صفحات العالم

مقالات تناولت الأزمة الروسية الاوكرانية وتأثيرها على الثورة السورية

الأزمة الأوكرانية مؤشراً على نظام عالمي جديد؟/ أحمد محمود عجاج

ماذا سيفعل أوباما؟ وكيف سيرد الاتحاد الأوروبي على الاجتياح الروسي لأراضي أوكرانيا؟ لم يتأخر الجواب عن هذين السؤالين كثيراً. اعتبر أوباما ان ما فعلته روسيا انتهاك واضح للقانون الدولي، ورأى الاتحاد الاوروبي ان على روسيا ان تجنح الى السلم! هذان الردّان من اهم قوتين على وجه الأرض يعبّران بوضوح عن عمق الأزمة التي وصل إليها عالمنا، ويشيران الى اننا ندخل مرحلة جديدة من العلاقات الدولية تتسم في احسن حالاتها بالغموض، وفي افضلها بالتساهل مع مبدأ احتلال ارض الغير بالقوة تحت مسمّيات واهية كانت تستخدم كما قال وزير الخارجية الاميركية كيري خلال القرن التاسع عشر عندما كانت الحجج القانونية تنحصر في دعوة الحكومة الشرعية للتدخل او لحماية حقوق الانسان (الأقليات).

إن اية مراجعة موضوعية لرئاسة اوباما، ولسلوك الاتحاد الاوروبي، توصلنا الى ان هذين الردّين كانا متوقعين، وأن بوتين كان على دراية بذلك، ولذلك اقدم على عمل عسكري لم يسبق ان رأينا مثله إلا بعد اجتياح الرئيس العراقي السابق صدام حسين لدولة الكويت. اكد اوباما خلال فترتي رئاسته انه يؤمن بالديبلوماسية، وأن الحلول العسكرية غير مرغوبة، وأن على اميركا ألا تكون شرطي العالم، وأن الجهود يجب ان تنصبّ على الداخل الاميركي لتحريك الاقتصاد وتحسين الظروف المعيشية للمواطن الأميركي. هذه الرؤية دخلت التنفيذ فوراً عند تسلم مهماته، فكان انسحابه السريع وغير المفهوم من العراق لدرجة انه لم يستطع ان يتوصل الى اتفاقية مع رئيس الحكومة المالكي تضمن ليس لأميركا نفوذها بل مستقبلاً يحفظ توازن القوى في العراق وتطمئن جيرانه الذين اشتكوا منذ البداية من تبعات التدخل الأميركي في هذا البلد. وكما فعل في العراق لم يستطع اوباما البقاء في افغانستان، ولم يستطع هزيمة طالبان، فكانت سياسته الانسحاب المتدرج بحجة ان الجيش الافغاني سيكون قادراً على حماية امن البلاد، وكما فشل مع المالكي، كرر فشله مع الرئيس الافغاني كارازي الذي رفض التوقيع على اتفاقية مشابهة مع الولايات المتحدة تضمن وجوداً للقوات الأميركية في المنطقة.

الضعف الاميركي بدا اكثر وضوحاً في الازمة السورية عندما تراجع اوباما عن تعهدات قطعها للعالم بأنه لن يتسامح مع أي استخدام للأسلحة الكيماوية في سورية واعتبر ذلك خطاً احمر سيتحمل من يتجاوزه العقوبة اللازمة. وقد تجاوز الرئيس الأسد هذا الخط، وتراجع اوباما في اللحظة الاخيرة متمسكاً بحبل نجاة روسي سمح له بحفظ ماء الوجه والعودة الى قواعده سالماً بلا طلقة رصاص واحدة. وكما فعل مع سورية تفاوض في السر مع ايران وسمح لها بأن تحصل على نسب معينة من التخصيب لتصبح بذلك دولة قادرة على صناعة القنبلة النووية ساعة تشاء في المستقبل. هذا التراجع جعل حلفاءه في المنطقة كما يقول المثل يعدّون للعشرة، ويعيدون حساباتهم دفعة واحدة. ما فعله اوباما كان منسجماً مع تعهداته، إلا انه خسر في المقابل ثقة الحلفاء وبالتحديد في الشرق الاوسط وآسيا.

في آسيا لم يكن حصاد اوباما افضل وبالتحديد في مواجهة صعود الصين وما تشكله من أخطار على الدول المحيطة بها وبالتحديد اليابان. والغريب ان ادارة اوباما التي ورثت عن سابقاتها سياسة حض اليابان على مساهمة اكبر في الامن الاقليمي للمنطقة وذلك من خلال تغيير دورها السلمي الذي اتبعته بعد خسارتها في الحرب العالمية الثانية سرعان ما شعرت تلك الادارة بالقلق الشديد عندما بدأت ترى نتائج ما كانت تدعو اليه. فعندما زار رئيس الوزراء الياباني شينزو اليميني مزار «ياشكوني» الذي يخلد ذكرى مجرمي الحرب اليابانيين، وصفت ادارة اوباما تلك الزيارة بأنها غير مسؤولة، واكتفت في المقابل بالتعبير عن اسفها عندما اعلنت الصين عن فرض منطقة دفاعية جوية فوق جزر سانكوك التي تسمى في الصين بـ دايوو المتنازع عليها مع اليابان. هذا التباين في الموقف الاميركي جعل اليابان تشعر بالخوف اكثر على مصيرها لأن الادارة الاميركية على ما يبدو غير مستعدة للإيفاء بتعهداتها؛ فدعا شينزو آبي الى مراجعة الدستور وبالتحديد المادة 9 التي تحظر على اليابان استخدام القوة لفض الخلافات الدولية، واشترى انظمة عسكرية حديثة، وأظهر انه مستعد لمواجهة الصين. هذا التحدي الياباني قابله تحدٍ صيني، وقابله خوف لدول المنطقة من صعود اليابان، ومن صعود الصين، وبالتالي اصبح الاعتقاد، كما في منطقة الشرق الاوسط، ان على كل بلد ان يحصّن نفسه ولا يعتمد على الولايات المتحدة.

وكما هي حال ادارة اوباما، فإن حال الاتحاد الاوروبي ليست افضل بكثير؛ فهذا الاتحاد الاوروبي هو بحق عملاق اقتصادي، لكنه عسكرياً يبدو عاجزاً ومشلولاً. هذا العجز ليس مرده الى ضعف في البنية والأسلحة العسكرية بل هو سياسي بامتياز تبدَّى واضحاً في ازمة البوسنة، وفي كوسوفو، وأخيراً في ليبيا. لقد اعتاد الاتحاد الاوروبي على العضلات الأميركية إلى درجة ان وزير الدفاع الأميركي السابق روبرت غيتس اشتكى في مذكراته من خذلان الاتحاد الاوروبي لجورجيا عندما اجتاحها الروس وفصلوا بالقوة أبخازيا واستاسيا عنها واختار الاوروبيون في وجه العدوان الروسي خيار الحل السلمي! ويبدو ان اوروبا تعاني كما يقول الكاتب روبرت كايغن في كتابه «الحرب والجنة: أوروبا وأميركا في النظام العالمي الجديد» من عقدة كراهية الحرب بعد تجربتي الحربين العالميتين الأولى والثانية وتفضل السلام تحت اية ذريعة كانت؛ لذلك نجد قادة اوروبا يختلفون حول كل القضايا، ما عدا مسألة الاقتصاد، وكان بالتالي ردهم متوقعاً على الاجتياح الروسي الاخير لأوكرانيا. فأكبر قوتين في الاتحاد الاوروبي وهما بريطانيا وألمانيا تبين انهما لا ترغبان في التصعيد؛ بريطانيا على رغم الكلام الظاهر لا تشجع فرض عقوبات مالية واقتصادية سريعة لأنها ستضرر، وألمانيا لا تحبذ اللجوء الى الحصار الاقتصادي لأنها تعتمد على الغاز والنفط الروسي (40 في المئة من اجتياجها)، وبقية الدول الأوروبية مختلفة في ما بينها وبالتحديد بين دول اوروبا الشرقية الداخلة حديثاً في الاتحاد مثل بولونيا المتخوفة من الروس، وبين دول اوروبا الغربية الخائفة على اقتصاداتها. ودائماً كما اظهرت الأيام يرى قادة اوروبا ان الحل هو بالتفاوض، والمحفزات الاقتصادية، والمساعدات المالية، ولا يتحركون إلا في اللحظة التي تتهدد فيها مصالحهم الاقتصادية، او ينجرّون غصباً وراء القيادة الاميركية.

في مواجهة هذا العالم الغربي المتردد والخائف نشاهد في خضم الازمة الاوكرانية وما قبلها ملامح نظام عالمي جديد تقوده روسيا والصين وتتبعهما دول اخرى في العالم النامي؛ هذا النظام على رغم انه لم تكتمل ملامحه، إلا ان بعض خطوطه العريضة اصبحت واضحة ومن ابرزها اعادة رسم التحالفات وصياغة العالم على اسس تختلف عن تلك التي تأسس عليها بعد الحرب العالمية الثانية. في هذا النظام الجديد، ترى الصين وروسيا ان لا بد من وضع خطوط حمر للعالم الغربي، ولا بد من اعادة تغيير كل المؤسسات الدولية الاقتصادية والمالية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرهما… لأنها تأسست على فرضية عدم المساواة في التمثيل والتأثير.

في هذا العالم يصبح من حق روسيا والصين ان تكون لهما حدائق خلفية، وأن تكون لهما مناطق نفوذ، ومن حقهما ان يطاردا كل من يعتدي على حقوقهما. كما سنجد في هذا النظام الجديد دولاً صغيرة ومتوسطة تعيد تموضعاتها وتحالفاتها، وبذلك ندخل حقبة جديدة من العلاقات الدولية نشهد فيها انشطار العالم مجدداً ليس كما كان ابان الحرب الباردة على اسس ايديولوجية متعارضة بل حول رأسمالية واحدة يرى كل من هذين النظامين انه المطبق الحقيقي لها. في هذا النظام الجديد سيشهد العالم صراعاً وتنافساً على المصادر الطبيعية في عالم تتناقص فيه تلك المصادر، وستكون دول العالم الثالث مرة اخرى محل الصراع والخلاف، وسيحصد أهلها كما حصدوا في الماضي الحروب والمآسي.

* كاتب لبناني مقيم في لندن

الحياة

العرب وأوكرانيا/ حسام عيتاني

دعونا نتصور أن أزمة كبرى وقعت ليس في أوكرانيا، بل في واحدة من جمهوريات البلطيق السوفياتية السابقة الثلاث، وأن الوضع هناك تدهور وبلغ حافة الحرب. كيف سيتابع القراء والمشاهدون العرب الأزمة تلك، وكيف ستُنقل إليهم، وما هي الوسائل التي سيستخدمونها لبناء مواقفهم واستنتاجاتهم؟

لنقل أن الدولة البلطيقية هي ليتوانيا التي تتشارك مع أوكرانيا في عدد من السمات التاريخية لناحية علاقتها المتوترة مع روسيا وسعيها إلى الابتعاد عن نفوذ موسكو وحرب العصابات التي ظلت ناشطة في ليتوانيا ضد الاحتلال السوفياتي حتى العام 1952، إضافة إلى عدد من وجوه الاختلاف، مثل الدور الكبير الذي أدته السويد وألمانيا في تشكيل هويتها وثقافتها. بيد أن ذلك لن يمنع ظهور عدد كبير من المقارنات، المتينة والهشة، لوضع ليتوانيا مع الوضع في هذا البلد العربي أو ذاك.

وضربت الاضطرابات في أوكرانيا جملة من الاوتار الحساسة عند المهتمين العرب. جاءت الأحداث هناك لتقع تماماً على فالق الانقسامات العربية الحالية.

وسهّل أداء روسيا دوراً محورياً في الصراع الأوكراني لتكمل منظومة الإسقاطات العربية: موسكو تؤيد النظام الديكتاتوري الفاسد لفيكتور يانوكوفيتش مثلما تساند نظام بشار الأسد. الأوكرانيون منقسمون عرقياً ولغوياً مثل السوريين واليمنيين واللبنانيين والعراقيين والليبيين. الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وبعد كلمات حماسية ومسانِدة للشعب الأوكراني، لم يقدما ما يساعد “الثوار” في كييف على رد غائلة التهديد والتدخل الروسيين اللذين يبدوان ملموسين وحاضرين جداً مقارنة بلفظية غربية فارغة وبعيدة. الاستبداد الشرقي الروسي يحرز المزيد من النقاط في منازلته للديموقراطية الغربية. اختلال هائل في موازين القوى العسكرية والاقتصادية لمصلحة المناهضين للثورة وحلفائهم الخارجيين.

الأزمة الليتوانية المتخيلة والأوكرانية الواقعية، قابلتان لأن تعالجا في وسائل الاعلام العربية وفي آليات صنع الرأي العام عندنا (من شبكات اجتماعية وسواها) بذات الطريقة على ما يبدو. ذلك أن الأدوات المعرفية – إذا جاز التعبير- تظل مهيمنة على أساليب التفكير والتحليل ما ينتهي إلى إنتاج المواقف والخلاصات نفسها بل حتى بالتعابير المتطابقة. يميز هذه المقاربة افتقار عام ليس إلى الاطلاع على تاريخ وجغرافية وثقافة أوكرانيا وبناها الاقتصادية والاجتماعية والتحديات التي مرت بها منذ استقلالها عن الاتحاد السوفياتي، بل خصوصاً جاهزية الصورة النمطية مسبقة الصنع والإعداد عن أزمات العالم ومشكلاته، وهي صورة سرعان ما تعمم وتنتشر في وسائل الإعلام العربية وتصبح جزءاً من “الوعي” العربي بالعالم المعاصر.

ترجع العلة في ذلك، جزئياً، إلى الفوات الكبير الذي تعيشه العلوم الاجتماعية والإنسانية في العالم العربي وعدم قدرة الاوساط الأكاديمية المعنية بها على نقل معارفها إلى الجمهور العربي الواسع. وليس صدفة أن تكون “نظرية المؤامرة” الشهيرة هي الوسيلة الأولى التي يلجأ اليها المواطنون العرب في تفسير وتشريح وتفكيك الظواهر والحوادث من حولهم، ذلك أن أدوات التحليل العلمي والموضوعي محاصرة في بعض المعاقل الاكاديمية بل وتتعرض كل محاولات نشرها وتعميمها إلى حرب ضروس يشنها مروجو الوعي الغيبي الظلامي والمتاجرون به.

عليه، تبدو أزمات العالم وحروبه كتكرار لا يتوقف لخطط قديمة بين إمبراطوريات يديرها اشرار هدفهم الأخير إبقاء العرب والمسلمين في كهوف التخلف، مع ما في هذا التصور من تسليم مسبق بمنطق الكهوف ولاعقلانيتها. فتتشابه الثورات العربية مع الأزمة الأوكرانية مع واحدة افتراضية في ليتوانيا. وتصبح العائلة الحاكمة في كوريا الشمالية مثلها مثل حكام الجمهوريات الوراثية التقدمية العربية.

ورغم وجود تشابهات لا تخطئها العين ولا يصح إنكارها، إلا أن واحداً من أسس المعرفة الموضوعية تقوم على التفريق الصارم والدقيق بين الحالات المختلفة كمقدمة ضرورية ليس لتعيين الفوارق بينهما فحسب، بل أيضاً لإدراك المكونات الحقيقية للواقع المعاين، اذا أراد المتابع التأسيس لمستقبل أفضل له ولأبناء وطنه.

في بداية الثورات العربية، درجت طرفة عن تكرار الرؤساء الذين يطاح بهم لجملة واحدة تقريباً هي أن بلدهم غير البلد الذي سبقه رئيسه إلى السقوط. وان “مصر غير تونس” ثم “ليبيا غير مصر وتونس” ثم “اليمن غير ليبيا ومصر وتونس” إلخ… في الحقيقة أن كلام الرؤساء هؤلاء صحيح. فكل بلد تختلف ظروفه عن جيرانه. لكن تشابه ظروف القمع والقهر والتراكمات في مجالات الاجتماع والسياسة كان أكبر من الاختلافات. هنا يصح الحديث عن المقارنات والتشابهات والتفاعلات المتسلسلة بسبب جملة من العوامل تمتد من الماضي إلى الحاضر. بكلمات ثانية: إن التفكير والتحليل القائمين على أساس المقارنة العلمية لا يعيقهما تشابه الظروف في منطقة ما. لكن هذا شيء وبناء صورة نمطية عن الأحداث العالمية شيء آخر تماما.ً

موقع 24

هل هي فعلاً حرب باردة جديدة؟/ حازم صاغية

منذ اندلاع الأزمة السوريّة، المترتّبة على الثورة والقمع الوحشيّ الذي تواجهه، وخصوصاً منذ نشوب الأزمة الأوكرانيّة، عاد تعبير “الحرب الباردة” إلى ساحة التداول الإعلاميّ والسياسيّ.

فهناك، مثلاً، من ذكّر بأزمة الصواريخ الكوبيّة مطالع الستينات بين الولايات المتّحدة الأمريكيّة في ظلّ جون كينيدي والاتّحاد السوفييتيّ بقيادة نيكيتا خروتشوف.

وهناك من استبق نتائج النزاعين في أوكرانيا وسوريّا، مستعيراً بعض النماذج التي عرفتها الحرب الباردة، كتقسيم الأمر الواقع الذي خضعت له جزيرة قبرص بدءاً بأواسط السبعينات.

لكن هل ما نعيشه حرب باردة أخرى؟

ما من شكّ في أنّ الكثير من عناصر تلك الحرب قائمة في ما يجري اليوم، وما من شكّ أيضاً في أنّ منازعات الدول ستبقى وتعيش معنا طويلاً، خصوصاً إذا كانت إحدى الدول المعنيّة ديمقراطيّة فيما الأخرى غير ديمقراطيّة. ولا ننسى هنا، وقبل سنوات على الازدهار الراهن لتعبير “عودة الحرب الباردة”، أنّ الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين سبق له أن اجتاح جورجيا في 2008، غير عابئ بالانزعاج الغربيّ من اجتياحه. كذلك، وفي التسعينات، تدخّل الغرب الأمريكيّ – الأوروبيّ في حروب يوغسلافيا السابقة على رغم الامتعاض الروسيّ الحادّ، وهذا قبل أن تشنّ الولايات المتّحدة حربيها المتتاليتين في أفغانستان والعراق مفتتحة بهما القرن الحادي والعشرين.

مع ذلك، ثمّة شروط ثلاثة للحرب الباردة، كما عرفناها بين أوائل الخمسينات وأواخر الثمانينات، غير متوفّرة اليوم.

فأوّلاً – تفترض الحرب الباردة توازناً في القوّة العسكريّة بين الطرفين اللذين يخوضانها. وغنيّ عن القول إنّ هذا التوازن غير قائم البتّة حالياً. يُستدلّ على ذلك في الفارق الهائل بين الإنفاقين على التسلّح والجيوش بين الولايات المتّحدة (فضلاً عن الدول الأوروبيّة التي تحالفها) وبين روسيّا. وهذا معطوف على حقيقة استمرار حلف شمال الأطلسيّ (الناتو) بزعامة واشنطن مقابل تبخّر الحلف السابق الذي كان يضارعه ويقابله، أي حلف وارسو بزعامة موسكو الشيوعيّة.

وثانياً – تفترض الحرب الباردة أيضاً أنّ كلاًّ من طرفيها يملك امتداداً استراتيجيّاً وسياسيّاً على نطاق العالم بأسره. وهذا ما كان يصحّ تماماً آنذاك، خصوصاً بعدما تولّت مصر وسوريّا، في أواسط الخمسينات، إدخال الاتّحاد السوفييتيّ إلى الشرق الأوسط، ثمّ أدخلته كوبا، مطالع الستينات، إلى أمريكا اللاتينيّة، قبل أن تتولّى الصومال وأثيوبيا والمستعمرات البرتغاليّة السابقة إدخاله، في السبعينات، إلى أفريقيا. وهذا كلّه مضاف إلى وجوده الراسخ في أقصى الشرق الآسيويّ بسبب الحروب الكوريّة والفيتناميّة والكمبوديّة، إلى جانب التحالف مع الصين الماويّة حتّى أواخر الخمسينات.

أمّا اليوم فـ “تنسّق” روسيّا مع مراكز لنفوذ إقليميّ مستقلّة عنها، كالصين في آسيا، أو إيران في الشرق الأوسط. وتنسيق كهذا يبقى جزئيّاً ومشروطاً بما يستبعد كلّ كلام عن كتلة كونيّة متراصّة تتزعّمها موسكو.

وثالثاً – هناك البُعد الإيديولوجيّ. ذاك أنّ الحرب الباردة احتوت على مضمون عقائديّ مؤكّد عبّر عنه تنازع الشيوعيّة، التي كانت العقيدة الرسميّة للاتّحاد السوفييتيّ والبلدان الدائرة في فلكه، والديمقراطيّة المصحوبة بحريّة السوق ممّا تقول بها الولايات المتحدة وبلدان أوروبا الغربية. وقد انطوت الحرب الإيديولوجيّة هذه على تنافس بين النموذجين الشيوعيّ والديمقراطيّ في سَوْس المجتمعات وإدارة الدول، على ما دلّ خصوصاً نموذجا ألمانيا الغربيّة (الرأسماليّة والديمقراطيّة) وألمانيا الشرقيّة (الشيوعيّة).

وهذا، بطبيعة الحال، ما لم يعد قائماً اليوم. ففلاديمير بوتين، على رغم نوازعه الاستبداديّة، وعلى رغم تغزّله بين وقت وآخر بالاتّحاد السوفييتيّ، يقدّم نفسه للعالم كقائد ديمقراطيّ وكراعٍ للرأسماليّة في بلده.

هي، إذاً، ليست حرباً باردة بالمعنى الكلاسيكيّ للكلمة، وإن كانت تحمل الكثير من مواصفاتها. فما هي يا ترى؟ أغلب الظنّ أنّ معاهد الدراسات الاستراتيجيّة في البلدان الغربيّة، لا سيّما الولايات المتّحدة، منكبّة الآن على البحث عن الكلمة التي تصف واقع الحال.

موقع 24

رياح القرم و… الخليج تؤجج النار السورية/ جورج سمعان

 لا تريد روسيا أن تستعيد تجربة الحرب الباردة مع الغرب عموماً. لكن تداعيات الأزمة الأوكرانية المستمرة وضعت العلاقات بينها وبين الولايات المتحدة وبينها وبين أوروبا في إطار جديد مختلف عن المرحلة السابقة. ولم يبالغ الذين وصفوا الأزمة بأنها الأولى من نوعها منذ سقوط جدار برلين. لن تكون العلاقات كما كانت في السابق مهما قيل عن غياب الظروف والمعطيات التي يمكن أن تمهد لنشوء حرب باردة جديدة. وأبعد من الصراع القائم بين واشنطن وموسكو، تتفاوت المواقف السياسية بين الشركاء في حلف الأطلسي حيال الرد على التحديات التي رفعها الرئيس فلاديمير بوتين في وجه أوروبا.

تدفع الأزمة الأوكرانية جميع الأطراف إلى إعادة النظر في خريطة العلاقات الدولية والإقليمية. وتترك شروخاً تولدها اصطفافات مختلفة عن تلك التي سادت في العقود الثلاثة الماضية. لا أحد بالطبع يريد حرباً واسعة. لا مجال لمثل هذه المواجهة ولا قدرة لأي طرف على خوض خيارات من هذا النوع. لكن ملفات كثيرة عالقة بين الكبار قد تزداد تعقيداً واستعصاء. وربما شهدت ساحات مزيداً من الصراع في ضوء إعادة النظر في كثير من الحسابات المحلية والإقليمية. وإذا كانت أوروبا ساحة المواجهة الأولى في زمن المعسكرين فإنها لن تكون كذلك في هذه المرحلة نظراً إلى تشابك المصالح وتبادلها بين دول الاتحاد وروسيا، ولا مصلحة لأي طرف في المجازفة في هدم ما قام في العقدين الأخيرين. من هنا التباين بين دول الاتحاد والولايات المتحدة في التعامل مع الأزمة الناشبة.

ولن تكون المنطقة العربية بمنأى عن تداعيات المواجهة بين روسيا والغرب عموماً. بل ستزيد أوضاعها تعقيداً. كأن ما خلفه ويخلفه «الربيع العربي» من تحولات وتشظيات تعوق رسم الصورة المقبلة للنظام العربي لم يكن كافياً، حتى جاءت الأزمة الأوكرانية لتلقي بظلها على كثير من أزمات المنطقة وصراعاتها المعلنة والخفية فتضيف إليها حسابات واعتبارات يفرضها التباعد بين أميركا وروسيا. إسرائيل ستتنفس الصعداء بالتأكيد بعد انشغال الإدارة الأميركية بالصراع بين كييف وموسكو وترتاح من الضغوط التي كان يمارسها وزير الخارجية جون كيري لدفعها إلى إبرام اتفاق مع السلطة الفلسطينية. وربما افترقت حسابات إيران عن حسابات روسيا في حوارها القائم مع واشنطن وفي المحادثات المتعلقة بملفها النووي، لكنها ستفيد في تعزيز مواقعها بالاستناد إلى سياسة الكرملين الذي تحتاج واشنطن إلى تعاونه في تسوية هذا الملف، إضافة إلى ملف انسحاب القوات الأميركية والأطلسية من أفغانستان. وقد تفيد أكثر في الاتكاء على الموقف الروسي من الأزمة السورية. وربما تضاعفت متاعب حكومة رجب طيب أردوغان، إذ لا يمكن تركيا أن تنأى بنفسها عما يجري في شبه جزيرة القرم التي كانت لها فيها جولات من الحروب على مر التاريخ الوسيط والحديث.

لا جدال في أن الأزمة السورية ستكون الأكثر تأثراً بتداعيات الصراع الدائر حول أوكرانيا والذي وجه ضربة قاصمة إلى التفاهم الأميركي – الروسي. وثمة من يربط بين إثارة الصراع في شرق أوروبا بموقف موسكو التي اتهمتها واشنطن علناً بأنها تتحمل المسؤولية عن فشل مؤتمر «جنيف 2». فضلاً عن الاتهامات التي تساق لها بدعم النظام في دمشق ومده بكل أسباب البقاء، منذ اندلاع القتال في هذا البلد قبل نحو ثلاث سنوات. وإذا كان الصراع الروسي الغربي لا يكفي لتعقيد التسوية بين دمشق وخصومها، فإن التطورات التي تشهدها الساحة العربية تساهم في إضفاء مزيد من التعقيد الذي ينذر برفع وتيرة المواجهات وإطالة أمدها وأمد النظام الذي بدأ الاستعداد لانتخابات الرئاسة هذا الصيف للتجديد لنفسه.

توحي الاجتماعات التي يعقدها «الائتلاف الوطني» لإعادة هيكلة المجلس العسكري، وعودة الذين خرجوا من حضن الائتلاف عشية موافقته على خوض تجربة المفاوضات مع النظام في جنيف، بأن المعارضة تمهد لطور جديد من التفاهم ولملمة الصفوف لوقف التقدم الذي يحققه النظام على الأرض واقترابه من الحسم في القلمون. ومن أجل خوض معركة حاسمة في جنوب سورية. لكن ما تشي به التطورات الأخيرة ربما دفعت إلى مزيد من الصراع داخل صفوفه. فالعائدون تلقوا ويتلقون دعماً واضحاً من دولة قطر. وكانوا خاضوا معركة رئاسة الائتلاف وبعض هيئاته، لكنهم لم يوفقوا. وليس ما يدفع إلى تفاؤل كبير بإمكان الانسجام التام بينهم وبين الكتل الأخرى في هذا الجسم المعارض، خصوصاً أن كتلة وازنة تتلقى دعماً واضحاً من المملكة العربية السعودية. ولا حاجة إلى التذكير بالقرار الأخير الذي اتخذته الرياض وأبوظبي والمنامة بسحب سفرائها من الدوحة. ولا حاجة إلى التذكير أيضاً بأن في صفوف المعارضة كتلة وازنة من «الإخوان المسلمين» الذين شملتهم اللائحة السعودية للحركات والتنظيمات الإرهابية. وهذا عامل تعقيد إضافي في إدارة العلاقات داخل هيئات المعارضة بذراعيها السياسية والعسكرية.

ولا يمكن تجاهل دور تركيا التي وفرت ولا تزال القاعدة الخلفية لتحرك معظم أطياف المعارضة. ولا يخفى هنا ما يسود العلاقة بين أنقرة وعدد من العواصم العربية، من القاهرة إلى الرياض وأبوظبي. لقد عولت دول عربية عدة، في حمأة الصراع مع الجمهورية الإسلامية، على ثقل تركيا وموقعها وإمكان تعويضها موازين القوى التي كسرتها التحولات في النظام العربي، منذ سقوط العراق في الدائرة الإيرانية إلى الأحداث والأزمات التي لا تزال تعصف بليبيا واليمن وسورية. لكن مثل هذه الآمال لم يعمر طويلاً. ترددت أنقرة حيال ما يجري على حدودها الجنوبية والتزمت الموقف الأميركي، على رغم ما تعرضت له من استفزازات ومحاولات لجرها إلى الانخراط الميداني في الحرب السورية. غلّبت حساباتها الداخلية على الاعتبارات الأخرى. وما قام بينها وبين بغداد لم يقعد بعد. ثم جاء إسقاط نظام «الإخوان» في مصر وموقفها من الحكم الانتقالي الجديد في القاهرة ليعيدا معظم العلاقات التركية – العربية إلى سابق عهدها من الفتور، بل التصادم مع دول خليجية أخذت على عاتقها دعم التحول الجاري في مصر. وهي لن تكون بالتأكيد راضية على «اللائحة السعودية» الأخيرة!

في ظل هذا النزاع بين الولايات المتحدة وأوروبا من جهة وروسيا من جهة أخرى، وفي ظل الخلافات المتجددة في صفوف «أصدقاء سورية» من العرب وانقساماتهم المتفاقمة، وفي ظل انشغال مصر بصراعها مع «الإخوان»، وأزمتها الاقتصادية والاجتماعية وعجزها تالياً عن القيام بدورها الطليعي التاريخي، كيف يمكن تصحيح موازين القوى في المنطقة لفرض التسوية المطلوبة على دمشق؟ علماً أن القاهرة لم تعلن موقفاً مناهضاً للمعارضة إلا أنها لم تعلن أيضاً موقفاً يثير النظام السوري. هذا من دون الحديث عما يخلفه صراعها المفتوح مع الإسلام السياسي الذي تخوضه منذ «ثورة يونيو» على موقفها من الحركات الإسلامية التي تقاتل نظام الرئيس بشار الأسد!

مآل الأزمة الأوكرانية سيترك آثاراً لا يستهان بها على مآل الأحداث في سورية. قد لا يكون التفاهم بين أميركا وروسيا على تدمير الترسانة الكيماوية في هذا البلد ضحية النزاع في شرق أوروبا. ثمة عوامل فرضت مثل هذا التفاهم الثنائي. بل مصالح مشتركة لعل في رأسها الخوف من سقوط جزء من هذا السلاح بأيدي جماعات جهادية. وهو ما لا تريده الدولتان الكبيرتان. وهناك أمن إسرائيل الذي لا يقل الحرص الروسي عليه من الحرص الأميركي. ألم تسق موسكو في تبرير تقدمها داخل أوكرانيا الدفاع عن الروس والأقليات و… اليهود في هذا البلد؟! لكن نظام الرئيس الأسد قد يلجأ إلى مزيد من المماطلة والتأخير في عملية تدمير هذه الترسانة، مستفيداً من النزاع الأميركي – الروسي. ويمكنه أن يبدد مخاوف حليفه على أمن هذه الترسانة ما دام يحقق مكاسب ميدانية في مواجهة المعارضة. ومستفيداً من الانقسامات التي تعصف بصفوف «أصدقاء» خصومه… إلا إذا حمل الرئيس باراك أوباما في جعبته إلى الرياض قريباً ما يعزز شوكة الفصائل المعتدلة، بعدما فرزت «اللائحة السعودية» الإرهابيين عن المعتدلين … وإذا بدلت وجهة المنازلة الكبرى المتوقعة في جنوب سورية موازين القوى على الأرض بما ينغص على الرئيس بوتين وليمته في القرم!

الحياة

بوابة خلفية لانسحاب بوتين؟/ راجح الخوري

ليس السؤال ما اذا كان فلاديمير بوتين من الحماقة ليدفع بمدرعاته من القرم الى عمق اوكرانيا، السؤال ما اذا كان باراك اوباما من الحكمة ليبادر الى إيجاد بوابة خلفية كمخرج يحفظ ماء وجه موسكو ويحافظ على وحدة اوكرانيا.

على هامش مؤتمر باريس من اجل لبنان التقى جون كيري نظيره سيرغي لافروف، داعياً الى محادثات جادة تنهي ازمة اوكرانيا، وبعد اقل من ٤٨ ساعة جاءت المفاجأة: تراجعت لغة التشدد الروسية، واعلن لافروف الاستعداد لبدء “حوار نزيه وعلى قدم المساواة مع القوى العظمى الأخرى حول الأزمة”. اهمية هذا الكلام انه لا يستجيب الدعوة الى الحوار فحسب، بل يقبل شراكة الغرب في حل مشكلة في داخل “البيت الروسي”!

المؤشرات لرغبة موسكو في حل يخرجها من المأزق الاوكراني ويحفظ مصالحها فيها، وخصوصاً في ميناء سيباستوبول على البحر الاسود، قاعدتها المتقدمة للقفز جنوباً، بدت واضحة وراء كلمات بوتين في مؤتمره الصحافي الاسبوع الماضي:

اولاً – عندما نفى ان تكون قواته قد احتلت شبه جزيرة القرم، بعدما أمرها منذ البداية بألا تضع شارات توضح هويتها للإيحاء بأنها من العناصر المحلّية التي تعارض الانقلاب على يانوكوفيتش، وهذه تعمية محسوبة بعناية تساعده على الانسحاب نافياً ان يكون قد حصل غزو روسي!

ثانياً – عندما كرر القول انه متعاطف مع المحتجين في كييف ضد يانوكوفيتش قائلاً “اولئك الذين ضاقوا بمجموعة من اللصوص جرى استبدالهم بمجموعة جديدة من اللصوص”، بما يوحي انه يريد الظهور كاصلاحي وفق ما حدده لافروف قبل يومين، عندما دعا الى احياء اتفاق ٢١ شباط، الذي تم ترتيبه بالتعاون مع المانيا وبولونيا وفرنسا، اي تأليف حكومة وحدة وطنية والذهاب الى الانتخابات في ايار المقبل!

تأتي هذه المؤشرات في ظل حسابات تؤكّد ان ثمة معطيات ترسم نتائج شبه كارثية للتدخل، منها ان موسكو بعدما نظمت حملة دعاية شعبية واسعة، لتصوير تدخلها وكأنه “لمواجهة الاندفاع الاميركي الذي سيضعف روسيا”، فوجئت بأن ٧٣ ٪ من الروس يرفضون التدخل العسكري هناك، ومنها ايضاً النتائج الاقتصادية المذهلة، فقد هبطت بورصة موسكو الاثنين الماضي “الاثنين الاسود” بنسبة ١٠٪ وهو ما رتب خسارة ٦٠ مليار دولار في يوم واحد.

ثم ان حلفاء موسكو في الجمهوريات السوفياتية السابقة عارضوا علناً التدخل كما اعلنت كازاقستان وطاجيكستان، اضافة طبعاً الى العزلة الدولية التي ستواجهها موسكو، فقد سقط زهو سوتشي التي كان من المقرر ان تستضيف قمة الثمانية الكبار في حزيران ولكنها ألغيت!

ويبقى السؤال المهم: هل يجد اوباما مخرجاً لمأزق بوتين، ولكن بأي ثمن، وهل الفاتورة السورية جاهزة؟

النهار

أوكرانيا ليست سورية/ الياس حرفوش

تشكل أزمة اوكرانيا أصعب امتحان لعضلات باراك اوباما منذ وصوله الى البيت الأبيض قبل خمس سنوات. فالرئيس الذي اعتمد منذ بداية عهده سياسة الانكفاء عن لعب اي دور في الازمات الدولية، يجد نفسه الآن امام اصعب مواجهة مع القوة الروسية منذ تفكك وانهيار الاتحاد السوفياتي. بل ان بعض المراقبين يرى مجالاً للمقارنة مع الظروف التي مهدت للمواجهة العالمية الكبرى في آخر الثلاثينات من القرن الماضي. وفي نظر هؤلاء أن الشعارات التي يرفعها فلاديمير بوتين اليوم لحماية الناطقين باللغة الروسية ولاستعادة المنتمين الى القومية الروسية الى احضان موسكو شبيهة بتلك التي رفعها ادولف هتلر لضم الناطقين بالالمانية والمنتمين الى العرق «الآري» الى حماية الحكم النازي.

عمل اوباما على تجنب المواجهة مع فلاديمير بوتين على رغم الأزمة السورية التي مضى عليها الآن ثلاث سنوات، وحصدت 140 الف قتيل على الأقل ومئات آلاف الجرحى وملايين المهجرين واللاجئين داخل سورية وخارجها. استطاع اوباما ذلك لأن سورية لا تقع مباشرة على خط المواجهة المباشر بين الشرق والغرب، ولا تشكل عاملاً اساسياً في حساب المصالح الغربية. هذا العامل هو الذي ساعد فلاديمير بوتين ومعه بشار الاسد على الاستقواء على الغرب، وعلى الاغراق في عملية قتل السوريين. كما سمح للقيادة الروسية بحماية الجرائم التي ارتكبها النظام السوري وما يزال، من خلال منع اي محاسبة جدية لهذا النظام من طريق مجلس الامن الدولي.

غير ان اوكرانيا ليست كذلك. اوكرانيا تقع مباشرة على الحد الفاصل بين الحلف الاطلسي والاتحاد الروسي، ثم ان نجاح بوتين في قضم اوكرانيا او الجزء الجنوبي منها، المتمثل بشبه جزيرة القرم، يشكل عنصر قلق لدول مجاورة عانت في السابق من الحكم السوفياتي، ومن بينها بولندا والجمهوريات الثلاث المطلة على بحر البلطيق، ليتوانيا ولاتفيا واستونيا. وامام مخاطر كهذه، تهدد السلم العالمي بأكمله، لا يستطيع اوباما ان يبقى متفرجاً، او هكذا يأمل المتفائلون.

تشكل ازمة اوكرانيا ايضاً امتحاناً للموقف الذي يتبناه الرئيس الاميركي حيال لعب بلاده اي دور في المواجهات العسكرية في الخارج. يبني اوباما موقفه هذا على ان الولايات المتحدة ليست مسؤولة عن حل كل الازمات في العالم، ولا تستطيع ذلك حتى لو ارادت. ولا علاقة لهذا الموقف بانعكاسات التورط الاميركي في افغانستان والعراق من قبل ادارة جورج بوش السابقة، كما قد يعتقد البعض. ذلك ان اوباما يتبنى هذه النظرية منذ كان طالباً للعلوم السياسية في جامعة كولومبيا في اواسط الثمانينات من القرن الماضي، في عهد الرئيس الاسبق رونالد ريغان. ففي بحث كتبه آنذاك لمجلة تصدرها الجامعة كتب اوباما ينتقد «عقلية الحرب» التي تهيمن على صنع القرار في الولايات المتحدة، و «انتشار الميل الى العسكرة». كذلك كان رأي اوباما ان الرئيس ريغان «يلعب لعبة الروس» (كان ذلك قبل سقوط الاتحاد السوفياتي) بدل ان يحول اميركا باتجاه الهدف الذي يجب ان تسعى اليه وهو اخلاء العالم من الاسلحة النووية.

واذا كان موقف كهذا مقبولاً من النواحي الاخلاقية والانسانية، فانه يفتقر الى الواقعية عندما يتعلق الامر برسم السياسات الدولية. لأن هذا الموقف يشكل خطراً على السلام الدولي وعلى مصالح وأمن الدول الصغرى، العاجزة عن حماية نفسها في وجه قوى ظالمة ومستبدة وأكبر عدداً وأفضل تسلحاً. موقف كهذا يصبح مادة للاستغلال من قبل قوى ترى فيه اشارة الى ضعف وتراجع قدرة الدولة العظمى. كما انه موقف خطر اذا لم يقترن بموقف «اخلاقي» مماثل من جانب كل الاطراف، تلتزم فيه هي ايضاً بالامتناع عن اللجوء الى القوة في مواجهة المطالب المحقة لشعوبها.

وبالعودة الى الموقف الاميركي من الازمة السورية، فلو ان اوباما اتخذ موقفاً حاسماً ضد استمرار النظام السوري في ارتكاب المجازر، ولم يتحول الى مادة للسخرية بسبب تهديداته المتكررة للاسد بضرورة «الرحيل»، ثم بإعلانه عن «الخط الاحمر» الذي لا يسمح بتجاوزه، لو ان اوباما تصرف كرئيس دولة عظمى لا تقف موقف المتفرج على خرق القوانين الدولية والارتكابات ضد حقوق الانسان، لما كان بوتين قد تجرأ اليوم على الاستقواء على اوكرانيا ووضع العالم على حافة المواجهة.

الحياة

آخر القلاع الروسية في أوكرانيا وسوريا/ فائق منيف

عقدة الاضطهاد هي التي تدفع باليمين لتسيّد الساحة، وبالصقور إلى التحليق من جديد تحت تأييد جماهيري لإعادة روح الكرامة المفقودة. في ألمانيا وبعد الحرب العالمية الأولى كانت الظروف مهيأة لصعود التيارات القومية والأصوات العالية المطالبة بالانتقام لألمانيا التي أهانتها وحطمتها معاهدة فرساي عام 1919، عندما أرغمت القوى المنتصرة الإمبراطورية الألمانية على تجريد جيشها وتحديده، وحمّلتها تعويضات الحرب التي أثقلت الاقتصاد الألماني. في هذه الظروف صعد هتلر ليسترد الكرامة المفقودة فورّط ألمانيا والعالم بأكمله في حرب عالمية ثانية.

في روسيا ظهر بوتين من حقبة ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وهو قد عاصر كبقية جيله انهيار الإمبراطورية الروسية الأخيرة دويلة بعد دويلة، ولم تنجح بروسترويكا غورباتشوف – أول الحمائم الروسية – ولا يلتسين من بعده في ضمان الرخاء الاقتصادي لما تبقى من روسيا، من بين الركود الاقتصادي والجمود السياسي لدولة لم تعد تملك من أسباب القوة إلا السلاح. ظهر من الحطام من يحاول الإبقاء على رأس الدب مرفوعا رغم الوهن الذي أصابه.

أعاد بوتين روسيا للواجهة مرة أخرى. تمسك بآخر ما تبقى من ممالكها وممتلكاتها وإرثها السوفياتي. كانت نظريات ضرورة وجود قوتين عظميين لتوازن دولي قد بدأت تؤول للسقوط، بعد أن مالت كفة ميزان القوى للطرف الأميركي، وتلاشي الروسي. في عهد ريغان الذي يُنظر إليه كبطل قومي تفكك الاتحاد السوفياتي، وكان من حسن حظ أحد أبرز الصقور الأميركية أن يكون في مواجهة أحد أبرز الحمائم الروس غورباتشوف. الآن بدأ ميزان القوى يشهد تغيرا ملحوظا، كفة القوة الروسية عادت إلى الحياة، وهذه المرة تبدّلت مراكز الصقور والحمائم، بعد أن تولى رئاسة روسيا أبرز صقورها فيما يقود أميركا أحد حمائمها.

وفي هذه المواجهات التي أصبحت مؤخرا ساخنة على صفيح من الدماء والقتلى، تساقطت قطع الشطرنج، والمهزوم فيها هو المتردد، بينما الفائز هو المهاجم غير العابئ بقوانين أو أعراف اللعبة.

السياسة الروسية البوتينية الجديدة هي عدم التفريط في أي حصن من الحصون الروسية، حتى لو تحول الأمر من المدافعة السياسية إلى الدفاع العسكري. لذلك كشرت روسيا عن أنيابها في أوكرانيا بعد أن قال الشعب كلمته، واستطاع التغيير بالقوة ضاربا بالمفاوضات الروسية الأوروبية عرض الحائط، ومختارا جزرة أوروبا على عصا روسيا. هذا الخيار الشعبي لا يعني لروسيا شيئا، لأن قرار الإبقاء على أوكرانيا تابعة لروسيا هو قرار في السياسة الروسية الجديدة لا يحق لغير الكرملين اتخاذه، وهو مستعد لاستخدام كل ما يمكن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

ساعدت على هذه الجرأة غير معروفة العواقب تجربة الروس في سوريا، فالتخاذل الأميركي في دعم الثورة السورية واختلاق ألف عذر لعدم تمويلها، وترك ساحة المعركة للروس لتوجيهها بما يخدم مصالحهم، كلها عوامل جعلت روسيا تشعر بأن الفرصة ما زالت متاحة لممارسة هذا الضغط في كل حصن استراتيجي آخر.

الحرب الباردة بين الطرفين الأميركي والروسي أشبه ما تكون بلعبة شد الحبل. في عهد ريغان كان غورباتشوف مرخيا للحبل أكثر مما يجب فانفرط عقد المسبحة السوفياتية، والآن أرخى أوباما الحبل فشده بوتين إلى الدرجة التي أحرج فيها أوباما أمام منتقدي سياسته الخارجية، وحقق معها ما يصبو إليه من الحفاظ على المصالح الروسية.

وبين هذه وتلك تتراكم جثث البشر ضحايا صراع القوى وتضارب المصالح. شبه جزيرة القرم الأوكرانية التي دخلتها هذه الأيام قوات روسية شهدت عام 1771 أبشع مذبحة تاريخية، ذُكر فيها أن 350 ألف تتري قتلوا على أيدي جيوش روسيا القيصرية، والآن تعود إليها الجيوش الروسية من جديد. وفي سوريا بلغ الضحايا عشرات الآلاف بفضل الدعم الروسي.

من يبلغ بوتين بأن عقارب الساعة لا تعود للوراء، وأن الحفاظ على الهيبة الروسية ليس بفرد العضلات من جديد، لكن بقيادتها إلى عالم حديث، تحترم فيه خيارات الشعوب، وتبني علاقاتها الاستراتيجية مع من تختاره هذه الشعوب لقيادتها لا من تفرضه روسيا عليها؟

الشرق الأوسط

مَن يستفيد من الخريطة الدولية في المنطقة؟ أوكرانيا تدفع بالأزمة السورية إلى التهميش/ روزانا بومنصف

رفع اللقاء الذي جمع 11 من رؤساء اجهزة المخابرات من دول اقليمية مؤثرة ودول اوروبية مهتمة بالوضع السوري الى جانب الولايات المتحدة الاميركية الشهر الماضي في واشنطن من اجل البحث في سبل مقاربة جديدة للوضع السوري بعد فشل اجتماع جنيف 2 للاتفاق على هيئة حكم انتقالية سقف التوقعات لجهة متغيرات ميدانية في الوضع السوري مع اعلان ادارة الرئيس باراك اوباما البحث عن تغيير لاسلوب تعاطيها مع الازمة السورية. ذلك انه من غير المعهود او المتوقع اجتماع مسؤولين على هذا المستوى ويتمتعون بنفوذ وقدرة قوية من دون الخروج بخطة تجد طريقها الى التنفيذ في مدى زمني معقول ما لم يكتنف هذا الاجتماع تباعد في المقاربات وسبل المواجهة تحت طائل بروز فشل الدول المجتمعة ازاء التحدي الذي يرفعه خصومها من الداعمين للنظام السوري عسكريا وماديا. وهذا المدى الزمني المعقول ما زال من ضمن المتوقع حتى الان، لكن التحديات تبدو ملحة بالنسبة الى مصادر معنية خصوصا عشية بدء السنة الرابعة على انطلاق الثورة في سوريا وتحولها الى حرب اهلية في 15 الجاري، وهو الموعد الذي يتزامن وتجاوز النظام المهلة المحددة لالتزامه تدمير 12 منشأة انتاج كيميائية كان النظام ابلغ منظمة حظر الاسلحة النووية بها من دون ان يبرز رد فعل اميركي او دولي مهم على تجاوز سابق اقدم عليه النظام ايضا على هذا الصعيد. كما يبدو إلحاح هذه التحديات في الاستعدادات التي بدأها النظام من اجل تأمين اعادة انتخابه وبقائه في السلطة ولاية جديدة مستفيدا من ثغرة الخلاف الغربي الروسي حول ازمة اوكرانيا مع اقتراب المهلة الدستورية لانتهاء ولايته في تموز المقبل واستمرار دفاع روسيا عن الرئيس فيكتور يانوكوفيتش الذي تدعمه على رغم اطاحته شعبيا مما اضطره الى الهرب الى روسيا.

واذ تأخذ مصادر ديبلوماسية مراقبة في الاعتبار دخول تطورات جديدة ومهمة على الاهتمامات الدولية والمتمثلة في ازمة اوكرانيا التي اشعلت الخلافات بين روسيا من جهة والولايات المتحدة واوروبا من جهة اخرى، فان المخاوف تكبر لدى هذه المصادر من ان توضع الازمة السورية على الرف وتترك لحالها من دون متابعة عن كثب للتطورات فيها او بذل جهود اضافية جديدة لها بغض النظر عما يجري على الارض. فالتقارير الاممية حول اعداد القتلى او عدد الاطفال السوريين الذين يعانون او اللاجئين السوريين الى دول الجوار لم تعد تحظى بالاهمية الكبيرة كما في السابق. وذلك علما ان المخاوف تطاول احد ابرز التحديات التي ترفعها الديبلوماسية الاميركية لنفسها وهي تحقيق تقدم ما على خط المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية المرتقب انضاجه او انهاؤه في نيسان المقبل. ومع ان اوساطا سياسية وديبلوماسية عدة تنتظر ما سيحمله الرئيس الاميركي في زيارته الاسبوع المقبل الى المملكة العربية السعودية على مستويات عدة ومن بينها ما يرتبط بالملفين المذكورين، فان الخلاف مع روسيا حول اوكرانيا وسبل مقاربة الحلول لها يرخي بثقله على كل الملفات الدولية المهمة بحيث تضاءلت التوقعات بامكان حصول اي خرق على اي صعيد قبل ايجاد حلول للازمة الاوكرانية مع صعوبة تحقيق ذلك ما لم ينجز بالاتفاق بين روسيا والدول الغربية. وهذا لا يعني ان الازمة السورية او الصراع الفلسطيني الاسرائيلي كانا قاب قوسين او ادنى من الحل قبل اندلاع الازمة في اوكرانيا بل ان الاولى باتت مرشحة منذ زمن الى الاستنقاع طويلا على الاقل حتى انتهاء المفاوضات حول النووي الايراني التي قد تستغرق سنة وربما اكثر فيما الثانية تتضاءل فرص اي حل فيها مع استمرار العناد الاسرائيلي، الا ان هذه المسائل انزلت من مستويات الاهتمام بها الى درجات ادنى في ظل استمرار استعصائها من جهة ونظرا الى ان التعاون الدولي من اجل انجاح اي حل لن يكون متوافرا في ظل الخلافات التي استعرت مع روسيا التي تلعب دورا مؤثرا ان في موضوع سوريا او في المفاوضات مع ايران حول ملفها النووي او في دعمها المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية. وثمة مستجدات قد تضيف وفقا لهذه المصادر متغيرات كثيرة من بينها في شكل اساسي انكشاف الضعف الاوروبي انكشافا كبيرا في ازمة اوكرانيا باعتبار ان هذه الاخيرة في قلب اوروبا ويفترض ان تظهر الدول الاوروبية فاعلية اكبر من فاعليتها التي تضاءلت في منطقة الشرق الاوسط في حين اظهرت عجزا يخشى ان يستدرج تراجعا في نفوذها وقدرتها على التأثير. ومن بين هذه المتغيرات ايضا ما قد تستفيد منه ايران بقوة على صعيد الخلاف الروسي الاميركي من اجل تعزيز قدرتها على التأثير عند واشنطن ان في شأن القرارات الاميركية بالانسحاب من افغانستان او في شأن محاولات ايجاد حل للازمة السورية او ايضا بالنسبة الى محاربة الارهاب التي باتت تصطف ايران في جانبه بحيث تغدو ايران اكثر اهمية من ذي قبل في مجموعة ملفات تماما كما حصل بالنسبة الى العراق. والحديث الاخير الذي ادلى به الرئيس الاميركي الاسبوع الماضي وتحدث فيه عن ايران ايجابا في اطار المقارنة بين الوضعين السني والشيعي في المنطقة اثار تساؤلات والبعض يقول انزعاجا على عتبة استعداد اوباما لزيارة المملكة السعودية.

ازاء ذلك لا يبدو مستغربا الخشية اللبنانية من ازدياد الوطأة الاقليمية على لبنان من ضمن خلط الاوراق والخربطة القائمة.

النهار

فاشية بوتينية أو نظام أوروبي عالمي جديد؟/ مطاع صفدي

العيب الكبير في السياسة الأمريكية تجاه العرب وأزماتهم، ليس ازدواجية المعايير أو تناقضاتها العلنية وحدها، إنه العيب الناجم عن تقصّد سوء الفهم لمعطيات المشاكل المطروحة عربياً، مما يحتم تقديم أو فرض الحلول الخاطئة؛ فما اعتادت أمريكا أن تواجه به تلك المشكلات والأزمات ليس استخدام قوتها العسكرية، أو نفوذها الاقتصادي والسياسي كيفما اتفق، ولا حسب مخطط موضوعي مدروس، ولكنها لا تنقلب إلى أسد ضرغام إلا حينما تعثر الفريسة على سبيل الفرار للنجاة بنفسها.

ها هي أمريكا زعيمة العالم الحر كما تسمي نفسها، لا تكتفي بدفع الأثمان الباهظة لأخطائها في ‘الشرق الأوسط’، بل تتابع أساليبها الخاطئة عينها في الساحة الأوربية، ففي اللحظة التي تقرر فيها روسيا بوتين أن تسترد أدوارها القديمة، منذ أيام الاتحاد السوفييتي، في مجالات الصراعات التقليدية مع اوروبا الغربية، تقفز أمريكا إلى مقدمة المسرح الحدثي الأوربي الجديد.

بينما تكاد تعترف دول القارة الكبيرة، ألمانيا وفرانسا وانكلترا، أنها مضطرة إلى التراجع نحو الخط الثاني وراء الزعيمة العظمى الآتية من ما وراء الأطلسي. هؤلاء الأوربيون القدامى لا يريدون العودة إلى عصر الحرب الباردة، وانبعاث شبح تقسيم قارتهم إلى معسكر غربي وآخر شرقي. ولكن حين تقول أمريكا أن بوتين يخترق الخط الأحمر المانع لاسترجاع نسخة جديدة للاتحاد السوفييتي، فهذا يعني أن اوروبا الغربية سيكون عليها أن تشكل من ذاتها خطوط الدفاع الأولى عن ‘العالم الحر’، ضد هجمة القيصرية الصاعدة، في حين تحتمي أمريكا وراء المحيط الأطلسي، كما فعلت إبان الحروب الثلاث العالمية السابقة، لكنها سوف تمارس كل أدوارها المعهودة في القيادة العليا.

ما تخشاه شعوب هذا الغرب المنهك هو أن تفقد حكوماتها الضعيفة إجمالاً، حتى وهي في أيام السلم الحالية، كلمةَ الحسم حول القرارات الاستراتيجية الآتية في إدارة الصراع المداهم.

واضحٌ منذ الآن أن الاتحاد الأوروبي ليس جاهزاً لخوض أية معارك حدية، تقع على أرضه، أو تلامس حدوده. فإن بنيته الأيديولوجية قائمة في أساسها على رفض التورط في مسلسلات من عنف التحديات القوموية ما بين الدول. فإن بعض قادة الاتحاد من المتنورين يحاذرون الجنوح في تصعيد المأزق الأوكراني. لا يريدون تكرار النموذج السوري في عقر دار الغرب. ليس هناك من سبيلٍ إلى تدخل أوروبي في هذا المأزق دون أن يقابله تدخلات من أطراف أخرى. وأولاها هي الأيدي الروسية واتباعها في المنطقة. وإذا كان بوتين هو المبادر الأول لوقف تداعيات الانقلاب الرئاسي في عاصمة أوكرانيا، على مصالحه العسكرية والاقتصادية والأمنية. فلن يكون الرد الغربي (العقلاني) هو في إعادة المظاهرات الشعبوية إلى ساحة ‘الاستقلال’ في العاصمة كييف، مثل هذا التدبير قد تخطته الأحداث، والإصرار عليه سوف يشعل الحرب الأهلية التي يتحاشاها الجميع كما يبدو. هذا بالإضافة إلى أن اندلاع حرب الشوارع سيفتح حدود الدولة أمام تدفق المقاتلين من كل جهة،سواء كانوا جنودَ الدول المجاورة أو مرتزقةً ومتطوعين.. وإرهابيين. هذه اللوحة الكئيبة هي من وقائع واستنساخ المأساة السورية. فالأوربيون يتفهمون إلى حد ما المغزى الكارثي لأية خطة متهورة قد يتبعها البعض منهم، أو أمريكا نفسها بالتحديد، لاستنساخ المأساة أوروبياً. هذا بالرغم من أن بوتين هو البادئ بطرح التهديد العسكري منذ بداية الأزمة. لكنه أعطى تهديده ذاك طابعاً دفاعياً، وهو مقدر سلفاً أن أوكرانيا كدولة ليست في وارد الرد الحربي على تحديه. كذلك لن يدخل حلف الأطلسي في عباب هذه المغامرة. من هنا يبدو الصراع العسكري ممتنعاً على مختلف أطراف النزاع.

ومع ذلك فإن بوتين ماضٍ في تنفيذ مخططه بعد أن فرض واقعاً مادياً من خلال تدخله شبه العسكري السريع. وما على الغرب إلا التكيف مع مقدماته تلك السائرة نحو نتائجها المنتظرة. فالقيصرية الجديدة عازمة على استرداد بعض أمجادها الغابرة حتى مما قبل الاتحاد السوفييتي. إنها الجغرافية الروسية التي كانت تشكو من تهلهل حدودها، من فوضى التمدد تارة والتقلص تارة أخرى. ولعلّ شكواها المستديمة تتجلى في حرمان جنوبها من البحر الأسود واستقرار سيادة موسكو المباشرة في جوار المياه الدافئة. لكن الأزمة الراهنة تعدّت هذه العلة القديمة، لتصب في معين ذلك الحنين الدفين نحو الكيان الإمبراطوري الذي يداعب مخيال الحكام ‘التاريخيين’ لما يسمونه بروسيا المقدسة. إنها دودة القوموية العنصرية وحاكمها الفرد المطلق. هذا ما يراه الرأي العام السياسي والثقافي في الغرب الأوروبي، وقد جسدته شخصية بوتين التي يعرف إعلام الغرب كل مركباتها الذاتية وانحرافاتها السلوكية. فالديكتاتورية من أجل الفساد، والفساد من أجل الديكتاتورية تؤلف المركب السلطوي لهذا النوع من الديمقراطية الزائفة، والتي يخيفها الاصطدامُ بديمقراطية غربية، ستظل متفوقة نسبياً على الفاشية المقنعة، كما يمارسها ويجددها نظام القمع البوتيني.

إنها سياسة التهدئة، أو بالأحرى التخاذل، التي اعتمدها الغرب بجناحيه الأوروبي والأمريكي في مواقفه الخارجية، هي التي تصيب حكامه الحاليين بدوار الارتباك والتردد إزاء التحدي البوتيني الذي يتهدد الخاصرة الشرقية الجنوبية لاوروبا. فبعد أن تعددت جولات هذا الارتباك والتخاذل الغربية إزاء ثورات الربيع العربي، وبلغت أوجها في مجزرة الثورة السورية التي نفذتها أمريكا بكل وعي وتصميم، فقد استنتج بوتين أن رصيده في دعم مركبات الاستبداد/الفساد ما بين سوريا وإيران، سوف يسمح له أن يمارس ديكتاتوريته لحسابه الخاص في أقرب المساحات المتاخمة لحدوده. فهو على شبه يقين أن الغرب خاوي الوفاض حتى من أية سياسة دفاعية ناجعة. وأن الدول العظمى الحاكمة للاتحاد الأوروبي سوف تكون السباقة حتى بالنسبة لأمريكا، في ابتكارات خطط التراجعات والمساومات، بينما تتفكك أوكرانيا وتلتحق ‘القرمْ’ نهائياً بالاتحاد الروسي. وفي الوقت عينه سيزداد الربيع العربي تعثراً. تصاب ثوراته شبه الناجحة في مصر وتونس، بأمراض الاستنفاع السياسوي؛ وفي ليبيا سيسود (نظام) الجمهوريات القبلية والجهوية والاسلاموية. وأما المشرق العربي فكل مقدمات ومسببات الفوضى العارمة الشمولية هنا، توفرّت بنودها الضرورية خلال هذه السنوات الثلاث من التلاعب الغربي، والأمريكي تحديداً بمصائر الوثبات التاريخية، وقلبها إلى مجرد كوابيس دامية رهيبة لشعوبه.

التحدي البوتيني إذن أصبح من طبيعة دولية وليس إقليمية أو قارية. إنه يمهد لعصر الفاشية الجديدة. فانتصاراته العربية على شعوب المنطقة ترشحه لتحقيق طموحاته نحو ‘أوهام’ انتصاراته الأوروبية القادمة. ذلك هو المغزى الاستراتيجي الأخطر لإنجازاته الحالية في جنوبه. وقريباً في حدوده الغربية والشمالية. ما يعني أن اوروبا لم تدفن الفاشية والنازية والستالينية إلى غير رجعة. هذه براكين الطغيان تتأهب من جديد لإطلاق حممها النارية في عقر الدار الأوروبية. والاتحاد الأوربي لن يعاني بعد اليوم من أزماته الاقتصادية وحدها. بل إن أخطاءه السياسية والاستراتيجية، وهو وراء الزعامة الأمريكية، باتت فاعلة وحاسمة، بما يتجاوز عسْرَه الاقتصادي وحده، الذي طالما أوقع العجز والاستعصاء في إدارة الاتحاد، وعرقل تقدمه نحو التكامل السياسي ما بين دوله العديدة. هذا الاتحاد هو في حالة الخطر الوجودي. وليس أوكرانيا وحدها. والتحدي الروسي بات له أفق دولي؛ والاستراتيجيون الواعون يدركون أن النظام العالمي نفسه أمسى هو المرشح المقصود في التغيير الحالي والمتمادي نحو مستقبل كوني مختلف.

كل شيء إذن متوقف على رد الفعل الأوروبي، حتى قبل الأمريكي. ليس مسموحاً للاتحاد الأوروبي أن يكرر ‘ذيليّته’ للتخاذل الأمريكي، وتجاربه المفضوحة إزاء الربيع العربي، والمجزرة السورية خاصة، هذا الاتحاد ليس منتظِراً أن تُذبح حريتُه تحت مؤامرات الأولغارشيات/المافيات الروسية وأضرابها.

لا بد من وضع حد للابتزاز البوتيني. وفي الجعبة الأوروبية إمكانيات لا تُعدّ ولا تحصى من أوراق الدفاع، بل الهجوم كذلك. إنه الصراع المدني في ذروته العليا. وهو امتحان الدهر لكل تراث الديمقراطية الحقيقية التي يدّعيها لنفسه المشروع الثقافي الغربي. ما يمكن أن يئد وحشَ الفاشية الجديدة وهو يحبو في خطواته الأولى، هو انتهاض الاتحاد الأوروبي إلى مستوى وحدته السياسية التي دأب على التخاذل دون ضروراتها من مرحلة حريةٍ إلى أخرى، وانطلاقاً أولاً من تحرير أدواره من الوصايات الأوبامية، ذلك هو الوقت الموعود ليعلن الأوروبيون أن اتحادهم ليس نمراً من ورق. بل يمكن كذلك أن يكون قلعة للحرية. لهم ولأحرار العالم، ومن رواد الثورات الربيعية في كل مكان، هذا إذا كانت اوروبا الغرب لا تزال تمتلك قوة ما مع الكرامة..

‘ مفكر عربي مقيم في باريس

القدس العربي

بواعث السلوك الروسي الإستراتيجي “الدفاعي”/ ميشال أبو نجم

في الشكل، تظهر روسيا البوتينية اليوم قوة توسع هجومية “إمبريالية” داعمة لأنظمة سلطوية، في مواجهة القوى الغربية حاملة قيم “الحرية والديموقراطية”. لكن في العمق، يبقى السلوك الروسي الإستراتيجي دفاعياً ومحكوماً بهواجس التاريخ وضرورات الجيوبوليتيك.

تقع نقطة الضعف الإستراتيجية لروسيا في حدودها الهشّة المترامية الأطراف، الممتدة من المحيط الهادئ شرقاً إلى السهل الأوروبي الشمالي غرباً، وبين المحيط المتجمد الشمالي في الشمال والقوقاز وآسيا الوسطى والصين جنوباً، ما حوَّلها تاريخياً إلى مسرح للإجتياحات التي هددت وجودها، من المغول والتتار في منتصف القرن الثالث عشر إلى غزو نابوليون في القرن التاسع عشر واجتياح قوات هتلر في الحرب العالمية الثانية، على الرغم من أن عمقها وامتدادها في قلب الخارطة الأوراسية كان عاملاً إيجابياً أحسنت استخدامه لصد من يغزوها وهزمه.

على هذه الخارطة تقع روسيا في مركز أوراسيا التي حدّدها المفكرون الإستراتيجيون وفي طليعتهم السير هالفورد ماكيندر بمنزلة القلب الذي يجب أن تسيطر عليه القوى الطامحة للتحكم بالعالم. وهي في هذا الموقع دولة مطوّقة. فبسبب كونها كبرى القوى البرية القارية Heartland وغير مجاورة لبحار رئيسية، تحرم من العامل البحري كحاجز أمام الإجتياحات الذي تستفيد منه القوى البحرية Rimland (بريطانيا والولايات المتحدة على سبيل المثال)، وهذا ما يجعلها في حال دائمة من انعدام الأمان والقلق.

هذا الشعور بالقلق يؤكده مؤسس نظرية القوى البحرية ألفرد ماهان الذي رأى أنَّ القوى البرية، وبسبب الخوف من الإجتياحات، تكون محكومة بحتمية التمدد والتوسع بسبب مواطن الضعف في موقعها الإستراتيجي، خاصة وأن شعورها ب “عدم الإكتفاء يأخذ طابعاً هجومياً” لدى هذه القوى وفي طليعتها روسيا. انطلاقاً من هذا المعطى الجغرافي، توسعت روسيا في اتجاه أوروبا الشرقية والوسطى لتصد فرنسا النابوليونية وألمانيا الهتلرية، وتمددت في اتجاه أفغانستان في القرن التاسع عشر لوقف تمدد الأمبراطورية البريطانية البحرية المتمركزة في الهند على شواطئ المحيط الهندي، ونفذت أيضاً من البحر الأسود منذ أيام القياصرة لتصل إلى البحر المتوسط. ولم تنسّ روسيا شرقها حيث بنت ابتداءً من القرن التاسع عشر خطوط السكك الحديدية في اتجاه آسيا الوسطى ومن جبال الأورال إلى المحيط الهادئ مروراً بسيبيريا.

الحدود الجنوبية

شمالاً، يحيطها المحيط المتجمد وهو حدودها الآمنة الوحيدة. وفي الجنوب، كانت المنطقة الممتدة من السهل الهنغاري في الغرب مروراً بأوكرانيا إلى شمال القوقاز وصولاً إلى منشوريا، منطلقاً لغزوات المغول التتار أو “سكان السهوب” في القرن الثالث عشر. وهم الذين حكموا الأراضي الروسية لفترة من الزمن ودمروا كييف عاصمة أوكرانيا اليوم قبل أن يمتد غزوهم إلى أوروبا الشرقية. كان هذا الغزو هو ما مهّد الأرضية لبزوغ عامل انعدام الأمان والقلق في الوجدان الروسي ولتساهل الروس مع الأنظمة الإستبدادية للقياصرة، على اعتبار أن الأمن وصد الغزوات الخارجية هما الأولوية. أما حدودها مع الصين فهي طويلة وهشة لكن الخطر من هناك شبه معدوم نظراً لعدم الفائدة في الدخول إلى سيبيريا من الجهة الصينية ومنغوليا، فضلاً عن صعوبة القدرة عليه.

في الجنوب أيضاً، يفصلها البحر الأسود والقوقاز وبحر قزوين عن تركيا وإيران ما يشكل نسبياً حدوداً آمنة. لكن في جبال القوقاز تواجه روسيا النزعات الإستقلالية لمسلمي المنطقة، كما تبقى عينها على النفوذ التركي الذي يمتد تاريخياً إلى آسيا الوسطى وخاضت معه روسيا صراعات وحروباً. لكن الصراع في خاصرة روسيا الجنوبية ليس مع مجرد نزعة قومية استقلالية فحسب، بل مع الفكر التكفيري المتطرف الآتي من مدارس دينية عربية والذي يؤدي إلى تثوير الحال الإسلامية في روسيا التقليدية تاريخياً بسبب سيادة المذهب الحنفي والطرق الصوفية.

الثغرة القاتلة

تبقى الحدود الغربية مع أوروبا الثغرة الأخطر والقاتلة للأمن القومي الروسي. فمن دول البلطيق شمالاً إلى جبال الكاربات في رومانيا جنوباً يمتد السهل الأوروبي الشمالي وهو الجزء الأهم من السهل الأوروبي الفسيح الممتد من جبال الأورال حتى فرنسا وجبال البيرينيه حيث لا توجد حواجز طبيعية قادرة على صد الغزوات. وهذه المنطقة كانت تاريخياً الممر للغزوات الأوروبية ومنها حربا نابوليون وهتلر. وحتى حين كان الإتحاد السوفياتي يمتد إلى وسط ألمانيا أيام الحرب الباردة، لم توفر المنطقة من موسكو إلى برلين قيمة تُذكر باستثناء المساحة الجغرافية والعمق الإستراتيجي. من هنا اضطرار روسيا إلى التوسع غرباً لصنع مسافة فاصلة عن حدودها وعاصمتها.

فّإذا كان قلب روسيا غير محميٍ كفاية حتى في أيام الإتحاد السوفياتي الذي امتد من ألمانيا إلى المحيط الهادئ وإلى الجنوب في القوقاز وآسيا الوسطى وأفغانستان، فكيف لا يستولي القلق على رؤوس النخب الحاكمة الروسية، في ظل امتداد حلف شمال الأطلسي إلى بولندا ودول أوروبا الوسطى والشرقية وتقلص المسافة الفاصلة بينه وبين العاصمة الروسية إلى أقل من مئة ميل؟ أما السعي الأميركي لنشر الدرع الصاروخية في بولندا ورومانيا على مقربة من أسوار موسكو فيزيد ايضاً من القلق الروسي من هنا يمكن فهم وصف فلاديمير بوتين، عام 2007، سقوط الإتحاد السوفياتي بأنه “كارثة استراتيجية”.

فمع سقوط الإتحاد السوفياتي، خسرت روسيا دول البلطيق ودول شرق أوروبا، إضافةً إلى قلب نفوذها الروحي والإستراتيجي، أوكرانيا. وفي حين تبقى بيلاروسيا موالية لروسيا وضمن فلكها، فإن موسكو تحتاج إلى أن تكون أوكرانيا أيضاً في فلك نفوذها الإستراتيجي، رافضةً إمكانية قبولها بأي شكل من الأشكال بانضمامها إلى حلف شمال الأطلسي. يكفي النظر إلى الخريطة والمسافة الفاصلة بين كييف وموسكو لنتيقن من جدية القلق الروسي إزاء الأزمة الأوكرانية. فضلاً عن أن الشريط بين الحدود الأوكرانية وكازاخستان عبر القوقاز لا يبلغ سوى 400 ميل فقط، مما يسهم في خلق ثغرة أخرى لموسكو في حال خسرت سيطرتها على القوقاز.

يرى المحلل الإستراتيجي روبرت كابلان في كتابه “انتقام الجغرافيا” أنه ربما لم يسبق لروسيا أن كانت على هذا القدر من الهشاشة الجغرافية كما هي اليوم. بالتالي إن معاينة الجيوبوليتيك الروسي وأحداث التاريخ القريب والبعيد، تسمح بتفهم ما حصل في أوكرانيا مؤخراً على مسرح حدود روسيا مع أوروبا. وهذا ما يجعل مفكراً بحجم هنري كسينجر يطالب في “الواشنطن بوست” بـ”عدم دخول أوكرانيا حلف شمال الأطلسي وبتعزيز استقلال شبه جزيرة القرم على أن تبقى تحت السيادة الأوكرانية”.

كاتب سياسي وباحث

لائحة المخادعين في سورية

إذا كان مَخرَج المواجهة بين موسكو والغرب، مقايضة شبه جزيرة القرم بأوكرانيا مصغّرة حليفة للديموقراطيات الأوروبية ولواشنطن، ألا يقدِّم ذلك سابقة يُمكن سيدَ البيت الأبيض الرئيس الأميركي باراك أوباما و «قيصر» الكرملين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاتكاء عليها لوقف الحرب في سورية؟… فتضيع وحدة هذا البلد العربي، لينقذ «القيصر البعثي» طموح حليفه، النظام السوري الذي ما زال عاجزاً عن سحق المعارضة ووقف الحرب، بل يطبّق في بقعة جغرافية واسعة سياسة الأرض المحروقة: دمار شامل بالطيران والبراميل المتفجرة، بلدات تُمحى ومدنيون ينضمون ببساطة إلى إحصاءات القتلى الذين ربما تجاوز عددهم مئتي ألف، إذا أُضيفت إليهم قوائم المفقودين.

والعجز عن وقف الحرب بالقوة، أي سحق المقاتلين المعارضين للنظام في دمشق إذ لا يُسقِط احتمالات تقسيم سورية، وإقامة الكيان العلوي الذي تحتدم المعارك لشق ممرات تواصلٍ بينه وبين الحلفاء في العراق ولبنان وعبر العراق إيران بالطبع، لن يعني حتماً أن حروباً «صغيرة» ومديدة لن تندلع، ولو رعت روسيا بوتين ذلك الكيان.

ومرة أخرى، يجرّ المبعوث الدولي- العربي الأخضر الإبراهيمي خيبته إلى مجلس الأمن اليوم، ولعله يبدأ بتذكير «الكبار» في المجتمع الدولي بحقائق عن الحرب القذرة التي تتناسل حروباً وكوارث على حساب دماء السوريين الذين ما زال النظام في دمشق يصرّ على تفاؤله وثقته باختيارهم انتخاب الرئيس بشار الأسد مجدداً، إذا أُجرِيَ الاقتراع هذه السنة. مرة أخرى تطول لائحة المخادعين ممن ضلَّلوا، لإيهام الآخرين بأن الصبر وحده كفيل بوقف سفك الدماء.

للإبراهيمي هذه المرة أيضاً أن يطلب تفهُّم الأميركيين والروس مقتضيات مهمّته ليمارسوا ضغوطاً، لكن المعارضين وحدهم هم الذين دفعوا الثمن، بأيدي النظام و «القاعدة» و «جبهة النصرة» و «داعش»، فيما الروس والإيرانيون وحلفاؤهم من العراقيين واللبنانيين يساهمون في تجديد شرايين النظام وترميم رئتيه، ليواصل معهم «المعركة ضد التكفيريين والجهاديين». أما «الائتلاف الوطني السوري» فهو في الصيغة «الرسمية» لدى دمشق مجموعة «إرهابيين»، صيغة تحاكي تصنيف موسكو حكومة كييف الجديدة… إنه قاموس واحد، فيه تصبح «البعثية» أممية، وتتمدد إلى ضفاف البحر الأسود.

نفق الصراع في سورية ليل أسود، أكثر حقائقه وضوحاً، إلى التضحية بمئتي ألف سوري، تشريد 9 ملايين، ونحر إنسانية أكثر من خمسة ملايين طفل، وأن بشراً اقتاتوا بالأعشاب وطعام الحيوان، وجرحى عانوا عفونة الدم. مع هذه الحقائق، أي حل سياسي يريده من يرتكب الفظائع؟

سؤال بارد، لا يرتقي إلى حجم المآسي السورية، ومعها لم يعد ينفع تمديد مهمة الإبراهيمي ولا تنحّيه. معها تنتصب صُوَر لعلها تعبّر عن وقائع سياسية، بصرف النظر عن أوهام العظمة لدى بوتين، واختباء أوباما وراء انكفاء أميركا من الحروب:

* سيد البيت الأبيض يكره مشاهد الدم والقتل، يهرول في الاتجاه المعاكس لـ «القيصر»، لكنه يشتمه وإن بـ «نعومة». الأميركي يكتفي بورقة انتزاع «الكيماوي» السوري، وما «جنيف» إلا تفصيل بسيط، لا بأس أن يتحكّم الكرملين بمصيره.

* بوتين الذي ابتلع شبه جزيرة القرم، هل تُغريه بترك سورية ونظامها لمصيرهما، أو لإيران؟ حسابات رجل الـ «كي جي بي» لا بد أن تراعي مَيْلاً فطرياً لدى أوباما إلى السلام، فيقفز الكرملين إلى مزيد من التحدّي، والرئيس الأميركي إلى مزيد من الهرولة في الاتجاه المعاكس.

* الحليف الإيراني للنظام السوري لم يفُتْهُ أيضاً أن «نَجْم أميركا يأفل» كما قال علي لاريجاني، ليشجع الأسد على مزيد من «الصمود». فالأهم لدى رئيس البرلمان الإيراني أن الحكومة السورية «رحّبت بالإصلاحات السياسية»، في حين «لا تستمر ديكتاتوريات المنطقة إلا بدعم أميركي»!

كتشويه الجثث في سورية، بازار تشويه الحقائق مفتوح على مصراعيه. قاموس واحد في موسكو وطهران ودمشق، وفي بغداد كذلك، حيث «القيصر» العراقي لا يرى علاقة بين تمدّد الإرهاب والإعدامات التي تنفّذها سلطته بحجة مكافحة هذا الوباء.

ينسى لاريجاني التهافت الإيراني على التطبيع مع أميركا التي يصر على أنها «تدعم الإرهابيين»، ويتمنى النظام في دمشق حواراً مع واشنطن لأن هؤلاء «عدو مشترك»، وإدارة أوباما امتنعت عن إنهائه أو تقصير عمره، كما امتنعت عن تمكين معارضيه من الغلبة. ولعل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي استوعب «اللعبة»، ويدير شراكته مع أميركا وحلفه مع إيران بالشكل الذي يؤهله للطموحات الكبرى، على خطى «قيصر» روسيا.

بعد كل ذلك، أي أملٍ بنهاية لليل السوري الطويل؟ كثيرون ليسوا براء من دماء السوريين، لكنهم حاضرون دائماً في جنازاتهم.

الحياة

العجز الأميركي – الدولي عن المواجهة الأوكرانية يستعيد مع روسيا التجربة التوسّعية الإسرائيلية/ روزانا بومنصف

لم تجد الازمة الاوكرانية طريقها الى مجلس الامن كما يفترض باي ازمة مماثلة تمثلت في دفع دولة كبيرة كروسيا بقواها العسكرية الى القرم تمهيدا لاعادتها الى حظيرة السلطة الروسية في استعادة وهمية لسلطان الاتحاد السوفياتي سابقا. فان تكون روسيا دولة من الدول الخمس الكبرى الاعضاء في المجلس ومعتدية على سيادة دولة جارة شكك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “في شرعية خروجها من الاتحاد السوفياتي”، كما قال، من شأنه تعطيل اي قرار على نحو بديهي. في حين ان المآخذ القانونية والشرعية كثيرة ان في تجاوز روسيا مذكرة بودابست الموقعة عام 1994 بينها وبين اوكرانيا والولايات المتحدة وبريطانيا، في ما خص تسليم اوكرانيا اسلحتها النووية الى روسيا في مقابل احترام روسيا سيادة اوكرانيا وسلامة اراضيها او في شأن دفع روسيا الى استفتاء في القرم يتجاوز ما هو معمول به في الدولة الاوكرانية لجهة تقرير الاستفتاء ومن يقرره. كما ان هذا الخرق الروسي للقوانين والشرعة الدولية لا يبدو محل حملة كبيرة سياسية واعلامية من الدول الاوروبية او من الولايات المتحدة على رغم اقرار هذه الدول بوجود مصالح مباشرة لروسيا في اوكرانيا وفي القرم والاستعداد للتسليم بها بالتزامن مع التهديد بعقوبات او اجراءات ضد روسيا ازاء ما قامت به وفي حال ضمت القرم الى سلطتها.

ومع ان هناك ترقبا لطبيعة المحادثات التي سيجريها رئيس الديبلوماسية الاميركية جون كيري مع نظيره الروسي سيرغي لافروف اليوم حول الازمة الاوكرانية على نحو استباقي للاستفتاء الذي يفترض حصوله يوم الاحد حول ضم القرم الى روسيا، فان ثمة من يعتقد ان الثغرة في الموقف الاميركي في هذا الاطار تكاد تقارب الموقف العاجز من اعتداءات اسرائيل ومواصلتها ضم الاراضي واقامة المستوطنات من دون قدرة على وقفها مما يساهم في اعلاء شأن استخدام القوة واطاحة المواثيق الدولية تحت مسميات وذرائع شتى. فحين تعجز الولايات المتحدة عن ردع اسرائيل عن المضي في خططها التوسعية بما يؤدي الى تآكل الاراضي الفلسطينية وتراجع فرصة قيام دولة حقيقية وحتى عن اقناع رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو بافساح المجال امام اتفاق اطار يطلق المفاوضات النهائية، فمن غير المرجح ان تنجح في ردع روسيا عن خططها التوسعية مجددا ما لم تقتنع روسيا بمصلحتها المباشرة لاعتبارات عدة اقتصادية وسياسية بحوار مع اوكرانيا لا يرميها في حضن الغرب الاوروبي ولا يعيدها الى احضان روسيا مجددا ويحفظ مصالح الجميع وماء وجههم ايضا.

والمفارقة المهمة في هذا الاطار ما تبرزه مصادر ديبلوماسية لجهة كيفية المقاربة الخجولة التي اعتمدتها الامم المتحدة للازمة الاوكرانية والتي من شأنها ، وفق رأي هذه المصادر، ان تظهر ضعف سلطة المنظمة الدولية واضمحلال تأثيرها اكثر فاكثر مع توجيه الامين العام للامم المتحدة الدعوة الى كل من روسيا والولايات المتحدة في مناسبة الذكرى الثالثة لانطلاق الثورة في سوريا ضد النظام الى احياء محادثات السلام حول سوريا ، تزامنا مع تحذير الموفد الاممي الى سوريا الاخضر الابرهيمي من التأثير السلبي لاحتمال اعادة انتخاب بشار الاسد على العملية السلمية والنية في الطلب الى روسيا الضغط على النظام السوري عدم اللجوء الى هذه الخطوة. اذ ان هذا الموقف يظهر قمة العجز الدولي من المنظمة الدولية من جهة بحيث تقف رهينة قرارات يفترض ان تصدر بالاجماع في مثل هذه الحال كما اضطرار بعض الدول الغربية الطلب الى روسيا بالذات، ولو من دون تسميتها مباشرة نظرا الى الخلاف القائم معها حول اوكرانيا، باعتبارها من الدول التي “لها تأثير على النظام” والتي يتم تهديدها باجراءات لمخالفتها المواثيق الدولية عبر انتهاكها السيادة الاوكرانية للتدخل من اجل ردع النظام عن القيام بخطوات تفجر العملية السياسية لايجاد حل للازمة السورية من جهة اخرى. وتاليا لا يبدو واضحا كيف يمكن تحفيز تحرك دولي مشترك من اجل سوريا مجددا في ظل هذه المقاربات، ما لم يشكل العناد الروسي حول اوكرانيا وعدم التعاون من اجل حلول تخفف الاحتقان والتوتر في اوروبا سببا مباشرا للنفاذ الى حلول قسرية تم الابتعاد عن اعتمادها خصوصا في الموضوع السوري ودفع النظام الى اعتماد مقاربة جدية للحل الذي رفضه حتى الآن.

النهار

أوكرانيا مشكلة للغرب أكثر منها لروسيا/ مروان اسكندر

الجوقة الاعلامية المعروفة تصب مطولاتها على انتقاد روسيا وتصوير بوتين بانه الديكتاتور الذي يريد خنق الحريات في أوكرانيا التي يطالب شعبها بوحدة الارض والديموقراطية.

والحملات تشتمل على اخطاء تاريخية قديمة وحديثة عدة. فعلى سبيل المثال تشبّه “الايكونوميست” ما يحدث في شبه جزيرة القرم احتلال روسيا لاجزاء من جورجيا صيف 2008، والواقع هو غير ذلك.

روسيا لم تهاجم جورجيا، بل ان القوات الجورجية مسلحة بتجهيزات من اسرائيل، ومستندة الى مناورات مشتركة مع الاميركيين، هي التي هاجمت اوسيتيا الجنوبية وقتلت ستة عسكريين روس كانوا يقومون بدور حراسة فيها، كما ابخازياً، والمقاطعتان محايدتان بموجب قرارات دولية كلفت روسيا مسؤولية الامن فيهما.

والتعليقات الغربية تصف التصريحات الروسية عن نزعة بعض الاوكرانيين الى ممارسات النازية بأنها تجديف، والمعلقون لا يتذكرون أن الاوكرانيين تعاونوا مع هتلر ضد روسيا خلال الحرب العالمية الثانية، وانهم كانوا أشرس وأقسى الحراس على المعتقلات النازية التي هجر اليها اليهود بالقوة من المانيا والى حد بسيط من فرنسا وايطاليا، فتاريخ النازية راسخ في غرب اوكرانيا.

ويعلم الأوروبيون تماماً انهم عاجزون عن توفير الدعم المادي المطلوب لاوكرانيا، كما يتخوفون في حال انضمام أوكرانيا الى السوق الاوروبية من تدفق الاوكرانيين الى مختلف البلدان الاوروبية، مع العلم أن الازمة المالية والاقتصادية في اوروبا الغربية مرشحة للاستمرار من ثلاث الى خمس سنوات لن تنخفض خلالها معدلات البطالة في اسبانيا والبرتغال وايطاليا وفرنسا عن 10 في المئة، وهذه المعدلات تزيد في اسبانيا والبرتغال واليونان حالياً على 25 في المئة، وهو معدل كارثي يرتفع الى أعلى من 40 في المئة بين الفئات الشبابية.

الازمة المالية والاقتصادية للسوق الاوروبية تكونت الى حد بعيد من مسارعة الاوروبيين الى ضم 10 بلدان اشتراكية سابقاً الى برنامج السوق المشتركة، وهذه العملية زادت مصاعب الاقتصاد الاوروبي تفاقماً وأوجبت تخصيص موارد مالية كبيرة لاحتواء آثارها.

ولا بد في هذا المعرض من الاشارة الى تكاليف انضمام المانيا الشرقية الى المانيا الغربية بعد هدم حائط برلين عام 1989. ومعلوم ان اهل برلين الشرقية يتكلمون اللغة ذاتها، وهم أصلاً من بلد واحد، وكان لديهم عدد كبير من الصناعات الثقيلة التي طورت في المانيا، كما أن المانيا الشرقية تضم الكثير من البلدان التاريخية ذات الاهمية للالمان كشعب.

وعلى رغم تقارب اللغة والخبرات الصناعية كان ضم 16 مليوناً من المانيا الشرقية الى المانيا الغربية عملية استغرقت سنوات، وحتى تاريخه لا يزال مستوى الدخل الفردي في المانيا الشرقية سابقاً يوازي نسبة 70 في المئة من مستوى معدل الدخل الفردي في المانيا الغربية، وتوحيد الألمانيتين افترض عام 1989 ان كلفته الاقتصادية ستوازي 100 مليار مارك الماني، والواقع ان المارك كان قاعدة تسعير الاورو.

بعد انقضاء ربع قرن على اعادة اللحمة بين الألمانيتين في دولة موحدة صارت الدولة الكبرى اقتصادياً في اوروبا، بلغت تكاليف اعادة التوحيد 1600 مليار مارك او أورو أي 16 ضعف التقديرات الاولية.

تظهر خبرة الأوروبيين من اعادة توحيد المانيا الشرقية والمانيا الغربية ان احتواء 42 مليون أوكراني في السوق الاوروبية، ولو بعد ربع قرن، عملية لا تتوافر الموارد المطلوبة لتحقيقها لدى الأوروبيين، وتالياً سيتعقل الأوروبيون في معالجة المشكلة الواقعة حالياً.

* * *

الاميركيون لا يزالون يعيشون فكرة اندثار الشيوعية والاشتراكية التي عبر عنها اوائل التسعينات الاقتصادي الياباني الاميركي فوكوياما، حين وضع كتاباً بعنوان “نهاية التاريخ” The End of History اعتبر فيه ان الرأسمالية المقترنة بالديموقراطية هي المنهج الوحيد لنجاح الامم. واذا بالأزمات المتعاقبة، من ازمة مؤسسات الادخار والتمويل التي بلغت تكاليفها للاقتصاد الاميركي 500 مليار دولار، وساهمت في خسارة بوش الاب الانتخابات الرئاسية أمام كلينتون، الى ازمة عام 2008 التي حولت التوقعات المستقبلية للمجتمعات الرأسمالية الى التشاؤم خصوصاً ان نهاية الازمة غير مؤكدة في السنوات المقبلة، تطيح نظرية فوكوياما كلياً.

ويريد الاميركيون، مع توافر انتاج الغاز لديهم، زعزعة دور روسيا في توفير الغاز لدول اوروبا الغربية. وايطاليا على سبيل المثال تستورد نسبة 50 في المئة من حاجاتها للطاقة من الغاز الروسي، وتركيا تعتمد على الغاز الروسي بنسبة اكبر، والمانيا يزيد اعتمادها على نسبة 25 في المئة، وهو مرشح للارتفاع لانها قررت الغاء المفاعلات الكهربائية النووية في عقد الثلاثينات بعد الألفين والتحول الى استعمال الغاز لانتاج الكهرباء.

ان حصر مبيعات الغاز الروسي هدف لا يمكن تحقيقه في المستقبل المنظور، واوكرانيا تفقد قدرتها الصناعية في حال انحسار تسليمات الغاز. ومعلوم ان نسبة التلوث من الاعتماد على الفحم الحجري لتوليد الكهرباء في اوكرانيا تساهم في رفع نسبة التلوث البيئي الى أعلى مستوى معروف في اوروبا، وربما كان يضاهي مستوى التلوث البيئي في الصين او يزيد عليه. فأوكرانيا في حاجة ماسة الى الغاز من أجل صناعات أقل تلويثاً والتدفئة في الطقس القاسي.

* * *

شبه جزيرة القرم قدمها عام 1954 خروتشيف الى اوكرانيا عندما كان هنالك اتحاد فيديرالي سوفياتي. واليوم نشهد نسبة كبيرة من سكان اسكوتلندا تطالب بالانفصال عن بريطانيا ومن المقرر اجراء استفتاء على هذا التوجه، كما نسمع بمطالبات من زعماء سياسيين في كاليفورنيا بحصول هذه الولاية على الاستقلال عن الولايات المتحدة. ربما كان الاميركيون يخشون ان يطالب الروس بألاسكا التي هم قدموها الى الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر.

بطرس الأكبر احتل أوكرانيا عام 1709، وكاترين الكبرى استقدمت 30 الف مزارع الماني عام 1760 وأعتقتهم من نير العبودية ووفرت لهم قروضاً طويلة المدى بفوائد بسيطة لانتاج القمح في سهول اوكرانيا، وقد باتت هذه المناطق في مكانة سهل البقاع للامبرطورية التي شبكها الرومان حول حوض البحر الأبيض المتوسط.

شبه جزيرة القرم مع روسيا تعيد بعض التوازن الى منطقة شمال غرب اوروبا في مقابل امتداد العرق السلافي الى الشرق، واحتواء النزعات اللادينية في اوكرانيا وضبط النزعات الدينية المتطرفة.

النهار

على المدى البعيد: لن تنتصر روسيا/ حازم صاغية

قد تتمكّن روسيا من إحكام قبضتها على شبه جزيرة القرم في جنوب أوكرانيا، بل ربّما فرضت نفوذها على الشرق الأوكرانيّ أيضاً. وقوّة روسيا، هنا، لا تقتصر على استخدام القوّة في مقابل الامتناع المرجّح للدول الغربيّة عن ذلك، بل هناك أيضاً الوجود الروسيّ، خصوصاً في شبه الجزيرة، ممّا يستحيل أن لا يؤخذ في الاعتبار عند أيّة تسوية سياسيّة لاحقة.

مع هذا فإنّ روسيا لا بدّ أن تنهزم في نهاية المطاف، وعلى المدى الأبعد، لسبب بسيط اسمه: الرأسماليّة. وفي مقال لها ظهر مؤخّراً، أوجزت كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجيّة الأمريكيّة السابقة، هذه الحقيقة على النحو التالي: “موسكو ليست محصّنة من الضغوط. فنحن لسنا في 1968، وروسيا ليست الاتّحاد السوفياتيّ. فالروس بحاجة إلى الاستثمارات الأجنبيّة، ورجال الأعمال المرتبطون بالنظام يحبّون السفر إلى باريس ولندن، كما أنّ هناك قدراً ضخماً من الأموال التي تمّ الحصول عليها بصورة غير مشروعة مودعة في البنوك الأجنبيّة. ولا ننسى أيضاً أنّ روسيا لا تتحمّل انخفاضاً كبيراً في أسعار النفط، خاصّة أنّ طفرة النفط والغاز في أمريكا الشماليّة ستضعف قدرات موسكو الإنتاجيّة، ومن شأن الترخيص بمدّ أنبوب الغاز “كيستون إكي إل” ودعم صادرات الغاز الأمريكيّة، أن يبعث بالرسالة المناسبة لبوتين بقدرة أوروبا على تنويع مصادر الطاقة ومدّ أنابيب لنقل الغاز لا تمرّ عبر روسيا”.

في هذه الفقرة من المهمّ التوقّف عند المقارنة بالعام 1968: فآنذاك انتفضت تشيكوسلوفاكيا (السابقة) لكنّ القوّات السوفييتيّة وقوّات حلف وارسو تدخّلت وغزت وسحقت ما سُمّي “ربيع براغ”. حينذاك، لم تتمكّن الدول الغربيّة أن تفعل الكثير ممّا يتعدّى الإدانة والتشهير اللفظيّين. وكان شيء مماثل قد حصل في 1956، حين سحق السوفييت ثورة هنغاريا (المجر)، وعلى نطاق أصغر سُحقت أيضاً انتفاضة عمّاليّة في ألمانيا عام 1953.

هذا كلّه كان سهلاً نسبيّاً على موسكو، إذ بعد الاستيلاء العسكريّ على البلد المعنيّ، يصار إلى قطع ما تبقّى من صلات بين هذا البلد وبين العالم الخارجيّ، وإحكام القطيعة بينه وبين السوق العالميّة، فضلاً عن فرض المزيد من التشدّد في ما خصّ السفر إلى الخارج أو منح تأشيرات الدخول لطالبيه من الغربيّين.

لقد تغيّر هذا الوضع تماماً بعد انهيار الاتحاد السوفييتيّ ونظامه الاقتصاديّ الإشتراكيّ المؤسّس على العزلة عن العالم الخارجيّ. صحيح أنّ فلاديمير بوتين، وبعد السنوات الفضائحيّة لحكم بوريس يلتسين، استعاد الكثير من قسمات الحكم الاستبداديّ السوفييتيّ، إلاّ أنّ التوجّهات الرأسماليّة الجديدة تعمّقت في عهده. وفي هذا المعنى نشأ في روسيا ما يشبه النموذج الصينيّ كما أرساه دينغ هسياو بنغ، وإنْ بنجاح أقلّ كثيراً، من خلال الجمع بين اقتصاد رأسماليّ وسلطة سياسيّة ليست ديمقراطيّة وليبراليّة.

هكذا بات من المستبعد كثيراً أن تحرز سياسات التمدّد الإمبراطوريّ ما كانت تحرزه في الزمن السوفييتيّ البائد. فحتّى لو لم يتدخّل الغرب عسكريّاً، سيكون من الصعب جدّاً على المصالح الرأسماليّة التي نمت في روسيا في ربع القرن الماضي أن تتعايش مع عقوبات اقتصاديّة جدّيّة يفرضها الغربيّون. وهذا، بالطبع، إذا ما أقدم الغربيّون على ذلك متحمّلين بعض التأثيرات السلبيّة لإجراءات كهذه عليهم، والتي هي قابلة للتحمّل في ظلّ توصّل الغربيّين إلى موقف متجانس يسعى إلى بدائل عن مجالات التبادل مع روسيا. والحال أنّ التحذير الأخير الذي وجّهته مجموعة الدول السبع لموسكو كي لا “تُلحق” بها القرم يوحي بمثل هذا الاتّجاه.

فالرأسماليّة هي الحلقة الضعيفة في سلسلة النظام الاستبداديّ، وبحسب ما تضيف الوزيرة الأمريكيّة السابقة: “من الواضح أنّ الكثير من أفراد الشرائح الأكثر إنتاجاً ضمن الشعب الروسيّ، وهم الشباب المتعلّم، ليسوا على وفاق مع الكرملين، لأنّهم يعرفون أنّ بلدهم ليس مجرّد مكان لاستخراج الموارد من قبل الشركات العملاقة، بل يحتاج إلى مزيد من الحريّات السياسيّة والاقتصاديّة والقدرة على الابتكار والمساهمة في الاقتصاد القائم على المعرفة، ومن ثمّ يجب علينا التواصل مع الشباب الروسيّ، خاصّة الطلبة والمهنيّين الذين يدرس العديد منهم في الجامعات الأمريكيّة ويعملون مع شركات غربيّة”.

حقّاً، الاستبداد الاقتصاديّ يلائم الاستبداد أكثر.

موقع 24

الممانعون العرب والنزاع الأوكراني/ حازم صاغية

لم يتأخّر أغلب الممانعين العرب وأشدّهم تعبيريةً في إعلان اصطفافهم الحاسم إلى جانب روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين في النزاع الأوكرانيّ المندلع منذ بضعة أسابيع. فقد تحدّثوا بشيء من الإسهاب والاستفاضة عما اعتبروه «مؤامرة» أميركيّة وأوروبية غربية على أوكرانيا ومن ورائها روسيا، من أجل إلحاق الأولى وتخريب الثانية. وبدورهم ذهب بعضهم إلى حد اتهام الغرب، لاسيما الولايات المتحدة، بالسعي النشيط إلى استعادة زمن الحرب الباردة. وفي هذا المنطق ما يثير الشفقة على أصحابه لأسباب كثيرة من أهمها أن الإدارة الحالية في الولايات المتحدة، والتي يتربع في قمتها الرئيس باراك أوباما، هي من أكثر الإدارات الأميركية عزوفاً عن التدخلات الخارجية وما قد تستجره من حروب منذ العشرينيات، حين بدأت الولايات المتحدة تكسر عزلتها وتنخرط في هموم العالم ومشاغله. وهذا ما رأيناه واضحاً في سوريا، كما نراه في الاقتصار على إجراءات فاترة مصحوبة بالصوت المرتفع حيال روسيا، ناهيك عن سياسة الانسحاب من المواجهات أكانت في العراق أو في أفغانستان.

بيد أن الممانعين لا يأبهون لذلك ولا يعنيهم. فهم لا يستطيعون أن يروا أنفسهم إلا في الموقع النقيض للموقع الذي تشغله الولايات المتحدة وباقي الغرب. والحال أن هذه النزعة المناهضة لأميركا تتغذى اليوم من الموقف حيال الثورة والأزمة السوريتين، خصوصاً وقد ساد على نطاق واسع عقد المقارنات بين الوضعين السوري والأوكراني. فالممانعون، وهم المؤيدون بحماسة لنظام الأسد، لا يستطيعون إلا أن يكونوا إلى جانب روسيا، ما دام أن الأخيرة تدعم النظام المذكور الذي يمحضونه تأييدهم وحماستهم.

وهذا لا يعني أن النزاع في أوكرانيا محصور باللونين الأبيض والأسود، أو بالأخيار والأشرار. فهو يتقاطع مع مشكلة معقدة تتصل بالانقسام الإثني واللغوي والديني بين الأوكرانيين أنفسهم، وبالتالي بوجود نسبة معتبرة من الروس في عداد «الشعب» الأوكراني. وكذلك فإن القيادة الأوكرانية المؤيدة للانفتاح على أوروبا تضم رموزاً لا يقلّون فساداً عن قيادة يانوكوفيتش المؤيدة للانفتاح على موسكو والمستظلة بها. وفوق هذا، فإن التقليد الوطني الأوكراني المناهض للروس يصطبغ، أقله منذ الحرب العالمية الثانية، بنزوع فاشي لا يُنكَر. ومن ناحية ثانية، فإن السلوك الغربي حيال روسيا ما بعد انتهاء الحرب الباردة ليس من النوع الذي يداوي النرجسية الروسية الجريحة. فهذا السلوك سبق أن استفزها، خصوصاً مع انتشار حلف الأطلسي شرقاً، ومع الارتياح لعهد يلتسين الذي رآه الروس، بحقّ، معيباً لهم ومسيئاً إلى كرامتهم الوطنية.

ولكن تلك التفاصيل، وهي مهمة فعلاً، لا تغيّب الوجهة العامة للصراع مع نظام يسعى إلى استعادة البناء الإمبراطوري للاتحاد السوفييتي السابق. فرداءة الطبقة السياسية في طرفي النزاع الأوكراني لا تحجب الصراع على الأرض بين مشروعين متقابلين، كما أن سياسة أوباما تجاه الخارج تختلف جذرياً عن السياسة التي اتبعها نظراؤه السابقون في البيت الأبيض، بمن فيهم «رفيقه» الديمقراطي بيل كلينتون. أما الحمولة الفاشية للنزعة الوطنية في أوكرانيا فأغلب الظن أنها لم تعد سبباً للخوف الذي كانت عليه قبلاً. فالنازية والفاشية أصبحتا من ماضي أوروبا المذموم، ولم يعد لهما أي موقع مؤثّر في عواصم تلك القارة، إذ الأمم الأوروبية التي تحاول الوطنية الأوكرانية الالتحاق بها هي اليوم كلها ديمقراطية برلمانية. ويمكن هنا الاستشهاد بالتجربة الكرواتية في يوغسلافيا السابقة التي ذهبت هي الأخرى بعيداً في فاشيتها وفي تقليدها للنازية الألمانية وتعاملها معها. إلا أن الوجه الغالب على كرواتيا اليوم، أي ما بعد تفسخ يوغسلافيا السابقة، هو العمل على تطوير تجربتها الديمقراطية وتعميق أوروبيتها. وكذلك يمكن الرجوع إلى انقلاب الأدوار الذي شهدته صربيا ومسلمو البوسنة. ذاك أن الوطنية الصربية هي التي قادت، إبان الحرب العالمية الثانية، مهمة التصدي للنازيين من خلال مقاتلي «الأنصار» الذين تزعمهم جوزيف بروز تيتو، بينما ظهرت حالات تعامل جدي مع النازيين في أوساط مسلمي البوسنة. ولكنْ في التسعينيات اضطلعت الوطنية الصربية بدور الجلاد الذي مثلته قيادة ميلوسوفيتش وملاديتش مقابل تحول مسلمي البوسنة، ثم كوسوفو، إلى الطرف الذي تحتضنه الديمقراطيات الغربية وتؤثر فيه بعد مساهمتها العسكرية الكبرى في رفع الاضطهاد الصربي عنه.

وقصارى القول إن الموضوع الأساس لا يكمن هنا أو هناك، على رغم أهمية تلك التفاصيل والوقائع. فالمسألة الأم إنما يجسدها مشروع بوتين لاستعادة القبضة الامبراطورية لروسيا، مع ما يعنيه ذلك من تدخل في البلدان المجاورة التي كانت سابقاً أجزاء من الاتحاد السوفييتي، ومنعها تالياً من الاقتراب من الغرب والتأثر بتجربته في الديمقراطية البرلمانية.

وحين يقف الممانعون العرب إلى جانب هذا المشروع التوسعي، فإنهم يكررون ما فعله أسلافهم في أوقات سابقة. ومعروف أن بعض الراديكاليين العرب تعاطفوا مع هتلر وموسوليني في الثلاثينيات والنصف الأول من الأربعينيات، ولم يخف هذا التأثر الذي انعكس على تراكيب الأحزاب القومية التي نشأت آنذاك في المنطقة العربية. وبعد ذاك تعاطفوا مع الاتحاد السوفييتي ومنظومته وحاولوا تقليدهما والتعلم منهما في بناء الدول والمجتمعات. فحين برزت ظاهرة المنشقين السوفييت المطالبين بالحرية وحق السفر وبعض حقوق الإنسان الأخرى، اتهمهم الراديكاليون العرب بالصهينة والجاسوسية للولايات المتحدة ودول الغرب. ولم يتغير الأمر مع اندلاع ثورات أوروبا الوسطى والشرقية وانهيار حائط برلين مما نُظر إليه بكثير من الشك وكثير من الاستياء.

واليوم يعيد الموقف الممانع من أوكرانيا ونزاعها تذكيرنا بهذا الميل العميق إلى الوقوف حيث يقف الطغيان، بعيداً عن الموقع الذي تقيم فيه الحرية. وفي الحدود التي يمكن القول فيها إن هؤلاء الممانعين يمثلون العرب، يتضح جلياً كم أنهم يسيئون إلى العرب وصورتهم لدى الرأي العام الديمقراطي في العالم بأسره، تاركين لإسرائيل أن تتزعم التعبير عن مناصرة قضايا الحرية.

الاتحاد

الثوار أصحاب القضية في سوريا/ ديفيد إغناتيوس

بددت الأزمة الأوكرانية أي أمل في إمكانية حدوث تعاون أميركي – روسيا للتوصل إلى تسوية سياسية في سوريا، وهو ما يجعل الولايات المتحدة بحاجة إلى استراتيجية بديلة لدعم المعتدلين السوريين القادرين على مواجهة نظام بشار الأسد الوحشي ومتطرفي «القاعدة».

وربما يسهم في إعادة التوازن زعيم المعارضة الجديد جمال معروف الذي يقود مجموعة تدعى جبهة ثوار سوريا، ويقود قوات الثوار المعتدلين شمال سوريا، وقد تحدثت يوم الخميس هاتفيا مع معروف، الذي كان قريبا من الحدود السورية – التركية. وشرح استراتيجية من شقين بدت أكثر براغماتية لم أسمعها من قادة المعارضة في الشهور الأخيرة.

يقول معروف إن قواته مضطرة للقتال بشكل متزامن ضد قوات الأسد ومقاتلي جبهة النصرة، والدولة الإسلامية في العراق وسوريا (داعش)، المجموعتين الجهاديتين اللتين ترتبطان بـ«القاعدة». القول أسهل من الفعل، لكن معروف أنجز ذلك بالفعل في منطقته في إدلب. فقد طرد مقاتلوه قوات الأسد من معرة النعمان، في وسط إدلب في أغسطس (آب) 2011، ونجح قبل شهرين في طرد مقاتلي «داعش» من المنطقة.

وقد وسع قائد الثوار السوريين من قتاله ضد الجماعات المتطرفة، فطردت قواته «داعش» من شمال محافظة حلب وتسعى لطردهم من شرقها. وقد طردوا المتطرفين من منطقة تمركزهم في داركوش، على الحدود التركية. ولو تمكن من الحصول على المال والسلاح الكافيين لمضى لقتال المتطرفين في الشرق، في الضواحي الشرقية من حلب ثم مدن شرق سوريا في الرقة ودير الزور.

معروف، البالغ من العمر 39 عاما، مثل على الجيل الجديد من القادة الشباب للثورة السورية، فالقائد السابق للجيش السوري الحر، اللواء سليم إدريس كان رجلا رصينا وأستاذا سابقا في كلية الحرب السورية درس في ألمانيا. في المقابل لم ينل معروف قدرا كبيرا من التعليم حيث تخرج من المدرسة الثانوية وخدم في وحدة الدبابات خلال مدة خدمته على مدى عامين في الجيش السوري ثم عمل في مجال التشييد والبناء في لبنان.

يتسم معروف بخصلتين لا تتوافران في قادة المعارضة المعتدلين؛ الأولى أنه قائد ميداني ناجح، والثانية، والتي ربما تكون الأهم، هي أنه لم يتأثر بداء الطائفية التي أصابت معظم المعارضة. ويقول معروف إن معظم جنود الجيش السوري «هم أبناء سوريا» أيضا، وأنه بعد انتهاء الحرب يجب أن تكون هناك مصالحة وطنية.

وعندما سألت معروف، وهو سني مسلم، عن السوريين العلويين، قال: «كل السوريين لهم حق العيش بحرية في سوريا دون تمييز بين سني وعلوي. وبعد الإطاحة بالأسد كرئيس ينبغي محاكمة كل مرتكبي جرائم الحرب، بمن في ذلك المتطرفون السنة الذين ذبحوا العلويين، وجنود الجيش السوري الذين قتلوا السنة»، وهذه هي الرسالة التي يحتاج السوريون لسماعها، خاصة أمراء الحرب الذين أدت ممارساتهم في «المناطق المحررة» وفسادهم لأن يكسب تنظيم القاعدة مؤيدين له. وهنا يقدم معروف استراتيجيات قوية، فيقول إنه أنشأ محاكم وسجونا في المناطق التي سيطر عليها لمعاقبة المجرمين، وحاول إعادة الخدمات العامة قدر الإمكان، وحذر من أنه لن يتمكن من إعادة بناء المدارس بسبب مخاوفه من قصف النظام للأطفال المتجمعين داخل الفصول.

تدرس إدارة أوباما إمكانية توسيع مساعداتها للمعارضة المعتدلة، وتدرب وكالة الاستخبارات الأميركية نحو 250 مقاتلا شهريا في الأردن.. هؤلاء المقاتلون يعملون في الأغلب في جنوب سوريا تحت قيادة القائد العام للجيش السوري الحر عبد الإله البشير، ابن بلدة القنيطرة القريبة من الحدود الإسرائيلية. يريد مؤيدو المعارضة مضاعفة برنامج التدريب هذا عبر إنشاء معسكر في قاعدة جوية في دولة خليجية صديقة بحيث يتمكن رجال القوات الخاصة الأميركيون من تدريب وتسليح مقاتلي الجيش السوري الحر على عمليات مكافحة الإرهاب. وسيحقق هذا التدريب فائدة كبيرة في حال وافقت إدارة الرئيس أوباما على ذلك.

وسيحتاج المقاتلون السوريون المعتدلون إلى أسلحة أفضل لحماية المدنيين من قوات الأسد والمتطرفين على السواء. وقد قدمت المعارضة طلبا للحصول على المدافع الثقيلة القادرة على مهاجمة مروحيات الجيش السوري. في الوقت ذاته تبدي المملكة العربية السعودية استعدادها لتزويدهم بالأسلحة.

من جانبها فإن الولايات المتحدة محقة في قلقها من إمكانية وقوع أي أسلحة قوية في الأيدي الخاطئة، لكن جمال معروف يبدو من ذلك النوع من القادة الذي تحتاج الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى الوثوق به – لتقديم الأسلحة الكافية لحماية المدنيين السوريين وقتال المتطرفين – خلال الانتظار الطويل للتوصل إلى حل سياسي لهذا الصراع المخيف.

* خدمة «واشنطن بوست»

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى