صفحات العالم

مقالات تناولت الاتفاق النووي الإيراني

الاتفاق النووي الإيراني في انتظار التنازلات/ عبد الوهاب بدرخان

الاتفاق النووي ممكن، غير ممكن. مَن يتنازل أولاً، مَن يتنازل أكثر. بورصة التفاؤل في ارتفاع وهبوط مستمرّين. هذا أسبوع مهم وحساس لإدارة باراك أوباما والنظام الإيراني. كلاهما يحتاج إلى اتفاق. الأول لتعويض إخفاقاته المتكررة، والآخر لاعتقاده بأن الظروف تجمّعت ليربح رهاناته. قرارهما التقني، كما السياسي، غير محسوم. كم قطعا من رحلة الألف ميل، وكم تبقّى منها. لم يسبق أن أوحيا بهذا الوضوح عن اقترابهما جداً من خط النهاية. نعم هناك الـ 5 + 1 لكن الكل موقن بأن اللعبة ثنائية. والمهلة المحددة ليست مقدّسة في عمليات التفاوض، لكنها تلعب دوراً في رسم المراحل وتشكيل الضغوط والحوافز. لذلك يمكن أن يكون الرابع والعشرين من نوفمبر نهاية لأزمة وبداية لانفراج لا يزال غامض الملامح، أو نقطة تصعيد جديد للأزمة إذا أُرفق بمزيد من العقوبات.

الفرصة الأكبر المتاحة هي لإيران، إذا قدّمت التنازلات التي لا تحبذ أن تسمّيها بهذا الاسم، ولا يمكنها الحصول على رفعٍ للعقوبات إلا اذا أقدمت عليها ولو في اللحظة الأخيرة. واللافت لدى المدافعين عن موقف طهران أنهم لا يزالون يصرّون على اعتبار ما حصّلته حتى في المفاوضات حتى الآن “انتصاراً”، اذ نالت اعترافاً بأن يكون لديها برنامج نووي للأغراض السلمية والأنشطة البحثية. وإذا سئلوا هل كان هذا هدفها منذ البداية، يقولون نعم طبعاً. وماذا عن “القنبلة”، يقولون لا أبداً فجميع المسؤولين بدءاً من المرشد أكدوا أكثر من مرّة أن القنبلة يحرّمها الدين الإسلامي، وهذا أمر محسوم. لكن ما دام محسوماً وما دامت القوى الدولية أبدت سابقاً اعترافاً أولياً بـ «البرنامج السلمي» فلماذا ارتضت إيران لنفسها، ولشعبها، ولاقتصادها، أن تخوض معركة مكلفة إلى هذا الحد لتحصل في النهاية على ما يحقّ لها؟ ولماذا صعُب عليها أن تكون شفافة حيال وكالة الطاقة الذرية والمجتمع الدولي لو لم يكن لديها ما تخفيه، وكيف يمكن أن تُقنع بأنها لا تسعى إلى سلاح نووي وهي تقيم منشآت مخالفة للمواصفات السلمية كما تشغّل أجهزة بأعداد معروف سلفاً بأنها تقرّب برنامجها إلى المواصفات العسكرية؟ أسئلة كثيرة يُجاب عنها بأن الدول الغربية داومت على استعداء النظام الإيراني وأرادت زعزعته وتغييره، وفي هذه الأزمة اختارت مقاربة تشكيكية مبرمجة، ولم تكن تريد أصلاً أن يكون لإيران برنامج نووي.

في أي حال، وعلى افتراض صدقية إيران بالنسبة إلى هدف برنامجها، وهو الاعتراف لها بـ «الحق في تخصيب اليورانيوم وإنتاج الطاقة النووية لاستخدامها في الأغراض السلمية والمدنية»، فإن الطريقة التي اختارتها لـ «حماية برنامجها» زادت الشكوك في نياتها. ذاك أنها وظّفت “قنبلة” لم تنتجها بعد، كما لو أنها موجودة، لتصبح مصدر تهديد إقليمي، واستغلّت احتلال العراق والتراجع الاستراتيجي العربي لتنفّذ خطة اختراق لأكثر من بلد عربي متوسّلة الشحن المذهبي، المسلّح في معظم الأحيان، لزعزعة أنظمة الحكم والاستقرار النسبي للمجتمعات. لذلك حاولت وتحاول إقحام المفاوضات النووية في مساومة: فكلما أبدت استعداداً لخفض قدرات برنامجها كلما رفعت توقعاتها بأن يتم الاعتراف لها بالحفاظ على ما اكتسبته من “نفوذ” سواء في العراق وسوريا، أو في لبنان واليمن، فضلاً عن “أوراق” فلسطينية وسودانية و”قاعدية” تمسك بها ولا تمانع في رميها أو مقايضتها في اللحظة المناسبة.

في مفاوضات مسقط الثلاثية كان المكان بالغ الرمزية بالنسبة إلى إيران، نظراً إلى قربه الجغرافي ووجوده في الإطار الخليجي العربي، تماماً كما طلبت مرّة أن تُعقد إحدى جولات التفاوض في بغداد، وهي الجولة التي لوّحت فيها بوجود تنازلات جاهزة لديها إذا أعطيت ضمانات لمصالحها في سوريا، ولم يكن المفاوضون الآخرون مخوّلين البحث في أمر كهذا. في مسقط، وفقاً للمعلومات، كان الحديث في معظمه سياسياً بين وزراء خارجية أميركا والاتحاد الأوروبي وإيران، وهذا ما أوحى بأن المفاوضات التقنية البحتة تقارب نهايتها، أي أنها توشك التوصل إلى اتفاق يفترض أن يقرّ في حضور الدول الـ 5+1 وبموافقتها. ومنذ كانت هناك مفاوضات تقنية مع إيران لم تُدعَ دول الخليج العربية إليها، وهي طلبت فقط إحاطتها بما يدور فيها، أما إذا كان التفاوض سياسياً، فهي تريد المشاركة. لكن هذا يتعلّق برغبة الأميركيين والإيرانيين، فهل لديهم ما يخفونه عن دول الخليج؟

الحياة

 

 

 

اتفاق سعودي – تركي – إيراني … بعد النووي؟/ جورج سمعان

ليس من مصلحة أميركا ولا من مصلحة إيران وقف المفاوضات النووية. الخيار الديبلوماسي هو الخيار الوحيد. فلا الرئيس باراك أوباما يريد اللجوء إلى القوة، ولا إيران في وارد استدراج خصومها إلى مواجهة عسكرية. أصلاً لم تكن الحرب مرة خياراً حقيقياً. والظروف الحالية المواتية لإبرام اتفاق بين الجمهورية الإسلامية والدول الست الكبرى لن تتكرر. وهذا ما يعرفه القادة الإيرانيون وأركان الإدارة الأميركية. لذلك، إذا تعذر التوصل إلى اتفاق نهائي مع حلول الرابع والعشرين من الشهر الجاري، فقد يلجأ المفاوضون إلى صيغة «اتفاق إطار» جديد يترك الباب مفتوحاً لاستكمال البحث في القضايا العالقة. وهي كثيرة احتاجت إلى وساطة سلطنة عمان وقد تحتاج إليها مجدداً.

لن يجازف الرئيسان أوباما وحسن روحاني في تفويت الفرصة السانحة التي قد لا تتكرر في المدى المنظور مع إمساك الجمهوريين بالغالبية في مجلسي الكونغرس. ومع احتمال عودة المرشد علي خامنئي إلى ضبط إيقاع الصراع السياسي الداخلي بما يحد من حرية الحركة لحكومة روحاني. لذلك، ثمة حاجة ملحة إلى بقاء الباب مفتوحاً أمام مواصلة الحوار الأميركي – الإيراني. وهو حوار يتجاوز الملف النووي إلى ما يدور من أحداث في الإقليم، وإن أكد الطرفان في أكثر من مناسبة أن لا مقايضة ولا علاقة بين المفاوضات والاتفاق الذي أبرم قبل حوالى سنة من جهة والملفات الأخرى في المنطقة من جهة ثانية. ما يجري على أرض الشرق الأوسط، خصوصاً في العراق وسورية، صورة واضحة عما يُعدّ لما بعد الاتفاق المنتظر. أو هو إعداد سابق لأرضية أي حوار جدي ومباشر سيتناول بالتأكيد مستقبل النظام الإقليمي السياسي والأمني. ذلك أن بداية طي صفحة الملف النووي منذ اتفاق تشرين الثاني (نوفمبر) العام الماضي أدخلت ديناميات جديدة في عدد من الملفات والساحات المشتعلة.

منذ ذلك التاريخ، بدا واضحاً أن الدول المعنية برسم مستقبل المنطقة باتت أمام تحديات فرضت وتفرض إعادة نظر في عقائدها الأمنية، وشبكة علاقاتها ومصالحها الإقليمية والدولية. ولا شك في أن قيام «الدولة الإسلامية» كان الحدث الأبرز في هذا الاتجاه. وهو ما جعل الرئيس أوباما يعود إلى المنطقة، إلى العراق وربما إلى سورية قريباً. وهو ما دفع إيران إلى إعادة تموضع في هذين البلدين، فضلاً عن تعزيز حضورها في ساحات أخرى كاليمن خصوصاً. وهو ما حرك المملكة العربية السعودية ودولاً عربية أخرى وتركيا نحو المساهمة في بناء التحالف الدولي – الإقليمي والمشاركة في حربه على تنظيم «داعش». ولعل من المبكر الحديث عن تفاهمات أو تنازلات من هذا الطرف لذاك في هذه الساحة أو تلك، أي أن إيران التي تلقت ضربة قاسية في العراق لم تبدِ حتى الآن أي مرونة في التسليم بدور لشركاء آخرين في هذا البلد. قدمت في المشهد السياسي، ما يشي بأنها على استعداد للحوار. تخلت عن نوري المالكي مرغمة. ورحبت بالقادة الجدد في بغداد. وشجعتهم على الانفتاح والسعي لإعادة ما انقطع بين عاصمة الرشيد وبعض العواصم العربية، خصوصاً الرياض.

لكن إيران في المقابل لم تترجم هذا «الانفتاح» على الأرض. وبعيداً من اليمن واندفاعة «حوثييها» إلى الإمساك بهذا البلد، لم تقدم في العراق ما يطمئن خصومها من أهل السنّة والعشائر، بل يتهمها هؤلاء بأنها تسعى إلى استعادة ما فقدت أمام زحف «داعش». وبأنها تحاول عبر الميليشيات الشيعية، أو ما يسمى قوات «الحشد الشعبي»، استعادة سيطرتها على المواقع التي تطرد منها قوات «داعش»، والانتشار في مناطق جديدة لم يكن لها حضور فيها، فضلاً عن أن حكومة حيدر العبادي تبدو مكبلة في ظل التجاذب السياسي بين مكوناتها. ولم تسجل اختراقاً لافتاً في الصفوف السنّية، باستثناء بداية تسوية مع حكومة كردستان. وفي حين تغض الطرف عن التدخل الإيراني الميداني ترفض التدخل الجوي لعرب «التحالف». في ضوء هذا الواقع لم يكن أمام إدارة الرئيس أوباما التي رفعت شعار الأولوية للعراق في الحرب على التنظيم الإرهابي، سوى مزيد من الانخراط الميداني في هذه الحرب. ولجأت إلى رفع عديد جنودها في العراق من أجل تسليح مقاتلي العشائر وتدريبهم، ما دامت الجمهورية الإسلامية تخوض حربها مع «دولة الخلافة» عبر فصائل «الحشد الشعبي» التي عبرت عن رفضها التعاون مع الأميركيين، وعبر قوات في «البيشمركة». وما دامت إعادة هيكلة المؤسسات العسكرية والأمنية الرسمية عملية قد تطول.

أياً كانت التعقيدات التي تواجه الحرب على «داعش» في العراق، فإن الإدارة الأميركية يمكنها الاعتماد على شركاء ميدانيين في هذا البلد، بخلاف ما عليه الوضع في سورية. ويمكنها التفاهم على اقتسام المهمات والتنسيق مع إيران لمنع أي خلل أو تصادم، كما يحدث الآن. ولكن، على رغم القليل من التقدم الذي يحرزه هؤلاء الشركاء، لا يمكن تحقيق اختراقات وإنجازات كبيرة ما لم يتم توحيد مسرح العمليات من الموصل إلى حلب. وهذا ما دفع الرئيس أوباما إلى إعادة النظر في السياسة المعتمدة حيال دمشق. لم يعد أمامه مفر من اعتماد خيار واضح إذا كان لا بد من دحر «الدولة الإسلامية». رفض حتى الآن خيار التعرض للجيش السوري لحرصه على بقاء هذه المؤسسة وعدم تكرار التجربتين العراقية والليبية. ولحرصه على عدم تعريض الحوار مع إيران لأي انتكاسة. ولإيمانه بأن لا بديل جاهزاً أو حتى واعداً لليوم التالي على انهيار محتمل للنظام. ولا حاجة هنا لتكرار المآخذ القاتلة على المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري والتي يسوقها أهل هذه المعارضة نفسها قبل غيرهم. ويرفض في المقابل إشراك الرئيس بشار الأسد في أي تسوية سياسية.

الوضع السوري لا يشكل مأزقاً لأميركا وحدها. إنه مأزق لإيران التي باتت تدرك مع مرور الوقت حجم الاستنزاف الذي تواجهه في هذه الساحة، بل في ساحات كثيرة من اليمن إلى فلسطين ولبنان والعراق وغيرها. قدمت وتقدم الكثير من دماء رجالها ومقاتلي ميليشياتها الحليفة في أرض الشام. وتحولت «المرضعة» الوحيدة لأهل النظام في دمشق ومناطق سيطرته. وتوفر لترسانتهم العسكرية كل ما يحتاجون إليه. وتتولى سداد الفواتير الاقتصادية في كثير من القطاعات والمجالات. على رغم ذلك، يبدو الحديث عن العودة إلى المسار السياسي في جنيف بعيد المنال. والمبادرة التي طرحها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا تبدو قاصرة وبعيدة من الواقع. فالاتفاق على وقف النار الذي يدعو إليه في حلب يريده النظام استسلاماً على غرار ما حدث في أمكنة أخرى من حمص إلى أحياء في دمشق وريفها. وليست «جبهة النصرة» التي باتت تتقاسم السيطرة على الشمال السوري في وارد الشريك المقبول. أبعد من ذلك جاءت التطورات في الشمال السوري لتعزز مواقع المتصارعين على بلاد الشام عموماً. ذلك أن تركيا ستظل الشريك الأول والأساسي في تقرير مصير العاصمة الشمالية، بل تمسك بالمدينة ورقة تؤهلها لأداء دورها في التسوية الشاملة للأزمة.

لن تثمر الحرب على «الدولة الإسلامية» إذا اقتصرت على المسرح العسكري. ذلك أن هذا التنظيم لم يولد من فراغ. هو نتيجة عوامل وظروف سياسية وطائفية ومذهبية وصراعات قومية. ولن تحقق تقدماً قبل أن يبدأ فعلياً طي الملف النووي الإيراني البوابة الحقيقية لفتح القضايا العالقة في المنطقة، وعلى رأسها الصراع على مواقع النفوذ والمصالح. ولا يخفى على أميركا بالتأكيد أن تسوية هذا الصراع أكثر تعقيداً من الحملة على الإرهاب. بل هي، من دون مبالغة، الباب الواقعي نحو القضاء على الإرهاب. ولن يكون الاتفاق النووي سوى خطوة أولى مهما كانت كبيرة ومفصلية. وإذا كان على الولايات المتحدة أن تنصرف عن هموم الإقليم إلى أقاليم أكثر أهمية وحيوية لمصالحها الاستراتيجية، لا بد لها من أن تساهم في إطلاق حوار لا غنى عنه مهما تأخر بين القوى الكبرى في المنطقة، المملكة العربية السعودية وإيران وتركيا. الأولى تقود ما بقي من العالم العربي وجامعته المتهالكة. والثانية تقود عواصم عربية وقوى ومكونات هنا وهناك تنازع أنظمة وحكومات السلطة والسيطرة. والثالثة تبني تحالفات في المنطقة العربية تشكل لها مظلة واسعة تستظلها قوى الإسلام السياسي التي تقارع حكومات من الشمال الأفريقي إلى بلاد الشام.

بدلت العواصف التي هبت على العالم العربي في السنوات الأربع الماضية الكثير، وأجهزت على ما بقي من النظام العربي. قبلها أطلق الأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى دعوته الشهيرة في قمة سرت الليبية، العام 2010، إلى رابطة جديدة لدول الجوار تضم دول الجامعة وتركيا وإيران لبناء منظومة للأمن الإقليمي. غيّب إسرائيل من دعوته، لكن بعض الأصوات العربية الرسمية نادى بحضورها… وإذا قدر لحكومة بنيامين نتانياهو أن تنجح بتغولها وسياستها الاستفزازية في دفع الفلسطينيين إلى انتفاضة ثالثة، فستفتح ملفاً أكثر سخونة في الإقليم كله يدفع مستقبل ما بقي من فلسطين إلى المجهول. فهل في حسابات الرئيس أوباما إطلاق مفاوضات سياسية بين أهل «الشرق الأوسط الكبير» وهل تسمح له السنتان الباقيتان، أم يكتفي بما يمكن إنجازه مع إيران… فيما الحرب على الإرهاب متواصلة من جيل إلى جيل ومن عقد إلى عقد؟

الحياة

 

 

 

 

الاتفاق النووي مع إيران لن يتم/ حسان حيدر

يحل الإثنين المقبل الموعد النهائي الذي حدّدته مجموعة «خمسة زائد واحد» للوصول بالمفاوضات مع إيران على ملفها النووي إلى اتفاق تاريخي يقفل هذا الملف، ويفتح الباب أمام تحسين علاقات طهران مع الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً. لكن الدلائل لا تشير حتى الآن إلى إمكان تحقيق هذا «الحلم» الذي يراود الرئيس الأميركي باراك أوباما ويريد تتويج ولايتيه في البيت الأبيض به.

فالإيرانيون يبدون غير مستعدين لتحقيق طموح أوباما، ولا طمأنة الأوروبيين، لأنهم غير واثقين من الحصول على مبتغاهم من المفاوضات مع رئيس أميركي ضعيف وقارة عجوز منقسمة ومترددة، ولأنهم أصلاً ليسوا راغبين في تقليص دورهم في المنطقة.

ومنذ بدء المفاوضات الطويلة الحالية، حدّدت إيران ثلاثة مسارات لها، يتعلق الأول بالملف النووي حصراً وما يتفرع عنه من عدد المفاعلات وأجهزة التخصيبب وقدراتها وآليات التفتيش والتحقق، ويتناول الثاني العلاقات بين إيران والولايات المتحدة كدولتين ويمتد تالياً إلى العلاقات الإيرانية مع الغرب عموماً، أما الثالث فيشمل الدور الإيراني في الشرق الأوسط ونفوذ طهران في المنطقة وأدواته.

ومنذ البداية أيضاً لعبت إيران على ترتيب المسارات الثلاثة، طوراً تقدم أحدها على الآخر، وتارة تربط بين التقدم في أحدها وبين مكاسب في آخر، ومرة تطرحها دفعة واحدة على طاولة المفاوضات، لتعود في جلسة المفاوضات التالية إلى التفريق بينها، بهدف كسب الوقت ومواصلة برنامجها النووي وفرض وقائع جديدة على المفاوضين الدوليين، والضغط على بعض منهم بسبب رغبته في إحراز تقدم ما، وارتباط ذلك في حساباته بعمر إداراته المحدود.

وللمفاوضين الإيرانيين باع طويل في التلاعب بالأميركيين، واختبروا قدرتهم هذه مع إدارات متعددة في واشنطن، معتمدين على ما يعتبرونه «نقاط ضعف» في الأنظمة الديموقراطية التي تطبق مبدأ تداول السلطة، ومراهنين على ان أي رئيس اميركي لن يبقى في منصبه اكثر من ثماني سنوات في افضل احواله، اما هم فمرشدهم باق الى ان يموت.

فعندما وصل محمد خاتمي الى الرئاسة في 1997، تفاءل الأميركيون، وقدم بيل كلينتون اقصى التنازلات التي قدر عليها: خفّف العقوبات الاقتصادية واعترف بمسؤولية بلاده عن الانقلاب ضد حكومة مصدق، اشرك طهران في مناقشة الوضع الأفغاني الذي كان يقلقها. لكن التيار الإيراني المتشدد حال دون تحقيق اي نتائج، وحوّل عهد خاتمي الى رئاسة فخرية مانعاً اياه من الحكم فعلياً، الى ان جاء بالمتشدد احمدي نجاد رئيساً.

اما جورج بوش الابن الذي باشر اتصالات مع ايران بعيد اعتداءات 11 ايلول (سبتمبر)، فسرعان ما نأى بنفسه بعد انكشاف نشاط ايران النووي. ولم يعزّز غزو العراق ووصول الجيش الأميركي إلى الحدود الإيرانية من وضعه التفاوضي مع طهران، بل تبين ان ايران هي التي حققت ما تريده في العراق بأيدي الأميركيين.

واليوم، يبعث باراك اوباما برسائل طمأنة واحدة تلو الأخرى الى خامنئي، ويدافع عملياً عن ايران وحلفائها في المنطقة، مثلما هو واضح في الملف السوري، ورغم ذلك لن يعطيه الإيرانيون «الجائزة» التي ينتظرها، لأنه رئيس ضعيف فقد السيطرة على مجلسَي الكونغرس، وسيأتي بعده خصومه الجمهوريون الذين قد ينقضون أي اتفاق مبرم معه، أو قد يحولون منذ الآن دون ابرام أي اتفاق طالما يملكون الغالبية التشريعية.

لكن السبب الفعلي والأهم هو ان ابرام الاتفاق النووي وتحسين العلاقات مع واشنطن، سيعني تعديلاً في الدور الإيراني الإقليمي، فهل ترغب طهران في ذلك فعلاً؟ وهل تريد ان تصبح مجرد «صديقة» لواشنطن تراعي مصالحها في المنطقة؟

الواقع ان دور ايران في الشرق الأوسط يقوم على اذكاء الصراع العربي – الإسرائيلي، ليس بهدف محاربة اسرائيل كما تقول شعاراتها، بل بهدف فرض نفسها بديلاً من العالم العربي وقراراته التي تقوم على مبادلة الأرض بالسلام. وأي اتفاق مع الأميركيين يعني ان هذا الدور سيتقلص، لأن واشنطن ليست وحدها فيه ولن تستطيع فرض الشروط الإيرانية على كل العرب وتركيا ايضاً.

ومثلما اختارت ايران التاريخية التمايز عن محيطها العربي الأوسع بتبنيها المذهب الشيعي، ستظل ايران الحالية ايضاً تغرد خارج السرب الإقليمي، برفع شعارات تناقض مصالح العرب في سلام دائم، ولن تدخل في تفاهم مع الأميركيين والغرب يلغي ذلك. وأقصى ما يمكن التوصل اليه، هو توسيع الاتفاق الإطاري السابق قليلاً، بحيث تظل فكرة التفاوض قائمة والتنازلات الأميركية واردة.

الحياة

 

 

 

 

نفوذ إيران الإقليمي أخطر من برنامجها النووي/ مروان قبلان

الآن، وقد أصبح التوصل إلى اتفاق حول برنامج إيران النووي أمراً شبه مؤكد، بعد جولة محادثات مسقط أخيراً، ربما أصبح المطلوب عربياً، أو تحرياً للدقة خليجياً، بعد أن جعلت إيران المشرق العربي يتلاشى، بزعمها سقوط أربع عواصم عربية تحت سيطرتها، أصبح مطلوباً مواجهة جملة حقائق عارية عن التنميق والتجميل، يؤكد بعضها نجاح إيران، في تحقيق جزء من أهدافها، وفشلها في بلوغ أخرى كثيرة. من الأهداف التي نجحت إيران في بلوغها شق صف دول مجلس التعاون الخليجي حيالها، وما استضافة مسقط المفاوضات النووية، علناً هذه المرة وسراً في العام الفائت، إلا دليلاً على ذلك. كما نجحت إيران في إنشاء حالة تفاوض، تكاد تكون فريدة في تاريخ العلاقات الدولية، فهي وإن كانت مهتمة بالتفاوض مع الطرف الأميركي حصراً دون غيره، كما بيّنت ذلك اللقاءات، أخيراً، السرية منها والعلنية، حيث كانت المحادثات تقتصر على وزيري خارجية البلدين، وإن بحضور كاثرين آشتون التي كانت تلعب دور المسهل للعملية (facilitator)، أكثر من كونها طرفاً تفاوضياً، مع ذلك، تمكنت إيران، من الناحية الشكلية على الأقل، من فتح باب التفاوض حول برنامجها النووي مع مجلس الأمن مجتمعاً مضافاً إليه ألمانيا. وعلى الرغم من أن هذه الحالة تتكرر مع كوريا الشمالية التي تفاوض، من جهتها، خمس دول أيضاً، هي إضافة إلى الولايات المتحدة، روسيا والصين واليابان وكوريا الجنوبية، إلا أن الأزمة في شبه الجزيرة الكورية تبقى إقليمية، في حين تتفرد إيران بأنها تقع على تخوم منطقةٍ، تستأثر باهتمام عالمي، يمثّله مجلس الأمن، مجتمعاً بقواه الخمس الكبرى، فضلاً عن القلب الأوروبي الحاضر من خلال ألمانيا. الأهم من هذا كله أن إيران تمكنت، وأكثر من عشر سنوات، ويمثل هذا ربما نجاحها الأبرز، من صرف الاهتمام الإقليمي والدولي إلى برنامجها النووي، في الوقت الذي كانت تعمل فيه في غفلة من الجميع على بناء مناطق نفوذها الإقليمي في عموم المشرق العربي، وحتى الجزيرة العربية، فمنذ الكشف عن وجود هذا البرنامج أواخر عام 2003، تركز الاهتمام على الأداة أو الوسيلة (امتلاك التقنية النووية) على حساب الغاية، وهي تحول إيران إلى قوة إقليمية مهيمنة في عموم منطقة الخليج والشرق الأوسط.

كانت إيران، إلى جانب الصين وروسيا، أكثر المستفيدين من هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 ضد الولايات المتحدة، إذ أطاحت واشنطن بعدها ألد خصوم إيران الإقليميين، في الشرق، أزالت حكم حركة طالبان في أفغانستان، وفي الغرب، غزت العراق وحطمت آلته العسكرية، التي طالما شكلت حائط الصد الأساسي للنفوذ الإيراني منذ ما قبل سقوط حكم الشاه عام 1979.

خلال العقد التالي، انصرفت إيران إلى بناء مقومات قوة إقليمية مهيمنة، مستفيدة من الارتفاع الكبير في أسعار النفط، ومن بيئة جيوبوليتيكية، تغيرت بشدة لصالحها، بفعل التدخل العسكري الأميركي المباشر، فتحول العراق، تدريجياً، من خصم إلى منطقة نفوذ، مع وصول حلفاء طهران من الأحزاب والتيارات السياسية والدينية إلى السلطة، وسيطرتهم على مقدرات الدولة العراقية. بالمثل، استفادت إيران من ظروف العزلة الإقليمية والدولية التي فرضت على النظام السوري، عقب اتهامه باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري، وتحولت إلى راع إقليمي له. كما استغلّت إيران العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، وعلى غزة مطلع عام 2009، لتجعل من نفسها قائداً لمحور المقاومة، ولاعباً لا غنى عنه في ميزان الصراع العربي-الإسرائيلي.

مع مجيء إدارة أوباما إلى الحكم، بدأت طهران تستعد لإتمام عملية ربط مناطق النفوذ التي بنتها في المنطقة الممتدة من هيرات غرب أفغانستان، حيث تقطن قبائل شيعية قريبة إلى إيران، وحتى ساحل المتوسط في بيروت وغزة، مروراً ببغداد ودمشق. وكان أوباما الذي جاء على خلفية أزمة اقتصادية ومالية طاحنة، قد وعد بسحب القوات الأميركية من العراق، بنهاية عام 2011، ومن أفغانستان بحلول آخر عام 2014. شكلت هذه الوعود طلائع الانكفاء الأميركي في المنطقة، وكانت إيران تتحرق لملء الفراغ، لكن الربيع العربي حلَّ مبكراً، في عام 2011، ولمّا يكن الأميركيون قد أنهوا انسحابهم بعد، ولمّا تكن إيران قد انتهت بعد من تنفيذ مشروعها، فانقلبت حساباتها رأساً على عقب.

وهكذا، وفي الوقت الذي كانت تنسحب فيه القوات الأميركية من العراق، وتتسلم إيران مواقعها، بالمعنى السياسي، كانت قواعد النفوذ الإيراني في سورية تتآكل وتنهار. وما كان قد بدا وكأنه لحظة إعلان قيام الامبراطورية، تحول إلى كابوس زادت من وطأته سيطرة داعش، صيف العام الجاري، على ثلث العراق وإعادة تحويل مناطق النفوذ الإيراني إلى جزر معزولة. وبالتوازي مع ترنح النفوذ الإيراني في عموم المشرق العربي، بدأت العقوبات الاقتصادية الغربية تفعل فعلها في الاقتصاد الإيراني المنهك بعقود من الحصار والعزلة. هنا فقط، بدأ الملف النووي الذي برز وسيلةً لجعل إيران دولة إقليمية مهيمنة يتحول إلى عبء يمكن أن يهدد ليس فقط مشروعها الإقليمي، بل نظام ولاية الفقيه نفسه. في هذه اللحظة التي بلغت فيها الضغوط الاقتصادية والسياسية مداها، حصل التحول في تفكير مرشد الثورة والنخبة الحاكمة المحيطة به، لإنقاذ ليس المشروع فقط، بل النظام نفسه، أما الثمن فهو التخلي عن الأداة التي تحولت من مصدر قوة إلى نقطة ضعف قاتلة، البرنامج النووي.

بالنسبة إلى دول الخليج العربية، لن يغير تخلي طهران عن برنامجها النووي الكثير، فهذا البرنامج أعدّ أصلاً ليتم التفاوض عليه، وتلقي ثمن التخلي عنه بعد استنفاد الغرض منه، بدليل أنه، ولعدة سنوات، ظلت التقديرات تفيد بأن “إيران بعيدة بضعة أشهر فقط عن امتلاك القنبلة النووية”، وظلت كذلك حتى اليوم. تدرك إيران، قبل غيرها، أن السلاح النووي غير قابل للاستخدام، إنما هو أداة ابتزاز وتهويل، وهو، فوق ذلك كله، غير قادر على كسر إرادة الطرف الذي لا يمتلكه، بدليل أن إسرائيل التي تمتلك ترسانة نووية، يتجاوز عدد رؤوسها الحربية الـ200، لم تتمكن من فرض إرادتها على الفلسطينييين، دع جانباً مسألة فرض إرادتها على العرب مجتمعين، على الرغم من ظروف ضعفهم الراهنة.

واقع الأمر أن البرنامج النووي الإيراني لم يشكل يوماً التهديد الأكثر جدية لدول الخليج العربية، ومن ثم، لن يعني التخلي عنه استطراداً أن التهديد الإيراني قد زال. فالتهديد الحقيقي يتمثل في جيوب النفوذ الإيراني، وفي ترسانة الأسلحة التقليدية التي تمتلكها إيران، وعلى رأسها آلاف الصواريخ البالستية القادرة على بلوغ كل نقطة في منطقة الخليج والشرق الأوسط، ولا يتحدث عنها أحد. وما يجب أن يقلق دول الخليج فعلاً، أن تتمكن إيران من تطبيع علاقاتها مع الغرب، ورفع العقوبات الاقتصادية، في حين تستمر في تعظيم قدراتها العسكرية التقليدية.

هذا الأمر يدركه الأميركيون تماماً. لذلك، لم يكن الموضوع النووي أكثر ما يقلقهم، كما يبدو على السطح، البرنامج النووي همّ إسرائيلي، وليس هماً أميركياً، جهدت واشنطن في معالجته، إرضاء لإسرائيل التي تريد أن تستمر في احتكار ملكية التقنية النووية. في الأثناء، حاولت إدارة أوباما في الجولات الأخيرة من المفاوضات النووية أن تدرج، على جدول أعمالها، موضوع قدرات إيران الصاروخية البالستية، في محاولة لطمأنة حلفائها الخليجيين بأنها تهتم أيضاً بمخاوفهم. وتعرف واشنطن أن نووي إيران الحقيقي يتمثل في قدرتها على إغلاق مضيق هرمز الذي يعبره يومياً 40% من نفط الخليج، ولا تحتاج إيران إلى سلاح نووي حتى تقوم بذلك. ويجب أن يثير القلق بالدرجة نفسها اقتراب إيران من التحكم بمضيق باب المندب، بعد سيطرة حلفائها الحوثيين على أجزاء واسعة من اليمن.

إذن، الموضوع الرئيس عربياً وأميركياً، وإن كان عنوانه الملف النووي الإيراني، إلا أنه يجب أن يدور، في جوهره، حول نفوذ إيران الإقليمي وقدراتها التقليدية. من هنا، يجب أن يكون الاهتمام بقدرات إيران البحرية في الخليج يوازي الاهتمام بمفاعلاتها النووية. وإذا كان، ولا بد من التركيز على الموضوع النووي، فمن باب الضغط على إيران، لتغيير سلوكها، لأنه لا يمكن محاسبة إيران، سياسياً وقانونياً، على ما تمتلكه، أو تسعى إلى امتلاكه من وسائل دفاع تقليدية.

إن تغيراً حقيقياً في علاقة إيران بالمنطقة لن ينجم عن تخلي إيران عن برنامجها النووي، بل سيكون فقط عندما تقبل إيران أن تكون دولة طبيعية في المنطقة، وأن تتوقف عن التطلع إلى ما وراء حدودها، للعب دور مهيمن على حساب الجيران، ومحاولة التدخل في شؤونهم وفرض رؤيتها عليهم. فقط التغيير في الرؤية والسياسة هو ما يسمح بالتقارب، وليس التخلي عن أدوات للهيمنة واستبدالها بأخرى.

العربي الجديد

 

 

 

وظيفة الجهاديين لم تنتهِ بعد/ سميح صعب

همّان يؤرّقان الكثير من القوى الاقليمية اليوم، احتمال التوصل الى اتفاق نووي بين ايران ومجموعة الدول الست في فيينا، الدعوة الى حل سياسي للازمة في سوريا. هذان الهمّان دفعا دول مجلس التعاون الخليجي الى تجاوز خلافاتها على جماعة “الاخوان المسلمين” وإقناع مصر باستجابة طلب الرياض تناسي الخلافات مع الدوحة وفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين.

فالاتفاق النووي اذا ما حصل، من شأنه ان يفتح باب التعاون بين واشنطن وطهران في القضايا الاقليمية، علما بأن بدايات هذا التعاون بدأت معالمها بالظهور في العراق مع التصدي لجهاديي “داعش” وارغامهم على التراجع في اكثر من منطقة.

ومن الطبيعي ان يتجلى ابرام اتفاق نووي في اظهار المزيد من التعاون الاميركي – الايراني لايجاد حل سلمي في سوريا. والحل السلمي في سوريا يشكل هما لدول الخليج العربي وتركيا يفوق ربما ابرام الاتفاق النووي. هكذا يمكن تفسير الزخم الجديد لـ”جبهة النصرة” على كل الجبهات السورية وخصوصا في القنيطرة وحلب وادلب وذلك قطعاً للطريق على مبادرة المبعوث الاممي ستيفان دو ميستورا للتوصل الى تهدئة تدريجية انطلاقاً من حلب.

فالحل السياسي في سوريا فكرة غير مستساغة لدى الخليج العربي وتركيا. والرئيس التركي رجب طيب اردوغان يجاهر بأنه لن ينضم الى الائتلاف الدولي لمحاربة “داعش” ما لم يوجه الائتلاف جهوده في الوقت عينه نحو إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد. فبقاء النظام السوري تحت أي مسوغ ليس مقبولاً لا في انقرة ولا في دول الخليج. ولا يبدو الكلام الاميركي عن عدم وجود بديل من النظام السوري في هذه اللحظة وان ذلك يستلزم تدريب مقاتلين من المعارضة المعتدلة ليملأوا الفراغ لحظة السقوط، بحجة مقنعة للاطراف الداعين الى الحسم العسكري في سوريا، فالمهم التخلص من النظام ولا بأس إذا حوّل ذلك سوريا الى ليبيا اخرى تتنازعها الميليشيات الجهادية وغير الجهادية.

ولا بد ان الرغبة الخليجية في اسقاط النظام السوري سواء بالجهاديين أم بغيرهم ستتضاعف في حال التوصل الى اتفاق نووي بين ايران وواشنطن، لأن إسقاط سوريا في اعتقادهم سيوجه ضربة الى النفوذ الايراني في المنطقة تفوق مكاسبها من الصفقة النووية.

وفي كل الأحوال، تبدو سوريا مرشحة لجولة اخرى من التصعيد الذي ينذر بأخذ الامور في اتجاهات اسوأ بكثير مما جرى طوال السنوات الاربع الاخيرة. ويتضح ان الخوف من الاتفاق النووي وانعكاساته الجيوسياسية ومنها الحل السياسي في سوريا، هو في نظر أطراف إقليميين كثر، خطرا يفوق بكثير خطر الجهاديين الذين لم تنته وظيفتهم بعد.

النهار

 

 

تمديد جديد للنووي الإيراني؟/ راجح الخوري

أقصى ما يمكن التوصل اليه في الجولة الاخيرة من المفاوضات النووية بين ايران والدول الغربية الست والتي تنتهي الاحد المقبل، الاعلان عن “اتفاق مرحلي” بين الطرفين، يبرر تمديد مهلة التفاوض مرة اخرى كما حصل في تموز الماضي.

قياساً بالفجوات الواسعة في المفاوضات التي بدأت قبل 12 عاماً، يعرف الطرفان انهما يواجهان صعوبتين، بمعنى ان الاعلان عن انجاز الاتفاق مستحيل وسط المراوحة في الشروط والشروط المقابلة، وبمعنى ان الاعلان عن الفشل مستحيل بعد كل هذه الجهود، وخصوصاً ان هناك الآن رغبة عميقة لدى الايرانيين وباراك اوباما شخصياً، في التوصل الى اتفاق “الحد المقبول من حفظ المصالح” اذا صحّ التعبير!

أوباما الذي راكم مجموعة من الملفات الفاشلة والمهيضة في سياسته الخارجية، كما يقول حتى بعض الوزراء الذين عملوا معه [هيلاري كلينتون وجون كيري وروبرت غيتس] يريد الاتفاق مع ايران كإنجاز وحيد يدخل في سجلّه، وايران التي ارهقتها مروحة العقوبات، تريد اقتناص الاتفاق قبل ان يطبق الجمهوريون قبضتهم المتشددة على الكونغرس! وهكذا لا يغالي جون كيري عندما يقول “انه اسبوع حرج للغاية”، ولأنه يريد جمع المزيد من العناصر المساعدة على التفاهم، عرّج اليوم على باريس للقاء لوران فابيوس وبحث التشدد الفرنسي في الملف النووي، وكذلك الامير سعود الفيصل وبحث المحاذير السعودية من اتفاق يسمح لإيران بإنتاج سلاح نووي وهو ما سيطلق سباقاً نووياً محموماً!

التراشق بالتصريحات سبق المفاوضات. محمد جواد ظريف حذّر من رفع سقف المطالب والاشتراطات الغربية، في حين دعا كيري ونظيره البريطاني فيليب هاموند ايران الى ان تبذل كل الجهود الممكنة لتأكيد سلمية برنامجها النووي. وهذا ما يتطلب منها ابداء المزيد من المرونة في المفاوضات.

ليس خافياً ان المفاوضات تراوح عند ثلاث نقاط اساسية هي: موضوع التخصيب ومندرجاته، وموضوع المراقبة الدولية وقواعدها، وموضوع رفع العقوبات الغربية وروزنامتها.

– في التخصيب تريد طهران تشغيل اكثر من 4500 جهاز طرد مركزي [قبل اعوام كان الحديث عن 500 جهاز فقط]. الغربيون يمكن ان يوافقوا على هذا العدد اذا قبل الايرانيون بمراقبة صارمة، وبأن يشحنوا الاورانيوم بنسبة 20% الى روسيا وان لا يتخطوا نسبة 4%.

– في المراقبة تشترط الدول الغربية ان توقف ايران انتاج المياه الثقيلة في “اراك” وان تفتح منشأة “فوردو” امام مراقبي الامم المتحدة وان تكون روزنامة الرقابة وتحرك المراقبين من اختصاص المراقبين وحدهم.

– في العقوبات تريد ايران رفع كل الاجراءات العقابية المتخذة ضدها فوراً، بينما يتمسك الغربيون برفع متدرج يتوازى مع التثبت من التزام طهران شروط الاتفاق!

النهار

 

 

 

سليماني و إخفاقات الاستخبارات الإيرانية/ نجمة بزرجمهر

جرت العادة في إيران على الاحتفاء بدور الابطال والإقرار بفضلهم بعد مماتهم وليس في حياتهم. ويُقبل النظام الاسلامي على الاشادة بدور القوات المسلحة، لكنه يخشى بروز شخصيات عسكرية تنقلب ذات يوم على حكم رجال الدين. لذا، وقع تداول صور قاسم سليماني، قائد عمليات «الحرس الثوري» الخارجية، وقعَ المفاجأة على كثر في إيران وخارجها. فهذا القائد، وهو في السابعة والخمسين من العمر، كان الى وقت قريب، أشبه بطيف متخفٍ أدرجته الادارة الاميركية على لائحة الارهابيين. وارتقى الى مرتبة البطل في إيران حيث نشرت وسائل الإعلام صوراً له في ميدان المعارك في العراق وهو ينسّق رد القوات الشيعية العراقية والكردية على «داعش».

ويتردد أن تسليط الضوء على دور سليماني في المغامرات الايرانية الخارجية العسكرية يرمي الى تشتيت الانتباه عن إخفاق الاستخبارات الايرانية في استباق التطورات الاقليمية، إثر سيطرة «داعش» على اراضٍ واسعة في العراق. ويرى مسؤول سابق رفيع المستوى أن نشر الصور هو علامة ضعف أكثر مما هو علامة قوة، وأنه يرمي الى إظهار سيطرة إيران على الوضع. فالصور هي رد على إخفاق كبير. وتسلم الجنرال سليماني قيادة «فيلق القدس» عام 2000. وأفلح في كسب احترام المعسكرين الإصلاحي والمحافظ. وهو مُخطط عسكري استراتيجي بارز، عُرف عنه الولاء العظيم للمرشد الأعلى. وإليه يعود الفضل في إرساء سياسة بسط نفوذ إيران وتحويلها قوة إقليمية والنأي بها عن توترات الشرق الأوسط عبر جبه الخصوم في دول أخرى، منها لبنان وسورية والعراق وأفغانستان.

ويرى النظام الإيراني ان سليماني قوَّض النفوذ الأميركي في المنطقة وأحبط العمليات الأميركية في العراق وأفغانستان. ودوره كبير في دعم «حزب الله» في حربه ضد اسرائيل وفي دعم بشار الأسد ومساعدته على البقاء في السلطة. لكن المراقبين يرون أنه لم يصب في كثير من المرات. وبعض الأخطاء هذه قديم، يعود الى الحرب مع العراق في الثمانينات. وأبرز أخطائه تلك التي ارتكبها إثر الربيع العربي في 2011. آنذاك أمل الجنرال سليماني بأن تغلب كفة بلاده في مصر والعراق ولبنان وسورية. ويقر أحد المسؤولين الايرانيين بأن طهران أخفقت في الحؤول دون إطاحة «الاخوان المسلمين» في مصر، وأن كلفة بقاء الأسد في منصبه باهظة مالياً وبشرياً، ودعمه فاقم مشكلات إيران مع تركيا ودول عربية. لكن الضربة الأشد لإيران كانت سقوط الموصل في يد «داعش» في حزيران (يونيو) الماضي. وأوفدت القيادة الايرانية المصدومة بما جرى سليماني فوراً الى العراق لحماية بغداد وبلدات كردية عراقية. وهناك، خرجت صوره في ميدان المعارك الى العلن، وأعقبتها صوره الى جانب قوات كردية. ويظهر في الصور البطولية جندياً مرتاح القسمات الى جانب مقاتلين عراقيين، لكن الصور تُظهر كذلك ان القتال اقترب من ايران. ويقول محلل سياسي إيراني ان معارك طهران العسكرية انتقلت بين ليلة وضحاها من المدن السورية القصية الى الحدود الإيرانية. وإثر بروز دور علي شمخاني، سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، استنتج مراقبون أن طهران عيّنته كنظير سياسي للجنرال سليماني. وفي تموز (يوليو) المنصرم، أرسلت شمخاني الى العراق للاجتماع بآية الله علي السيستاني. وإثر الاجتماع سَحَبَت طهران تأييدها لنوري المالكي، ودعمت حيدر العبادي. ويُقال إن سليماني أيد بقاء المالكي في السلطة، واضطر الى القبول بتأييد طهران غريمه، على وقع تغيير سياستها في العراق لمواجهة «داعش».

والعقوبات على إيران تقيد قدراتها العسكرية الخارجية، ويُقال إن الرئيس حسن روحاني، رفض طلب سليماني زيادة موازنته العسكرية هذا العام، وأعلمه بأن الأولويات هي للغذاء والصحة. وعلى رغم هذه الانتكاسات، لم يتبدد نفوذ سليماني، وهو مقرب من خامنئي. فـ «هو يسعى الى التأثير في السياسات الايرانية، لكنه يبقى جندياً يلتزم ما يقوله الأعلى رتبة».

* عن «فاينانشال تايمز» البريطانية، 9/11/2014، اعداد منال نحاس

الحياة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى