بنكي حاجوخورشيد دليصفحات سوريةميشيل كيلو

مقالات تناولت الأكراد وأزمة رأس العين

 

حوار عن بعد

ميشيل كيلو

   اتعرض منذ بعض الوقت لحملة تنظمها دوائر إعلامية قريبة من القصر الجمهوري في دمشق ، هددتني وزملاء  نشطاء في تجمع ” سوريون مسيحيون من أجل الديموقراطية ” بنشر أشرطة ” مؤذية جدا ” عنا . وبدأت بالفعل بشريط يظهرني في هيئة شيخ سلفي وسط حلقة مشايخ سلفيين احثهم على “ذبح العلويين والمسيحيين ” ، وفي شريط ثان يغني فيه متشددون إسلاميون في بلدة ” بنش” أناشيد تدعو إلى ذبح العلويين والشيعة ، وتحته جملة تقول ” برسم ميشيل كيلو” ، كما سينشر خلال اليوم او غدا شريط جديد اظهر فيه – يا حسرتي – وسط فتيات وانا في حال تهتك مشينة … الخ . في هذه الأثناء ، انتشرت ” معلومات تقول إنني اريد تأسيس حزب مسيحي طائفي يكشف حقيقتي ويبين كم كنت كاذبا في ادعائي العلمانية والديموقراطية خلال السنوات الخمسين الماضية.

    بما ان المهابيل والدراويش والجدبان يشكلون أغلبية المعارضة السورية المطلقة ، فقد وجد من صدق القصر وادان “حزبي المسيحي الطائفي ” ، أو أراد ، بالمقابل ، الانضمام إليه . بينما أثارت كلمات قليلة قلتها حول استقبال ودي اعدته منظمات سلفية بينها جبهة النصرة لوفد ” اللجنة الوطنية لحماية السلم الأهلي والثورة ” ، الذي قام بزيارة إلى مدينة “رأس العين ” من أجل إنهاء اقتتال انتحاري كردي / عربي رتب فيها ، زوبعة من الاستنكار والاستغراب ، وجعلتني ممتدح السلفية الأول ونصيرها المعلن في سوريا ، و”كشفت ” بدورها كم أنا مغشوش وبلا هوية ، وكم غيرت رأيي في الجبهة والأصولية والتحقت بهما .

   أولا : انا لم أقل في التصريح عن مهمة رأس العين رأيي في جبهة النصرة ، بل قلت معلومة حول الطريقة التي استقبل وفد “اللجنة الوطنية” بها ، وكانت بالفعل ودية وأخوية . أما السبب فيرجع ليس إلى شخصي أو شخص أي عضو في اللجنة ، بل إلى حقيقة أن مقاتلي كتائب الجيش الحر في رأس العين كانوا يدركون في أي فخ أسقطوا ، ويريدون الخروج من البلدة المهلكة ، التي لا يقدم تحريرها او يؤخر شيئا من أمر الثورة ، وإنما يورط العرب والكرد في قتال أخوي يستنزفهما ، ما دامت تركيا تريد إخراج مقاتلي الكرد من أراضيها وتصديرهم إليها كي يدخلوا -تحت بصرها وسمعها وفي منطقة مكشوفة تماما تقع على الحدود الفاصلة بينها وبين سوريا – في قتال بلا نهاية أو جدوى ضد عدو جديد هو الجيش الحر، الذي نصب نظام دمشق فخا قاتلا له في رأس العين. رحب الاخوة المقاتلون بوفد اللجنة ، ومنه شخصي الضعيف ، اعتقادا منهم بأن للوفد صدقية عند الكرد ، ومن الضروري منحه تأييد الكتائب كي يذهب من موقع قوي إلى لقاء مقاتلي الجانب الآخر ، الذين وصفهم جميع رجال الجيش الحر ” بأخوتنا الكرد ” خلال احاديثنا معهم . لا بل إن هؤلاء أصروا على مرافقتنا إلى البيت الذي سنلتقي فيه باخوتهم من الجانب الآخر . حين اخبرناهم أن مهمتنا سلمية وأننا سنكون في أمان عند اصدقائنا الكرد ، الذين تربطنا علاقة شخصية ونضالية قوية بأغلبهم ، قبلوا التخلي عن السلاح. وحين وصلنا إلى النقطة المحددة في القسم الكردي من المدينة ، كان هناك عشرات الأشخاص بانتظارنا ، فوقف شاب من غرباء الشام بينهم وهتف : الشعب السوري واحد ، فصرخوا جميعهم : واحد واحد واحد ، وكرروا ذلك مرات عديدة .

  وضعت اللجنة إطار الاتفاق في حوار مع الطرفين . وفي اليوم التالي أرسلت لهما تصورا يتضمن نقاطا محددة تمثل حلولا وسطا بين موقفيهما ، فقبلوها للتو . عندئذ ، تركت لهم إنجاز الاتفاق وغادر اعضاؤها أورفا إلى البلدان التي يعيشون فيها . بعد ايام ، ابلغنا الطرفان أنهما توصلا إلى اتفاق يضع إدارة مناطق العيش المشترك في الجزيرة كلها وليس فقط في رأس العين بين أيدي مجالس محلية منتخبة أو متوافق عليها تتمثل فيها كافة فئات السكان بلا استثناء ، على أن تشرف على إدراتها وإعادة إعمارها وتأهيلها،واعادة من هاجروا من أهلها إليها، وتتولى حفظ أمنها بواسطة قوات محلية يتمثل فيها الجميع . إلى هذا ، قرر الجانبان إقامة حواجز مشتركة على الطرق الحيوية ، والانسحاب من جميع البلدان والمدن والقرى المحررة ، والامتناع عن قطع الطرق ومشاركة البيادي في المعركة ضد النظام حتى إسقاطه . ثم علمنا ان “قوات الحماية الشعبية” التابعة للبيادي بدأت القتال إلى جانب الجيش الحر في الأشرفية والمنصورية بحلب ، مما احدث فارقا ملحوظا في المعارك ضد جيش السلطة .

   وكتنت قد ابلغت اللواء سليم ادريس ، رئيس اركان القيادة المشتركة ، هاتفيا بمشروع اللجنة ن فباركه وقال إن انجاز اتفاق سيكون ضربة “للمجرم بشار الأسد”، الذي يفتعل قتالا بين أخوة هم العرب والكرد ، وأن وقف القتال سيكون بمثابة إفشال للمخططات المعادية للثورة وسيلقى القبول من الجيش الحر … الخ . لم تنص الاتفاقية على وقف القتال وحده ، بل نصت على تحقيق مصالحة عامة في منطقة الجزيرة بأسرها ، ومع انها بقيت في الإطار الأمني والمحلي ، فإنها حققت الشروط الملائمة لحماية الوحدة الوطنية . لكنني فوجئت قبل أيام بصديق يقول لي إن الأتراك شنوا حملة صحافية شعواء ضد الاتفاق، وإن اللواء محرج ، بعد ان لفتوا نظره إلى أن الجيش الحر عقد اتفاقا مع طرف معاد لتركيا ، الحليفة له.  بعد ايام قليلة ، جاءني سكايب يقول إن اللواء ابلغ الشيخ معاذ الخطيب معارضته للاتفاق لانه تم مع ” منظومة عسكرية موالية للنظام هي البيادي ” . البارحة ، نقل عن اللواء قوله : إن الاتفاق لا يكون ملزما للجيش الحر إذا لم تعقده اركانه أو ينجزه الإئتلاف الوطني .  بعد الاتفاق ، اتصلت مرتين بالصديق الشيخ معاذ وابلغته به وطلبت منه ان يكون الإئتلاف هو ضامن الاتفاق ومرجعيته، لأن “اللجنة الوطنية ” تعتبره اتفاقا وطنيا يجب أن تضمنه مرجعية المعارضة الوطنية الممثلة اليوم بالإئتلاف ، وأنها تهديه له ، وطلبت منه الحضور شخصيا يوم 28 من هذا الشهر إلى بلدة رأس العين ، او إرسال ممثل عنه للاحتفال بتوقيعه الذي تم وانتهى أمره ، عسى أن يعزز حضوره الاتفاق ويشجع سكان البلدة على العودة إليها،ويعيد الحياة الطبيعية إلى ربوعها وربوع بقية قرى وبلدات ومدن الجزيرة . كما لفت نظره إلى أن من عقد الاتفاق هو الجيش الحر ، وأنه يفترض باللواء ادريس ان يكون عارفا بمجريات التفاوض وموافقا عليها ، لأن من عقده جهة تابعة له ، ولا بد أن تكون قد حصلت على موافقته عليه .

   والآن ، وقد سحب حزب “البيادي” معظم قواته من رأس العين ، وأبدى استعدادا مخلصا لانهاء القتال ، وقاتل مع الجيش الحر في حلب ، وفتح طرق الإمداد في كل مكان ، يصح القول بأنه لم يعد في اقل تقدير ” منظومة عسكرية موالية للنظام ” ، وأن التفاوض معه لا يجوز أن يكون محرما على السوريين، لمجرد أن الاتراك ، الذين يفاوضون منظمته الأم ، البي كا كا ، يريدون تصدير أزمتهم مع الكرد إلينا ، وأنهم استقدموا بعض الجهات وسلحوها وكلفوها ب” تحرير رأس العين ” ، اي بإشعال نار الفتنة . لا أدري لماذا يكون التفاوض من أجل مصلحة وطنية سورية عليا حراما علينا ،ولماذا لا يوافق الاتراك ،ان كانوا حقا حلفاء لنا ،على ما فيه خيرنا ونجاة ثورتنا من أفخاخ الأسد ؟. وأخيرا : لماذا لا نقول لهم بالفم الملآن : سوريا ليست تركيا ، وفي القضايا السورية الخاصة ، ليس من حقكم التدخل في شؤوننا ، أما في المسائل المشتركة فانتم على رأسنا وعيننا في أي امر تريدونه ؟.

  الأمر الآن بيد الشيخ معاذ ، إن قرر الحضور أو ارسال من ينوب عنه ، قدم خدمة جليلة لوطنه وشعبه ، وقرب الاسد من الهزيمة ، وإن لم يفعل وفشل الاتفاق سمح بانتشار القتال إلى مجمل الجزيرة ، وبنجاح خطط بشار لإشعال فتن لاحقة بين المسيحيين والمسلمين في الغاب ، وبين الدروز والسنة في جنوب سوريا ، لا شك في أنها ستقوض قدرات الجيش الحر ، وستمكن النظام من قلب موازين القوى لصالحه . إن كان هناك من لا يعي هذا ، فلا اقل من أن يشرح له أحد ما الحقائق ، او يقول له : يعطيك العافية . إذا كنت لا تملك الشجاعة الأدبية للدفاع عن مصالح سوريا الوطنية ، فلن يكون لديك القدرة على الإسهام في معركة اسقاط النظام .

نحن بالانتظار . عقد الجيش الحر والأخوة الكرد اتفاقا تاريخيا مهما بوساطة لجنتنا ، وقمنا نحن بما اقتضاه واجبنا حيال وطننا وثورته ، والباقي متروك للشيخ معاذ واللواء ادريس

قراءة في إتفاق سري كانيه الميداني

    هيفار حسن

    لقد كان للإتفاق الأخير بين الجيش الحر و وحدات حماية الشعب ( ي ب ك ) صداً واسعاً في الرأي العام الكوردي في جميع أجزاء كوردستان, لما شهدت سري كانيه من إشتباكات عنيفة و لمدة خمسة عشرة يوماً متتالية بدون توقف. و التي استخدمت فيها بعض كتائب الجيش الحر جميع أصناف الأسلحة التي كانت تمتلكها من دبابات و مدافع هاون و راجمات صواريخ, و بدعم مباشر و مساعدة عسكرية و لوجستية كبيرة من تركيا. لذلك كان الكورد يتابعون تلك الأشتباكات بكل تفاصيلها, خاصة و أنهم كانوا يعرفون الدوافع المباشرة و الغير مباشرة لجموع تلك الكتائب من ذلك الهجوم.

    لا بد من الإشارة إلى الجملة الصريحة في بداية نص الإتفاق و التي تقول ( الإتفاق الميداني ) لوقف القتال بين المتحاربين, لذا هذه الإتفاقية ليست اتفاقية سياسية أو استراتيجية بين ممثلي الشعب الكوردي و العربي السوري.

    كذلك سبق توقيع الإتفاق الميداني لقاء مطول بين اللجنة المكلفة من الإئتلاف الوطني السوري برئاسة ميشيل كيلو و بين أعضاء من الهيئة الكوردية العليا و ممثلين عن وحدات حماية الشعب ( ي ب ك ), أي أنّ الإتفاق الميداني كان قد نُوقش و مُهد له في ذلك اللقاء.

    لا بد من التذكير بأن نهاية أي صراع أو حرب هي السلام, و تعني النهاية لحالة الدمار و الآلام و التشرد خاصة كالحالة السورية و منها سري كانيه. لذلك من المهم الولوج إلى جميع نقاط الإتفاقية و تحليلها بإيجابياتها و سلبياتها.

    النقطة الأولى:

    إعادة إنتشار القوات المسلحة و إزالة المظاهر المسلحة من المدينة كلياً:

    هذه هي النقطة الأساسية التي أدت إلى اندلاع المواجهات بين ي ب ك و الكتائب المسلحة العربية, حينما دعت الهيئة الكوردية العليا صراحة إلى خروج تلك الكتائب من المدينة لعدم وجود مبرر لبقائهم, و قررت تنظيم مظاهرة في ذلك السياق, إلا أنّ تلك الكتائب رفضت طلب الكورد و قتلت غدراً رئيس مجلس سري كانيه الشهيد عابد خليل. هذه النقطة بشكل عام هي لصالح الكورد كونها تلبي إحدى المطالب المهمة, لكن المبهم, في البيان و لا ندري التفاصيل, هو إلى أين سيعاد انتشار تلك القوات ؟ لأنه الآن تلك القوات متواجدة في تل حلف و على بعد عدة كيلومترات من سري كانيه, مما يشكل تهديداً مباشراً على سري كانيه إذا أخذنا بعين الإعتبار فوضوية تلك الكتائب و ارتباطاتها الإقليمية و تجاربها القريبة في سري كانيه و حلب و عفرين.

    النقطة الثانية:

    إنشاء لجنة متابعة ومراقبة مؤقتة مكونة من الطرفين بالتوافق مهمتها متابعة ومراقبة تنفيذ بنود الاتفاق: هذه نقطة تقنية و روتينية ذات مهمة لا تؤثر فعلياً على تطبيق الإتفاقية أو نتائجها.

    النقظة الثالثة:

    ـ انشاء مجلس محلي مدني يمثل مكونات المدينة بالتوافق, يقوم بإدارة كل شؤون المدينة: هذه النقطة هي الأهم كونها تلخص مطالب الكورد بشكل عام و تمثل إحدى أهم مرتكزات استراتيجيتهم و أهدافهم من الثورة السورية المتمثلة في إدارة مناطقهم ذاتياً و بالتوافق مع كل المكونات الأخرى على مبدأ الديمقراطية الحقيقية. يمكن القول بأن الهدف الأساسي من هجوم الكتائب المرتزقة, ذات الدعم و التوجيه التركي, على سري كانيه كانت حرمان الكورد من إدارة مناطقهم بأنفسهم و بالتالي تكرار النسخة البعثية من السلطة الشوفينية العروبية الإسلاموية في المناطق الكوردية من حيث الإضطهاد القومي و التمييز و التهميش في كل مناحي الحياة. فتلك الكتائب, بعد عقدها لمؤتمر أورفه الأول في تركيا و تشكيل ما يسمى جبهة الجزيرة و الفرات في 25/12/2012 بقيادة العنصري نواف البشير كانت تجاهر علناً بأن هدفها هو كل المناطق الكوردية و على رأسها العاصمة قامشلو و كركوك روجافا مدينة رميلان الغنية بالنفط. لكن مقاومة الأساوش البطولية لمقاتلي ي ب ك و روحهم القتالية العالية إضافة إلى خبرتهم العسكرية أجبرت تلك الكتائب المرتزقة على القبول, ولو مؤقتاً, بما كان يطلبه الكورد.

    النقطة الرابعة:

    المعبر الحدودي يدار من قبل مجلس المدينة: هذه أيضاً من النقاط المهمة و التي جاءت لصالح الكورد. فكلنا يعلم بأن المعبر كان يُدار من قبل موظفي الحكومة السورية المدنيين قبل قدوم الكتائب المسلحة المرتزقة إليها, و الذي كان قد أُغلق من قبل الأتراك لحصار المناطق الكوردية, حينها أصبح المعبر كلياً بيد تلك الكتائب و كانت المساعدات العسكرية و اللوجسيتية التركية تأتي إليها من ذلك المعبر أثناء الإشتباكات, و كان كل قتلى و جرحى تلك الكتائب تنقل منه إلى مشافي جيلان بينار على الجهة المقابلة لسري كانيه ( جيلان بينار هي مدينة كوردية متتركة, و الكورد في شمال كوردستان ينادونها سري كانيه سرختي ). لذا أن يُدار ذلك المعبر من قبل مجلس المدينة “إن طُبق” سيكون للكورد إشراف مباشر و مراقبة دائمة على المعبر بالإضافة إلى تسهيل مرور البضائع و المساعدات الإنسانية إلى غربي كوردستان. و من شأن هذه النقطة أن ينهي وجود تلك الكتائب من سري كانيه بشكل كامل, لأن السبب المباشر لعدم إخراج القوات الكوردية لتلك المجموعات هو تحصنهم في حي المحطة بمدينة سري كانيه الملاصق مباشرة للحدود التركية و للمعبر, فأية اشتباكات في ذلك الحي ستشكل السبب المباشر الذي تنتظره الدولة التركية بفارغ الصبر للتدخل المباشر في غربي كوردستان بحجة تعدي المقاتلين الكورد على السيادة التركية, الدولة العضوة في حلف الناتو, لذا كانت وحدات حماية الشعب (ي ب ك ) يقظة تجاه هذه النقطة و فعلت كل ما بوسعها لعدم إعطاء الذئب التركي تلك الذريعة للتدخل.

    النقطة الخامسة:

    المجلس المحلي يمثل الهيئة السيادية في المدينة و يمنع تدخل القوى العسكرية في عمله مطلقاً: من شأن هذه النقطة إن طُبقت أن تمثل نموذجاً مصغراً لسوريا المستقبل و تجسيداً عملياً لأهداف الثورة في الحكم المدني الديمقراطي التعددي, قبل أن تنحرف إلى المطالبة بالخلافة الإسلامية من قبل أكثر الكتائب تأثيراً في المرحلة الراهنة ( جبهة النصرة و شقيقاتها في الدعوة ), كون المجلس المدني الممثل لكل مكونات سري كانيه بكورده و عربه و مسيحييه و آشوريه سيكون السلطة التنفيذية الشرعية للمدينة بما يمنع تدخل القوى العسكرية في إدارة شؤونها و فرض إيديولوجيتها السلفية, كما هو عليه الوضع في معظم المناطق الواقعة تحت سيطرة الكتائب العربية المسلحة, و التي على طريق التحول إلى أفغانستان ثانية.

    النقطة السادسة:

    إقامة حواجز مشتركة بين ي ب ك و الجيش الحر على مداخل المدينة, ريثما تسلم إلى مجلس المدينة عندما يكون قادراً على ذلك: هذه من النقاط التي أثارت الكثير من الإنتقاد في أوساط المهتمين بالشأن الكوردي العام. الشيء الأساسي في هذه النقطة هي أن تلك الحواجز ستقام من قبل المجلس المحلي لسري كانيه بعد تأسيس قوات الآسايش الخاصة بها و تأهيلها لتقوم بمهام حفظ أمن الناس و الممتلكات العامة و الخاصة في المدينة. إذا نظرنا بعين الإيجاب إلى هذه النقطة سنرى بأنها تكمل مفهوم الإدارة الذاتية للمدينة من قبل أهلها و التي هي إحدى أهم مظاهر الديمقراطية. طبعاً الحديث هنا هو عن روح الإتفاقية و إيجابياتها إن طُبقت على أرض الواقع من قبل الكتائب المسلحة العربية, كونهم الجهة التي خرقت بنود الإتفاقية السابقة.

    النقطة السابعة:

    تسهيل و تأمين عبور الأشخاص و المواد و القوات من كل طرف عبر حواجز الطرف الآخر: لهذه النقطة أهمية كبيرة لكل مناطق غربي كوردستان, لأنها ستخفف من وطأة الحصار المفروض علىها من قبل تركيا, النظام و الجيش الحر. الجانب الكوردي هو المستفيد الأكثر من هذه النقطة لأنها ستسمح بمرور المواد و البضائع المعيشية عبر المناطق التي تسيطر عليها كتائب الجيش الحر, و كذلك مرور الأشخاص و القوات. فإذا أخذنا جغرافية غربي كوردستان بعين الإعتبار, المنقسمة و المتباعدة عن بعضها البعض, سنرى بأنها إحدى نقاط ضعف الموقف الكوردي و التي تؤدي إلى صعوبة بالغة في إيصال البضائع و المساعدات إلى المناطق الكوردية جمعاء, على سبيل المثال, لم تصل أية مساعدات من التي تأتي من حكومة كوردستان و عبرها إلى منطقة عفرين, كوباني, تل حاصل و تل عران التابعة لمحافظة حلب بسبب حصار الكتائب المسلحة العربية في بعض المناطق و حصار الجيش النظامي في مناطق أخرى. أما الجانب الآخر, فلديه هامش كبير من حرية الحركة و تأمين المواد المعيشية للمناطق الخاضعة لسيطرتهم من خلال تنسيقهم مع الكتائب العربية في المناطق الأخرى, و سيطرتهم على الكثير من المعابر الحدودية و كذلك الدعم و المساعدات التي يتلقونها من تركيا و دول جوار سوريا و المنظمات الإغاثية الدولية. لكن عبور القوات قد تشكل بعض المخاطر على الكورد, فمثلاً, كانت حجة النظام المباشرة للهجوم على حي الأشرفية بحلب, ذات الغالبية الكوردية, هو تسهيل ال ي ب ك لكتائب الجيش الحر في هجومهم على ثكنة المهلب و قواته في مبنى الأمن الجنائي الواقع في بداية الأشرفية.

    النقطة الثامنة:

    التعاون و التنسيق بين الجيش الحر و وحدات حماية الشعب لتحرير المدن الغير محررة التي لا تزال تحت سيطرة النظام: من شأن هذه النقطة من تخفيف وطأة الحملات الإعلامية المدروسة و الموجهة ضد الكورد و ب ي د بأنهم مع النظام و ضد الثورة. لكن الخطورة في هذه النقطة تكمن في مدى رد فعل النظام البعثي الديكتاتوري إذما تم التعاون و التنسيق المنشودين و نتائجها السلبية و الإيجابية على الكورد بشكل عام.

    النقطة التاسعة:

    المدن و البلدات التي لا وجود للنظام فيها, الدرباسية, عامودا, تل تمر, المعبدة و ديريك, هي مدن محررة و يعلن عنها ببيان مشترك من الطرفين: عندما كان وفد الإئتلاف الوطني السوري برئاسة ميشيل كيلو يجري المباحثات مع الطرف الكوردي في سري كانيه ظهر العقيد حسن العبد الله رئيس المجلس العسكري الثوري لمحافظة الحسكة في فيديو قصير و من ثم ببيان مكتوب رفض فيه كل شروط الجانب الكوردي, و قال بأن الإئتلاف الوطني السوري هو سيكون الحاكم الفعلي لكل محافظة الحسكة و التي تشمل كل المدن المذكورة في هذه النقطة بالإضافة إلى قامشلو العاصمة, و سيرفع فقط علم الثورة السورية في تلك المناطق, و سيكون الجيش الحر هو حافظ الأمن فيها و له الحق في دخول كل المناطق الكوردية. لكن ذلك العقيد هو نفسه الذي مثّل الجيش الحر و وقع على هذه الإتفاقية, و التي تُظهر بنودها أن أياً من نقاطه التي أوردها في بيانه لم تُطبّق. بل على العكس هذه النقطة أكدت على السلطة الكوردية على مناطقهم عدم السماح لدخول تلك الكتائب إلى تلك المناطق كونها محررة و بالتالي سحبت المبرر لتدخل تلك الكتائب في المناطق الكوردية مستقبلاً بطلب و توجيه تركي آخر. الشيء الغير واضح في هذه النقطة هو وضع مدينة قامشلو عاصمة غربي كوردستان الغير محررة بشكل كامل, و كذلك وضع عفرين, كوباني و المناطق الكوردية الأخرى المحررة في محافظة حلب. هل هذا يعني أن مدينة قامشلو ستتحرر بشكل كامل تحت البند الثامن من هذه الإتفاقية ؟ و إن كان الجواب نعم ماذا ستكون نتيجة ذلك التعاون و التنسيق ؟

    النقطة التي تؤخذ على الجانب الكوردي هو قبولهم بالأسم العربي لمدينة كيركي لكيه ( المعبدة في النص ) لأن في ذلك تناقض واضح لمقدمة هذا الإتفاق و التي تؤكد على رفض التوجهات الشوفينية و الإنكارية. فمعربة هو الأسم المعرّب لمدينة كيركي لكيه, و قد تبدل السم بسبب سياسة التعريب البعثية الشوفينية و الإنكارية للهوية الكوردية, فورود الأسم المعرب لهذه المدينة و لمدينة سري كانيه ( رأس العين ) في المقدمة كان محل سخط و إنتقاد كبيرين في الأوساط الكوردية.

    النقطة العاشرة:

    وقف الحملات الإعلامية العدائية بين الطرفين: المؤكد إن طُبّقت هذه النقطة أنها ستساهم في تخفيف حالة الإحتقان و الخوف المتبادل بين الكورد و العرب و الذي ارتفع منسوبه إلى مستوى مخيف بعد معارك سري كانيه. يُلاحظ أن الجانب الكوردي قد غير بعض التسميات التي كان يستخدمها أثناء المعارك في سري كانيه, على سبيل المثال فقد كان يسمي تلك الكتائب بالعصابات المرتزقة التابعة لتركيا, لكن بعد هذا الإتفاق و كما هو ملاحظ في سياق نصه أيضاً بدأ يستخدم الجيش الحر و ذلك تنفيذاً لهذا البند من الإتفاق, و هذا ما أدى إلى رد فعل ساخط من قبل بعض الكورد كونهم يرون تلك الكتائب ليسوا إلا مرتزقة و حرامية لا يمثلون الجيش الحر. لكن الكثير من المتابعين للوضع السوري و الجيش الحر لا يعتقدون بأنه سيمتثل لبنود الإتفاقية كون الجيش الحر غير موجود على أرض الواقع كتنظيم عسكري ذو قيادة و تعليمات و نظام انضباطي صارم, بل كتائب كثيرة مختلفة في الإتجاهات الفكرية و السياسية و الارتباطات الإقليمية.

    النقطة الحادية عشرة و الأخيرة:

    تُعتبر المقدمة بنداً أساسياً من بنود الإتفاق: مقدمة هذا الإتفاق هو من البنود الأكثر قابلية للتأويلات المختلفة, لأن جملها مصاغة بالعموميات و لم تسمي المفاهيم و المكونات بمسمياتها, فلم تُذكر كلمة الكورد صراحة في النص, و لم يرد ( سري كانيه ) الأسم الكوردي للمدينة. كما أنّ الجملة الأولى من النص ( إيماناً بوحدة سوريا الحرة أرضاً و شعباً ) أُقحمت في النص إقحاماً لدغدغة طروحات المعارضة العروبية الشوفينية, و التي يستخدمونها فقط لمحاربة الطموحات الكوردية و للتأكيد على رفضهم لوجود شعب آخر أو شعوب أخرى غير الشعب العربي, و هذه الجملة بدورها تتناقض مع الجمل التي بعدها و التي تؤكد على رفض الشوفينية و سياسة الإنكار للشعوب و الهويات الأخرى في سوريا, و كون الوطن يعبر عن تاريخ و أصالة و حضارة كل الأطراف المجتمعة في سري كانيه و التي ذكرها النص ب ( رأس العين ).

    في ضوء القراءة لكل بنود الإتفاق الميداني في سري كانيه يمكن القول بأن بيان الإتفاقية من الناحية التقنية ( الكتابية) يظهر تأثير الجيش الحر, فهو يبدأ بآية قرآنية و الجملة الأولى من مقدمة البيان تبدأ بالتأكيد على وحدة سوريا أرضاً و شعباً.

    معظم المراقبين للشأن الكوردي في سوريا لا يتوقعون صمود هذه الإتفاقية و استمراريتها, لأنها ببساطة تفتقد إلى عوامل النجاح. فالجيش الحر الذي وقّع على الإتفاقية و الذي مثّله المجلس العسكري في الحسكة ليس بذاك التنظيم المتجانس و المنضبط عسكرياً, و الذي لا يملك أي برنامج وطني ديمقراطي يستطيع معالجة الأزمة السورية. فموقفه سيتغير بتغير المجموعات المقاتلة في المناطق المجاورة للمناطق الكوردية, و كذلك بتغير قائد جبهة الجزيرة و الفرات, حيث أن الأتراك قد استبدلوا نواف البشير بقائد آخر مما يوحي بأن هذا الإتفاق ما هو إلا استراحة محارب, و أنه ستكون هناك جولات جديدة من المعارك إلى أن تتغير مجمل التقرب التركي من القضية الكوردية بشكل عام, أو أن تمتلك المعارضة العربية برنامج واضح و صريح بالإعتراف بالتنوع العرقي و القومي و الطائفي و الثقافي في سوريا, والذي يستبعد حصوله خاصة في ظل سيطرة الأخوان المسلمين على المعارضة الخارجية, و الكتائب السلفية التكفيرية على المعارضة المسلحة في الداخل.

    الأهم في كل ما ذُكر أعلاه هو أن الجانب الكوردي على دراية تامة و معرفة دقيقة بطبيعة المعارضة الخارجية و الداخلية المسلحة, و قد احتاطت منذ بداية الثورة لهكذا أزمات و انحرافات في مسار الثورة, و قيّمت بشكل عميق التقرب التركي من الأزمة السورية و احتمالات تقلباتها المستقبلية, و كذلك استطاعت من تحديد أن بوصلة السياسة التركية من كل الأزمة السورية هي بالدرجة الأولى القضية الكوردية و إدارة الكورد لمناطقهم و ما من ذلك من تأثير في قيام كوردها بربيعهم الخاص بهم و ليست قضية الحرية و الديمقراطية, ففاقد الشيء لا يمكن أن يعطيه.

    لذلك الجانب الكوردي يعلم أكثر من غيره أن هذا الإتفاق كأي إتفاق آخر قد يدوم و قد لا يدوم, و لن يحقق الطموحات الكوردية, لذا فهو يؤكد بأن الضامن لهذه الإتفاقية هو الشعب الكوردي نفسه وقوته العسكرية التي استطاعت أن توقف زحف تلك الكتائب و مستعدة أكثر من أي وقت آخر بأن توقف زحفهم إذا حاولوا مرة ثانية, و بنفس الوقت يعلم الجانب الكوردي ظروف الحرب في سوريا و خطر السياسة التركية على الوجود الكوردي فيه, و يعلم أيضاً أن السياسة هي فن الممكن و المصالح, و القوات الكوردية هي التي حاربت و قدمت التضحيات لأجل حماية المصالح الكوردية, لذا فهي الأدرى بتفاصيل الظروف و الإمكانيات. فيكفي للمقاتلين الكورد الأشاوس أنهم أوقفوا مخطط الكتائب المرتزقة و من ورائهم الدولة التركية و بعض الجحوش الكورد في غزو المناطق الكوردية و القضاء على طموحات الكورد في الحرية و الديمقراطية و نهب خيراتهم و ثرواتهم. و كذلك أجبروا تلك الكتائب على طلب الهدنة و وساطة إئتلافهم للوصول إلى إتفاق يحفظ ماء وجههم. فلأول مرة يأتي وفد من المعارضة السورية و يجلس مع ممثلي الكورد الحقيقيين من الهيئة الكوردية العليا و يفاوضونهم على شروطهم و مطالبهم.

    كان الهدف من هذه الأسطر هو تناول الإتفاق الميداني في سري كانيه بكل بنوده بالتقييم, و بجوانبه السلبية و الإيجابية, و ليس للإصطياد في المياه العكرة كما هو شأن بعض فاقدي الحيلة و الواجب الكوردي الوطني, من الذين ينامون طوال النهار و يسهرون على نشر سموم التفرقة و الضعف بين الكورد في الليل, و الذين سكتوا كل فترة الإشتباكات و لم ينطقوا بكلمة حق واحدة أو بكلمة ترفع من معنويات أخوتهم الذين كانوا يواجهون الدبابات و الرصاصات و البرد القارس لحماية عرضهم و ممتلكاتهم, لأن ذلك ليس بيئتهم الطبيعية. فهم يخرجون عندما يحين الجو و المناخ المناسب لفطرياتهم الفكرية و الدعائية.

الحوار المتمدن

هل يصمد اتفاق رأس العين؟

باسم دباغ

بعيداً عن الضجة الإعلامية لمبادرة الحوار التي طرحها الائتلاف الوطني لقوى المعارضة، تم الأحد في مدينة رأس العين السورية توقيع اتفاق بين “وحدات الحماية الشعبية” المكونة بشكل أساسي من عناصر “حزب الاتحاد الديموقراطي” PYD من جهة، والجيش الحر من جهة أخرى.

 مثّل الجانب الكردي الهيئة الكردية العليا -التي كانت قد أعلنت عن نفسها حكومة محلية انتقالية في المناطق الكردية في الأول من شباط الحالي، ومثّل الجيشَ الحرَ المجلسُ العسكري في محافظة الحسكة، إضافة إلى ممثلي مجموعة من الكتائب الأخرى ك”جبهة النصرة”  و”غرباء الشام”. يعد هذا الاتفاق نتيجة للوساطة التي قامت بها اللجنة الوطنية لحماية السلم الأهلي، وهي لجنة مستقلة لا علاقة لها بالائتلاف، بقيادة ميشيل كيلو ومكونة من مجموعة من الشخصيات الوطنية السورية؛ والتي كانت قد زارت المدينة في وقت سابق بعد الاشتباكات العنيفة التي وقعت بين الطرفين لتجتمع بكل منهما على حدة، محاولةً تقريب وجهات النظر لتقترح اتفاقاً يتم التوقيع عليه البارحة.

ينص الاتفاق الجديد على إعادة انتشار القوات المسلحة وإنهاء المظاهر المسلحة من المدينة نهائياً وتكوين مجلس مدني محلي بالتوافق يمثل كافة المكونات القومية والدينية للمدينة ويقوم بإدارة شؤونها وشؤون المعبر الحدودي مع تركيا ويتسلم في ما بعد الحواجز المشتركة التي سيشكلها الطرفين عند مداخل المدينة؛  كما يُمنع تدخل القوات العسكرية بعمله مطلقاً.

 الجديد في الأمر أنه للمرة الأولى تتولى الهيئة الكردية العليا زمام الأمور وتنجح في طرح نفسها كراع للحقوق الكردية وممثل وحيد للمعارضة الكردية خاصة بعد الصراعات الشديدة بين المجلسين (المجلس الوطني الكوردي ومجلس شعب غربي كردستان) التي كانت تمزّق الجبهة الكردية. كما تُعلن قوات الحماية الشعبية من خلال الاتفاق وبشكل علني العداء للنظام حيث يؤكد البيان على التعاون والتنسيق بينها وبين “الجيش الحر” على تحرير المدن التي لا زالت تحت سيطرة النظام؛ كما تتعهد بأن تعلن المدن التي قام النظام بالانسحاب منها وتسليمها لها مثل عامودا، تل تمر، معبدة، ديريك، والدرباسية  كمدن محررة، وذلك بإصدار بيان مشترك بين الطرفين؛ ليظهر “عدم الثقة المتبادل بين المعارضة الكوردية والعربية”  مجدداً وبشكل واضح مرةً أخرى من خلال تأكيد البند الحادي عشر على اعتبار المقدمة بنداً أساسياً من بنود الاتفاق، تلك المقدمة التي تؤكد في أول جملة منها على “وحدة سوريا الحرة أرضاً وشعباً” وترفض” كل التوجهات الطائفية والعنصرية والشوفينية والإقصائية..” في إشارةٍ إلى حلم دولة كردستان والسياسة القومية الشوفينية العربية التي أنكرت وجود الكورد وطردتهم من الجمهورية.

 الاتفاق الأخير ليس الأول بين الطرفين فقد تم التوصل في وقت سابق من العام الماضي لهدنة غير معلنة برعاية جبهة النصرة التي استنكرت “قتال السُّنَّة فيما بينهم”، ونصت على أن يخرج الطرفان إلى خارج المدينة وتشكيل حواجز مشتركة يرفع عليها العلمان (علم الاستقلال والعلم الكوردي) وتكوين إدارة محلية مدنية للمدينة لم يتم تنفيذ أي منها لتعود وتندلع اشتباكات عنيفة في نهاية الشهر الماضي استخدم على أثرها الجيش الحر القصف المدفعي والدبابات.

يذكر أن كتائب من الجيش الحر كانت قد دخلت مدينة رأس العين في شهر تشرين الثاني من العام الفائت بعد أن طردت منها قوات النظام، لتحصل بينها وبين قوات الPYD بعد عشرة أيام اشتباكات عنيفة على إثر اتهام الPYd للجيش الحر باغتيال رئيس المجلس الشعبي لغربي كردستان عابد خليل والعمل لصالح الاستخبارات التركية بينما اتهم الجيش الحر عناصر الPYD باغتيال أحد قياديه “أبو أسد” عند أحد الحواجز التابعة له والعمل لصالح النظام.

لطالما كان الدور الذي يلعبه الPYD منذ بداية الثورة السورية دوراً غامضاً، هو الذي لم يكن يريد أن يعكر صفو علاقاته مع النظام أي شيء بل استفاد منه، فسُمح له بجلب مقاتليه وسلاحه من إقليم كردستان العراق وتدريب مقاتلين كرد سوريين كما تم الإفراج عن جميع معتقليه. لذلك فإن كل ماسبق يطرح تساؤلات خطيرة عن ردة فعل النظام تجاه حليفه السابق في حال التزام وتنفيذ الاتفاق من قبل الهيئة العليا الكردية التي يعد PYD ومجلس شعب غربي كردستان أهم مكوناتها.

المدن

تداعيات مفاوضات السلام التركية في امرالي على الكرد السوريين

بنكي حاجو

امرالي هي جزيرة في بحر مرمرة وتجري فيها حاليا مفاوضات حل القضية الكردية في تركيا بين الزعيم الكردي السيد عبدالله اوجلان والدولة التركية.

الانباء الواردة من تركيا في هذا الصدد تبشر بالايجاب منذ ان بدأت تلك المفاوضات قبل مايقرب من شهر تقريبا.

رئيس الحكومة التركية السيد رجب طيب اردوغان اطلق تسمية جديدة على عملية مباحثات السلام في امرالي وهي ” مشروع امرالي ” بدلا من التسمية السابقة والتي كانت تسمى “عملية نزع سلاح حزب العمال الكردستاني ” وكانت تثير الاستفزاز لدى الكرد لاسيما عند القيادة العسكرية في جبال قنديل.

التسميات اعلاه كانت مثار جدل واسع في الاعلام التركي صحافة وتلفزة لانها تحمل في طياتها معان سياسية وعملية عميقة.

نائب رئيس الوزراء السيد بشير اتالاي والذي يعتبر المسؤول عن الملف الكري في الحكومة قال منذ يومين : ” اوجالان يريد حلا جذريا للقضية الكردية وهو يتخذ مواقف ايجابية تتجاوز كل ما كنا نتوقعه “.

 ” مشروع امرالي ” للسلام لا يؤثر فقط على كرد تركيا بل انها ستعين مصير الكرد عموما سواء في سوريا وايران واقليم كردستان العراق.

هناك عداء مستفحل بين ايران وسورية والعراق وبين تركيا ومجرى الاحداث صارت تشير بكل وضوح الى اصطفاف واستقطاب طائفي في المنطقة. لهذا ستبذل تلك الدول كل الجهود لافشال مشروع امرالي حيث ان نجاح امرالي يعني تخلص تركيا من اغلال القضية الكردية ووضع حد لحرب مع الكرد دامت ثلاثين عاما بالاضافة الى كسب ود 40 مليون كردي في المنطقة وبالتالي التخلص من هدر المليارات على السلاح.

النظام السوري لن يترك المناطق الكردية تعيش بسلام من الآن فصاعدا السؤال الخطير هنا هو : هل القوى السياسية الكردية اتخذت الاجراءات والاحتياطات اللازمة حيال هجوم عسكري لقوات النظام على المدن والبلدات الكردية في عفرين وكوباني والجزيرة؟ المسؤولية كبيرة وتاريخية.

 هدف النظام لن يتوقف عند المجابهة مع حزب الاتحاد الديمقراطي وقواه المسلحة بل هناك خشية كبيرة من ان تنال المناطق الكردية نفس مصير حمص وادلب وحماة وحلب….الخ من مجازر وتدمير. الاخبار الواردة من الجزيرة تفيد بان النظام يحشد قواته استعدادا للانتقام من امرالي.

 بالتوازي مع مشروع امرالي يتوقع المرء من تركيا ان تظهر حسن النية اتجاه الكرد السوريين كجزء من التصالح الكردي التركي الشامل واولى الخطوات هو ان تضع تركيا حدا للجماعات السلفية الجهادية التي دخلت المناطق الكردية بدعم وتحريض منها. الخطوة الاخرى هي ان تفتح تركيا المعابر الحدودية على المناطق الكردية وعلى رأسها معبر قامشلي نصيبين والذي يعتبر شريان الحياة للجزيرة بكردها وعربها وسريانها لوضع حد للمأساة الانسانية الناتجة عن الاوضاع الاقتصادية المزرية بسبب الحصار الاقتصادي.

طبيب كردي سوري

ايلاف

ماذا وراء الصورة الجديدة لأوجلان في المعتقل؟

خورشيد دلي

في الذكرى السنوية الرابعة عشر لإعتقال زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان عمدت السلطات التركية وللمرة الأولى إلى نشر معلومات بسيطة عن يوميات أوجلان في السجن، فقالت إنه يصرف شهريا 300 ليرة تركية ( 167 دولارا ) على شراء المجلات وبعض الأطعمة وإنه قرأ 2300 كتابا ومجلة ويعيش في غرفة مساحتها 11 مترا، فيما يحرسه قرابة 700 ضابط وعنصر! بالتناوب في جزيرة ايمرالي.

دون شك، تسريب هذه المعلومات عن حياة أوجلان ويومياته في السجن ليس من دون معنى أو لوجه الله كما يقال، بل يحمل دلالات بالغة ولاسيما لجهة التوقيت وتكوين صورة جديدة عن أوجلان لدى الرأي العام التركي بعدما وصفته الحكومات التركية المتتالية طوال الفترة الماضية بالقاتل والإرهابي الذي يستحق ألف اعدام كما قال رجب طيب أردوغان بنفسه مرارا. ما بين اعتقال أوجلان في العاصمة الكينية نيروبي قبل 14 عاما وهو بقبضة الإستخبارات التركية، مقيد اليدين، ومعصوب العنيين تحت تأثير المخدر الذي تم من خلاله اختطافه، وهاجس إعدامه يخيم على مؤيديه ومنتقديه معا…

 بين ذلك التاريخ واليوم حيث يزوره رئيس الاستخبارات التركية هاكان فيدان في السجن ويمضي معه يومين كاملين على أمل التوصل إلى وثيقة لحل القضية الكردية سلميا، بين التاريخين هدرت دماء غزيرة وأرهقت أرواح كثيرة وبكت الأمهات من الجانبين وخسرت تركيا مليارات إضافية (تقدر التقارير التركية تكاليف الحرب ضد حزب العمال الكردستاني منذ عام 1984 بخمسمائة مليار دولار) ولم يستطع أي جانب تحقيق هدفه بالقضاء على الأخر ( توعد العديد من القادة الأتراك من السياسيين والعسكريين معا بالقضاء على حزب العمال خلال مئة يوم )، بل على العكس تماما تعززت القناعة لدى أنقرة بأن الحل العسكري وصل إلى طريق مسدود حتى لو قصفت الطائرات الحربية باطن جبال قنديل، وحلت محلها قناعة بأهمية دور أوجلان الشخصي في الحل السلمي، فالرجل نجح وبكلمة واحدة في إنهاء اضراب مئات السجناء الأكراد عن الطعام بينما فشل في ذلك وزير العدل التركي سعد الله أرجين رغم انه زار السجناء والتقى معهم وبحث مطالبهم، كما انه بعد كل هذه السنوات تبدو جبال قنديل وكأنها محافظة تأتمر بأوامر أوجلان من معتقله، بل والرجل قادر على إنزال آلاف الأكراد إلى شوارع وساحات العواصم الأوروبية في أي وقت يشاء …، لعل كل ما سبق يكشف حقيقة مكانة أوجلان في هرم القضية الكردية، وكيف أدار معركته من المعتقل، وكيف تحول إلى صاحب الكلمة الأولى في حل هذه القضية سلما أو تصعيدا، فهو العقدة والحل معا .

في الواقع، يمكن القول انه بعد 14 عاما من اعتقال أوجلان، أفرزت التطورات المتعلقة بالقضية الكردية معطيات على الجبهتين الكردية والتركية من شأنها إيجاد واقع يمكن عليه بناء خريطة طريق لحل هذه القضية سلميا. فعلى الجبهة الكردية تبلور تيار سلمي قوي بدعم علني وخفي من حزب العمال الكردستاني يقوده أوجلان من معتقله وقد أنخرط فيه حزب السلام والديمقراطية الكردي الممثل في البرلمان والذي يعد الجناح السياسي لحزب العمال،ويعمل هذا التيار على إعادة ترتيب أولويات المجتمع الكردي واعداده للانخراط في الحركة العامة في تركيا وفق أسس تقوم على الاعتراف التدريجي بالهوية القومية الكردية والعمل ضمن الأطر القانونية كالبلديات والاعلام والانتخابات والبرلمان … وتحويل كل ذلك إلى ضغط داخلي وخارجي لإجبار المؤسسة الحاكمة في تركيا على الاعتراف بهم، ولعل مثل هذا الخيار يحظى بموافقة أمريكية وأوروبية ودعم مباشر من قيادة إقليم كردستان العراق التي تقوم بدور الوساطة بين الجانبين لإنجاح جهود الحل السياسي. وعلى الجبهة التركية برز تيار سياسي بزعامة أردوغان ويقف خلفه الأوساط الاقتصادية والعديد من الأوساط الثقافية والاجتماعية والحزبية يدعو إلى إيجاد حل سلمي للقضية الكردية وذلك من خلال إجراء المزيد من التعديلات الدستورية والقانونية تقر بالهوية الثقافية للأكراد وتفسح في المجال أمامهم لممارسة شكل من إشكال الحكم المحلي، بما يؤدي كل ذلك إلى تحقيق الاستقرار في البلاد وامتلاك المزيد من عوامل القوة وتحقيق التنمية والنمو، بما يساعد كل ذلك على تحقيق المزيد من الدور والنفوذ على المستويين الإقليمي والدولي ولاسيما لجهة كسب الأكراد في عموم المنطقة إلى دائرة التأثير السياسي التركي. دروب السياسة والتطلعات المتبادلة بين أوجلان وأرودغان باتت كثيرة، وربما في لحظة ما تفتح الطريق أمام إيجاد حل سلمي للقضية الكردية على شكل فرصة تاريخية بنهكة ( ثورات الربيع العربي ) التي أكدت ان الحرية مطلب لا حياد عنه مهما طال الزمن.

أردوغان يريد من أوجلان تلك الكلمة السحرية التي تدفع بالمقاتلين الأكراد من حزبه إلى ترك السلاح والمساهمة الكردية في تمرير الدستور الجديد الذي سيصله إلى الجلوس في قصر تشانقاي الرئاسي، فيما أوجلان يريد منه كسر جدران ايمرالي ليكون حرا ومنتصرا في هيئة مانديلا الكرد ويتوج ذلك بحل سلمي للقضية للكردية يعيد صوغ السياسة والجغرافية كرديا. تطلعات صعبة بل ربما مستحيلة في نظر البعض، لكن المعلومات التي تتسرب من سجن إيمرالي ليست سوى حروف قصة تكتب وتحتاج إلى المزيد من الحبر والتفكير بدلا من الدم والرصاص. khorchidd@yahoo.com

ايلاف

أكراد سوريا.. بين الآمال والنار

                                            خورشيد دلي

– فرصة وتحديات

– الجغرافيا تتفجر كردياً

– جدل الصراع والخيارات

ثمة قناعة عامة بأن أكراد سوريا -البالغ عددهم أكثر من مليونيْ نسمة ويتركزون في شمال شرقي البلاد- باتوا أمام فرصة تاريخية لتحقيق آمالهم وتطلعاتهم القومية، بعد عقود من الحرمان والتهميش والإقصاء.

فمجمل الحراك السوري يوحي بأنهم الرابح الأكبر حتى الآن لجهة السيطرة على مناطقهم بطريقة سلمية، وبناء ما يشبه حكم ذاتي في إدارة هذه المناطق، وتعاظم وعيهم بالحرية وقضيتهم القومية، لكن في حقيقة الأمر هذه الصورة الزاهية ليست أكثر من صورة مؤقتة في سياق الحدث السوري العام.

فهذه الصورة تهددها جملة من المخاطر، منها ما هو داخلي يتعلق بالمصير الذي ينتظرهم في ظل عدم وجود اتفاق على هذه الحقوق مع القوى السورية الأخرى، ومنها ما هو إقليمي، وتحديدا تركيا التي تنظر بعين الخشية لأي حكم محلي لأكراد سوريا، وتتخوف من أن يعزز مثل هذا الحكم مطالبة الأكراد في المنطقة (العراق، تركيا، إيران ، سوريا) بإقامة دولة قومية مستقلة، حيث ترى تركيا أنها ستكون المتضرر الأكبر منها، وعليه فثمة من يرى أن تحقيق أكراد سوريا لتطلعاتهم يرتبط بانتهاج العقلانية السياسية، سواء لجهة الممارسة السياسية أو طرح المطالب الواقعية المقبولة.

فرصة وتحديات

قبل بدء شرارة الحراك الثوري في درعا جنوبي سوريا لم يكن بإمكان الأكراد الحديث علنا عن حقوقهم القومية، أو رفع علم يرمز إلى هويتهم القومية أو أحزابهم، أو حتى التعلم بلغتهم، إذ كان ذلك كافيا كي يتعرض صاحبه للاعتقال الفوري والسجن.

اليوم وبعد مرور قرابة سنتين على اندلاع الأزمة السورية، باتت اللجان الشعبية الكردية هي التي تدير الأمور على الأرض وتحت الرايات الكردية، فالحواجز منتشرة على امتداد مناطق محافظة الحسكة في الشرق، وكذلك في منطقتيْ كوباني وعفرين في الشمال.

وإلى جانب هذه الحواجز المسلحة، تقوم لجان مدنية بتقديم الخدمات والمساعدات للأهالي، وتنظيم جوانب الحياة الإدارية والاجتماعية، وإدارة العلاقة مع باقي مكونات الشعب السوري، فيما ينحصر الوجود الرسمي لمؤسسات النظام تدريجيا -منذ شهر تموز/يوليو الماضي- في مقار أمنية وعسكرية في المدن الكبرى ولاسيما القامشلي والحسكة، حيث حلت محلها وحدات حماية الشعب التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي.

ونجح الأخير في بسط سيطرته على الأرض بينما بقيت القوى الكردية الأخرى -وتحديدا تلك المنضوية في إطار المجلس الوطني الكردستاني- أقل تأثيرا، نظرا لافتقارها إلى العناصر المسلحة، وضعف خبرتها الميدانية على الأرض، عكس الاتحاد الديمقراطي الذي استفاد من خبرة حزب العمال الكردستاني في هذا المجال، حيث العلاقة وثيقة بين الجانبين.

هذا الواقع الجديد فرض على أكراد سوريا جملة من التحديات المتمثلة فيما يلي:

1- مواجهة الاحتياجات اليومية للسكان من مواد غذائية ووقود ومحروقات (الغاز المنزلي، المازوت، البنزين..)، كل ذلك في ظل شح الموارد والإمكانات، وقد وجد أكراد سوريا في إقليم كردستان العراق المجاور ملجأ لتخفيف حدة أزمتهم الإنسانية.

2- الخلافات المتعددة بين أطراف المكوّن الكردي، إذ ثمة خلافات كبيرة بين حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يعود في مرجعيته السياسية إلى حزب العمال الكردستاني، وأحزاب المجلس الوطني الكردستاني الذي يتخذ من أربيل مرجعية سياسية له، وقد حاول رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني احتواء هذه الخلافات من خلال احتضان الطرفين مرارا، وتشكيل اللجنة القيادية العليا من الجانبين والمنوطة بها الإدارة المشتركة للمناطق الكردية.

3- إشكالية العلاقة بين الأكراد والقوى المطالبة بإسقاط النظام السوري وتحديدا الجيش الحر وجبهة النصرة، وقد برزت هذه المشكلة إلى السطح عندما حاولت كتائب من الجيش الحر وجبهة النصرة السيطرة على مدينة رأس العين، وهو ما أدى إلى مواجهات دموية بين الجانبين، حيث يرى أكراد سوريا أن مناطقهم محررة وليس هناك من سبب يستدعي قدوم هذه الكتائب إلى هذه المناطق، خاصة أن ذلك سيعطي المبرر للنظام لاستهدافها، فيما يرى الجيش الحر أن هذه المناطق سورية كباقي المناطق الأخرى من البلاد، ومن حقه السيطرة عليها، ويكشف هذا الوضع الإشكالي الخطر معضلة التعايش والتعاون بين الأكراد والقوى المطالبة بإسقاط النظام.

الجغرافيا تتفجر كردياً

للمرة الأولى منذ اتفاقية سايكس/بيكو -التي قسمت المنطقة إلى دول بعد الحرب العالمية الأولى، كما قسمت الأكراد بين سوريا والعراق وتركيا- باتت الحدود مفتوحة بين المناطق الكردية في سوريا وإقليم كردستان العراق.

وباتت المناطق الكردية في تركيا تشهد حركة تضامن غير مسبوقة مع أكراد سوريا وتطلعاتهم، إذ للمرة الأولى نشهد مظاهرات تضامنية تخرج في عدد من المدن الكردية في تركيا -ولاسيما مدينة نصبين المحاذية للقامشلي تماما- دعما لأكراد سوريا، فضلا عن تنظيم قوافل مساعدات غذائية وإغاثية لهم.

هكذا بات الحراك الكردي يفيض في الجغرافيا السياسية حلما قوميا يدغدغ مشاعر الأكراد من جديد بدولة مستقلة، كما حصل عقب الحرب العالمية الأولى عندما أقرت اتفاقية سيفر إقامة كيان كردي، وفي الأساس كانت الجغرافيا الكردية عاملا من أهم عوامل الصراع القديم في المنطقة، فكردستان تعرضت في المرة الأولى للتقسيم بين الدولتين العثمانية والصفوية عقب معركة جالديران عام 1514 التي انتصر فيها العثمانيون بقيادة السلطان سليم ياوز الأول على الصفويين بقيادة إسماعيل، ثم تعرضت مجددا للتقسيم عقب اتفاقية سايكس/بيكو، ومنذ ذلك الوقت باتت الاتفاقيات الدولية عاملا كابحا للتطلعات القومية الكردية التي بقيت خامدة تحت رماد التاريخ والجغرافيا.

لكن تصوير الأمور على هذا النحو لا يعني أن أكراد سوريا ذاهبون إلى المطالبة بالانفصال، أو أن الطريق إلى تحقيق مطالبهم باتت مفروشة بالورود، خاصة أن مطالبهم غير محددة، إذ إنها تتراوح بين من يطالب بالفدرالية (المجلس الوطني الكردستاني)، والإدارة الذاتية (حزب الاتحاد الديمقراطي)، والاعتراف بهم دستوريا، ومنحهم حقوقا ثقافية ولغوية، كما تطالب بها قوى أخرى.

وفي سياق التواصل مع أكراد الخارج، برز دور قيادة إقليم كردستان العراق كحاضن قومي لأكراد سوريا، سواء لجهة توحيد القوى والأحزاب الكردية السورية، حيث رعى مسعود البارزاني شخصيا العديد من الاجتماعات بين أحزاب المجلس الوطني الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي، وانتهت بتشكيل الهيئة الكردية العليا المنوطة بها الإدارة المشتركة للمناطق الكردية، كما قلنا.

وقد حظيت مساعي البارزاني هذه بمباركة تركيا، لأهداف تتراوح بين احتواء حزب الاتحاد الديمقراطي -الذي يعود في مرجعيته لحزب العمال الكردستاني- ودفع الأكراد إلى الانخراط في معركة إسقاط النظام السوري، وهو ما زاد من متانة لعلاقة بين إقليم كردستان وتركيا، مقابل زيادة التوتر في العلاقة بين الجانبين وحكومة نوري المالكي.

إلى جانب الرعاية السياسية، اتخذت حكومة إقليم كردستان العراق سلسلة خطوات عملية تجاه أكراد سوريا، كفتح معبر سيمالكا الحدودي حتى دون التنسيق مع السلطات السورية، واستقبال ما يقارب 80 ألف لاجئ كردي سوري وفتح مخيمات لهم، فضلا عن تنظيم حملة تقديم مساعدات مالية وغذائية ووقود ومواد تدفئة إلى المناطق الكردية، وهو ما شد أنظار أكراد سوريا وارتباطهم بأكراد العراق أكثر بوصفهم الأخ الأكبر الواقف معهم في محنتهم وسعيهم إلى تحقيق تطلعاتهم.

جدل الصراع والخيارات

الصراع الجاري في سوريا يتجاوز -دون شك- مسألة إسقاط النظام إلى البحث عن شكل الدولة السورية في المستقبل، والأكراد في تطلعهم إلى موقعهم المستقبلي في هذه الدولة يعانون من جملة إشكاليات وعقبات، فمن جهة ثمة إشكالية تتعلق بغياب الثقة، سواء بالنظام أو بالقوى المطالبة بإسقاطه، بل في كثير من الأحيان يبدو لهم أن النظام الذي مارس الإقصاء والتهميش ضدهم أرحم من المعارضة التي حشدت قواتها للسيطرة بالقوة على مدينة رأس العين وباقي المناطق الكردية، فظهرت صورة المعارضة لديهم مجرد مجموعات عروبية وجهادية لا تؤمن بحقوق الشعوب والأقليات والطوائف.

وقد وحد الهجومُ على رأس العين الأكرادَ وزاد سعيهم إلى التسلح وتشكيل جيش كردي موحد للدفاع عن مناطقهم، ولعل ما يفاقم هذه المشكلة ويرشحها للصدام في المرحلة المقبلة هو تعثر انضمام المجلس الوطني الكردستاني إلى الائتلاف الوطني السوري، بسبب عدم الاتفاق على مطالب الحركة الكردية.

وقد طرح هذا الموضوع إشكالية تأرجح الأكراد بين الوطنية السورية وبحثهم عن كيانية خاصة بهم.

وفي الواقع، فإن هذا التأرجح خلق إشكالية في الجهة المقابلة، أي لدى القوى المطالبة بإسقاط النظام، بين الخوف من أن يؤدي إقرار التطلعات الكردية إلى تعزيز خيار الانفصال لدى الأكراد، واتباع سياسة الغموض وتأجيل بحث المطالب الكردية إلى المرحلة المقبلة.

وقد عزز هذا الأمر حالة البراغماتية السياسية لدى الأكراد، على شكل المفاضلة بين النظام والقوى المطالبة بإسقاطه، على أساس تفهم أي طرف للمطالب الكردية وإقرارها.

وقد كان لافتا استقبال رئيس الحكومة السورية وائل الحلقي قبل أيام وفد المبادرة الكردية السورية، وبحث المطالب الكردية والتأكيد على الحقوق الثقافية واللغوية للأكراد، في سابقة كانت الأولى من نوعها.

أكراد سوريا -الذين يجدون أنفسهم بين عنف النظام وتجاهل المعارضة المطالبة بإسقاط النظام لحقوقهم- ربما يأملون استثمار القتال الدائر بين الجانبين لفرض منطقة حكم ذاتي لهم، لكن الثابت أن مثل هذا الخيار سيواجهه في المستقبل استحقاق مصير الدولة السورية، وهم في تطلعهم هذا يبدون أمام خيارين، إما التفاهم مع من سيحكم سوريا على صيغة للحقوق الكردية وشرعنة هذه الحقوق دستوريا، أو الدخول في مواجهة قد تنجم عنها تطورات دراماتيكية مأساوية لا أحد يعرف كيف ستنتهي.

ودون شك، لا يمكن النظر إلى مصير أكراد سوريا خارج مصير سوريا، مع التأكيد على أن التحديات الموجودة تفرض على الجميع المزيد من الانفتاح والإيجابية والممارسة العقلانية.

الجزيرة نت

———————

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى