صفحات الناس

مقاتلون أجانب ضد الجهاديين: “حملة صليبية” على “الدولة الإسلامية”/ منار عمار

 

 

صحيح أن تنظيم “الدولة الإسلامية” قد يكون معروفًا بتجنيده الأجانب واستغلالهم من أجل مصالحه الخاصة. ولكن مع ذلك يوجد أيضًا متعصِّبون دينيًا من الغرب يتوجهون للقتال ضد خلافة الجهاديين المزيَّفة – غير أن بعضهم ينظرون إلى هذه المعركة على أنها واجب ديني يمليه عليهم إيمانهم المسيحي. منار عمار تسلط الضوء لموقع قنطرة على هؤلاء المقاتلين الأجانب.

نادرًا ما يدور الحديث في وسائل الإعلام حول الأسباب التي تدفع المقاتلين الأجانب إلى محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق وسوريا. ولكن على الرغم من ذلك لا بدّ من تسليط الضوء بدقة على تلك الأسباب – خاصة لأنَّ عدد الأجانب المجنَّدين بمحض إرادتهم يرتفع بشكل متواصل. وبحسب بعض التقديرات يشارك في الوقت الراهن مئات من الأجانب في حرب، يتم خوضها بشكل رئيسي من قبل متطوِّعين.

وبحسب تقدير حذر تم نشره مؤخرًا في دراسة حول هذا الموضوع ضمن تقرير تحقيقات موقع بيلينغ كات البريطاني للصحافة الاستقصائية، يُعْتَقد أنَّ نحو مائة وثمانين مواطنًا أمريكيًا قد سافروا إلى العراق أو سوريا من أجل محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”، ومن بينهم امرأة واحدة. بينما تتحدَّث مصادرُ أخرى عن وجود أكثر من مئتي متطوِّع أمريكي. وبحسب هذه الدراسة فإنَّ القسم الأكبر من هؤلاء المقاتلين الأمريكيين جاؤوا من ولاية تكساس – حوالي ستة عشر شخصًا، أو ما قارب خمسة عشر في المائة من هؤلاء المتطوِّعين الأمريكيين. وتأتي في المرتبة الثانية ولاية كاليفورنيا بثمانية مقاتليين.

وكذلك تمثِّل أعداد القتلى الكثيرة جزءًا من واقع الحرب: فقد تم الإعلان في شهر حزيران/يونيو الماضي 2015 من قبل وزارة الخارجية الأمريكية عن قتل رجل أمريكي من ولاية ماساشوسيتس يبلغ من العمر ستة وثلاثين عامًا، اسمه كيث برومفيلد، كان يقاتل إلى جانب القوَّات الكردية ضدَّ تنظيم “الدولة الإسلامية”. وذكرت والدة برومفيلد لقناة إن بي سي نيوز الإخبارية أنَّ ابنها ذهب إلى الحرب وهو مقتنع بأنَّ “إرادة الله” هي أن يسافر ليقاتل في سوريا ضدَّ تنظيم “الدولة الإسلامية”.

وكذلك لم تكن الخبرة العسكرية السابقة متوفِّرة لدى الأمريكي كيث برومفيلد، وهذا ليس بالشيء الغريب بين هؤلاء المقاتلين الأجانب. حيث يرد في هذا التقرير أنَّ عشرة مقاتلين من المقاتلين الأمريكيين (أي تسعة في المائة) لم تكن توجد لديهم خبرة عسكرية سابقة، في حين أنَّ ثلاثة وسبعين مقاتلاً (أي ثمانية وستين في المائة) كانوا قد خدموا في الجيش الأمريكي. وحول الخلفية العسكرية لدى بقية المقاتلين الأجانب وعددهم خمسة وعشرين مقاتلاً (أي ثلاثة وعشرين في المائة)، لا تُقدِّم البيانات المتوفِّرة أية معلويات.

في الجبهة الأمامية ضدَّ تنظيم “الدولة الإسلامية” – ترتبط وحدات حماية الشعب الكردية YPG في شمال سوريا ارتباطًا وثيقًا بحزب العمال الكردستاني. لقد أصبحت هذه الوحدات العدو اللدود لتنظيم “الدولة الإسلامية” وهي في سوريا أهم شريك في التحالف الذي تقوده الولايات المتَّحدة الأمريكية ضدَّ تنظيم “الدولة الإسلامية”.

في الجبهة الأمامية

عشرات من الأمريكيين ذهبوا إلى جبهة الحرب – على أمل المشاركة في القتال ضدَّ ما وصفه بعض القادة السياسيين الغربيين بأنَّه “التنظيم الإرهابي الأكثر خطورة” في العالم على الإطلاق. بالنسبة للمقاتل الأمريكي ريان يونغ القادم من مدينة إنديانابوليس، ويعتبر منذ أربعة أعوام من قدامى المحاربين في قوَّات حرس السواحل الأمريكية، فقد كان الأمر يتعلق بالعودة إلى أداء “العمل” الذي شدَّ اهتمامه في البداية. بيد أنَّه تفاجأ فيما بعد بالواقع من خلال تجاربه.

“كنت أعتقد فعلاً أنَّني سأذهب للقتال قليلاً ومن ثم سأعود إلى نشاطي، ولكن عندما كنت هناك أصبح الأمر صعبًا للغاية. وكان الدمار الذي شاهدته هناك فظيعًا. وهذا أذهلني. لقد كنت غاضبًا وأريد أن أفعل شيئًا ما، ولكن لم يعد الوضع يبدو مناسبًا لذلك”، مثلما أقرَّ ريان يونغ، الذي توجد لديه في وطنه زوجة وأسرة.

وبعد أن كان قد ترك قوَّات حرس السواحل الأمريكية في عام 2012، كان يعمل في مدينته عندما كانت تترسَّخ في ذهنه فكرة العودة إلى ساحة المعركة. وفي بداية هذا العام قرَّر ريان يونغ أن يذهب إلى تركيا، لكي يشارك من هناك مع غيره من المتطوِّعين في إيقاف تقدُّم تنظيم “الدولة الإسلامية”.

لقد اعترف ريان يونغ بأنَّ نبرات بعض الأمريكيين الذين كان قد التقى بهم في تركيا كانت قد أثارت خوفه. فبدلاً من القتال ضدَّ العدو، كانوا ينظرون إلى الوضع برمَّته من وجهة نظر دينية بحتة، مثلما يقول ريان يونغ: “الكثيرون من الأمريكيين الذين التقيتهم هناك، كانوا مُتعلِّقين فعلاً بفكرة ’منقذي العالم‘. وهم يعتقدون أنَّهم يفعلون هذا من أجل الله ومن أجل دينهم. لم يكن الأمر يتعلق لديهم بمساعدة الآخرين في حربهم ضدَّ العدو، بل بهزيمة المسلمين. لقد كانت الحال كذلك طيلة سنوات، ولكنني في الواقع لم أشعر بتاتًا بالراحة إزاء ذلك”.

أكَّد الأمريكي ريان يونغ أنَّه لم يقاتل هناك بتاتًا، غير أنَّ بعض المقاتلين الأجانب الآخرين ذهبوا حتى إلى الجبهة الأمامية. وبعضهم عادوا إلى الوطن محمَّلين في توابيت. ولكن مع ذلك فإنَّ ريان يونغ لا يرى أنَّ هؤلاء المقاتلين كانوا غير مستقرين عقليًا – حتى أولئك المقاتلون الذين ينظرون إلى أنفسهم كجزء من حملة صليبية، بل يعتقد أنَّ هؤلاء المقاتلين قد “علقوا فقط في قناعتهم بأنَّ هذا من واجبهم كأمريكيين ومسيحيين”.

إثارة المشاعر المعادية للمسلمين

وردًا على التقدُّم الذي حقَّقه تنظيم “الدولة الإسلامية” في الاثني عشر شهرًا الماضية، عمل السياسيون في العاصمة الأمريكية واشنطن على إثارة المشاعر المعادية للمسلمين، حيث أصدرت بعض الولايات الأمريكية قوانين تمنع أي تطبيق للشريعة الإسلامية في محاكمها. وكان هناك ارتفاع هائل في عدد الهجمات على المسلمين في الولايات المتَّحدة الأمريكية. وبحسب معلومات مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي “إف بي آي” فإنَّ عدد الهجمات ضدَّ المسلمين حاليًا أكثر بخمسة أضعاف عما كان عليه قبل هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001.

تعتبر العلاقة بين قوَّات البيشمركة من جهة وبين حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية من جهة أخرى متوترةً تقليديًا. ولكن على الرغم من ذلك فإنَّ الأكراد في شمال العراق يدعمون مقاتلي وحدات حماية الشعب في معركتهم ضدَّ تنظيم “الدولة الإسلامية” من أجل المدينة الحدودية السورية عين العرب/كوباني. هناك الكثير من المؤشِّرات التي تشير أيضًا إلى التحاق مقاتلين أجانب بالقوَّات المسلحة التابعة لحكومة إقليم كردستان.

وفي صحيفة واشنطن بوست كتب الصحفي كريستوفر إنغراهام معلقًا على الدراسة المذكورة آنفًا وكذلك على الوضع المتوتِّر في الولايات المتَّحدة الأمريكية إنَّ “حقيقة أنَّ الجرائم ضدَّ المسلمين لا تزال مرتفعة بالمقارنة مع مستواها قبل الحادي عشر من أيلول/سبتمر، تسلِّط الضوء على أنَّ ما يزال أمامنا أيضًا على ’الجبهة الدينية‘ الكثير من العمل”.

والآن يبدو أنَّ حفنةً من الأمريكيين يريدون حتى الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك: فقد ذكر المقاتل السابق ريان يونغ أنَّ المقاتلين الذين التقى بهم كانوا “يعتقدون أيضًا أنَّ من واجب الولايات المتَّحدة الأمريكية حماية العالم من المسلمين”.

تورُّط “قوة التدخُّل السريع الأولى من أمريكا الشمالية”

يتم في بعض من تقارير وسائل الإعلام نقل ما تدَّعيه عن نفسها على موقعها الإلكتروني “قوة التدخُّل السريع الأولى من أمريكا الشمالية”، حيث تذكر أنَّها قد “تأسَّست من قبل متخصِّصين في مجال الأمن والأعمال، سئموا من عدم فعالية عمليات المساعدات الإنسانية والإغاثة من الكوارث ومن جهود تحقيق الاستقرار” في جميع أنحاء العالم، ولذلك فهم يدعمون المقاتلين الأجانب في الالتحاق بالقتال ضدَّ تنطيم “الدولة الإسلامية”.

ومن جانبه أخبرنا الناطق الإعلامي لهذه المنظمة، وهو من المحاربين القدامى في القوَّات الكندية لا يرغب في الكشف عن اسمه، أنَّه لا يُقدِّم شيئًا من وقته إلاَّ “عندما يكون ذلك ممكنًا”. ولم يكن يريد الحديث عن الدور الذي تلعبه “قوة التدخُّل السريع الأولى من أمريكا الشمالية” في مساعدة الأجانب على الاتِّصال مع “وحدات حماية الشعب” الكردية (YPG)، وعلى الرغم من أنَّ بعض التقارير الإعلامية – بما فيها تقارير من قناة سي إن إن – قد أكَّدت الدور المركزي الذي تقوم به في ذلك هذه المنظمة الأمريكية الشمالية.

وأوضح هذا الناطق الإعلامي أنَّ عمل منظمته يشمل “إجراء تحليلات للقدرات والأنظمة والتهديدات والمخاطر ونقاط الضعف، وكذلك الاتِّصال والتنسيق مع ممثِّلي قوَّات البيشمركة الكردية. وبالإضافة إلى التحليلات الإقليمية الشاملة فإنَّ هذه العمليات تشكِّل الأساس لدينا في مراحل التخطيط والتنسيق”.

والبيشمركة قوَّات تابعة لحكومة إقليم كردستان الكردية المُتمتِّعة بحكم شبه ذاتي في شمال العراق. وهذه القوَّات واحدة من المجموعات الرئيسية في الحرب الهادفة إلى دحر تنظيم “الدولة الإسلامية”. وهناك الكثير من المؤشِّرات، التي تشير أيضًا إلى انضمام مقاتلين أجانب إلى القوَّات المسلحة التابعة لحكومة إقليم كردستان.

إذ إنَّ ما شاهده ريان يونغ خلال وقته القصير بالقرب من جبهة القتال، كان أكثر من مجرَّد تقديم دعم ضدَّ عدو: فقد كان هذا العمل يبلغ تقريبًا حدّ التديُّن، على الأقل بالنسبة لبعض الأجانب بمن فيهم أيضًا بعض الأمريكيين.

وحول ذلك يقول ريان يونغ: “أعتقد أنَّ سبب وجود الكثيرين هناك يُعزى إلى وسائل الإعلام. فكثيرًا ما يتم تصوير الأمر وكأنَّه يتعلق بمعركة بيننا وبينهم. وهذا قد أثار إعجابي مثلما أثار إعجاب الكثيرين غيري. وقد كان هذا أيضًا هو سبب ذهابي أخيرًا إلى هناك. بيد أنَّني في النهاية تعلمت من ذلك الكثير وأدركت أنَّ من الخطأ الذهاب للقتال إلى مكان ما لا أنتمي إليه”.

وعلى الرغم من أنَّ ريان يونغ لم يصف مهمَّته القتالية بشكل مباشر على أنَّها حربٌ صليبية، إلاَّ إنَّه اعترف بأنَّ الكثيرين في جبهة القتال ضدَّ تنظيم “الدولة الإسلامية” ينظرون إلى ذلك بشكل مختلف تمام الاختلاف. وحتى أنَّهم بحسب قوله: “ينظرون إلى الإسلام والمسلمين باعتبارهم العدو الحقيقي. وهذا حقًا أمر يدعو للقلق”.

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2015  ar.qantara.de

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى