صفحات الناس

مقالات تناولت استشهاد عبد القادر الصالح

لأنه يمتلك كاريزما القائد وحرّر 70 في المئة من حلب: النظام السوريّ يحتفل بمقتل “حجّي مارع”/ عارف حمزة

يحقّ للنظام السوريّ أن يحتفل بمقتل القائد العسكريّ للواء التوحيد، التابع للجيش السوريّ الحرّ، الشهيد عبد القادر الصالح، بعد أن أعلن مراراً عن جائزة مقدارها مائتي ألف دولار لمن يلقي القبض عليه، أو يُساهم بتقديم معلومات تؤدّي للقبض عليه، أو يقتله. ويحقّ للجيش السوريّ الحر، بمقدار أكبر، الحزن على فقدان “حجّي مارع” في عمليّة تبدو استخباراتيّة دقيقة، أكثر منها قصفاً عشوائيّاً، أو رمية من غير رام.

من هو “حجّي مارع” ومسقط رأسه

ولد القائد عبد القادر الصالح في عام 1979 في مدينة “مارع” من الريف الشمالي لمدينة حلب. وهو متزوج وله خمسة أولاد. وكان يعمل في تجارة الحبوب والمواد الغذائيّة، قبل أن يترك هذه الأعمال ويلتحق بالثورة السوريّة التي انطلقت في آذار من عام 2011. ويُلقّب بحجّي مارع تحبّباً به؛ فلقب “حجّي” تعني الحاج وتقال هكذا للشخص نفياً للتفخيم وتبسيطاً للشخص على أنه قريب من القلب، ولبيس متعالٍ على الناس.

ويعتبر الصالح “داعية إسلامياً” عمل في سوريا والأردن وتركيا وبنغلادش، بعد إنهاء خدمته في وحدة الأسلحة الكيميائيّة في الجيش السوريّ. وهو من المنظّمين لأوائل التظاهرات السلميّة التي خرجت في ريف حلب، قبل أن يتحوّل الى العمل العسكريّ لإسقاط النظام.

أمّا مدينة مارع فاسمها مشتق من السهل الممرّع؛ بمعنى السهل الذي تكثر فيه المراعي. ومارع هو اسم الفاعل من مرعى أو مُمرع. وهي تبعد عن مدينة حلب 35 كيلومتراً إلى الشمال منها، ومن الحدود التركيّة 25 كيلومتراً، ويبلغ عدد سكانها ما يقارب ستين ألف نسمة. وهي مدينة ذات تربة خصبة جداً، وتاريخ خصب؛ حيث توالى على احتلالها، وإخضاعها، الكثير من الغزاة منذ الاسكندر المقدونيّ، الذي ترك فيها حامية، مروراً باليونانييّن والعثمانييّن، إلى الاحتلال الفرنسيّ.

خرجت أول تظاهرة فيها تنادي بالحريّة بتاريخ 22/4/2011. وقدّمت أكثر من ستين شهيداً من المقاتلين الأشدّاء، عدا عن الكثير من المدنييّن الذين سقطوا في جولات انتقام النظام منها.

من التظاهرات إلى تشكيل لواء التوحيد

لم تتأخر مارع إذن، كما بقيّة الريف الحلبيّ، عن الالتحاق بالتظاهرات المنادية بالحريّة ضدّ النظام السوريّ، وسرعان ما تحوّلت إلى تظاهرات تطالب بإسقاطه. وكان الصالح من القادة السلمييّن لتلك التظاهرات. وعندما استخدم النظام آلته الحربيّة والأمنيّة لخنق تلك التظاهرات، والقضاء عليها، وبدء سقوط القتلى والجرحى في تلك التظاهرات، ونقلت الصور للعلن اعتداء الأمن بوحشيّة على الذين هتفوا للحريّة واسقاط النظام، مناصرين لمدينة درعا التي تمّ حصارها بالدبابات ومختلف المدرّعات، مانعين عن سكانها الغذاء والدواء وحليب الأطفال.. قام الصالح بحمل السلاح مشكّلاً “كتيبة مارع”، حيث تبرّع من ماله الخاص لتسليح مجموعة من شبّان المدينة المشاركين معه في الحراك الثوريّ. واستطاعت هذه الكتيبة تحرير المدينة من قوّات الجيش والأمن المتواجدة فيها.

وعند اعتداء القوّات السوريّة على الريف الحلبيّ، اتحدت عدّة كتائب مقاتلة، من بينها كتيبة مارع، لتشكيل “لواء التوحيد” بتاريخ 18/7/2012، الذي تحوّل بعد فترة قصيرة إلى أقوى وأكبر التشكيلات العسكريّة المقاتلة لجيش النظام، حيث اتحد 29 فوجاً، يضم العشرات من الكتائب المقاتلة، وهي اتحاد الكتائب المجاهدة في مدن الباب ومنبج وجرابلس وتل رفعت ودارة عزّة ودير حافر ومسكنة ودير جمّال وحلب شمال وحلب غرب وعين العرب وريف حلب الشرقي والجنوبي والسفيرة وبيانون ورتيان وبزاعة وصرين وكتائب إدلب واخترين ومعرة النعمان والرقة والطبقة وحلفايا بحماه والحولة بحمص ودوما بريف دمشق وكتائب الزبير بن العوّام وكتائب أبناء الصحابة واتحاد كتائب نصر سوريّا. وكان القائد العام لهذا اللواء هو عبد العزيز سلامة، بينما قائد العمليّات كان حجّي مارع، وقارب عدد مقاتليه العشرة آلاف مقاتل بأسلحة خفيفة ومتوسّطة، التي باع الصالح عدداً من أملاكه من أجل الحصول عليها، وبعض الأسلحة الثقيلة التي غنمها من مخازن قوّات النظام.

لواء التوحيد يُثير رعب النظام

رغم أنّ الاحتجاجات بدأت في مدينة حلب، على شكل تظاهرات صغيرة، منذ “جمعة العزّة” بتاريخ 25/3/2011، إلا أنّها لم تكن ضخمة إلا بعد إعلان التنسيقيّات عن “بركان حلب” بتاريخ 30/7/2011، وكان حينها يشهد الريف الحلبيّ عمليات انتقاميّة من النظام السوريّ. ولكنّها شهدت أكبر تظاهرة في جمعة “لن نركع إلا لله” بتاريخ 12/8/2011 في الكثير من أحيائها، والتي شهدت سقوط عدد من القتلى والجرحى في حيّ الصاخور.

وتأتي أهميّة حلب كونها المدينة الصناعيّة الأولى في البلاد، وصلة الوصل بين المناطق الشرقيّة والساحليّة، حيث مخزن قوّات النظام البشري والاستراتيجيّ. وكذلك بسبب العدد الهائل من السكان في تلك المدينة.

شارك لواء التوحيد بتحرير الكثير من مناطق ريف حلب، مثل معركة السيطرة على مدينة إعزاز ومدن جرابلس والراعي ، والكثير من البلدات الكبرى في الريف الشمالي للمدينة.

كان لواء التوحيد قد خطط لدخول مدينة حلب من الطرف الشرقي لمدينة حلب، ولكن اندلاع الاشتباكات في حيّ صلاح الدين عجّل بدخول جزء من قوّاته، بقيادة أحمد يوسف الجانودي، من الطرف الغربيّ، وذلك بتاريخ 20/7/2012، بينما في اليوم التالي دخل القسم الباقي من القوّات، بقيادة عبد القادر الصالح، من الطرف الغربيّ حيث بدأت معركة الفرقان، والمعارك الأخرى، لتحرير مدينة حلب من قبضة النظام؛ وتمّ تحرير أحياء صلاح الدين وسيف الدولة والصاخور، والسيطرة على المراكز الأمنيّة في النيرب وهنانو وثكنتها والصالحين والشعّار ومقرّ الجيش الشعبيّ ومشفى الكندي، ومدرسة المشاة ومباني البحوث العلميّة، خلال معركة القادسيّة، ومضافة آل بري، مركز شبّيحة النظام في مدينة حلب، حيث تمّ إعدام 14 من آل بري إثر محاكمة ميدانيّة سريعة، زادت من شعبيّة اللواء بين أهالي المنطقة، وخوفهم كذلك. وفي المحصّلة فقد سيطرت قوّات لواء التوحيد على ما يقارب من 70 في المئة من مدينة حلب.

ويُعتبر لواء التوحيد من أكثر الألوية التي لبّت النداء لفكّ الحصار عن مناطق خارج حلب؛ مثل معركة “القصير” ومعركة “قادمون يا حماه” وعاد، قبل أسابيع من استشهاده، للمشاركة في معركة السفيرة، التي شهدت معارك ضارية، انتهت بسقوط السفيرة في يد النظام.

دولة العراق والشام وبداية سقوط حلب

جاء إعلان الدولة الإسلاميّة في العراق والشام بقيادة أبو بكر البغدادي، بتاريخ 9/4/2013، بعد دمج فصيل جبهة النصرة معها. وبدأت العمل بشكل عكسيّ للثورة السوريّة؛ فبدل التوجّه لمحاربة قوّات النظام السوريّ ومراكزه، وتحرير المناطق الواقعة تحت سيطرته، مثل دمشق والحسكة واللاذقيّة وطرطوس والسويداء، توجّه نحو المناطق المحرّرة منها، مثل الرقة وحلب ودير الزور وريف الحسكة، وافتعل عدة أزمات مع فصائل الجيش الحرّ، ومنها مع لواء عاصفة الشمال في أحداث مدينة أعزاز الشهيرة. وكان لواء التوحيد دائم التوسّط بينها وبين بقيّة الفصائل التابعة للجيش الحرّ.

ولم يُخفي القائد الصالح اختلاف أفكاره وقوّاته مع داعش، ولكنّه رآها اختلافات، وليس خلافات.

وفي الوقت الذي شكّل لواء التوحيد الهيئات الشرعيّة والضابطة الشرعيّة والمحاكم والسجون، لمنع أعمال النهب والسرقة وترويع الأهالي والتعدّي على الممتلكات والأرواح، تمّ اتهام داعش بتلك الأفعال في أكثرها، ما جعل الخلافات تنشب بشكل متواصل بين الجانبين، وكذلك بدأ يزيد النقمة من الأهالي على الجيش الحرّ.

ومنذ وصول داعش إلى مناطق حلب بدأ التحارب بين الفصائل المنضوية تحت لواء التوحيد، والفصائل المتعاونة معه. في الوقت ذاته الذي جلس فيه النظام متفرّجاً على حلب، تاركاً داعش تقوم بدورها في إضعاف الجيش الحرّ هناك، طوال ما يقرب من عام كامل. وفي الأشهر الأخيرة أعلن الصالح، وفي أكثر من تصريح، بأنّ لواءه لا يستلم أيّة أسلحة جديدة نوعيّة من التي تمّ إدخالها إلى الداخل، وتوزيعها على الكثير من الفصائل. وبأنّ مقاتليه باتوا “يعتمدون على الله في القتال وليس على السلاح”. في الوقت الذي قدّم فيه العقيد “عبد الجبّار العكيدي” استقالته من منصبه كرئيس للمجلس العسكريّ الثوريّ التابع للجيش الحرّ، وكان أحد أسباب استقالته “نتيجة لتعنت البعض عن الاستجابة للدعوة إلى التوحّد ورصّ الصفوف، والتعالي عن الأنا والغرور، مما أدّى إلى تراجع الجبهات، وخسارة طريق الإمداد، وآخر الخطب سقوط مدينة السفيرة”.

ومنذ الإعلان عن تواتر الاجتماعات بين الفصائل الإسلاميّة من أجل إعلان الوحدة بين قوّاتها لتشكيل “جيش محمّد”، وكان الصالح محور هذه الاجتماعات، في تقريب وجهات النظر والأفكار المستقبليّة، وإعلان النفير العام من أجل الدفاع عن حلب، واستعادة السفيرة، حيث كان النظام قد أعلن عن حربه لاستعادة حلب منذ نهاية شهر تشرين الأول الماضي. وبدأ النظام بالفعل بشنّ هجومه، بالتعاون مع قوّات حزب الله اللبنانيّ وقوات أبي الفضل العباس العراقيّ، على شكل كمّاشة من الجانبين الشمالي والشرقيّ لمدينة حلب، وبدأت بمعركة السفيرة ومطار منغ، للتوجّه إلى داخل أحياء مدينة حلب، بعد أن تأكّد بأنّ الخلافات والتناحر والاختراقات قد وصلت الى مرحلة متقدمة.

هل هناك خيانة في اغتيال حجّي مارع؟

بسبب شخصيّته المحبوبة، سواء من مقاتليّ الجيش الحرّ أو من أهالي محافظة حلب أو من الناشطين السلمييّن الثورييّن حتّى، وأفكاره المعتدلة حول شكل الدولة المراد إقامتها، بعد إسقاط نظام الأسد. وبسبب موقفه الإيجابيّ من الأقليّات، حيث صرّح بأنّه يتمنّى لو كان من الأقليّات، وبسبب بيعه الكثير من ممتلكاته للحصول على السلاح من أجل تدعيم مقاتليه، بعكس الذين صنعوا ثروات طائلة من النهب والسرقة، وبسبب التأكيد عليه من قبل كبار شيوخ حلب، والثناء على صدقه وأمانته، التي اشتهر بها حتّى قبل اندلاع الثورة. ورغم أنّه نعى الائتلاف السوريّ المعارض “لتشرذمه وانقسامه”، ورفض العمل تحت مظلّته السياسيّة، إلا أنّه ظلّ يعمل من أجل توحيد جهود الثوّار، وتقريب وجهات النظر والأفكار، بخاصّة مع الفصائل المتشدّدة، ولم يقم بإشاعة اليأس أو الخذلان، بل ظلّ مبتسماً، وأصوات القذائف تعلو من حوله، ليشيع الفكرة بأنهم منتصرون لا محالة، وإشاعة الرعب في أوصال جيش النظام، والمتعاونين معه، بأنهم خاسرون وساقطون لا محالة أيضاً.

وإنّ أكثر ما يُخيف النظام، لو راجعنا جرائمه في اغتيال شخصيّات شعبيّة كثيرة، هو هذه الشخصيّة الجامعة، التي تملك كاريزما القائد الحقيقيّ. لذلك صار عبد القادر الصالح هو العدوّ رقم واحد للنظام السوريّ، والحجر الأوّل الذي يجب اقتلاعه من أساس النضال الثوريّ، كي يتهدّم هذا البناء الثوريّ كلّه، ولتكون حلب هي البداية. وهذا ما جعل الصالح يتعرّض لعمليتيّ اغتيال سابقتين، نجا منهما بإعجوبة، إحداها عند استهداف مكان إجراء مقابلة معه من قبل قناة إخباريّة عربيّة بصاروخ، والأخرى عندما تمّ إطلاق النار عليه من قبل شخص بقي مجهولاً لحدّ الآن.

الأخبار أتت لتعلن إصابة الصالح بجروح بعد استهداف مقر كتيبة المشاة في حلب، حيث كان يجتمع مع قادة وعناصر من الجيش الحرّ، يوم الخميس 14/11/2013، وبأنّه توفّي متأثّراً بجراحه ليل السبت 16/11/2013 بعد نقله لأحد مشافي مدينة غازي عنتاب التركيّة، ووري الثرى في قبر حفره بيديه، وأوصى بدفنه فيه عند موته، في مدينته مارع في 18/11/2013، التي تضم رفات، ابن مدينته، الشاعر رياض الصالح الحسين.

ولكن وصلتنا معلومات، نتكتّم على مصدرها، تفيد بأنّ إصابة صالح لم تكن داخل مبنى كليّة المشاة، ولا أثناء الاجتماع!. لو أخذنا بهذه الفرضيّة لكان هناك عدد كبير من القتلى الآخرين المجتمعين معه، أو الجرحى على الأقل. بل المعلومات التي بين أيدينا تفيد بأنّه تمّ استهداف سيّارة عبد القادر الصالح بمجرّد خروجه من الاجتماع بصاروخ من الجوّ. والفرضية تقول بأنّه يوجد من سرّب المعلومات، للذي أعطى الأوامر للطائرة كي تقصف بدقة شديدة، مكان الاجتماع، ولحظة خروج الصالح، مع القياديين يوسف العبّاس (أبو الطيّب)، قيادي في لواء التوحيد، وعبد العزيز السلامة، القائد العام للواء التوحيد، ونوع السيارة التي ستقلّهم، وربّما تمّ وضع علامة على تلك السيّارة، يمكن رؤيتها من الطائرة التي ستقصفها. حيث جرح في العمليّة سلامة واستشهد أبو الطيب. ولم يتمّ الإعلان عن إصابة غيرهم!. بمعنى أنّه يوجد اختراق وخيانة في موضوع الاغتيال هذا. وربّما هذا ما جعل أحد الناشطين، في تنسيقيّات الثورة السوريّة، يبارك لداعش، على صفحته الشخصيّة، فوزها بجائزة المئتي ألف دولار التي أعلن عنها النظام.

مهما يكن من أمر، وبالرغم من الحرب الإعلاميّة الشرسة التي شنّها النظام على الصالح، والأخبار التي كان يبثّها عن وحشيّة الصالح، ونقمة أهالي حلب عليه؛ لأنّه دخل المدينة وجعلها عرضة للقصف والدمار، فإنّ الصالح يبقى خسارة كبيرة يُمنى بها الجيش الحرّ، وهذه الخسارة قد تؤدّي، وفق تحليل الخبراء، إلى انهيار حلب، وسقوطها بيد النظام، أو تكون سبباً في وحدة الفصائل وتحقيق الأمنيات الكثيرة التي كان يتمنّاها، لسوريا الإسلاميّة المتعدّدة والمتحضّرة، ابن ريفها الصادق والطيب، والذي طافت صوره على صفحات الثوّار السورييّن بمختلف مشاربهم وانتماءاتهم. هو الذي قال ذات يوم: أحبّ أن تنتهي هذه الحرب ويسقط النظام، وأعود إلى بيتي وأطفالي وجيراني مواطناً سوريّاً عاديّاً، ولكن مرفوع الرأس.

المستقبل

مقتل «الحاج مارع» أبرز قائد ميداني للثوار في حلب

تاجر الحبوب الذي تحول إلى «أيقونة» للثورة السورية

أنطاكيا: وائل عصام

أعلن لواء التوحيد، أحد أكبر فصائل المعارضة السورية المسلحة في حلب، مقتل قائده العسكري عبد القادر صالح (الحاج مارع) متأثرا بجراحه التي أصيب بها في غارة لطيران النظام الخميس الماضي في حلب. ويعد صالح أبرز قائد عسكري للمعارضة يجري اغتياله منذ انطلاق الثورة السورية في مارس (آذار) 2011. وفور ورود نبأ مقتله نعته قيادات الفصائل العسكرية المعارضة في سوريا، وحول آلاف من شباب وناشطي الثورة السورية صور حساباتهم الشخصية على موقعي التواصل الاجتماعي («فيس بوك» و«تويتر») لصورة صالح.

ونشر أبو عبد الله الحموي، قائد «أحرار الشام»، كلمة له منذ يومين بدا فيها وكأنه ينعى «الحاج مارع» ليتجنب إعلان خبر وفاته. إذ يعتقد أنه توفي منذ ثلاثة أيام في مشفاه بالعاصمة التركية أنقرة وسط تكتم شديد من قيادات «لواء التوحيد». كما نعاه القائد العسكري البارز زهران علوش قائد «لواء الإسلام» والشيخ أبو عيسى قائد «صقور الشام». وكان النظام شن غارة جوية واستهدف بصاروخ فراغي مقر اجتماع قيادة لواء التوحيد في مدرسة المشاة شمال مدينة حلب، في عملية وصفها إعلام النظام السوري بـ«الدقيقة وبناء على معلومات استخباراتية». وقتل على الفور قائد عسكري في «لواء التوحيد» هو يوسف العباس (أبو الطيب) بينما أصيب بجراح طفيفة القائد العام للواء عبد العزيز سلامة. أما صالح فأصيب بشدة مع قائد الفوج الرابع في اللواء، أبو جعفر.

ويقول ابن عم «الحاج مارع»، هاشم صالح، الذي كان أخوه حاضرا الاجتماع لحظة الهجوم لكنه نجا بأعجوبة «كان الانفجار هائلا. صاروخ فراغي دمر المبنى. وانهالت الأنقاض على الحاج مارع وأبو جعفر. كان الحاج يحاول إزالة الركام من على أبو جعفر رغم إصابته التي كانت في الصدر».

ونقل صالح ورفاقه إلى مشفى بمدينة غازي عنتاب التركية القريبة من الحدود السورية، ثم نقل بإشراف السلطات التركية بطائرة خاصة لأحد مستشفيات أنقرة حيث فارق الحياة هناك نتيجة نزيف داخلي.

ودفن صالح ليلة أمس في مسقط رأسه مارع، في ريف حلب. ويقول هاشم صالح «لم يشأ أقرباؤه إقامة تشييع له لأنه سيكون كبيرا وسيحضره قادة الفصائل، وقد يتعرض لقصف النظام، ففضلوا دفنه بلا تشييع جماهيري».

وقبل أيام من مقتله أمضى صالح عدة أيام في تركيا مع ثلاثة من كبار القيادات العسكرية للفصائل الإسلامية للإعداد لتأسيس تشكيل موحد للفصائل الإسلامية. واجتمع عدة مرات مع زهران علوش قائد «جيش الإسلام» في ريف دمشق وأبو عيسى قائد «صقور الشام» وأبو طلحة القائد العسكري لـ«أحرار الشام». وعندما التقته «الشرق الأوسط» مؤخرا في اسطنبول، بدا «الحاج مارع» منشغلا بالتحضير للموقف الذي ستعلنه الفصائل بخصوص مؤتمر «جنيف 2» الخاص بالسلام في سوريا. وعندما سألته إن كانت توازنات القوى تمنح الرئيس السوري بشار الأسد فرصة للبقاء في السلطة، رد بحزم «بعد كل هؤلاء الشهداء؟ لا أبدا». وبدا «الحاج مارع» منزعجا من التقدم العسكري الذي يحرزه النظام في حلب مثل مدينة السفيرة واللواء 80 وفي المناطق المحررة عموما، في وقت تعجز فيه قوات معارضة عن حماية مواقعها. كما لم يخف تخوفه من صعوبة التوصل لنهاية قريبة للصراع في سوريا أو إسقاط الأسد والمراوحة حتى في الجبهات العسكرية والجمود في خطوط التماس المستمر منذ أكثر من عام. كما بدا حريصا على إيجاد حل مع الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) دون اللجوء للتصادم عسكريا، رغم إقراره الدائم بوجود خلافات كبيرة معها. وكان «الحاج مارع»، متزوج وله خمسة أولاد، واحدا من أبرز القادة العسكريين في مدينة حلب وريفها، ويقول المقربون منه إنه كان يتمتع «بشعبية جارفة وكاريزما مميزة» جعلت الشاب الريفي، الذي لا يتجاوز 33 عاما «أيقونة للثوار» منذ قيادته للحراك السلمي في مدينة مارع. وكان وقتها تاجرا للحبوب، وحين انطلقت الثورة قاد صالح المظاهرات السلمية ضد النظام وأطلق عليه حينها اسمه الحركي «الحاج مارع» الذي لم يكن أحد يعرف صاحبه حتى تشكيله أول كتيبة مسلحة بعدها بأشهر. ووحد مجموعة كتائب عسكرية في ريف حلب لتشكل أحد أكبر الفصائل المعارضة المسلحة في سوريا «لواء التوحيد» الذي كان أول من اقتحم حلب وحرر حي الصاخور، ثم تولى إدارة شؤون المناطق المحررة في مدينة حلب، مما أكسبه تعاطفا وتأييدا شعبيا.

وأصدر الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية الذي انتقده صالح بشدة خلال الفترة الأخيرة بيانا جاء فيه «ارتقى شهيدا المجاهد البطل عبد القادر الصالح، ابن سوريا البار، والقائد العسكري للواء التوحيد، متأثرا بجراحه التي أصيب بها في قصف عشوائي نفذه طيران الأسد المجرم على مدينة حلب قبل أيام». ويرى الباحث السويدي آرون لوند، الخبير في الشؤون السورية، أن مقتل صالح «في وقت يتقدم فيه النظام السوري في حلب، هو خبر سيئ جدا للمعارضة». بينما يقول تشارلز ليستر، المحلل في مركز أبحاث «آي إتش إس غاينز» حول قضايا الإرهاب، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن صالح «كان كفرد شخصا مهما جدا، وكان كثيرون في حلب وفي سوريا كلها ينظرون إليه على أنه ممثل فعلا للثورة».

الشرق الأوسط

من قاد حجي مارع إلى الموت/ فادي الداهوك

من غير الواضح ما اذا كان مقتل الصالح سيؤثر سلباً على تماسك لواء التوحيد

قبل مدة وضع النظام السوري مكافأة قدرها مئتي ألف دولار، لمن يسلم، قائد لواء التوحيد، عبد القادر الصالح، أو يقتله. المكافأة لم تجبر الصالح على الاختفاء، بقي وسط المعارك حتى قضى الأحد متأثراً بجراحه بعد أن استهدفت قوات النظام مدرسة المشاة في حلب، والتي كان الصالح يجتمع فيها مع قادة من اللواء، لينجح النظام في التخلص من اسم جديد من بين قائمة من قادة كتائب الجيش الحر يسعى جاهداً للتخلص منهم بأي طريقة.

مع ازدياد شعبية الجيش الحر في سوريا، عمد النظام إلى تشويه صورة أبرز قادته، ولا سيّما أولئك الذين حظوا بشعبية لم ترتبط فقط في المكان الذي كانوا يقاتلون فيه، مثلَ المقدم حسين الهرموش، قائد أول تشكيل عسكري من المنشقين يقاتل ضد النظام، والملازم أول عبد الرزاق طلاس، والعقيد يوسف الجادر “أبو فرات”، الذي قضى بعد تحرير مدرسة المشاة في حلب، المكان ذاته الذي قضى فيه عبد القادر الصالح.

لم يقتصر تشويه النظام لصورة أولئك القادة عند الشعب السوري فقط، بل كان يسعى دائماً إلى استخدام أسمائهم كفزاعات للغرب من خلال إعلامه الرسمي أو حتى أثناء المؤتمرات الدولية المتعلقة بسوريا.

قبل حوالي سبعة أشهر، وصف المندوب السوري الدائم لدى الأمم المتحدة، بشار الجعفري، عبد القادر الصالح، بـ”الإرهابي” التابع للقاعدة الذي سوف يجبر الأقليات في سوريا على الإسلام وإن لم يفعلوا سيقتلون بالسيف. كان ذلك بعد ظهور الصالح في لقاء على قناة العربية قال فيه “لكثرة ما تتحدثون عن الأقليات صرت أتمنى أن أصبح من الأقليات.. نحترم حقوق الأقليات، والله الأقليات سيعيشون حياةً أطيب من الحياة التي يعيشونها في ظل هذا النظام، لن يظهر أي تصرف يهين أو يهضم حق الأقليات”.

أقوال الصالح اقترنت على عكس الكثيرين بالأفعال طوال مدة قتاله في صفوف المعارضة. الصالح “33 عاماً” الذي كان تاجرَ حبوب قبل الثورة، وجد نفسه قائداً لإحدى المجموعات المسلحة بداية العمل المسلح ضد النظام مثلَ كثير من المدنيين الذين أجبرتهم ممارسات النظام على حمل السلاح. سميّ بـ”حجي مارع” نسبة للمنطقة التي كان أول من حمل السلاح فيها، بلدة مارع في ريف حلب، ليتولى أخيراً قيادة لواء التوحيد، أكبر الفصائل المسلحة في سوريا، الذي يتخطى عدد مقاتليه الـ10 ألاف.

وفيما لا يزال من غير الواضح ما اذا كان مقتل الصالح سيؤثر سلباً على تماسك لواء التوحيد، فإن تصفية “حجي مارع” تفتح الحديث الذي لم يغلق أصلاً عن اختراقات في صفوف الجيش الحر.

الحديث عن اختراق الجيش الحر يبدأ من قضية مقتل قائد لواء رجال الله، النقيب أمجد الحميد، الذي قضى في نسيان 2012، بعد يومٍ واحد من حديث له أمام جمع من الناس في الرستن أعلن فيه رفضه وصاية الشيخ عدنان العرعور، على “الجهاد” في سوريا، لكن برز هذا الاتهام أكثر على خلفية مقتل العقيد يوسف الجادر، القيادي في لواء التوحيد وقائد عملية تحرير مدرسة المشاة، التي اتهم فيها الناشطون تنظيمات متشددة بتصفية الجادر، بعد حديث مصور له من قلب مدرسة المشاة، التي سيطر عليها الجيش الحر، عبر فيه عن حزنه على الدبابات التي تدمرت وجنود النظام الذي قتلوا أثناء المعركة.

وعلى عكس قضيتي الحميد والجادر اللذان لم تحسم هوية من يقف وراء قتلهما، فإن مصلحة النظام في تصفية الصالح واضحة جداً، ولا سيّما أن الصالح ازدادت شعبيته يوم حضر من حلب إلى القصير في ريف حمص، برفقة قائد المجلس العسكري في حلب، عبد الجبار العكيدي، على رأس قوة من مقاتلي لواء التوحيد لمساندة الكتائب المقاتلة هناك التي كانت تواجه قوات النظام وحزب الله.

 ومن غير المستبعد أن يكون الصالح قد قضى بسبب وشاية أحد العملاء للنظام عن مكان الاجتماع الذي حضره، الخميس الماضي، برفقة قياديين من لواء التوحيد في مدرسة المشاة في حلب.  يعزز هذا الافتراض تعرض الصالح إلى محاولتي اغتيال، كانت الأخيرة في حزيران العام الحالي، وتزامنت مع اغتيال قائد لواء “أحفاد محمد” من خلال زرع عبوة ناسفة في سيارته في مدينة الميادين في دير الزور، وسبق ذلك محاولة اغتيال العقيد المنشق رياض الأسعد، قائد الجيش الحر، التي خسر فيها قدمه.

الصالح لم يكن فقط من أشد المعارضين للنظام، بل كان يرفض أيضاً الكثير من الممارسات التي تقوم بها الفصائل المسلحة.  ويسجل له قيامه بسجن أحد قادة الكتائب في حلب مطلع العام الحالي بعد قيامه بسرقة ذخيرة من مدرسة المشاة. كذلك كان يتفقد أحوال المدنيين طالباً منهم إبلاغه عن أي تصرفات سيئة يتعرضون لها من قبل المقاتلين، الأمر الذي أتاح له تعزيز شعبيته وجعل الكثيرين يتحسرون على خسارته.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى