صفحات العالم

مقالات تناولت اغتيال جامع جامع

 

على طريق جنيف2: جامع جامع خرج من المعادلة/ مـالـك أبـو خـيـر

غالبية مصادر المعلومات تؤكد أن جامع جامع تمّت تصفيته

بيروت – ممّا لا شك فيه أن كثيراً من الأسرار ذهبت مع جامع جامع، وملفّات كثيرة تمّ طيّها بأيدٍ أخرى تعمل على بقائها في السر حتى موعد معيّن. المؤكّد أن الرجل قضى، والتحليلات عديدة حول توقيت ذلك قبل مؤتمر جنيف2 المرتقب، حيث من المنتظر بدء صفحة أخرى في العهد السوري ينظِّر البعض إلى أنّها ستخلو من بعض الأسماء التي باتت عبئاً على نظام بشار الأسد.

إلى اللحظة لا تزال وكالات الأنباء غير قادرة على تحديد كيفية مقتل جامع الذي كان من أهمّ أيدي نظام بشار الأسد الأمنية الضاربة طوال فترة الثورة السورية. فالرجل الذي ينحدر من مدينة جبلة السورية قرب اللاذقية، كان بارزاً في المجال الأمني ضد الثوار، من حيث التخطيط والتنفيذ، وعبر وجوده في سلطة القرار الأمني للنظام. وكان أخيراً في رئاسة فرع الاستخبارات العسكرية في مدينة دير الزور.

غالبية مصادر المعلومات تؤكد أن جامع جامع تمّت تصفيته، لا على أيدي الجيش السوري الحر، كما أُذيع، ولا عبر عبوة ناسفة، وإنّما عبر عملية أمنية أدّت إلى إصابته برصاصة في الرأس، وبأمر من النظام السوري نفسه، ضمن خطة تهدف الى تنظيف البيت الداخلي قبل الذهاب إلى جنيف 2.

جهات في المعارضة السورية أكدت أن تصفية جامع تمّت بعد اشتباك مسلّح مع عناصره.

ملف اغتيال الرئيس رفيق الحريري في لبنان تردّد فيه إسم اللواء جامع جامع مرات، وتت تداول اتهامات يومها تؤكّد دور اللواء في تنفيذ عملية الاغتيال، وكان واحداً من الضباط السوريين الذين حقّقت معهم لجنة التحقيق الدولية في فيينا في عهد رئيسها ديتليف ميليس، كما أُدرج اسمه على اللائحة الاميركية السوداء للاشتباه بدعمه الارهاب وسعيه لزعزعة استقرار لبنان، دون نسيان دوره المهم كمفصل أساسي في العلاقة بين النظام السوري وحزب الله اللبناني.

يذكر أن جامع كان عمل في منصب مدير فرع الأمن والإستطلاع في بيروت أثناء تواجد الجيش السوري في لبنان، واتُّهم بالمشاركة في التخطيط لقتل الرئيس رينيه معوّض، كما له صولات وجولات في العلاقات الأمنية مع الأفرقاء اللبنانيين، ويحضر اسمه بقوة في بعض المواجهات التي حصلت بين الجيش السوري وحزب الله عند بدايات نشوء الأخير قبل أن تستوي الأمور بين الطرفين.

دوره في سوريا، كما تؤكد مصادر معارضة، كان “إجرامياً بامتياز” طوال فترة الثورة السورية، عبر الإشراف على تصفية أهم عنصر في الثورة وهو طابعها السلمي، وذلك من خلال ملاحقة كافة التنظيمات الشبابية من تنسيقيات وفرق إغاثة وعمل طبّي وإنساني، ليس في المنطقة الشرقية فحسب (أي دير الزور والرقة حتى حلب)، وإنما في غالبية المناطق السورية، ضمن خطة كانت تهدف لقتل روح العمل المدني في الثورة ودفعها نحو العمل المسلّح، ثم إضفاء الطابع الإسلامي المتشدد عليها.

كما أن جامع، بحسب المصادر عينها، أشرف على تصفية بعض الشخصيات التي كان لها دور مهم في العمل السلمي بشكل مباشر، كما لعب دوراً في العراق عبر تصدير الشخصيات الجهادية من خلال شبكة مرتبطة بإيران وبعض الأحزاب ذات الصلة بالنظام السوري في لبنان والعراق.

مقتل هذا الرجل قد لا يكون ضربة قاسمة لظهر النظام كما يعتقد البعض وإنما بداية لموقف جديد سيبدو واضحاً للعلن، كلما اقترب جنيف2، يكون خلالها النظام في دمشق أعاد ترتيب أوراقه، واضعاً شروطه على طاولة المفاوضات ومتخلصاً من اي عقبة تعيقه امام محكمة الجنايات الدولية.

جامع جامع ولائحة ميليس/ احمد عياش

في مثل هذا اليوم قبل ثمانية اعوام، أي في 19 تشرين الاول 2005 اصدر القاضي الالماني ديتليف ميليس رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة المنشأة عملاً بقرار مجلس الامن 1595 تقريره في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه التي حصلت في 14 شباط من العام نفسه. وعلى رغم مضي الاعوام الثمانية على صدور التقرير فهو لا يزال الاكثر اهمية في مسيرة التحقيق الدولي ومن ثم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي نشأت بعد التحقيق في هذه القضية. فهو لا يزال حاضراً بقوة في مسيرة قادة النظام الامني اللبناني – السوري المشترك الذين نفذت الجريمة ايامهم. ومن هؤلاء القادة اللواء في الاستخبارات العسكرية السورية جامع جامع الذي قتل في دير الزور اول من امس قبل يومين من الذكرى الثامنة لصدور تقرير ميليس. وتشاء الصدف ان يأتي مقتل جامع بعد ايام من صدور اتهام المحكمة الخاصة بحق حسن حبيب مرعي وهو “مناصر لحزب الله” حسب تعبير المحكمة بالضلوع في جريمة اغتيال الحريري على خلفية شريط احمد ابو عدس الذي حاول الجناة تصويره منفّذا للجريمة قبل ان يدحض التحقيق الدولي هذه الفرضية.وكتب ميليس في تقريره في ذلك الوقت قائلاً: “(…) تفيد التقارير بأن الشيخ احمد عبد العال (احد مسؤولي جمعية الاحباش) التقى مسؤول المخابرات السورية جامع جامع مساء 14 شباط 2005 واعطاه معلومات عن السيد ابو عدس وهي المعلومات التي نقلها جامع جامع الى قوى الامن الداخلي”. وفي مكان آخر يتطرق التقرير الى اتصالات خليوية رافقت جريمة الاغتيال والتي استندت اليها المحكمة في اتهامها الأخير فيقول: “حصلت اتصالات بين هذين الرقمين (وهما من مجموعة الارقام التي استخدمت يوم الجريمة) ورقم الهاتف الخليوي الذي يستخدمه ضابط المخابرات السورية جامع جامع يوميّ 14 و17 شباط 2005”. ويصل ميليس في تقريره وهو الاكبر من نوعه في قضية الحريري الى الآتي: “تخلص اللجنة بعد ان اجرت مقابلات مع شهود واشخاص مشتبه فيهم في الجمهورية العربية السورية وبيّنت ان ادلة كثيرة تشير بشكل مباشر الى ضلوع امنيين سوريين” في عملية الاغتيال.

كثيرون ممن واكبوا قضية الحريري وجدوا في تقرير المحكمة قبل ايام صدى لتقرير ميليس. ففي تقرير المحكمة ورد في اتهام العنصر الخامس من “حزب الله”: “اتفق (مرعي) مع الشركاء على اداء افعال من شأنها توجيه اللوم زورا الى جماعة اصولية وهمية”.

المحكمة اختارت سلوك نهج الصعود من الاسفل الى الاعلى فقررت ملاحقة افراد كومبارس الجريمة الذين قال الامين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله انه لن يجري تسليمهم الى المحاكمة ولو بعد مئات السنين. في المقابل اختار ميليس قبل ثمانية اعوام النزول من الأعلى الى الأسفل فظهرت اسماء قادة النظام الامني المشترك على شاشة الاتهام. وفي انتظار انطلاق قطار المحكمة السنة المقبلة يأتي مقتل جامع جامع بعد مقتل اللواء آصف شوكت ليؤكد ان محكمة التاريخ في سوريا تعمل بموجب لائحة ميليس.

النهار

جامع وأفعاله اللبنانية/ عمر حرقوص

بالتأكيد لم يكن اللواء في المخابرات السورية جامع جامع خليفة ممثل ألعاب الكاراتيه المشهور والمغفور له ”بروس لي“، ولا كان خريج أي مدرسة قتال يدوي ومصارعة حرة، ولكن كانت ”ضربة كفه بترن وبتخللي المعتقل اللبناني يحن“، أو أقله العدد الأكبر من المعتقلين اللبنانيين في سجون المخابرات السورية في بيروت. أولى مجازره اللبنانية في العام ١٩٨٧ كانت مجزرة فتح الله التي راح ضحيتها ٢٢ شاباً من ”حزب الله“، كما كان له العديد من المآثر في سجل ”الخلود“ اللبناني.. مات جامع جامع برصاصة قناص في الرأس، ليبدأ اللبنانيون قصائد الشتم والمديح في حق واحد ممن ساهموا في تغيير الخارطة السياسية اللبنانية في نهاية الحرب الأهلية في القرن المنصرم.

 ليس للواء جامع جامع محبين في لبنان، ولكن الخلاف السياسي المستحكم منذ العام ٢٠٠٥ بعد الانقسام العمودي بين مؤيدي سوريا ومستعديها، جعل الكثيرين من كارهيه السابقين يفتحون بيوت العزاء ”المتخيل“ إكراماً له، فقد مات الرجل الذي كانت لقبضته الأمنية صدى لدى سكان بيروت وضواحيها، في مرحلة الخروج من الحرب الأهلية.

حربه ”البيروتية“ الأولى بدأت في العام ١٩٨٥، فمع دخول المراقبين السوريين إلى بيروت قرر ”الرائد“ جامع جامع أن يؤدب عناصر ”حزب الله“ في ثكنة فتح الله في منطقة برج أبي حيدر ”شارع المأمون“ بسبب ظهورهم بسلاحهم، كان قراراً سياسياً بالتأكيد لتحجيم ”حزب الله“ في مرحلة ”الأزمة“ الإيرانية – السورية التي تلتها معارك ”حركة أمل“ و”حزب الله“. وصلت الدورية  إلى ثكنة فتح الله أو موقف السيارت الذي بنته بلدية بيروت بالقرب من منزل رئيس الحكومة السابق شفيق الوزان.. نزل عناصر المخابرات السورية، صرخ ”جامع“ بالحارس الظاهر على مدخل ”الثكنة“ طالباً إليه التقدم منه وتسليمه سلاحه. في تلك اللحظة لم يعلم جامع جامع ما حصل، فجأة حاصره مع عناصره العشرات من مقاتلي ”الحزب“ المستنفرين حول مبنى ثكنتهم وجردوه وعناصره من أسلحتهم وأحرقوا سياراتهم الستة (بيجو ستايشن بيضاء اللون).

يومها، حكى أهل المنطقة الكثير عن ”التأديب“ الذي تلقاه جامع ومرافقيه. ولكن ما رآه الناس بعد إخراج ”جامع“ من ”الثكنة“ جعل الرعب يدب في أوصالهم، فالضابط الثلاثيني لم يكن أبيض الشعر والشاربين يومها، حيث قرر ”الحاج“ المسؤول عن ”الثكنة“ أن يبقي الحادث ذكرى أبدية في ذاكرة ”جامع“. حلق له شاربه الأيمن وحاجبه الأيسر، واستعرضه أمام الناس في شارع ”المأمون“ ليشهدوا مذلة ضابط المخابرات السورية الذي أراد تأديب ”حزب الله“.

لم يمر الزمن طويلاً ليعود ”جامع“ في شباط ١٩٨٧ مع دخول الجيش السوري معززاً بدباباته بعد معارك ”أمل“ و ”الحزب الشيوعي“. وصل إلى ”الثكنة“ الخالية. بدأ بجمع الشبان المتواجدين عند مداخل الأبنية، كانوا ينتمون إلى ”حزب الله“ ويتابعون التحركات السورية وبالمصادفة كان يمر شاب ينتمي إلى حركة أمل من آل مهدي من بلدة خرطوم الجنوبية، أوقف ”جامع“ الشبان في مدخل أحد الأبنية وبدأ مع مرافقيه برميهم بالرصاص.. قتل الجميع باستثناء واحد روى القصة بعد اسبوعين في صحيفة ”العهد“ التابعة لـ ”حزب الله“.

افتتح ”جامع“ عامه البيروتي الجديد في موقع مقابل ”سينما الكواكب“ بالقرب من المحكمة ”الجعفرية“، هناك عرف الناس قدراته ”التأديبية“ هو وحراسه ومرافقيه.. كما أنه تحول بسبب من جيرته لـ”المحكمة“ حلّالاً لمشاكل المتزوجين والمطلقين. تنقلب الأيام ويتحول سريعاً إلى حلال مشاكل على صعيد أوسع في شوارع بيروت، اشتباك من هنا أو ضربة كف من هناك، وصولاً إلى رصاصة يتلقاها في ”حي اللجا“ أثناء حله لإشكال بين عناصر من ”أمل“ وعناصر من ”حزب الله“..

 كان ”جامع“ ابن ”شوارع“ يؤدب أبناء الشوارع ومسؤولي الأحزاب السياسية الصغار وكذلك العابرين على حواجزه من مواطنين، ولكنه في تلك الفترة لم يكن مسموحاً له الاختلاط بالسياسيين اللبنانيين أبداً، فالسياسة متروكة لغازي كنعان وفريقه وبعده رستم غزالي. اختص ”جامع“ بتأديب الناس وتربيتهم في الوقت الذي كان ”كنعان“ يقوم بتحضير غزالي ليكون خليفته من خلال تعليمه تأديب السياسيين اللبنانيين من دون استثناء.

 بعد الطائف كان مسؤولاً عن موكب مرافقة الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض، ولـ ”المصادفة“ فهو لم يكن موجوداً لحظة الانفجار، بل حضر بعدها ورتّب إزالة الجثث والأنقاض واعتقال العابرين للتحقيق معهم.

 زادت رتب جامع جامع في بيروت وانتقل من برج أبي حيدر إلى شارع الحمرا حيث صار بإمكانه تلقي ”الهدايا“ والاهتمام بـ”الخوة“ التي فرضها على عدد من المؤسسات المالية. كان سوبر ماركت ”سميث“ يشهد على أنواع الطعام التي يطلبها ”العقيد“ مجاناً لزواره اللبنانيين، فقد رأت مجموعة من ”طالبي“ المناصب السياسية في ”جامع“ قائداً مستقبلياً للمخابرات السورية في لبنان، أي ”حاكماً سامياً“، ولذلك تحول هؤلاء إلى زوار يوميين وبعدها إلى مستشاريه في التحضير لقيادة الملف اللبناني.

 عهده في شارع الحمرا لم يكن هيناً، ففي فترة حكمه خطف المسؤول الطلابي في القوات اللبنانية رمزي عيراني من شارع عبد العزيز، ورميت جثته بعد اسبوعين داخل سيارته على مسافة وسطية بين مركز ”جامع“ والمركز الرئيسي للحزب السوري القومي الاجتماعي في رأس بيروت.

 بعد ترفيع رستم غزالة إلى المنصب السوري الأول في لبنان وترحيل غازي كنعان إلى سوريا، صار بإمكان ”جامع“ ومعه ”مستشاريه“ اللبنانيين التعاطي أكثر في الملف السياسي وذلك بعد العام ٢٠٠٣، صار الرجل يعرف من أين تؤكل الكتف ويعرف كيف يستدعي السياسيين المقربين للنظام ويطلب منهم فتح مواجهات مع سياسيي المعارضة، وخصوصاً المعارضين الجدد الذين نقلوا ”البارودة“ في العام ٢٠٠٠ بعد ”بيان“ المطارنة الموارنة والانقلاب الأول لوليد جنبلاط على السوريين.

 انتقل ”جامع“ إلى مقر المخابرات السورية المعروف باسم ”البوريفاج“، وصار يرسل الناس إلى ضابط التعذيب ”النبي“ يوسف للتحقيق معهم..  رحل في العام ٢٠٠٥ من بيروت تاركاً خلفه أعداء كثرا تحول بعضهم إلى محبين ومخلصين ولو بعد مجازره فيهم. مات جامع جامع تاركاً خلفه مئات القصص التي لم تكشف ولم يعرفها الناس أو اللبنانيون تحديداً.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى