد استبعد في أوقات سابقة التنظيم من أجندته، واعتبر أن حربه على ما يسمّيه بـ“المؤامرة الكونية”، والتي يقصد بها الثورة الشعبية ضد نظامه، تتصدر سلم أولوياته وسيأتي دور تنظيم داعش لاحقا. فالتنظيم وكما هو معلوم للجميع يقبع في مدينة تدمر آمنا، وهي أقرب جغرافيا بالنسبة إلى العاصمة دمشق من مدينة حلب، وقد يكون طرده من المدينة الأثرية أكثر جدوى من الناحية الاستراتيجية من ملاحقة فلول التنظيم في أطراف مدينة الباب، إلا إذا كان القصد من هذا التحرك فعلا هو استدراج تركيا إلى مواجهة مباشرة تكون كفيلة بقلب المعادلة رأسا على عقب.

وكان علي حيدر، وزير المصالحة الوطنية في حكومة النظام، لم يستبعد إمكانية المواجهة العسكرية مع تركيا، رغم أنه يدرك كما كافة أركان نظام دمشق، أن قوات النظام السوري أو ما تبقى منها ليست قادرة على خوض مواجهة مباشرة مع فصائل الجيش الحر، فكيف الحال مع الجيش التركي؟ ودون أن نسقط من حساباتنا حالة التلاسن وتبادل الاتهامات التي بدأت بالتصاعد مؤخرا بين كل من أنقرة وطهران الحامي الرئيس لنظام الأسد، مع أننا نتوقع أنها لن تتطور إلى أكثر من ذلك، إلا أن كل ذلك مجتمعا يشكل توزيعا جديدا للأوراق ليست روسيا ولا الولايات المتحدة بغائبتين عنه، بل إنهما حاضرتان بقوة في كل تفاصيله، وهو ما سوف ينعكس لاحقا على ما يسمّى بـ“التسوية” السياسية للمسألة السورية.

علينا أن نراقب ما يحدث على الأرض دون أن ننشغل كثيرا بمتابعة مفاوضات على الورق نعلم سلفا أنها لن تصل إلى نتيجة، فلا رأس النظام في دمشق سيوافق على الرحيل طواعية، ولا المعارضة تستطيع القبول ببقائه حاكما “إلى الأبد”.

كاتب سوري4

العرب

 

 

 

 

 

ما بعد جنيف 4/ د. رياض نعسان أغا

من المتوقع أن يتصاعد التهكم الشعبي السوري على متوالية مؤتمرات جنيف وأستانة، وفي كل ساعة يتأخر فيها الوصول إلى حل سياسي، يفارق الحياة عشرات الأشخاص. ومن المتوقع أيضاً أن يتصاعد استخدام الأسلحة المحرمة دولياً، بعد أن منحت روسيا والصين ضمان عدم العقاب والملاحقة القانونية للنظام السوري عبر «الفيتو» الذي جعل مجلس الأمن معطلاً فاقد القدرة على تحقيق الأمن للشعوب المضطهدة.

وبعد أيام تدخل القضية السورية عامها السابع، ويتفاءل بعض السوريين بأن تنتهي السنون العجاف بحل إلهي، وأن يتلمسوا خطوة ولو كانت وئيدة نحو الحل السياسي، وهذا ما جعلنا نشعر بأن الموقف الروسي بدأ يتحرك قليلاً حين وافقت موسكو على بدء مفاوضات الجولة الرابعة من جنيف ببحث عملية الانتقال السياسي، ومارست ضغوطاً على النظام كي يقبل، مع توجسنا بأنه لن يكون جاداً، ولا يملك وفده المفاوض صلاحية التنازل عن سلطات النظام لسلطة جديدة هي هيئة الحكم الانتقالي، حتى لو كان نصفها من النظام نفسه، فكيف أمام إصرار المعارضة على ألا يكون للأسد دور في مستقبل سوريا.

سيعبث النظام بتفسيرات سفسطائية لبيان جنيف، تزعم أن الانتقال السياسي لا يعني التخلي عن الأسد، وقد يكرر الروس قولهم «لسنا متمسكين بالأسد، ولكن لا بديل عنه، والتخلي عنه سيقود البلاد إلى فوضى»، وكأن سوريا بقيادته اليوم تنعم بالاستقرار! وسيدافع بعض المعارضين الناعمين عن حق الأسد في الترشح للانتخابات الرئاسية وهم يعلمون أن الشعب السوري في الشتات لن يملك القدرة على مواجهة الموالين للأسد في انتخابات مهما كانت نزيهة.

ولا يغيب عن أحد أن الانتقال السياسي هو مغادرة عهد وحكم قائم، إلى عهد وحكم جديدين، ولئن كانت المعارضة قد قبلت بالتشاركية مع النظام، فهذا قبول بالحفاظ على المؤسسات والبنى التحتية التي لم تدمر بعد، ولكن بقاء من ارتكبوا المجازر وقتلوا وهدموا واعتقلوا وعذبوا الشعب، ومن أحرقوا البلد يناقض الانتقال الذي حدده بيان جنيف بوضوح.

والعقدة الكبرى في مسار الحل هي مستقبل الأسد، ورعاة الحل السياسي دولياً يدركون ذلك، ويعلمون جيداً أن تعثر مسار المفاوضات ليس في خلاف حول مستقبل سوريا الديموقراطية، وإنما هو حرصهم على مستقبل الأسد فقط، لأنه الضامن لبقاء روسيا، ولسلطة إيران وتوسعها الإمبراطوري في الشرق الأوسط، وهناك آخرون يخشون أن تنهض سوريا من مستنقع الموت والدمار، وأن تخرج عن السيطرة التقليدية.

وهم يدركون أن نهاية عهد الأسد تعني نهاية سريعة لكل تنظيمات الإرهاب التي أطلقها النظام من جحورها للتعمية على ثورة الشعب، ولكي يصل إلى هذا التوصيف الذي سعى إليه، بتقديم القضية السورية على أنها إرهاب يهدد الشرعية (الأسد أو الإرهاب)، وقد أسهمت جهات مخابراتية كبرى في جمع شتات الإرهابيين من مختلف دول العالم إلى ما سموه «مصيدة الذباب»، ونسيت الحكومات قضية شعب ثار من أجل الحرية وطالب بالكرامة وهدفه بناء دولة مدنية ديموقراطية تنهي مرحلة الدولة العسكرتارية الأمنية.

وحسبنا شاهداً على زيف ما يحدث من تمويه، لغز تنظيم «داعش» الذي تعجز ستون دولة ونيف عن محاربته والقضاء عليه، وها هو ذا في الجنوب السوري ببضع مئات من جنوده مستمر في عدوانه على الجيش الحر يساعده النظام بغطاء من القصف، فضلاً عن القصف الحليف على مناطق المعارضة الوطنية وعلى خطوط الإمداد في المنطقة الغربية من محافظة درعا، والأخطر تجاهل قوات التحالف الدولي لهجوم «داعش» وتقدمها نحو مزيريب وطفس والعجمي ودرعا المدينة وسواها من قرى المنطقة، وهذا كله يحدث اليوم، بعد أستانة وعهود الهدنة ووقف إطلاق النار.

لقد أقررنا بأن روسيا بدأت تقدماً طفيفاً نحو جدية في الحل السياسي عبر موافقتها على بحث قضية الانتقال السياسي، وإذا غضضنا الطرف عن فجيعة «الفيتو» الذي استنكره العالم، فسوف ننتظر من روسيا المتفردة بالشأن السوري جدية أقوى في غياب الولايات المتحدة عن مفاوضات جنيف، وإلا فسوف ينهار بنيان الحل السياسي، وستمتد المأساة السورية إلى عقود مقبلة، لا سمح الله.

الاتحاد

 

 

 

من جنيف 1 إلى 4 مراجعة لمسلسل المفاوضات السورية/ ماجد كيالي

بات للصراع السوري، إضافة إلى مساره الحربي والكارثي والمأسوي، مساره التفاوضي الطويل والمضني والمعقد أيضاً، الذي امتد بين 2012 و2017، أي خمسة أعوام، من دون أي نتيجة ترتجى، من جنيف 1 إلى 4، بما في ذلك مسار آستانة، الذي تم تدشينه الشهر الماضي.

بيد أن المشكلة في ذلك المسار التفاوضي أنه لم يأت نتيجة قناعة الطرفين المتصارعين مباشرة (أي النظام والمعارضة)، بالحوار للتوصل إلى حلول سياسية أو تفاوضية، إذ إن ذلك ليس في قاموسهما، وليس على أجندتهما، وخاصة أن النظام رفض منذ البداية، أي منذ الثورة السلمية، أيَّ حل سياسي، مفضلاً استخدام القوة العاتية في مواجهة أغلبية السوريين، حتى أنه ذهب في مرحلة الصراع المسلح إلى حد استدعاء تدخّل عسكري من دولتين (إيران وروسيا)، مع ميليشيات لبنانية وعراقية وأفغانية، للقتال إلى جانبه، في حين أن المعارضة توخّت منذ البداية إسقاط النظام، بغض النظر عن إمكانات ذلك من الناحية العملية. هذا أولاً. ثانياً، تم رسم المسارات التفاوضية للصراع السوري، في محطاته المتوالية، من الخارج، كتعبير عن إرادة الأطراف الدوليين والإقليميين المنخرطين فيه، بشكل أو بآخر، في محاولة منها لتقطيع الوقت، أو لإضفاء مبررات سياسية على مواقفها المترددة، أو اللاأخلاقية، إزاء مأساة الشعب السوري. وفي غضون كل ذلك، ظل المسار التفاوضي محكوماً بالإرادات الخارجية، أكثر مما هو محكوم بإرادات الطرفين المتصارعين، أو بأولوياتهما، أو بموازين القوى المتحركة أو المتغيرة بينهما. ثالثاً، الأهم أن الأطراف الدولية والإقليمية، والتي تساند كل واحد من الطرفين المتصارعين (النظام والمعارضة)، لم تشتغل على حسم الصراع، أو وقفه، للتفرغ للمفاوضة، وإنما على تسعير الصراع المسلح والإبقاء عليه، لفرض إملاءاتها على الأطراف الأخرى، من دون مبالاة بمعاناة السوريين، ولا بالأثمان الباهظة المدفوعة في هذا الصراع بأشكال مختلفة.

اللافت أن المعارضة السورية، بكل أطيافها السياسية والعسكرية، لم تشتغل على أساس أنها تدرك المعطيات المذكورة أو التداعيات الناجمة عنها على الشعب والقضية والثورة، بل إنها اشتغلت وكأن هذه مجرد تفاصيل هامشية، إذ بدت في مجمل المحطات التفاوضية فاقدة الإرادة، أو ضعيفة القدرة، فضلاً عن افتقادها الرؤية الواضحة بخصوص القضايا التفاوضية، إذا استثنينا شعارها المتعلق بـ «إسقاط النظام»، أو مطالبتها المستمرة بالاستناد إلى مرجعية بيان جنيف1، وفق تفسيرها، والرؤية التي قدمتها «الهيئة العليا للمفاوضات»، إلى الأطراف الدوليين بخصوص مستقبل سورية.

وعدا ما ذكرناه، فإن المعارضة لم تتوحد حتى على صعيد وفودها، إذ تغيرت طواقمها التفاوضية بين جنيف2 و3 و4، ما أضعف صدقيتها، وبدّد خبراتها. هكذا كان يترأس وفد المعارضة إلى جنيف 2 السيد أحمد الجربا، رئيس «الائتلاف» في حينه، يعاونه هادي البحرة كبيراً للمفاوضين. وفي جنيف3 بات العميد أسعد الزعبي رئيساً للوفد، المتشكل من «الهيئة العليا للمفاوضات» التي تأسست لهذا الغرض، وبات فيها محمد علوش (المحسوب على «جيش الإسلام») كبيراً للمفاوضين، أما في جنيف4 فقد غدا نصر الحريري رئيساً للوفد ومحمد صبرا رئيساً للمفاوضين. وربما يجدر التذكير هنا أن وفد النظام بقي على حاله في مختلف المحطات برئاسة بشار الجعفري (وحتى في مسار آستانة).

بديهي أن هذا الكلام لا ينطوي على تحميل المعارضة أي مسؤولية عن إخفاق الخيار التفاوضي، أولاً بالنظر إلى ضعفها، وافتقادها السيطرة على أوضاعها. وثانياً، لأن النظام هو المسؤول عن إخفاق هذا الخيار، مع حلفائه (إيران وروسيا). وثالثاً، لأن الأطراف الدولية والإقليمية الأخرى، التي تبدو متعاطفة مع مطالب الشعب السوري بالتغيير السياسي، إما لم تحسم أمرها (كالولايات المتحدة)، أو أنها غير قادرة وحدها على فرض أجندتها (كتركيا وأوروبا والدول العربية)، لكن هذا الكلام يفيد فقط بنقد إدراكاتها وطرق عملها وخطاباتها، وعدم مراجعتها أحوالها.

والمعنى من ذلك أن المعارضة السورية ليس فقط لم تتواضع بطرح أهدافها، أو مرحلة أهدافها، من دون أن يعني ذلك تخليها عن مطلبها بإسقاط النظام وتحقيق التغيير السياسي، وإنما أيضاً لم تعمل على الموازنة بين ما ترغبه وبين إمكانياتها، فضلاً عن أنها لم تقدم البديل المقنع، في السياسة والبنية والإدارة، إن لشعبها أو للعالم، لا في المناطق «المحررة» ولا في غيرها من ميادين، بل إنها قدمت ما يثير المخاوف منها، ومن المستقبل الذي تعد به السوريين والعالم، والأنكى أنها كانت دائماً تقبل متأخرة ما كانت ترفضه من قبل.

هكذا لم تتقاطع المعارضة السورية، ممثلة بـ «المجلس الوطني» (والفصائل العسكرية) مع بيان جنيف1 (في حزيران/ يونيو 2012)، الصادر عن مجموعة العمل الدولية من أجل سورية، واعتبرت نفسها في حل من عملية التفاوض، من دون أن يعرف أحد كيف يمكنها تحقيق ما تريده، وبواسطة أي قوى أو إمكانات، سوى التعويل على التدخل الخارجي والعمل المسلح.

في مرحلة لاحقة، أي في جنيف2 (2014)، أضحت المعارضة السورية، الممثلة بكيانها الرئيس («الائتلاف الوطني»)، أكثر براغماتية في تعاطيها مع الجهود الدولية، وفي تجاوبها مع دعوات التفاوض التي أطلقها المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي آنذاك، وانخرطت في تلك المفاوضات على قاعدة بيان جنيف1، على رغم تفسيراته المتباينة، سيما أن هذا البيان جرى تدعيمه بقرار من مجلس الأمن الدولي (2118). وطبعاً، فإن هذه المفاوضات لم تجدِ نفعاً، لأن النظام ظل يركز وقتها على رفض تفسير المعارضة لبيان جنيف1، وأولوية محاربة الإرهاب. وأيضاً فقد تمحور النقاش حول حضور إيران من عدم ذلك، والتباين في موقف روسيا والولايات المتحدة من تفسير بيان جنيف، ومن مصير الأسد، ومسألة الهيئة الانتقالية ذات الصلاحيات الكاملة. وطبعاً لم يتم التوافق لا على وقف إطلاق النار ولا الإفراج عن المعتقلين، ولا السماح للمساعدات الإنسانية بالوصول إلى المناطق المحتاجة والخاضعة للحصار.

أما مفاوضات جنيف3 (2016)، فقد عقدت بإشراف المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، الذي عين بعد استقالة الأخضر الإبراهيمي، الذي خلف كوفي عنان في هذا المنصب، وفي ظل صعود المعارضة المسلحة، وتضعضع النظام، وهو الوضع الذي استدرج تدخلاً عسكرياً روسياً، بواسطة الطيران الحربي (أيلول/ سبتمبر 2015). والحال أنه عقدت هذه المفاوضات تحت سقف سياسي مختلف عن السابق، ووفقاً للقرار 2254، الذي تم التوافق عليه بين أطراف دولية وإقليمية (أهمها الولايات المتحدة وروسيا وتركيا والسعودية) في فيينا (أواخر 2015)، والتي توصلت إلى خطة طريق لحل سياسي في سورية (خلال 18 شهراً) بقيام حكومة مشتركة، أو هيئة حكم ذات مصداقية، من النظام والمعارضة، تشمل الجميع وغير طائفية، واعتماد مسار لصياغة دستور جديد لسورية، مع تجاهل مصير الرئيس الأسد.

لم تنجح هذه الجولة التفاوضية أيضاً، إذ أصرت المعارضة على تنفيذ الشق الإنساني من القرار 2254، لجهة فك الحصار عن المناطق المحاصرة، وإطلاق سراح المعتقلين، وتسهيل دخول مساعدات إنسانية للمحاصرين، لكن النظام لم ينفذ ذلك متسلحا بالتدخل الروسي، الذي غير المعادلات على الأرض لمصلحته.

الآن تنعقد الجولة الرابعة من مفاوضات جنيف، مع حلول إدارة أميركية جديدة في البيت الأبيض، وبروز نوع من التباين الروسي- الإيراني، والخصومة الأميركية- الإيرانية، ومع الدخول التركي المباشر على خط الصراع السوري، عبر عملية «درع الفرات».

لكن المؤسف أن المعارضة السورية ما زالت على حالها من الضعف والترهل والارتهان، ولم تقم بما عليها، إن لتعزيز وحدة صفها، أو لجهة طرح رؤى سياسية واضحة، أو لجهة اعتماد استراتيجية تفاوضية جديدة تُحدث فرقاً، مثل طرح فكرة دولة مواطنين، مدنية (لا طائفية ولا دينية ولا عسكرية)، في نظام ديموقراطي برلماني، وفي إطار فيدرالية على أساس جغرافي (لا إثني ولا مذهبي) تكفل عدم وجود مناطق محرومة، أو وجود مركز وأطراف، لأن النظام البرلماني والفيدرالي، في دولة ديموقراطية تكفل الفصل بين السلطات، هو الذي يضع حداً للمخاوف بشأن قيام نظام استبدادي جديد مهما كان لونه أو نوعه.

* كاتب فلسطيني

الحياة

 

 

 

 

مقترحات للمفاوضين في «جنيف 4»/ ماجد كيالي

لا يبدو أن المفاوضات بين النظام والمعارضة، الجارية في جنيف هذه الأيام، ستصل إلى خواتيمها المرجوّة بالنسبة إلى جميــع الســوريين إذا لم تحسم الدول الكبرى أمرها، لجهة فرض إنهاء الصراع الدامي والمدمر، والتمكين من تحقيق التغييـــر السيــاسي في سوريـــة، بعد كـــل الأثمــان الباهــظة التي دُفعت. أيضاً، لا يبدو أن أياً من الطرفين المتصارعين قادر علـــى فرض إرادته على الطرف الآخر بقواه الذاتيـــة، لا النظام ولا المعارضة، في ظل هذه الظروف والمعطيات الصعبة والمعقدة.

بناء على ما تقدم، ربما تطلب هذا الوضع من وفد المعارضة السورية التصرّف على أساس إدراك مسألتين: الأولى، أن النظام الذي فعل كل ما فعله بشعب سورية، وبعمرانها، طوال السنوات الست الماضية، لا يمكن أن يرضخ بالحوار، أو أن يقتنع بحجج المفاوضين المعارضين ومطالبهم، مهما كانت بليغة ومحقّة. أي أن الحوار أو المفاوضة هنا لا تجرى مع النظام تحديداً، حتى وهو يقف في المقابل مباشرة أو مداورة عبر الوسيط الدولي. والثانية تتمثل بضرورة اعتبار الصراع التفاوضي، الحاصل في جنيف، جزءاً من الصراع على الرواية والصورة، وعلى مكانة المعارضة، إزاء شعبها وفي العالم، لا أكثر، ومن دون أية أوهام.

لذا، وبمقتضى هذا وذاك، كان يجدر بالمعارضة أن تذهب إلى المفاوضات بوفد مصغّر مسلّح بالخطوط التفاوضية، التي يفترض أنه تم التوافق عليها، بدلاً من هذا الحشد الكبير الذي لا يفيدها (22 مفاوضاً إليهم منصتا القاهرة وموسكو)، بقدر ما يظهر ضعف صدقيتها وتصرفها بطريقة مزاجية وغير مسؤولة، فضلاً عن إظهارها مشتتة التوجهات والإرادات والارتهانات.

على أساس إدراك كل ما تقدم، وضمنه حدود «اللعبة» التفاوضية في هذه الظروف، يمكن وفد المعارضة أن يطرح مبادرات كثيرة، لتوضيح موقفه وتعزيز مكانته إزاء السوريين والعالم، عبر إيجاد تقاطعات بين تصوراته لمستقبل سورية وتصورات المجتمع الدولي، أو الأطراف الدولية الفاعلة، باعتبار أنها أضحت عاملاً فاعلاً في الصراع السوري، وأيضاً لكسب تعاطفها كقوة مضافة بالنسبة له، في هذه المعركة السياسية.

في هذا الإطار يمكن المعارضة طرح عدة مبادرات أو أفكار تفاوضية، من خارج الصناديق الجاهزة، ضمنها، مثلاً، اقتراح فكرة التحوّل من النظام الرئاسي إلى النظام البرلماني، أو المختلط (على الطريقة الفرنسية مثلاً)، على قاعدة لا طائفية ولا إثنية، أي على أساس دولة المواطنين المتساوين.

حقاً لا أعرف لماذا لم تطرح المعارضة مثل هذا الأمر حتى الآن، ولا ما الذي تتوهمه بتمسكها بالنظام الرئاسي. أهمية هذا الطرح أنه يقلب المعادلات التفاوضية، إذ ظـــل النقاش حول مكانة الرئيس يشكل عقدة استعصاء في المفاوضات، وفي خصوص الحل السوري. فضلاً عن أن القطع مع النظام الرئاسي يفيد بخلق واقع لا يسمح بإعادة إنتاج النظام الاستبدادي. وبديهي أن طرحاً كهذا يمكن أن يربك النظام. هذا أولاً.

ثانياً، طرح فكرة الفيديرالية، والفكرة هنا أن الفيديرالية تطرح على قاعدة خطوط جغرافية، وليس على أساس معايير إثنية أو طائفية، بحيث تخلق نوعاً من حكم محلي تمثيلي مناطقي، يعزز المشاركة الشعبية في الحكم، بدل المركزية المطلقة، ويعد بتنمية متوازنة، بدلاً من إبقاء الأطراف محرومة، وباعتبار أن النظام الفيديرالي يشكل عقبة أمام أية محاولة لإعادة إنتاج نظام الاستبداد، الذي ينجم عن النظام الشديد المركزية.

مفهوم أن ثمة تخوّفاً من فكرة الفيديرالية لدى قطاع واسع من السوريين، وهذا عائد إلى نمط الثقافة السياسية المشوّهة التي أشاعها النظام، والتي استفاد منها بوضع مكونات البلد في مواجهة بعضهم لتسهيل الهيمنة عليهم. وفي الواقع فإن الفيديرالية لا تعني التقسيم البتّة، لأن السلطات الأساسية تبقى بيد الحكومة الفيديرالية المركزية (المالية والخارجية والجيش)، في حين تبقى المسائل المتعلقة بخدمات التعليم والصحة والبناء والتنمية والأمن الداخلي خاضعة للحكم المحلي التمثيلي، الذي يأتي عبر الانتخابات أيضاً.

وطبعاً، لا تنطوي الفيديرالية على أية مؤامرة، على ما يدّعي البعض، إذ إن أهم الدول في العالم اليوم، وضمنها الولايات المتحدة وألمانيا والصين وروسيا انبنت على أساس فيديرالي. أما المخاوف في شأن استقلال أو انفصال هذه المنطقة أو تلك، على أساس إثني، فمجرد ادعاءات أو توهمات لأن الانفصال يحصل في دول ذات طبيعة مركزية أيضاً (اليمن والسودان وتشيكوسلوفاكيا)، وتبعاً للظروف الداخلية والدولية، ولأن الدول الفيديرالية التي تؤمن التنمية المستدامة والمتوازنة والحقوق المتساوية للمواطنين، هي الدول النماذج التي تبدو أكثر تحصيناً ضد اية دعوات انقسامية. ثم إن الدولة الفيديرالية، القائمة على المواطنة والديموقراطية، هي الأكثر مناسبة لظروف سورية، بتنوعها، ما يجعل من ذلك عامل حيوية وإغناء بدل أن يكون عامل شقاق أو انقسام.

ثالثاً، الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، والتأكيد في الدستور أن الرئيس (في النظام الرئاسي أو المختلط) أو رئيس الحكومة ينبغي أن يكون مسؤولاً فقط عن السلطة التنفيذية، ولا علاقة له بالسلطات الأخرى، التي ينبغي له أن يخضع لها، أو يلتزم بتوجهاتها. ومع أن هذه المسألة مطروحة في مختلف التصورات، إلا أنها لم تتحدد على النحو اللازم، إذ يتم إعطاء الرئيس صلاحيات تتيح له الهيمنة على السلطتين التشريعية أو القضائية، بالحل أو بالتعيين. وهذا ما ينبغي تأكيده في نصوص دستورية، لا يمكن التلاعب بها، ولا بأي شكل. ومفهوم أن الفصل بين السلطات أساس النظم الجمهورية، لا سيما الديموقراطية، التي تحيل السيادة في أية دولة للشعب، وليس للرئيس، أو لنظام الحكم، الذي ينبغي أن يخضع لإرادة الشعب.

هذه مجرد مقترحات للمفاوضين في جنيف 4 وفي غيرها، وهي تتلاءم مع مصالح غالبية السوريين في تحقيق التغيير السياسي في سورية، وتعزز التقاطع بين مصلحتهم الجمعية وبين الرؤى أو القيم السياسية السائدة في العالم، وضمنه ما يقترحه الفاعلون الدوليون.

يمكن استثمار المنصّة التفاوضية، بغضّ النظر عن جدواها في هذه الظروف… دعوا النظام يرفض…

الحياة

 

 

 

فعلياً: موسكو وطهران في موقع واحد/ بيسان الشيخ

لم تتأخر الانعطافة الروسية حيال القبول بـ «الانتقال السياسي» في سورية لتظهر على حقيقتها. فبالكاد بدأت تشاع أجواء ارتياح وإن مشوبة بالحذر لإدراج البند المرفوض جملة وتفصيلاً من قبل النظام السوري على جدول الجولات المقبلة، حتى سارعت الخارجية الروسية إلى اتهام «الهيئة العليا للمفاوضات» بإفساد المحادثات، لرفضها الاعتراف بمنصتي موسكو والقاهرة هيئات تفاوضية معارضة بدرجة التمثيل نفسها.

وصحيح إنه جرى نوع من المبالغة في التعويل على «الإنجاز» الذي أحرزته المعارضة بفرضها «الانتقال السياسي» بنداً على جدول الأعمال، وربما لانخفاض سقف التوقعات عموماً، اعتبر ذلك نجاحاً باهراً، لكن يبقى من المفيد أيضاً عدم الاستهزاء والاستخفاف بتقدم من هذا النوع في مفاوضات على درجة عالية من التعقيد وعدم التكافؤ. فقد كان لافتاً أن تنصب أخيراً غالبية الانتقادات والمطالب من أوساط المعارضة نفسها على ضرورة أن تنسحب الهيئة من المفاوضات تأكيداً لـ «ثبات موقفها» ورفضاً منها لأطياف فرضت عليها فرضاً كمنصتي القاهرة وموسكو.

وتلك مطالب، على حسن نوايا مطلقيها، تبقى ذات بعد عاطفي يرضي ربما «الكبرياء الثوري» لأصحاب الشرعية الفعلية على الأرض، ولكنه عملياً لا يشكل أداة ضغط أو مبارزة سياسية قادرة على تحقيق أي مكسب لهم. وإلى ذلك، فهو موقف أقرب إلى رد الفعل الذي لا يحمل أي بديل سياسي قابل للنقاش. فلو لبى المفاوضون مثلاً تلك الرغبة وانسحبوا بالفعل، لما كان حتى بند «الانتقال السياسي» على رمزيته ليرى النور. كما كانت المنصتان المذكورتان، وربما أضيف إليهما لاحقاً منصة بيروت، لتعتبرا الممثل الشرعي الوحيد للمعارضة السورية. ونقول الشرعي، لأن الشرعية هنا ليست مستمدة فقط من الميدان ولكن من «الاعتراف الدولي» وقابلية التفاوض السياسي.

وبهذا، إذا سلمنا جدلاً بأن السياسة فن الممكن، فإن مجرد بقاء المفاوضين إلى طاولة جنيف، ودفعهم قدماً بمطالبهم ضمن المتاح، يجب أن يحسب لهم. فهم، ولمرة، قدموا موقفاً متماسكاً إلى حد بعيد، وأثبتوا تقدماً في المهارات التفاوضية وسحبوا بالفعل ذلك الاعتراف الدولي من دون تقديم تنازلات سياسية كبيرة. فحتى شرط «محاربة الإرهاب»، تم الالتفاف عليه بديبلوماسية عالية، من دون الدخول في سجالات تعريف الإرهاب والدفاع عن مجموعات متهمة به. وحتى الساعة، لا هم قبلوا بشرط بقاء الأسد، ولا تعاونوا مع ممثليه من المعارضين الآخرين. وذلك مما يفترض البناء عليه، عوضاً عن تقويضه والعودة إلى خانة الصفر.

لكن المشكلة ليست هنا. فهي من جهة تكمن في توقع المعجزات من وفد معارض لا ينفك يتبدل أعضاؤه ويتغيرون، وقد يحظى أو لا يحظى بدعم الفصائل المسلحة، مع ما يعنيه ذلك من تشرذم في التمثيل وتكريس مسارات موازية في آستانة وغيرها، ومن جهة أخرى التعامل مع مفاوضين غير موثوق بهم من طرف النظام، ولا ضامن دولياً لأدائهم.

والحال أن روسيا، التي تضطلع بدور كبير المفاوضين لمصلحة نظام الأسد، ليست حديثة العهد في التلاعب والمناورة وخرق العهود. فمنذ جنيف1، وموسكو تؤكد عدم تمسكها بشخص بشار الأسد، حتى أنها لم تتوان عن إهانته وإذلاله والاستهزاء بجيشه. لكن الأقوال شيء، والأفعال شيء آخر. فما تفاوض عليه روسيا في سورية هو مصالحها واستثماراتها وقواعدها العسكرية، وليس لها من ضامن لذلك في الوقت الراهن غير بشار الأسد نفسه. كما تشكل سورية ورقة ضغط أساسية في يدها تلوح بها للمجتمع الدولي حين يشتد عليها الضغط في أوكرانيا. لذا، فهي لا تملك أن تتخلى عن حصان تريده رابحاً بشتى الطرق ريثما تتضح خريطة مصالح جديدة قد تفاوض عليها، وقد لا تفاوض.

وذلك المسار هو حرفياً ما قامت به موسكو في الجولة الأخيرة من مفاوضات جنيف. فقد منحت المعارضة السورية والمجتمع الدولي «حقنة مخدر» تمثلت بقبولها «الانتقال السياسي»، مثبتة مرة أخرى قدرتها الاستثنائية في «الضغط على النظام»، وهي بديهية بطبيعة الحال، لكنها عادت وأرفقت ذلك بعدد من الشروط التعجيزية، منها وضع كل المواضيع الخلافية على سوية واحدة. ثم، قبل أن تنتهي اجتماعات جنيف، كانت استخدمت في نيويورك حق «الفيتو» لوقف مشروع قرار لمجلس الأمن يدين النظام السوري بسبب استخدامه الأسلحة الكيماوية.

وعليه، أثبت عدمَ صحته وعدمَ جدواه ذاك التعويل السابق على خلاف جذري روسي- إيراني، على اعتبار أن خرق النظام وإيران لقرار وقف إطلاق النار الذي رعته موسكو في آستانة1 و2، أفقدها صدقيتها كضامن للاتفاق، ثم التسرع في إشاعة أجواء مفادها أن السوريين ميالون للتعامل مع الروس أكثر من قبولهم الإيرانيين لأسباب كثيرة منها طائفية. فالخلاف ذاك، لا يبدو أنه أفسد للود قضية بعد، ولا يعدو أن يكون مناورة إضافية يتبادل فيها الطرفان دور الشرطي الجيد والشرطي السيء لتحسين شروط التفاوض. إذ لا يزال عملياً الدفاع المستميت عن بشار الأسد ونظامه يسير على قدم وساق عسكرياً وديبلوماسياً، إيرانياً وروسياً، ولا يبدو أن ذلك قد يتغير قريباً.

أما ما يبقى لوفد المعارضة إذّاك، فالاستعداد لجولات كثيرة مقبلة من جنيف وآستانة وربما غيرهما، تحتاج قبل أي شيء الى نفس طويل طويل.

الحياة

 

 

 

تقويض استباقي لجنيف5: شروط تعجيزية للنظام لمنع الانتقال السياسي/ عدنان علي

لم يتأخر النظام السوري في إظهار نواياه تجاه الجولة المقبلة من مفاوضات جنيف السورية،

والتي من المفترض أن تعقد في وقت لاحق هذا الشهر، في أستانة وفي جنيف، وذلك من خلال وضع شروط أقل ما يقال عنها إنها تعجيزية وكفيلة بعرقلة المسار التفاوضي، بعدما أعلن مندوب النظام في الأمم المتحدة، رئيس وفده المفاوض بشار الجعفري، عن “شروط النظام”، وفي مقدمتها أنه يريد التفاوض مع وفد موحد للمعارضة. وتبدو واضحة محاولة النظام رمي الكرة في ملعب “الهيئة العليا للمفاوضات” التي تمثل المعارضة السورية، والتي كانت سباقة في المبادرة إلى اقتراح توحيد الوفد المفاوض مع كل من منصتي “موسكو” و”القاهرة”، مؤكدة أنها تبذل مساعي في هذا الاتجاه، في الوقت الذي عملت المنصات المقربة من النظام وروسيا على عرقلة تشكيل وفد موحد أو إجراء مفاوضات وفقاً لمقررات مؤتمر جنيف 2012 وقرارات الأمم المتحدة التي تعطي الأولوية للانتقال السياسي.

وقال الجعفري، في مؤتمر صحافي عقده أمس السبت في جنيف، إن النظام السوري يريد التفاوض مع وفد موحد للمعارضة، متهماً “الهيئة العليا للمفاوضات” بأنها ترفض التوحد مع مجموعات معارضة أخرى. كما اتهم المعارضة السورية بأنها “تأخذ محادثات جنيف رهينة لمواقفها”. وقال “التقدم في حوار جنيف لا يجب أن يكون رهينة لمنصة الرياض”، مضيفاً أن “الهيئة العليا للمفاوضات” ستتحمل مسؤولية الفشل في المحادثات، بحسب تعبيره.

وقال الجعفري إن الشرط الأول للنظام “هو أن تكون هناك معارضة وطنية سورية لا تطلب المساعدة من إسرائيل أو تركيا ولا تعمل وفقاً لأجندات المخابرات القطرية أو السعودية أو الأردنية أو الإسرائيلية”، على حد وصفه. أما الشرط الثاني “أن تكون هناك معارضة موحدة تتفق على جدول أعمال موحد”، مشيراً إلى أن النظام يبحث ما إذا كان سيعود لجولة المحادثات المقبلة.

كذلك اعتبر الجعفري أن “الإنجاز الأهم في هذه الجولة كان الاتفاق على جدول أعمال من أربع نقاط رئيسية يخدم مصلحة الشعب السوري العليا”. وقال: “استطعنا أن نفرض جدول أعمال اتسم بالعقلانية والاتزان ويخدم مصلحة الشعب السوري العليا، والموضوع الذي تم التركيز عليه بشكل كبير هو مكافحة الإرهاب”، حسب تعبيره. وأضاف: “النقاط الأخرى تطرقنا إليها بشكل عابر عدا مسألة الانتخابات، والتي لم نتطرق إليها على الإطلاق، كما لم نناقش جدول الأعمال بشكل معمق بل اتفقنا عليه مجرد اتفاق”، وفق قوله. وأوضح أن ورقة دي ميستورا “مبنية على ورقتنا التي قدمناها في الجولة السابقة وستتم مناقشتها في ضوء تعديلاتنا”، على حد تعبيره.

ولم تسفر الجولة الرابعة من مفاوضات جنيف السورية التي استمرت تسعة أيام عن نتائج ملموسة. والإنجاز الوحيد الذي أسفرت عنه الجولة يتمثل في تحديد جدول أعمال للجولة المقبلة، مع أنه لم يكن محط اتفاق كامل بين الطرفين، إذ اعتبرت المعارضة أنه يعبر عن وجهة نظر المبعوث الدولي، ستيفان دي ميستورا، أكثر من كونه اتفاقاً تم بتراضي جميع الأطراف.

ولعل الإنجاز الآخر الذي يمكن أن يحتسبه دي ميستورا في سجل “انتصاراته” هو عدم انسحاب أي من الوفود المشاركة، على الرغم من فشله في جمعها إلى طاولة واحدة، وهو ما وصفه دي ميستورا بأنه أمر إيجابي حتى الآن، معتبراً أن التفاوض غير المباشر هو الأفضل حتى الآن. وخلال المؤتمر الصحافي الذي عقده في نهاية المفاوضات، قال المبعوث الدولي إن المفاوضات كانت “بالغة الصعوبة لكنها بناءة”، خصوصاً في أيامها الأخيرة التي شملت الحديث في “الإجراءات والجوهر” في إطار تطبيق القرار 2254. واعتبر أن ما تحقق حتى الآن، يتمثل في إقرار “جدول أعمال واضح، (مؤلف من) أربع سلال”. وأضاف: “السلة الأولى، إنشاء حكومة شاملة غير طائفية، في فترة 6 أشهر؛ السلة الثانية، خلال ستة أشهر أيضاً، البدء بعملية صياغة دستور جديد؛ السلة الثالثة، مناقشة إجراء انتخابات حرة ونزيهة بعد وضع الدستور في غضون 18 شهراً وتحت إشراف الأمم المتحدة وتشمل اللاجئين السوريين ممن يحق لهم التصويت. أما السلة الرابعة، فأُضيفت لاحقاً بناء على طلب وفد النظام، وتركز “على مكافحة الإرهاب والحوكمة الأمنية، والعمل على إجراءات بناء الثقة بين الطرفين”، وفق المسؤول الأممي.

وأوضح المبعوث الأممي أن السلة الأخيرة ستتناول “استراتيجية مكافحة الإرهاب”، في حين أن مفاوضات أستانة ستركز على عمليات مكافحة المنظمات الإرهابية وهي تشمل بحسب الأمم المتحدة تنظيمي “(جبهة) النصرة و(تنظيم الدولة الإسلامية) داعش فقط”. وقال إن السلال الأربع ستتم مناقشتها بالتوازي.

وهذه النقطة الأخيرة قد ينظر إليها بعضهم على أنها فشل لجهود المعارضة التي أرادت التركيز على عملية الانتقال السياسي وفق بيان جنيف 2012، قبل الانتقال إلى بند مكافحة الإرهاب الذي تريده أن يتضمن أيضاً مكافحة إرهاب النظام ومليشياته. غير أن المستشار الإعلامي في وفد المعارضة، المفاوض وائل علوان، قال في حديث لـ”العربي الجديد” إن المعارضة لا تخشى من طرح موضوع مكافحة الإرهاب، خصوصاً أن كثيراً من القرارات الدولية دانت النظام بارتكاب انتهاكات تصل إلى جرائم الحرب، وهو ما يندرج في إطار “إرهاب الدولة”. وأشار إلى أن وفد النظام يريد فقط من خلال التركيز على هذا الموضوع حرف أجندة المفاوضات والتشويش على البند الأهم وهو عملية الانتقال السياسي. واعتبر أن هذه النقطة، أي الانتقال السياسي، سيكون لها الأولوية في الجولة المقبلة، لافتاً إلى أن “المشاورات سوف تتواصل بين وفد المعارضة والمبعوث الدولي وفريقه حتى انعقاد الجولة المقبلة من المفاوضات بغية التوافق على البنود الأخرى المتعلقة بعملية الانتقال السياسي مثل الإجراءات الدستورية التي ترافق هذه العملية والمتضمنة في القرار 2254″، وفق قوله.

وبشكل عام، رأى علوان أن نتائج الجولة كانت مقبولة نسبياً في ضوء الضغوط التي مارستها روسيا على وفد النظام للقبول ببحث عملية الانتقال السياسي التي كان يتهرب منها سابقاً. لكنه يلفت إلى أن الأوضاع على الأرض قد لا تساعد في المحصلة على نجاح هذه الجهود نظراً إلى مواصلة قوات النظام قصف العديد من المناطق، تحت غطاء روسي، الأمر الذي يخفض من حجم الآمال بإحراز تقدم في الجولة المقبلة، وفق تقديره.

وإذ أكد دي ميستورا أن مساري “أستانة وجنيف يُكملان ويعززان بعضهما البعض، إذ تركز الجهود المبذولة في أستانة على وقف النار، وتدابير بناء الثقة القصيرة الأجل ومكافحة الإرهاب”، اعتبر علوان أن ضبط الأوضاع على الأرض المرتبط باجتماعات أستانة لا يبدو فعالاً. وأضاف أنه “بناءً على التجارب السابقة فإن ما يتم اتخاذه من قرارات في أستانة لا يجري عادةً احترامه على الأرض من جانب النظام وروسيا”، على حد تعبيره. وأوضح أن المعارضة تعول أساساً على “صمود أهلنا وفصائلنا في الداخل وعلى ضغوط المجتمع الدولي على النظام وعلى روسيا معاً لنجاح تلك الجهود”.

ومن المقرر أن تنعقد جولة جديدة من محادثات أستانة في 14 مارس/آذار. وقال مسؤولون روس إن محادثات جنيف قد تستأنف في 20 من الشهر ذاته.

وبشأن قضية المعتقلين في سجون النظام، والذين تقدر معطيات مختلفة أن عددهم يزيد عن 200 ألف، فقد تم تجاهلها تقريباً في مفاوضات جنيف، باستثناء لقاء جمع دي ميستورا مع نساء من ذوي المعتقلين. لكن المبعوث الدولي قال في تصريحاته الختامية “إنه سمع اقتراحات من الحكومة السورية تتعلق بمبادلة المعتقلين، وإن هذا الأمر يمكن أن يناقش في أستانة”.

وقبل ختام المفاوضات، وزّع المبعوث الدولي اقتراحات جديدة على الطرفين المتفاوضين تتضمن 12 مادة مثل التأكيد على سيادة سورية وعدم جواز التنازل عن أي جزء من أراضيها وأن سورية ستكون “دولة ديمقراطية وغير طائفية”. وشدد على “الحفاظ على القوات المسلحة قوية وموحدة لتحمي الحدود الوطنية وتحفظ شعبها من التهديدات الخارجية، وفقاً للدستور، وعلى أجهزة استخبارات وأمن تركز على صيانة الأمن الوطني وتتصرف وفقاً للقانون”، بحسب دي ميستورا.

ووردت في الوثيقة عبارة أن الدولة السورية هي “دولة ملتزمة بالحفاظ على الوحدة الوطنية، والتمثيل العادل للمكونات المحلية، وممارسة الإدارة الذاتية على مستوى البلاد والمنطقة والمستوى المحلي”. ولا تشرح الوثيقة ما هو المقصود بعبارة “المكونات المحلية”، فيما استخدمت عبارة “الإدارة الذاتية على المستوى المحلي”، بدلاً من عبارة “الإدارة الذاتية”، وهو ما يتناسب مع مطالب بعض القوى الكردية بشأن الحكم الذاتي. وبحسب مصادر صحافية، فإن دي ميستورا الذي قال إنه سيدعو إلى جولة خامسة من المحادثات خلال شهر مارس/آذار الحالي، سينتقل قبل ذلك إلى الولايات المتحدة للتشاور مع الإدارة الأميركية على أن يقدّم إيجازاً لمجلس الأمن في نيويورك يوم الأربعاء المقبل بشأن التقدم الذي تحقق في جنيف.

وفي تعليقه على هذه المقترحات، قال رئيس وفد المعارضة، نصر الحريري، في مؤتمر صحافي، إنه بالفعل تسلم من دي ميستورا ما سماه بـ”لا ورقة”، والتي وصفها بأنها “مقبولة مبدئياً وتتوافق مع مبادئ المعارضة”، مستدركاً بأن هناك ملاحظات عليها ستُسلّم إلى المبعوث الدولي. ورأى أن هذه الجولة من المفاوضات انتهت دون نتائج واضحة، لكنها كانت إيجابيةً أكثر من سابقاتها، لأنها ركزت على عملية الانتقال السياسي، على حد قوله.

أما المندوب الروسي إلى المفاوضات السورية في جنيف، ألكسي بورودافكين، فقد اعتبر أن ورقة دي ميستورا يمكن أن تمثل أساساً للمفاوضات السورية، داعياً جميع أطياف المعارضة بمن فيها “منصة أستانة والأكراد لحضور مفاوضات جنيف المقبلة”. واعتبر أن مكونات “أستانة” تختلف عن مكونات جنيف في إشارة إلى فصائل المعارضة المسلحة التي قال إنها “جزء لا يتجزأ من العملية التفاوضية، وهذا ما يمنحها الحق في اختيار المسائل التي تراها مهمة في التسوية السياسية للنزاع السوري”، وفق تعبيره. وهذا ما فسر على أنه “انزعاج” روسي من وفد المعارضة، أو “وفد الهيئة العليا في الرياض” تحديداً، إذ تعتبر موسكو أنه متشدد “ويصادر” دور بقية “المعارضات”. ورأى أن “منصات الرياض أو موسكو أو القاهرة، لا تمثل سائر أطياف المعارضة السورية”، معرباً عن أسفه “لعدم دعوة الأكراد ومنصة أستانة وغيرهم إلى جولة جنيف الأخيرة من المفاوضات”، ومشدداً على ضرورة “ألا تبتلع” منصة الرياض هذه المعارضات”.

وكان وفدا “الهيئة العليا” و”منصة موسكو” قد أعلنا أنهما يسعيان لتشكيل وفد واحد، يضم أيضاً “منصة القاهرة” للمشاركة في الجولة المقبلة من محادثات جنيف. وقال رئيس بعثة “الهيئة العليا للمفاوضات” السورية إلى جنيف، يحيى القضماني، أن الهيئة تسعى لتشكيل وفد واحد مع منصتي “موسكو” و”القاهرة” بعد الجولة الحالية.

وعلى الأرض، واصل النظام تكتيكاته الرامية إلى تثبيت أكبر ما يمكن من الحقائق الجديدة التي تساعد في تحسين موقفه التفاوضي من جهة، وتستهدف “استفزاز” المعارضة ودفعها إلى الانسحاب من المفاوضات من جهة أخرى، كما حصل في جولات سابقة. وصعدت قوات لنظام خلال جولة المفاوضات من قصفها لعموم مناطق المعارضة، خاصة في الغوطة بريف دمشق والوعر بحمص، إضافة إلى ريف حلب ودرعا. ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 413 شخصاً في سورية، بعد مرور أسبوع على بدء مفاوضات جنيف، 88 بالمائة منهم قتلتهم قوات النظام السوري والقوات الروسية.

ومما له دلالته ويشير إلى الضغوط التي تمارسها القوى المختلفة على بعضها بعض ميدانياً، أن المفاوضات بدأت بسيطرة قوات “درع الفرات” التي تدعمها تركيا على مدينة الباب في ريف حلب الشمالي الشرقي، وتخللتها سيطرة قوات النظام على مدينة تدمر، لتنتهي باتفاق رعته روسيا بين الوحدات الكردية وقوات النظام السوري، تتسلم بموجبه الأخيرة العديد من القرى في غرب منبج، لتكون بمثابة سد في وجه قوات درع الفرات التي تسعى للسيطرة على منبج من الوحدات الكردية.

 

العربي الجديد

 

 

 

في إنتظار جولة جنيف ال24../ ساطع نور الدين

كانت واحدة من أغرب جولات التفاوض بين متحاربين جلسوا، أو أكرهوا على الجلوس في قاعة واحدة، او بالتحديد في فندق واحد، بحثاً عن حل سياسي ليس له أي افق، وليس له صلة بالأرض التي يقف عليها الجميع من دون إستثناء.

لا يجوز ان تسمى جولة جنيف الرابعة ب”مفاوضات” . كانت أقرب الى عملية إستكشاف للنوايا أكثر من كونها عملية إستقراء للمواقف، في اعقاب واحدة من أصعب جولات الحرب السورية. كانت بمثابة خطوة الى الوراء بالمقارنة مع الجولات الثلاث الماضية  التي إختصرت جوهر الصراع، برغم ان صاغت جدولاً للاعمال تغلب عليه التمنيات، وربما الاحلام التي لا تعبر عن موازين القوى، لا بين المتحاربين، ولا بين حلفائهم.

الأصح انها كانت جولة أستانة الثانية او الثالثة، التي أدارها الروس والاتراك وغاب عنها الاميركيون والايرانيون، والعرب طبعا..والتي كانت تقتضي  المرور في جنيف لكي لا يبدو ان ثمة تجاوزاً للمظلة الدولية للتفاوض، أو إنقلاباً عليها، ولكي لا توحي موسكو وأنقره أنهما تحتكران اللعبة، بينما هما الان في خضم عملية تقاسم المواقع والادوار في الشمال السوري، حيث ترتسم خطوط التماس المتداخلة بين جميع أطراف النزاع، بدءاً من داعش الذي تتقلص مساحات سيطرته ونفوذه تدريجياً، مروراً بالاكراد الذين يخضعون لامتحان جدارة حضورهم في قاعات التفاوض المقفلة حتى الآن في وجههم، وصولا الى النظام ومعارضيه الذين يختبرون قدرتهم على الصمود والبقاء في تلك البقعة الجغرافية المعقدة، والبعيدة نسبياً عن مركز الصراع على دمشق.

لم تجر مفاوضات في جنيف 4. جرى التسليم بأن الامم المتحدة ما زالت وسيطاً لا غنى عنه. وهو إعتراف ضمني بفشل مسار أستانة، الذي لم يسفر عن وقف فعلي لاطلاق النار، يمكن البناء عليه، ولم ينتج “منصة” بديلة كانت موسكو ولا تزال تتمنى أن تضيفها الى منصاتها المفتعلة الاخرى.  وعلى الرغم من أن أداء وفد المعارضة كان أفضل من أي وقت مضى، فإن وقف النار لم يطرح كبند مستقل يحظى بالاولوية المطلقة مثله مثل بند إقفال مسلخ صيدنايا البشري وغيره من المسالخ المنتشرة على جميع الاراضي السورية ويديرها موالون ومعارضون أيضاً.

كانت جنيف 4 مناورة تفاوضية مقبولة الى حد ما. الروس والنظام دخلوا الى قاعات التفاوض بإحساس دفين بأن ما تحقق  من إختراقات عسكرية في الاشهر القليلة الماضية، لا يمكن ان يصمد ولا يمكن ان يدوم، ولا يشكل أساساً لنصر عسكري مرغوب. وكذا الامر بالنسبة الى المعارضة التي ذهبت الى هناك متسلحة بالغلبة البرية، التي لا يمكن لسلاح الجو والبحر الروسي ان يغير في جوهرها على المدى البعيد ، ولا حتى في تشكيل وفدها وجدول أعماله على المدى الاقرب.

لكن تلك المناورة التفاوضية في جنيف التي أدارها الروس مباشرة وبشكل تفصيلي، مع الامم المتحدة، ومعهم الاتراك من خلف الكواليس، كانت أيضاً بمثابة عملية إستدراج عروض جديدة، فشلت في جذب إهتمام الاميركيين الذين أبدوا لا مبالاة شديدة إزاء تلك الجولة، فلم يتابعوا وقائعها ولم يعلقوا على نتائجها، في مؤشر إضافي على إضطراب دبلوماسية إدارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب وأولوياتها التي لا تقع سوريا من ضمنها. وينسحب هذا المنطق على الايرانيين الذين كانت الحرب السورية ولا تزال مدخلهم الى التفاوض والتفاهم مع واشنطن، فصارت أحد عناوين الاشتباك معها.

جنيف 4 كانت مناورة تفاوضية مسلية لا يمكن إدراجها في أي سياق سياسي جدي،  لا بالنسبة الى المتحاربين السوريين أنفسهم، ولا بالنسبة الى حلفائهم الخارجيين الذين حضر بعضهم وغاب أكثرهم، ولا تسمح بالتكهن بقرب التفاوض الفعلي.. ولا حتى بعدد الجولات التي تحتاجها سوريا وشعبها من أجل أن تختم أحزانها المديدة.

ما بعد جنيف4،  ليس سوى إنتظار جنيف 24 …

المدن

 

 

 

 

مفاوضات جنيف العقيمة/ رندة تقي الدين

المفاوضات السورية في جنيف التي يقودها ستيفان دي ميستورا الديبلوماسي الأممي المحنك تظهر في شكل مسرحية بطلها مبعوث النظام السوري بشار الجعفري الذي يراهن على مستقبله. ليست مصادفة أن بداية هذه الجولة من الوقت الضائع ترافقت مع تفجيرين انتحاريين استهدفا مقرين في المربع الأمني في حمص، وقد أتاح ذلك الفرصة للمبعوث السوري ليطالب بأن يكون موضوع مكافحة الإرهاب الأول في المفاوضات التي وضع دي ميستورا خطة لها.

والمعلومات الآتية من حمص أن المربع الأمني محصن في شكل يبدو مستحيلاً دخوله إلا في حال وجود متواطئين داخله، وهذا المربع هو مركز اعتقال وتعذيب ومساءلات من قياديين في النظام لمعارضين قد يكونون أيضاً بين الضحايا. وليس مستبعداً أن تكون الأجهزة النظامية وراء مقتل رئيس جهاز الاستخبارات في حمص حسن دعبول، فمعروف أن هناك توتراً شديداً بين فروع الأجهزة التي تتحارب على تقاسم المغانم المتبقية من بلد خرّبه رأس النظام.

مفاوضات جنيف فرصة الجعفري ليقول إنه يريد الكلام على مكافحة الإرهاب، لأنه لا يريد التطرق الى المسائل السياسية التي وضعها دي ميستورا كخطة لهذه المحاولة في مسار ولد ميتاً طالما أن بشار الأسد يرفض الرحيل، وهو مصر على البقاء حتى على رقعة من بلد منقسم. والجعفري يراهن على مواقفه المتشددة للبقاء ممثلاً للنظام في نيويورك وربما يفكر في أكثر من ذلك. هل إنه يطمح الى الجلوس على كرسي الأسد يوماً ما اذا اعتبر الروس أن الأسد أصبح عبئاً عليهم. فالديبلوماسي السوري المعروف في الأوساط الروسية يسهّل على بوتين الجواب حين يسأل دائماً: أين بديل الأسد؟ ربما يراهن الجعفري على ذلك في عمق نفسه ويظهر براعته في التشدد واستمرارية النهج الأسدي في اللامفاوضة. وخطة دي ميستورا في المفاوضات مبنية على 3 موضوعات: الانتقال السياسي والدستور والانتخابات، على أن تطرح كلها معاً. وجاءت محاولة الجعفري لتأخير التطرق للموضوعات السياسية بالدعوة الى التحدث عن مكافحة الإرهاب. فلتتحدث المعارضة عن ذلك. لم لا؟ فالإرهاب أساسه النظام والجعفري هو المدافع الأقوى عنه. ولدى أركان المعارضة في جنيف الكثير من الدلائل عمن يرتكب الإرهاب في سورية ويشجع عليه. فبين الموجودين بعض الذين اعتقلوا وتم تعذيبهم في المربع الأمني في حمص تحديداً، وهم يعرفون جيداً صعوبة الوصول إليه على رغم أن المعارضين يسيطرون على حمص، ولكن وحده هذا المربع الأمني هو المحصن من النظام الذي منذ نشأته يعتمد الإجهزة لإرهاب الناس، إن في سورية أو في لبنان.

على المعارضة أن تظهر براعة أكبر في عرض مواقفها. أولاً أن تطالب بالتحدث في جميع الموضوعات معاً وليس موضوعاً بعد الآخر. وعليها أن تنظم نفسها أكثر مما هي الآن وأن تكون إطلالاتها الإعلامية أوسع وأفضل، وألا تترك المجال للجعفري ليبيع الرأي العام مواقف كاذبة، فواضح أن الأسد غير مستعد للتطرق لأي انتقال سياسي، وسبق له أن تخلص من كثيرين حوله و «رحّلهم»، خصوصاً الذين تصعد أسهمهم في الخارج، فآصف شوكت الذي قيل انه بديل قُتل، ثم تم وضع فاروق الشرع في إقامة جبرية. أما وليد المعلم فلم يعد له صوت منذ فترة والآن عهد الجعفري. الى متى؟ لا أحد يعرف. هل يكون البديل او انه سيرحل كزملائه الذين سبقوه؟ وفي أي حال، مأساة سورية لن تحل بمثل هذه المفاوضات التي لن تتقدم ولن تصل الى نتيجة إلا بقرار روسي- أميركي برحيل الأسد وإخراج إيران من سورية، وهذا ليس الواقع حالياً.

الحياة

 

 

 

عبثاً تنتظرون ترامب/ سميح صعب

فصائل المعارضة السورية وداعموها الإقليميون ينتظرون موقف إدارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب من سوريا قبل أن يقرروا المضي في المفاوضات أو يعودوا الى الرهان على الحلول العسكرية لحسم الحرب. ولذا لم يكن مفاجئاً ألا تشذ إجتماعات جنيف 4 عن سابقاتها في عدم احراز أي تقدم فعلي نحو الحل السياسي. ولم تفلح جهود روسيا في اقناع منصة الرياض في المعارضة السورية بأي من طروحات الكرملين سواء من حيث دمج وفدي منصتي موسكو والقاهرة في وفد الهيئة العليا للمفاوضات، أم من حيث تبني محاربة الارهاب كأولوية في المفاوضات الى جانب الانتقال السياسي.

وظلت منصة الرياض متمسكة بمطلبها الاساسي أي البحث في إنشاء هيئة للحكم الانتقالي بناء على بيان جنيف الصادر في 30 حزيران 2012، وكأن شيئاً لم يحصل على الساحة السورية مذذاك حتى اليوم، وخصوصاً أن موازين القوى التي أملت صدور بيان جنيف 2012 قد تغيرت كثيراً، فلا دمشق محاصرة ولا قوى المعارضة الممثلة في الهيئة العليا للمفاوضات في حال هجوم وإنما هي في حال دفاع ليس من الجيش السوري وإنما أيضاً من القوى الجهادية الممثلة بشكل رئيسي بـ”داعش” و”جبهة فتح الشام”.

ويبدو أن رهان المعارضة “المعتدلة” الان هو على دور أميركي جديد على الساحة السورية يدفع نحو تغيير المعادلات العسكرية القائمة. فهي تعتبر أن الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما قد خذلها بعدم تدخله العسكري لاسقاط النظام السوري بالقوة وتسليمها الحكم على غرار ما جرى في العراق عام 2003 وفي ليبيا عام 2011.

وكلما علت نبرة العداء في الولايات المتحدة لروسيا وايران، زادت رهانات بعض اطراف المعارضة السورية على قرب حصول تطورات عسكرية تفضي الى تحجيم الدورين الروسي والايراني ليس في سوريا فحسب وانما في المنطقة كلها. وهذا رهان مبني على تمنيات اكثر منه على واقعية سياسية وعلى التجارب السابقة. وبقدر ما خاب الامل الروسي في اقناع المعارضة السورية بالتزحزح عن مطلبها الاساس باسقاط النظام، عاد الميدان السوري ليشهد تحريكاً من خلال استعادة النظام مدينة تدمر والتقدم السريع في شرق حلب ضد “داعش” ووصل خطوط جبهة النظام بخطوط جبهة الاكراد بما يعني تعويضاً لاستيلاء تركيا على مدينة الباب خلافاً لكل التعهدات التي اعطتها انقرة لموسكو.

وكما ينتظر بعض أطراف المعارضة السورية الموقف الاميركي، فإن روسيا وايران تنتظران أيضاً هذا الموقف ولكن من خلال تغيير المعادلات الميدانية على الارض على نحو لا بد ان يقنع الجميع بأن سلوك الحل السياسي أفضل بكثير من الرهان على الحل الاميركي.

النهار

 

 

تفجير حمص المتزامن مع مفاوضات جنيف يؤخّر فرض عقوبات في ملف الكيميائي؟/ روزانا بومنصف

مع التفجير الجديد الذي حصل في حمص قبل يومين فيما تستمر المفاوضات السورية – السورية في جنيف علق احد الديبلوماسيين بالقول انها ليست المرة الاولى التي تخاض المعارك الديبلوماسية عبر العمليات الامنية او العسكرية. اذ ان التفاوض حتى لو كان هدفه التحاور للوصول الى هدف لا يخلو فقط من صراع يخوضه كل طرف للحصول على ما يريده بالمساومات والترغيب والترهيب بل ايضا تتم مواصلة الحرب على الارض بمظاهر مختلفة. فالتفجير ايا يكن من قام به في ظل اتهامات للنظام من المعارضة بانه يقف وراءه لاعتبارات متعددة فان النظام بدوره وضع المعارضة في موقع دفاعي من شأنه ان يحرجها مع داعميها وان كانت ليست مسؤولة عنه. لكن ليس هناك من يدافع عنها كما تدافع روسيا عن النظام الذي يفترض ان يكون موقع ادانة لا بل معرضا لعقوبات في حق هيئات مسؤولين عن استخدام النظام السوري السلاح الكيميائي ضد شعبه وفق ما خلصت اليه تحقيقات اللجنة الاممية الخاصة بهذا الموضوع المطروح على التصويت في مجلس الامن مطلع هذا الاسبوع. لعل روسيا ستمتلك بدورها ورقة اضافية من اجل تجنب استخدام فيتو اضافي لحماية النظام السوري سيحمل الرقم سبعة من ضمن مجموعة الفيتوات التي استخدمتها روسيا حتى الان دفاعا عن نظام الرئيس بشار الاسد انطلاقا من ان التفجير يعيد تسليط الضوء على عملية ارهابية في المنطقة الخاضعة للنظام السوري بمعنى انه يبقى معرضا للتهديدات بحيث لا يجوز فرض عقوبات اضافية عليه في هذا التوقيت. ومع انه قد تكون للتفجير في حمص اهداف متعددة بمستفيدين كثر غير انه جزء من الحرب المستمرة ولو بهدنة هشة يستخدمها النظام من اجل متابعة قصفه مناطق المعارضة، فان توقيته لا يمكن فصله لا عن استهداف المفاوضات في جنيف من دون تجاهل احتمال تعزيز النظام اوراقه ولا عن استهداف القرار المرتقب في مجلس الامن ولو انه محسوم سلفا استخدام روسيا للفيتو. وهذه النقطة الاخيرة محرجة لموسكو في الوقت الذي تحاول ان تضمن استقرار النظام وفق ما اعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الايام الاخيرة ابان مراسم عسكرية تزامنا مع بدء مفاوضات جنيف: “مهمتنا هي تحقيق استقرار السلطات الشرعية وتوجيه ضربة قاضية الى الارهاب الدولي”. ما يعني عمليا ان روسيا ستدافع مجددا عن النظام الذي تعتبره السلطة الشرعية وتسعى الى حمايته مما قد يطاوله من عقوبات تحت الفصل السابع او سواه. وبذلك تظهر روسيا دورا متكاملا في هذا الاطار بين تحديدها الخطوط المحتملة لقرارات مجلس الامن حول سوريا واداراتها غير المباشرة للمفاوضات في جنيف ولو كانت هذه الاخيرة برعاية اممية من حيث المبدأ.

وتكشف مصادر ديبلوماسية انه سبق ان اثير في هذا السياق ما اذا كان طرح موضوع فرض عقوبات في مجلس الامن وفق الفصل السابع وذلك بناء على اتفاق اميركي – روسي في هذا الاطار لدى اقرار القرارات المتعلقة بمنع او حظر استخدام الاسلحة الكيميائية قد يكون مناسبا في التوقيت الراهن وذلك قياسا الى مفاوضات سورية – سورية برعاية اممية في جنيف عقدت الاسبوع الماضي. فاتخاذ عقوبات ضد اشخاص وهيئات داخل النظام وفق اصحاب هذا الرأي يمكن ان يصيب المفاوضات وربما يؤدي الى عرقلتها فيما ستحمل الدول التي تدفع في اتجاه فرض عقوبات مسؤولية احباط المفاوضات. ومع انه كان ثمة اتجاه منذ منتصف كانون الاول الماضي لبت خلاصات لجنة التحقيق الاممية في هذا الاطار والتي ادت الى الجزم باستخدام النظام الاسلحة الكيميائية ثلاث مرات على نحو مؤكد في حين لا اثباتات حاسمة ونهائية عن استخدامات اخرى من جانبه لهذه الاسلحة انما شبهات فقط في حين استخدم تنظيم الدولة الاسلامية السلاح الكيميائي مرة واحدة فان روسيا سعت الى اعداد مشروع آخر غير المقترح الفرنسي – البريطاني في هذا الصدد. ويرجح ان تأجيل الموضوع ارتبط بانتظار تسلم الادارة الاميركية الجديدة مهماتها وبدء اعداد ملفاتها فضلا عن انتظار المقاربات التي ستستخدمها خصوصا في ظل المهادنة الواضحة من الرئيس الاميركي دونالد ترامب لنظيره الروسي على عكس ما كانت العلاقة بين الاخير والرئيس باراك اوباما. لكن كانت العقوبات التي اتخذتها واشنطن في حق اشخاص اضافيين في سوريا في 12 من الشهر الجاري بمثابة المؤشر على امكان المضي في هذا الاتجاه نفسه بما يعنيه من عودة الاختلاف للظهور بين روسيا والولايات المتحدة حول مقاربة الوضع السوري في الوقت الذي تتم المراهنة بقوة على البناء على مواقف الرئيس الاميركي التي تهمل البت بمصير النظام السوري ورئيسه في مقابل التركيز على استهداف تنظيم الدولة الاسلامية. وهذا جانب مهم من جوانب التطورات التي تعلق عليها الامال باعتبار ان ثمة رهانات قامت على توقع تغييرات اساسية في مواقف الادارة الاميركية تبعا للتطلع الى التعاون الوثيق مع روسيا والذي ليس واضحا اذا تم لجمه كليا في ضوء الفضيحة التي تناولت الادارة بملف مايكل فلين ام لا.

على هامش هذه التطورات التي لا يبدو لبنان معنيا بها مباشرة بل من خلال انعكاساتها ثمة من يخشى ان يعود الوضع الداخلي معلقا استنادا الى عدم اليقين في الرؤية الاميركية للوضع السوري مما يخشى ان يسترهن لبنان مجددا حتى وضوح الصورة بالنسبة الى من يعلق امالا او رهانات من شأنها اراحة النظام نسبيا وداعميه الاقليميين ايضا انطلاقا من ان الكباش ليس داخليا فحسب. ويجب عدم التوهم بانه كذلك.

 

 

 

“المدن” تنشر خطة دي ميستورا لمفاوضات “جنيف-4”

يعقد وفد الهيئة العليا للمفاوضات، الاثنين، اجتماعاً جديداً مع المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا لبحث بنود ورقة خطة التفاوض المقدمة من قبله لوفدي المعارضة والحكومة السورية، والتي تحدد مسار التفاوض في “جنيف-4” وفق ثلاثة مسارات، تناقش قضايا الحكم الانتقالي والدستور والانتخابات.

وعبّر دي ميستورا عن مسارات التفاوض بالقول إنها “3 سلال”، يتوجب بحثها بشكل متوازي ويصار لاحقاً إلى تشكيل لجان تفاوضية مباشرة لنقاش كل منها، بعد أن تكون أطراف الأزمة السورية قد أعدت ملاحظاتها واقتراحاتها على الورقة التي تسلمتها قبل يومين.

مصادر مواكبة للاجتماعات في جنيف، أكدت لـ”المدن” أن وفد الهيئة العليا لن يقدم أي رفض لخطة دي ميستورا المقترحة ضمن الورقة. وأشارت إلى أن نقاشات مطولة أجراها الوفد على مدار يومي السبت والأحد، تم خلالهما مناقشة الورقة بعمق وبحث المسائل الإجرائية لتنفيذها، من دون أن يبدي أحد موقفاً سلبياً تجاهها، أو قبولها بشكل مطلق.

في هذا السياق، قالت مصادر “المدن”، إن وفد الهيئة العليا بصدد تقديم ورقة تتضمن ملاحظات ومقترحات تخص موضوع التمثيل في “جنيف-4″، والتأكيد على أن قرار مجلس الأم الدولي رقم 2254، والفقرة الرابعة من ورقة دي ميستورا هي أجندة البحث خلال الاجتماع المرتقب.

“المدن” حصلت على نسخة من ورقة دي ميستورا، وبحسب الفقرة الأولى منها، فقد شرح المبعوث الدولي السلال الثلاث، وهي:

السلة الأولى تتضمن القضايا المتعلقة بالحكم

ينص القرار 2254 على ترتيبات حكم ذي مصدقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية. دعونا نتناول هذا الموضوع من كافة جوانبه.

السلة الثانية تتضمن الموضوعات المتعلقة بالدستور

ينص قرار مجلس الأمن رقم 2254 على وضع جدول زمني وعملية صياغة الدستور الجديد. دعونا نتناول هذا الموضوع من كافة جوانبه.

السلة الثالثة تتضمن الموضوعات المتعلقة بالانتخابات

ينص قرار مجلس الأمن رقم 2254 على إجراء انتخابات حرة ونزيهة عملاً بالدستور الجديد، تعقد تحت إشراف الأمم المتحدة بالتوافق مع الحكم، ووفقاً لأعلى المعايير الدولية من حيث الشفافية والمحاسبة، ويشارط فيها كافة السوريين بما في ذلك الذين يعيشون في المهجر ممن لديهم حق التصويت. دعونا نتناول هذا الموضوع من كافة جوانبه.

ويلفت دي ميستورا في ورقته إلى نقاط إضافية يجب أن يأخذها المشاركون في “جنيف-4” بعين الاعتبار. وتشير النقطة الأولى إلى أن قرار مجلس الأمن 2254 يتناول قضايا أخرى، مثل “وقف إطلاق النار، مكافحة الإرهاب، وإجراءات بناء الثقة وما إلى ذلك. وتحظى هذه الموضوعات بأهمية قصوى وجميعنا يعرف ذلك”. وتضيف “نرى أن اجتماعات أستانة هي المحفل لمناقشة تلك الموضوعات، ولدينا أيضاً مجموعتي عمل حول الموضوعات الإنسانية ووقف إطلاق النار، اللتين تواصلان عملهما بشكل دوري في جنيف. وبالتالي إذا شعرت الأطراف بالحاجة إلى مناقشة هذه الموضوعات هنا، يمكن لنا إضافة سلة جديدة إذا ما اقتضى الأمر ذلك، ولكن تظل السلات الثلاث هي محور البحث الأساسي خلال عملنا في جنيف”.

وتشير النقطة الثانية إلى أنه “في حال تطرقت المفاوضات بشكل أعمق إلى السلال الثلاث، يمكن إضافة سلال جديدة تخص موضوع إعادة الإعمار والدعم الدولي لحزمة الانتقال السياسي، والتي يتم التوصل إليها من خلال المفاوضات”.

كما أكد دي ميستورا في النقطة الثالثة من الورقة على ضمان تمثيل المرأة في “جنيف-4” ضمن الوفود، بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1325، مشدداً على أنه سيستمر ببذل كل الجهد لتحقيق ذلك، وأنه سيقوم بالتشاور مع عدد من المنظمات النسائية المنبثقة عن المجتمع المدني.

المدن

 

 

 

الحل كما يراه النظام السوري/ مهند الحاج علي

لماذا ينتظر النظام السوري وحلفاؤه الروس والإيرانيون وغيرهم انتصاراً عسكرياً مُكلفاً في حلب الشرقية، للدخول في مفاوضات تهدف الى التوصل لاتفاق على مرحلة انتقالية لا يكون فيها بشار حافظ الأسد رئيساً لسوريا؟ إذا كان هذا هو هدف النظام، فإن الأسد ينتصر عسكرياً لكي يُباد.

والمفارقة أن الهئية العليا للمفاوضات تُشارك في محادثات ”جنيف 4“ لتحقيق هذا الهدف، وفقاً لاعلاناتها وتصريحات أعضائها الذين يُضيفون أيضاً العدالة الانتقالية وغيرها من المطالب.

بعد اعتداءات الكيماوي والمجازر والمذابح، هل هناك من يرى مخرجاً في حكومة ائتلافية مع النظام؟ على الأقل في تركيبتها الحالية، لن تقبل الهيئة بذلك، لكنها تؤدي في جنيف أدواراً من قبيل ادانتها اعتداء انتحارياً على مركز للتعذيب في حمص. هذه سياسة جديدة ستكون المعارضة مطالبة دولياً بها إن كانت شريكاً في السلطة أم خارجها.

في المقابل، لن تجد منصتا القاهرة وموسكو حرجاً في ذلك، إذ حال توقيع الاتفاق، يعود رئيساها جهاد مقدسي وقدري جميل الى مكتبيهما في دمشق لمزاولة عمليهما السابقين. وما المانع من ذلك؟

الحل الوحيد الممكن مع النظام هو تطبيع علاقاته مع المجتمع الدولي، مقابل تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254، ولكن وفقاً لرؤية النظام. وهذا يعني تشكيل حكومة انتقالية تُشارك فيها هيئة التنسيق وتيار بناء الدولة ومقدسي وجميل، وتتولى الإشراف على انتخابات بعد 18 شهراً. هذه الانتخابات قد تكون نزيهة، وبإشراف خبراء دوليين، لكنها لن تكون عادلة أو حُرّة. سيعمل النظام بمساعدة حلفائه – عفواً معارضيه- على هندسة نتيجة تُشبه ما قبله، أي حكومة ائتلافية بقيادة ”حزب البعث العربي الاشتراكي“.

لكن هل ستقبل تركيا، وهي شريكة أساسية بالمفاوضات، بمثل هذه النتيجة؟ الأرجح أن المعارضة الموالية لها أو الدائرة في فلكها لن تُشارك في هذا الحل. لكن هذه الفصائل تُسيطر على مناطق الأرض، وستكون مشمولة بوقف للنار. إلا أن دورها لن يكون قتال النظام السوري أو الميليشيات الموالية له، بل مواجهة عدوين يتفق عليهما التركي والروسي: الأكراد (بي واي دي) وتنظيمي فتح الشام وداعش حيث يتواجدان. والحقيقة أن تركيا يهمها تغييب ”بي واي دي“ عن أي مفاوضات وأي حل سياسي مستقبلي، أكثر من مشاركة أعضاء عن فصائل قريبة منها في حكومة انتقالية-ائتلافية.

والتآمر على الأكراد وحكمهم الذاتي داخل سوريا يفتح المجال لتكهنات عديدة. صحيح أن تركيا لن تقبل بحل يضمن للأكراد نفوذاً عسكرياً وسياسياً مستقلاً قد ينعكس على وضع أكراد جنوب شرقي تركيا. لكن في الوقت ذاته، يحتاج الأميركيون إلى الأكراد لقتال تنظيم “داعش” على الأرض. هل تُشكل تركيا ائتلافاً في الشمال، بعيداً عن قصف طيران روسيا والنظام وقتاله وحلفائه برّاً، تحت شعار مواجهة ”داعش“، لكن لقتال الأكراد وتقويض حكمهم الذاتي؟ أو هل، من أجل تجنب صدام مع الأميركيين، تنصرف هيئة تحرير الشام عن قتال النظام، وتركزت على قتال داعش والأكراد. أم هل تواجه أنقرة الأكراد مباشرة بقوات يقودها الجيش التركي؟ كل هذه السيناريوهات محتملة، وتبقى النتيجة واحدة: قتال الأكراد وتقويض قدراتهم العسكرية، وموافقة ضمنية على بقاء النظام.

بالنسبة للنظام، يبقى الديكور، وهو ضروري للإخراج. يُطلق بعض مشاريع لإعادة الإعمار، وعودة محدودة للاجئين والنازحين الى “حضن الوطن”، وما يُرافق ذلك من استعراض اعلامي. وهذه العودة الجزئية (للموالين حصراً في البداية) معبر للعقد الاجتماعي الجديد مع النظام السوري، ولتطبيع علاقاته مع المجتمع الدولي. بيد أن عودة الموالين للنظام، ستُراكم ضغوطاً على العائلات المعارضة أو التي شارك أبناؤها في القتال، للقبول بشروط أمنية مثل التحول إلى مخبرين أو تسليم أقارب لهم أو الجهر بالولاء للرئيس الأبدي والعداء لمعارضيه.

في المحصلة، ستُشبه النتيجة النظام بأسلوبه وتاريخه ورثاثته الإعلامية، تماماً كما نعرفه في عهدي الأب والوريث. الفارق الوحيد بين الصورتين الأولى والثانية، مئات آلاف القتلى والجرحى والمفقودين، وآلام التهجير واللجوء ومصانع التعذيب المنهجي.

هو سيناريو لملمة آثار الاغتصاب بتقديم الضحية عروساً لجلادها.

المدن

 

 

 

سراب السلام في جنيف!/ عبدالله خليفة الشايجي

وصل السوريون بلهثهم وراء سراب المفاوضات لفصل ومحطة جنيف-4-منذ جنيف-1-عام 2012-وما بعدها من صراع وفوضى وغياب مرجعية المفاوضات-وفي كل محطة من محطات مفاوضات جنيف يأتي النظام أقوى والمعارضة أضعف، والقتلى والجرحى والمشردون والنازحون واللاجئون والمجازر والجرائم أكثر وأبشع!

ومن معالم المفاوضات العبثية العجز الظاهر للأمم المتحدة بسبب عدم جدية القوى الكبرى، لدرجة تواطؤ بعضها وانكفاء الأخرى، ويتغير المبعوثون الدوليون من كوفي عنان إلى الأخضر الإبراهيمي إلى دي مستورا، ولكن الثابت هو انحياز الوسطاء للنظام وتغطية جرائمه والترويج للسراب، في سوريا واليمن وليبيا والصراع العربي- الإسرائيلي. حتى تنجح أي مفاوضات سلام، يجب توفر ثلاثة عناصر مهمة، أولاً: إنهاك الأطراف المتصارعة، وفقدهم فرص الانتصار في المعارك بسبب الندية بين الأطراف، وثانياً: توفر وسطاء نزيهين يطبقون المرجعية التي أتفق عليها الأطراف المتنازعة مسبقا، وثالثاً: التلويح بالعصا في حال فشلت المفاوضات والجزر والمحفزات في حال نجح الأطراف بالتوصل لاتفاق يُنهي حالة الحرب والصراع! هذه الشروط لا تتوفر في الأزمة السورية، كما أن المفاوضات بلا مرجعية، ولا يُطبق قرار مجلس الأمن 2254، ولا تزال لدى الأطراف قناعة بالانتصار العسكري، فلا جدوى من مفاوضات جنيف أو غيرها! لذلك لا فرص نجاح لمفاوضات جنيف!

كيف يتفاوض من هم ليسوا أنداداً؟ !ومن يدعمهم بوتين روسيا ويقدم نفسه مع إيران ضامنين وهم منحازون! ويهدد بوتين ب«الفيتو» لمشروع قرار يفرض على نظام الأسد عقوبات لقتله شعبه بالكيماوي؟!ولا يبدو أن ما يرشح بشكل مقزز عن جرائم القتل والإبادة الممنهجة للمواطنين والمعتقلين وآخرها ما كشفته منظمة العفو الدولية هذا الشهر عن قتل ممنهج لثلاثة عشر ألفا من المعتقلين شنقا في سجن صيدنايا!دون أن يحرك ذلك المجتمع الدولي، حتى أن تلميح الولايات المتحدة الأميركية بتقديم قرار في مجلس الأمن بفرض عقوبات على النظام السوري بسبب استخدامه الغاز الكيماوي، جوبه برد صارم بالتهديد باستخدام «الفيتو» من روسيا للدفاع عن الأسد!

جميع فصول مؤتمرات جنيف تسوق للسراب، يكسب النظام من القوة والمزيد من الأراضي، ويروج أنه يقاتل الإرهاب نيابة عن العالم! من نصبه؟ في المقابل تزداد المعارضة تشتتاً وضياعاً، وتخسر المزيد من الأرض. بعد أكبر نكسة بخسارة حلب بعد قصف بلا رحمة طال البشر والحجر والمستشفيات والبنى التحتية أعقبه تهجير ديموغرافي طائفي لأهالي حلب ومقاتليها، وذكّر تفقد قاسم سليماني أحياء حلب المدمرة بتفقد شارون أحياء بيروت المحاصرة عام 1982!

إذا على ماذا يتفاوضون في جنيف4..وما بعدها؟! تحولت جنيف من مدينة التفاوض العريقة وحل النزاعات..لشاهد زور على فصول مسرحية التآمر وسراب الحل السلمي، وتزامناً مع بدء مفاوضات جنيف4، يشن النظام وحلفاؤه هجوماً على ريف دمشق الشرقي، ليكرر سيناريو الحصار والقصف والتهجير الديموغرافي إلى إدلب للمسلحين وأسرهم، وهو ما بات نهجاً مكرراً!

وربما قبل جنيف5، حسب مخططهم سيستهدفون إدلب، التي جمع النظام وحلفاؤه بخبث المسلحين من كل مكان في سوريا، مع عائلاتهم ليجهز عليهم في تكرار لمأساة وجرائم حرب حلب.

رفع السوريون في معرة النعمان يوم بدء مفاوضات جنيف-4-لوحة معبرة تختصر الكثير وتنسف مسرحية تسويق وبيع السلام«فما للضمآن في جنيف ماءُ!»

تعادلت محطات جنيف العبثية مع مؤتمرات الدول المانحة لمساعدة الشعب السوري التي بدأت في الكويت، خلال الأعوام الأربعة الماضية، وجمع ما يقارب 8 مليارات دولار، لكن المؤتمرات الإنسانية الكويتية لم تنافس سباق الدم والدمار والتنكيل وقتل البشر وتدمير الحجر المتعمد! في كل جنيف يأتي النظام أكثر جرأة وأكثر قوة وثقة، وقد كسب المزيد من الأراضي على حساب المعارضة التي تبدو أكثر تفككاً! وللتذكير روسيا والصين استخدما الفيتو 6 مرات منذ اندلاع الثورة. وسط صمت أو رفع اليد من إدارة أوباما وعدم قدرة أوروبا على تشكيل موقف يردع الأسد وحلفاءه من الاستمرار في قتلهم الممنهج واستخدام القوة المفرطة. لكم الله يا أهل سوريا!

الاتحاد

 

 

 

التنازلات لم تنقذ «جنيف»/ عبد الرحمن الراشد

حاولت الحكومة الأميركية حل أزمة سوريا، واخترعت مفاوضات ثلاث مرات في جنيف تقوم على طرح سياسي متوازن، لكن محور «نظام دمشق – إيران – روسيا» أفسد المؤتمرات الثلاثة. الآن الروس مع حليفيهم ابتدعوا مؤتمرين؛ واحداً في آستانة، والثاني، ينعقد الآن، في جنيف، والبدايات تؤكد النهايات؛ فشل مكرر.

ومع أن الجميع، تقريباً، تعاون مع المشروع الروسي، بمن في ذلك تركيا ودول الخليج، وحكومة ترمب الجديدة في واشنطن، إلا أن ذلك لم يكن كافياً. إرضاءً للروس وتعاوناً مع الأمم المتحدة، تم إيقاف تمويل المعارضة بالسلاح، ومورست الضغوط على الفصائل المعتدلة منها لتقبل بحلول أقل من توقعاتها، ومنع بعض الفصائل من المشاركة، وأيدته واشنطن، وصار المبعوث الأممي دي ميستورا محامياً عن الموقف الروسي. لم ينته «جنيف 4» بعد، لكن الفشل أبرز ملامحه حتى الآن.

هذا الوضع يبين، أولاً، أنه لا يوجد على الأرض فريق منتصر، أو قوي، حتى يمكن فرضه على الجميع بدعم دولي، وهو ما حاولت إيران وروسيا فعله بفرض النظام السوري المتهالك. وثانياً، الفشل؛ لأن الحل المقترح لا يلبي الحد الأدنى من توقعات ملايين السوريين المشردين والخائفين. المشروع ركيزته الإبقاء على النظام حاكماً، يعني ذلك فرض معادلته على الأرض من تهجير وإلغاء للغالبية الباقية من السكان في داخل سوريا. الفكرة في حد ذاتها غير قابلة للصمود حتى لو وقّعت كل الفصائل عليها. إنها معادلة تريد تمكين النظام من حكم معظم سوريا بالقوة، مثل الضفة الغربية تحت الاحتلال الإسرائيلي، باستثناء أن إسرائيل تملك نظاماً وقوة ضخمة مكنتها من المحافظة على هذا الوضع الشاذ. ومع أن الروس حاولوا إقناع عدد من فصائل المعارضة بالالتحاق بالنظام، ومكافأتهم بمقاعد في الحكومة، إلا أن الأمر يبدو لهم، وللجميع، مثل تشريع عملية اغتصاب، ولن يلتحق بالحل أحد ذو قيمة.

وما سبق طرحه من حل سياسي، وكان مرفوضاً من الطرفين آنذاك؛ النظام والمعارضة، لا يزال هو الحل العملي والبديل المعقول… نظام مشترك وليس مجرد تبعية له. ويمكن تطويره الآن، فتبقي على الرئيس، لكن تذهب سلطات الأمن والمال للمعارضة، أو يذهب الرئيس وتبقى الكراسي السيادية في يد النظام، ضمن إطار مشاركة تحميه القوى الإقليمية والدولية. المقاسمة تبنى على معادلة توازن معقولة لكلا الطرفين مصلحة في المحافظة عليها؛ إما الرئاسة، وإما صلاحيات الرئاسة، وليس كلتيهما. لدينا نموذج صامد هو «اتفاق الطائف» الذي أنهى النزاع اللبناني، وهو أكثر تعقيداً من السوري، والذي قام على خلق حلٍ تنازل فيه كل طرف. فدعوات الحرب طالبت بإلغاء حق المسيحيين في الرئاسة وسلطاتها، وتوزيعها بشكل متساو، لكنها انتهت بإعادة توزيع الصلاحيات، بقي الرئيس وراح جزء من صلاحياته للفرقاء الآخرين. من دون «الطائف» ربما استمرت الحرب، وخسر المسيحيون حصصهم هذه. ولو رفض السنة والشيعة أيضاً لجلبت الحرب مزيداً من تدخلات خارجية تديم الحرب، وكانت الساحة اللبنانية قد بدأت تشهد مزيداً من الانقسامات داخل كل طائفة. الوضع السياسي في لبنان اليوم ليس كاملاً أو رائعاً، لكن البلاد على الأقل استقرت. نزاع سوريا أقل تعقيداً، والمعارضة المدنية تقبل بالتشارك وبدستور يحمي كل الأقليات، ولديها في منظومتها تجربة جيدة، سمحت بمشاركة وترؤس السوريين من دون فوارق دينية أو عرقية. أما المعارضة الإسلامية المسلحة، فإن معظمها مرفوض من الجميع، لأنها تحمل مشروعاً دينياً وأممياً ليس في صلب مطالب الشعب السوري.

فشل مؤتمرات آستانة وجنيف سيعيد الوضع إلى الاقتتال، حتى بعد حرمان المعارضة المعتدلة من السلاح، التي اضطر بعضها للتحالف مع التنظيمات الإرهابية حماية لها بعد نفاد ذخيرتها. الفشل المكرر قد يعيد الأطراف المتصلبة للتفكير بطريقة عقلانية وواقعية، مثل إيران التي عليها أن تدرك أنه لن يسمح لها بالاستيلاء على العراق وسوريا ولبنان. لقد حدث توغلها مستفيدة من ضعف إدارة الرئيس الأميركي السابق. وهيمنتها على هذا الهلال الكبير تهدد بقية دول المنطقة وكذلك العالم، إما نتيجة لاستخدام إيران وكلاءها سلاحاً ضد خصومها في كل مكان، بمن في ذلك الأوروبيون والأميركيون، أو لأن الوضع سيستمر مضطرباً فيجذب المتطرفين إليه، وهو ما يهدد الجميع

الشرق الأوسط

 

 

 

فلترحل المعارضة السورية/ حسين عبد الحسين

لم نكن نتصور أن قوة عالمية ستستخف بذكاء العرب كما فعلت الولايات المتحدة، وسيطة السلام المزعومة بين العرب والاسرائيليين، والتي تعين مبعوثيها للسلام، غالباً من اليهود الأميركيين المتدينين مثل دينيس روس وجارد كوشنر، فيما أعلنت واشنطن مؤخراً تعيين  اليهودي الأميركي دايفد فريدمان، وهو من المستوطنين في الأراضي الفلسطينية، سفيراً لها في اسرائيل.

اليوم، أصبحت روسيا ومصر تضاهيان الولايات المتحدة في الاستخفاف بعقول العرب، وذلك بتنظيم كل من موسكو والقاهرة أزلامهما من المعارضين السوريين المزعومين في وفود، والإصرار على مشاركتهم في المفاوضات في مواجهة الرئيس السوري بشار الأسد. روسيا، التي تتدخل عسكرياً بشكل مباشر لمصلحة الأسد، ومصر، التي أعلنت حكومتها مرارا انحيازها للأسد، ترعى وفودا يفترض انها معارضة للأسد، وهي وفود سورية فقدت اي شعور بالكرامة، إذ انها لم تكلف نفسها عناء ابتكار تسميات لوفودها، بل اكتفت بتبني اسماء اسيادها: منصة موسكو ومنصة القاهرة.

مفهوم أن يلعب المعارضون السوريون، ممن قضوا أوقاتاً ممتعة في معتقلات الأسد الفاخرة (وهي غير المعتقلات الاخرى التي تلتهم السوريين)، أدواراً تقوض دور المعارضة السورية، ولكن من غير المفهوم هذا الفشل الرهيب والاداء المزري الذي يقدمه المعارضون السوريون الحقيقيون، الذين جلّ ما يفعلونه هو تقديم غطاء للأمم المتحدة، المنحازة للأسد، يظهرها وكأنها تسعى الى التوصل الى تسوية بين الطرفين.

لا يبدو أن المعارضين السوريين، الحقيقيين لا منصات عواصم العالم، يدركون المطلوب منهم، ولا يبدو انهم يعرفون ان دور المعارضة، اي معارضة، لا يقتصر على الانتقال بين ردهات الفنادق الفاخرة واستوديوهات البرامج الحوارية على الفضائيات. لا يبدو أن المعارضين يعرفون ان انجازاتهم وتأييد السوريين لهم يفرضهم على مؤتمرات السلام، في جنيف أو أستانة، وان شرعية تمثيلهم لا تأتي من دعوات المبعوث الأممي ستيفان ديمستورا لهم للمشاركة في هذه المؤتمرات.

فليخرج المعارضون السورين من ردهات فنادقهم الفاخرة إلى مخيمات اللجوء. فلينظموا صفوف السوريين سياسياً، وليشاركوا في عملية إغاثة اللاجئين السوريين معيشياً وأمنياً وتعليمياً وتنظيمياً. فليعمل المعارضون السوريون على إحصاء سوريي الشتات في سجلات، ربما يمكن استخدامها كلوائح شطب في انتخابات حكومة منفى. فليجمع المعارضون السوريون التبرعات، من متمولي سوريا والعالم، وليوظفوا شركات تدقيق ومحاسبة لتقديم تقارير تثبت شفافيتهم وتبعد عنهم تهم الفساد والسفر في كابينات الدرجة الأولى.

ولتعمل المعارضة على لم شمل السوريين، مسلمين ومسيحيين وعلويين ودروز. ولتقدم خطاباً يتمحور حول الحرية والمساواة بين كل السوريين في سوريا الجديدة. ولا ضير من دفاع المعارضة عن التنظيمات الإسلامية، والتوجه الى العالم بطلب تحديد اسباب تسميته بعض الفصائل السورية المقاتلة أرهابية. المجموعات الإرهابية هي مجموعات عنفية غير حكومية عابرة للحدود، مثل داعش. لكن عندما ينحصر عنف المجموعة في موطن مقاتليها، تنتفي صفة الارهاب، وتكتسب المجموعة صفة “متمردين”، على غرار العراق الذي سعت أميركا فيه لتحييد “المتمردين العراقيين”، وأبعادهم عن “القاعدة” الارهابية العابرة للحدود. ثم تحالفت أميركا مع المتمردين ضد القاعدة لطرد الاخيرة من العراق.

إن كانت هذه الاقتراحات البسيطة متعذرة على معارضة كسولة ومعتادة على الثرثرة، في المقاهي وعلى الفضائيات، فلا ضير من التظاهر، كما يتظاهر الأسد وجماعته، إنهم أركان دولة تعمل. يسمي بشار الجعفري نفسه “الموفد الدائم للجمهورية العربية السورية في الأمم المتحدة”، وهو ما يشي بحرفية هي في الواقع وهمية. يتظاهر الأسد وكأنه يدير بيروقراطية جبارة، فيها مراسم رئاسة، ووزارات، ومجلس شعب، وإدارات، فيما الحقيقة هي أن الأسد يرأس نظاماً أمنياً، ويدير ميليشيات مرتزقة من الشبيحة.

لا خلاف في أن الأسد هو من أكثر المحظوظين في العالم، فهو عندما انتفض السوريون ضده، صدف أن الأميركيين طفح كيلهم من الحروب، وأن روسيا وجدت فجأة قوتها، وأن إيران حظيت برئيس أميركي عاملها بأفضل مما عامل حلفاءه. فوق كل حظوظ الأسد أن المعارضة المطالبة برحيله هي من أكثر معارضات العالم فشلاً، ما سمح له بالتفنن في تهميشها واختراقها والتلاعب بها.

هكذا، إن كانت المعارضة السورية عاجزة عن تقديم أداء يختلف عن أدائها الحالي المزري، فلتعتزل، ولتترك أزلام موسكو والقاهرة يفاوضون حليفهم الأسد في أستانة وجنيف. لترحل المعارضة، بدلاً من أن تكون ورقة تين تغطي عورة العالم المتقاعس عن إنقاذ السوريين من المحرقة.

في المؤتمر الأول للمعارضة، وكان في أنطاليا التركية في ربيع 2011، كان المعارضون أنفسهم يجتمعون داخل صالات الفندق ويطلقون الخطابات الفارغة والمواقف السخيفة. أما في ردهات الفندق وحدائقه، كان الشباب السوري الثائر يعمل مثل خلية نحل. أقام الشباب يومها “صفحة الثورة السورية” على فايسبوك، وهي صفحة تحولت إلى مصدر أنباء ضاهى أكبر وكالات الإعلام العالمية. تواصل ثوار سوريا من الشباب مع تنسيقيات الداخل، شاركوا بدعم تنظيم التظاهرات، مالياً وإعلامياً. تواصلوا مع ممثلي المجتمع المدني الدولي، مثل جمعية “آفاز”، التي شارك ممثلون عنها في أنطاليا.

تظاهر ثوار سوريا، غنّوا، رقصوا، رسموا، كتبوا، صوّروا، وزّعوا الورود، وماتوا. لا تليق المعارضة السورية الحالية بالثورة السورية، ولا بالثوار وتضحياتهم. للإنصاف، مازال بعض الثوار السوريين ينشطون بعيداً عن المعارضة، ولكن هؤلاء الناشطين لم يعودوا في سوريا، بل صاروا خارجها، يشاهدون سوريا تحترق والسوريين يموتون. يبكون، ونبكي معهم.

المدن

 

 

دو ميستورا مبعوث روسي؟/ راجح الخوري

قبل ان تبدأ الاجتماعات في جنيف حرص ستافان دو ميستورا على طمأنة الجميع عندما قال: “لا تبالغوا في التفاؤل ولا تتوقعوا حصول معجزات”، ليس لأنه يعرف حجم المعوقات التي تحول دون الوصول الى تسوية للأزمة السورية، بل لأنه يدرك تماماً ان هذه الأزمة تراوح وستظل تراوح عند العقدة إياها: الانتقال السياسي ومستقبل الرئيس بشار الأسد. ولكن حتى لو حصلت الأعجوبة واتّفق النظام مع المعارضة، أو بالأحرى المعارضات، على مخرج لهذه العقدة الأبدية، فإن الحل سيبقى عالقاً في أمكنة أخرى:

في موسكو وحساباتها ودورها على الخريطة الدولية، في واشنطن ورهاناتها الخفية على إغراق بوتين في الوحول الداعشية، في طهران وحساباتها وتدخلاتها الإقليمية، في أنقرة وطموحاتها “الإمبراطورية”، وفي العواصم الخليجية وحساباتها العربية!

على خلفية هذه الحسابات والرهانات المتناقضة، تعلّم دو ميستورا كيف عليه ان يعود دائماً الى ما يرسمه سيرغي لافروف، في السياسة ترجمة لما ترسمه مقاتلات “السوخوي” بالقذائف، وهكذا لم يكن مفاجئاً أو غريباً ان يسمح لنفسه بنقل تهديد النظام الى المعارضين قبل وصولهم الى جنيف: اذا فشلت المفاوضات سيفعل الأسد بإدلب ما فعله بحلب!

ولكن لكي تتقدم المفاوضات في “جنيف ٤” خطوة جديدة، على المعارضة ان تنزل خطوة أخرى عن الشجرة، أولى الخطوات التي اشترطها لافروف وحصل عليها كانت عبر اتهام دو ميستورا بأنه يقوّض “المفاوضات من دون شروط مسبقة”، فكان أن تخلت المعارضة عن الشروط المسبقة. وثانية هذه الخطوات هي اللقاءات المباشرة بين الفريقين التي طالما رفضها المعارضون. وثالثة الخطوات هي إعلان دو ميستورا المتكرر ان عملية صياغة الدستور السوري الجديد، يجب ان تشمل كل أطياف الشعب السوري، ما يبقي الكلمة الأقوى للنظام الذي يتقدم على الأرض.

الخطوة الرابعة جاءت عبر الوثيقة التي قدمها دو ميستورا الى الطرفين في جنيف، والتي كُتبت بأفكار لافروف وبالحبر الروسي، وقلبت قرار مجلس الأمن رقم ٢٢٤٥ رأساً على عقب، عندما اقترحت على الطرفين صيغة جديدة من شأنها الالتفاف على عقدة ” الانتقال السياسي” بإلغاء عملية التدرّج في مراحل تنفيذ هذا القرار، وقبول البحث في كل بنوده بالتزامن وفي وقت واحد.

ومن المعروف ان القرار ٢٢٤٥ يدعو الى تشكيل حكم موثوق به شامل وغير طائفي، ثم الى تحديد جدول زمني لصوغ دستور جديد، ثم الى تنظيم انتخابات حرة ونزيهة تحت رقابة الأمم المتحدة تتوافق مع ما ينصّ عليه الدستور الجديد!

كان من الواضح ان لافروف مهّد الطريق أمام وثيقة دو ميستورا، بعدما أعلن الأخير ان تقدم العملية السياسية يسهم في تدعيم وقف النار، وان روسيا طلبت من النظام وقف الغارات الجوية، بما يعني ترجمة للتهديد بجعل إدلب حلب ثانية.

النهار

 

 

 

قنبلة موسكو الدخانية في جنيف/ وليد شقير

هل هناك فعلا جدية روسية في الضغط على النظام السوري للبحث في الانتقال السياسي في نظام الحكم في سورية؟ وهل أخذت موسكو تعطي إشارات إلى استعدادها للافتراق عن الخطة الإيرانية في بلاد الشام والتي أساسها بقاء بشار الأسد في الرئاسة إلى ما شاء الله؟ وهل بلغ التمايز الروسي- الإيراني الذي برزت مظاهره الميدانية على الأرض السورية حد تحوله سياسة مناقضة لما تنويه طهران في تنافسها مع الدب الروسي على الإمساك بالقرار السياسي السوري في إطار مشروعها في الشرق الأوسط كلاً؟

تُطرح هذه الأسئلة، وغيرها كثير، لمناسبة التركيز الإعلامي على اعتبار الضغط الروسي على وفد نظام الأسد المفاوض في جنيف4 كي يقبل بند الانتقال السياسي على جدول التفاوض بينه وبين وفد المعارضة، «بدايةً طيبة» و «تقدماً»، كما قال رئيس وفد الأخيرة نصر الحريري أول من أمس.

قيل الكثير عن الخلاف بين الروس والإيرانيين، وبين هؤلاء والأتراك… بعد دخول قوات النظام والميليشيات المدعومة من طهران إلى حلب قبل شهرين، والذي مهد له القصف الروسي العنيف لأسابيع. إلا أن بعض الاستنتاجات في هذا المجال انطلق من بعض المؤشرات الواقعية، لتضخيم التوقعات حول هذا الخلاف. واستند التضخيم إلى افتراض أن العدائية «الترامبية» لدور إيران في سورية والمنطقة مقابل المراهنة الروسية على التفاهم مع الإدارة الجديدة في واشنطن، قد تقود إلى صفقة بين الجبارين على حساب إيران. لكن واشنطن تتمهل في توضيح توجهاتها. والميدان السوري يخضع للتقلبات المتناقضة، وكل أسبوع، بل كل يوم لا يشبه الذي سبقه في رسم خريطة الوقائع العسكرية في لعبة الأمم على الرقعة السورية، والدليل ما يحصل في منبج وغرب حلب، وهكذا على المستوى السياسي.

كان من الطبيعي أن تلجأ الديبلوماسية الروسية إلى الظهور بمظهر ممارسة الضغط على النظام لقبول بحث الانتقال السياسي بنداً أساسياً في جدول أعمال جنيف، بعد إحباطها بالفيتو مع الصين، مشروع قرار مجلس الأمن إدانة النظام لاستخدامه الأسلحة الكيماوية مجدداً، وبعد أن أفقدها خرق النظام وإيران وقف النار في كل أنحاء سورية، والذي ادعت موسكو النجاح في تثبيته في آستانة1 و2، صدقيتَها كراع للاتفاق. والأرجح أن القنبلة الدخانية التي اسمها «الضغط على النظام» حول الانتقال السياسي، جاءت للتغطية على التقريرين الدوليين اللذين أذيعا فور فشل تمرير قرار مجلس الأمن، عن استخدام قوات الأسد غاز الكلور في غاراته على حلب، وعن قصفه المتعمد لقوافل الإغاثة الإنسانية التي كانت مخصصة للمحاصرين شرق حلب قبل إسقاطها منتصف كانون الأول (ديسمبر) الماضي… في وقت تأخذ المعارضة على الروس عدم ضغطهم على النظام و «حزب الله» لتنفيذ ما تقرر في آستانة من تمرير للمساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة وللإفراج عن معتقلات في السجون… إلخ.

لم يكد وفد المعارضة ينتهي من الحديث عن التقدم بفعل الضغط الروسي، حتى قال نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف، الذي تولى المهمة، إن «الجديد هو أن أطراف جنيف وافقوا على البحث في كل المواضيع في شكل متواز»، ثم اتهمت الخارجية الروسية المعارضة بتقويض المحادثات لرفضها التعاون مع معارضتي القاهرة وموسكو المؤيدتين بقاء الأسد، فيما قال مسؤول في وفد النظام إن جدول الأعمال يتضمن 4 سلات هي الإرهاب والحكم والدستور والانتخابات، مستبعداً ضم الانتقال السياسي إلى النقاط الثلاث التي طرحها ستيفان دي ميستورا، ومصراً على تقديم بند الإرهاب الذي رفضت المعارضة مواصلة إلهاء الأسد العالم به.

ومع صحة القول إن المعارضة انتزعت للمرة الأولى بند «الانتقال السياسي» نظرياً، فإن الإصرار الروسي على «بحث متواز» لكل المواضيع يعني ربط أي تقدم في أحدها بالتقدم في غيره، لإطالة التفاوض في شأن الحكم الانتقالي الذي نص عليه القرار الدولي 2254 ، فما تضمنه الأخير من جدولة زمنية لآلية الانتقال (عملية سياسية لـ 6 أشهر تحدد جدولاً لصوغ دستور، ثم انتخابات في غضون 18 شهراً بإشراف دولي) تأخر زهاء 15 شهراً منذ صدور القرار في 18 كانون الأول (يناير) 2015.

قنبلة موسكو الدخانية إحدى المناورات المنفصلة المفاجئة، التي سرعان ما يظهر نقيضها كما عودتنا ديبلوماسيتها، والمتبقي يتكفل به وفد النظام بالاستناد إلى لغم في القرار الدولي هو أن قيام هيئة حكم انتقالية جامعة تخول سلطات تنفيذية كاملة تعتمد في تشكيلها على «الموافقة المتبادلة». وهذا باب للمماحكة غير المتناهية، في انتظار التوافق مع إدارة ترامب.

الحياة

 

 

 

 

ماذا بين أستانا وجنيف؟/ راجح الخوري

خلافاً لكل المواقف المعلنة، كان من المفاجئ فعلاً ان يعلن وفد المعارضة السورية مساء الأربعاء عن وضع مسألة “الإنتقال السياسي” في شكل جاد على طاولة المحادثات في “جنيف ٤”، وان موسكو مارست ضغوطاً جادة هذه المرة على النظام لكي يقبل بهذا، وخصوصاً بعدما نجح دائماً في ان يفرض موضوع الارهاب مدخلاً لأي بحث، بما يعطّل المفاوضات في ظل الخلاف على عملية تصنيف عشرات المنظمات بين معارِضة وإرهابية.

ولكن هل يعني هذا حصول تقدم او تحوّل يحسم هذا الموضوع، الذي أحبط دائماً كل المساعي والمؤتمرات، من منطلق تمسك موسكو ببقاء الرئيس بشار الأسد، على خلفية الذريعة التي تتكرر منذ ستة اعوام، وهي ان الشعب السوري هو الذي يقرر مستقبله ويحدد موقع الأسد في عملية الإنتقال السياسي، ثم نكتشف فجأة ان سيرغي لافروف كان يعكف على كتابة الدستور السوري الجديد نيابة عن هذا الشعب!

تتحدث تقارير ديبلوماسية غربية عن ان موسكو كانت تراهن على ان تكون معركة إستعادة حلب باباً يفضي الى وقف النزاع والبدء بحل الأزمة، ولكن سرعان ما تبين ان هذا الرهان كان واهماً، لأن تقاطع القوى وتعدد التنظيمات والتدخلات الاقليمية، تكفّلا إبقاء النزاع متأججاً في مناطق أخرى وهو ما يرتب على موسكو التورط أكثر فأكثر في الرمال السورية الدموية.

وهكذا قررت موسكو ان تعمل على خطين متوازيين، خط أستانا الذي يسعى الى التهدئة ووقف النار، وخط جنيف الذي يسعى الى تحريك مؤتمر جنيف. سيرغي لافروف الذي هندس لقاءات أستانا حرص على حضور الإيرانيين اصحاب الكلمة النافذة في الميدان وعند الأسد، وبالتوازي مع ذلك بدأ التحضير للعودة الى “جنيف ٤”، في محاولة لتظهير حل سياسي يعطي الروس صورة لامعة، ولهذا كان من الملاحظ إرتفاع سقف الحديث في خلال مؤتمر فالداي عن “سوريا العلمانية” التي لن تكون سنيّة او علوية.

في الواقع لم يكن غريباً ان تنزعج موسكو ضمناً مما آلت اليه صورتها واوضاعها السورية، ففي حين يندفع الأميركيون كشركاء فاعلين مع العراقيين في القتال ضد “داعش” لتحرير الموصل، وعندما تتقدم الاستعدادات الأميركية لتحرير الرقة من التنظيم الإرهابي، يبدو الروس عالقين في القتال الى جانب النظام في معركة تقودهم الى مواجهات مع المعارضين كما مع الإرهابيين، وهذا لن يعطيهم في النهاية صورة الذي جاء بقضّه وقضيضه للقضاء على الإرهاب !

والمفاجآت مستمرة. فحين تدعو موسكو الى ضرورة ان يشارك الأكراد في محادثات جنيف، يعلن القائد العسكري للتحالف الدولي الجنرال الأميركي ستيفن تاونسند أن الأكراد السوريين سيشاركون في الهجوم لإستعادة مدينة الرقة من “داعش”، وقت تندفع تركيا لضرب الأكراد في منبج وهو ما يزيد المشهد السوري تعقيداً!

النهار

 

 

 

 

جنيف: دي ميستورا يقدم “مبادئ مشتركة” للمعارضة والنظام/ باسم دباغ

كشفت ورقة غير رسمية طرحها المبعوث الأممي الخاص إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، عن مقترحه بشأن التسوية، مكونة من 12 بندا، تم إرسالها إلى كل من وفد النظام السوري والهيئة العليا للمفاوضات عن المعارضة، لإبداء المقترحات بشأنها.

وتدعو الوثيقة، التي وصلت إلى “العربي الجديد” نسخة منها، إلى تسوية سياسية، مع تجنب الحديث عن “الانتفال السياسي”، في مقابل إقرارها، في مضمونها، بنود الانتقال، من خلال التأكيد على التحول إلى “دولة غير طائفية”، وعلى التعددية السياسية، والحكم الجامع، وإنشاء جيش سوري موحد، وكذلك على “حق الشعب السوري في تقرير مصيره من خلال انتخابات ديمقراطية”.

وتشكل الوثيقة نوعاً من “المبادئ العامة المشتركة” التي تعتقد الأمم المتحدة أن الأطراف السورية لا تختلف عليها، حيث طلب المبعوث الأممي من المفاوضين دراسة هذه الوثيقة والرّد عليها في جلسات لاحقة، إذ شملت، أيضا، في بندها الثاني، مسألة “استعادة الجولان السوري المحتل”، وهذا يعدّ تطوراً بالمقارنة مع الوثيقة التي وزعها دي ميستورا العام الماضي.

وتتضمن الوثيقة البنود التالية:

البند الأول: احترام سيادة سورية واستقلالها وسلامتها الإقليمية ووحدتها أرضاً وشعباً.

البند الثاني: حماية تمتّع سورية بالمساواة التامة من حيث السيادة الوطنية، وبالحق في عدم التدخل في شؤونها والحفاظ على التمتع بهذه السيادة وهذا الحق، وأن تمارس سورية دورها الكامل في المجتمع الدولي، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة ومقاصده ومبادئه، ولا يجوز التنازل عن أي جزء من الأراضي الوطنية، ويظل الشعب السوري ملتزماً باستعادة الجولان السوري المحتل بالوسائل المشروعة والمتاحة.

البند الثالث: يقرر الشعب السوري وحده مستقبل بلده بالوسائل الديمقراطية عن طريق صندوق الاقتراع، ويكون له الحق الحصري في اختيار نظامه السياسي والاقتصادي والاجتماعي دون أي ضغطٍ أو تدخلٍ خارجي.

البند الرابع: تكون سورية دولة ديمقراطية وغير طائفية تقوم على المواطنة والتعددية السياسية، وسيادة القانون، والفصل بين السلطات، واستقلالية القضاء، وحماية الوحدة الوطنية، والاعتراف بالتنوع الثقافي للمجتمع السوري، وحماية الحريات العامة، وتنعم بحكم يتصف بالشفافية ويشمل الجميع ويخضع للمساءلة، فضلاً عن اتخاذ تدابير فاعلة لمكافحة الفساد والرشوة وسوء الإدارة، بما في ذلك المساءلة أمام القانون الوطني.

البند الخامس: تلتزم الدولة بالوحدة الوطنية، وبالتمثيل العادل، وبإدارة المحليات في الدولة والإدارة المحلية الذاتية للمحافظات والمحليات.

البند السادس: استمرارية عمل الدولة ومؤسساتها العامة، وتحسين أدائهما مع إجراء إصلاحات وفقاً لما تقتضيه الضرورة، والالتزام بخدمة عامة تمثل الجنسين وجميع المناطق والمكونات في سورية تمثيلاً كاملاً، ويجب أن يستفيد المواطنون من آليات حماية فاعلة في علاقاتهم بجميع السلطات العامة بطريقة تكفل الامتثال التام لسيادة القانون ولحقوق الإنسان ولحقوق الملكية الخاصة.

البند السابع: الحفاظ على القوات المسلحة قوية وموحدة تحمي بشكلٍ حصريٍ الحدود الوطنية، وتحفظ شعبها من التهديدات الخارجية، وفقاً للدستور، وعلى أجهزة المخابرات والأمن أن تركز على صيانة الأمن الوطني وتتصرف وفقاً للقانون.

البند الثامن: رفض غير مشروط للإرهاب والتعصب بجميع أشكالهما.

البند التاسع: احترام حقوق الإنسان والحريات وإيجاد آليات قوية لحمايتها، لا سيما أوقات الأزمة، بما في ذلك عدم التمييز، والمساواة في الحقوق والفرص للجميع بدون تمييز بسبب الجنس أو الدين أو العرق أو الهوية الثقافية أو اللغوية أو نوع الجنس، أو لأي سبب آخر من أسباب التمييز، مع تمتع المرأة بكامل الحقوق السياسية والفرص على قدم المساواة مع غيرها، بما في ذلك تمثيلها ومشاركتها بصورة فاعلة في المؤسسات وفي هياكل صنع القرار، مع الأخذ بعين الاعتبار مستوى تمثيل النساء 30% على الأقل.

البند العاشر: إسناد قيمة عالية للهوية الوطنية لسورية ولتاريخها القائم على التنوع، وللإسهامات والقيم التي جاءت بها جميع الأديان والتقاليد الى سورية، بما في ذلك التعايش فيما بين مكوناتها المختلفة، إلى جانب حماية التراث الثقافي الوطني للدولة وثقافاتها المتنوعة.

البند الحادي عشر: توفير الدعم لرقيقي الحال وللضعفاء والعجزة والفقراء، وضمان السلامة والمأوى للمشردين واللاجئين، بما في ذلك حقهم في العودة الى ديارهم إذا رغبوا في ذلك.

البند الثاني عشر: صون وحماية التراث الوطني والبيئة الطبيعية من أجل الأجيال القادمة.

العربي الجديد

 

 

 

المعتقلون السوريون… الغائب الأبرز عن جنيف/ عدنان علي

تغيب تقريباً قضية المعتقلين في سجون النظام السوري عن أجندة مفاوضات جنيف4، على الرغم من تواصل محنة عشرات آلاف المغيبين خلف القضبان وفي أقبية فروع الاستخبارات والذين يموت منهم يومياً العشرات تحت التعذيب أو بواسطة عمليات الإعدام التي تقوم بها سلطات النظام، وفق ما كشف تقرير منظمة العفو الدولية الذي صدر أخيراً.

ولعل اللفتة الرمزية الوحيدة التي سبقت افتتاح المفاوضات كانت من خلال لقاء مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، بعدد من النساء السوريات من ذوي المعتقلين.

وقال دي ميستورا للصحافيين “إنهن يرسلن إلي – ومن خلالي للجميع – رسالة مفادها أنه علينا ونحن نتحدث عن مستقبل سورية ألا ننسى من لا يزالون إما معتقلين أو مفقودين”، وفق تعبيره. وأضاف، موجهاً حديثه إلى السيدات السوريات: “هناك آلاف وآلاف من الأمهات والزوجات والبنات اللواتي يأملن في أن يكون هذا الجانب على الأقل من بين فوائد أي تفاوض، يمكنكن أن تتأكدن أننا سنطرح دوماً ملف المعتقلين والمخطوفين والمفقودين”، على حد قوله. وكان دي ميستورا قد أعلن قبل أيام من بدء المفاوضات، أن قضية المعتقلين في سجون النظام ستكون محل نقاش في مفاوضات جنيف، غير أن جدول الأعمال المطروح حتى الآن لا يتضمن بنداً خاصاً بهذه القضية، ويتركز وفق دي ميستورا نفسه، على ثلاث قضايا، هي الحكومة الانتقالية والدستور والانتخابات.

ووفق بعض المصادر الحقوقية، يزيد عدد المعتقلين في سجون النظام عن 300 ألف. وتفيد وثائق بأن الذين قضوا منهم داخل السجون تجاوزوا الـ100 ألف منذ بدء الثورة السورية عام 2011 حتى الآن. وتوفي هؤلاء في ظروف بشعة قد لا يصلها خيال بشري، تشمل التعرض لصنوف من الضرب والتعذيب والتجويع وترك المرضى يعانون حتى الموت.

كما يعتبر موضوع المعتقلين وسيلة ابتزاز لذويهم ونهب أموالهم، وكثير منها يذهب هباءً بسبب الكذب وبيع الأمل لذوي المعتقلين من جانب سماسرة ومحامين مرتبطين بالنظام ويتقاسمون مع عناصره وضباطه ما يأخذونه من أموال ذوي المعتقلين. ويقول رئيس “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فضل عبد الغني، إن الاعتقال على نطاق واسع، وما يتخلله من عمليات قتل وتعذيب واغتصاب وابتزاز، هو استراتيجية متكاملة للنظام بهدف تدمير المجتمع، بحسب قوله. وأوضح أن تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) يحتجز نحو ثمانية آلاف سجين (معظمهم من عناصر الجيش السوري الحر أو مدنيين من مناطق المعارضة)، فيما تحتجز المجموعات التي تقاتل تحت راية “الجيش الحر” نحو 2400 شخص، وجبهة “فتح الشام” نحو 500 شخص، وحزب “الاتحاد الديمقراطي الكردي” نحو 1600 شخص.

وتجاهل قضية المعتقلين في هذه المفاوضات، ليس سابقة، بل يكاد ينسحب على مجمل الجولات السابقة باستثناء مفاوضات جنيف2 مطلع عام 2014، والتي تم خلالها التداول في موضوع المعتقلين وتقديم قوائم بأعدادهم وأسمائهم لوفد النظام، لكن دون أن يؤدي ذلك إلى إطلاق سراح أي معتقل. وهناك تكهنات بأن النظام سعى للإفادة أمنياً من قوائم المعارضة دون أن يفكر جدياً في إطلاق سراح أحد. وطالبت المعارضة حينذاك بفصل موضوع النساء والأطفال عن باقي المعتقلين، وإطلاق سراحهم فوراً، إذ قدم وفدها قائمة بأسماء ألف امرأة و1300 طفل. وفي تلك المفاوضات تذرع وفد النظام بأن وفد المعارضة ليس لديه سلطة على الفصائل المسلحة التي يقول إنها تحتجز مئات من أنصاره من عسكريين ومدنيين، بينما يحضر في المفاوضات الحالية ممثلون عن تلك الفصائل، ما يسقط حجة النظام.

وتؤكد فصائل المعارضة بشكل دائم استعدادها للقيام بعمليات تبادل للأسرى والمحتجزين، لكن النظام لا يبدي أي تجاوب، ويظهر عدم اكتراث بجنوده وضباطه الأسرى، خلافاً لما يقوم به حين يتعلق الأمر بالأسرى الإيرانيين أو التابعين للمليشيات الطائفية الموالية لطهران، أو بجثث الجنود الروس الذين يسارع إلى مبادلتهم فور وقوعهم بأيدي فصائل المعارضة.

وعادة ما تشترط المعارضة حضورها لأي جلسة تفاوضية مع النظام بأن يقوم الأخير بالتفاتة إنسانية تتعلق بإطلاق سراح معتقلين ورفع الحصار عن المناطق المحاصرة. لكنه لم يستجب لذلك أبداً، ما يشير إلى مدى حرص النظام على عدم التفريط بهذه “الورقة”. وتفيد المعطيات بأن خوف الناس من التعرض للاعتقال، ومع ما يعنيه ذلك من مخاطر على حياة المعتقل وما يسببه من معاناة هائلة لذويه، هو أحد أسلحة النظام في ضبط المجتمع ومعاقبة ما يعتقد أنها الحواضن الشعبية لمعارضيه، على الرغم من أن الكثير من حالات الاعتقال تتم بشكل عشوائي ولأشخاص لا علاقة لهم بأي نشاط مناهض للنظام. ويكفي أن يكونوا من أقارب أحد المطلوبين للنظام أو بسبب تقديم مساعدة إنسانية لأحد المطلوبين حتى يتم اعتقالهم، مع ملاحظة تعدد الجهات المخولة بعمليات الاعتقال، والتابعة للقوات النظامية أو للمليشيات وقيامها بعمليات الاعتقال التعسفي، واحتفاظ هذه الجهات بمعتقلات خاصة بها لا تخضع لأي رقابة.

وكانت مجموعة من المنظمات السورية المختصة بشؤون توثيق الانتهاكات والمساءلة والعدالة الانتقالية في سورية قد وجهت مذكرة إلى الأطراف السورية المتفاوضة، وإلى دي ميستورا وفريقه، والدول الراعية للعملية التفاوضية، تحدد سبل حل أزمة المعتقلين في سورية. وطالبت في المذكرة بضرورة السماح بدخول مراقبين مستقلين وفتح باب الزيارات بشكل فوري للمعتقلات، مشيرةً إلى أن أياً من القوى المتفاوضة أو الأمم المتحدة والمجموعة الدولية لدعم سورية، لم تمارس أي ضغوط جدية بخصوص ملف المعتقلين، وكأنها قضية ثانوية أو أقل أهمية من وقف إطلاق النار، وفق ما ورد في المذكرة.

وطالبت المنظمات بالسماح الفوري لمراقبين مستقلين أو جهة محايدة تتمتع بمصداقية واحترام دوليين، بالوصول غير المشروط إلى جميع مراكز الاعتقال والسجون في سورية، بما فيها تلك المراكز غير الرسمية التي تديرها الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة السورية أو المليشيات المؤيدة للنظام، وتلك التي تديرها الفصائل المعارضة المسلحة. كما شددت على ضرورة إصدار قوائم رسمية تحدد الأشخاص المعتقلين لدى جميع الأطراف، تمهيداً للبدء بحصر الأشخاص المفقودين. وأكدت المنظمات ضرورة تبني مقاربة مختلفة تماماً، تعتمد على الضغط على جميع الأطراف لتسليم قوائم رسمية بأسماء المعتقلين لديها.

ولفتت المنظمات إلى عدم جدوى ما يطلبه دي ميستورا من المعارضة بشأن تقديم قوائم دقيقة للمعتقلين في سجون النظام لأن أحداً لا يعرف على وجه الدقة أعداد المعتقلين. واعتبرت في المقابل أن المطلوب من النظام يتمثل في أنْ يقدم قوائم بالمعتقلين لديه، داعية إلى تأسيس آلية واضحة للعمل على إطلاق سراح جميع المعتقلين بما في ذلك التأسيس لفريق عمل تقني خاص تابع للأمم المتحدة، يرفد فريق الموفد الخاص بسورية بخبراء وقانونيين يعملون على تقديم التوصيات والخبرات بهذا الشأن. ولفتت إلى ضرورة إشراك ممثلين عن المنظمات الحقوقية كخبراء ومراقبين بشكل دائم، ليساهموا بإغناء عمل الفريق الخاص بالمعتقلين. كما شددت على وضع موضوع المعتقلين وتحديد أماكن ومقرات الاحتجاز والاعتقال من قبل طرفي التفاوض على أعلى سلم الأولويات.

وتبقى الحقيقة الثابتة أن المجتمع الدولي والأمم المتحدة بجميع مؤسساتها، لم يتمكنوا حتى الآن من الضغط على النظام السوري للإفراج عن حالة واحدة فقط، إذ تتم معظم حالات الإفراج ضمن صفقات تبادل مع فصائل المعارضة المسلحة.

العربي الجديد

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى