صفحات الحوار

مقابلة مع جلبير الأشقر

ماتيو ليونارد

ترجمه: وليد ضو

بعد مرور أكثر من عامين على انطلاقة الثورات في العالم العربي، تتوقع بعض العقول الحذرة “شتاء إسلاميا” كنتيجة حزينة لـ”الربيع الديمقراطي”. في كتابه الجديد “الشعب يريد” (دار الساقي، 2013) يقدم جيلبير الأشقر قراءة أخرى، لتناقضات الرأسمالية والمسألة الاجتماعية في المنطقة العربية.

ماتيو ليونارد: في العنوان الفرعي لكتابك “بحث جذري في الانتفاضة العربية” تقدم تحليلا ماديا للأسباب الاجتماعية والاقتصادية التي لعبت دورا في هذه الانتفاضة الشعبية. ما هو الجذري فيها؟

جلبير الأشقر: أصرت وسائل الإعلام على الطابع المباشر والمرئي، لهذا سُجِّل رحيل بن علي ومبارك ضمن مقاربة ديمقراطية، وهو أمر يريح الغرب. اعتبار “الربيع العربي” بأنه “ثورة الياسمين” أو “ثورة الفايسبوك”، وبالتالي القول أنه عبارة عن حدث واحد وينتهي بانتخابات وبالتالي وتستتب الأمور. هذا التحليل يعني رفض رؤية عمق الحراك الاجتماعي الذي يحمل السيرورة الثورية على المدى البعيد. في المقام الأول، تراكم التوترات الاجتماعية قاد إلى الوصول إلى نقطة الانفجار، وهذا الأمر يأتي ضمن سياق اقتصادي لتوقف عملية التنمية، وتحرير الأسعار، والخصخصة، وارتفاع أسعار المواد الأولية، والأزمة العالمية. تسجل في الدول العربية أرقام قياسية في معدلات البطالة، كما شهدنا على ارتفاع موجة الاحتجاجات العمالية في تونس ومصر، التي ترفع مطالب اجتماعية تتعلق بخلق فرص عمل جديدة، والخبز والعدالة. حالة السخط في تونس وهروب بن علي خلقا كرة ثلج رائعة، والتي ساهمت بانتشار شعار جديد بين الناس في هذه الدول- “الشعب يريد إسقاط النظام”- والتي غيرت كل المعطيات. بحيث لا يوجد بلد عربي لم يتأثر بهذه الموجة.

تقدم في كتابك صورة للشباب العربي، الفاعل الأساسي في حركة الاحتجاجات، وتصفه بأنه فئة عمرية متعلمة وضعها مستقر والتي تجيد استعمال تكنولوجيات الاتصالات، وهي شبيهة بحركة “الساخطين” في العالم الغربي أكثر من مواطنيها السلفيين. ألا يوجد انشطار اجتماعي بين الشباب العصريين والطبقات الشعبية الأكثر تقليدية؟

إنها فكرة مسقطة وخاطئة. لا يوجد من جهة الفقراء السلفيين ومن جهة أخرى الشباب التقدميين. معدلات البطالة المرتفعة تصيب بشكل أساسي الشباب، والشابات، وحملة الشهادات. نسبة الشباب العاطلين عن العمل أعلى بكثير من معدل البطالة عند بقية القوى العاملة. يجب الأخذ بعين الاعتبار انتشار التعليم، والذي زاد من نسبة المتعلمين خلال الأعوام المنصرمة: بحيث لم يعد تعليما محصورا بالموسرين. في الوقت عينه، الأكثر فقرا ليسوا بالضرورة سلفيين. محمد بو عزيزي لم يكن سلفيا- العاطل عن العمل والبائع المتجول الذي أحرق نفسه في 17 كانون الأول 2010- شباب سيدي بو زيد الذين ثاروا يومها ليسوا سلفيين. لم يظهر السلفيون إلى الساحة إلا بعد خروج المظاهرات الجماهيرية. لم يشاركوا في صلب الحراك، إنما التصقوا به كتيار عصبوي أقلوي ويمثل حرمانا اجتماعيا مضللا. في تونس، أغلبية الناشطين الثوريين هم أعضاء في الاتحاد العام التونسي للشغل.

في مصر، إذا كانت التعبيرات الدينية أكثر بروزا، هذا الأمر لا يعني انتشارا واسعا للسلفيين. التعبيرات الدينية الظاهرية لا تعني بالضرورة تصورا دينيا للصراع السياسي. حركة 6 نيسان تشكلت من تقاطع بين الشباب الجامعي وعمال المحلة الكبرى.الإخوان المسلمون يشكلون فئة انتهازية جديدة، حيث تتلاقى الطهرانية مع النيوليبرالية. كيف تقرأ تفسيرات بعض الأوساط المعادية للأمبريالية الذين يستمرون بتأييدهم على الرغم من برنامجهم الاجتماعي- الاقتصادي المعادي للتغيير الاجتماعي؟

في هذه الانتفاضة، التحق الإخوان المسلمون كذلك بالقطار المتحرك. في الواقع، قيادة الإخوان متبرجزة جدا: بحيث تتألف من الرأسمالي خيرت الشاطر وحسن مالك. معارضة الحركة للنظام القديم تقوم على نقد المحسوبية والتي تشوه قوى السوق، ولكنها لم تهدف إلى إعادة النظر بمجمل الواقع الاجتماعي- الاقتصادي. وبالنسبة لموضوع مناهضتهم للإمبريالية، أثبت مرسي أنه يمكنه التصرف أسوأ من مبارك حين سمح للجيش بإغراق الأنفاق التي تربط بين مصر وقطاع غزة، على الرغم من انتماء حركة حماس إلى الإخوان المسلمين. اليوم، يمثل الإخوان المسلمون الضمانة لفرض “الاستقرار” في المنطقة وتستند الرأسمالية العالمية عليهم لتطبيق متطلبات صندوق النقد الدولي، على الرغم من عدم تمتعهم بالوسائل السياسية. في 16 حزيران 2012، أعلنت المجلة البريطانية الإيكونوميست، والتي تشكل مرجعا للخطاب الليبرالي، وقوفها إلى جانب مرسي خلال الانتخابات الرئاسية في مصر من خلال عنوان افتتاحيتها “انتخبوا الأخ”. ومن السخيف اعتبارهم حركة مناهضة للإمبريالية والرأسمالية. ولكن في الوقت عينه، مناهضة رهاب الإسلام والعنصرية في فرنسا، حيث نشهد تمييزا ضد المسلمين، هو أمر مختلف لاختباء بعض التقدميين خلف تيار رجعي على المستوى الاجتماعي والثقافي والأخلاقي. خاصة بعد وصولهم اليوم إلى السلطة وحيث يستعملون الدين كوسيلة قمع اجتماعية، خاصة ضد الأقلية القبطية.

نلاحظ في الوقت الحالي الدور الكبير لقطر في دعم الأنظمة الجديدة، ما هي استراتجية هذا البلد؟

قطر تلعب دور الوسيط المفروض بين الإخوان المسلمين والولايات المتحدة، وهو دور تكميلي في المنطقة، ولكن لا يوجد تفسير مادي للسياسة القطرية. فالأخيرة مرتبطة بغلو الأمير وشغفه بالشؤون الخارجية، الأمر الذي ساهم في إقامة علاقات متناقضة مع القاعدة وإيران وصولا حتى إسرائيل. اليوم ومع القاعدة العسكرية الرئيسية للولايات المتحدة على أراضيها ودورها الرعائي للإخوان المسلمين، تظهر قطر كجزء أساسي للأدوات الأميركية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

تثير في كتابك نظرية المؤامرة التي لا تزال تزدهر خلال الحراك الذي تشهده المنطقة ونسمعها خاصة من “المناهضين للإمبريالية والشرق أوسطيين”. فأسطورة المؤامرة لزعزعة المنطقة خدمة للمصالح “الأميركية والصهيونية” هي بلا شك داخل خيالهم، خاصة بما يتعلق بسوريا…

وصم هذه المواقف بأنها تندرج ضمن “نظرية المؤامرة” يعني بالدرجة الأولى إدانتها. واعتبار واشنطن تستطيع التحكم بكل شيء هو أمر خيالي. منذ بداية الثورة السورية الذي استمرت خلال أشهر حركة شعبية وسلمية على الرغم من تعرضها لقمع شرس، اعتبر بشار الأسد أن تنظيم القاعدة هو وراء هذه الاحتجاجات- بالضبط كما فعل معمر القذافي في ليبيا. هذا الخطاب وجهه الأسد خصيصا إلى الغرب، بحيث يقول للقوى الغربية: “أنا حليفكم، من دوني، ستحصلون على القاعدة!”. في هذا الإطار تدعم واشنطن مفاوضات تؤدي إلى رحيل الأسد وترفض إعطاء الضوء الخضر لتسليم أسلحة “نوعية” للثوار السوريين. إذ تخشى من وصول هذه الأسلحة إلى تنظيم القاعدة، الذي هو جزء من القوى المسلحة. ولكن كلما تماطل، كلما يحتمل أن يتزايد دوره. انا ضد أي تدخل عسكري مباشر في النزاع، ولكنني أؤيد إرسال مساعدات عسكرية للثوار السوريين بمكوناتهم الرئيسية. عندما ترفض تقديم هذه المساعدة، فإنك تسمح للأوساط الأكثر تطرفا بأن تحتكر السلاح النوعي، خاصة تلك التي تتلقى مساعدات مالية من الممالك النفطية. إذا استمر الغرب بصرف نظره عن حصول المجزرة، في وقت تستمر روسيا وإيران بتزويد بشار بالأسلحة، فإنه يتحمل مسؤولية جزئية عن الجرائم ضد الإنسانية. أما بالنسبة لإسرائيل، فإن تدمير سوريا هو هبة لحكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، الذي يخشى من تمدد النزاع إليه.

بالعودة إلى الثورة العربية، تتحدث عن “سيرورة ثورية على المدى الطويل”، هل الاستقطاب بين العلمانيين والإسلاميين يمكن أن يحد من اندفاعة الحركات الاجتماعية؟

حتى لو وجد هذا الانشطار، لا أعتقد بأنه مسألة أساسية. بلا شك من المهم النضال ضد تدخل رجال الدين بالسياسة ولكن الاهتمام بالمسألة الاجتماعية يجب أن تبقى غالبة. في تونس، قدرة الحركة العمالية في المشهد السياسي يجعلها قادرة على تشكيل بوصلة التغيير. وعلينا عدم نسيان أن الاتحاد التونسي للشغل كان في صلب الحركة الاحتجاجية والذي دعا إلى إضراب عام في 14 كانون الثاني 2011، مساهما بهروب بن علي.

على العكس من ذلك، قدرة اليسار الجذري كقوة سياسية محدودة- لأنه يعاني من تذرر كبير ويحمل عيوب نابعة من تاريخه الطلابي. بمواجهة معارضة قليلة المصداقية، فإن الرئيس المرزوقي غارق في انتهازية سياسية فاقعة، وهو دمية بيد حركة النهضة وفي الوقت عينه يهتم جدا بطموحاته الشخصية. في مصر، الوضع مختلف. الحركة العمالية المنظمة فتية، وعلى الرغم من انتساب أكثر من مليوني عامل/ة إلى الاتحاد المصري للنقابات المستقلة، فإن الأخير لا يتمتع من ناحية حجمه وتاريخه بما يتميز به الاتحاد العام التونسي للشغل من ثقل. المعارضة السياسية من جهتها، قليلة المصداقية من خلال التحالف الناشئ بين اليسار التقليدي والنيوليبراليين وفلول النظام السابق. وحده حمدين صباحي اكتسب ثقة بين الثوار المصريين، خاصة في القاهرة والاسكندرية، وعارض شروط صندوق النقد الدولي ورفض التقاء جون كيري في شهر آذار المنصرم. لتوسيع البديل المرجو، على الثوار أن يتمايزوا عن المعارضة المكونة من الليبراليين وحتى أسوأ من ذلك من فلول النظام وعن سلطة الإخوان المسلمين، اللذين يتشاركان بعدم تقديم أي حل للمسألة الاجتماعية والاقتصادية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى