بكر صدقيصفحات مميزةغازي دحمانفايز سارهميشيل كيلو

مقالات تناولت أزمة الائتلاف والمعارضة السورية

 

 

 

الائتلاف الوطني السوري المعارض إلى أين؟/ بكر صدقي

من يقرأ السجالات الدائرة بمناسبة انتخاب رئيس جديد للائتلاف المعارض، بين ميشيل كيلو وفايز سارة، يكوِّنُ فكرة عن الدرك الذي وصل إليه هذا الكيان السياسي في الوقت الذي تواجه فيه سوريا مخاطر غير مسبوقة. لعل خير تعبير عن حال المؤتلفين اليوم هو التنافس على تقاسم جلد الدب قبل اصطياده. بل الوضع أسوأ، بعد، إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن الدب المعني تم اقتسامه فعلاً بين الفاعلين الأقوياء، نظام دمشق الإيراني ودولة الخلافة، فلم يبق لجماعة الائتلاف غير العظام يتقاتلون عليها بضراوة.

ولكن ما هي المهمة التي تنطح لها الائتلاف وفشل في تحقيقها لكي يحق لنا انتقاده بهذه القسوة؟ فالمحاسبة العادلة تكون بمعيار مدى الإنجاز أو الإخفاق في تنفيذ الخطة الموضوعة أو المهمة الملتزم بها.

تأخرت المعارضة السورية في تشكيل «المجلس الوطني السوري» نحو سبعة أشهر، كانت الثورة السلمية، في غضونها، بدأت بالتسلح والتمدد في المناطق الريفية، من غير أن تفقد المظاهرات السلمية الكبيرة زخمها بعد. ببرنامجها «الديموقراطي المدني» كانت المعارضة متخلفة بخطوة واحدة عن الحراك الشعبي الثوري. على رغم هذا التفاوت، رحبت المظاهرات بقيام المجلس ومنحته تفويضاً كبيراً لن يتأخر في إهداره. فقد قام المجلس على افتراض مضمر مفاده أن «المجتمع الدولي» سيتدخل، بهذا الشكل أو ذاك، لوضع حد لشراسة النظام في مواجهة الثورة، ليس فقط مدفوعاً بدواعٍ إنسانية، بل كذلك لتقاطع مصالح بعض تلك الدول مع مصلحة الثورة في إسقاط النظام. الواقع أن الحراك الشعبي بدوره كان يراهن على التدخل المفترض، وأعطى تفويضه للمجلس الوطني ليحقق هذه المهمة. فقد اتضح منذ بداية الثورة أن النظام ليس بوارد الاستجابة للضغط الشعبي بالتنحي على مثال تونس ومصر، فكان النموذج الليبي في تشكيل المجلس الانتقالي لاستدراج الحسم من القوى الدولية القادرة على ذلك هو الرائز في تشكيل المجلس الوطني السوري وفي التفويض الشعبي الذي حصل عليه. وقد حاولت الدول العربية المنحازة ضد النظام إطلاق مسار مماثل للمسار الليبي، من خلال الجامعة العربية ومبادرتها، بصورة متوازية مع انطلاق المجلس الوطني.

لكن حسابات البيدر لم تطابق حسابات الحقل، فقد اصطدم المسار بالفيتو الروسي – الصيني منذ أول مشروع قرار يطرح في مجلس الأمن في مواجهة وحشية النظام. من مبادرة كوفي أنان إلى مؤتمر جنيف1 (حزيران/يونيو 2012)، اتضحت حدود التدخل الدولي المبنية على وجوب تفاهم أمريكي – روسي لتمرير حل سياسي للأزمة رفضه كل من النظام والمعارضة. كان الطرفان يراهنان على تغيير موازين القوى على الأرض لإرغام الخصم على القبول بنوع من الاستسلام. اندفعت بعض الدول المؤثرة في الصراع الداخلي السوري نحو الحسم العسكري، فحقق الجيش الحر أقوى انتصاراته في السيطرة على المعابر الحدودية مع تركيا ودخول عاصمتي الشمال والجنوب (تموز/يوليو 2012)، مترافقاً مع كلام تركي وفرنسي حول حظر جوي أو مناطق عازلة أو ممرات آمنة. كل ذلك اصطدم بالجدار الأمريكي الصلب المتسلح بدوره بالفيتو الروسي – الصيني في مجلس الأمن.

يمكن القول، إذن، إن المجلس الوطني فشل في تنفيذ المهمة التي أخذها على عاتقه، حتى لو كان ذلك بسبب غياب إرادة دولية لإسقاط النظام. فأداء الثورة وممثلها السياسي جزء من العوامل المؤثرة في الإرادة المذكورة سلباً أو إيجاباً، وإن لم يكن العامل الحاسم أو الأقوى. ربما هذا الأداء الركيك الذي لم يتجاوز حدود ردود الفعل على كل من الشارع الثائر والقوى الدولية المنخرطة، إضافة إلى التوافق الأمريكي – الروسي على الحل السلمي مخرجاً وحيداً، هو ما دفع الإدارة الأمريكية إلى إعادة تشكيل المعارضة في صيغة «الائتلاف» بديلاً عن المجلس الوطني الذي انتهى دوره موضوعياً بفشل الحل العسكري الذي كان قد بلغ ذروة ما يمكنه تقديمه حين تشكل الائتلاف في خريف العام 2012.

كان مؤتمر جنيف2 مناسبة كاشفة لتباين المهمات بين «المجلس» و»الائتلاف». فإذا كان الأول فشل في استدراج تدخل دولي لإسقاط النظام، تمثلت مهمة الثاني في التفاوض المستحيل مع النظام للتوافق على انتقال سلس للسلطة يبقي على بعضه. على رغم تفوق وفد الائتلاف الصريح في أدائه، على وفد النظام في مفاوضات جنيف2، فالنتيجة هي فشل الحل السلمي بعد العسكري، الأمر الذي يعني نهاية المهمة التي من أجلها تم تأسيس الائتلاف، وبضمنه «خميرته» المجلسية منتهية الصلاحية.

في غضون هذه التطورات الممتدة على أكثر من ثلاث سنوات، كان الرائز الوحيد لدى القوى والشخصيات المنضوية في المجلس ثم الائتلاف هو التنافس على سلطة واصلت تآكلها باطراد لمصلحة القوى الدولية من جهة، والفصائل المسلحة من جهة ثانية، مقابل استعادة النظام لشيء من قوته بفضل الانخراط المباشر لحلفائه في الصراع العسكري، من حزب الله والميليشيات العراقية والحرس الثوري الإيراني. بالمقابل، طغى اللون الإسلامي والإسلامي الجهادي على الفصائل المسلحة، وصولاً إلى سيطرة «دولة الإسلام» بقيادة الخليفة أبي بكر البغدادي على ما يعادل ثلث الأراضي السورية، وتوزع بقية المناطق الخارجة من سيطرة النظام على جبهة النصرة والفصائل السلفية الأخرى.

كل هذه التطورات لم تنجح في زحزحة جماعة «المجلس» عن خطابهم الخشبي وقناعتهم الراسخة بأحقيتهم في قيادة الثورة، ولا دفعت الإتلاف إلى مراجعة أدائه الركيك وغياب برنامج عمل ملائم لكل مرحلة.

تعدنا قيادة الائتلاف الجديدة اليوم بـ»التوجه إلى الداخل». لا نعرف ما هو المقصود بهذا الشعار الذي كان جديراً بالمرحلة المجلسية، ولم يعد ينطوي اليوم على أكثر من مزاودة جوفاء وغير مجدية في الوضع الراهن. إنه لأمر مفارق حقاً أن يسبق المبعوث العربي ـ الدولي الأخضر الإبراهيمي الائتلافَ إلى تقديم استقالته، فيما يتحدث الأخير عن «استراتيجية جديدة» لا تتضمن الإعلان عن فشل الحلين العسكري والسياسي لإسقاط النظام.

٭ كاتب سوري

القدس العربي

 

 

 

بعد مؤتمره .. مهمّات عاجلة للائتلاف الوطني السوري/ فايز ساره

انتهت العملية الانتخابية في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية نهاية شبه مقبولة، بحيث وجدت اغلبية القوى والشخصيات المنضوية في الائتلاف نصيباً لها في قيادته، وان كان الامر لا يخلو من شكاوى هنا وهناك، وجهود يبذلها بعضهم في اطار تصفية حسابات او اجندات تخدم استراتيجية الفرقة والخلاف داخل الائتلاف خصوصاً وفي اطار المعارضة السورية على العموم.

ومع انتخاب القيادة الجديدة بتمثيلها الواسع، اصبح على الاخيرة ان تذهب نحو مهماتها للعمل عليها، خصوصاً وان المهمات هذه المرة، اكثر وضوحاً وتحديداً بخلاف ما كانت عليه الامور في المرات السابقة، التي كان يتم فيها اطلاق شعارات واهداف عامة للاشتغال عليها وبها، لكن في النتيجة لا يستطيع احد، ان يحدد ما الذي تحقق منها، او ما الذي لم يتحقق، وسط غياب تقييم موضوعي لبرامج غير محددة، ولا محاسبة على مهمات لم يتم التكليف بها على نحو واضح.

هذه المرة، يبدو الامر مختلفاً. اساس الاختلاف، ان مرشحي الرئاسة طرحوا برامجهم امام الهيئة العامة، وتلقوا اسئلة الاعضاء، واجابوا عليها، وهم في نهاية الامر حددوا المهام التي سيعمل الائتلاف في اطارها سيراً وراء الاهداف الرئيسية للائتلاف في اطاحة نظام الاسد وتغييره وبناء نظام ديمقراطي يوفر الحرية والعدالة والمساواة لكل السوريين، ويقودهم نحو المستقبل.

ويفرض السير في اتجاه هذه الاهداف، ان تكون هناك مهمات عاجلة، يضعها الائتلاف امامه ويشتغل عليها بجدية وبكل طاقاته وامكانياته، واغلب هذه المهمات تناولها مرشحو الرئاسة واعضاء الهيئة العامة، وهي تندرج في ثلاث مجموعات من المهام.

اول مجموعات المهام تتعلق بوضع الائتلاف نفسه من حيث اصلاحه ومأسسته وتطوير اساليب عمله، مما يجعله اقدر للذهاب الى انجاز المهام الاخرى، وفي هذا ينبغي انجاز الاساس القانوني والتنظيمي للائتلاف، بتعديل النظام الاساسي ووضع نظام مالي، واداري يتناسب والمهمات المطلوبة في ضوء تجربة العامين الماضيين، التي ثبت فيها عجز الائتلاف عن اتخاذ قرارات مهمة مثل توسعة الائتلاف ورفده بشخصيات او كيانات سياسية او مدنية، يشكل دخولها اضافة نوعية مثل المجلس التركماني السوري، او القيام بتوسعة نسائية تتجاوز التهميش الحاصل بدور المرأة في الائتلاف وهي التي لعبت دوراً كبيراً ومؤثراً في ثورة السوريين، وكذلك العجز عن البت في تجاوزات بعض الاعضاء ممن شهروا بالائتلاف ولعبوا دوراً سلبياً في التأثير على صورته لدى السوريين وفي اوساط الرأي العام العربي والدولي، وكان النظام الاساسي مع اسباب اخرى منعت تجديد لجان الائتلاف، فصارت هي وبعض المسؤوليات فيه، وكأنها مؤبدة لا تتغيير ولا تتبدل.

والمجموعة الثانية في المهمات العاجلة، تتصل بتوجهات الائتلاف وتعامله مع الداخل السوري رغم ان الاخير، لم يكن بعيداً عن اهتمام الائتلاف لكن سبيل التعامل معه، كان حافلاً بالاخطاء، إذْ كان يتم في معظم الاحيان عبر اشخاص او تجمعات لم يكونوا في كفاءة الحاجة، او ان التعامل كان يجري في اطار ردات الفعل واللحظات الحرجة، وفي الحالتين كان ثمة ضرورة لتعامل من نوع مختلف اساسه وجود خطط ومؤسسات تنفيذية مسؤولة لها وجود مادي ملموس وكفاءة في العمل، وتتمتع بسمعة وطنية واخلاقية عالية.

ان البوابة الرئيسة للذهاب الى هذه المهمات، تكمن في تنشيط الحراك المدني في الداخل من خلال دعم وتنظيم النشاط المدني والسياسي والإعلامي عبر هياكل تستطيع التحرك بفاعلية ومرونة على الأرض، وتفعيل المجالس المحلية ودورها باعتبارها مؤسسات، تدير الداخل برؤية جديدة مبنية على التخلص من السلبيات والمعيقات التي ظهرت في الفترة السابقة، كما لا يمكن في هذا الجانب تجاوز مهمة معالجة اوضاع الجيش الحر وخاصة لجهة اعادة تنظيمه وتدريبه وتسليحه.

ولا يمكن فصل هذه المهمات عن الدعم الواجب للحكومة السورية المؤقتة باعتبارها الذراع التنفيذية للائتلاف بما يتصل بموضوعات الداخل ولاسيما في ثلاث نقاط اساسية، توفير خدمات بما فيها خدمات الامن، وتوفير اغاثة انطلاقاً من المناطق الاكثر حاجة وتضرراً، والذهاب في عملية تنمية اقتصادية اجتماعية، تشجع السوريين على البقاء وتدفع من غادروا للعودة، وهي مهمات عجزت الحكومة عن القيام بها في الفترة السابقة، وكل ماسبق يطرح موضوع الحكومة في التقييم والمحاسبة في مقدمة المهام العاجلة والملحة.

والمجموعة الثالثة العاجلة من مهام الائتلاف، تتعلق بالسياسات الاقليمية والدولية، التي ينبغي تجديدها وتطويرها، والفاتحة الاساسية في هذا الجانب تحديد موقع وموقف الائتلاف من التطرف والارهاب المتزايد. وان كان موقف الائتلاف واضحاً وقوياً ازاء ارهاب نظام الاسد، فانه ايضاً ينبغي ان يكون واضحاً في الوقوف ضد ارهاب التطرف ولاسيما التطرف الديني الذي تمثله دولة العراق والشام «داعش» واخواتها من التنظيمات الدينية المنتمية للقاعدة او هي على حوافها، ليصبح موقف الائتلاف اقوى في مواجهة الارهاب المزدوج الذي يجمع النظام وتنظيمات التطرف في اطار الطبيعة الاستبدادية للطرفين من جهة وممارستهما القتل والتدمير والتهجير ضد السوريين من جهة اخرى.

وكي يكون لموقف الائتلاف اثر ونتائج اقوى ضد الارهاب المزدوج، فلا بد من ربطه بمهمات اخرى في المستويين الاقليمي والدولي اساسها، وضع وتنفيذ استراتيجية سياسية محددة وواضحة، تهدف الى تحقيق امرين اثنين، اولهما العمل على تعزيز الدعم والمساندة الجديين لنضال السوريين ضد نظام الاسد، والثاني تعزيز القرار السوري المستقل، والحد من التدخلات والاملاءات الخارجية، ودفع العلاقات للمضي على أساس المصالح المتبادلة.

خلاصة القول، ان على قيادة الائتلاف الذهاب بصورة مباشرة الى مهمات باتت لا تقبل التأجيل، مهمات من شأنها ليس محاصرة ترديات الوضع السوري بكل مستوياته، بل بدفعه نحو رافعة تجعله اقدر على السير نحو اهدافه الكبرى في اطاحة نظام الاسد وتغييره وبناء نظام ديمقراطي يوفر الحرية والعدالة والمساواة لكل السوريين.

المستقبل

 

 

 

ماذا خسر الائتلاف بفشل التوافق ؟/ ميشيل كيلو

قبل انتخابات رئاسة الائتلاف الاخيرة ، ساد ميل قوي لدى معظم أعضائه وكتله إلى التوافق، الذي بدا ككلمة سحرية انتشرت في الأجواء وعلى الألسن انتشار النار في الهشيم. بعد عامين حفلا بشتى أنواع الخلافات والحزازات الشخصية والعامة ، ظهر وكأن الائتلاف قرر الانعطاف نحو طور جديد ستتسم علاقاته فيه بتوافق هو التعبير عن قرار جماعي بكسر حدة التباين بين كتلتين رئيستين فيه ، إحداهما معارضة أو “معادية” وضع اسمي فيها ، التفت حول الاستاذ مصطفى الصباغ ، الذي اعتبر “رجل قطر” ، وثانيتهما موالية قطبها الاستاذ أحمد الجربا ، رئيس الائتلاف ، الذي اعتبر “رجل السعودية “. بهذا المعنى ، كانت الرغبة في تخطي خلافات الكتلتين الداخليتين تعبيرا عن الرغبة في تخطي خلافات الدولتين الشقيقتين ، اللتين افتُرض خطأ أن مواقفهما وحساباتهما تتطابق مع مواقف وحسابات الاستاذين الصباغ والجرباوكانت تجربة توافق أولى قد تمت خلال اجتماع الهيئة العامة الاسبق ، فقد التقى ممثلو الكتل طيلة يوم كامل، وتوافقوا على إجراء انتخابات هيئة سياسية يمثل المرشحون إليها جميع الأطراف ولا يمثل أي منهم كتلة بعينها، ويتبنون برنامج عمل ليس برنامج أي طرف منها . في هذا السياق ، طلب من الاستاذ فايز سارة وضع لائحة بالمرشحين قدمها بعد ساعات إلى الاجتماع ، الذي قدمها إلى الهيئة العامة ، مشفوعة بدعم صريح من ممثلي الكتل المختلفة ، الذين شرحوا ما تم التوافق عليه ، وطلبوا أن يكون التصويت علنيا تأكيدا لالتزامهم بالقائمة الموحدة ، التي لا يجوز ان يكون هناك مرشحون من خارجها . لكن الجربا ، الذي أيد التوافق ظاهريا وعارضه فعليا ، رشح اثنين من خارج القائمة ، مفسحا المجال لاختراقها وعدم التزام رافضي التوافق بها ، فكانت النتيجة أن دفع التيار الديمقراطي ثمن التوافق، إذا سقط اثنان من مرشحيه ، وشنت حملة شعواء على شبح اسموه ” الطرف الآخر “،بحجة أن انصاره لم يلتزموا بالتوافق، واستنتج القائمون بالحملة أن مبدأ التوافق نفسه باطل، ومن المحال أن يفضي إلى نتيجة مغايرة للنتيجة التي قاد إليها : سقوط ممثلين للتيار الديمقراطي .

لكن النفخ في نار الخلافات لم يقوض الرغبة في التوافق ، مبدأ وممارسة ، بعد نقاشات واسعة في الائتلاف والهيئة الاستشارية ، التي كان الاجتماع التوافقي قد اقترحها ،

لكن الجربا رفض الاعتراف بشرعيتها والتعامل معها ، لذلك اجتمعت في غيابه ، عقب فشل محاولة لاقناعه بدعوتها إلى لقاء يسبق انتخابات هيئة الرئاسة الجديدة قام بها الاستاذ موفق نيربيه. وقد توافقت الهيئة ، التي اسمت نفسها ” اللقاء التشاوري” كي لا تتبنى اسما مستفزا للجربا، على برنامج من أحدى عشرة نقطة هدفه تطبيع علاقات الائتلاف الداخلية ، وتحسين أدائه ، واستعادة أولويات الثورة ، وضبط ما قد يظهر من نزعات لدى قياداته إلى التفرد والاستئثار. حدث هذا لطي صفحة كئيبة قوضت فعليا قدرة الائتلاف على الفعل كمؤسسة عمل وطني، ولإقناع قواعده بالبرنامج وبمبدأ التوافق، خاصة وانه تبين خلال انتخابات الهيئة السياسية أن تفاهم ممثلي الكتل لا يعني بالضرورة اقتناع قواعدها به ، وأن من المهم إرساء توافقهم على تأييد اعضاء الائتلاف: الضمانة الوحيدة لتنفيذ ما توافقوا عليه. اما قصد البرنامج ،فكان تقوية الائتلاف كجسم وطني وكبح نزعات التفرد التي قد تظهر عند قادته وتجعلهم يتبنون نمطا من الإدارة تتولاه مطابخ سرية يلحق نشاطها المغلق ضررا لا يحتمل بالشعب والثورة .

هذا الخط في العمل تبنته ” الكتلة الديمقراطية ” بعد أن ترجمته إلى نص اقترحته عليها، كان اللقاء التشاوري قد تبناه ،تدور فكرته الرئيسة حول عدم جواز إيكال تنفيذ البرنامج الديمقراطي إلى أي شخص، بعد تجربة “القائمة الديمقراطية” والائتلاف مع الجربا، واعطاء الأولوية في عملنا لمحددات تضبط عمل الائتلاف كمؤسسة وطنية، وتضع معايير دقيقة يقاس بها سلوك قادته ، فإن حادوا عنها نزعت الثقة منهم، التي ستكون مشروطة وتلزمهم بسياسات محددة ونهج تشاركي ، وتمنعهم من استغلال آليات التعطيل الموجودة في نظام الائتلاف الأساسي- الذي قررنا تغييره في اقرب وقت- ، والإفادة من موارد مالية يتصرفون بها على هواهم، تعينهم على انتهاج طرق مجافية للديمقراطية واستبدادية ، في إدارة الائتلافعندما فاز موفق نيربيه بترشيح “الكتلة الديمقراطية” ، خال الجميع ان الامور شرعت أخيرا تذهب في الاتجاه الصحيح ، فالتوافق قائم من تحت إلى فوق ، والبرنامج هو الاساس، ومن يقبل به يكون مرشح الائتلاف ، فإن كان هناك اكثر من مرشح تم اختيار اكثرهم خبرة وتجرية وتاريخا نضاليا، والمحددات الوطنية لعمل الائتلاف ستكون ضابط وجوده من الآن فصاعدا ، وستتيح الفترة القادمة لنا لحظة تنفس نراجع خلالها ونحن موحدين ومتوافقين مواقفنا ونطور خياراتنا ونصلح ما فسد من امورنا ، ونعيد بناء العمل الوطني على الاسس ،التي كان يجب أن يقوم عليها منذ بداياته الأولى .

فجأة ، حدث ما لم يكن متوقعا ، فقد رفض الجربا ترشيح موفق واقترح بدلا منه هادي البحرة ، وفرضه على الكتلة بمعونة رئيسها الاستاذ فايز سارة . حدث هذا إبان تفاهم الاستاذين الجربا وصباغ على محاصصة من النمط الذي شل الائتلاف وشحنه بمختلف انواع التناقضات وابعده عن الشعب وعطل دوره الوطني . وقد زعما أن الوضع الدولي لا يقبل رئيسا للائتلاف غير هادي البحرة – وهو زعم كان يجب أن يكون كافيا وحده لاخراج البحرة من الائتلاف بدل انتخابه رئيسا له – ! ، وأن رؤساء الكتل في الائتلاف لا يقبلون غيره – تم استبعاد هؤلاء جميعهم من أي تمثيل بعد الاتفاق بين الرجلين !، وأن تفاهمها يضع حدا للخلاف القطري / السعودي ، حسب تصريح للاستاذ الصباغ – في هذا القول ما فيه من ادعاء بأن الجربا هو السعودية والصباغ هو قطر، وأن خلافاتهما هي السبب في خلافات البلدين ، التي ستنتهي بانتهائها !. لا عجب أن ادى الاتفاق إلى استبعاد كل من عمل في السياسة الحزبية والوطنية خلال الفترة الأطول من تاريخ بلادنا السابق للثورة ، وأن الائتلاف سقط بين يدي شخصين يعملان بوحي خارجي، وان اتفاقهما الشخصي حدث في فترة سقوط متتابع لمناطق واسعة من سورية في ايدي النظام و”داعش” ، بينما يسود ضرب من إدارة دولية للأزمة يحول قضيتنا إلى مسألة فرعية تندرج في وضع عام مفتوح على جميع الاحتمالات السيئة : خليجيا وإيرانيا وتركيا ودوليا.

بسقوط التوافق تحت ضربات من كان يجب أن يحرصوا عليه حرصهم على أداة لا غنى عنها في العمل السياسي والثوري ، اهتزت أوضاع الائتلاف وشرع يترنح ، ووجد نفسه أمام تحد جديد يضاف إلى مأزقه العصيب ، هو سقوطه في أيدي شخصين يتحكم احدهما بمصيره وقراراته ، من خلال تحكمه برئيسه الجديد ،بينما سيكتفي الثاني بمساندته أو ستتم تنحيته جانبا ، فلا بد أن يعجز الأول، رئيسه الحقيقي، عن قيادة شعب سورية ، ويغرقه في حقبة يكون همه الرئيس فيها التلاعب بقضايا الثورة ، في لحظة ستخلو من كل شيء إلا من خلافاتهما وصراعاتهما الخفية والظاهرة ، التي أكدها نجاح هادي البحرة باصوات الصباغ ، وسقوط الخوجا ، مرشح الصباغ، في انتخابات الامانة العامة بأصوات الجربا

المدن

 

 

 

 

سقوط الائتلاف السوري والإجهاز على الثورة/ ميشيل كيلو

عندما تأسس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، كان هناك وعدان كبيران: الأول أنه سيكون محلّ اعتراف دولي واسع، والثاني أنه ستتدفق على خزائنه أموال قارون.

بعد أقل من شهر من تأسيسه، تمت دعوة 663 ضابطاً وثورياً إلى مؤتمرٍ، هدفه هيكلة الجيش الحر وتوحيده، وتأسيس هيئة أركان له، ووضع قيادته بين يدي قيادة عسكرية عليا تضم 41 شخصاً (حولته ألاعيب السياسة والعسكر إلى “مجلس عسكري أعلى ” سُمّي خطأ “مجلس الثلاثين”، الذي لم يتخذ في أي يوم أي قرار بتشكيله، ويعتبر وجوده، لهذا السبب، غير شرعي ومنعدماً!). وقد لاحظت، في حينه، أنه لم تتم دعوة “الائتلاف” إلى المؤتمر، مع أنه مرجعية العسكر السياسية المفترضة، وأنه تمت دعوة كل من هبّ ودبّ من عرب وأجانب إليه، فكتبت مقالةً طالبت “الائتلاف” فيها بإعلان عدم شرعية ما حدث، ورفض الاعتراف بما قرره الآخرون في غيابه، ثم هاتفت رئيسه يومذاك وكررت مطالبتي، مع أنني لم أكن عضواً فيه، بل ورفضت الانتماء إليه بالنيابة عن “المنبر الديمقراطي”.

كتبت وقلت في مقالتي وحديثي الهاتفي: إن عدم دعوة الائتلاف إلى اللقاء، وهيكلة الجيش

“كانت استعادة القرار الوطني السوري المهمة التي وضعتها القائمة الديمقراطية نصب عينيها، عندما دخلت إلى “الائتلاف”. لذلك، ربطت رؤيتها بعمل جماعي، تشاركي، من نمط مغاير للنمط الحزبي أو الفئوي السائد فيه، الذي رأى سورية وثورتها من منظوراته الجزئية والضيقة، بدل أن يرى نفسه ودوره بمنظورها الوطني الجامع”

الحر في غيابه، يعني إزاحته جانبا كمرجعية سياسية للثورة، ووضع أيد غير سورية على الجيش الحر. وأضفت أن الفعلتين تعادلان إخراج السوريين من مسألتهم الوطنية، ووضع أيدٍ غريبة عليها بتغييب أصحابها الأصليين تغييباً تاماً عنها. لا داعي للقول إن الاعتراف السياسي الدولي والعربي جاء بكثافة، لكنه بقي اعترافاً سياسياً، بينما أبقى الاعتراف القانوني النظام الطرف المعترف به دولياً، مرجعية سياسية للدولة والمجتمع السوريين، في حين غابت أموال قارون، ولم يصل منها ولو قرش واحد.

تلك كانت اللعبة التي مرّروها علينا، من دون أن نقوم بأي رد فعل تجاهها، ومن دون أن يدافع أحد عن “الائتلاف”، ويعمل للخروج منها بأي ثمن، ولاستعادة قرارنا الوطني المستقل، الذي كان ضياعه يعني قبول رؤية ما يجري في بلادنا بأعين غيرنا، وجعل خياراتنا جزءاً من خياراته، والانضواء تحت إرادته ومصالحه.

كانت استعادة القرار الوطني السوري المهمة التي وضعتها القائمة الديمقراطية نصب عينيها، عندما دخلت إلى “الائتلاف”. لذلك، ربطت رؤيتها بعمل جماعي، تشاركي، من نمط مغاير للنمط الحزبي أو الفئوي السائد فيه، الذي رأى سورية وثورتها من منظوراته الجزئية والضيقة، بدل أن يرى نفسه ودوره بمنظورها الوطني الجامع. أما هدف القائمة فقام على تأسيس قيادةٍ جماعيةٍ، تنجز بالتوافق مع مكونات الائتلاف المختلفة مهامَّ حددتها ورقة كتبتها شخصياً، تتلخص في: مأسسة الائتلاف، بحيث يخدم الثورة، ولا يكون في خدمة أي شخص أو حزب أو تيار، بما في ذلك التيار الديمقراطي، أو دولة، داخل سورية وخارجها، وبناء جيش حر وطني، يدافع عن جميع السوريين من دون تمييز، ويشجع منتسبي جيش النظام على الخروج منه، وإيجاد مكان لهم في صفوفه، جيشاً لجميع فئات الشعب، وتشكيل حكومة تكون مرجعية للسوريين، بما أن الائتلاف نفسه ليس مرجعية كهذه بالنسبة إليهم، بسبب تداخل وظائفه، وغموض الحدود الفاصلة بينها، وعدم وضوح هويته ذاتها.

خرج أحمد الجربا، رئيس “الائتلاف” الجديد، على هذا النهج الذي كان قد ألزم نفسه بتحقيقه، بالتعاون مع جميع أعضاء “الائتلاف”، خصوصاً منهم أعضاء القائمة الديمقراطية. وبدأ يقيم سلطة فردية/ شخصية، أحاطها بعدد صغير من داخل القائمة وخارجها، شكل

“لم تتم مأسسه “الائتلاف”، بل تمت شخصنة قيادته وفردنتها. ولم يشهد أي عمل جماعي، بل نشأ مطبخ سري، ضم قلة منها هادي البحرة وفايز سارة. ولم تتصف علاقاته بالشفافية، بل وقع تسييره بالمال السياسي، وعبر نسج شبكة علاقاتٍ سريةٍ، ومفعمةٍ بالغموض مع أطرافٍ مختلفةٍ، خارجه وداخله”

بمعونتهم “مطبخاً سرياً”، عمل تحت يده، ولبّى كل ما طلبه منه. لذلك، دعوت، بعد شهر ونصف من انتخابه، إلى إصدار إعلانٍ عن القائمة الديمقراطية، يتضمن سحب ثقتها منه، وإخراجه من صفوفها، وقلت لأعضائها: انتخبناه باسم الديمقراطية، وعلينا أن نقاومه ونعارضه باسم الديمقراطية، وإلا خنّا قناعاتنا، وسمحنا للأخطاء التي ترتكب اليوم بالتحول قريباً إلى كوارث لا علاج لها، وهو ما حدث بالفعل، وتظهر نتائجه، اليوم، في كل مكان، مثل تلاشي الثورة المتسارع، وتراجعها كثورة حرية، وتدهور حال الجيش الحر الذي كان يسيطر قبل الجربا على 60 إلى 65 % من مساحة سورية، ولم يعد في يده اليوم غير 10% منها، بينما تنقسم بلادنا أكثر فأكثر إلى منطقتين، هما دولة الأسد ودولة داعش، ويقال إن دولة ثالثة ستنضم قريباً إليهما هي دولة النصرة.

هل وعى الجربا وفريقه هذه النتائج التي ترتبت على سياساته، وعمل لإصلاحها أو للتصدي لها؟ لا هذا ولا ذاك، بل كلف بعض أعضاء مطبخه السري بفبركة أكاذيب، تحجب حقيقة ما يجري، أنكرت وقوع هزائم متعاقبة خلال عام من رئاسته، بدأت في تل كلخ، ومرت بالقصير وجنوب دمشق وشرقها وغربها وبالقلمون وجيرود ويبرود وحمص وقلعة الحصن والزارة والرقة ودير الزور ومنطقة كسب وحلب ومعظم أرياف سورية. في المقابل، شطح الخيال بواحدٍ من هؤلاء، خال أنه يستطيع إقناع السوريين بوجود انتصارات تحدث عنها في مقالةٍ، كرسها للإنجاز التاريخي/الثوري، الذي تحقق بتفاهم أحمد الجربا/ مصطفى الصباغ على تعيين هادي البحرة رئيساً للائتلاف بالوكالة، ريثما يسمح نظامه الداخلي لصاحب الكرسي الأصلي باستعادته، بما أن “الرئيس” الجديد “رجل كرسي” في فريقه، وبالتالي مؤتمن على ما تولاه. لقد انقلب إخصائي فبركة الأوهام الانتصارية إلى شخصٍ، يتحاشى الحديث عن الواقع، ويستعيض عنه بـ “قراءات وتفسيرات” حافلةٍ بما يسميه العامة “العلاك”، حولته إلى “المبرراتي” الأول لكل ما يفعله رجل يسميه كواحد من اتباعه “سيادة الرئيس”، لقب نفسه أمام سوريي أميركا بـ”القائد” الذي سيدير “الرئيس” و”العلاك” من موقعه، ريثما يصل “الائتلاف” إلى دورة رئاسية جديدة، مدتها عام كامل قابل للتجديد، تعطي “القائد” فرصة إدارة “الائتلاف” حتى تحقيق الانتصار: انتصار النظام على الثورة، وليس العكس، بما أن وتيرة الهزائم التي وقعت خلال عامه الأول ستحتفظ بسرعتها، وستزيدها في الفترة المقبلة.

لم تتم مأسسه “الائتلاف”، بل تمت شخصنة قيادته وفردنتها. ولم يشهد أي عمل جماعي، بل نشأ مطبخ سري، ضم قلة منها هادي البحرة وفايز سارة. ولم تتصف علاقاته بالشفافية، بل وقع تسييره بالمال السياسي، وعبر نسج شبكة علاقاتٍ سريةٍ، ومفعمةٍ بالغموض مع أطرافٍ مختلفةٍ، خارجه وداخله، حجبت حقيقة ما يجري عن أعضائه، وتحكمت بهم من خلال ما يحفل به “الائتلاف” من تناقضات كتليةٍ، وخلافات سياسية وشخصية، وما في نفوس البشر من عيوب ونقاط ضعف. باختصار، تحول “الائتلاف” إلى تنظيم يشبه حزب البعث، تسيره عقليةٌ ترتبت في ظل دولة أمنية، تجهل كل شيء عن البديل الديمقراطي، سواء في النظر أم في التطبيق، دأبت على اتباع نهج استبدادي أحدث هوةً متزايدة الاتساع بين “القائد” ومن يقودهم، جعلت منه شخصاً خارج متناول أيديهم، مجرداً ومتألهاً، تلاشت علاقاته معهم بدل أن تتزايد، قبل أن تنحصر تماماً في بيئة معينة، لحمتها وسداها سياسياً مطبخه السري، ومن تم تقريبه منه وإبعاده عنه، وعسكرياً بعض أعضاء ما سمي “المجلس العسكري الأعلى”، ورهط من أمراء الحرب، الذين سئل أحدهم عن سرّ تقاربه معه، فكان ردّه: “نبيعه حكي وصور ونأخذ مصرياته”.

… واليوم، وبعد انتخاب هادي البحرة رئيساً بالوكالة أو احتياطياً، واستبعاد الكتل السياسية والحزبية عن أي تمثيل في رئاسة الائتلاف، على الرغم من أنها جسم المعارضة الرئيس، الذي تشكل منه المجلس الوطني السوري و”الائتلاف”، تكون قضيتنا الوطنية قد آلت إلى شخصين، لم يكن لهما أي تاريخ سياسي في المعارضة، ولم يكونا بعيدين عن النظام، هما أحمد الجربا ومصطفى الصباغ، الخصمان اللدودان اللذان سمّم عداؤهما حياة “الائتلاف”، وحال بينه وبين أن يكون مؤسسة عمل وطني، غير أنهما توافقا على إقصاء غيرهما عن

“كنا في الثورة التي طرقت أبواب دمشق مرات عديدة، فصرنا في مسلسل هزائم يقودنا إلى الهاوية، سيواصله البحرة، وستكون فيه نهاية الثورة، وإلا ما معنى أن يسقط “الائتلاف” وتؤول قيادته إلى شخصٍ نصّب نفسه بديلاً لجميع القوى السياسية والحزبية المعارضة”

التمثيل والقرار، بعد أن جعل الثاني منهما إقصاءه في أثناء رئاسة الجربا قضية القضايا، وعندما سئل عن سبب موافقته على الصفقة مع غريمه، قال “خليهن يضلوا بره، اللعبة ست شهور متل ما ضلينا نحنا سنة براتها”. وللعلم، فإن من أقصى الصباغ لم يكن الأحزاب بل الجربا نفسه الذي لاحقه بموجات من الحقد والشتائم الشخصية المقذعة، إلى ما قبل الصفقة بساعات قليلة!

في لحظة سقوط كارثية، لا يجد “الائتلاف” حلاً غير وضع القضية الوطنية بين يدي عدوين لدودين، ستكون صفقتهما مؤقتة وعابرة، سينتهي خلافهما إلى ترك المسألة السورية بين يدي الجربا الذي سينفرد بتخلصه من عدوه بكل شيء وسيبعد أية قوة، وسيحوله إلى “مكب نفايات شبيحة”، لن يمانع في دعم أي قرار يتخذه “القائد”، مهما كان نوعه وموضوعه.

كنا في الثورة التي طرقت أبواب دمشق مرات عديدة، فصرنا في مسلسل هزائم يقودنا إلى الهاوية، سيواصله البحرة، وستكون فيه نهاية الثورة، وإلا ما معنى أن يسقط “الائتلاف” وتؤول قيادته إلى شخصٍ نصّب نفسه بديلاً لجميع القوى السياسية والحزبية المعارضة، قوض الأركان إلى حد جعل رئيسها، العميد عبد الإله البشير، يقول أمام 116 عضو هيئة عامة: بصراحة، ليس هناك اليوم أركان، ونحن شهود زور على كل ما يجري، وليس لنا أي دور، ولا نشارك في أي عمل على الإطلاق. في حين نفذ البحرة أمراً أصدره إليه من عمّان بإقالة الحكومة، ثالثة مؤسسات الثورة التي أدى الإجهاز عليها إلى بقائه مرجعها الوحيد؟ ماذا ستكون نتيجة ذلك؟ ولمصلحة من ما يقوم الجربا به، الثورة أم النظام. الشعب أم الأسد؟

العربي الجديد

 

 

 

 

الائتلاف الوطني السوري بين الأزمة والمطلوب/ عبدالباسط سيدا

كان المجلس الوطني السوري حصيلة جملة مكثّفة من الاجتماعات والمشاورات، وقد ضم في صيغته الأولى الكثير من الأكاديميين ممن كانوا يمتلكون تاريخاً طويلاً في معارضة النظام، إلى جانب عديد الشخصيات الوطنية وممثلي منظمات المجتمع المدني والتنسيقيات الشبابية التي امتلكت تأثيراً كبيراً في الشارع خلال مرحلة الثورة السلمية، إلى جانب أعضاء من بعض الأحزاب.

بعد الإعلان الأولي عن المجلس، استمرت المشاورات لتوسيع قاعدته، ورفده بقوى سياسية لها تاريخ في المعارضة، وتم التوصل الى ذلك مع إعلان دمشق، وهيئة التنسيق، والأحزاب الكردية، إلى جانب جماعة الإخوان المسلمين، ولجان التنسيق المحلية، والهيئة العامة للثورة السورية، والمجلس الأعلى للثورة السورية، واجتمعت كل هذه الأطراف مع قيادة المجلس الوطني السوري في 29 ايلول (سبتمبر) 2011 في اسطنبول. لكن المؤسف في ذلك اللقاء كان اعتذار الأخوة في هيئة التنسيق عن المشاركة على رغم مشاركة مندوب يمثلهم في البداية، لكنْ بعدما تبين له أن القيادة في دمـشق تـرى أن الوقــت لم يحـن لتـشكيل مـؤسسة سياسية شاملة للمعارضة السورية، انـسحـب هو الآخر.

وبعد أيام من المناقشات المكثفة الصعبة، اتُفق على الرؤية السياسية، والآلية التنظيمية التي سيقوم عليها المجلس الوطني في صيغته الثانية، وأُعلن عن ذلك في مؤتمر صحافي في 2 تشرين الأول (اكتوبر) 2011.

ولقي المجلس آنذاك ترحيباً لافتاً من الداخل الوطني السوري، ومن الجاليات السورية في مختلف أنحاء العالم. كما كان موضع ترحيب من الأشقاء والأصدقاء. ومع ذلك أكدنا منذ اليوم الأول أن المجلس مشروع وطني غير ناجز، وسيظل مفتوحاً على الجميع لاستيعاب الجميع. وبالفعل ضُم لاحقاً الكثير من المعارضين المعروفين الذين كانوا قد دخلوا السجن في مرحلة الثورة وقبلها، بل أُسندت إلى الكثير منهم مواقع مهمة في قيادته.

على رغم ذلك، تبيّن لنا منذ اليوم الأول أن المشكلة الأساسية للمعارضة السورية تتمثل في عدم وجود أحزاب كبيرة، مؤثرة جماهيرياً، كان في مقدورها في حال وجودها رسم الخط السياسي، وضبط الوضع التنظيمي، وبالتالي تحديد الأدوار التي يمكن الأفراد أن يؤدوها في إطار التحالف العام. وما ترتب على هذا الغياب اننا أصبحنا أمام ظاهرة الأفراد – القادة الذين كانوا يستندون إلى تاريخهم وإنجازاتهم ومكانتهم الاجتماعية، من مواقعهم كأفراد، وليس بصفتهم ممثلين لأحزاب او تيارات سياسية لها قاعدة جماهيرية واسعة.

وعلى رغم الجهود الكبيرة التي بذلها المجلس الوطني للتعامل مع هذه الظاهرة، ظل يعاني انتقادات لاذعة من أولئك الذين لم يتمكن من استيعابهم لأسباب عدة، وهي في معظمها لم تكن محقة، بل تنم عن امتعاض ناجم عن عدم المشاركة، أو عن عقدة «الأستاذية غير المقدرة» على حد تعبير الدكتور طيب تيزيني.

وكان مؤتمر المعارضة الأول في اسطنبول (26-27 آذار/مارس 2012)، ثم مؤتمرها الثاني في القاهرة (2-3 تموز/يوليو 2012)، بهدف توسيع قاعدة المجلس، عبر إشراك المزيد من القوى الفاعلة سواء على مستوى الأحزاب أو الكتل أو الأفراد، وكانت لدينا جولات طويلة من المباحثات مع المجلس الوطني الكردي الذي كان هو الآخر قد تشكل حديثاً (26 تشرين الأول 2011) وذلك بعد الإعلان عن تأسيس المجلس الوطني السوري.

ومع الوقت تبين لنا أن هناك تقاطعاً بين نزوع المنتقدين نحو تشكيل إطار جديد للمعارضة، ورغبة دولية، أميركية تحديداً، لتجاوز المجلس بحجة أن الإخوان هم الذين يهيمنون عليه، ويتحكّمون بقراره، فيما واقع الحال أن خط المجلس المتشدد وطنياً لم يكن موضع ترحيب من القوى المعنية التي كانت وما زالت تتعامل مع الملف السوري بعقلية إدارة الأزمة ليس إلا.

ولعل هذا ما يفسر الإصرار اللافت على موضوع لجنة المتابعة، التي أُعلن عن تشكيلها بعيد مؤتمر القاهرة، وبعيداً من إرادة المجلس الوطني السوري الذي رفض فكرتها، لأنه أدرك أن الغرض منها تجاوز المجلس نفسه، وليس مجرد تسويق وثائق القاهرة كما أعلن عن ذلك في حينه.

ومع رفض المجلس الرسمي لفكرة اللجنة المعنية في اجتماع أمانته العامة في ستوكهولم (1-2 أيلول 2012)، انتقلت الجهود الدولية إلى مستوى آخر، تجسّد في العمل الجاد لتجاوز المجلس كلياً، وقد استند في ذلك إلى امتعاض بعض المعارضين، والنيات الطيبة لبعضهم الآخر، وهذا على رغم الرغبة الجادة للمجلس بالانفتاح على الجميع، والبدء بمشروع التوسيع وإعادة الهيكلة.

وبالتزامن مع انتهاء المجلس من مؤتمره العام الثاني في الدوحة (4-8 تشرين الثاني/نوفمبر 2012)، الذي أقر مشروع التوسيع وإعادة الهيكلة، انطلقت الاجتماعات الخاصة بتأسيس الإئتلاف (8 تشرين الثاني/نوفمبر 2012)، وذلك بعد ضغوط مكثفة تعرّض لها المجلس من الأشقاء والأصدقاء والحلفاء الأساسيين، ليقبل فكرة الائتلاف، ويشارك فيه ككتلة أساسية.

ومنذ اليوم الأول، تبيّن أن الائتلاف يعاني أزمة بنيوية، تجسّدت بصورة خاصة في هلامية التمثيل، وسوء توزيع المهام والمسؤوليات نتيجة الثغرات الكبيرة في النظام الأساسي، مما افسح المجال أمام النزعة الفردية، وبناء شلليات مصلحية. والأمر اللافت أن كوادر المجلس الوطني كانوا يتصدّرون دائماً المواقع القيادية في الائتلاف، وهذا نوع من الإقرار الضمني بالمستوى النوعي للمجلس، ولكن هؤلاء كانوا في ظل الحالة العامة للائتلاف، وبخاصة في الأجواء شبه العدائية للمجلس، يتحالفون مع هذا الطرف أو ذاك من أجل مكاسب معينة، الأمر الذي أحدث إرباكاً واضطراباً على مختلف المستويات سواء ضمن الائتلاف، أو ضمن المجلس نفسه.

ومع التوسيع الأخير للائتلاف (حزيران/يونيو- تموز/يوليو 2013) اختلط الحابل بالنابل، وبات التمثيل الهلامي أداة للتحكّم بالقرارات والمفاصل من موقع التحكم بالأصوات، وما زاد التعقيد بروز الاستقطاب بأشكاله المختلفة.

فما يعاني منه الائتلاف راهناً يجسّد حصيلة مقدمات منها ما هو وطني سوري، داخلي وبيني، ومنها الإقليمي والدولي، ومنها ما يتصل بحجم الكارثة وضعف الإمكانات. لكن الإيجابي، على رغم قتامة الصورة وإحباطها، أن الجميع بات مدركاً خطورة الأزمة وعلى دراية بأبعادها وتبعاتها. وأصبح الجميع على يقين تام بأنه إذا استمرت الأمور على حالها، فالائتلاف برمته مهدد، وهذا فحواه أن المعارضة السورية ستواجه مصيراً لا تُحسد عليه، وستعاني من التشتت، وتبدّد الطاقات والإمكانات.

فما نحتاج إليه راهناً أكثر من اي وقت مضى هو الانفتاح على الجميع، وتجاوز عبثية التصنيف العقيم ضمن صفوف المعارضة ذاتها بين معارضة وموالاة. علينا جميعاً أن نكون من الموالاة والمعارضة في الوقت عينه.

موالاة تصطف مع شعبها إلى أبعد الحدود. ومعارضة للنظام إلى أبعد الحدود. من دون ذلك، سنفقد البوصلة الموجهة. وبالانسجام مع هذا التوجه، علينا ان نعمل لتوحيد القرار السياسي والعسكري، وذلك لن يكون من دون حوارات حقيقية بناءة، وجهود منظّمة جادة، تساهم في نقل عمل الائتلاف والحكومة والمؤسسات التابعة لهما إلى الداخل الوطني، بغية التفاعل مع القوى الميدانية، وترسيخ أسس العمل المشترك استعداداً لمواجهة مختلف التحديات.

وبهذه المناسبة نقول: لا بد من أن نعطي القيادة الجديدة للائتلاف الفرصة عبر التعاون معها، وتوجيـه النقد البنّاء لها في الوقت المناسب. أـما المنطق العدمي الذي يدعو إلى الانطلاق دائماً من الصفر، فلم ولن يمكّننا من الاستثمار الحكيم لتجربة المعارضة السورية المتراكمة، بسلبياتها، وإيجابياتها، لمصلحة مشروع مستقبلي يليق بسورية وأجيالها القادمة.

* كاتب وسياسي سوري

الحياة

 

 

كذب حبله قصير/ ميشيل كيلو

كتب فاتح مصر، “عمرو بن العاص”، مقالة في موقع “كلنا شركاء”، عن تأسيس حزب جديد، يخطط لضم عدد كبير من الشباب إلى صفوفه”، بدأها، على مألوف كتبة – الأصح كذبة – هذه الأيام بمقدمة ضدي. يروي “عمرو بن العاص” هذا أن شاباً قابلني عشية تأسيس ” المنبر الديمقراطي”، وسألني عن موقع الشباب فيه، وحين قلت إنني ضد فكرة تأسيس حزب، أيقن أنني أريد إقصاء الشباب عنه.

تدفعني هذه “الفرية” إلى التذكير بمواقفي المكتوبة، وليس المروية، من الحزب والشباب. نعم، كنت، وما زلت، ضد فكرة المسارعة إلى تأسيس حزب، قبل أن يتضح مآل الثورة السورية، لسببين: أولاً، لأن تأسيس الحزب ستمليه معادلة خاطئة، تزعم أن الديمقراطية هي البديل الوحيد الممكن للنظام الحالي، وأن أي حزب ديمقراطي الخطاب والنيات سينجح، لأنه سيكون جزءاً من هذا البديل. وثانياً: لأن الحزب الذي يتأسس من دون حامل تاريخي/ اجتماعي سيكون بالضرورة نخبوياً، ونمط الحزب النخبوي فشل في تحريك المجتمع وتثويره، وهو لن يكون، على الأرجح، شكل التنظيم الذي ستأتي به ثورةٌ انطلقت من المجتمع، ولم تكن أيديولوجية وذات تنظيم مسبق، بل سيكون مختلفاً عن الأحزاب التي عرفناها، وعجزت عن فعل أي شيء مما كانت قد وعدت بتحقيقه.

أما الشباب، فيمكن تلخيص موقفي حيالهم بالتالي: لقد أطلقوا الثورة، وقادوها، وضمنوا استمراريتها، وأنجزوا انقلاباً تاريخياً غير مسبوق في عالمنا العربي والإسلامي. لذلك، ركز النظام عنفه عليهم قبل كل شيء، وحال بينهم وبين قول ما كان يجول في عقولهم عن الثورة التي صنعوها. لذلك، وعندما سيسقط الأسد، سنقرأ ما سيكتبونه حول ما أرادوه بها، وكيف أبدعوها وانفردوا بتحضيرها وإطلاقها، وجعلوها عصية على الكسر، على الرغم من تفوق النظام المتنوع الأبعاد والمجالات عليها. بتغييب الشباب، أصحاب الثورة الأصليين، حاولت الأحزاب ركوب موجتها وتصدرها، لكنها فشلت، مثلما فشلت التشكيلات التي وضعت على رأس الثورة من مجلس وطني وائتلاف، واعتبرت دورها “بديلًا فاشلًا لدور الشباب المغيب”، أخفق في الحلول محله، أو في القيام بدوره قائداً للثورة.

حين تأسس “المنبر الديمقراطي”، دعوت إلى إدخال أكبر عدد من الشباب إليه، وطالبت بوضع قيادته بين أيديهم، ليكون أول وأقرب تجربة تمكنهم من تلمس دورهم المطلوب، المغيب بعنف النظام. كما أردت “المنبر” ساحةً، يتفاعل فيها الشباب، بحريةٍ، مع ثورته، ويعبر عن رؤيته لها، وبالتالي، فكرها، المغاير لفكرنا، على أن يمكنه (المنبر) من خوض صراع سياسي وفكري ديمقراطي، ومفتوح يبلور بفضله النموذج الذي لا بد أن يتمخض عنه كفاحه في سبيل الحرية. وبالنتيجة: ربطت في مقالة عنوانها “هل سينجح المنبر الديمقراطي” نجاحه ووجوده بالشباب، وبدورهم في قيادته، على عكس ما يزعمه من يسمي نفسه “عمرو بن العاص”.

هل موقفي هذا معاد للحزب والشباب؟ أيها الكتبة، اتقوا الله في تعاملكم مع حقائق مكتوبة، يعرفها من تكذبون عليهم. تذكّروا دوماً أن حبل الكذب قصير، كما قال أجدادكم، وأكدته الوقائع!

العربي الجديد

 

 

 

ديمقراطية يا روح/ خطيب بدلة

بمناسبة الحديث عن الديمقراطية في الوطن العربي، بوصفها المنافسَ الحقيقي للتيارات الدينية المتطرفة، أحب أن أبلغكم بتواضع، على طريقة الجندي الطيب شفيك، بطل رواية ياروسلاف هاشيك، أنني أمضيتُ عمري، العمر لكم ولحبايبكم، وأنا أقرأ العبارات المكتوبة على السيارات الخاصة، والعامة، وحافلات النقل العام، والطريزينات، ولم أعثر على سائق واحد كتب على عربته عبارة: (ديمقراطية يا روح)!

وأبلغكم، بتواضع أيضاً، أنني كنت مقتنعاً بالحدث الذي جرى أخيراً في الائتلاف الوطني السوري، قصدي إقالة الحكومة المؤقتة، لكنني، حينما طَلَبَتْ مني إحدى الفضائيات (هي من فضائيات الفتنة المتآمرة على بيت الأسد طبعاً) أن أَصِفَ ما جرى، اتخذتُ من سائقي الشاحنات و”الطريزينات” قدوةً، ولم أقل إن هذا كان من أهم تجليات “الديمقراطية”! بل قلت إن هذا كان نتيجة التوافقات الجديدة في الائتلاف التي تتلخص في انقسام الديمقراطيين على أنفسهم، وانقسام الإسلاميين على أنفسهم. وأنا، محسوبكم، لا يخطر ببالي، ولو من مسافة فضائية، أن أقول إن إقالة الحكومة المؤقتة سيؤدي إلى كارثة وطنية! فسورية، على الرغم من وجود كل هذا الكم من الإسلاميين، والديمقراطيين، والمؤيدين للنظام، والمعارضين له، وأصدقاء النظام، وأصدقاء الشعب السوري، وبان كي مون وبشار الجعفري، ووزير الزراعة المنشق أسعد مصطفى، ما زالت تُذْبَحُ وتُدَمَّرُ بدم مثلج.

إنني متأكد، سيداتي سادتي، من أن الرفيق كيم إيل سونج، حينما أطلق على دولته اسم كوريا (الديمقراطية)، لم يكن يمزح، لأنه، على ما يبدو، خطط، بينه وبين نفسه، أن يلعن سنسفيل (الديمقراطية)، ويجعلها عبرة لمن اعتبر، ومنه تَعَلَّمَ رجالُ الإعلام السوري الإكثارَ من الكلام عن الديمقراطية في حالات القمع القصوى،… فحينما كان رجالُ الدولة السورية، والمخابرات، وعتاولة البعثيين، من أمناء الفروع والشُّعَب والفرق والحلقات الحزبية البعثية، ينجحون في إرغام مئات الألوف من جماهير شعبنا الكادحة على النزول إلى الشوارع،

“حينما دعيتُ، أنا الجندي السوري المتفوق في طيبتي على جندي هاشيك التشيكي، قبل سنة ونيف، لحضور المؤتمر التأسيسي لاتحاد الديمقراطيين السوريين في القاهرة، تردد في مسمعي صوت أسمهان، وهي تغني (افرح يا قلبي لك نصيب)”

وجَعْلِهم يتعرضون للحال الذي يُوصف بعبارة (ركض وغَبْرة وقلة قيمة)، ويَضْربون لهم على الطبول ويُتَرْغلون لهم بالمزامير، ويرغمون الأكثر بدانةً بينهم على أن يرقص ويهزّ خصره، كما لو أنه نجوى فؤاد حينما كانت في أوج عطائها… ما كانوا يتوانون عن إطلاق اسم (عرس الديمقراطية)، على هذه الهمروجة الاستبدادية الفظيعة!

حينما دعيتُ، أنا الجندي السوري المتفوق في طيبتي على جندي هاشيك التشيكي، قبل سنة ونيف، لحضور المؤتمر التأسيسي لاتحاد الديمقراطيين السوريين في القاهرة، تردد في مسمعي صوت أسمهان، وهي تغني (افرح يا قلبي لك نصيب)، فقد كان لي، في الواقع وليس في الحلم، نصيبٌ لأن ألتقي بمائتين وخمسين ديمقراطياً سورياً (عدا الفراطة)! ومن شدة فرحي بلقائهم، كنت أرغب في أن أقبل جباههم واحداً واحداً، وأشد على أيديهم واحداً واحداً، وأقول لهم، واحداً واحداً:

– أبوس أرواحكم يا أصدقاء، فقد شبعنا ديكتاتوريات!

أنا، مثل الجندي الطيب شفيك، مولعٌ برواية الحكايات. لذلك، حكيتُ لأحد أصدقائي (وهو من إخوتنا الأكراد) بكثير من الاندفاع والاندهاش والاستمتاع، تفاصيل ووقائع كثيرة شهدتُها في المؤتمر، وتدل على تأثر قسم كبير من الديمقراطيين في المؤتمر بديمقراطية الرفيق كيم إيل سونج! وأكدتُ له، من جهة أخرى، أنه كان بين الحاضرين شخصيات معروفة بأنها مستبدة من دون أي لبس.

صديقي الكردي، من النوع الذي يحب ضرب الأمثال، سألني:

– كان في مؤتمر الديمقراطيين شخصيات مستبدة شهيرة؟ قصدك يعني، واحد يشبه صالح مسلم مثلاً؟

قلت له: بل كان صالح مسلم (نفسه) موجوداً في المؤتمر!

وأعود الآن، مع الاعتذار للإخوة القراء عن هذه الاستطرادات المغرية، إلى وقائع الجلسات المطولة التي شهدها “الائتلاف” في أثناء استجواب الحكومة المؤقتة، فأقول إن العملية تتلخص في أنها أول عملية استجواب لحكومة سورية منذ أواخر عام 1957، أي قبل وقت قليل من الخازوق المبشم الذي دقته الوحدة العربية (اللي ما يغلبهاش غَلاب) في تابوت الدولة المدنية السورية. وهذا جميل، في الحقيقة، ويمثل خطوة إلى الأمام.

وفي هذا الاجتماع، أيضاً، ألقى عضو الائتلاف، السيد جابر زُعَيِّن، مداخلة أراها بالغة الأهمية فيما يتعلق بموضوع (ديمقراطية يا روح) الذي اخترتُه عنواناً لهذه المقالة.

لاحظ جابر أن بعض الرجال المحسوبين على الخط الديمقراطي، حينما يقدم أحدُهم وجهةَ نظر، يريد من الحاضرين أن يقتنعوا بها، وأن يقولوا له ما معناه (أنت تؤمر يا باشا)، فإن لم يفعلوا يُرعد ويزبد، وتنتابه رغبة عارمة في أن يجعل الأرض تميد تحت أقدامهم.

وخلص إلى القول: الآن، أنا أفهم السبب الذي جعل بشار الأسد يرفع شعار: الأسد أو نحرق البلد!

العربي الجديد

 

 

 

بانتظار الحكومة السورية المؤقتة!/ فايز سارة

اتخذت الهيئة العامة للائتلاف الوطني السوري قرارها بإقالة حكومة الدكتور أحمد طعمة بأغلبية ثلثي الحاضرين في اجتماعها الأخير، وكُلفت الحكومة المُقالة بتسيير الأعمال إلى حين تشكيل حكومة جديدة، تتابع مسؤولياتها في المرحلة المقبلة، كما قررت الحكومة فتح أبواب الترشح لمنصب رئيس الوزراء وللوزراء على نحو ما يتضمن النظام الأساسي للائتلاف الوطني.

قرار الهيئة العامة، جاء في أعقاب عرض الحكومة لما قامت به من نشاطات في خلال نحو عشرة أشهر مضت على تشكيلها، وعقب نقاشات جرت بين أعضاء الهيئة وأعضاء الحكومة ورئيسها، وهي نقاشات تناولت الخطط والسياسات إضافة إلى ما جرى القيام به، ومناقشة المشكلات التي اعترضت مسارات عمل الحكومة وظروفها الداخلية والخارجية، والجهود التي بذلت في التغلب على المشكلات.

ورغم أن النقاشات، وإنْ توافقت على ضعف الحكومة وتقصيرها، فإنها اختلفت على توقيت الإقالة، كما اختلفت على سبل معالجة الوضع؛ حيث طالب البعض بتأجيل الإقالة أملا بالإصلاح، والنقاشات في الحالتين لم تخلُ من عمليات جذب وشد على أرضية الخلافات السياسية الموجودة في الائتلاف، فإنها اتسمت بمستوى من الجدية والمسؤولية حول ضرورة أن تكون الحكومة ملبية لاحتياجات السوريين في ظل الكارثة التي دفع نظام الأسد السوريين إليها في الأعوام الأخيرة، لكنها عجزت عن القيام بدورها؛ مما أدى إلى قرار إقالتها نتيجة تقصيرها لأسباب تخصها أساسا، وأخرى تتعلق بالبيئة الداخلية والخارجية، التي تعمل الحكومة في أجوائها.

وتؤشر مجريات اجتماع الهيئة العامة إلى جملة خلاصات، لعل الأبرز فيها ضرورة الإسراع في تشكيل الحكومة الجديدة، نتيجة حاجة السوريين إلى وجود جهاز تنفيذي يتابع العمل على تلبية احتياجاتهم سواء لجهة الخدمات أو لجهة مشاريع التنمية، والخلاصة الثانية، تتعلق بضرورة المجيء بحكومة أكثر تلاؤما مع مهماتها من حيث القدرة على تحديد الاحتياجات ووضع الخطط وتنفيذها وسط مراقبة وتقييم موضوعيين، وهذا ما يقودنا إلى الخلاصة الثالثة، وأساسها ضرورة، أن يكون أعضاء الحكومة من التكنوقراط وخبراء في موضوعاتهم، أكثر مما هم سياسيون، رغم أن من الصعب في حالة حكومة للائتلاف وبسبب الظروف المحيطة، الفصل بين الاثنين، كما أنه يصعب الفصل بين الاثنين وضرورة أن تكون الحكومة ذات تمثيل مقبول للمكونات السورية الحاضرة في المجتمع. ولعل الأهم في الخلاصات، هو أن الحكومة المقبلة عليها وعي وتأكيد، أنها حكومة الائتلاف، ليست موازية له ولا بديل له، بل تعمل بالتعاون وبالتنسيق معه في المجالات التي تخصها، ويمكن أن تكون ناصحا ومساعدا في الموضوعات الأخرى سواء التي تهم الائتلاف وعموم المعارضة والقضية السورية كلها.

وحتى يكون بإمكان الحكومة المقبلة القيام بذلك، يتطلب الأمر من الائتلاف القيام بخطوات تساعد الحكومة المقبلة عبر إجراءات؛ أولها المساعدة في تشكيل حكومة قوية ومتماسكة وقادرة على القيام بواجباتها وتبني وتنفيذ سياسات تتناسب واحتياجات السوريين؛ مما يتطلب تدقيقا أكثر مما سبق في اختيار رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة، وتأكيد ضرورة الاستفادة من خبرات بعض وزراء وخبراء الحكومة المُقالة. وثاني الإجراءات إنجاز وإقرار مشروع العلاقة الناظمة بين الائتلاف والحكومة الذي تأخر كثيرا. والإجراء الثالث المطلوب أساسه العمل على تقديم كل الدعم السياسي والمادي للحكومة، وقد بدا ضعيفا ومحدودا في الفترة الماضية، رغم التحسن النسبي لعلاقات الائتلاف في المجال الخارجي.

إن مسيرة جديدة في العلاقة بين الائتلاف والحكومة، ينبغي رسم ملامحها للمرحلة المقبلة، أساسها قراءة التجربة الماضية بكل إيجابياتها وسلبياتها؛ مما يجعل بالإمكان تعزيز الإيجابيات وتطويرها، ومواجهة السلبيات وتجاوزها، ودون القيام بذلك فسيجد الائتلاف نفسه أمام تجربة تشبه التجربة السابقة في خلاصاتها، وإن اختلفت التفاصيل في هذا الجانب أو ذاك، فهي مجرد تفاصيل ليس إلا.

كاتب وصحافيّ سوريّ، وعضو الهيئة السيّاسيّة في الإئتلاف الوطنيّ لقوى الثورة والمعارضة حاليا ومستشار سياسي واعلاميّ لرئيس الإئتلاف

الشرق الأوسط

 

 

 

شكراً لأنكم خارج الجبهات/ غازي دحمان

اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي ومنابر الصحافة، في الأسبوعين الماضيين، بقضايا خلافات المعارضة السورية، وذلك على خلفية انتخابات الائتلاف الوطني، وقد تبادل المختلفون شتى أنواع الاتهامات الشخصية والسياسية، وذهب البعض منهم إلى حد إعلان وفاة الثورة، باعتبار ذلك سراً صار واجبا الكشف عنه، بما تقتضيه الأمانة الثورية في مكاشفة السوريين، واطلاعهم على حقائق الأمور!

الواقع، أن تلك الخلافات لا تعكس واقع الثورة ولا حقيقة مسارها، بقدر ما أظهرت خلافاً نخبوياً على هامشها، وحالة من تعدد الرؤى والتصورات في إدارة شؤون الثورة، والدليل على ذلك أن الثورة، وعلى عكس ما جرى تداوله، تكمل صيرورتها الخاصة بناء على ظروفها الخاصة، وواقع التحالفات الإقليمية المتشكلة على هامشها، والتي كان لها تأثير كبير في تشكيل صورة المشهد الحالي للحدث السوري برمته.

ولتكبير حجر الخلافات ومحاولة بناء سياق قضية، ذهب البعض إلى حد شيطنة ائتلاف قوى الثورة واتهام أشخاصه وأطره بالانحراف، وتحميلهم تاليا كل ما حصل في مسار الثورة من إشكالات بل ومصائب نزلت على السوريين، وجاءت تلك الاتهامات مشفوعة بمحاولات تبرئة أصحابها من الأخطاء الحاصلة، وبصيغة تنطوي على درجة كبيرة من الوعظ والتعالي. وكأن تلك الانحرافات بدأت في اللحظة التي لم يحصل مطلقوها على المناصب، التي يطمحون إليها، وليست نتيجة تراكم مراحل سابقة كانوا يشغلون فيها مواقع تقريرية، في أطر المعارضة العتيدة؟

ولأن واقع الحال كذلك، بدت جملة الاتهامات وكأنها خارجة عن سياق الخبرة العملية للثورة، بل ظهرت وكأنها ابنة سياق تأملي تنظيري، منفصل تماما عن الواقع وتعقيداته واشتراطاته القاسية، ذلك أن جميع من تابع مسارات الثورة يدرك أن الائتلاف أنبنى بشكله المؤسسي في لحظة كانت الاصطفافات الوطنية قد أنهت حالة تموضعها، ولم يعد بالإمكان إحداث أي اختراقات قد تؤدي إلى زحزحة تلك المواقف والاصطفافات. وهذا بحث آخر يمكن إيجاد تفسير أعمق له ضمن دراسة شبكة التحالفات التي صممها نظام الأسد على مدار عقود. وبالتالي، فإن تحميل الائتلاف الناشئ وغير القادر على إيجاد حيثيات داخلية له، مسؤولية عدم القدرة على طمأنة الموالين للنظام على مستقبلهم، يبدو نوعا من التعجيز الواضح، أو محاولة لإدخال الائتلاف في مساحات من استنفاذ الجهود، لا تملك قوى الثورة ترف الانشغال بها في ظل الظروف الضاغطة التي وجدت نفسها فيها.

ثم من يطمئن من؟ إذا اعتبرنا أن تلك كانت واحدة من ساحات الفشل، والتي على أساسها تصوب السهام على أداء أطر الائتلاف! لم يحصل أن الثورات في تاريخها انشغلت بمثل تلك الجزئيات، وإلا لما كان هناك شيء اسمه الثورات المضادة والدولة العميقة. وفي التجربة العملية لما وجدت حالة فيتنام الجنوبية وفيتنام الشمالية، ذلك أن أي نظام في الدنيا له نسبة من المؤيدين والمرتبطين به مصلحيا وإيديولوجيا، بالأصل هم يشكلون الرافعة الاجتماعية له. فهل من يتصور أن نظام الأسد كان سيستمر طوال أربعة عقود من دون تلك البنية الاجتماعية؟ وكيف يمكن كسب هؤلاء لصف الثورة إذا كانوا يشكلون علة من علل قيام الثورة؟

وحتى على الصعيد الدولي، وهو المستوى الآخر الذي شكّل مادة دسمة لنقد الائتلاف، لم يكن ممكنا إحداث تغييرات مهمة فيه، فهذا النسق أيضا، بمواقفه واستجاباته، تشكّل قبل تأسيس الائتلاف وتأطير قوى المعارضة السورية، وبنى مواقفه على أسس ليس لها علاقة بدرجة أو أخرى بالثورة السورية، بقدر ما اعتبرت الحالة السورية واحدة من ساحات الصراع الدولي، ومنبرا للتعبير عن تضارب الرؤى في إدارة شؤون النظام العالمي الراهن. وبالتالي، فإن هذا المستوى لم يتأثر كثيرا بمدى فعالية الائتلاف، وأما رد عدم الفعالية الدولية إلى مسألة عدم تشكل بديل لنظام الأسد، فتلك قضية تنطوي على أوهام كبيرة لن يستطيع الائتلاف تحقيقها، لوجود استراتيجيات مقابلة ظلت تعمل على الدوام لتصعيب توطين الائتلاف وتحوله إلى بديل حقيقي على الأرض. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، بديل عن ماذا؟ إذا كان النظام نفسه كطرف سيادي حاكم قد انتهى من الوجود وبات مجرد شكل صوري!

لم يشكل الائتلاف في يوم من الأيام مركزا ناظما للثورة وفعالياتها، ولم تتعامل معه الأطراف الإقليمية بجدية كافية في هذا الإطار، تماما مثلما لم يعد النظام يشكل تلك الصفة على الأرض السورية. هما ليسا أكثر من مجرد واجهات سياسية، في إطار صراع مكاسرة الإرادات الدولية الحاصلة في الإقليم السوري، مطلوب منهما تأدية وظائف محددة ليس لها علاقة غالبا في مسارات الحدث، ولن يكون لها دور في مآلاته.

غير أن ذلك كله يبدو منفصلا عن وقائع الثورة الحقيقية. صحيح أن ثمة أخطاء كبيرة حصلت، لكن الأكيد، وما تثبته الوقائع المتواترة، أن الثورة استطاعت على الدوام تجاوز تلك الأخطاء وتصحيح نفسها، من واقع حاجتها وضرورات الصمود والبقاء. واستطاعت إجراء تعديلات مهمة على مستوى هيكلتها وكذا على صعيد أدائها، وهي تتقدم باستمرار صوب تحقيق أهدافها، وفي الوقت الذي ينشغل فيه ساسة المعارضة بالخلافات الناشبة بينهم وبتنظيراتهم التأملية، تتقدم الثورة على جبهات القلمون ودرعا وحماة. وقد كشفت كراسة عثر عليها الثوار وكان قد كتبها الجنرال «عبد الله السكندري» الرئيس السابق لشؤون قدامى المحاربين والشهداء في مدينة شيراز في إيران، والذي قتل في سوريا قبل أشهر، الوضع المزري لقوات الأسد وحلفائه، وصعوبة استمرار مواجهة قوى الثورة لفترة طويلة، جراء الاستنزاف الكبير على المستوى البشري وصعوبة تأمين مقاتلين على كافة الجبهات، وأمام ذلك لا يملك الثوار سوى شكر المعارضة السياسية لأنها خارج الجبهات.

المستقبل

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى