صفحات العالم

مقالات تتعلق بالصعود القوي للجهاديين في سوريا

 حديث الجولاني وترشيق الظاهرة الجهادية/ حسن شامي

نرجح أن تكون المقابلة التلفزيونية التي أجرتها «الجزيرة» مع قائد جبهة النصرة أبو محمد الجولاني قد استرعت انتباه كثيرين. نرجح أيضاً أن تتفاوت درجة الاهتمام بهذا الحديث لدى المطلعين عليه مباشرة أو منقولاً إلى لغة وسائل إعلامية أخرى كالصحافة المكتوبة. ويعود التفاوت هذا، بطبيعة الحال، إلى تفاوت المقاربات الشائعة لظواهر الإسلام السياسي عموماً، وتفاوت أشكال التعويل أو عدم التعويل عليها.

يبقى أن مجرد إطلالة قائد النصرة ومخاطبته لجمهور واسع حدث في حد ذاته ما دام الرجل قائداً لتنظيم إسلامي مقاتل صنفته الإدارة الأميركية منظمة إرهابية، وتبعتها في هذا الموقف أو ما يشابهه دول أخرى. يبقى أن السياق الذي تندرج فيه المقابلة، وإن كان ظرفياً جداً، من شأنه أن يعزز قيمتها الحدثية. فظهور الجولاني على شاشة وسيلة إعلامية معروفة يأتي على خلفية لغط وسلسلة من التصريحات المتضاربة، تأكيداً أو نفياً أو في منزلة بين المنزلتين، حول لقاء مسؤولين في الإدارة الأميركية مع مسؤولين في «الجبهة الإسلامية» التي تضم أبرز الفصائل الإسلامية المقاتلة في سورية ضد قوات النظام والموالين له. ويأتي تصريح الموفد الأميركي والسفير السابق في دمشق روبرت فورد ليزيد اللغط. فهو قال، قبل ثلاثة أيام، إنّ الجبهة الإسلامية هي التي «رفضت الجلوس معنا» وإن الإدارة الأميركية مستعدة للتحادث مع كل الأطراف.

معلوم أيضاً أن الإدارتين الأميركية والبريطانية أعلنتا الأسبوع الماضي عن توقفهما عن تقديم المساعدات غير الفتاكة إلى المعارضة المسلحة خوفاً من وصولها إلى جهات غير مرغوبة، وذلك بعد الهجوم الذي شنّه مقاتلو الجبهة الإسلامية على مراكز ومقار «الجيش السوري الحر» والسيطرة عليها في المنطقة الحدودية مع تركيا. وإذا كانت الخرائط الميدانية القتالية شديدة التعقيد ولا تتطابق مع الهيكليات النظرية التي ترسمها دوائر المعارضة السورية في الخارج، ومعها دوائر دول نافذة، فإن الاضطراب والتشرذم اللذين يسمان المشهد السوري المفجع اليوم يتعاظمان على إيقاع فرز يختصر المواجهة، بالأحرى يختزلها اختزالاً عنيفاً، إلى منازلة بين نظام فئوي شرس وجهاديين يقاتلون كل من يخالفهم. ومثل هذا الوضع لا يترك للمراقب الحر، أياً كان موقعه ورأيه، سوى التفجع من «نكد الدنيا…». ويستفاد من هذا أن الجولاني استشعر، هو وغيره من الرعاة الإقليميين والدوليين، ضرورة تظهير صورة عن مشروعه الإسلامي تكون أكثر رشاقة واعتدالاً. فهو يعلم أنّ ديبلوماسية المصالح، المادية وغير المادية، والتي تصدع بها سياسات الدول النافذة تقتضي قدراً من التعاطي الواقعي (البراغماتي) مما يجعل باب التفاوض مشرعاً. والجولاني يخامره الاعتقاد، غير الخاطئ بالضرورة، بأن تصنيف تنظيمه في عداد المنظمات الإرهابية ليس سوى تقنية تربوية عنيفة تهدف إلى وضع المخالفين داخل «المطهر» في انتظار أن يراجعوا تصوراتهم وممارساتهم للحصول على صفة السويّة المطلوبة. فمن دون هذه المراجعة يصبح صعباً أن تتلاقى وتتصالح المقاربات والتصورات.

مستنداً إلى اعتبارات عملية كهذه أعلن الجولاني رفضه القاطع لنزعة التكفير التي تسم نشاط فصائل إسلامية مقاتلة وبارزة. وهو يسعه أن يعتدّ بموقف لافت لزعيم تنظيم القاعدة الحالي أيمن الظواهري حين أعلن هذا الأخير قبل أسابيع عن ضرورة عدم تكفير المسيحيين والشيعة. وكانت وسائل الإعلام قد تناقلت قبل ذلك وقائع سجال حاد بين الجولاني وزعيم تنظيم إسلامي آخر هو «داعش» ينسب نفسه وولاءه إلى الجسم السديمي للقاعدة ويستوحي من الفظاعة العراقية نموذجه في المقاتلة الهادفة إلى إبادة الخصم والتنكيل به حتى عندما يتراءى له الخصم الكلي في جنازة أو مجلس عزاء أو في موكب زوّار. وكان الظواهري قد رجح كفة الجولاني على منافسه الداعشي في ما يخص الولاء وربما الحق في التمثيل. يسعى الجولاني إذاً إلى حجز مقعد لتنظيمه في المحادثات التي تنوي الإدارة الأميركية إجراءها في إطار التحضيرات المعقدة لمؤتمر جنيف الشهر المقبل. لكن ما يربحه زعيم جبهة النصرة داخل حقل التنافس المفتوح، والدامي في معظم الأحيان، بين الفصائل الجهادية، أي نيل المكانة القاعدية قد يكون عقبة في طريق أي علاقة مع الغرب عموماً، ومع الإدارة الأميركية خصوصاً. من هنا ضرورة ترشيق الخطاب وتعديل الصورة الشائعة عن الظاهرة الجهادية والتكفيرية.

يتلخص هذا الترشيق، في عرف الجولاني، في رفض التكفير وفي التمسك بمبدأ الشورى وجمع أهل الحل والعقد لإقرار صيغة الحكم المنشود على أساس الشريعة الإسلامية. ويعني هذا أن الترشيق عودة إلى صورة بلاغية صنعها الإسلام السياسي منذ سيد قطب مفادها أن الإسلام هو الحل. الجديد أن الجولاني يدرج هذه المعادلة في إطار النظرية الإسلامية التقليدية عن السلطة والسياسة الشرعيتين. والحال أن آراء الفقهاء المسلمين في هذه المسألة متعددة ولا تخلو من التباين، وإن كان بعضها جرى تكريسه في مختصرات العقائد وتدريسها داخل المراكز الدينية الكبرى. وإذا أضفنا إلى ذلك أن الجسم العلمائي في المجتمعات الإسلامية لم يعرف تنظيماً يتولى حصرياً تعريف وتعيين حدود الشرعية، كما هي حال الكنيسة مثلاً، وأنّ الفقهاء تعاطوا مع الموضوع تبعاً للظروف ونزاعاتها وبقدر كبير من التجريبية، ومن الحس السليم أحياناً، فإنه لا يعود أمامنا سوى استقراء كل حالة على حدة آخذين في الاعتبار السياقات العامة والظرفية لأحكامهم. المشكلة اليوم هي أن مقولة «الإسلام هو الحل» لا تحل أي مشكلة.

فالإسلام هو عنوان هوية عريضة تغطي في الواقع عشرات المجتمعات والثقافات واللغات والأعراق المختلفة ومعها شتى أشكال التنظيم الاجتماعي التي يقتضي استمرارها تأويل الشرعية الدينية تأويلاً يتناسب مع صورتها ومثالها. وهذا الأمر يخترق التاريخ الإسلامي برمته. ويكفي التذكير بأن ثلاثة من الخلفاء الراشدين الأربعة، وهم من كبار الصحابة ومؤسسي الدعوة ورموز الحقبة الذهبية التأسيسية، قضوا نحبهم قتلاً واغتيالاً باسم شرعية أخرى لم تعدم التذرع بحجج تستند إلى تفسير معين للشريعة وللسياسة الشرعية. وهذا شرح يطول. ما يهم الجولاني هو التركيز على أن مشروعه يستند إلى تصور عن الشرعية التي ينبغي تثبيتها ما دامت شرعية النظام السوري مفقودة أصلاً. الترشيق الجولاني سيبقي صراع الشرعيات مفتوحاً إلى الأبد.

الحياة

لمن تعمل «داعش» و«النصرة» و«الجبهة»؟/ عبد الرحمن الراشد

قتلوا محمد الحمامي، أبو بصير، من أركان الجيش الحر الذي كان يحارب قوات النظام في اللاذقية، وكذلك العسكريين المنشقين محمد جهار ومحمد القاضي على الحدود مع تركيا. وأعدموا محمد فارس مروش أحد قادة الجيش الحر. أيضا، بوحشيتهم المعروفة حزوا رأس قائد كتيبة بدانا، واستولوا على البلدة. وقتلوا أيضا اثنين من الجيش الحر، كانا يحرسان مستودع السلاح في باب الهوى واستولوا عليه. وقتلوا عبد القادر الصالح قائد كتيبة «التوحيد»، بقذيفة استهدفت مقره. خطفوا العشرات من قيادات وأفراد الجيش الحر، بينهم علي بللو من كتيبة «أحرار سوريا»، والحياني من كتيبة «شهداء بدر»، وفعلوا الشيء نفسه مع قائد الجيش الحر في أطمة. كما خطفوا الأب باولو أحد أبرز القادة المسيحيين المتعاطفين مع الثورة، ومطر أنين في حلب، ثم خدموا النظام دعائيا بخطفهم راهبات معلولا. واختطفوا اثني عشر صحافيا وناشطا إعلاميا، بينهم زملاء نذروا عامين من عمرهم في خدمة الثورة إعلاميا، وقبل أيام أسروا ناشطين حقوقيين هم من وضعوا الثورة على الخريطة، مثل رزان زيتوني. خدموا الأسد بإيذاء أحد أبرز أعدائه، المفكر والمناضل ياسين صالح، بخطف أخيه فارس وزوجته سميرة الخليل.

حارب رجال «داعش» و«النصرة»، واستولوا على مناطق للجيش الحر، التي سبق أن حررها من النظام، كالرقة، وأعزاز، وجرابلس، ومسكنة بريف حلب، وأطمة بريف إدلب، وسرمدا، ومقري قوات «الفاروق» و«اللواء 313». وآخر انتصارات «داعش» و«الجبهة الإسلامية» استيلاؤهم على المنفذ الحدودي مع تركيا، باب الهوى، قبل أسبوعين، والذي قاتل الجيش الحر من أجل تحريره لأشهر ضد قوات الأسد في العام الماضي.

هذه ليست انتصارات قوات الحكومة السورية، بل أفعال تنظيمات المتطرفين، مثل «داعش» و«جبهة النصرة»، والآن «الجبهة الإسلامية». نجحوا في تحقيق نبوءة بشار الجعفري، سفير الأسد لدى الأمم المتحدة، الذي زعم مبكرا أن الذين يقاتلون النظام ليسوا إلا تكفيريين وقتلة.

لا يمكن أن يصدق أحد أن هذه الجماعات تريد إسقاط نظام الأسد، ولا الذهاب إلى الجنة، بل من المؤكد أنها تدار من قبل النظام السوري وحلفائه من الإيرانيين، كما أدار النظام السوري جماعة «فتح الإسلام» في لبنان ليتحالفوا مع حزب الله ويقاتلوا خصومه. لقد ظهرت «جبهة النصرة» و«داعش»، في ساعات ضعفت فيها قوات الأسد. دخل أفرادها الحرب في الفترة نفسها التي وصلت إلى التراب السوري ميليشيات حزب الله اللبنانية، و«عصائب الحق» العراقية، والحرس الثوري الإيراني في أواخر العام الماضي.. كلها سارت في طريق واحد باستهداف كتائب الجيش الحر، باستثناء أن «داعش» و«النصرة» حققتا انتصارين مزدوجين.. الأول اختراق الجيش الحر، والثاني تشويه سمعة الثورة وتخويف الشعب السوري والعالم. والآن «الجبهة الإسلامية»، التي نجحت هي الأخرى في شق صف الجيش الحر، بجذب ثلاث كتائب مقاتلة ودعوتها للتمرد ضد قياداتها بدعوى دينية.

إن ما يثير الحيرة والبلبلة أن هذه الجماعات تتشكل من عرب ومسلمين يعلنون عداءهم للأسد، ويرفعون رايات إسلامية، وبالتالي كيف يمكن أن يرتكبوا هذه الجرائم البشعة ضد الشعب السوري وممثليه ممن يفترض أنهم في نفس الخندق؟! الحقيقة أن أكثرهم مغرر بهم، مجرد بيادق تديرها قيادات مرتبطة بإيران. فعدد من قادة تنظيم القاعدة لا يزالون يعيشون في إيران، ويديرون عملياتهم بالتفاهم مع الحرس الثوري، في اليمن وسوريا. وهي اليوم تقدم أكبر خدمة لنظام الأسد، الذي من خلال «داعش» و«النصرة»، وحديثا «الجبهة الإسلامية»، استطاع محاصرة كتائب الجيش الحر في أماكن عديدة. وبسبب انتصارات المتطرفين هذه، أبدى الأميركيون استعدادهم للتفاوض معهم، بحجة القبول بالأمر الواقع

الشرق الأوسط

أجندة «القاعدة» في سورية/ عبدالله إسكندر

في انتظار معرفة جنس الملائكة، اي معرفة المسؤول عن توسع نفوذ «القاعدة» ومشتقاتها في سورية، باتت أجندة التنظيم الارهابي تفرض نفسها على تطورات الصراع. وسواء دفع النظام منذ البداية الى عسكرة الحركة الاحتجاجية ليتسنى له تنفيذ حله الأمني وإعادة اخضاع البلاد لحكمه الاستبدادي أو تسللت العناصر الارهابية الى الحركة الاحتجاجية التي احتضنتها من اجل ان ترد على آلة القتل المتقدمة، فإن الخطف على الهوية وتطبيق الحدود وخطف رموز العمل المدني والوطني باتت المسيطرة على كثير من التطورات الميدانية، بعدما تناولها الجدل لوقت طويل في العواصم المهتمة في الشأن السوري، بذريعة التعرف الى المعتدلين لدعهم والمتشددين لمقاطعتهم.

والتركيز على أجندة «القاعدة» ليس انحرافاً عابراً في الصراع، انه نتيجة للتغييب، القسري او المفتعل، لشعارات الحركة الاحتجاجية وللفراغ الذي تركته الخصومات داخل المعارضة وللعجز عن اعادة تنظيم الذات على سوية تواجه النظام. كما انه نتيجة للسعي الدؤوب لهذا النظام الى مواجهة عدو تتسم صورته بالتشدد والارهاب والتزمت الديني في بلد متعدد المذاهب، بما يشكل تبريراً للحل الامني الذي اعتمده الحكم وما زال يعتمده.

لكن الخطورة القصوى التي تهدد مصير الثورة السورية هي تلخيص وضعها الراهن بأجندة «القاعدة». ولا تتعلق المسألة هنا بسعي النظام، وراعيه الروسي، الى فرض هذه الأجندة على الاستعدادات لمؤتمر «جنيف 2» فحسب، وانما تتعلق ايضاً بالعلاقة مع المعارضة السورية. خصوصاً بعدما اظهرت النواة الصلبة الغربية (الولايات المتحدة، وبريطانيا وفرنسا) في مجموعة «اصدقاء الشعب السوري»، انها تصطاد اي تطور ميداني يتعلق بالمعارضة من اجل التراجع خطوات عن دعمها. وفي هذا الاطار جاءت سرعة وقف المساعدات بعدما استولت «الجبهة الاسلامية» على مستودعات لـ «الجيش الحر»، كما جاءت سرعة اعلان اعادتها، بما يضعف المعارضة سياسياً اولاً ومن ثم ميدانياً، ويتيح للمجموعات الارهابية، التي تتزود السلاح وتتلقى المساعدات من خارج هذه الاطر، التمدد بفعل هذا العجز الغربي عن ادراك حجم الضرر الذي يُلحق بقضية الحركة الاحتجاجية نتيجة هذا السلوك.

ضغطت الولايات المتحدة ولا تزال، على الجوار السوري خصوصاً البلدان الخليجية من اجل تقنين المساعدات لحركات المعارضة ومنع تزويد «الجيش الحر» بالأسلحة المتطورة والثقيلة. والنتيجة اضعاف هذا الجيش وتراجع النفوذ السياسي للمعارضة. في حين استمرت المساعدات الاهلية والتبرعات الفردية للمجموعات المتشددة والمرتبطة بـ «القاعدة» التي يتوسع نفوذها بمقدار ما تقدم من خدمات حياتية في مناطق تعاني قلة الموارد والحصار، والتي تتسلح من خارج أطر الدعم الرسمي للمعارضة.

في الوقت ذاته، جرى التركيز على معارضة معتدلة ومعارضة متشددة، في تمييز قسري لمكونات العمل الاحتجاجي في سورية. وهنا ينبغي التشديد على ان «القاعدة»، ومشتقاتها، غير معنية اطلاقاً بالثورة السورية ولا تمت بأي صلة اليها او بأهدافها. انها حال عابرة للاوطان وليست سورية بالمطلق. وتالياً ليس هذا التنظيم الارهابي ومشتقاته جزءاً من المعارضة السورية وبرنامجها، وهو خارج التقسيمات والتصنيفات التي يمكن ان تلاحظ داخل المعارضة السورية. كما ان مواجهتها ينبغي ان تكون في اطار يتجاوز المسألة السورية التي هي مسألة صراع بين نظام متسلط وبين سوريين يطالبون بحقوقهم في المساواة والحرية والديموقراطية.

هذا التمييز بين الاعتدال والتشدد يرتبط بالمعايير التي وضعها الراعي الروسي للنظام السوري بغرض منع التطرق الى جوهر الازمة السورية وايجاد الحل الجذري لها. وهذا يعني سياسياً ان القضايا المتعلقة بجوهر الازمة اصبحت شعارات متشددة ينبغي استبعادها من كل اطر للحل، خصوصاً ان التحضير جارٍ لـ «جنيف 2». هكذا تصبح أجندة «القاعدة» والمواقف المتشددة من مبررات وضع العراقيل امام جوهر الحل في سورية.

الحياة

سوريا أمام منعطف؟/ موناليزا فريحة

هل يشكل الصعود القوي للجهاديين في سوريا منعطفاً في النزاع؟ وهل يعيد شبح “القاعدة” خلط الاوراق ويحوّل أعداء الامس حلفاء؟ تساؤلات كهذه تطرح على وقع تطورات ميدانية يرافقها كلام عن محادثات محتملة بين الاميركيين و”الجبهة الاسلامية” التي طغى دورها أخيرا على دور “الجيش السوري الحر” الأكثر اعتدالاً.

لطالما شكل الجهاديون المنخرطون في النزاع السوري مصدر قلق للغرب. بهم تذرعت واشنطن لتبرير ترددها في دعم المعارضة المعتدلة. وبسببهم، أقله علناً، اكتفت بتزويد “الجيش السوري الحر” مساعدات غير فتاكة خوفا من وقوع عتاد غربي في أيدي متطرفين. ولكن هل تضطرها القوة المتنامية للفصائل التي تعتنق فكر “القاعدة”، عدوها اللدود، الى انخراط أكبر في الجبهة السورية؟

في تقدير خبراء، أنه لم يسبق لـ”القاعدة” أن سيطرت على منطقة حضرية وذات كثافة سكانية بحجم تلك التي يبسط فيها نفوذه في سوريا. لم يحصل ذلك في ملاذاته السابقة، لا في أفغانستان ولا في باكستان ولا في الصومال. تقديرات كهذه تكتسب حتماً أهمية في حسابات الغرب عموما وواشنطن خصوصاً. ووقت تنهار المعارضة السورية المسلحة المعتدلة تحت ضربات النظام من جهة، وفي ظل الانقسامات الداخلية وضعف التمويل الخارجي لها من جهة أخرى، قد تجد واشنطن نفسها مضطرة الى التعاون مع “الجبهة الاسلامية”، أكبر تحالف للفصائل الاسلامية المعارضة في سوريا،لمواجهة خصمها اللدود وكسب نفوذ في النزاع.

“الجبهة الاسلامية” ليست مدرجة على اللائحة الاميركية للارهاب، إلا أن كثيرين في فصائلها المسلحة الستة يعتنقون أفكارا معادية للاميركيين. اقامة ديموقراطية علمانية في سوريا ليست في حساباتها. في ميثاقها التأسيسي، تقدم نفسها على أنها تكوين عسكري سياسي اجتماعي إسلامي شامل. اضافة الى إسقاط النظام في سوريا، تتطلع الى “بناء دولة إسلامية تكون السيادة فيها لشرع الله”. أما الاقليات والاتنيات غير المسلمة، فيمكن حمايتها بناء على أسس الشريعة. هذا ولا يخفي بعض من القادة الكبار للجبهة تأييدهم لافكار “القاعدة”!

حتى الآن، تحرص واشنطن على الايحاء بأنها تنسق اتصالات بين “الجبهة الاسلامية” والمعارضة السياسية في اطار الاستعدادات لمؤتمر جنيف – 2، ربما تفاديا لاتهامات باعادة تجربة “الافغان العرب”.

مرة جديدة، ثمة ما يوحي بتبدل في قواعد اللعبة في سوريا. واشنطن تنفتح على السلفيين. فصائل من المعارضة المعتدلة التي تنبذ “الجبهة الاسلامية” قد تضطر الى التعاون مع النظام. ثمة قاعدة واحدة على حالها بعد أكثر من الف يوم من النزاع: نظام متمسك بالسلطة وضحايا في تزايد وسوريا الى المجهول.

النهار

نهاية الجيش الحر!/ ربيع بركات

“المعارضة القديمة”، التي يفترض أنها معتدلة، تم تهميشها. خطتها منذ العام 2011 تمحورت حول الدفع باتجاه تدخل عسكري غربي شامل على غرار ذاك الذي حصل في ليبيا في العام 2011. وعندما لم يحصل ذلك، لم تقدم أي استراتيجية بديلة”. (باتريك كوكبورن ـ الإندبندنت)

يكرر كوكبورن، أحد أبرز الصحافيين الغربيين المختصين بشؤون الشرق الأوسط، ما سبق أن سُرب حول تقديرات جهات استخبارية غربية حيال أوضاع الميدان السوري. من حيث المبدأ، لم يعد ثمة حاجة حقيقية للإحالة إلى تقارير كتلك. إذ يمكن الزعم أن التطورات التي عصفت بالجبهات السورية على مدى الأشهر الماضية، كافية للذهاب أبعد من الحديث عن “تهميش للجيش الحر”. فالأخير انتهى عملياً، أقله بصيغته السابقة وبرنامجه التأسيسي. وما يحصل اليوم لا يعدو كونه إعادة تدوير لوظيفة هذا الجيش، تمهيداً لمرحلة ما زالت ملامحها قيد الإعداد.

وقراءة مآل “الجيش الحر” تستوجب مراجعة محطات ومواقف أظهرت قصور التجربة عن تقييم الواقع والبناء عليه، كما أبرزت المدى الذي كان فيه مصير الجيش معلقاً على مزاج اللاعبين الإقليميين، الذين يثبت، يوماً بعد آخر، أنهم أكبر المؤثرين على مسار الحراك السوري بعدما اتخذ شكلاً مسلحاً. فخيار العسكرة كان، متمَماً بأدوات المال والإعلام والخطاب الديني، وفي ظل ظرف محلي وإقليمي غاية في التعقيد، أكثر ما حرف اتجاه البوصلة التي عبرت عنها تظاهرات الأشهر الأولى في البلاد.

لم يحد خطاب “الجيش الحر”، على مدى أكثر من عامين بعد التأسيس، عن ذاك الذي أراد أن يسوقه داعموه الإقليميون وفق ما كانت تقتضيه مصلحتهم، فكان رموزه أسرى الأوهام التي روجها أولئك اللاعبون في معظم الأحيان، وكان التناقض بين الوقائع والحسابات الورقية يظهر تباعاً كلما سقط رهان أو خابت توقعات. كما كان تغير المعطيات، تحديداً المتعلقة بهوية القوى الفاعلة على الأرض، يفرض تعديلاً في رؤية هؤلاء للحدث. وقد أدى ذلك إلى تحول قراءاتهم عما كانت عليه مطلع الانتفاضة، مع تحلل الخطاب الشعبوي المرافق لها وتراجع قدرته على تفسير المجريات.

ففي العام الأول، برز استبعاد قادة “الحر” التام لاحتمال جذب الصراع المسلح متطرفين من خارج الحدود. فأكد مؤسس «الجيش» رياض الأسعد أن الأمر لا يعدو كونه فبركات من النظام وأن السوريين قادرون على حماية أنفسهم وعلى إسقاط نظامهم وأنهم لا يقبلون دخول أفراد إلى البلاد أو تدخل دول وجماعات في شؤونها (مقابلة مع موقع “أصوات الشرق الأوسط” في كانون الأول 2011)، ثم أخذ يبني على خطاب الخارج وحروبه النفسية والإعلامية ضد النظام، فتوقع انهيار الأخير مع نهاية العام الأول للانتفاضة (مجلة “المجلة” الصادرة في لندن في شباط 2012).

وقد كان الأسعد حريصاً على تفنيد كل المخاوف حيال تضخم ظاهرة “القاعدة” ومشتقاتها بتأكيده أن الأخيرة لا تمتلك قاعدة شعبية وأن “من يتحركون باسمها مساجين سابقون أفرج عنهم النظام خدمة لأهدافه” (“الجزيرة” في حزيران 2012)، ثم كرر الأمر بقوله إن “الشعب السوري لن يقبل أياً ممن يوصفون بالمجاهدين والإرهابيين في الأراضي السورية” (“راديو سوا” أيلول 2012).

غير أن تجاوز الوقائع للخطاب فرض على مؤسس “الجيش الحر” ملاءمة الإثنين بما يقنعه وجزءاً كبيراً من جمهوره على السواء، فعاد عن تشخيصه السابق لواقع المعارضة المسلحة بقوله بعد عامين على انطلاق الحراك، إن “جبهة النصرة” تمثل “الفصيل الصادق” بين القوى المقاتلة (في شريط مسجل في آذار 2013). وقد جاء كلامه بعدما فاض به الكيل من وعود الخارج ومن وصاية ممثلي الانتفاضة المنتدبين في الفنادق. فقرر، بعدما اتُخذ قرار تهميشه ونفذت محاولة اغتياله التي بترت رجليه، أن يفصح عن مواقف ظلت ضامرة إلى حينه، فاتهم المجلس الوطني بـ”ممارسة التشبيح على الثورة” وبقيامه مع الائتلاف السوري بـ”محاولات جادة لتصفيته” (“عكاظ” في أيلول 2013).

إلا أن الرجل كان قد أضحى خارج حسابات الكبار، شأنه شأن رئيس المجلس العسكري في “الجيش الحر” العميد الركن مصطفى الشيخ، بعدما سبقه الأخير في إبداء امتعاضه من الخارج بالقول إن “عدم دعم العالم للمعارضة السورية يعني تحول عناصرها إلى مجموعة من الإرهابيين” (الديلي تلغراف تشرين الثاني 2012).

وقد كان الغرب معنياً بتجديد دماء “الجيش الحر”، حتى يتماشى مع رغبة دول خليجية بتغليب قوى متماثلة معها عقائدياً، من دون أن يفلت زمام الأمر من يديه ويذهب جهده رصيداً في أدراج “القاعدة” وأشباهها. وكان أن انتخب العميد سليم إدريس رئيساً للقيادة العسكرية الموحدة على رأس مجموعة ضمت إسلاميين أبعد عن “القاعدة” وأقرب إلى نهج “الإخوان” المدعومين من قطر و”السلفيين” المتصالحين مع سائر دول الخليج.

ومع تضخم حجم “داعش” و”النصرة” والمجموعات المشابهة، ومع إمساك السعودية دفة الإشراف على المعارضة المسلحة بدلاً من قطر ورغبتها بتحجيم “الإخوان المسلمين” المدعومين من الأخيرة وأنقرة على السواء، إضافة إلى خشيتها من تداعيات تسوية أميركية مع إيران، أخذت تعمل من خارج “الجيش الحر” على جمع قوى تملك وحدها قدرة التأثير عليها من دون سائر الشركاء. وسهُل لها الأمر بغياب قيادات ميدانية بارزة مع استقالة مسؤول المجلس العسكري في حلب عبد الجبار الكعيدي قبل أشهر واغتيال عبد القادر صالح المقرب من “الإخوان” قبل أسابيع. فكان أن رعت إعلان “الجبهة الإسلامية” التي تضم سبع كتائب معارضة أواخر الشهر الفائت، والتي تصف نفسها في ميثاق تأسيسها بـ”تكوين عسكري سياسي اجتماعي إسلامي شامل يهدف إلى إسقاط النظام الأسدي في سوريا إسقاطاً كاملاً وبناء دولة إسلامية تكون السيادة فيها لشرع الله وحده مرجعاً وحاكماً وناظماً لتصرفات الفرد والمجتمع والدولة”.

وبعد مزاحمة “الجيش الحر” بخطاب يغلب عليه التشدد، ظهرت قدرته العملية في أسوأ أحوالها مع اعتقال أمين سر هيئة أركانه عمار الواوي من قبل “داعش” قبل أيام، ومع عجزه عن حماية مخازن سلاحه على الحدود مع تركيا.

بيد أن أكثر ما يؤشر إلى نهاية “الحر”، أقله بصيغته السابقة، هو حجم الإرباك الذي بات يتصف به خطابه وسلوكه اليوميان، حيث صار الهم الأول لقائده سليم إدريس نفي ما نقل عنه حول استعداده للتعاون مع الجيش السوري لمواجهة “القاعدة”، ودحض الأخبار التي تحدثت عن فراره من سوريا… هرباً من الأخيرة.

السفير

نفاق غربي/ حسان حيدر

ليس مفهوماً لماذا يصر الغرب على استغباء نفسه وخداع الآخرين عندما يتعلق الأمر بالملف السوري. فإذا صح الكلام عن ان الدول الغربية، وخصوصاً الولايات المتحدة، أبلغت المعارضة السورية بأن بشار الاسد قد يبقى رئيساً ليتابع مهمته في «محاربة التطرف والمتطرفين» وحفاظاً على وحدة الجيش، تكون بذلك قد وصلت الى قمة النفاق السياسي الذي تمارسه منذ اندلاع الانتفاضة السلمية قبل نحو ثلاث سنوات.

في بدايات الثورة لم يكن هناك «ارهابيون» في سورية سوى اولئك الذين كانت اجهزة النظام الامنية تسهل دخولهم الى اراضيها لإرسالهم لاحقاً في مهمات تخريبية في العراق ولبنان والاردن، او الذين يشكلون «خلايا نائمة» في سجونه يخرجهم منها بشروط متى قرر استخدامهم في مهمات مماثلة. ومع ذلك تمنعت الدول الغربية طويلاً عن تقديم الدعم للمتظاهرين السلميين المطالبين بتغيير ديموقراطي في بلادهم ينهي عقوداً من الحكم البوليسي.

وكانت أجهزة الاستخبارات الغربية تعرف تماماً ما يفعله نظام دمشق وتمتلك أدلة موثقة على حصوله، ولهذا هدد الاميركيون مراراً بمعاقبته ما لم يتوقف عن ارسال مجموعات تنضوي تحت لواء «القاعدة» لاستهداف قواتهم في العراق، لكنها كانت تتراجع في كل مرة بضغط من اسرائيل الخائفة من ان تؤدي اي ضربة الى الجيش السوري الى انهيار النظام وانفلات الوضع عند حدودها في الجولان وفي جنوب لبنان.

وكانت أجهزة الأمن السورية تنفذ في العراق برنامجاً ايرانياً يقضي بإبقاء الاميركيين تحت الضغط العسكري والسياسي للقبول بتسليم السلطة كاملة الى حلفاء طهران الشيعة، عبر إظهار ان الذين يقاتلون قوات الاحتلال هم من السنّة. ولا بد من الاشارة هنا الى ان دمشق استطاعت خداع بعض الدول العربية التي كانت ترى ان الاحتلال الاميركي يضعف السنّة العراقيين ولا بد من مساعدتهم.

اليوم تتكرر اللعبة ذاتها ويتكرر «وقوع» الغرب طوعاً فيها. فقد نجح الاسد الذي اطلقت اجهزته الامنية مئات «الارهابيين والمتطرفين» من سجونها وارسلتهم لتشكيل مجموعات «معارضة» قبل ان يبدأوا في الانقضاض على المعارضة الفعلية المتنوعة والداعية الى اقامة نظام ديموقراطي متعدد، نجح في «اقناع» الغربيين بأن الاولوية هي لمحاربة هؤلاء المتطرفين وان القبول بانهيار حكمه ووصولهم الى السلطة يعني تحويل سورية الى بؤرة للارهاب بانت تباشيرها مع الاعتداءات غير المبررة على بلدات مسيحية وكردية وعن تنفيذ احكام اعدام تعسفية بمواطنين عزل بذريعة «تطبيق الشريعة». وهي حوادث ساهم الاعلام الغربي في ابرازها وتضخيمها والتهويل بخطرها.

ومجدداً كانت الاستخبارات الغربية تعرف ما يفعله الأسد وأجهزته، وكانت تعرف ايضاً وتراقب وصول آلاف المتشددين الاسلاميين من دول اوروبية الى سورية من دون ان تتدخل لمنعهم. وعندما حان وقت التفاوض، أعلنت العواصم الغربية ان خياراتها باتت محصورة بين نظام الاسد والارهاب وانه لا يمكنها القبول بدولة لـ «القاعدة» تهدد اسرائيل واوروبا والامن الاميركي.

عملياً ساعد الغربيون بتلكُئهم في تبني الانتفاضة السلمية السورية وتقديم المساعدة اليها نظام الاسد على قمعها، ثم ساعدوه في تغيير طبيعة الصراع وتحويله الى نزاع طائفي ذي صبغة متطرفة، وهم سيساعدونه في مؤتمر جنيف على البقاء بحجة «اعتداله». فهل من يملك تفسيراً؟ الأرجح أن إسرائيل وحدها تشاركهم السر.

الحياة

الجولاني الذي لا يمزح/ ساطع نور الدين

 هو سوري في مقتبل العمر، هذا ما أوحي به صوته ولهجته وجملته المركبة بطريقة شامية لا يمكن لاحد ان يخطئها،وهذا ما تؤكده بشرة يده اليسرى التي ظهرت على الشاشة للدلالة على ان الحديث ليس مزيفا، والمتحدث الذي حجب وجهه لاسباب أمنية، لم يكن رجلا آلياً.

كادر سياسي رفيع في التنظيم، استحق كما يبدو منصبه الحالي في التنظيم عن جدارة،ومشروع قائد جدي او مسؤول بارز، او حتى زعيم يمكن ان يؤدي دورا مؤثرا في مستقبل سوريا.. اذا لم يسقط قتيلا على جبهات القتال، او في عملية انتحارية، او ربما في اشتباك داخلي مع منافسين على قيادة المرحلة الراهنة او على طريقة ادارة الصراع مع النظام.

قدمت محطة “الجزيرة” في المقابلة التلفزيونية الاولى مع زعيم جبهة النصرة ابو محمد الجولاني، نموذجا عن احد اهم صناع الحاضر السوري، الذي اعطى صورة جديدة عن تلك الجبهة المثيرة للريبة، وعن مرجعه، تنظيم القاعدة نفسه الذي اكسبته التجربة السورية القاسية، بعد التجارب العراقية او اليمنية او حتى الباكستانية المريرة، قدرة على صياغة خطاب سياسي محلي محكم يمكن ان يستقطب المزيد من الجمهور السوري المهدد من جهة بغارات النظام وصواريخه  المدمرة ومجازره التي لا تنتهي، وبضياع المعارضة التقليدية وتشرذمها وسوء احوالها من جهة اخرى.

الانتقادات بل والادانات التي صدرت بحق “الجزيرة”، وبعضها من اعلاميين يفترض ان يقدروا السبق الصحافي الذي ساهم في الماضي في تعزيز قوة المحطة وفي تعميم اسطورة القاعدة، ذهبت بعيدا، وربما عن حق، في وضع الحوار الذي اجراه الزميل تيسير علوني المقرب من قيادة التنظيم، مع الجولاني في سياق حسم الخلاف الذي شهده القاعدة بين جناحيه العراقي المتمثل ب”الدولة الاسلامية في العراق والشام”، داعش، والسوري الممثل بجبهة النصرة، والذي اعطي اكثر من حجمه، حسبما جاء في احد الاجوبة.. مع ان حجم الدماء التي سفكها مقاتلو داعش والفضائح التي ارتكبوها اكبر من ان تحتملها اي معارضة سورية.

المؤكد ان الحوار يندرج في ذلك الانقلاب الاسلامي الذي بدأ منذ اسابيع داخل سوريا، ولم يبلغ خاتمته حتى الان، والذي ادى الى تنحية الائتلاف الوطني المعارض والجيش السوري الحر، والى تصعيد الخلاف السعودي القطري على سبل التعاطي مع الازمة السورية.. كما اوحى كلام الجولاني الذي تحدث بهدوء غريب عن مؤتمر جنيف 2، من دون ان يلجأ مثلا الى التهديد او التخوين، او حتى التفريق بين معارض وآخر، بل كاد يدعو بالتوفيق للمعارضين الذاهبين اليه، ويسأل عما اذا كانت الدعوة ستوجه الى النصرة للمشاركة فيه.

لم يكن الجولاني في الحوار مجرد محارب او مرشد لمحاربين لا يهابون الموت. كلامه السياسي خلا من تلك الهلوسات التي طالما غلبت على خطاب زعماء القاعدة، ولولا قوله الصريح والمباشر انها حرب طائفية تخوضها الغالبية السنية ضد الاقلية العلوية، لكان عرضه الخاص بحكم سوريا وانضباطه بالشريعة واحكامها واجماع اهل الحل والعقد، مطابقا لما ينادي به اي سياسي اسلامي يشتغل علنا في اي مجتمع مسلم، ينكر التكفير والهجرة، ويعتبر الخلافة شأنا آلهياً، ويعد الاقليات بالجزية او الخروج من الديار!

وكذا الامر بالنسبة الى اطلالته اللبنانية التي لم تكن تختلف عما يجري تداوله في البرامج الحوارية التلفزيونية اللبنانية التي يبدو ان الجولاني يتابعها عن كثب، ومنها استعار على الارجح عبارة “الحماقة السياسية” ل”حرب الله”، الذي استدرج النصرة الى لبنان واتاح لها التغلغل من اجل تعبئة اهل السنة، في قتال سيمتد في مرحلة لاحقة الى خطوط الجبهة الهادئة حاليا مع اسرائيل. هذا وعد (سوري جديد) من الجولاني، وما على اللبنانيين الا الاستعداد لطور جديد من “المقاومة”.. يقال انه بدأ قبل ايام على الحدود الجنوبية؟

لا يمكن إلا ان يؤخذ الجولاني على محمل الجد.. فقد سبق لكل الذين استخفوا بالقاعدة وشبكاتها،ان كان عذابهم في جهنم شديدا.

المدن

اميركا بين الجولاني والبغدادي/ سميح صعب

بعد اعلان واشنطن انها “قد” تلتقي ممثلين لـ”الجبهة الاسلامية” التي أخرجت “الجيش السوري الحر” من المعادلة العسكرية والسياسية في سوريا، يتعين على السفير الاميركي روبرت فورد الذي يتولى الملف السوري بكل تفاصيله ان يتعمق أكثر من الآن فصاعداً في فهم الحركات الجهادية في سوريا، كي يستطيع التمييز بين مكونات الجبهة الستة او السبعة، أيها قريب من “القاعدة” وأيها أقل قرباً لئلا لا يتهم الخصوم اميركا بانها تفتح حواراً مع “القاعدة”!

لقد قال وزير الدفاع الاميركي تشاك هيغل ان الولايات المتحدة تواجه “مشكلة عويصة” في سوريا. وأتى هذا الكلام غداة انهيار “الجيش السوري الحر” الذي كانت واشنطن تعتبره معارضة ليبرالية يمكن ان تشكل بديلاً من الجيش السوري النظامي الذي لا يزال على ولائه للرئيس بشار الاسد. فقبل شهر من مؤتمر جنيف 2 تنكشف ساحة المعارضة السورية على مشهد يصب في مصلحة التنظيمات الاسلامية المتشددة من “الدولة الاسلامية في العراق والشام” (داعش) الى “جبهة النصرة” المواليتين لتنظيم “القاعدة” الى “الجبهة الاسلامية” التي لا ينص برنامجها على قيام دولة ديموقراطية او مدنية او تعددية الى آخر الشعارات التي نادت بها اميركا منذ 15 آذار 2011.

لكن الولايات المتحدة التي تضع نصب اعينها هدفاً واحداً هو اسقاط الاسد، لم تجد بعد اضمحلال دور “الجيش السوري الحر” سوى البحث عن محاور داخل “الجبهة الاسلامية” كي تبقي صلة بالواقع الميداني المنقلب لمصلحة “داعش” و”جبهة النصرة”. وبما ان الحسابات الاميركية قائمة على عدم العودة الى فتح اي من القنوات مع النظام السوري، فإن واشنطن تبحث في سوريا الآن عن تنظيمات أقل تطرفاً من “القاعدة” بعدما باءت كل محاولاتها مدى 34 شهراً من عمر الازمة في ايجاد بديل ليبرالي او اسلامي معتدل.

والسؤال المطروح الآن هل ان واشنطن التي تسعى الى مد الجسور مع “الجبهة الاسلامية” قادرة على ضمان عدم وصول المساعدات التي ستقدمها الى الجبهة الى ايدي “داعش” و”جبهة النصرة”؟. لقد اخفقت التجربة الاميركية مع “الجيش السوري الحر” كما مع المعارضة الليبرالية في الخارج التي لا تعدو كونها حتى الان نخباً اختارتها اميركا نفسها ودول الخليج العربية، من غير ان تكون لهذه التنظيمات قوة فاعلة على الارض، وشانها شأن أميركا تحاول ان تجعل “الجبهة الاسلامية” سندها الميداني.

وثمة سؤال آخر، ماذا لو سيطرت “داعش” و”جبهة النصرة” على “الجبهة الاسلامية”؟. عندها ستصعب المهمة على فورد الذي سيتعين عليه البحث عن الفروقات بين ابو محمد الجولاني وأبو بكر البغدادي، ليتبيّن الاقل تطرفاً منهما ليحاوره!

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى