صفحات مميزة

مقالات تناولت أزمة المعارضة السورية

عن «اتحاد الديموقراطيين» و«الائتلاف»!

ميشيل كيلو

كلما قام احد بمبادرة سياسية ما في ساحتنا السورية، سارع كثيرون إلى تعطيل عمله وشل حركته. هذا قانون غير مكتوب في السياسة السورية، يلتزم كثيرون به في كل مناسبة وأمر.

عندما عقدنا لقاء التشاور في القاهرة استعدادا لتأسيس «اتحاد الديموقراطيين السوريين»، الذي سمي خطأ «القطب الديموقراطي»، طرحت مسألة «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السياسية»، وما إذا كان الهدف من تأسيس «الاتحاد» هو تحسين شروط دخولنا إلى «الائتلاف». يومها، أكدنا مرارا وتكرارا أن لا علاقة بين الأمرين، وأن «الاتحاد» مسألة استراتيجية وجهتها المجتمع السوري الذي لا بد أن يؤسس تنظيما ديموقراطيا يعبر عن تطلعاته، ويلبي رغبته في أن يكون للخيار الديموقراطي حضوره في الشعب وتمثيله في سياساته العليا، أي في التطورات المقبلة التي ستقرر مصير بلادنا. وبالتالي ما إذا كانت ستذهب إلى نظام ديموقراطي أم ستخرج من أزمتها الحالية لتدخل في أزمة جديدة، باعتبار أننا سنقف أمام كتلتين تاريخيتين يحتمل جدا انهما ستحددان في المستقبل القريب مسارنا ومصيرنا، إحداهما الكتلة الديموقراطية التي لا يجوز أن تبقى مفتتة ومشتتة لا تعبير لها ولا كيان، لأن ذلك سيضع أقدارنا بين أيدي بديل إسلامي ما، لا نعرف اليوم أي شيء عنه غير أنه سيأخذنا إلى استبداد جديد. بالمقابل، ليس انتسابنا إلى «الائتلاف» غير انخراط في صراع سياسي قائم، تفتقر الديموقراطية السورية المنظمة الى وجود تمثيلي فيه يعكس وزنها. وبما أن «الائتلاف» سيحل نفسه بمجرد تأسيس حكومة انتقالية، فإنه يظل كيانا عابرا، وإن كان الدخول إليه يمكن أن يحسن فرص الوحدة بين الديموقراطيين. بهذا المعنى، ليس دخولنا «الائتلاف» مسألة حياة وموت بالنسبة إلى الديموقراطية أو إلى وطننا، بينما قيام اتحاد ناجح وفاعل يضم اوسع قطاعات الديموقراطيين السوريين مسألة كهذه، فمن غير الجائز بأي حال من الأحوال إخضاعها لحسابات وقتية أو عابرة وجزئية كالانتساب إلى «الائتلاف»، ولا بد ان تخضع جميع الحسابات الأخرى لها، باعتبارها أم جميع قضايانا كديموقراطيين.

لا علاقة إذاً بين الانتساب «للائتلاف» وبين تكوين «القطب الديموقراطي». إنهما تكوينين مختلفين من حيث بنيتهما ووظائفهما ومراميهما. ومن انتسبوا إلى «الائتلاف» فعلوا ذلك بصفتهم ديموقراطيين افرادا وليسوا أعضاء في «اتحاد ديموقراطيين سوريين»، يستحيل ان يدخلوا اي مكان او تنظيم باسمه، لسبب بسيط هو أنه لم يولد بعد. لذلك، وعندما تم التصويت وادرجت اسماؤنا في قائمة سميت «قائمة اتحاد الديموقراطيين»، طلبت حذف الاسم واعلمت من يهمهم الامر اننا لسنا هنا كأعضاء في تنظيم لم يوجد بعد. ليس لنا بالتالي حق التحدث باسمه أو تمثيله، بل نحن مجرد ديمقراطيين افرادا، واقترحت أن تسمى قائمتنا «القائمة الديموقراطية»، إذا كان لا بد من اسم يطلق عليها.

هل يتعارض انتساب تكتيكي لديموقراطيين أفرادا مع تأسيس استراتيجي لاتحاد ديموقراطيين سوريين؟ وهل يغلق انتسابهم إلى «الائتلاف» سبل تأسيس «الاتحاد» أو يجعل قيامه صعبا أو غير ممكن؟ اعتقد أن هذين السؤالين على قدر كبير من الأهمية. وابادر إلى التأكيد: إذا كان وجودي في «الائتلاف» سيتعارض مع دوري في إقامة «الاتحاد»، فإنني لن امكث دقيقة واحدة فيه، وسأغادره دون تردد، لأن هدفي ليس دخول لعبة سياسية أنا أصلا منخرط حتى ذقني فيها، بل تأسيس كيان لا مستقبل للديموقراطية في سوريا من دونه، ولا قيمة لأي دور مهما كان كبيرا إلا بدلالته. ليس «الائتلاف» أولويتي، وإذا كنت قد انخرطت في صفوفه فلاعتقادي أن ذلك لا يتعارض بأي شكل مع عملي لإقامة «الاتحاد». وربما كان يجعله أكثر سهولة، ما دام نجاحنا كديموقراطيين افرادا قد يعزز الرغبة في جمع كلمة القطاعات الديموقراطية التي ستنتسب إلى «الاتحاد»، وستناضل لإقامته، ويجعل الطريق إليه سالكا، ليس فقط بسبب الدور المهم الذي يمكن «للقائمة الديموقراطية» لعبه في ما يتخطى «الائتلاف» إلى الواقع، بل كذلك لأن استبعاد الديموقراطيين عن مؤسسات التمثيل المعارض يجب أن ينتهي، امتثالا لحتمية غدت امرا لا مهرب منه، تتطلبها تطورات متنوعة على قدر عظيم من الخطورة، اهمها: تحولات ميزان القوى العسكري لصالح النظام ميدانيا، وقرب انعقاد مؤتمر جنيف وما يمكن أن يتمخض عنه من مخاطر جسيمة سياسيا، ووجود فرصة جدية تتيح للديموقراطيين ممارسة دور مفتاحي من الآن فصاعدا، يستعيدون بفضله بعض الوزن والحضور الذي غابوا عنه منذ تأسيس المجلس الوطني قبل أكثر من عام ونصف العام. مع ما سيرتبط بذلك من تحسين محتمل للأوضاع السياسية العامة في وطننا المنكوب، خاصة بعد أن اخذ «الجيش الحر» موقفا واضحا إلى جانب الديموقراطيين وابلغ الجميع أنه يرى في نفسه حليفا لهم، وقال إنهم حملة القضية الوطنية والنضالية الرئيسيتين. فهل يضر هذا كله بفرص تأسيس «القطب الديموقراطي» أم انه يخلق شروطا أفضل لقيامه ويعطيه زخما اكبر لدى الرأي العام السوري، الذي تنتظر قطاعات متزايدة الاتساع منه قيامه بترقب وتتابع أنشطة من يعملون له بتعاطف وتأييد جديين؟.

بدل المماحكات التي تجعل الدخول إلى «الائتلاف» متعارضا مع تأسيس «اتحاد الديموقراطيين السوريين»، كان من الضروري مناقشة واقتراح خطط عمل وبرامج تنفيذية تمكن «القائمة الديموقراطية» من لعب دور مفصلي داخل «الائتلاف» بالنسبة إلى واقع سوريا السياسي اليوم، وما ينتظرها من تطورات حاسمة خلال الأشهر القليلة القادمة. لكن العقل التعطيلي لا يرى المهم وينصرف إلى الفرعي والثانوي، ويأخذ على الدوام مواقف تقنية الطابع، لا علاقة لها بالواقع السياسي في شموله، لذلك تعجز عن وعي ما يحدث على حقيقته وعن الفعل فيه، بينما يعتريها الخوف مما يمكن ان ينجم عنه من تطور وتغيير، ويجعلها تفضل أن لا تقوم بأي شيء بدل أن تنتقل من مواقعها الراهنة إلى بدائلها المطلوبة.

ليس «الائتلافُ» بديلَ «الاتحاد»، الذي لن يكون هناك اي بديل له، اليوم وغدا. وليس «الائتلاف» مثيلا للاتحاد وليس غاية بحد ذاته، وهو لا يمكن أن يرقى إلى مستواه تحت أي ظرف ولأي سبب، ولا يستطيع أن يكون سبيلنا إليه مهما زادت ادواره وصحت سياساته. وإذا كنا قد دخلنا «الائتلاف» كافراد انتظموا في قائمة واحدة، فلأننا نرى في دخوله ضرورة تمليها تطورات ظرفية على درجة كبيرة من الأهمية. بينما «الاتحاد» ضرورة وجودية، مجتمعية وفوق سياسية، سيقرر نجاحها مصير بلادنا إلى عقود، وربما إلى قرون قادمة، بينما لن تسقط السماء على الأرض أن اختفى «الائتلاف» غدا، وقد يتم استبداله في اي وقت بتنظيم آخر افضل منه بكثير، علما بان دخولنا إليه تم بمعركة ستترتب عليها نتائج مهمة إن نحن احسنا العمل والنضال.

والآن، وقد صارت قصة «الائتلاف» وراءنا، لا بد من أن نتجه بكامل طاقاتنا إلى العمل من أجل تأسيس «اتحاد الديموقراطيين السوريين»، غايتنا التي لا تعلو عليها أو تدنيها غاية، وهدفنا الذي لا يرقى إليه هدف.

السفير

خريطة المعارضة السورية عشية «جنيف – 2»

عمر كوش *

يأتي تكثيف المساعي الدولية من أجل تسوية سياسية في سورية، بعد أن تمكن «أصدقاء بشار الأسد» و«أصدقاء سورية»، من تحويل الثورة السورية إلى صراع، يشبه ذلك، الذي اشتعل في بدايات القرن العشرين المنصرم ما بين روسيا ودول التحالف الغربي على تركة الإمبراطورية العثمانية، والذي انتهى إلى تقاسم النفوذ في الدول والولايات والأمصار الخاضعة لها.

ولعل الجديد في لعبة الدول في صراعها على سورية هو دخول العامل الفارسي بقوة، عبر مشروع قومي أيديولوجي ارتدادي، ويقظة مفاجئة للدب الروسي، بعد أن نام طويلاً على وقع انهيار دول منظومته الاشتراكية المسفْيَتَة، وفقدانه معظم مخالبه في منطقة الشرق الأوسط، وبات يتمسك بقاعدته في طرطوس، ويختصر سورية في موقع جيواستراتيجي، ضارباً عرض الحائط بشعبها وثورة غالبيتها المظلومة.

لكن البحث عن تسوية، أو حلّ سياسي، للصراع في سورية، يقتضي تمثيل المعارضة السورية، وكيفية مشاركتها في مؤتمر جنيف – 2، الأمر الذي يفضي إلى رسم خريطة المعارضة السياسية في سورية، بل ويسمه بسمتها، من حيث الاصطفاف والأطروحات، حيث أعلنت هيئة التنسيق الوطني لقوى التغيير الوطني في سورية، بزعامة حسن عبدالعظيم، منذ تشكيلها، عن سقف متدنٍّ، يضعها في خانة تميل إلى الاصطفاف مع الحل الروسي، الذي يرى بقاء بشار الأسد استمراراً لما تبقى له من مصالح في الشرق الأوسط، وتأميناً لموطئ قدم على المياه الدافئة للبحر الأبيض المتوسط.

والمتابع المسار السياسي لهيئة التنسيق يلاحظ عدم خروجها عن الحضنين الروسي والإيراني، في الطروحات والتوجهات، حيث أعلنت تركيبتها العضوية عن تيار يجمع بقايا القوميين والناصريين وبقايا اليسار المتهالك، الذي يتمسك بتلابيب لافتات الممانعة والمقاومة لمشاريع إمبريالية وصهيونية، مرسومة في رؤوس أصحابه.

واستمرت هيئة التنسيق بتجاهل ضباط وجنود رفضوا توجيه بنادقهم إلى صدور عامة الناس، بل إن الهيئة أرسلت وفوداً إلى موسكو وإلى طهران وبكين، إعلاناً عن وضع نفسها تحت رعاية أصدقاء بشار الأسد، ولم تطرح شعار إسقاط النظام إلا تحت ضغط الحياء من مطالب الشارع وحراكه، فيما تولى ممثلها في الخارج، هيثم المناع، مهمة «وجه المقابحة» بطروحات مناهضة للجيش الحر، إذ وصفه في أكثر من مرة بالعصابات المسلحة والإرهابيين والسلفيين، وحاول التمسح بأطروحات «غاندية»، لا تتماشى مع طباعه وسلوكه السياسي، إضافة إلى توليه مهمة مطابقة أطروحات الهيئة التي يمثلها أو يرأسها في الخارج، مع أطروحات الساسة الروس والإيرانيين والصينيين، التي لا تبتعد عن أطروحات النظام الأسدي.

في الطرف المقابل من خريطة المعارضة السورية، ظهر المجلس الوطني في صورة المنافح عن أهداف الثورة، وتبنّي شعاراتها، وراح يلاحق ما يقول الناشطون ويرددونه، من دون أن يتمكن من تشكيل مظلة سياسية للثورة، ومن دون أن يرتقي بأدائه إلى مصاف قيادة الثورة وتوجيهها وتصحيح مساراتها، وبقي يدور حول شعار «إسقاط النظام برموزه كافة»، بينما لم يقدم برامج ومبادرات واضحة، ترسم خريطة طريق لإسقاط النظام وبناء سورية الجديدة. وهو أمر يفسر، في جانب منه، السبب الدولي لتشكيل «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية»، الذي أريد بديلاً عن المجلس الوطني السوري، لكن الأمر انتهى إلى تشكيل صورة مشابهة له، بل استنساخه، والذهاب في القول إلى أن المجلس بات يسيطر على الائتلاف، من خلال القوى والكتل المتمثلة بجماعة «الإخوان المسلمين» وبكتلة العمل الوطني، وكتلة أمينه العام مصطفى الصباغ، الذي يسوّغ قوة مزعومة بالاستناد إلى دعمه الإقليمي. إضافة إلى كتلة ما تبقى من «إعلان دمشق»، ممثلاً برئيسه الموقت جورج صبرا، الذي يتندر البعض بتسميته الحاج محمد صبرا، فيما بقيت شخصيات ليبرالية وديموقراطية، أبرزها رياض سيف وسهير الأتاسي، خارج نطاق التأثير الفاعل.

ولعل خريطة المعارضة السياسية السورية، لا تقتصر فقط على الائتلاف والهيئة، بل تمتد إلى المنبر الديموقراطي بزعامة ميشيل كيلو، وتيار التغيير الوطني بزعامة عمار قربي، والتحالف الوطني الديموقراطي، وتنظيمات وهيئات وأحزاب أخرى داخل سورية وخارجها، كثيرة وصغيرة، لكن معظم ما تشكل على جانبي الهيئة والائتلاف، لا يرتقي إلى مصاف الكيان السياسي الممأسس والمنظم. كما أن التمثيل الكردي بقي خارج تشكيلات المعارضة المعروفة، واقتصر على مشاركات محدودة، إذ بقي المجلس الوطني الكردي، المكون من أحزاب كردية صغيرة، خارج المجلس الوطني السوري وخارج الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، وشكّل بضغوط من زعيم إقليم شمال العراق، «الهئية الكردية العليا»، مع ما يسمى «مجلس شعب غرب كردستان»، الذي يسيطر عليه حزب الاتحاد الوطني الديمقراطي (PYD)، بزعامة صالح مسلم محمد، وهو يشكل الذراع السياسية لحزب العمال الكردستاني.

وأفضت الحاجة الى توحيد جهود القوى الديموقراطية في المعارضة الســورية، والتنسيق في ما بينها، إلى تشكيل «اتحاد الديموقراطيين السوريين» الذي عقد مؤتمراً تشاورياً تحضيرياً في القاهرة، في 11 و12 أيار (مايو) الماضي، حضره ما يزيد عن 250 شخصاً، يمثلون شخصيات مستقلة، وأخرى تنتمي إلى تشكيلات وقوى منظمة وحزبية. وانعكس تشكيل اتحاد الديموقراطيين السوريين في التأثير في توسعة الائتلاف، حيث انتخبت الهئية العامة منه، بعد ضغوظ وتدخلات كثيرة، ثمانية أعضاء جدد، فقط، من قائمة مؤلفة من 22 شخصاً، توافقت عليها الكتل الرئيسة في الائتلاف مع ممثلي اتحاد الديموقراطيين، ثم اضطرت بعد تزايد الضغوط للموافقة على ضم 43 عضواً جديداً، يتوزعون إلى 14 عضواً يشكلون بقية قائمة الـ22، إضافة إلى 14 عضواً من الحراك الثوري، وبمعدل عضو جديد من كل محافظة سورية، و15 عضواً، يختارهم المكون العسكري ممثلاً بالقيادة المشتركة لأركان الجيش السوري الحر، وبالتالي يرتفع عدد أعضاء الائتلاف من 63 إلى 114 عضواً.

معنى التوسعة

غير أن توسعة الائتلاف عشية الذهاب إلى جنيف – 2، لا تعني زيادة عدد الليبراليين أو الديموقراطيين أو زيادة حصصهم فيه، وفق ما يرّوج بعضهم، بل تعني زيادة تمثيل القوى السياسية والمكونات والأطياف السورية، إضافة إلى تمثيل قوى الحراك والمكون العسكري، بما يعني إعادة رسم خريطة الائتلاف السياسية، لمواجهة الاستحقاقات على أساس التمثيل المتوازن والبرامج والأطروحات، بما يعطيه قوة أمام قوى الداخل السوري والخارج الدولي، خصوصاً أن الائتلاف بتركيبته الجديدة، يحظى بحصة أوسع في التمثيل أمام أطراف مؤتمر جنيف – 2، مدعوماً باتحاد الديموقراطيين وقوى الحراك الثوري في الداخل والمكون العسكري، ممثلاً بالجيش الحر، وبالتالي يضعف موقف روسيا وتوابعها، التي تضع حجة عدم توحد المعارضة وخلافاتها حجر عثرة أمام الوصول إلى الغاية من جنيف – 2، المتمثلة بالخلاص من نظام بشار الأسد، ووقف معاناة السوريين.

ولعل وحدة صوت المعارضة السورية، وذهابها إلى المؤتمر الدولي برؤى واضحة ومحددة، يشكلان ضربة قوية للنظام السوري ولأصدقاء بشار الأسد، فالنظام، على رغم إعلانه المشاركة مبدئياً في جنيف – 2، إلا أنه سيحاول بإسناد من روسيا وإيران عرقلة المؤتمر، وتفريغه من محتواه، بل تحويله إلى مجرد لقاء بروتوكولي، لا يحقق أهدافه المفضية إلى حكومة انتقالية ذات صلاحية كاملة، وإنهاء أي دور لرأس النظام وحاشيته في مستقبل سورية، ما يعني نهاية نظام الاستبداد والقتل والظلم.

ومعروفة عن النظام السوري مناوراته ومماطلاته وخداعه، وسلوكه الذي يظهر شيئاً ويخفي أشياء كثيرة. ولا شك في أن ساسة روسيا سيساعدون النظام في تعطيل عقد جنيف – 2، وإفشاله في حال عقده، خصوصاً أن أي بحث جدي في مرحلة انتقالية، يعني بالضرورة التخلص من النظام الأسدي، والدخول في مرحلة ما بعده، وهو أمر يحاول النظام، مدعوماً بميليشيات حزب الله وميليشيات إيرانية وعراقية، عدم التسليم به، ومحاولة خلق واقع جديد على الأرض يمكنه من التفاوض عليه.

* كاتب سوري

الحياة

                      نقطة نظام

علي العبد الله

وأخيرا نجح الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة بعد ثمانية ايام طوال من المناورات والمماحكات والردح والغمز واللمز، وبطولات كلامية على شاشات التلفزيونات فيها تهديد ووعيد بفضح المستور، من طرافة تهديد فضح المستور ان اصحابه يسعون للشراكة مع الذين يهددون بفضحهم، في تجاوز عقدة التوسعة العتيدة.

غير ان الاتفاق الذي اعلن لم ينه مشكلات الائتلاف حيث لم ينل رضا قوى سياسية وشخصيات مستقلة من جهة، ولأنه كرس سياسة الابتزاز والتوافق تحت الضغط من جهة ثانية. المهم ان ملف التوسعة قد أغلق، وان دون اتضاح نتائج العملية ومترتباتها، وبقي امام الائتلاف قضايا اكثر تعقيدا( انتخاب قيادة جديدة في ضوء التوازن الداخلي الذي ترتب على عملية التوسعة) وأخرى اكثر اهمية وخطورة( الموقف من الدعوة الى المشاركة في مؤتمر جنيف2).

تأتي اهمية وخطورة الدعوة الى المشاركة في مؤتمر جنيف2 من علاقة المؤتمر بالثورة وأهدافها وتضحيات الشعب السوري الكبيرة طوال عامين وبضع العام، قتل وتدمير واغتصاب واعتقال واختفاء ونزوح ولجوء، مجازر وقتل على الهوية وتطهير مذهبي، وأما الخطورة فمن الموقف الدولي والإقليمي الضاغط لدفع الائتلاف للمشاركة في المؤتمر لحسابات خاصة ودون اعتبار لظروف الثورة واحتياجاتها ومواقفها وأهدافها، وتطلعات الشعب السوري وتوقه الى تحقيق هدف ثورته في الحرية والكرامة، في ظل غياب رؤية سياسية لدى الائتلاف وخطة منسقة لإدارة الصراع في مستوياته المتنوعة والمتعددة. فالمعارضة في طبعاتها المتعددة من المجلس الوطني الى الائتلاف مرورا بتشكيلات اقل اهمية لم تعتد العمل الجماعي المنظم ولا العمل المخطط والمنسق، لم تعتد التحضير والاستعداد، فمازالت أسيرة عقلية الفرد الفذ الملهم وعبقريته في اجتراح الحلول الفورية لأعقد القضايا والمسائل، بل الأسوأ انها استمرأت الارتجال وعدم التنسيق بين الاطر المؤسسية والكوادر، بين الرئيس ونوابه في حالة الائتلاف، بين الامين العام والهيئة السياسية، فكل جهة تعمل بمعزل عن الأخرى، ناهيك عن الإغراق في عفوية فجة.

ان ما يثير الهواجس والمخاوف ان يتابع الائتلاف في تعاطيه مع هذه القضية الخطيرة سيرته “الميمونة” في عدم الاستعداد والتحضير وعدم دراسة الاحتمالات والخيارات ووضع خطة عمل وبدائل ويخوض المفاوضات اعتمادا على الشعارات العامة وبداهة قادته وممثليه فلا ينجح في وضع مطالب الثورة والشعب على الطاولة وتحقيقها كلها أو الجزء الرئيس منها.

تستدعي اللحظة السياسية تنبها فائقا وحساسية عالية وعملا منظما ومدروسا يبدأ بدراسة شاملة ودقيقة لمواقف الاطراف المحلية والإقليمية والدولية وتوازن القوى السياسي والميداني ولكل الاحتمالات والخيارات ووضع اجوبة وسيناريوهات خاصة بكل احتمال أو خيار، وهذا يتطلب تشكيل فريق عمل كبير ومتنوع من فعاليات الثورة والمعارضة وذوي الخبرة من السوريين المؤيدين للثورة( في حالات مماثلة تقوم دوائر التخطيط الاستراتيجي في الدول، حتى العظمى منها، بإجراء تدريب عملي بتطبيق منهج المباريات عبر تشكيل مجموعات عمل تمثل ادوار الاطراف المحلية والإقليمية والدولية والدخول في مفاوضات افتراضية وتسجيل الاحتمالات والخيارات وتوقع المواقف التي ستطرح على طاولة المفاوضات الحقيقية وصياغة الردود المناسبة)، والاستعانة بخبرات شقيقة وصديقة للحصول على الخبرة والمشورة، تحضيرا للمؤتمر، وإعطاء الموضوع اولوية واهتماماً أقصى، وعدم اضاعة الوقت في ضوء حسابات تقلل من فرص عقده، فالصواب والمنطقي التصرف على اساس أنه سيعقد والاستعداد لذلك.

ان بطولات الثوار والناشطين وصمودهم في مواجهة آلة القتل الوحشية رصيد هام وكبير في اوراق الوفد المفاوض، ومصير ثورة الحرية والكرامة والثمن الباهظ الذي دفعه المواطنون والمدن والبلدات والقرى على الطاولة، انها مسؤولية كبيرة وخطيرة تتطلب القيام بها كما يجب تحقيقا لحلم التغيير الذي طال انتظاره وحرية باتت قبلة الشعب بعد طول صبر على القهر والإذلال والتمييز، وكرامة هدرها الاستبداد والفساد.

المدن

لحظة انعطافية !

ميشيل كيلو

أعتقد أننا قد نكون مررنا خلال الأيام القليلة الماضية بلحظة انعطافية مهمة في مسار المعارضة السورية، أرجو أن تنعكس بردا وسلاما على الشارع الثائر، المقيم منه والمهاجر، المقاتل بالسلاح والمناضل بالكلمة، وأن تفضي إلى توحيد مواقفه وآرائه، وتخلصه من نقط ضعف هيكلية شابت بالأمس وتشوب اليوم أيضا نضاله وبنيته، وأثرت بصورة جد سلبية على أنشطته.

مررنا في لحظة انعطافية أتمنى أن تكون قد تكللت بالنجاح، لأن لقاءات إسطنبول أفضت إلى استكمال تمثيل المعارضة السياسية والمقاومة العسكرية داخل الائتلاف، في إنجاز أرجو أن يعود بالخير والنفع على شعب الثورة والتضحيات، الذي لا بد أن ينتقل تمثيله من خلال الائتلاف إلى مرحلة جديدة تعبر عن وحدته من خلال التفافه حول ميثاق وطني تقره مختلف أطياف المعارضة، الراغبة في العمل ضمن توافق وطني جامع يعينها على تخطي خلافاتها وتناقضاتها، مع احترام حقها في التعبير عما تختلف عليه عبر أنشطتها الخاصة، المجسدة لهويتها الحزبية والتنظيمية، على أن تعمل لتوسيع هوامش ومساحات ما هو مشترك، ولتضييق هوامش المختلف عليه، ولإعادة إنتاج سياساتها ومواقفها في ضوء المشتركات التي يجب أن يزداد باطراد نصيبها من أنشطتها النظرية والعملية، التي لا بد أن تقوم على تفاعل تواصلي يفضي إلى تكامل متعاظم وجدي بين أطراف العمل الوطني السوري، يعينه على تجاوز خصوصياته الضيقة، ويدمجه بصورة متعاظمة في عمومية تنتج بيئة جامعة تقرب المسافات بين المختلفين، وتدخلهم في منطق وحدة في المنطلقات وسبل العمل وآليات تنفيذ السياسات وبلوغ الأهداف.

لم يكن هناك غالب ومغلوب في إسطنبول: كان هناك رابحون فقط؛ لأن وحدة الصف السياسي الوطنية، والشراكة مع الجيش الحر: القوة الرئيسة في الصف المعارض والمقاوم، لن، ولا يجوز أن تكون لصالح طرف بعينه مهما كان حجمه ووزنه، ويجب أن تكون للجميع بغض النظر عن أوزانهم وحجومهم. ولأن من يحاول احتكار ما حدث أو استغلاله لصالح كتلة أو تجمع أو شخص، سيقترف خطأ فادحا بحق جميع أطياف العمل الوطني السوري والشعب الثائر، ليس فقط لأنه سيسهم في إطالة أمد الكارثة الوطنية التي تعيشها بلادنا، وعلينا أن نعمل متعاونين متكاتفين كي ننهيها في أقرب وقت ممكن، بل لأن من المحال أن يتمكن طرف بعينه من إنهائها بمفرده: عبر هزيمة يلحقها بالنظام، في حين سيفضي انفراد أي تيار أو حزب أو شخص بالسلطة عقب سقوط النظام إلى حرب أهلية ستدمر ما لم تدمره وحشية النظام السوري بعد.

سيربح الجميع من التمثيل المتكامل، الذي سيحترم مصالحهم كما يحددونها هم في إطار الحاضنة الوطنية العامة. وسيربح الجميع أيضا من وحدة المواقف المتوافقة، التي يجب أن تستند إلى ميثاق عمل وطني جامع من الضروري أن يبدأ الائتلاف مشاورات وحوارات فورية حوله، تضم الجميع دون أي استثناء أو استبعاد، على أن يتم إقراره في أقرب وقت، كي ترسم في ضوئه سياسات موحدة وملزمة للجميع، وننظر جميعا في اتجاه واحد، ونسير بطرق واحدة أو متقاربة نحو أهداف ومرام موحدة.

سيكون انضمام «القائمة الديمقراطية» والحراك الثوري والجيش الحر إلى الائتلاف من دون معنى أو فائدة إذا لم نقلب صفحة الانقسامات والحسابات الضيقة، التي جعلت أطرافا مهمة في المعارضة ترى المسألة السورية بدلالة أحزابها ومواقفها الخاصة، بدل أن ترى نفسها ومواقفها بدلالة مسألة سوريا التي يستحيل أن يعبر أي طرف بمفرده عنها، وأن يمثلها بطريقة تجعله قادرا على الانفراد بقيادتها. لهذا السبب، الذي يتوقف عليه ربح وخسارة معركة الحرية في سوريا، من المحتم بعد اليوم أن يقلب الجميع صفحة الماضي، ويبحثوا عن المشتركات التي سبق لها أن ضمت بعد عام 2000 الإسلاميين إلى الديمقراطيين والقوميين والليبراليين والاشتراكيين… إلخ، ولا بد أن تضمهم اليوم وفي المستقبل أيضا، وأن تكون منارتهم وهاديهم خلال الفترة الانتقالية، وإلا فإن انقساماتهم وخلافاتهم الراهنة ستعود بالمكاسب على النظام، وبالهزيمة على الشعب والمعارضة.

أنا أميل إلى الاعتقاد بأن أحدا في سوريا من المعارضة والجيش الحر والشعب لن يقبل هذا، وأنظر بتفاؤل إلى الحقبة القادمة، إن خلصت النوايا وصحت العزائم، وبدأت المعارضة والمقاومة السير على طريق وحدة لا شك في أهميتها لحسم الصراع لصالح الحرية والشعب السوري الواحد والدولة السيدة والمستقلة!

الشرق الأوسط

الائتلاف الوطني: الأزمة مستمرّة

ياسين السويحة

مرّة أخرى، وفي اسطنبول مجدداً، كان الرأي العام السوري على موعدٍ مع أزمةٍ في جسم المعارضة السياسيّة السوريّة، فالاجتماع الذي كان مُخصصاً لبحث توسعة اﻻئتلاف الوطني تحوّل إلى حلبة صراعٍ تراشق فيها المُجتمِعون اﻻتهامات والتسريبات، في مشهدٍ أسهم في تشويه صورة المُعارضة السياسيّة السوريّة، غير الجميلة أصلاً. النتيجة: توسيع الائتلاف بعد ضم 51 عضواً جديداً، يُضافون إلى أعضاء الائتلاف الـ 63 الحاليين، ليصل العدد الكلّي إلى 114 عضو، وضمّت هذه التوسعة 13 عضواً عن «القائمة الديمقراطيّة»، 14 مقعداً عن الحراك الثوري، و15 مقعداً لتمثيل «الجيش الحر»، كما تمّ إرجاء انتخاب خلَفٍ لمعاذ الخطيب في رئاسة الائتلاف الوطني حتى منتصف حزيران الجاري.

بدأت الأنباء عن خلافاتٍ في داخل اجتماع اسطنبول بالوصول إلى الإعلام منذ لحظاته الأولى، وتركّزت بشكل خاص حول عدد المقاعد الجديدة لـ«القائمة الديمقراطيّة» ورفض المجلس الوطني وكتلة مصطفى الصبّاغ، الأمين العام للائتلاف الوطني، ما تطالب به القائمة. وتسارعت حركة المشهد مع تسريب مقطع فيديو يُظهر جدلاً بين مُعارضين مشاركين في اﻻجتماع والسفير الفرنسي إريك شوفالييه، بعد أن أظهر الأخير استياءه مما اعتبره رجوعاً عمّا اتُفق عليه قبلاً بخصوص نِسب وحصص الكُتل السياسيّة، لتصل حرارة الخلاف إلى ذروتها مع استياء ميشيل كيلو ممّا راج حول ضغط سفراء أجانب على الائتلاف لمصلحة قائمته، ما دعاه لشنّ هجومٍ قاسٍ على الإخوان المسلمين وكتلة الصبّاغ خلال مداخلة في قناة «العربيّة»، مندداً بالتحاق هذه الجهات بالسياسة القطريّة وتنكّرها لالتزاماتها السابقة بناءً على إيعازات من دولة قطر، وهذه نقطة سبق لكيلو أن أثارها خلال تعليقاته الرافضة لاختيار غسّان هيتو رئيساً للحكومة اﻻنتقاليّة. في نفس المداخلة، أشار كيلو إلى أن «الأزمة الحقيقيّة هي في داخل الائتلاف: بنيته، تركيبته، علاقة قواه بعضها ببعض، وعقليّة مديريه…» وأسف لأن «الإرادة الوطنيّة للشعب السوري هي الغائب الأكبر عن الائتلاف»، معتبراً أن القضيّة الوطنيّة السوريّة «ليست في أيدٍ أمينة».

أمام تبادل التصريحات بين الأقطاب السياسيّة المتصارعة، فضّل برهان غليون، الرئيس الأسبق للمجلس الوطني، اتخاذ موقف وسطي ومستقل من أطراف الخلاف، دون أن يكتم غضبه وحزنه لحدوث هذا الخلاف ولأثره على عمل المعارضة السوريّة في هذا الظرف الحسّاس، حيث كتب في مدوّنته: «لم يعد من المحتمل أو المقبول أن تستمر جلسات الائتلاف وهيئته العامة لأسابيع طويلة من أجل إقرار ضم بعض الأعضاء إليه، في الوقت الذي يحتاج فيه اﻻئتلاف للعمل ليل نهار لمواجهة التحديات العسكريّة والإغاثيّة والسياسيّة التي تواجه الثورة والمعارضة»، وأضاف غليون: «ماحصل في الأسبوع الماضي ٢٣-٢٨ في استنبول كان مأساة بالمعنى الحرفي للكلمة، وعار على الإئتلاف وجريمة ضد الثورة. لقد عطلت كل اعمال المؤتمر بهدف التوصل إلى اتفاق لضم مجموعة من المعارضين، بصرف النظر عن اهميتهم، إلى الائتلاف. وتحول الأمر، بسبب مناورات المجموعات المتنافسة على الهيمنة على الائتلاف، وجميعها لا تزن شيئاً في ميزان الصراع الدائر داخل سورية، من نزاع داخلي بين أطراف المعارضة على المواقع الائتلافية إلى مواجهة بين الدول الحليفة، وبشكل خاص بين الدول العربية الأكثر دعماً لنا. وبمقدار ما زاد تصميم المدافعين عن مواقعهم داخل الائتلاف على إغلاق هذا الأخير على الطارقين بابه، زاد احتداد المواجهة بين الدول التي لم تعد تهتم بالمجموعات المستنجدة بها وإنما صارت تنظر إلى المعركة على انها تحدّ للإرادات وتحديد للمواقع والمراتب الاقليمية». أشار غليون كذلك إلى خطر هذه النزاعات بقوله: «ان النزاعات الطفولية، غير المعقولة وغير المقبولة، على المواقع والمناصب، بما في ذلك سعي أي تكتل إلى زيادة عدد أعضائه في الائتلاف من دون سبب سوى ضمان نفوذ أكبر، يظهر أن الهم الأول هو الهيمنة الداخلية لا خدمة الثورة والثوار. وهو يظهر السفراء الأجانب في كل مرة وكأنهم هم الأحرص على المصالح العامة السورية، ويضعهم بالفعل في موقع التوفيق بين المصالح المتنازعة، ويزيدهم قناعة بشرعية تدخلهم. وبذلك تتمّ مصادرة الوظيفة الرئيسية للسيادة الوطنية. فالحاجة تفرض نفسها لقوة خارجية، أي من خارج المجتمع للتوفيق بين مصالح أطرافه المتنازعة والتوصل إلى تفاهم يضمن السلام والاستقرار وبالتالي تسيير الأعمال، طالما عجزت أطراف المجتمع نفسها أن تفرز من نفسها إطار الوحدة والتفاهم والتوافق ومفهومه»، وأنهى أستاذ علم الاجتماع السياسي فكرته بألم: «باختصار، سلوكنا كأطفال غير ناضجين وغير مسؤولين هو الذي يشجّع على هذا التدخّل».

بالتزامن مع الخلافات في اجتماع اسطنبول، أصدرت قوى الحراك الثوري المُمثلة بالهيئة العامة للثورة السوريّة، لجان التنسيق المحلّية، اتحاد تنسيقيات الثورة السوريّة، والمجلس الأعلى لقيادة الثورة بياناً مشتركاً جاء فيه: «هذه القيادة فشلت في التصدي لمسؤولية وشرف تمثيل ثورة الشعب السوري العظيم سياسياً، وسقطت هذه القيادة في اختبارات الاستحقاقات التنظيمية والسياسية والإنسانية التي اختيرت لتكون مكلفة بالتصدي لها، ويأتي الفشل المستمر لاجتماع الهيئة العامة للائتلاف المنعقد منذ أسبوع في اسطنبول ليؤكد قناعتنا القديمة أن الائتلاف بواقعه التنظيمي الحالي عاجز عن القيام بواجباته المنوطة به بسبب التجاذبات السلبية بين كتله المؤسسة، والتي أفضت إلى تدخلات سافرة من أطراف إقليمية ودولية عديدة، بات معها استقلال القرار الوطني في مهب الريح». أدان البيان كذلك توسعة الائتلاف الجارية ﻷنها، حسب تعبير القوى الموقّعة، «ليست أكثر من محاولة ترقيع بائسة، نرفض أن تقتصر على ضم شخصيات وكيانات لا تتمتع بحضور فاعل مؤثر في الثورة». وطالب البيان بتوسيعٍ يضمن تحقيق أهداف الثورة عبر «تمكين الثوار عبر ممثليهم السياسيين من المشاركة في الفاعلة في صنع القرار في الائتلاف، والذي تضمنه مشاركة القوى الثوريّة بنسبة ﻻ تقل عن خمسين بالمئة من مقاعد الائتلاف، وفي مؤسساته القياديّة». كما حذّر البيان المشترك من أن القوى الموقّعة عليه «لن تمنح بعد اليوم أي شرعية ثورية لجسم سياسي قد يتحول إلى سرطان في جسم الثورة لو تمت توسعته بشكل خاطئ على أساس اعتبارات مريضة بعيدة عن تمثيل من لا يزال يضحي منذ انطلاق الثورة وحتى اليوم».

بعد أيامٍ قليلة من صدور هذا البيان، أعلنت الهيئة العامّة للثورة السوريّة انسحابها من الائتلاف الوطني احتجاجاً على مفردات التوسعة التي أقرّت في اسطنبول وأُعلن عنها في بيانٍ رسمي.

آراء متباينة

بعد الإعلان عن تفاصيل اتفاق توسيع الائتلاف الوطني، سبرت «الجمهوريّة» آراء أطراف الخلاف في اجتماعات اسطنبول، وعند سؤال عمر مشوّح، عضو المجلس الوطني والناطق الإعلامي باسم الإخوان المسلمين، عن أسباب الخلاف في اسطنبول، أجاب: «الذي حصل في اسطنبول أن هناك محاولة فرض إرادة دولية على القرار السوري المستقل. لقد حاولوا في البداية من خلال الأتباع والمريدين وعندما فشلوا حضروا بأنفسهم لفرض الإرادة الدولية»، وأضاف: «المشكلة ليست في توسعة الائتلاف من عدمه… المشكلة الحقيقية في هدف التوسعة، حيث يُراد منها تخفيض سقف الائتلاف من أجل مؤتمر جنيف القادم، والذي يبحثون له عن معارضة تقبل ببقاء النظام!».

وعند السؤال عن الاتهامات الموجّهة للجماعة باحتكارها القرار السياسي في اﻻئتلاف الوطني أجاب مشوّح: «هذا اتهام قديم جديد… الصحيح أننا نملك قراراً سياسياً قوياً وقدرة على التحالف وتوجيه القرار بما يخدم المصلحة العامة، لكننا ﻻ نحتكر القرار السياسة العام، فهناك شركاء لنا في المعارضة ونتشاور معهم باستمرار، وأقمنا تحالفات كثيرة من أجل أن يكون القرار مشتركاً ووطنياً ويحقق أهداف الثورة. احتكار القرار السياسي في هذه المرحلة هو انتحار سياسي، وﻻ أظن أن الجماعة أو حتى غيرها من الأطراف المعارضة يحق له أن يحتكر القرار السياسي.. نحن نسير معاً في خط وطني مع باقي الشركاء، ونقول للجميع: مَن يحتكر القرار السياسي فأبعدوه، حتى لو كان من الإخوان».

وعن مدى لملمة اﻻتفاق الحالي للموقف أمام استحقاق جنيف أجاب مشوّح: «أظن أننا وصلنا إلى حل يرضي الجميع من خلال القوائم التي تم التوافق عليها، وبشهادة الجميع كان للإخوان دور مهم في تطويق الأزمة والدفع نحو التوافق، لكننا نحذّر من محاولات فرض الإرادة الدولية من خلال أشخاصٍ يريدون تسيير الائتلاف نحو أهداف تخفض من سقف الثورة، وقد تقودنا إلى نصف ثورة».

على الجانب الآخر، أجاب المهندس هادي البحرة، أحد أعضاء «القائمة الديمقراطيّة» المنضمّين إلى الائتلاف الوطني في التوسعة، عن سؤال الجمهوريّة حول ما جرى في اجتماعات اسطنبول بقوله: «إذا نظرت الى جوهر الأمور فإن توسعة الائتلاف ’كمبدأ عام‘ كان معروفاً لدى الجميع واستحقاقاً مؤجلاً ومقبولاً كضرورة لعدة أسباب، أهمها هو توسيع شرعية تمثيل الائتلاف الشعبية وانضواء طيف أكبر من القوى السياسية والشعبية والثورية والعسكرية والمدنية المعارضة ضمنه، كون الائتلاف يمر بمرحلة محورية من الثورة. جوهر المشكلة هو مشكلتنا كسوريين، وماعانيناه عبر تاريخنا من خداع دولي مورس علينا ومؤامراتٍ مرت على وطننا من العام 1918 ومن ثم اتفاقية سايكس-بيكو… فأصبح الشك بالآخر أحد عناصر تشكل شخصياتنا. أضف إلى ذلك النظام القمعي الذي عشنا بظله لفترة تقارب النصف قرن»، وأضاف: «الديمقراطية عندما تمارس واقعياً فهي تمر عبر سلسلة من المفاوضات والتحالفات، والتي انتهت هنا باتفاقٍ توافقي، الجيد هنا أن غاية كل الأطراف كانت المصلحة الوطنية، وكل طرف اعتبر نفسه هو من يمثلها، بينما الواقع يقول إن المصلحة الوطنية تُحفظ وتُصان بتلاقي وتوافق كل هذه الأطراف معاً. فالحالة الوطنية الجامعة لا يمكن أن تشمل الإقصاء. و هكذا تعلمنا درساً جديداً من دروس هذه الثورة المباركة».

وعن إمكانيّة أن تتمكن الاتفاقات الحاليّة من تحسين حالة الائتلاف وتصويب موقعه أمام الاستحقاقات أجاب البحرة: «هذه التوسعة رفعت من سوية تمثيل الائتلاف للقوى المعارضة والثورية والعسكرية, فأعطته مصدر قوة إضافية ودافعة نحو الإصلاح الجدي لعمله والبناء على إيجابياته وعلى ما بنى وحقق سابقاً، وللقضاء على ماهو سلبي»، وأكّد مضيفاً: «لا حجة بعد الآن لأية قوى ممثلة ضمنه، ولا له ككلّ، إن لم يحقق القفزة النوعية المطلوبة منه الآن، وهي الابتعاد عن العمل الشخصي والاتجاه نحو مأسسة الائتلاف، وخلق آليات العمل المنظم، وفق خطط واضحة وجداول زمنية لتحقيقها، كي نستطيع قياس إنجازاته ومستوى تنفيذ التزاماته. نجاحه يؤسّس على التعاون والتنسيق والعمل الجماعي، فإن نجح نجحت جميع مكوناته وإن فشل فشلت جميع مكوناته. يتوجب تفعيل دور كل مكوناته ووضع برنامج للتكامل والدعم لجهود الثوار وللقيادة العسكرية المشتركة ومنظمات المجتمع المدني والمجالس المحلية وهي الأهم، وخلق آلية لإيجاد مكاتب فاعلة للائتلاف في الداخل يديرها الحراك الثوري المدني ممن هم فاعلون في الداخل، وفتح المجال للاستفادة من قدرات كل السوريين للعطاء في كل المجالات سواءً داخل سوريا أو خارجها».

من جهته، اعتبر سمير نشّار، رئيس الأمانة العامة لإعلان دمشق، أن «الغرب، وعلى رأسه الولايات المتّحدة، بالإضافة إلى محور إقليمي مؤلف من السعودية، الإمارات، الكويت والأردن، لن يقبلوا بوصول الإسلاميين إلى السلطة، كما حصل في تونس ومصر، خاصّة الإخوان المسلمين (المدعومين من قطر وتركيا)»، لذلك، يرى نشّار، «ﻻ بد من وجود إطار سياسي تقف على رأسه قوى ليبراليّة، دون إقصاء الإسلاميين المعتدلين أو الإخوان ولكن شرط عدم قيادتهم له، أي أن يكون هناك توازن بين الليبراليين والإسلاميين. من هنا أُريد من التوسعة إدخال شخصيات معارضة للإخوان والإسلاميين، وبدون التأكد من أن هؤﻻء يؤيدون خطاب الثورة وإسقاط بشار الأسد». حصلت مخاوف سياسيّة تجاه القادمين الجدد، فحسب تعبير نشار، «القادمون الجدد هم من أنصار جنيف بحماسة، بينما الآخرون ينظرون الى جنيف بتوجّس، خاصة أن هناك تياراً في الائتلاف أظهر تأييداً وحماساً للمشاركة في جنيف، وقد ظهر ذلك بشكل واضح في الاجتماع الأخير للهيئة السياسية للائتلاف»، وعمّا سيحدث بخصوص هذه المخاوف يقول: «المستقبل سوف يُظهر إلى أي مدى هذه المخاوف مشروعة، وإلى أي حد سوف يتمكن المحور المؤيد للسعودية من لعب دور إيجابي لمصلحة أهداف الثورة، وليس العكس، لأن الوقائع أظهرت أن السعودية ليست لديها المعرفة الكافية بخلفيتهم السياسية، لأنها تركت هذه المهمة لبعض الوسطاء، وهنا تكمن المشكلة، على الرغم من الرغبة السعودية في زيادة حجم القوى الليبرالية وهي رغبة صادقة».

يشير نشّار كذلك إلى أهمية اﻻستحقاقات الداخلية المقبلة للائتلاف، والمتمثلة بالتوافق على قبول أسماء الأعضاء الجدد من «الحراك الثوري» و«الجيش الحر»، وكذلك انتخاب الهيئة الرئاسيّة للائتلاف (رئيس ونوّاب وأمين عام)، ويؤكد أن المشاورات والاتصالات لم تنجح في التوصّل لمقترح توافقي يشمل الجميع «على قاعدة ومشروع سياسي يهيّئ الأرضية المناسبة لعمل مشترك للذهاب أو التعامل مع جنيف بشكل موحّد من خلال رؤية سياسيّة متماسكة»، ويقول أيضاً إن إمكانيّة التوصل لأرضيّة العمل المشتركة متاحة، شرط وجود الإرادة المشتركة أيضاً.

لم ينتهِ زلزال المعارضة السياسيّة بعد، فالعديد من الهزّات، داخله وخارجه، بانتظاره. الائتلاف الوطني على موعدٍ مع انتخاب رئيسٍ جديد منتصف الشهر الجاري. قبلها، أثناءها، وبعدها، مسؤوليّة التحضير للاستحقاق الدولي في جنيف. ﻻ يُخفي الكثيرون تشاؤمهم عند السؤال عن فرص تصدّي المعارضة لواجباتها أمام السوريين والعالم بمسؤوليّة، وﻻ سيما أن الحدث الثوري السوري يكافح للبقاء على قيد الحياة ما بين جبالٍ من الركام، بحارٍ من الدماء، وعوالم من الصمت واللامبالاة.

موقع الجمهورية

جماعة الإخوان المسلمين تستعد للعودة إلى سورية

رافاييل لوفيفر

ملخّص

تُعَدّ جماعة الإخوان المسلمين المجموعة الأقوى في شبكة المعارضة السياسية السورية في المنفى. وهي تبرز أيضاً بوصفها تشكّل حضوراً كبيراً في الأراضي التي يسيطر عليها المتمرّدون في شمال سورية، حيث تعيد بناء قاعدتها الشعبية بعد ثلاثين عاماً أمضتها في المنفى. بيد أن نجاح جماعة الإخوان في المرحلة المقبلة من الثورة السورية يعتمد على قدرتها على التعامل مع العديد من التحدّيات الكبيرة.

الأفكار الرئيسة

    جماعة الاخوان المسلمين هي أفضل جماعة سورية معارضة من حيث التنظيم. وترتكز استراتيجيتها السياسية على بناء شبكة من التحالفات مع مختلف القوى الأيديولوجية والدينية، حتى ولو بدا أن هذه القوى متناقضة.

    يمكن للجماعة الاعتماد على شبكة من الناشطين الملتزمين داخل البلاد وخارجها وعلى قدرات قوية لجمع التبرعات.

    يهيمن الحرس القديم على جماعة الإخوان. بيد أن هناك جيلاً أكثر شباباً من الإخوان يتميّز بالديناميكية وروح الابتكار، وهو أكثر ليبرالية ويتوق كثيراً إلى ممارسة المزيد من النفوذ. والشباب مستعدون لتأدية دور قوي في جهود جماعة الإخوان لإعادة تشكيل هيكلها.

         الكثير من السوريين لايثقون بجماعة الإخوان بسبب السنوات التي أمضتها في المنفى، إضافة إلى الثقافة السرية الراسخة فيها وجمودها الهرمي.

         بوصفها تنظيماً سنّياً، تنتمي جماعة الإخوان إلى الأغلبية، غير أن الأقلّيات العرقية والدينية في البلاد تمثّل قوة لايستهان بها، حيث تشكّل نسبة 30 بالمئة من السكان.

         تشعر الطوائف غير السنّية داخل سورية بالقلق بشكل خاص من عودة الإخوان المسلمين، رغم الرسالة الوسطية للجماعة كما تطلقها هي.

التحدّيات المقبلة

كسب قلوب وعقول المجتمع السوري. يتعيّن على جماعة الإخوان تبنّي المزيد من الشفافية ومعالجة الأخطاء التي ارتكبتها إذا كانت تأمل في تعزيز مكانتها.

استقطاب وإشراك جيل الشباب. لكي يتجنّب فقدان أهميته، يحتاج تنظيم الإخوان إلى توفير فرص للساسة المحافظين الأصغر سناً. إذ يوفّر الشباب للإخوان فرصة ذهبية لتجديد مجموع أعضائها وحشد قواتها وتجديد صورتها.

بناء روابط محلّية مع علماء البلاد، خصوصاً في دمشق. يمكن لتأييد العلماء، وهم الشيوخ والزعماء الدينيون في سورية، أن يعزّز شرعية التنظيم الإسلامي ويزوّده بقاعدة اجتماعية قائمة بالفعل حيثما يفتقر إلى مثل هذه القاعدة.

أن تمثّل الجماعة ثقلاً موازناً للجهاديين في سورية. ستكون جماعة الإخوان مركز الثقل في أي ائتلاف إسلامي واسع، كما أن صورتها العامة الصاعدة داخل البلاد تعيد الطيف الإسلامي إلى المركز. ويمكن للتنظيم أن يكون منصّة أيديولوجية وسياسية وعسكرية تواجه الجماعات الجهاديّة المتطرّفة.

أهلاً بعودتكم إلى سورية؟

باتت جماعة الإخوان المسلمين، التي تنشط في المناطق الواقعة تحت سيطرة المتمردين في شمال سورية منذ اندلاع الثورة السورية في آذار/مارس 2011، على وشك إعادة بناء قاعدتها بعد غيابٍ استمرّ ثلاثين عاماً. فقد تم حظر هذا التنظيم الإسلامي بعد أن خاض صراعاً عسكرياً مريراً ضد نظام البعث بقيادة الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد بين العامين 1976 و1982، بيد أن زعيم الجماعة أعلن مؤخراً أن “الحركة ستبدأ العمل” في جميع أنحاء البلاد في غضون أشهر.

بدأت جماعة الإخوان المسلمين نشر صحيفة في سورية في منتصف شباط/فبراير، كما ستطلق قريباً قناة تلفزيونية خاصة بها، ستبثّ في شمال البلاد، وتفتح مكاتب محلية لها في المدن المحرّرة. وتعتزم جماعة الإخوان تأسيس جناح سياسي للمنافسة في الانتخابات المقبلة، حيث تتوقّع أن تفوز بنسبة تصل إلى 25 بالمئة من الأصوات.1 ويبدو أنه حتى النظام الحالي يعتقد بأن البديل الحقيقي الوحيد لحكمه هو سيطرة الإخوان المسلمين على سورية.

لكن، وبالنظر إلى تاريخ جماعة الإخوان في معارضة حزب البعث، وتأثيرها البارز على المعارضة السياسية لنظام بشار الأسد، وتوقعاتها الانتخابية المتفائلة، هل باتت جماعة الإخوان المسلمين السورية مستعدّة حقاً لحكم سورية مابعد الأسد؟

يبدو أن ثمة فكرتين، رغم الاختلاف الكبير بينهما من حيث الطابع والمدى، تمثّلان الدوافع الكامنة وراء طموحات جماعة الإخوان: الأولى هي إعادة تشكيل هيكل الجماعة نفسه وقاعدتها الاجتماعية، والثانية هي الحاجة إلى مدّ الجسور مع المجتمع السوري الذي اعتاد طويلاً على غياب تنظيم الإخوان المسلمين وعلى خطاب النظام الازدرائي الواضح بشأن التنظيم. بيد أن ثمّة سلسلة من التحدّيات غير المسبوقة تنتظر هذا التنظيم الإسلامي لدى عودته النهائية إلى البلاد.

قضت جماعة الإخوان عقوداً من الزمن في إعادة بناء شبكاتها داخل سورية، وتشير الاتجاهات الحالية إلى أن التنظيم بات مستعدّاً الآن للتوسّع بسرعة. إذ يتوقّع أن تلعب إحدى المجموعات على وجه الخصوص دوراً قوياً في إعادة تشكيل جماعة الإخوان السورية وهي مجموعة الشباب الإسلامي. إذ توفّر المجموعة التي تصف نفسها بأنها “أبناء وبنات الإخوان” لجماعة الإخوان فرصة ذهبية لتجديد مجموع أعضائها وتجييش قواها وتحديث صورتها.

سيعتمد النجاح النهائي لتنظيم الإخوان على ما إذا كان قادراً على الانتقال من ثقافة سياسية قائمة على جمود التسلسل الهرمي وسريّة العمل تحت الأرض والتشاحن الداخلي إلى إطار أكثر انفتاحاً يوفّر فرصاً للسياسيين الشباب المحافظين ليكونوا قادة يمكنهم استقطاب وإشراك الجيل الجديد. كما ستكون الأيديولوجية مهمة، لأن شباب جماعة الإخوان – عموماً – أشمل وأقل تشدّداً من شيوخهم من الناحية العقائدية.

من المرجّح أيضاً أن تؤثّر اللهجة الأيديولوجية التي حدّدتها جماعة الإخوان على دائرتين معاديتين يقدّر أن يكون لهما رأي قوي في سورية مابعد الأسد. تضم الأولى السلفيين الذين برزوا بوصفهم طرفاً فاعلاً مهماً على الأرض، والأقليات الدينية والعرقية التي تشكّل مانسبته 30 بالمئة من عدد السكان. ستتوفر للتنظيم الفرصة ليقدّم نفسه بوصفه منبراً للوفاق، وقوة “وسطيّة” كما تصف نفسها، مهمتها رأب الصدع بين الأقليات القلقة من الحكم الإسلامي المتشدّد والأصوات السورية الأكثر تحفّظاً من الناحية الدينية. وسيعتمد قدر كبير من نجاح التنظيم في المستقبل على ما إذا كانت لديه القدرة على توجيه الطاقة السلفية التي أطلق عنانها منذ بداية الأزمة السورية نحو السلام والتسوية.

لكي تنافس جماعة الإخوان المسلمين بفعالية مع غيرها من الأصوات “الوسطيّة”، سيتعين عليها بالضرورة إقامة علاقة وديّة مع العلماء، وهم المشايخ والزعامات الدينية في البلاد، الذين يمكن أن يعزّز تأييدهم شرعية التنظيم الإسلامية ويوفر له القاعدة الاجتماعية المتشكّلة بالفعل حيثما يفتقر إليها، كما هو الحال في دمشق.

ستحدّد كيفية تعاطي جماعة الإخوان مع هذه التحديات الداخلية الرئيسة طبيعة ومدى نجاحها في المرحلة المقبلة من الثورة السورية.

تحدّي العودة

مع أن الوضع في سورية يفرض مجموعة فريدة من التحدّيات على جماعة الإخوان، لايزال قادتها متفائلين. فهم يحرصون على استحضار “الحالة التونسية” حيث سارعت حركة النهضة الإسلامية، التي عادت إلى الوطن بعد سنوات أمضتها في المنفى، إلى بناء حركة شعبية قوية، وأعادت التأكيد على موقعها داخل النظام السياسي في نهاية المطاف.

بيد أن ثمّة اختلافاً كبيراً بين مستويات القمع التي تعرّضت إليها حركة النهضة في تونس وبين جماعة الإخوان المسلمين في سورية. فلم يخرج إلى المنفى من قادة النهضة سوى عدد قليل، فيما بقي السواد الأعظم من أعضائها في السجون التونسية أو قيد الإقامة الجبرية. في المقابل، اضطر جميع الإخوان المسلمين السوريين تقريباً، سواء كانوا قادة أو أعضاء عاديين، إلى الفرار من البلاد لتجنّب التعرّض إلى التعذيب والقتل. وفي سياق هذه العملية قام النظام السوري بسجن عشرات الآلاف من المعارضين على اختلاف مشاربهم السياسية والدينية. كما عزا النظام السوري تكتيكاته الوحشية بصورة منهجية إلى المواجهة المشؤومة التي خاضتها جماعة الإخوان مع النظام في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. وهذا ما أدّى إلى انعدام ثقة السوريين واستيائهم من أعضاء جماعة الإخوان الذين تمكّنوا من الفرار إلى الخارج.

سيتعيّن على جماعة الإخوان المسلمين، لدى عودتها، مواجهة تاريخها وتوضيح تفاصيل مشاركتها في الأحداث التي أدّت إلى المواجهة مع النظام وتسببت في خروج الجماعة إلى المنفى في نهاية المطاف.

أدّى انعدام التواصل بين من هم داخل سورية وخارجها بالفعل إلى تشويه صورة الإخوان بشكل مطّرد. إذ لاتزال بعض أحداث الماضي موضع سوء فهم ويجري انتقادها على نطاق واسع مثل “إعلان النفير”. ففي منتصف شباط/فبراير 1982، وفي خضّم حملة حافظ الأسد الوحشية لقمع التمرد في حماة، تمكنّت قيادة الإخوان من تجميع أعداد من المقاتلين الإسلاميين في معسكرات حول العاصمة العراقية بغداد. كان هؤلاء مستعدين لعبور الحدود إلى سورية و”تحرير” حماة من دبابات النظام والانتقام للمجازر التي ارتكبها هناك. بيد أن قادة جماعة الإخوان أوقفوا هذه المحاولة فجأة ولسبب غير مفهوم على مايبدو، وطلبوا من المتطوعين تسليم أسلحتهم والعودة إلى بلدهم.2

اعترف عضو سابق في جماعة الإخوان السورية يقيم حالياً في إحدى المناطق التي يسيطر عليها الثوار في شمال سورية بأن “الناس غاضبون من جماعة الإخوان المسلمين لأنها خذلتهم بعد إعلان النفير” .3 ويتابع موضحاً: “كان لدينا أكثر من ألف مقاتل مجهزين بالأسلحة وموزعين على مئتي سيارة، لكن الأوامر لم تأت قط”. وسيكون توضيح الطريقة التي نشأت فيها هذه الأوضاع بأسلوب مفتوح وعلني أمراً أساسياً إذا ما أرادت جماعة الإخوان المسلمين استعادة ثقة المجتمع السوري.

في محاولته تلك، ستسعف تنظيم الإخوان ذكريات الثمن الباهظ الذي دفعه جرّاء معارضته التي لاتلين لنظام البعث. فقد تمت استعادة هذه الذكريات في الذكرى الثلاثين لمجزرة حماة العام الماضي ومن خلال الطريقة الوحشية الذي رد بها نظام بشار الأسد على الاحتجاجات التي كانت سلميةً في بدايتها في آذار/مارس 2011. إذ قال عضو بارز في جماعة الإخوان السورية: “قبل الثورة، كان معظم السوريين يحمّلون الإخوان المسلمين مسؤولية سفك الدماء في ثمانينيات القرن الماضي”. ويضيف: “هذه الفكرة تغيّرت الآن لأن الناس يدركون أن النظام هو الذي كان مسؤولاً عن تلك المجازر وليس جماعة الإخوان المسلمين!”

قامت جماعة الإخوان بمحاولات متكرّرة لربط روايتها عن محاولتها الإطاحة بالنظام في العام 1980 بالأزمة السورية الحالية. فنجاح الجماعة في مثل هذا الربط يمنح عمقاً تاريخياً لبعض المتمرّدين الحاليين الذين ربما يكون آباؤهم أو أعمامهم قد قضوا في سجون النظام قبل ثلاثين سنة. وثمّة تقارير متوافقة تفيد بأن من بين المتطوعين الجدد في جماعة الإخوان أشخاص انضموا إلى التنظيم للانتقام مما حصل في حماة وأماكن أخرى في العام 1980. فمعظم هؤلاء دون الخامسة والعشرين أو الثلاثين من العمر، وفقد العديد منهم ذويهم إما في الأزمات السورية السابقة أو الأزمة السورية الحالية.

ويبدو أن عدد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين مرشّح للزيادة أضعافاً مضاعفة خلال الأشهر المقبلة. فقد أطلق التنظيم مبادرة رسمية في كانون/الثاني يناير 2013 لتجنيد أعضاءَ جدد. لابل إنه أنشأ مكتباً لهذه الغاية تتثمل مهمته الأساسية في أن يطلب من الأعضاء البارزين من المدن السورية الرئيسة العودة إلى ديارهم والتواصل مع مجتمعاتهم المحلية بعد عقود من الغياب. كما يطلب من الأعضاء أيضاً توفير المال والسلع الضرورية، كالغذاء والحليب، لسكان هذه المدن. ولأن الثوار استطاعوا تأمين أراضٍ في الشمال السوري، وأصبحت الحدود السورية مع تركيا محرّرة، “فقد عاد عدد من أعضاء جماعة الإخوان السورية إلى بلدهم سورية وتواصلوا مع أقاربهم وأصدقائهم”، كما أوضح أحد أعضاء التنظيم ممن هم على دراية بشؤون التجنيد. وأضاف: “لقد أبلغونا جميعهم أن هناك حنيناً حقيقياً للإخوان داخل سورية”.

كما أجرى التنظيم اتصالات مع العديد من الأعضاء السابقين في جماعة الإخوان المسلمين السورية الذين يقدر عددهم بنحو 30 ألف عضو ممن عادوا إلى سورية في تسعينيات القرن الماضي، بعد هدنة اقترحها النظام آنذاك في مقابل العودة الآمنة لكل من يريد التخلّي عن عضويته في جماعة الإخوان. وقد انضم بعض هؤلاء الأفراد إلى الجماعة مجدّداً. ويقول أحد الأعضاء البارزين في جماعة الإخوان: “كافحت جماعة الإخوان المسلمين على مدى ثلاثين عاماً من أجل البقاء، والآن هي تتوسّع!”

غير أن جماعة الإخوان اتّبعت مقاربةً بطيئة ومتردّد إلى حد ما تجاه هذا التوسع. ويرى البعض أن التنظيم تبنّى “عقلية الحصار” نتيجة معركته المطوّلة والدامية ضد النظام. فحتى النجاح الذي حقّقه التنظيم في تجنيد أعضاء جُدد من المناطق الواقعة تحت سيطرة الثوار، في حلب وما حولها مثلاً، كان يُنظر إليه في البداية باعتباره تهديداً محتملاً. فقد أوضح عضو شاب في الجماعة ومقرّب من قياداتها قائلاً: “أعرب الكثير من الأشخاص عن استعدادهم للانضمام لجماعة الإخوان المسلمين إلى درجة أن القلق كان يساور قيادتها السابقة في البداية بشأن أفضل السبل لفتح أبواب التنظيم من دون أن يتم تجاوزها”.

يمثّل الأمن الشاغل الرئيس لجماعة الإخوان، وهو مايساعد على تفسير إحجامها عن التوسّع بسرعة. ففي سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، تمكّن عملاء المخابرات السورية من اختراق الجماعة الإسلامية ونجح النظام في إحباط خطط للقيام بانقلابات وانشقاقات واسعة في صفوف الجنود. وبالتأكيد هذا ما لاترغب جماعة الإخوان المسلمين في أن يحدث مرة أخرى، وهو مايساعد في توضيح السبب بأن طلبات العضوية كانت تقتصر، حتى وقت قريب، على أقارب المتشدّدين الإسلاميين الذي ينتمون بالفعل للتنظيم، وبالتالي فهم محلّ ثقة كاملة.

يؤدي انعدام القدرات المؤسّسية إلى إبطاء معدّل التجنيد. ولذا لايمكن لجماعة الإخوان إلى الآن الاعتماد على البنى التنظيمية التي تمكنها من العامل مع جميع الطلبات بصورة ملائمة. فالأمر يستغرق بعض الوقت كي يصبح المتقدّم عضواً في جماعة الإخوان، وعليه اجتياز ثلاثة مراحل مختلفة على الأقل. تتضمّن هذه العملية، التي يطلق عليها “التربية”، سلسلة من الإجراءات التي تهدف إلى زيادة وعي العضو المرتقب بثقافة جماعة الإخوان وتاريخها السياسي، والأسس الفكرية لها، وأخيراً وليس آخراً أهمية الولاء للتنظيم. لكن المشكلة هنا تكمن في أن السماح للمجندين بأن يصبحوا أفراداً بعضوية كاملة من دون الخضوع إلى هذه العملية، من شأنه أن يعزز فرص الجماعة على المدى القصير في كسب النفوذ في سورية، ولكنه يضرّ باستقرارها على المدى الطويل.

وهناك سبب أخير وأكثر إثارة للجدل وراء بطء وتيرة فتح قيادة الجماعة أبواب العضوية يتمثّل في أن التدفّق الفوري والهائل للأعضاء سيعمل على نقل السلطة داخل التنظيم نفسه. إذ أن لتنظيم جماعة الإخوان السورية تاريخاً طويلاً من الانقسامات الأيديولوجية والمناطقية، وأحياناً العصبية بين قادته وأعضائه. فقد أوضح أحد أعضاء جماعة الإخوان السورية وهو مقرب من القيادة قائلاً: “لعبت المسألة المناطقية، على وجه الخصوص، دوراً في حذر قيادتنا الأولي إزاء المدى الذي ينبغي فيه فتح باي العضوية أمام المتقدمين من داخل سورية”.

ثمّة تياران مناطقيان يؤثّران في قيادة جماعة الإخوان هما “فصيل حماة” و”فصيل حلب” لهما توجّهات إيدلوجية مختلفة وتاريخ طويل من التوتّر. ففي أعقاب مجزرة حماة، أنحى كلٌ من الجانبين باللائمة على الآخر واستفحل الخلاف ليتحوّل إلى أزمة قيادة تسبّبت في انقسام التنظيم لسنوات عديدة. وقد تصالح الفصيلان منذ أكثر من سنة، بيد أن من شأن طفرة مفاجئة في عدد أعضاء التنظيم أن تعود بالنفع على فصيل حلب وتزعزع توازن القوة الحساس بين الفصيلين. سيكون الجزء الأكبر من الأعضاء الجدد من أكبر مدينتين في البلاد حلب ودمشق، وذلك على حساب المدن الأصغر مثل حماة وإدلب.

وللتغلب على هذه الخصومات الداخلية وإعادة بناء تنظيمها بصورة فعّالة داخل سورية، سيتعيّن على جماعة الإخوان الاعتماد على دعم الشباب الذي يتميز بالديناميكية والابتكار.

الفجوة بين الأجيال

تمثّل مسألة إنشاء “فرع شبابي” قوي إحدى أهم واجبات جماعة الإخوان السورية. وفي حين يمكن للجماعات الإسلامية من تونس إلى مصر أن تعوّل دائماً على مجموعة متفانية من الناشطين الشباب الديناميكيين، فقد أدّى غياب الشباب الإسلامي الملتزم إلى شلّ تنظيم الإخوان السوري على مدى عقود. وتشير التقديرات الداخلية إلى أن نسبة أعضاء جماعة الإخوان السورية ممَّن هم دون سن الخامسة والأربعين كانت، قبل الانتفاضة السورية الأخيرة، تبلغ بالكاد 20 بالمئة مقابل 50 بالمئة في جماعة الإخوان المصرية.4

ثمّة أسباب عدّة تقف وراء قلة فئة الشباب في صفوف جماعة الإخوان السورية. إذ يبدو أن معظم الشباب الإسلاميين قد ولدوا في المنفى، ولم يتجاوبوا تماماً مع الانقسامات الإخوانية العصبية التي نشأت نتيجة مذبحة حماة في العام 1982.

وشكا أحد الشباب الإسلاميين المتعاطفين مع التنظيم قائلاً: “تكرّس جماعة الإخوان المسلمين معظم وقتها للمشاكل الداخلية”. ويضيف أنه لم ينضمّ إلى جماعة الإخوان حتى الآن لأنه لايريد أن يكون جزءاً من “الألاعيب القذرة بين حلب وحماة”.

رغم نفورهم من الفصائل المتناحرة، ظل معظم الشباب الإسلاميين منخرطين في أطر جماعة الإخوان في بلدان إقامتهم أو شاركوا في مسيرات دعم للمقاومة الإسلامية الفلسطينية. وبذلك فقد أرسوا الأسس الأيديولوجية والتنظيمية للحصول على عضوية محتملة مستقبلاً في التنظيم الإخواني السوري.

ويبدو أن عاملاً أكثر براغماتية لعب أيضاً دوراً في صرف الشباب الإسلاميين عن الالتزام بجماعة الإخوان السورية، وهو عدم وجود فرص قيادية على رأس تنظيم بالغ السرية وجامد تماماً. وفي حين شجّع زعيم الجماعة السابق علي صدر الدين البيانوني بعض الشباب من أمثال عبيدة نحاس وأحمد رمضان على تولّي مناصب ظاهرة داخل الجماعة، كان معظم القادة المتعاقبين يتردّدون في فتح باب القيادة أمام شخصيات شابة ممن لم يقاتلوا ضد حزب البعث في ثمانينيات القرن الماضي.

كما كانت الأيديولوجية تؤجّج الفجوة بين الأجيال. وعموماً فإن الأعضاء الإسلاميين الشباب في جماعة الإخوان السورية أكثر ليبرالية من الناحيتين السياسية والدينية من القيادة القديمة. وفي هذا الإطار شهد المنبر السياسي المنشق المسمى “مجموعة العمل الوطني من أجل سورية”، والذي أُسِّس بعد الانتخابات الداخلية في تموز/يوليو 2010، انتقال السلطة من فصيل حلب الذي سيطر فترة طويلة إلى فصيل حماة الأكثر محافظة. وسرعان ماتمكنت مجموعة العمل الوطني من أجل سورية، التي أسّسها أحمد رمضان، من استقطاب “أفضل وألمع” شباب الإخوان المسلمين أمثال محمد سداد العقاد وعلي محمود عثمان وعبيدة نحاس. وبدأت تتصرف ككيان سياسي مستقل عن قيادة الإخوان المسلمين، لابل منافس لها أحياناً.

في البداية، جعلت الثورة السورية هذه الفجوات بين الأجيال أكثر وضوحاً بدل أن تقلّصها. فقد أحجم العديد من “أبناء وبنات الإخوان المسلمين” فترة طويلة عن الانضمام للجماعة، بيد أن الشعور بالمهمة التاريخية التي وفّرها الوضع في سورية هو الذي جذبهم إليها بعد آذار/مارس 2011. فبدأوا بالإنضمام إلى منابر أحدث ذات “خلفية” إخوانية بما فيها مجموعة العمل الوطني من أجل سورية والتي كانت آنذاك عضواً كاملاً في أهم إطار للمعارضة السورية في المنفى، المجلس الوطني السوري. وشملت المنابر أيضاً منظمات المجتمع المدني مثل “وطن” التي أسّسها شباب سوريين ممَّن لهم في الغالب أقارب في جماعة الإخوان لكنهم لم يكونوا، في معظم الحالات، أعضاء في الجماعة.

سرعان مابرز هؤلاء الشباب الإسلاميون, البارعون في استخدام وسائل الإعلام الجديدة والمفعمين بروح المبادرة، كقوة ديناميكية. فقد كان فداء السيد البالغ من العمر سبعة وعشرين عاماً، على سبيل المثال، وهو قريب لأحد أعضاء جماعة الإخوان السورية ويعيش في السويد، هو الذي أطلق صفحة الثورة السورية للعام 2011 على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وجعل منها واحدةً من أكثر أدوات الشبكات الاجتماعية تأثيراً في التعبئة الشعبية في سورية. ماكان يمكن لتلك الإشارة أن تكون أوضح بالنسبة إلى القيادة القديمة: فما لم يتم اقتراح سلسلة من المبادرات بسرعة بهدف اجتذاب الشباب الإسلامي للعودة إلى صف الإخوان، ستكون هناك قطيعة دائمة بين التنظيم وبين المتعاطفين معه من فئة الشباب ويفقد أهميته السياسية في المديين المتوسط والطويل.

وفي هذا السياق، اتّخذت جماعة الإخوان المسلمين السورية إجراءاتٍ، بدأتها في آذار/مارس 2012، تهدف إلى تشجيع السياسيين الشباب الموهوبين والمحافظين على تولي أدوار أكثر فاعلية داخل التنظيم؛ تمت ترقية اثنين من أعضاء جماعة الإخوان السورية، حسام الغضبان وعمر مشوح، إلى مناصب قيادية. اكتسبت هذه الخطوة أهمية خاصة نظراً إلى أن الغضبان كان عضواً في كل من جماعة الإخوان المسلمين ومجموعة العمل الوطني من أجل سورية. وأظهرت ترقية الغضبان أنه لن يُعاقَب مَن انضموا إلى جماعة أحمد رمضان المنشقّة، إذا كانوا على استعداد للعودة إلى “الجماعة الأم”. ويبدو أن المخطط نجح إلى الآن حيث سار بعض الشباب الإسلاميين الآخرين، أمثال حسّان الهاشمي، على خطى الغضبان حيث عادوا من مجموعة العمل الوطني من أجل سورية إلى جماعة الإخوان المسلمين. وبدا أن القيادة القديمة أخذت أخيراً ترسل إشارات تنمّ عن رغبتها بالانفتاح على شبابها واحتضانهم بطريقة أكثر شمولاً من ذي قبل.

أنشأت جماعة الإخوان رسمياً فرعاً شبابياً ومنحته الأموال لتسيير أموره التنظيمية في أواخر كانون الأول/ديسمبر 2012 خلال مؤتمر تأسيسي عُقد في اسطنبول. كان هذا المؤتمر بالنسبة إلى الكثيرين حدثاً تاريخياً. فقد التقى على مدى ثلاثة أيام أكثر من 350 من الشباب الإسلاميين السوريين، وتواصلوا في مابينهم عبر شبكات وقدّموا أوراقاً حول مواضيع شتّى بدءاً من الدين والاقتصاد وصولاً إلى الإصلاح الداخلي قبل أن يناقشوا هذه القضايا في حلقات دراسية أصغر. دَرَست قيادة الإخوان المسلمين لاحقاً مقترحات الشباب في اجتماع عقدته هيئتها الاستشارية الرئيسة، مجلس الشورى، في مطلع كانون الثاني/يناير 2013، والذي حضره وفد من سبعة ممثلين عن فرع الشباب. قد يبدو هذا الحدث غير ذي أهمية للمراقب الخارجي، بيد أنه شكّل في الحقيقية نقطة تحوّل بالنسبة إلى تنظيمٍ يكافح للخروج من غياهب السرّية التي امتدت ثلاثين عاماً.

مثّل مؤتمر الشباب أيضاً حدثاً رمزياً قوياً من خلال إعادة ربط جماعة الإخوان المسلمين بشبكات النشطاء الإسلاميين الشباب والديناميكيين ممَّن يعيشون في المنفى، والتي ظلت خاملة لفترة طويلة. وروى إخواني سوري مقرب من قادة الجماعة حضر المؤتمر بصفة مراقب، قائلاً: “لم أرَ ذلك على مدى ثلاثين عاماً. فقد اعتاد معظم الشباب الذين حضروا في اسطنبول أن يقولوا لي إنهم لن ينضمّوا إلى التنظيم كأعضاء عاملين؛ ومع ذلك فقد حضروا مردّدين أناشيد جماعة الإخوان ومتباهين بعضويتهم الجديدة في الحركة يملؤهم شعور بالاعتزاز يشبه ذاك الذي انتاب آباءهم قبل ثلاثين سنة. لقد أدركت القيادة القديمة في الوقت المناسب أن عليها فتح أبواب العضوية للمحافظين الشباب وبالنتيجة فهي الآن تجنّد المئات منهم”.

وكان مؤتمر الشباب في اسطنبول تاريخياً أيضاً، لأن للمرة الأولى منذ أوائل ثمانينيات القرن الماضي يأتي المتشدّدون الإسلاميون الشباب من سورية مباشرة، ليصبحوا أعضاءً في جماعة الإخوان ويحضروا هذا الحدث ويتواصلوا مع غيرهم من الإخوان السوريين الجدد. ومن المتوقع أن يزداد عدد هؤلاء الشباب السوريين باطّراد، والذي يقدّر بنسبة 10 بالمئة من المشاركين في المؤتمر، في الأشهر والسنوات المقبلة عندما يعود الإخوان السوريون الجدد إلى البلاد لحشد الدعم وتوفير الخدمات وبناء حركة سياسية على مستوى القاعدة الشعبية. كما أنهم يمثّلون الفرصة الأفضل لجماعة الإخوان المسلمين في دحض الحجة القائلة إن التنظيم منفصل عن المجتمع السوري نظراً لأنه أمضى ثلاثين عاماً في المنفى. ولضمان إدماج هؤلاء المتشدّدين الجدد بشكل سليم ضمن هياكل شبكة الإخوان المسلمين، اقترح البعض وضع حصص تضمن أن يضم كل “مكتب” في التنظيم، مثل المكتب الإعلامي ومكتب الشؤون الوطنية والمكتب السياسي، في ملاكه نسبة من الإخوان المسلمين ممَّن يعيشون داخل سورية.

لكن ومع ظهور الفرع الشبابي ذي الوزن لجماعة الإخوان السورية، يأتي التساؤل أيضاً عما سيكون عليه مصير المجموعات الشبابية الأخرى، مثل جماعة “وطن” ومجموعة العمل الوطني من أجل سورية، التي ازدهرت خارج إطار التنظيم منذ آذار/مارس 2011. إذ يقال إن هذا التساؤل كان موضع خلاف نشأ في مؤتمر اسطنبول بعد أن حاول 50 عضواً من شباب جماعة “وطن”، والذين هم أيضاً أعضاء في جماعة الإخوان، إقناع بعض الحاضرين بالانضمام إلى جماعتهم التي تُعنى بشؤون المجتمع المدني. لكن خصوم هؤلاء يطالبون بضرورة مواصلة الأنشطة الخيرية التي تمارسها جماعة “وطن” ضمن إطار فرع الشباب الجديد وليس من خلال تنظيم منفصل.

تسعى الجماعة إلى إدماج تنظيمات مثل جماعة “وطن” في إطار الإخوان من خلال ضمان تبعيتهم المالية لفرع الشباب. كان الهدف من ظهور فرع الشباب هو اجتذاب التمويل من رجال الأعمال الأثرياء القريبين من التنظيم الإسلامي الذين كانوا يقدمون التبرعات لجماعات الشباب مثل “وطن” ومجموعة العمل الوطني من أجل سورية. فمن شأن تحويل التمويل عن هذه التنظيمات المنشقّة في اتجاه مختلف أن يقرّبها من فلك جماعة الإخوان ويضع مبادراتها، في نهاية المطاف، تحت الإشراف المحكم لسلسلة القيادة في الجماعة.

المهمة غير المنجزة

ربما يكون لفرع الشباب أيضاً تأثير على النزعة الأيدولوجية لجماعة الإخوان المسلمين. فقد كانت توجّهات فرع الشباب الأكثر تقدمية وشمولية بادية للعيان في مؤتمر اسطنبول للشباب حيث كانت الحلقات الدراسية، على سبيل المثال، تتألّف من الرجال والنساء على حدّ سواء. وعلق إخواني شاب على هذه الظاهرة بالقول: “كانت تلك هي المرة الأولى التي يحدث فيها هذا في تاريخ التنظيم. الأمر يستغرق بعض الوقت، لكن بالتأكيد هناك تغيير نحو مزيد من الانفتاح”. ونتيجة لضغط الشباب، أصبحت قيادة التنظيم أكثر شمولاً، ولو بصورة طفيفة. فمن أصل 40 عضواً في مجلس شورى جماعة الإخوان السورية، هناك الأن ستة أعضاء من النساء.

كما يضغط فرع الشباب لإحداث تغيير أيديولوجي في اتجاه آخر مختلف تماماً. فهو يسعى إلى المزيد من الفصل بين الأنشطة السياسية للجماعة وبين أعمالها الإجتماعية والخيرية. وقد جادل أحد قياديي فرع الشباب قائلاً إنه كي تحظى أي مبادرة “بالصدقية، يتعيّن أن تكون إما جزءاً من البرلمان أو من المسجد، لاجزءاً من الإثنين في الوقت نفسه”. كان تقديم فارق أوضح بين الدعوة وبين السياسة أحد الدوافع الرئيسة وراء تشكيل مجموعة العمل الوطني من أجل سورية. لذا كان من الطبيعي أن يتولّى الفرع الشبابي لجماعة الإخوان المسألة ويدعو إلى تأسيس حزب سياسي يستلهم رؤية الإخوان المسلمين لكنه يتمتّع بالاستقلالية عن قيادتها.

ويشير إخواني سوري شاب إلى أن “خطط تأسيس حزب سياسي كانت موجودة بالفعل، لكننا كثّفنا الضغوط بحيث أصبحت هذه الخطط أكثر واقعيّة”. ويبدو أن هذه الضغوط قد آتت أكلها. فبعد أيام قليلة من مؤتمر اسطنبول، صرح زعيم تنظيم الإخوان في مقابلة أجريت معه بأن أحد المشروعات “يهدف إلى بناء الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين وتأسيس حزب سياسي يتمتع بهوية وطنية بدل أن يسمّى تيمّناً بجماعة الإخوان المسلمين ويكون بابه مشرعاً أمام كل من يودّ الانضمام إليه”.5

مع ذلك، ينبغي علينا أن ننتظر لنرى مدى الاستقلالية التي سيتمتع بها الحزب عن قيادة جماعة الإخوان. ويحظى أحد الاقتراحات الداخلية الذي يهدف إلى أن يقتصر عدد أفراد جماعة الإخوان المسلمين الذين يمكن أن يكونوا أعضاءً في الحزب السياسي على الثلث أو في الحد الأقصى، نصف إجمالي أعضاء الحزب، بالتأييد سواء داخل فرع الشباب أو على مستوى القيادة القديمة. بالنسبة إلى الإخوان الشباب، تبدو هذه المبادرة جذّابة بقدر ماتتناسب مع وجهة نظرهم الشاملة إزاء السياسة. ويوضح أحد أعضاء الفرع الشبابي ذلك بالقول: “إن وضع مثل هذا الحد سيفصل في الواقع الدعوة عن السياسة وسيمكّننا من العمل مع الإسلاميين وغير الإسلاميين، وربما حتى مع أبناء الأقليات ممن يرغبون بالإنضمام إلينا”.

يبدو أن هذا المقترح يجد صداه أيضاً لدى القيادة القديمة لجماعة الإخوان السورية. فقد تعلّموا من سلبيات التجربة المصرية؛ حيث تؤثّر جماعة الإخوان هناك بقوة في سياسة الرئيس محمد مرسي وحزب الحرية والعدالة الحاكم. فمع تزايد الانتقادات الموجّهة إلى مرسي وحزبه، انخفضت أيضاً شعبية الإخوان المسلمين في مصر. فقد أكّد عضو مقرب من قيادة جماعة الإخوان السورية قائلاً: “لانريد (النموذج المصري) حيث يعكس زعيم الحزب صورة جماعة الإخوان المسلمين”.

مهما تكن تفاصيل الهيكل الداخلي للحزب السياسي مستقبلاً، فإنه سيحتاج في الحال إلى بناء إطار أيديولوجي يتم فيه تنفيذ الأنشطة السياسية. وثمّة أدلّة تشير إلى أن هذا سيكون أصعب مما توقّعه معظم المحلّلين. ذلك أن السنوات التي أمضتها جماعة الإخوان في المنفى وصراعها من أجل البقاء، لم تجعلها في وضع مؤاتٍ لتحقيق نهضة أيديولوجية. ففي أوائل العقد المنصرم نشرت جماعة الإخوان السورية ميثاق الشرف الوطني، ومن ثم مشروعها السياسي.6  بيد أن المشروع كان مادة دسمة لكثير من الجدل الداخلي حيث استغرق ثلاث سنوات من المناقشات قبل أن يتمكّن واضعوه من نشره في العام 2004. ونتيجة لذلك لم تقدم وثيقة المشروع مقترحات تفصيلية حول السياسة المتعلّقة بقضايا محدّدة مثل الاقتصاد أو المحاكم، وركّزت بدلاً من ذلك على فكرة “الدولة المدنية” المجردة التي تكون فيها الشريعة الإسلامية الظاهرية مرجعاً ثقافياً يحترم التنوّع أكثر منها نظاماً ثيوقراطياً (حكومة دينية) ينتهك حقوق الأقليات. قدمت وثيقة صدرت مؤخراً بعنوان “بناء الدولة السورية”7  مزيداً من التفاصيل حول رؤية الإخوان المسلمين للهوية السورية ومستقبل النظامين السياسي والاقتصادي في البلاد، لكنها مع ذلك ظلت قاصرة عن وضع مجموعة محدّدة من المقترحات المتعلقة بالسياسات.

كما يبدو أن الجمود الأيديولوجي لجماعة الإخوان السورية يعكس الصراع الداخلي المرير فيها، والذي يؤلّب الصقور على الحمائم. وكما يوضح أحد قادة التنظيم، فإن “هناك مدرستين فكريتين داخل جماعة الإخوان السورية. وفي حين تبدو إحداهما راسخة في تفسيرها الجامد والإصولي للنصوص المقدسة، تتميّز الأخرى بنظرة براغماتية وأكثر ثقافة تقريباً”.

تطور الاتجاه البراغماتي بعد تأسيس التنظيم في العام 1945 مباشرة، حيث استرشد به خلال تجربته في البرلمان السوري في الفترة الممتدة مابين العامين 1950 و1960. واليوم يشيد معظم الإخوان السوريين بالقيادات التاريخية للجماعة أمثال مصطفى السباعي ومحمد المبارك بوصفهم نماذج حقيقية. ويتعايش هذا الجناح البراغماتي مع الاتجاه الأكثر عقيدية الذي نشأ تحت قيادة سعيد حوّا وعدنان سعد الدين في أواخر سبعينيات القرن الماضي في حماة. وهذا الاتجاه هو الذي قاد جماعة الإخوان المسلمين إلى المقاومة المسلحة ضد نظام البعث.

منذ ذلك الحين، جرت الخلافات الأيديولوجية داخل التنظيم على أسس مناطقية إلى حدّ كبير. وأصبح ينظر إلى الإخوان السوريين من أبناء محافظات حماة وإدلب ودير الزور عموماً بوصفهم “متشدّدين”، بينما يوضف أبناء محافظات حلب وحمص واللاذقية ودمشق بأنهم “براغماتيون” أو بشيء من الازدراء، “التجار” المستعدين للتفاوض والتوصل إلى حلول وسط عندما يصبّ ذلك في مصلحتهم. في معظم الحالات، تبدو جماعة الإخوان السورية حائرة بين الأيديولوجية الصلبة التي تبناها محمد فاروق طيفور ابن التنظيم القوي المولود في حماة ونائب زعيمه، الذي يتهم في كثير من الأحيان “باستخدام يده أولاً، ومن ثم رأسه”، وبين خط براغماتي يدافع عنه منظّر الجماعة زهير سالم، الذي “يفكر برأسه أكثر مما يفكر بيده”.

إلا أن الانقسامات المناطقية داخل جماعة الإخوان لم تُملِ التوجّهات الأيديولوجية على نحو واضح كما كانت تفعل في الماضي. فقد دفعت الانتفاضة السورية إلى الواجهة قضايا جديدة وفريدة. واليوم تشمل الموضوعات التي تشهد نقاشاً ساخناً داخل التنظيم مسألة ما إذا كان ينبغي على الإخوان المسلمين السوريين الذين يقومون بالأعمال الخيرية داخل البلاد المطالبة بعضويتهم.

أما في الحقل السياسي، فلا تزال التوجّهات الأيديولوجية ملائمة. إذ لخّص عضو إخواني مقرب من القيادة المسألة بالقول: “تتمثّل العقبة الرئيسة التي تقف في طريق التنظيم عندما يتعلق الأمر بتأسيس حزب سياسي في نوع الرسالة التي سيقدمها في نهاية المطاف. فبرنامجه السياسي سيتأثّر إما بالخط المتشدّد الذي يروّج له فاروق طيفور أو بالرؤية التصالحية التي يقدمها زهير سالم”. ومن المرجّح تماماً أن تستقّر جماعة الإخوان في نهاية الأمر على تبنّي برنامج سياسي هو مزيج من الرؤيتين. فقد اعتبر أحد المصادر أنه: “مع أن معظم الناس داخل التنظيم يشاركون زهير سالم آراءه، إلا أن الحزب السياسي سيحتاج لقدرات فاروق طيفور الفريدة لضخ الموارد إلى سورية، إلى جانب مؤهلاته كمعارض عنيد للنظام”. وسيكون هذا صحيحاً، خصوصاً عندما يتعلّق الأمر بالتودّد إلى السلفيين.

حلّ المسألة السلفية

برز السلفيون كإحدى القوى الأكثر صخباً وتأثيراً في الانتفاضة السورية. فقد برهنت المليشيات السلفية على الأرض، مثل كتائب أحرار الشام، أنها قادرة عسكرياً على مقارعة أكثر قوات النظام ولاءاً، ونتيجة لذلك، فهي تكتسب شعبيةً بين صفوف المتمرّدين. ومن الناحية الأيديولوجية، تلقى دعوتهم إلى العودة إلى تطبيق منهج السلف وصحابة النبي صدىً متزايداً لدى جمهور الأنصار من السوريين السنّة المحافظين.

 ومع ذلك السلف مجموعةٌ متنوّعة. إذ يستغل بعضهم، من يسمّون السلفيون العلميون، “الدعوة”، وأحياناً السياسة، لإقناع المجتمع ليصبح أكثر تديّناً. ويرغب آخرون، السلفيون الجهاديون، في فرض الشريعة الإسلامية. ومن شأن التعامل مع المجموعة الأخيرة أن يشكّل تحدّياً كبيراً لحكومة انتقالية لمرحلة مابعد الأسد تضمّ الإخوان المسلمين. فقد جادل أحد الإخوانيين السوريين بالقول: “تركّز وسائل الإعلام على التوتّرات داخل المعارضة بين الإسلاميين والعلمانيين؛ لكن المعركة المقبلة في الواقع ستؤلّب الإسلاميين المعتدلين ضد السلفيين الجهاديين”.

وبسبب هذه الضبابية للبرنامج الأيديولوجي لجماعة الإخوان المسلمين، يتعيّن على المرء أن يضع في هذا الإطار دعوات الجماعة “للنظر إلى الإسلام كقوة وسطية”8 . فمن خلال تقديم أنفسهم كمجموعة وسط بين السنّة الأقل تديّناً أو حتى العلمانيين من جهة وبين السلفيين من جهة أخرى، يأمل الإخوان المسلمون أن يحظوا بقبول أوسع من المجتمع السوري والعالم الخارجي على حدٍّ سواء. وثمّة دلائل تشير إلى أن جماعة الإخوان المسلمين ستكون جاهزة تماماً لكي توجّه على الأقل بعض الطاقة السلفية التي أطلق لها العنان خلال الثورة بعيداً عن العنف الجهادي وتحوّلها إلى منبر سياسي بنّاء.

والواقع أن بعض قادة الحركة السلفيية المرموقين في سورية كانوا أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين، وحافظوا في كثير من الحالات على علاقات طيبة مع التنظيم حتى بعد الانفصال عنه. وهذت هو حال الشيخ سرور زين العابدين، على سبيل المثال، أحد أفراد عشيرة الحريري التي يتوزع أفرادها في جميع أنحاء درعا، وأحد الأعضاء البارزين في جماعة الإخوان المسلمين في سورية عندما كانت الجماعة منخرطة في الحياة السياسية خلال خمسينيات وستينيات القرن المنصرم. وقد ترك سرور جماعة الإخوان بعد أزمة القيادة التي احتدمت فيها أواخر ستينيات القرن المنصرم، لكنه ظل قريباً من فصيل حلب. غادر محمد سرور سورية متوجهاً إلى المملكة العربية السعودية حيث تعرّف على الحركة الوهابية وحاول تسييسها؛ ثم طلب اللجوء إلى المملكة المتحدة قبل الانتقال إلى قطر حيث يقيم حتى الآن. وعلى الرغم من طول مدة نفيه، لايزال شخصيةً محترمة لدى السلفيين السوريين الذين يموّلهم بسخاء.

وتشير بعض المصادر أنه إذا ما أجريت انتخابات حرة في مرحلة مابعد الأسد بسورية فإن سرور أو ابنه بشير زين العابدين، سيحصدان الكثير من الأصوات في جنوب غرب البلاد، إذ هناك يمكنه التحالف مع الإخوان المسلمين. قال أحد المقربين من قيادة التنظيم: “أنا على يقين أن بعض السلفيين ممن يتبعون مذهب الشيخ السرور سينضمون إلى جماعة الإخوان المسلمين داخل إئتلاف”. وقد تلعب الولاءات المعقّدة المستوحاة من النزعة المناطقية والصداقات الشخصية في نهاية المطاف دوراً أكثر أهمية من الأيديولوجية في ربط الجماعات المختلفة ضمن تحالفات. فعلى سبيل المثال، كان بإمكان الشيخ عدنان العرعور، وهو شخصية سلفية سورية بارزة تعزف على الوتر الشعبوي في برنامجه التلفزيوني الذي يبث في المملكة العربية السعودية، الانضمام أيضاً إلى تحالف تقوده جماعة الإخوان المسلمين بسبب ولائه لطيفور. فقد أوضح إخواني سوري الأمر قائلاً: “الشيخ العرعور ليس صديقاً للإخوان المسلمين، بل هو صديق لحماة وبالتالي، صديق لطيفور”.

على أي حال، مسألة بناء التحالفات ليست في دائرة الضوء الآن، فالاهتمام منصبّ حالياً على العدد الكبير من الجماعات السلفية المسلحة المتمرّدة التي ظهرت على الساحة منذ بداية الانتفاضة. وفي حين تستبعد جماعة الإخوان المسلمين خيار التعاون المشترك مع جماعة جبهة النصرة السلفية الجهادية، فإنها مع ذلك تبدو أكثر نشاطاً في مغازلة التيار الرئيس في الحركة السلفية العلمية. ويتّخذ هذا أحياناً شكل تمويل أو تدريب. فقد ذكر مصدر مقرّب من الجيش السوري الحر أن “أحد كبار القادة في الجيش السوري الحر تلقّى عرضاً من ثلاثة أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين لتدريب 1200 شخص في معسكر في منطقة إدلب”. ومع أنه من الصعب التأكّد من دقة هذه التصريحات بشكل مستقلّ، فإن من المرجّح أن مثل هذه العمليات جارية بالفعل بطريقة أو بأخرى. فقد أكّد عضو سابق في جماعة الإخوان السورية ذلك بالقول: “عمل بعضنا في مجال التدريب في معسكرات الجيش في العراق المجاور عندما كنا نقاتل النظام السوري في ثمانينيات القرن الماضي؛ ولذا فنحن نعرف كيف نفعل ذلك”.

بيد أن دعم جماعة الإخوان لبعض المجموعات السلفية المسلحة جاء بنتائج عكسية أحياناً، خصوصاً عندما شعر السلفيون أنهم كان يُستَغلّون كبيدق على رقعة شطرنج سياسية أكبر.9  ويبدو أن هذا كان حال “صقور الشام” وهو لواء سلفي ينشط في منطقة جبل الزاوية شمال من سورية. وكان أحمد الشيخ (أبو عيسى)، قائد اللواء، انضم بدايةً إلى هيئة حماية المدنيين، وهي منبر يتألف بشكل رئيس من الإخوان المسلمين الحاليين والسابقين الذين يقدمون التمويل والدعم المادي للجماعات المتمرّدة. لكنه ترك الهيئة عندما طُلب إليه، كما يقال، أن يعلن ولاءه السياسي لجماعة الإخوان المسلمين السورية.

يمكن أن تولّد هذه العملية شعوراً بالمرارة تجاه الإخوان المسلمين، وقد تنتهي بتعريض موقف التنظيم، الذي يقدم نفسه كقوة “وسطيّة” تحاول ردم الهوّة بين التيار الإسلامي المعتدل والاتجاه السلفي، إلى الخطر. وهذا قد يدفع الناس بطبيعة الحال إلى البحث عن خيارات أخرى.

بعد أن ترك أبو عيسى هيئة حماية المدنيين، تعاون مع عماد الدين الرشيد، وهو المنافس “الوسطي” الأبرز للإخوان والشخصية المعارضة التي تحظى بشعبية متزايدة.10  عندما غادر الرشيد، الوكيل السابق لكلية الشريعة بجامعة دمشق، إلى اسطنبول في بداية الانتفاضة، كان بإمكانه الاعتماد على شبكة واسعة من الطلاب السابقين والناشطين السياسيين الذين قام على رعايتهم منذ أوائل تسعينيات القرن المنصرم. ومع أن جماعة الرشيد تنشط بصورة أساسية في العاصمة السورية، إلا أنه بدأ بتوسيع نفوذه في بقية أنحاء البلاد. وقد منحته قدرته على جمع التبرعات مايكفي من الموارد المالية لتوفير الدعم للعديد من الجماعات المتمردة، كما تمكّن أيضاً من لعب دور أساسي في محاولة فضّ النزاعات الناشئة في سورية. وفي كانون الثاني/يناير 2013، دخل الرشيد إلى المناطق السورية الكردية، وقيل إنه نجح في التوسط لوقف إطلاق النار بين سبع مجموعات من المتمردين العرب والأكراد وبين حزب الاتحاد الديمقراطي – وهو فصيل كردي بارز ومقرّب من حزب العمال الكردستاني الانفصالي التركي.

وتعوّل جماعة الرشيد السياسية، الحركة الوطنية السورية، على مزايا أخرى أيضاً. فرسالتها الوسطيّة تتنافس مع رسالة جماعة الإخوان. إذ قال أحد مستشاري عماد الدين الرشيد المقربين مفاخراً: “يوجد في جماعتنا بعض الأعضاء الليبراليين مثل المسيحيين والعلويين. ومهما تكن خلفيتنا الدينية والسياسية، فإننا نتّفق جميعاً على النظر إلى الإسلام بوصفه مرجعاً في النظام السياسي مستقبلاً – ولكن باعتباره مرجعاً ثقافياً وحضارياً أكثر منه مرجعاً قانونياً أو حتى دينياً”. كما انضمّت الحركة الوطنية السورية إلى جبهة تحرير سورية، وهو ائتلاف إسلامي من القوى المتمردة تحظى فيه الجماعات السلفية العلمية مثل صقور الشام، بأهمية بارزة.

يشكّل النجاح المتزايد لجماعة الرشيد والظلال المتنامية التي تلقيها الحركة الوطنية السورية على جماعة الإخوان المسلمين المنفية تهديداً لمستقبل الإخوان في سورية. وتبرز حقيقة أن الرشيد باحث إسلامي معروف في سورية حاجة الإخوان إلى التودّد إلى العلماء النافذين والدوائر الانتخابية الرئيسة الأخرى داخل سورية.

التودّد إلى العلماء

العدد الكبير من شيوخ الدين السوريين ورجال الدين المحليين، الذين لم تتلطّخ سمعتهم بمساندة نظام البعث، هم من سيحملون مفتاح عودة الإخوان المسلمين النهائية إلى سورية. فالعلماء الذين ظلوا في سورية بعد حملة القمع التي جرت في أوائل ثمانينيات القرن الماضي يستفيدون من أتباعهم المحليين. وقد يوفّرون لجماعة الإخوان المنفية قاعدة اجتماعية قائمة بالفعل في ما لو أرادوا دعمها.

على المستوى الأيديولوجي، ثمة أرضية مشتركة كبيرة بين جماعة الإخوان المسلمين وبين معظم علماء سورية؛ والواقع أن بعضهم أعضاء في جماعة الإخوان السورية. ومن أبرز هؤلاء الشيخ محمد علي الصابوني الذي يترأّس رابطة العلماء السوريين وهو عضو في فصيل حلب بجماعة الإخوان.

لن يكون الدعم الذي سيقدمه العلماء للإخوان خارجاً عن المألوف. فمن الناحية التاريخية، دعم أغلب علماء البلاد جماعة الإخوان في الانتخابات خلال أربعينيات وخمسينيات القرن المنصرم. وخلال الأزمات الدستورية التي حدثت في العامين 1949 و1973، وفّر هؤلاء العلماء شبكة علاقاتهم ومؤهّلاتهم الدينية إلى التنظيم الإسلامي، الأمر الذي ساعد جماعة الإخوان على حشد الدعم للتغييرات الدستورية التي قامت بها.11

بيد أن القمع الذي مورس خلال ثمانينيات القرن الماضي وما أعقبه من نفي للإخوان المسلمين غيّر الديناميكيات المؤثّرة في تلك العلاقة، فمع غياب جماعة الإخوان، بدأ العلماء بالاستفادة من احتكار المشهد الديني، والسياسي أحياناً. ونتيجة لذلك ازداد نفوذهم واستقلاليتهم بشكل كبير – إلى درجة أن بعضهم، مثل عماد الدين الرشيد ومعاذ الخطيب ومحمد اليعقوبي، يُعِدّون العدة الآن لمنافسة الإخوان المسلمين في سورية مابعد الأسد.12

أوضح رجل دين معارض بارز من دمشق أن قادة الإخوان “يرَون في العلماء الذين لايساندونهم خطراً على وجودهم نفسه؛ فعندما يقف أحد المشايخ في وجه النظام ويحاول لعب دور سياسي، فإنهم يشعرون بالتهديد لأن ذلك يسحب البساط من تحت أرجلهم ويعطي العلماء الشرعية الكاملة لكسب تأييد الجماهير”.

ويبدو أن هناك أخوين على وجه التحديد، أسامة وسارية الرفاعي، سيبدآن بلعب دور مؤثر في سورية مابعد الأسد قد يقرّر حظوظ جماعة الإخوان مستقبلاً من النجاح أو الفشل في الانتخابات. وقد جرى تحجيم نفوذ جماعة الإخوان في العاصمة السورية لأن أزمة القيادة في ستينيات القرن المنصرم شهدت تحوّل معظم أنشطة الجماعة إلى حلب. واستقال معظم الأعضاء الدمشقيين من جماعة الإخوان في تلك المرحلة، بمَن فيهم عبد الكريم الرفاعي، وهو شيخ بارز ووالد أسامة وسارية الرفاعي ومؤسس جماعة زيد .13 ومن خلال التركيز على التعليم، سعى الرفاعي إلى بناء شبكة من المساجد داخل مدينة دمشق من شأنها أن تعمل كمراكز تعليمية لتجار السوق والحرفيين من الطبقة الوسطى في دمشق؛ كانت غايته أن تؤدي هذه الشبكة إلى تأسيس مجتمع إسلامي متديّن ومزدهر.14

عندما تُوفّي عبد الكريم الرفاعي في العام 1973، خلَفه ابنه الأكبر، أسامة في قيادة جماعة زيد. ومع أن قادة الجماعة أحجموا عن اتّخاذ مواقف سياسية قوية في البيئة المتوترة التي سادت في أواخر سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن المنصرم، فقد انضمّ أعضاء عاديون من جماعة الإخوان إلى المعارضة المسلحة التي حظيت أيضاً بدعم من الإخوان المسلمين؛ إلى حدّ أن النظام قرر نفي أسامة وسارية إضافة إلى زملائهما المقربين. بحلول ذلك الوقت كان الأخوان الرفاعي قد اكتسبا تأثيراً واسعاً في المجتمع الدمشقي.

سمح النظام للأخوين الرفاعي بالعودة إلى سورية بعد عشر سنوات من استقرار الوضع السياسي. نأت جماعة زيد عن ممارسة العمل السياسي تماماً وركّزت من جديد على التعليم في المسجد، وعلى العمل الاجتماعي بشكل مطّرد. وبحلول نهاية العام 2000، أصبح بإمكان جماعة زيد الاعتماد على “إمبراطورية خيرية”15 ، لكنّ هذا الالتزام بالابتعاد عن السياسة تغيّر مع بداية انتفاضة العام 2011. إذ أدّى دعم الأخوين الرفاعي المبكّر للمحتجّين إلى تعزيز شعبيتهما وإن بشكل أكبر لدى الطبقة الوسطى السنيّة ومجتمع التجّار في العاصمة، ويقدَّر أن بوسع جماعة زيد اليوم الاعتماد على مجموعة من 20 ألفاً من الأتباع الملتزمين تتوزّع على اللاذقية وحمص إضافة إلى دمشق، حيث يقال أن الحركة تسيطر على شبكة من أكثر من 450 مسجداً.

من السهل أن ندرك، في بيئة كهذه، لماذا أصبح التودّد إلى جماعة زيد أولوية بالنسبة إلى جماعة الإخوان السورية. فإضافة إلى القاعدة الاجتماعية الكبيرة والمؤهّلات الدينية والصدقيّة الشعبية التي يمكن أن يوفّرها التحالف مع أسامة وسارية الرفاعي، من شأن هذا أن يُقحم التنظيم الإسلامي في المجتمع الدمشقي. وهذا مطلب أساسي بالنسبة إلى حركة الإخوان التي فُصِلت عن “جناح دمشق” التابع لها منذ أواخر الستينيات. لابل إن البعض يشير إلى أنه، من دون هذا التحالف المحتمل، لن يستطيع التنظيم إدارة حكومة انتقالية بفعالية. وقد أقرّ إخواني سوري مقرب من شيوخ جماعة زيد أنه ضمن مثل هذا التحالف “لن تندمج جماعة زيد مع الإخوان المسلمين لأنها تمتلك الآن، بصورة مفهومة، “وسمها” الخاص ومن شبه المؤكّد أن لها حزبها السياسي”. وأضاف: “لكنها ستتعاون، بطبيعة الحال، في إطار ائتلاف إسلامي”.

ربما تبدو الجماعتان مختلفتين، لكن لاتزال هناك روابط عضوية بينهما. فالكثير من الإخوان المسلمين السوريين الشباب الذين وُلِدوا في المنفى درسوا تحت رعاية شيوخ جماعة زيد الذين طلبوا اللجوء في المملكة العربية السعودية حتى بداية تسعينيات القرن المنصرم. يستذكر أحد أعضاء جماعة الإخوان قائلاً: “درسنا القرآن والحديث والتفسير وسيرة النبي وكتابات بعض المفكرين السياسيين المعاصرين من أمثال محمد قطب. وبالتالي، تنتمي جماعة زيد وجماعة الإخوان المسلمين، من نواح كثيرة، إلى المدرسة الفكرية نفسها”.

على أرض الواقع، يحاول هؤلاء الإخوان المسلمين الشباب إعادة مد الجسور بين الجماعتين من خلال تنفيذ مشاريع مشتركة مع جماعة شباب زيد. أما في خارج سورية فهناك تقارير تفيد عن عقد اجتماعات عدة بين أسامة وسارية الرفاعي، وبين قادة جماعة الإخوان المسلمين. ومع ذلك، ليس من الواضح بعد ما إذا كانت جماعة زيد – خصوصاً بعد أن أمضت سنوات عدة في بناء شعبيتها في دمشق – ستكسب أم ستخسر من تحالفها مع جماعة الإخوان المسلمين السورية.

التواصل مع الطوائف غير السنّية في سورية

ثمّة أولوية أخرى بالنسبة إلى جماعة الإخوان المسلمين السورية تتعلق بكيفية استرضاء الأقليات الدينية في البلاد على النحو الأفضل. فالتركيبة السكانية في البلاد تتألف من 13 بالمئة من أطياف الشيعة (بمَن فيهم العلويون والشيعة الإثنا عشرية والإسماعيلية والزيدية) و10 بالمئة من المسيحيين و3 بالمئة من الدروز. وتعلم جماعة الإخوان المسلمين بالتأكيد أنها لن تنال الكثير من الأصوات من هذه الشرائح من المجتمع السوري، لكنها لاتزال ترى أن مشروعها المتمثّل في بناء “سورية الجديدة” يرتكز على رغبة الأقليات في التخلّي عن نظام الأسد. ولهذا السبب، فإن إقناع الطوائف غير السنّية بأن جماعة الإخوان المسلمين لن تتعدّى على حقوقها، في حال تولّت السلطة عبر الانتخابات، يشكّل حجر الزاوية في استراتيجيتها السياسية. كما أن جماعة الإخوان السورية حريصة أيضاً على التأكيد بأن هذا التسامح يشكّل جزءاً من رؤيتها للكيفية التي ينبغي أن يكون عليها المجتمع. فقد أعلن أحد قادة جماعة الإخوان المسلمين في مقابلة أجريت معه مؤخراً قائلاً: “سندافع عن جميع حقوق الأقليات؛ حيث إن الإسلام يحثنا على ذلك”.16

ومع ذلك، يبدو أن مثل هذه التصريحات لاتحظى باهتمام واسع داخل سورية. فثمة شرائح لابأس بها من الطوائف غير السنّية في البلاد لاتزال تتمسّك برواية النظام بأن الانتفاضة الحالية تعكس “صراعاً بين الإسلام السياسي والقومية العربية العلمانية”.17  ووفقاً لأحد المعارضين العلويين البارزين، فإن سورية تعاني من “تجدد الخوف الباطن لدى الأقليات على بقائها وهو الخوف الذي ظهر أثناء أعمال العنف التي اندلعت أواخر سبعينيات وأوائل ثمانينات القرن المنصرم”. وبحسب المعارض العلوي، يساعد هذا الخوف على تفسير السبب وراء الفجوة الهائلة بين خطاب جماعة الإخوان المسلمين المُطَمئِن، وبين افتقارها الظاهر للتأثير على الطوائف غير السنّية على الأرض.

ربما يكون هذا الانفصال أيضاً نتيجة لإحجام الطوائف غير السنّية عن الصفح عن جماعة الإخوان المسلمين بسبب ممارساتها خلال التمرّد بين العامين 1976 و1982. فقبل ثلاثين عاماً، تحوّل الصراع السياسي الذي خاضه التنظيم ضد نظام البعث والذي كان سلمياً في بداياته، تحت وطأة القمح الوحشي، إلى مواجهة طائفية وعنيفة بين السنّة السوريين والأقليات الدينية. وفي خضمّ تلك الفوضى، تعاونت جماعة الإخوان المسلمين مع جماعة متطرفة تسمى الطليعة المقاتلة، التي استهدفت خصوصاً شخصيات من الأقلية العلوية. ربما التأمت الجراح التي خلفتها فظائع الماضي جزئياً، لكن ندوبها لاتزال غائرة.

حاولت جماعة الإخوان المسلمين التصدّي لإرثها. فقد أقرت جماعة الإخوان جزئياً،18  في وثائق نُشرت في العامين 2001 و2004، بأخطائها وأجرت “مراجعة شاملة لسياساتها” بما في ذلك نبذ العنف وتقديم وعود بالمساواة في الحقوق بين جميع المواطنين بصرف النظر عن خلفياتهم الدينية أو العرقية. وأكد المعارض العلوي الذي يعمل مع جماعة الإخوان في المعارضة أن “جماعة الإخوان السورية تغيّرت. فقد تركت نتائج المواجهة الطائفية ندوباً عميقة في الجماعة أيضاً وأخذت العبرة من ذلك”. ومضى أحد نشطاء المعارضة السورية البارزين، من خلفية مسيحية هذه المرة، إلى القول: “الصورة السلبية التي لاتزال بعض الدوائر المسيحية تحملها عن جماعة الإخوان السورية تُعزى في الأساس إلى محاولة النظام على مدى ثلاثين عاماً زرع بذور التضليل الإعلامي والريبة”. لابل إن البعض يشير إلى أن الاغتيالات التي نُفِّذّت بحق بعض الشخصيات البارزة من غير السنّة في ذلك الوقت، مثل المعارض العلوي محمد الفاضل عميد جامعة دمشق، قد قام بها أشخاص من داخل النظام وألقيت مسؤوليتها فيما بعد على الطليعة المقاتلة والإخوان المسلمين. وفي ضوء ذلك كله يتعين على المرء أن ينظر إلى نداءات التنظيم القوية من أجل “تشكيل لجنة تحقيق في هذه الأحداث تمتلك حرية الوصول إلى جميع المعلومات ذات الصلة”.19

يشير عدد متزايد من النشطاء، من الطوائف غير السنّية ومن جماعة الإخوان المسلمين، إلى إمكانية حدوث تغيير في ديناميكيات العلاقة بين المجموعتين في نهاية المطاف. وقد شبّه أحد المعارضين السوريين الفترة الحرجة التي ستعقب إطاحة الرئيس الأسد بالفترة التي سعت خلالها سورية إلى الاستقلال، وهي الحقبة التي “دعمت جماعة الإخوان المسلمين خلالها فارس الخوري ]أول رئيس وزراء مسيحي في سورية[ في منتصف أربعينيات القرن المنصرم، لابل إنهم تحالفوا مع المسيحيين المحافظين في بعض المناطق”. وبرأيه، فإن سورية في مرحلة مابعد الأسد ستوفّر أرضية مماثلة للتعاون بين الإخوان المسلمين والأقليات الدينية.

يقول بعض النشطاء إن ديناميكية التعاون تطورت لدى الجماعة منذ فترة ليست بالقصيرة في المنفى. ففي العام 2005، نظم قادة جماعة الإخوان من الخارج لعودة مذهلة إلى الخريطة السياسية السورية من خلال التوقيع على إعلان دمشق مع المعارض السوري المسيحي البارز ميشيل كيلو، وبإعلانهم أن التنظيم الإسلامي سيقبل بانتخاب كيلو رئيساً لسورية إذا ماحقق ذلك عبر انتخابات حرّة ونزيهة.

ولكي تضفي مزيداً من الواقعية على تصريحاتها، شجّعت جماعة الإخوان ترشيح جورج صبرا, وهو مسيحي ماركسي, لمنصب رئيس المجلس الوطني السوري في تشرين الثاني/نوفمبر 2012. كما دعمت ترشيح منذر ماخوس، المعارض العلوي، سفيراً للإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية لدى فرنسا. وتحدثت معظم الأقليات الدينية التي تعمل مع جماعة الإخوان المسلمين، سواء في المجلس الوطني السوري أو الإئتلاف الوطني، عن بعض التجارب الإيجابية نسبياً نتيجة تفاعلها مع الإخوان المسلمين؛ إذ أوضح عضو في إحدى الأقليات الدينية قائلاً: “هم محافظون بطبيعة الحال، لكنهم منفتحون جداً من الناحية السياسية، وهذا هو حال الأقليات لأنها تسعى جاهدة إلى إظهار حسن نواياها”. وذكر عضو آخر أن “تطميناتها المستمرة – جماعة الإخوان – بأنها ستدعم أي شخص يُنتخب رئيساً بصرف النظر عن الخلفية الدينية التي جاء/جاءت منها، تشكّل نقطة تحوّل في تاريخ حركات الإخوان المسلمين في المنطقة”.

ومع ذلك، سيكون من الصعوبة بمكان بالنسبة إلى جماعة الإخوان استرضاء، ناهيك عن العمل مع، جمهور آخر قوي من الناخبين، حيث إن نسبة 10-15 بالمئة من سكان سورية هم من الأكراد. والأكراد في أغلبهم سنّة، على غرار جماعة الإخوان، لكنهم ليسوا عرباً. ويتعلق نقدهم الرئيس لجماعة الإخوان المسلمين بإشاراتها التاريخية إلى الإرث العربي لسورية أكثر منه بتوجّهاتها الإسلامية. يشير أحد المعارضين الأكراد البارزين والعضو في هيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي، وهي منبر معارض يضم العديد من جماعات الأقليات العرقية والدينية، إلى أن “فكر جماعة الإخوان المسلمين جزء لايتجزأ من القومية العربية بقدر ماهو جزء من الإسلام السياسي”.

والواقع أن هناك تاريخاً طويلاً من المرارة ينتاب العلاقة بين الأكراد في سورية وجماعة الإخوان المسلمين. فعندما أسفر إحصاء العام 1962 عن سحب الحكومة الجنسية السورية من العديد من الأكراد، أيّد التنظيم الإسلامي هذا القرار. وبعد عقدين من الزمن، أي بعد مجزرة حماة، وجد بعض قادة الإخوان ملاذاً في العراق في عهد صدام حسين الذي قدم لهم السلاح والمال. وقد التزم الكثير منهم الصمت عندما أمر الدكتاتور بتطهير شمالي العراق من الأكراد في العام 1988. وظهر الشعور بأن جماعة الإخوان السورية – في جوهرها – “معادية للأكراد” مرة أخرى بعد أن اختارت الجماعة تركيا، وهي البلد الذي طالما اتُّهِم بالتعدّي على الحقوق الثقافية والسياسية للأقلية الكردية، كي تكون مقرّها الجديد في المنفى بعد الدعم المبكر الذي قدّمته أنقرة للمعارضة السورية في العام 2011.

تدرك جماعة الإخوان المسلمين السورية علاقتها الطويلة والمعقّدة مع أكراد سورية. وقد أقرّت الجماعة بأخطاء الماضي وحاولت إجراء مصالحة في وثيقة أيار/مايو 2005. وبعد بضعة أشهر، عقدت الجماعة تحالفاً في المنفى مع نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام باسم جبهة الخلاص الوطني. وضمت الجبهة أيضاً عدداً من الأحزاب الكردية كما أن نائب الرئيس فيها معارض كردي. لم تدم هذه المبادرة طويلاً، لكن شكلاً آخر من التعاون بين الإخوان المسلمين والأكراد ظهر مع انتخاب عبدالباسط سيدا، وهو كردي، رئيساً للمجلس الوطني السوري الذي يهيمن عليه الإخوان في العام 2012. إلى جانب ذلك، فإن أحدث المنشورات الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين أكثر شمولاً على مايبدو، حيث تشير إلى اللغة العربية بوصفها اللغة المستخدمة في “الفضاء المفتوح للتقارب والتفاعل” مع الأعراق المتنوعة في سورية أكثر من كونها مرجعاً ثقافياً أرفع منزلة.20

كما توفّرت لجماعة الإخوان الفرصة للتقرّب أكثر من الإسلاميين الأكراد. ففي شباط/فبراير 2005، سافر الشيخ محمد معشوق الخزنوي، وهو باحث إسلامي كردي بارز ولديه شريحة كبيرة من الأتباع في المناطق الكردية، إلى بروكسل لإجراء محادثات مع زعيم جماعة الإخوان المسلمين. وقد أدّى اغتيال الخزنوي بعد ذلك ببضعة أشهر إلى جعله ومزاً للإسلاميين الأكراد، حيث شكّل بعضهم أول حزب إسلامي كردي، وحدة العمل الوطني لكرد سورية، في العام 2006. وجاء دفاع هذا الحزب عن الحقوق السياسية والثقافية للأكراد ضمن إطار سوري قريباً من أسلوب الإخوان المسلمين بشأن هذه المسائل.21

وخلص أحد أعضاء جماعة الإخوان المقربين من القيادة إلى القول: “لانتوقع أن ينضم إلينا الكثير من الأكراد، لكننا نتوقع بالفعل عقد تحالف مع الأحزاب الإسلامية الكردية”.

خلاصة

لايزال أمام جماعة الإخوان المسلمين شوط طويل قبل أن تستعيد ثقة المجتمع الكاملة وتتموضع للاضطلاع بدور قيادي في الإطار السياسي والأمني الذي ينبثق من ركام الثورة السورية. فقد اعتدلت طموحات جماعة الإخوان بفعل الصعوبات التي تواجهها سياسة المعارضة، وتحديات بناء قاعدة دعم شعبية داخل سورية، فضلاً عن ظهور جهات إسلامية فاعلة أكثر تشدّداً على الساحة السورية. ويعزّز عدد من الأحداث الأخيرة صورة الحركة التي لاتزال تحاول التكيّف مع المطالب الجديدة لدورها الأكثر علنية، والحاجة إلى تقديم وبناء تحالفات في الداخل والخارج.

تعزّزت شكوك المعارضة السورية الدائمة بجماعة الإخوان المسلمين في أوائل نيسان/أبريل 2013؛ يومها، جمّد عدد من المعارضين المؤثرين عضويتهم في الإئتلاف الوطني المعارض في أعقاب انتخاب غسان هيتو، وهو إسلامي مقرّب من الإخوان المسلمين، كرئيس للحكومة الانتقالية المكلّفة إدارة شؤون المناطق المتمردة. ففي انتخابات مغرقة في السرية والألاعيب السياسية خلف الكواليس، وجهت المعارضة السورية انتقادات مبطنة لجماعة الإخوان المسلمين مستنكرة “السيطرة الدكتاتورية التي يمارسها أحد تيارات ]المعارضة[” بسبب الانتخاب غير المتوقع لهيتو المجهول نسبياً.22

بدلاً من اغتنام الفرصة لمواجهة دورها في المعارضة السورية بطريقة أكثر شفافية داخل البلاد وخارجها، رفضت جماعة الإخوان المسلمين كل الانتقادات بوصفها أكاذيب نابعة من “حملة تشويه”23.  لابل إن زعيم الجماعة صرّح قائلاً: “نحن لانسعى إلى السلطة”.

وبالمثل، فإن جهود جماعة الإخوان الأولية للترويج لما تصفها بأنها رسالة اعتدال لطمأنة المنتقدين داخل سورية وخارجها في مايتعلق بنواياها، فشلت في تحقيق الغاية المرجوّة منها. ولاتزال المخاوف بشأن أيديولوجية الجماعة قوية بين الطوائف غير السنية والسوريين الأكثر علمانيةً والجهات الفاعلة الرئيسة في المجتمع الدولي ولاسيما الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا الغربية.

كما أن تعامل جماعة الإخوان المسلمين مع القرار الأميركي في كانون الأول/ديسمبر 2012 بإدراج جبهة النصرة على لائحة المنظمات الإرهابية الأجنبية عزّز هذه المخاوف. فبعد أن وصفت الجماعة هذه الخطوة بأنها “مخطئة جداً” و”متسرّعة جداً”24 ، شعرت الجماعة بالحرج بعد إعلان جبهة النصرة لاحقاً عن ولائها لتنظيم القاعدة في العراق. واستغرق الأمر جماعة الإخوان المسلمين أسبوعاً تقريباً لتصدر ردّ فعل رسمياً ينتقد إعلان جبهة النصرة بوصفه “خطأً كبيراً لن يخدم سوى النظام”، في حين أصرّت رغم ذلك على أن التطرّف غير موجود في سورية.25  وفي حين تمتلك جماعة الإخوان القدرة العسكرية والسياسية لتكون بمثابة ثقل موازن للجماعات المتطرّفة داخل سورية، فإنها ستحتاج إلى بذل المزيد من الجهود لإقناع منتقديها بأنها تأخذ هذا الدور على محمل الجدّ.

وعلى الرغم من تاريخها الإخوان الحافل بالعمل في السياسة السورية، يستمر البعض في النظر إلى جماعة الإخوان بوصفها كياناً غريباً يمثّل الفرع المحلي للحركة المصرية الأم. ولكي تكسب القلوب والعقول، فإن جماعة الإخوان السورية بحاجة إلى التحرك بشكل حاسم لتعريف نفسها في سياق تاريخها الطويل. كما ستحتاج الجماعة إلى التعامل بصورة كاملة مع الظروف التي أدّت إلى نفيها لثلاثين عاماً، وأن تبدي استعدادها للتفكير في الأخطاء التي ارتكبت في سنواتها الأولى. إن من شأن هذه الخطوات أن تسهّل على الأقليات الدينية، ولاسيّما العلويين، فهم مدى التغيّر الذي طرأ على جماعة الإخوان منذ ثمانينيات القرن المنصرم، وأن تكون منفتحة على التأكيدات بأن التنظيم أصبح الآن مستعداً حقاً لتبني الوسطية باعتبارها سمة أيديولوجية وسياسية مُحدَّدة.

وأخيراً، تعقّدت استراتيجية الإخوان المسلمين الوسطية بسبب موقفها من إمكانية التوصّل إلى تسوية تفاوضية للصراع الدائر في سورية، وهي القضية التي أثارها الرئيس السابق للائتلاف الوطني معاذ الخطيب في أواخر العام 2012 وأوائل العام 2013. فمعارضة جماعة الإخوان العنيدة لإجراء أي شكل من أشكال الحوار مع ممثّلي نظام الأسد ودفعها بغسان هيتو (الذي يشارك الإخوان المسلمين موقفهم من هذه القضية) في انتخابات الإئتلاف الوطني ربما كانت مفيدة للمتشدّدين. لكن من المرجّح أنها عزّزت موقف النقاد الذين يعتقدون أن جماعة الإخوان عازمة على فرض النتائج أكثر منها على إيجاد السبل الكفيلة بحلّ مشكلات سورية.

ومع دخول الأزمة السورية عامها الثالث، لايمكن لجماعة الإخوان المسلمين تحمّل أن تكون متقاعسة إزاء المستقبل. فإذا كانت تأمل في طيّ صفحة سمعتها كمجتمع سري وأن تتموضع للقيام بدور قيادي في المستقبل، فيتعين عليها أن تشرح بصورة أكثر علنية الأساس المنطقي الكامن خلف قراراتها، وأن تكون أكثر انفتاحاً على النقد والنقاش. إذ سيكون نجاح جهودها في التواصل مع جيل الشباب من أعضاء جماعة الإخوان، ومشاركتهم في صناعة القرار، حاسماً بالنسبة إلى هذه العملية. ويكمن الخطر في أنه إذا لم تبذل جماعة الإخوان المسلمين جهوداً أكثر جرأة للتعريف بها، فإن الآخرين هم من سيعرّفونها. وفي سياق هذه العملية، ستفقد الزخم الذي عملت بجدّ على تنميته على مدى السنوات الثلاث الماضية.

هوامش:

1. “Syrian Muslim Brotherhood to Launch a Political Party,” Agence France-Presse, July 20, 2012.

2.  للحصول على المزيد من المعلومات عن “النفير” والديناميكيات التي موضعت جماعة الإخوان المسلمين ضدّ نظام البعث في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الماضي، أنظر:

 Raphaël Lefèvre, Ashes of Hama: the Muslim Brotherhood in Syria (Hurst & Co., London, 2013(.

 3. ما لم يتم النص على خلاف ذلك، تستند هذه الدراسة إلى مقابلات أجراها الكاتب في كانون الأول/ديسمبر 2012 وشباط/فبراير 2013.

 4. Jeffrey Martini et al., The Muslim Brotherhood, Its Youth and Implications for US Engagement (RAND Corporation, Santa Monica, 2012), 9.

 5. “Syria’s Brotherhood Promises Peace, Stability for Syria,” Today’s Zaman, January 20, 2013.

 6.  للحصول على نسخة من “مشروع جماعة الإخوان المسلمين السياسي” “The Muslim Brotherhood’s Political Project”، أنظر:

 Raphaël Lefèvre, Ashes of Hama, 223–28.

 7. للحصول على نسخة من ميثاق “بناء الدولة السورية” “Building the Syrian State” الخاص بجماعة الإخوان المسلمين، أنظر:

 http://carnegie-mec.org/publications/?fa=50663

 8.  العبارة مقتبسة من ميثاق جماعة الإخوان المسلمين، “بناء الدولة السورية”.

 9. للحصول على تحليل مفصَّل أكثر عن تدخّل جماعة الإخوان في النزاع المسلّح في سورية، وإمكانية أن يرتدّ هذا التدخّل سلباً على الجماعة، أنظر:

Raphaël Lefèvre, “The Syrian Brotherhood’s Armed Struggle,” Carnegie Endowment for International Peace, December 14, 2012, http://carnegie-mec.org/publications/?fa=50380.

 10.  للحصول على مزيد من المعلومات عن عماد الدين الرشيد، أنظر:

“Trying to Mold a Post-Assad Syria From Abroad,” New York Times, May 5, 2012.

 11.  للحصول على مزيد من المعلومات عن الديناميكيات المعقّدة التي تحدّد شكل العلاقة مابين العلماء وجماعة الإخوان المسلمين في سورية، أنظر:

Thomas Pierret, Religion and State in Syria: The Sunni Ulama Under the Ba’th (Cambridge: Cambridge University Press, 2013).

12.  Tam Hussein, “The Vital Role of the Ulama in Post-Assad Syria,” New Statesman, August 9, 2012, www.newstatesman.com/blogs/politics/2012/08/vital-role-ulama-post-assad-syria.

 13.  للحصول على مزيد من المعلومات عن أزمة القيادة هذه، أنظر:

Lefèvre, Ashes of Hama, 88–96.

 14.  Abdulrahman al-Haj, State and Community: The Political Aspirations of Religious Groups in Syria, 2000–2010 (London: Strategic Research and Communications Centre, 2010), 32–33.

 15.  Thomas Pierret and Kjetil Selvik, “Limits of ‘Authoritarian Upgrading’ in Syria: Private Welfare, Islamic Charities and the Rise of the Zayd Movement,” International Journal of Middle East Studies, 41 (2009): 595–614.

 16. “Syria’s Brotherhood Promises Peace, Stability for Syria.”

 17.  “Assad: Challenge Syria at Your Peril,” Daily Telegraph, October 29, 2011.

 18. أنظر “مشروع جماعة الإخوان المسلمين السياسي” “The Muslim Brotherhood’s Political Project” المذكور في:

Lefèvre, Ashes of Hama, 227.

 19. المصدر السابق، ص 226.

 20. أنظر ميثاق جماعة الإخوان المسلمين، “بناء الدولة السورية”:

http://carnegie-mec.org/publications/?fa=50663

 21.  Al-Haj, State and Community: The Political Aspirations of Religious Groups in Syria, 53.

 22.  “Syria’s Muslim Brotherhood: Influential, Organized, but Mistrusted,” Daily Star, April 4, 2013, www.dailystar.com.lb/News/Middle-East/2013/Apr-04/212490-syrias-muslim-brotherhood-influential-organized-but-mistrusted.ashx.

 23.  Lauren Williams, “Brotherhood Rails Against ‘Smear Campaign,’” Daily Star, April 13, 2013, www.dailystar.com.lb/News/Middle-East/2013/Apr-13/213539-brotherhood-rails-against-smear-campaign.ashx#axzz2RJlthSaW.

 24.  ”Syrian Brotherhood Says U.S. Wrong to Blacklist al-Nusra,” Daily Star, December 11, 2012,

www.dailystar.com.lb/News/Middle-East/2012/Dec-11/198108-syrian-brotherhood-says-us-wrong-to-blacklist-al-nusra.ashx.

 25. Williams, “Brotherhood Rails Against ‘Smear Campaign.’”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى