صفحات مميزة

مقالات تناولت التدخل الروسي في سورية

المشروع الروسي: شرق المتوسط

صبحي حديدي

باتت المعطيات المعلَنة، وليست المؤشرات والتكهنات وحدها، تؤكد أنّ التدخل الروسي في سوريا ليس حكاية 100 يوم، أو مضاعفاتها؛ وأنّ مساندة نظام بشار الأسد من الجو، لكي يُحدث ما تبقى من جيشه تغييراً ملموساً على الأرض، ليست ذروة مشروع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوريا، وشرقي المتوسط عموماً. وخلال الأيام الماضية، بعد انكشاف حصار مضايا ومأساة تجويعها، لم تكن ذروة السوريالية الروسية أن تلقي بعض الطائرات الروسية ما أسمته موسكو «مساعدات غذائية»، بعد أن تولت قاذفات الـ»سوخوي ـ 24» إسقاط القنابل العنقودية والصواريخ الانشطارية!

ولم تكن مصادفة أن يتقصد الكرملين إماطة اللثام، مؤخراً، عن تفاصيل عقد تمّ إبرامه في آب (أغسطس) 2015 مع الأسد، يمنح روسيا حق استخدام مطار حميميم، في اللاذقية، إلى أجل غير محدود؛ أو حرص بوتين، شخصياً، على الإعلان بأنّ منح اللجوء إلى الأسد ـ إذا فشل في الانتخابات الرئاسية لعام 2017، بالطبع! ـ أمر أسهل من حالة إدوارد سنودن، المتعاقد التقني السابق لدى المخابرات المركزية الأمريكية؛ أو تركيز أجهزة الدعاية، في وزارة الدفاع الروسية، على إبراز أخبار نشر محطة الإنذار المبكر A-50 وقاذفات الـ Su35، على نحو يخاطب الجارة تركيا، ومن ورائها الحلف الأطلسي.

صحيح أنّ الهدف القريب، الذي تتوخاه روسيا في سوريا، هو فرض أمر واقع على الأرض، عسكري أولاً ثمّ سياسي بالنتيجة، يسمح بالإبقاء على ما يمكن الإبقاء عليه من عناصر نظام صديق لموسكو، ما أمكن؛ سواء بقي الأسد أم رحل، على أيّ نحو. وصحيح، أيضاً، أنّ الوجود الروسي العسكري الراهن في سوريا يمكن تطويره سريعاً، بما يحقق حلم القياصرة القديم بإقامة موطىء قدم على مقربة من «المياه الدافئة»، في هيئة قاعدة عسكرية هائلة سوف تكون الأكبر على امتداد تاريخ العلاقات الروسية مع المنطقة بأسرها.

ولكن الصحيح أيضاً، في المقابل، أنّ في قلب «شرق المتوسط» هذا ثمة معادلة صعبة، لعلها الأصعب تماماً، تدعى إسرائيل؛ وليس في وسع موسكو أن تمضي قدماً في المشروع المتوسطي الطموح هذا دون التوافق التامّ مع مصالح تل أبيب المختلفة، الأمنية والعسكرية أساساً. بهذا المعنى فإنّ زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى موسكو، في الأيام الأولى من بدء التدخل الروسي، كانت قد رسمت حدود ذلك الوجود إسرائيلياً، كما أرست ركائز شراكة روسية ـ إسرائيلية؛ لم تتأخر ثمارها، في الواقع، حين أغارت إسرائيل ضدّ أهداف لـ»حزب الله» في العمق السوري، كان بينها اغتيال سمير القنطار، على مرأى ومسمع من الترسانة الروسية إياها.

وذاك هو المستوى الآخر من سوريالية اللثام الروسي في سوريا، يخصّ «محور الممانعة» الشهير هذه المرّة: كيف يمكن تسويق هذا التناقض الروسي الفاضح، حماية نظام الأسد والتواطؤ مع إسرائيل في آن معاً، أمام أنظار الجمهور «الممانع»؟ وإذا جاز أنّ اعتبارات السياسة الذرائعية قد أتاحت في الماضي تعاوناً إسرائيلياً ـ إيرانياً مباشراً (فضيحة «إيران ـ كونترا، ومبيعات الأسلحة الإسرائيلية إلى طهران)؛ فإنّ حاضر «حزب الله» يشير بوضوح إلى أنّ بندقية ما تبقى من «المقاومة» ليست موجهة ضدّ إسرائيل، بل هي مستديرة نحو انتفاضة الشعب السوري، وتشارك مباشرة في حصاره وتجويعه.

تبقى، بالطبع، نظرية السقوط في المستنقع، وهذا مآل يراهن عليه خصوم موسكو في واشنطن والحلف الأطلسي، مثلما تؤكده حالات مماثلة لتدخّل القوى العظمى في المنطقة. الحصاد، في نهاية المطاف، ليس بسهولة هبوط القاذفات في مطار حميميم؛ دونه خرط القتاد، وهذا ما يتوجب أنّ مقامراً مخضرماً مثل بوتين، يعرفه حقّ المعرفة.

القدس العربي

 

 

 

 

شواهد خسارة بوتين في سوريا/ محمد زاهد جول

بعد مرور مئة يوم على العدوان الروسي على سوريا تقدم الرئيس الروسي بوتين بأفكار حالمة لحل أزمة الصراع في سوريا، لم يكن أحد من الرؤساء العالميين والمبعوثين الدوليين ولا كل مؤتمرات أصدقاء سوريا ولا جنيف ولا فيينا قد توصلت إليها من قبل، وهذا يؤكد انه قد وصل إلى الحل الشافي والكافي بعد أن قصف سوريا بطائراته الحربية وهدم المساجد والأسواق والمدارس والمستشفيات، وشرد مزيدا من اللاجئين إلى تركيا وأوروبا وغيرها، فكان مما قال بوتين في مقابلة مع صحيفة (بيلد) الألمانية بتاريخ 11/1/2016:» إن سوريا تحتاج إلى البدء في العمل على صياغة دستور جديد كخطوة أولى للتوصل إلى حل سياسي لحربها الأهلية»، على الرغم من أنه اعترف أن العملية ستكون صعبة على الأرجح، وأضاف بوتين في المقابلة:»أعتقد أن من الضروري التحرك باتجاه إصلاح دستوري (في سوريا)، انها عملية معقدة بالطبع، وبعد ذلك على أساس الدستور الجديد أن تجري انتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة».

هذه الرؤية السياسية لرئيس الحملة الحربية العسكرية الروسية على سوريا تؤكد أن روسيا دخلت الحرب في سوريا وهي لا تدري ما تقوم به، قد يكون هذا الكلام غريباً ومستهجناً، فكيف تقوم دولة كبرى مثل روسيا بحرب دولية وبعيدة عن أراضيها وهي لا تدري ماذا تريد من الحرب على سوريا؟ ولكنا سنقدم الشواهد التي تثبت أن روسيا تحارب في سوريا وهي لا تعرف ماذا تريد من هذه الحرب، ولا كيف تقودها، ولا كيف تنتصر فيها.

والشاهد الأول أن الطائرات الروسية قصفت مواقع مدعية أنها لتنظيم داعش، ثم تبين للعالم ان نسبة قصفها لداعش تتراوح بين 3٪ بحسب إحصائيات الثورة السورية، وإلى 7٪ بحسب إحصائيات شبه رسمية من تركيا، وإلى 10٪ من وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون، وأخيراً إلى 30٪ بحسب آخر إحصائية للأمم المتحدة، وقد تكون جميع هذه الإحصائيات صحيحة، إذا قرأت على ترتيب زمني منذ بدء الحرب الروسية على الشعب السوري، حيث ان الطائرات الروسية لم تكن تعرف إحداثيات مواقع داعش في الأيام والأسابيع الأولى، فكانت نسبة قصفها لداعش قليلة جداً لا تتجاوز 3٪ ، والباقي لمواقع المعارضة السورية، وبعد ذلك بدأت بالاهتمام أكثر بقصف مواقع داعش بسبب المطالبة الدولية ان يكون القصف لمواقع لداعش وليس لمواقع المعارضة السورية المعتدلة ولا للمساجد ولا للمستشفيات ولا للمدارس ولا للتجمعات المدنية، فاضطرت الحكومة الروسية إلى اتخاذ إجراء مؤسف ومضحك وفاضح، وهو مطالبة وزير الخارجية الروسي سرجي لابروف من المبعوث الأممي ستيفان دي مستورا إلى إعطاء روسيا قائمة بأسماء التنظيمات الإرهابية في سوريا، فكان ذلك دليلاً على أن روسيا دخلت الحرب في سوريا قبل تحديد أهدافها العسكرية، ولا أسماء التنظيمات التي تقصفها، ومن المضحك المبكي أن الأمم المتحدة وبعد خمس سنوات وهي تتابع الأزمة السورية وأصدرت بخصوصها عشرات القرارات الدولية لم تجد جوابا على روسيا، فلم يكن لديها قائمة بأسماء التنظيمات الإرهابية من غير الإرهابية، وهذا يثبت أن الأمم المتحدة لم تكن تأخذ الأزمة السورية مأخذ الجد، وأنها كانت مهملة لمعاناة الشعب السوري، ولا تكترث بعدد قتلاه ومهجريه ولو بلغوا بالملايين.

ولذلك حولت الأمم المتحدة عن طريق مؤتمر فيينا الثاني الطلب الروسي بفرز التنظيمات السورية الإرهابية إلى دولة الأردن، وهي تعلم أي الأمم المتحدة أن الحكومة الأردنية ليست صاحبة قرار في تصنيف التنظيمات الإرهابية من غيرها، ولكن ربما لم يقبل هذه الوظيفة غير الأردن، ثم تدخلت كل أجهزة الاستخبارات العالمية لدى الأردن لإدخال هذا التنظيم أو ذاك في التنظيمات الإرهابية، ولذلك لم تقبل روسيا القائمة الأردنية واعترضت إيران على هذه القائمة وبالتالي سوريا ومحور إيران الطائفي، لأن الأردن أدخل الحرس الثوري الإيراني في التنظيمات الإرهابية العاملة في سوريا، وهذا يؤكد ان روسيا في تيه كبير في سوريا، فلا يمكن لدولة كبرى مثل روسيا أن تدخل حربا دولية وهي لا تملك قائمة أهدافها العسكرية، وتنتظر الأمم المتحدة لتعطيها أسماء الأهداف التي تقصفها، والغريب في هذا التيه أيضاً أن روسيا طلبت من المعارضة السورية ان تعطيها مواقعها في سوريا بحجة أن لا تتعرض للقصف الروسي، فرفضت المعارضة السورية والجيش السوري الحر إعطاء إحداثيات مواقعها لمن يهاجم مواقعها العسكرية، فمنذ أن دخلت روسيا الحرب في سوريا إلى جانب الأسد وهي تقصف مواقع المعارضة السورية، فكيف يطلب جيش من عدوه أن يعطيه إحداثيات تواجده، إلا إذا كان تائها، أو ذكيا أكثر من اللازم؟

وعودة على الشاهد الجديد للضياع الروسي في سوريا هو مطالبة بوتين وضع دستور جديد لسوريا، يتم على أساسه انتخابات برلمانية ورئاسية، والسؤال الذي يوجه لقائد الحملة الروسية الأرثوذوكسية الكنسية بوتين هو:

إذا كان الحل هو بالدستور فلماذا جاء بجيشه وطائراته الحربية وقواعده العكسرية؟

هل الجيش الروسي في سوريا من أجل الدستور السوري الجديد؟

ألم يكن بالإمكان وضع هذا الدستور دون التدخل العسكري الروسي في سوريا؟

ألم يكن بوتين يستطيع المطالبة بهذا الدستور دون شنه لآلاف الغارات الحربية على الشعب السوري وقصف مساجده وتدميرها على المصلين فيها؟

فإذا كان الحل الذي يقترحه لسوريا هو بوضع دستور جديد فما هي مهمة الجيش الروسي في سوريا؟

بالتأكيد لا يستطيع بوتين إن كان صادقاً ان يقول إن مهمته في سوريا محاربة الإرهاب، لأن حربه ليست ضد الإرهاب ولا داعش كما أثبتت كل القراءات الاستخباراتية العسكرية الدولية، فيبقى أن مهمته هي تثبيت حكم الأسد، أو تثبيت الدولة التي يرأسها بشار الأسد، فإذا كانت هذه مهمته فقد وقع في أخطاء كبيرة أيضاً في تصريحه الأخير، وهو وصفه لما يجري في سوريا «بالحرب الأهلية».

فإذا كان بوتين يريد توصيف ما يجري بحرب أهلية وهي ليست حربا أهلية، فعليه ان يلتزم بالحياد، فلا يحق لأي دولة في العالم ان تقف إلى جانب أحد أطراف حرب أهلية في أي دولة في العالم، فمن هي أطراف الحرب الأهلية في سوريا في نظره؟ وهل يؤيد قراءة وزير خارجيته لافروف أن الغالبية السنية من الشعب السوري ضد رئيس ليس منها، لأنه شيعي فقط؟ وقد صرح لافروف بذلك أكثر من مرة، أم أن له قراءة أخرى غيرها؟ وبالتالي يبقى السؤال قائماً، من هي أطراف الحرب الأهلية، وهل داعش طرف؟ بالتأكيد لن يكون الجواب بالإيجاب، وبالتالي فإن الحرب الأهلية بين فصائل المعارضة السورية ونظام الأسد، وبالتالي لا يحق لروسيا أن تكون حليفاً لأحد طرفي الحرب الأهلية، أم ان بوتين يرى أن الرئيس السوري ليس طرفا في الحرب الأهلية؟

وإدعاء بوتين ان الصراع في سوريا هو حرب أهلية هو هروب من الاعتراف بوجود صراع بين شعب ونظام حكم استبدادي ورئيس دكتاتور، أصبح رئيسا جمهوريا بالوراثة، فكان أول رئيس جمهورية تنتخبه الكروموسومات الجينية.

هذا الرئيس الذي انتخبته الكروموسومات الجينية هو سبب الصراع في سوريا وليس الحرب الأهلية، وبوتين لا يريد ان يفهم ذلك، لأنه يبحث عن مصالحه الشخصية في العظمة والانتصار على الشعوب المستضعفة، التي أكلتها الحرب الطائفية لخمس سنوات حتى انهكت قواها، فجاء هو ليبلع الضحية وهي جاهزة، ودون محاسبة من أمريكا ولا من أوروبا، والأنظمة السياسية العربية كلها تخشى على كراسيها وبقائها في السلطة والثروة، فلم ولن تدافع عن الشعب السوري ولو أحرق بوتين كل سوريا، ولو هدم كل مساجدها إرضاء لبطارقة الكنيسة الأرثوذوكسية الروسية.

إن بوتين وهو يحكم روسيا بالجبروت أخطا في حساباته كثيراً، كما أخطات الكنيسة الروسية بتأييدها له في حربه الظالمة، فالشعب السوري لن يكون لقمة سائغة لقيصر روسيا الرهيب، والثورة السورية لن ترفع الرايات البيضاء للحملة الصليبية التي تباركها الكنيسة الأرثوذوكسية وتصفها بالحرب المقدسة، واستهداف الجوامع والمساجد بالقصف الروسي أكثر من غيرها لن يجعل الشعب الروسي يغمض عينه عن فشل قيصر روسيا في سوريا إلى أمد غير محدود، واما أمريكا فلن تساعد بوتين حتى لو غرق في الوحل السوري، واما إيران فهي بدأت بالتخلي عنه بسحب جنرالاتها وضباط النخبة من سوريا، إما لإدراكها المتأخر أن الانتصار على الشعب السوري مستحيل، او لإدراكها أن قيصر روسيا سوف ينتقم منها في سوريا عندما يبدأ بالغرق وقد بدأ، وإما ان تصريحات الكنيسة الأرثوذوكسية قد احرجت قائد الثورة الإسلامية العالمية خامنئي ان يكون مجرد جندي في جيش صليبي! سوف يحاسبة التاريخ عليه في الحاضر والمستقبل.

إن محور «موسكو طهران» ضعيف مهما امتلك من القوة العسكرية، لأنه يفتقد إلى قوة الحق، ويعتمد على قوة الظلم وقتل الأبرياء وتهجير المدنيين من بيوتهم وقراهم ومساكنهم إلى مخيمات اللجوء أو الغرق في البحار، ومهما جهزت روسيا إيران والميليشيات الطائفية بالأسلحة الفتاكة، ومهما حاربت عنها طائرات روسيا، فإنها لن تستطيع وضع دستور جديد لسوريا لا يقبل به الشعب السوري، إلا إذا أعيد الحق إلى أهله، ومنح قيصر روسيا الأسد اللجوء السياسي، وأسدل ستار المسرحية الظالمة التي تقودها أمريكا بكل قسوة قلب في سوريا، فأمريكا أطالت الصراع في سوريا إلى اليوم حتى تكسر فيه الثورة الإيرانية وتجردها من أخلاقها وقيمها وقد فعلت، وقد جاء دور روسيا ليكون كسره في سوريا طالما صعب كسره في اوكرانيا، ولذلك ستبقى الشواهد السابقة واللاحقة دليلاً على خسارة قيصر روسيا حربه في سوريا، بل وخسارته لنفسه في روسيا نفسها قريبا.

القدس العربي

 

 

 

 

بعد 100 يوم من التدخل الروسي النظام السوري يدخل مرحلة حصد النتائج/ مصطفى محمد

منذ الإعلان الرسمي في 30 أيلول/سبتمبر2015 عن التدخل الروسي المباشر في سوريا الذي تجاوز أيامه المئة بقليل، شنت المقاتلات الروسية ما يقارب الـ1400 غارة على أهداف عسكرية ومدنية سورية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، نجم عنها مقتل ما يزيد عن 1800 شخص، وتدمير ما يزيد عن 85 منشأة ومركزا حيويا في مناطق مختلفة، بحسب أرقام صادرة عن مكتب معلومات جغرافي حكومي معارض.

وعند العودة إلى الوراء إلى الأيام الأولى من عمر التدخل تحديداً، يلاحظ أن الملامح الأولى للخطة العسكرية الهجومية التي ركزت على إشعال أكثر من جبهة في وقــت واحد، بدأت بالظـــهور بعد أقـــل من أسبوعين من بدء الغارات الجوية الروسية، وذلك بعد التمهيد الجوي الكثيف واستهداف مراكز القيادة وقطع الطرق الرئيسية للمعارضة في ادلب وريف حماة والساحل وحلب.

وعقب فترة التمهيد الجوي، هجوم بري أول لقوات النظام بمشاركة خبراء روس على الأرض انطلق من ريف حماة الشمالي وسهل الغاب في ريف حماة الغربي، على محور تل واسط والمنصورة الذي ما زال يشهد معارك كر وفر إلى الآن، ونتج عن ذلك الهجوم بسط السيطرةعلى قرية خربة الناقوس والتقدم على عدة مناطق، علاوة على هدف أهم يتمثل بقطع الطريق على المعارضة و «جيش الفتح» الذي كان يستعد حينها لبدء معركة «غزوة تحرير حماة». لكن بالمقابل ما لبثت قوات المعارضة أن استعادت توازنها واسترجعت غالبية المناطق التي خسرتها في الريفين الغربي والشمالي مثل «مورك ،عطشان، ام حارتين» بعد زيادة الضخ في عدد الصواريخ المضادة للدروع «تاو» أفقياً عبر تزويد فصائل جديدة بهذا السلاح، وعمودياً عبر زيادة الكميات للفصائل التي كانت تمتلك هذا السلاح مسبقاً، من قبل الأطراف الإقليمية الداعمة للمعارضة.

وبالتزامن مع معارك ريف حماة الشمالي والغربي، ولتشتيت جهود المعارضة أكثر، فتحت قوات النظام معارك في ريف حمص الشمالي على محـــور الدارة الكبيرة، لتشكيل طوق يتكامل مع معارك حماة لكن بدون تحقيق تقدم يذكر، لنتنقل المعارك بزخم أكبر إلى الساحل وريف حلب الجنوبي.

أما بالانتقال إلى الساحل، فيبدو واضحاً أن سيطرة قوات النظام مؤخراً على بلدة سلمى أولى معاقل المعارضة في الساحل السوري، تأتي تتويجاً للحملة التي تشنها الأولى بغطاء ناري روسي كثيف على الريف الشمالي الخارج عن سيطرة النظام، بعد التقدم على جبل دورين وقرية دورين، وجبل النوبة الاستراتيجي في الجهة الغربية للبلدة.

ولننتقل إلى جهة مغايرة إلى جنوب حلب التي شهدت تراجعاً للمعارضة بشكل لافت، هذا التراجع كان مرده إلى ضعف تواجد المعارضة في هذه المنطقة المكشوفة وذات المساحات الشاسعة، وانطلاقاً من ذلك بدأت قوات النظام المدعومة بالميليشيات وبغطاء جوي روسي، عملياتها الهجومية الهادفة إلى الوصول إلى طريق حماة-حلب الدولي في بداية تشرين الأول/أكتوبر، من عدة محاور مستفيدة من طبيعة المنطقة، لتتمكن على اثره من السيطرة على عدة قرى استراتيجية منها «الوضيحي، والحاضر، وزيتان»، وعليه لم يفصل قوات النظام عن الوصول إلى مبتغاها اليوم (الطريق الدولي) إلا عدة كيلومترات قليلة.

وفي الوقت الذي تداعت فيه قوات المعارضة للدفاع عن مناطقها، باغتت قوات النظام الأولى لتسيطر على بلدة «خان طومان» الاستراتيجية بوابة الريف الغربي لحلب، وسبق هذا الهجوم المباغت تطور لا فت تمثل بفك الحصار عن مطار كويرس العسكري بعد معارك ضاربة مع تنظيم الدولة في ريف حلب الشرقي الذي ما زال يشهد أيضاً تقدماً لقوات النظام وصل إلى مشارف بلدة «تادف» المحاذية لمدينة «الباب» ثاني أكبر مدينة في ريف حلب.

وانسحب مشهد تقدم قوات النظام ذاته على مناطق في جنوب البلاد،من خلال السيطرة على اللواء 82 وكتيبة النيران في محيط مدينة الشيخ مسكين، التي يشهد محيطها معارك وكر وفر في الوقت الراهن، بالتوازي مع معارك في ريف القنيطرة الشمالي أيضاً.

وخلافاً للتوقعات لم تتغير خريطة السيطرة كثيراً في محيط العاصمة دمشق بعد مقتل قائد جيش الإسلام زهران علوش جراء غارة جوية روسية استهدفت مقراً لجيش الإسلام في منطقة المرج في الغوطة الشرقية في 25 كانون الأول/ديسمبر الماضي، وباستثناء المناطق القليلة التي خسرتها المعارضة في محيط مطار مرج السلطان العسكري لا تغير يذكر.

وذكر العميد المنشق عن صفوف النظام أحمد رحال لـ«القدس العربي»، أن التدخل الروسي في سوريا جاء بعد الاتفاق الذي عقده قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني أثناء زيارته موسكو في تموز/يوليو 2015.

وتابع «لقد تعهد سليماني لموسكو بأنه قادرعلى حسم المعركة على الأرض في حال وفر للميليشيات الإيرانية وحزب الله وجيش النظام الغطاء الجوي الحقيقي، بعد أن باتت المقاتلات السورية غير قادرة على تأمينه، وخصوصاً عقب وصول جيش الفتح إلى حدود المناطق العلوية في الساحل السوري»، مضيفاً «لقد وافقت روسيا على ذلك لرعاية مصالحها في الساحل الذي بات مهدداً، لكن المعارك على الأرض لم تكن كما خطط لها، وحينها أبلغت روسيا سليماني أن العمل على كامل الجغرافيا السورية غير فعال، ومن الأفضل التركيز على الساحل ودمشق فقط، وهذا ما تم الاتفاق عليه في زيارة الرئيس الروسي بوتين الأخيرة لطهران، وذلك كان واضحاً من خلال تركيز الضربات الروسية على كل من الساحل وحماة وحمص ودمشق، أي حدود سوريا المفيدة».

وأردف رحال «استمر الوضع على ما هو عليه إلى أن جاءت حادثة اسقاط المقاتلة الروسية بنيران تركية، التي دفعت بموسكو إلى تغيير خططها العسكرية في سوريا، والانتقال إلى التحالف مع الأكراد، انتقاماً من تركيا. مضيفاً «قامت روسيا بدعم قوات سوريا الديمقراطية بعد حادثة اسقاط الطائرة، وهنا التقت مصالح روسيا مع الولايات المتحدة التي تدعم المقاتلين الأكراد أساساً شرق الفرات، وبدأت بدعم المقاتلين في غرب الفرات وتحديداً في عفرين، للعمل على تشكيل دولية كردية في الشمال السوري».

القدس العربي

 

 

 

 

الدب الروسي في سوريا: بطيء لكن أقدامه الثقيلة نقلت النظام من الدفاع إلى الهجوم/ وائل عصام

بلا شك ان محصلة العمليات العسكرية بعد مئة يوم من التدخل الروسي في سوريا تشير إلى تقدم النظام في أكثر من محافظة، ولكن من وجهة نظر أخرى فان الخسارة الأكبر للمعارضة تبدو في النتائج السياسية، حين أجبرت المعارضة على الدخول في مسار تسوية مع النظام قامت روسيا برسمه مع الولايات المتحدة، يعترف صراحة بشرعية مؤسسات النظام العسكرية والأمنية، ويحدد ملامح ومطالب المعارضة المقبولة دوليا من عدمه.

ولعل شخصيات معارضة الداخل المقربين من الأسد الذين زجت بهم روسيا مع وفد المعارضة رغما عنها هو مثال صارخ على حجم النفوذ الروسي الذي باتت تتمتع فيه موسكو حتى في تشكيل وإعادة رسم خريطة المعارضة.

عسكريا نجح الروس في دعم النظام ولو ببطء شديد في استعادة بعض المواقع الهامة في الجيب الحيوي الذي يمتد من دمشق شمال إلى حماة وحلب ثم غربا لللاذقية ..وإضافة للتقدم بريف حلب الشرقي حيث مناطق تنظيم الدولة، وريف حمص الشمالي ومحيط الشيخ مسكين بدرعا، وبعض المواقع في ريف دمشق وأهمها مطار مرج السلطان، استعاد النظام مساحات جديدة واسعة بريف حلب الجنوبي وبعض قرى ريف حماة وسهل الغاب شمالا نحو معقل المعارضة بريف اللاذقية سلمى، التي سبقتها السيطرة على عدة مرتفعات ونقاط استراتيجية بجبلي التركمان والأكراد كراس القصب ودورين.

وهو ما يضع ادلب وجسر الشغور في دائرة الخطر إذا استمر التقدم بهذه الوتيرة، مع الأخذ بعين الاعتبار ما تحمله ادلب من أهمية مزدوجة كونها المعقل الأساسي لأقوى الفصائل جبهة النصرة وكذلك باعتبارها مركز المحافظة الثاني الذي تسيطر عليه المعارضة بعد الرقة، حيث يمتلك النظام ميزة استراتيجية هي سيطرته على كل مراكز عواصم المحافظات في سوريا، ما عدا الرقة وادلب، مع سيطرة مهددة من تنظيم الدولة في دير الزور.

النظام وضباطه يدركون ان جل انجازاتهم هي بدعم إقليمي، أما من إيران أو حزب الله، ومؤخرا روسيا. ولذلك يعترف ضباطه بانهم كانوا في حال الدفاع قبل التدخل الروسي، ويصرح بذلك ضابط كبير في الجيش السوري لأحد الصحف المقربة من النظام قائلا «قبل التدخل الروسي في سوريا كنا فعلياً في حالة دفاع. صحيح أننا نفذنا عمليات تقدم عديدة، إلا أن معظم قواتنا كانت في حالة دفاع، بعد ذلك تغيرت الأوضاع، أمّن سلاح الجو الروسي غطاء فعالاً للعمليات البرية، فانتقلنا إلى إستراتيجية الهجوم، وهو ما جرى في ريف حلب الشرقي والجنوبي، وريف حماه الشرقي، وحتى في ريف حمص، وصولا إلى المنطقة الجنوبية وريف اللاذقية».

اما رئيس العمليات في هيئة الأركان الروسية سيرغي رودسكوي، فقد قال في مؤتمر صحافي إنه «في كانون الأول/ديسمبر الماضي تم تحرير 134 بلدة وقرية سورية من أيدي الإرهابيين، كما تم تحرير 19 بلدة أخرى منذ بداية السنة الجديدة».

وإضافة إلى التدخل الروسي في تشكيل خريطة المعارضة السياسية الذي تحدثنا عنه، فان الخريطة العسكرية لها نصيب أيضا من العبث الروسي، وخصوصا فيما يتعلق باقامة اتصالات مع بعض فصائل المعارضة المسلحة بل ودعمها، وهو ما عاد ليؤكده رئيس عمليات الأركان الروسي في مؤتمره الصحافي مشيرا، إلى أن الطائرات الروسية في سوريا تدعم حاليا 11 فصيلا من المعارضة الديمقراطية تضم ما يربو عن سبعة آلاف شخص، ويعود لإكمال حديثه لتتضح هوية هذه الفصائل، فهو يتحدث على ما يبدو عن قوات سوريا الديمقراطية وهي تشكيل تهمين عليه الميليشيات الكردية مع مجموعات صغيرة من بقايا الجيش الحر وعشائريين في مناطق الأكراد بالشمال السوري «خلال الأيام القليلة الماضية وجه سلاح الجو الروسي 19 ضربة جوية لمساندة فصائل جيش أحرار العشائر المنضوية تحت لواء الجيش السوري الحر».

وهكذا فان روسيا وبضوء أخضر أمريكي، وبتنسيق حثيث مع الراعي الأول للنظام إيران، مقابل مواقف عربية حكومية باهتة، تعيد تشكيل المشهد عسكريا وسياسيا لصالح تمكين النظام، في خطوات بطيئة لكنها ناجزة، في مسار قد ينتهي بنا هذا العام بمشهد أكثر قتامة بالنسبة للمعارضة وحلفائها في سوريا

 

القدس العربي

 

 

 

 

حصاد 100يوم لروسيا في سوريا/ فيكتوريا سميوشينا

موسكو ـ «القدس العربي»: في 30 أيلول/سبتمبر 2015 بدأت روسيا العمليات العسكرية في سوريا ضد ما يسمى «الدولة الإسلامية» الإرهابية. حيث أظهرت روسيا لأول مرة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي السابق قدرتها على تنفيذ عمليات عسكرية بعيدا عن حدودها. وفي هذا الإطار أصبح الإتحاد الفيدرالي الروسي لاعبا عالميا أساسيا، أجبر الكثير أن يستوعب حقيقة مفادها أن فرض النظام في الشرق الأوسط مستحيل بدون موسكو.

وخلال هذه الفترة (أكثر بقليل من 3 أشهر) وجهت القوات الجوية الفضائية الروسية بالتعاون مع سفن الأسطول الروسي التابع لبحري قزوين والأبيض المتوسط ضربات شكلت في مجموعها ونوعها حصيلة هي أكثر من ضعف ونصف من حجم الضربات التي وجهها التحالف الأمريكي خلال عام كامل.

وتم تدمير أكثر من 1100 موقع إرهابي، من بينها مخازن السلاح ومصانع ونقاط تفتيش ومعسكرات. وخلال هذه الفترة، تمكن الجيش السوري بمساعدة القوات الروسية من إستعادة السيطرة على حوالي 30٪ من الأراضي التي كانت تحت سيطرة المسلحين الإرهابيين. ويرى المستشرق والدبلوماسي إلدار كاسايف أن إنجازات القوات المسلحة الروسية في سوريا ملموسة وهامة وساعدت على تحسن الوضع هناك، وأضاف قائلا: «على الرغم من جميع التصريحات الاستفزازية من قبل تنظيم الدولة، فإنجازات روسيا في سوريا جديرة بالتقدير. بالطبع استسلام الإهاربيين ليس متوقعا حدوثه بشكل سريع، ولكن الوضع آخذ في التحسن. فقد تمكن الطيران الحربي الروسي من تدمير عدد من المواقع الاستراتيجية الهامة بالنسبة للإرهابيين».

ومنذ بداية عام 2016 وجه الطيران الحربي الروسي ضربات على 1097 مرتكزاً للبنية التحتية للإرهابيين في سوريا. وأعلن رئيس إدارة العمليات الرئيسية في هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، الفريق سيرغي رودسكوي أنه تم تحرير أكثر من 150 مدينة وقرية سورية منذ كانون الأول/ديسبمبر الماضي. ومنذ بداية هذا العام نفذت الطائرات الحربية الروسية 311 طلعة قتالية، وُجهت خلالها ضربات إلى 1097 موقعا في محافظات حلب وإدلب واللاذقية وحماة وحمص ودمشق ودير الزور والحسكة ودرعا والرقة».

وأوضح أن الضربات الروسية استهدفت البنية التحتية النفطية التي يسيطر عليها الإرهابيون، ومواقع لاستخراج النفط وتكريره، ونقاط تمركز عصابات إرهابية وآليات حربية تابعة لها. ويعتبر المستشرق الروسي، الأستاذ في كلية العلاقات الدولية في جامعة سان بطرسبورغ الحكومية – ألكسندر سوتنيتشينكو، أن النجاحات العسكرية الروسية في سوريا تمكنت من تغيير منهج الحرب في البلاد ولكن ما زال من السابق لآوانه الحديث حول نهاية للحرب. ويضيف قائلا: «في صيف 2015 كان الجيش السوري ينهزم في جميع الاتجاهات والجبهات. وفي الوضع الحالي نرى أن الحال تبدل، حيث اتخذ الجيش السوري تكتيكات هجومية، وصارت تنهزم أمامه قوات المعارضة المسلحة. ولكن فعالية ضربات القوت الجوية الروسية تنخفض لعدة أسباب منها: المستوى الضعيف للإعداد القتالي والأمن المادي وتعداد الجيش السوري بعد 5 سنوات من الحرب. ولذلك، فالعملية لن تنتهي قريبا».

غريغوري كوساتش الأستاذ في جامعة موسكو الحكومية للعلوم الإسلامية لا يتفق مع وجهة النظرالإيجابية حول إنجازات روسيا العسكرية في سوريا بل إنه يرى أن التواجد الروسي في سوريا «يراوح مكانه».

ويضيف في تصريح خاص لـ«القدس العربي» قائلا «لا أرى الإستنتاج بأن تقدم الجيش السوري جاء بفضل ضربات الطيران الحربي الروسي. وأعتقد أن الأداء الروسي في سوريا يراوح مكانه ولم يحقق أي نجاحات ذات أهمية في هذا المجال».

ولا يتفق كوساتش مع القول بأن روسيا تمكنت من إقناع جزء من المعارضة السورية للمحاربة معها ضد تنظيم الدولة، «قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال لقائه مع إحدى وسائل الإعلام الألمانية «بيلد» إن روسيا تقدم دعما للمعارضة السورية التي تحارب تنظيم الدولة، ولكن المعارضة السورية كذبت هذه التصريحات! ولذلك لا يمكن الحديث حول التوصل إلى اتفاق مع المعارضة بهذا الشأن. 100 يوم مرت والنتائج لهذه العملية العسكرية لا تبدو كبيرة. وليس من المتوقع ان تنتهي قريباً. وأتخوف أن روسيا تغرق في هذه الأزمة أكثر فأكثر».

الرئيس فلاديمير بوتين إستطاع أن يرسم لنفسه صورة الزعيم السياسي الذي يتمتع بتأييد جماهيري غير مسبوق بفضل محاربتة للإرهاب. وما زال الجميع في روسيا يتذكرون مقولته الشهيرة «سنلاحق الإرهابيين في كل مكان، وإذا اختبأوا في دورات المياه، سنقضي عليهم في دورات المياه أيضا». ولكن وعلى ما يبدو أنه لم يحسن حساب عواقب التدخل الروسي العسكري في سوريا، كما لم يتوقع العمل الإرهابي الذي إستهدف طائرة إيرباص A321 في سيناء ولم يتوقع إسقاط الطائرة الروسية سو24 من قبل الطيران الحربي التركي. تركيا من جانبها، أثبتت للكرملين استحالة الثقة في أحد خاصة في أوقات في الحرب، وأن الصديق يمكن أن يوجه «طعنة غادرة في الظهر» أيضاً. خلافا للحروب الداخلية التي كانت دائما ناجحة بالنسبة لبوتين، في سوريا، إنغمست روسيا إلى درجة أنها أصبحت من عناصر النزاع. إلى هذا يرى المستعرب الروسي الدكتور، فلاديمير أحمدوف، أنه لا بد لروسيا أن تبدأ بالتفكير في طرق الخروج من سوريا بسبب عدم تحقيق أي إنجازات ملموسة. ويضيف قائلا «تزداد الاتهامات من جميع الأطراف في اتجاهنا مع تواصل القصف. ومن الضروري أن نخرج من سوريا بشكل محترم وآمن مع تنفيذ واجبنا هناك. وللأسف، على الرغم من أن القوات الروسية تتواجد في سوريا منذ أكثر من 100 يوم، وتقوم بقصف مناطق تنتشر فيها منظمات المعارضة السورية السلفية التي وقعت إتفاقاً في الرياض، أعلنت خلاله عن عدم وجود علاقة لها مع الإرهابيين الإسلاميين». كما يضيف الخبير أن الحليف الوحيد لنا في سوريا، هو جيش النظام وهو ضعيف جدا ومن الصعب المضي قدما معه على طريق الحرب.

ويعتبر المستشرق إلدار كاسايف في تصريح خاص لـ«القدس العربي» أن جميع الاتهامات الموجهة لروسيا هي نتيجة لحرب إعلامية تديرها الدول الغربية ضد روسيا ويضيف قائلا «نتصرف في سوريا وفق طلب رسمي من الرئيس الشرعي السوري بشار الأسد. ونقوم ما يجب أن نقوم به. وفي رأيي، المعارضة المعتدلة في سوريا ممتلئة بالإرهابيين أيضا. ومن الضروري القضاء عليهم لحماية الحدود الروسية».

يتفق الخبراء أنه ليس من الممكن حل الأزمة السورية بالوسائل العسكرية فقط. وعلى الصعيد الإقليمي، ارتفعت درجة حرارة الأوضاع في الشرق الأوسط خاصة بعد التوتر في العلاقات الإيرانية السعودية في الآونة الأخيرة حيث يشكل العاملان العرقي والديني حجر عثرة لا يسمح للاعبين الإقليميين بالتوصل إلى اتفاق.

وكل ذلك يعرقل اللقاء في جنيف في 25 كانون الثاني/يناير ويقول كاسايف «لا يمكن للمسلمين أن يتوصلوا إلى اتفاق بسبب المواجهة بين السنة والشيعة من ناحية ومواجهة العرب والفارسيين من ناحية ثانية، هذه المواجهة أقوى من جميع الآليات السلمية الموجهة لحل النزاع».

ومع ذلك، وبعد 100 يوم منذ بدء العملية الروسية، فالشيء الذي بات واضحا هو ان مواصلة أو إيقاف العمليات العسكرية الروسية في سوريا أمران صعبان بالنسبة لروسيا. الحرب تحتاج إلى لوجيستيات ودعم مادي أكثر فأكثر. ومن ناحية أخرى، إنهاء أو وقف العمليات العسكرية خلال مدة قصيرة يتطلب الحسم بالقوة، وذلك بتدخل كبير للقوات البرية، الأمر الذي يرفضه الرئيس الروسي بوتن منذ البداية. ولذلك، قد تستمر العمليات الجوية الروسية في سوريا أشهر أو سنوات عديدة..

القدس العربي

 

 

 

 

 

المغامرة الروسية في سوريا: هل أصبح أوباما يتعاون مع بوتين؟/ إبراهيم درويش

في نهاية شهر إيلول/سبتمبر بدأت روسيا بشن غارات جوية على سوريا بذريعة مهاجمة الجماعات الإرهابية. وتعتبر الهجمات من أكبر التدخلات العسكرية الروسية في منطقة الشرق الأوسط ومنذ عقود. وكان تدخل الروس معلما جديدا في الحرب الأهلية السورية التي بدأت كتظاهرات سلمية تطالب بالحرية والإصلاح ثم تطورت لنزاع مسلح جلب الفاعلين المحليين والإقليميين حيث تحولت لحرب بالوكالة بين الغريمين الإقليميين: السعودية وإيران. وبدخول الروس الحرب تحولت سوريا إلى ما يمكن وصفها بساحة حرب بالوكالة بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية. فماذا حققت روسيا من الحملة حتى الآن وبعد 100 يوم؟

يرى ديفيد إغناطيوس بمقال له بصحيفة «واشنطن بوست»(12/1/2016) أن روسيا أصبحت الحليف الذي لا يمكن لأمريكا الإستغناء عنه. وتحدث عن التعاون بين البلدين والذي يشمل المجالات الدبلوماسية والعسكرية والأمنية. ويرى المسؤولون الأمريكيون أن التعاون مع روسيا هو أحسن ما هو موجود من الخيارات السيئة.

وبهذه المثابة لا تستطيع الإدارة تجنب العيش بدون بوتين في سوريا كما يقول إغناطيوس. وتأمل واشنطن الحصول على دعم بوتين لعملية وقف إطلاق نار، ونقل عن مسؤول قوله «في الوقت ما زلنا نشك بالنوايا الروسية لكننا نؤمن أنهم جزء مهم في الحل السياسي لهذا النزاع». وأشار الكاتب لانتقادات بوتين للنظام السوري في مقابلة مع مجلة «بيلد» الألمانية حيث قال إنه ارتكب اخطاء كثيرة ولم يستبعد منح الأسد اللجوء السياسي إن خسر الانتخابات. وقال مسؤول إن حديث بوتين عن «اللجوء السياسي» تعاملت معه الإدارة بجدية «أعتقد أنه يرسل إشارات حول موقفه».

ويشير إغناطيوس لمستوى آخر يتعلق بحوارات جون برينان، مدير «سي آي إيه» مع الروس حول تنظيم الدولة الإسلامية وإسقاط الأتراك للطائرة الروسية في تشرين الثاني/نوفمبر. وتحدث الكاتب عن الدور الأردني وعلاقته مع روسيا. فقد أقام الملك عبدالله علاقات ثنائية مع بوتين وسيبدأ الأردن قريبا بالتعاون في مجال مكافحة تنظيم الدولة. وناقش الأردنيون مع المسؤولين الأمريكيين إقامة قاعدة عمليات متقدمة داخل الأراضي السورية لمساعدة المقاتلين السوريين. ورغم مظاهر التواصل الأمريكي- الروسي إلا أن التحدي الأكبر هو الأجواء السورية المزدحمة بالطائرات وتجنب الصدام. ويقول الكاتب إن استعداد أوباما للتعاون مع بوتين تعبير عن اليأس أو البراغماتية وربما تداخل الأمرين في سوريا. والمهم في الأمر أن بوتين نجح بإقناع أوباما للتعاون معه في الساحة السورية. ونجحت روسيا على الأقل في الوقت الحالي بتسجيل عدد من النقاط الإستراتيجية منها حرف الإنتباه الدولي عن مشاكلها في أوكرانيا ما جعل من الصعوبة بمكان أمام الغرب مواصلة جهوده بعزل روسيا، أما النقطة الثانية فقد اقتنع الغرب بترحيل المشاكل الخلافية في الأزمة السورية بعد تسوية القضايا المشتركة بين المتصارعين على الساحة السورية وداعميهم الإقليميين والدوليين. وبهذه المثابة أصبحت روسيا لاعبا مهما كما ترى أنجيلا ستينت مديرة مركز الشؤون الأوروبية ـ الأسيوية (يوريزشيا) بجامعة جورج تاون التي كتبت في عدد يناير/فبراير 2016 من الدورية الأمريكية «فورين أفيرز» فالتدخل الروسي وإن فاجأ الأمريكيين كما أخذهم ضم شبه جزيرة القرم في آذار/مارس 2014 على حين غفلة يظهر رغبة الرجل القوي في الكرملين بوتين بلعب دور دولي وإعادة موقع روسيا في الشرق الأوسط. فمن خلال الحفاظ على ما تبقى له من حلفاء- بشار الأسد- يرغب بالتأكيد على الدور الروسي بالمنطقة والعالم بشكل عام. وتتساءل ستينت عن سبب بطء واشنطن للرد على تحركات موسكو وتجيب أن السر يكمن في سرية تحركات بوتين. وتشير هنا إلى خطابه في مؤتمر الأمن الذي عقد في ميونيخ عام 2007 ووجه فيه انتقادا لأمريكا «التي تجاوزت حدودها» وتعهد باستبدال النظام الدولي بنظام يحترم المصالح الروسية. وفي عام 2008 جاءت الحرب في جورجيا والتي كانت تعبيرا عن رغبة روسية باستخدام القوة لمنع الجيران التحول نحو الغرب. وعليه تحتاج الولايات المتحدة لفهم طبيعة الأهداف الروسية في أوكرانيا وسوريا أولا والبحث عن طرق للتعامل مع بوتين الذي أقام نظاما سياسيا شخصانيا يدور حوله. وتعتقد أن أي محاولات لعزل روسيا لن تنجح ومن الأفضل للولايات المتحدة التعاون معها في القضايا التي تخدم مصالح الطرفين مثل الملف النووي الكوري وأوكرانيا وسوريا والقطب الشمالي. وتشير للتعاون بين الطرفين في مرحلة ما بعد الحرب الباردة: فقد ساعدت روسيا واشنطن في حملة أفغانستان عام 2001، وفي قضايا مكافحة الإرهاب وتعاونا في عام 2013 للتخلص من أسلحة الأسد الكيمائية. وتجلى التعاون أخيرا في الإتفاق النووي الإيراني حيث أثنى أوباما على الدور الذي لعبه بوتين في تأمين الإتفاق.

وترى الكاتبة أن التدخل الروسي في سوريا متجذر باهتمات الكرملين حول السلطة والنفوذ في المنطقة. فقد حذر بوتين في تشرين الأول/أكتوبر من «إن انهيار السلطات السورية يعني تعبئة للإرهابيين» فبدلا من إضعاف السلطات هذه دعا لدعمها وإحيائها وحمل الغرب مسؤولية الفوضى في العراق وليبيا وهو ما أدى لصعود تنظيم الدولة. كما جاء التحرك العسكري حتى يكون لموسكو قرار فيمن سيحكم سوريا في المستقبل. ولهذا يجب النظر للمغامرة السورية على أنها جزء من محاولة تعزيز التأثير الروسي في المنطقة. ولاحظت الكاتبة كيف زار قادة إسرائيل والسعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن والكويت موسكو وكيف وقعوا اتفاقيات لشراء أسلحة من روسيا. وبعيدا عن الظروف المحلية التي دفعت موسكو للتحرك نحو سوريا خاصة تلك المتعلقة بالعقوبات إلا أن بوتين قدم مغامرته على أنها محاولة لمكافحة الإرهاب ومن أجل وقف موجات اللاجئين السوريين نحو أوروبا. وفي الحقيقة زادت الغارات الروسية من معدل الهجرات بمعدل 26٪ بحلول تشرين الثاني/نوفمبر. كما أن دعم روسيا للحكومة العلوية قد يترك آثارا على مواقف المسلمين في روسيا ويدفع المزيد منهم للإنضمام لتنظيم الدولة الإسلامية. وعلى العموم فما كان بوتين يهدف من تحقيقه من المغامرة في سوريا هو إجبار أمريكا على الإعتراف بأهمية روسيا في الشرق الأوسط ولكننا لا نعرف إن كان هذا الإعتراف نهاية في حد ذاته أم محاولة لبناء عالم متعدد الأقطاب تتشارك فيه الصين وروسيا مع الولايات المتحدة باتخاذ القرارات المهمة. وترى الباحثة أن بوتين في رغبته للحصول على اعتراف ربما لم يفكر بشكل دقيق حول نهاية لعبته العسكرية؟ وهو تحد يواجه أوباما في آخر أيام ولايته خاصة أنه أمام تحد للتعاون مع بوتين لمواجهة تنظيم الدولة. وبدون قوات برية على الأرض فلن يكون لدى واشنطن الكثير مما تفعله.

وفي الوقت الذي ستواصل فيه واشنطن العمل مع موسكو للتوصل لتسوية سياسية إلا أن التحدي الأكبر أمام الطرفين هو ترتيبات ما بعد الأسد. وتستبعد الكاتبة هنا أي تعاون عسكري مباشر بين واشنطن وموسكو في سوريا غير محاولة منع اصطدام الطائرات في الجو. وحتى لو وجدت الولايات المتحدة طرقا للتعاون مع روسيا في سوريا فلا يوجد ما يضمن قيام بوتين بتأكيد حضوره العسكري في مكان آخر. فقد لمح العراق أنه سيطلب من موسكو التعاون لهزيمة تنظيم الدولة. وقال بوتين إن بلاده لن تقف مكتوفة الأيدي حالة تدهور الأوضاع في أفغانستان. لكل هذا فساكن البيت الأبيض الجديد يحتاج لتحديد مصالح أمريكا في سوريا وأوكرانيا وتحديد متى سيتعاون مع بوتين ومتى يواجه دوره التخريبي. وعليه أن يأخذ بعين الإعتبار محدودية ما يمكن لأمريكا عمله في ظل تراجع تأثيرها بمناطق مثل الشرق الأوسط. لكن أمريكا يمكنها عمل شيء لإخراج بوتين من ورطته السورية كما ناقش دومينك تيريني في مجلة «ذا أتلانتك مونثلي» (8/1/2016) وهي اقناعه أن تحقيق النصر غير ممكن وتقديم قصة له يحكيها للروس عن النتائج الإيجابية للمغامرة. ويجب على الولايات المتحدة أن تتجنب موقف المتفاخر حول تعرض روسيا لهزيمة فادحة.

ففي عام 1989 وبعد انهيار جدار برلين، رفض الرئيس الأمريكي جورج هيربرت بوش الإعلان عن التطور باعتباره نصرا لتجنب تعقيد وضع ميخائيل غورباتشوف، الزعيم السوفييتي «ما يحتاجه بوتين هو خطاب نصر ويجب على أمريكا مساعدته على كتابته».

 

 

 

قيادات من المعارضة السورية لـ«القدس العربي»: الغزو الروسي نجح بالمجازر وفشل عسكرياً ويحاول فرض نصر سياسي للنظام بتخاذل أمريكي/ إسماعيل جمال

إسطنبول ـ «القدس العربي»: أكدت قيادات من المعارضة والائتلاف السوري في تصريحات خاصة لـ«القدس العربي» أنه وبعد أكثر من 100 يوم على التدخل الروسي في سوريا، فشلت موسكو في تحقيق نصر عسكري لصالح نظام بشار الأسد، معتبرين أن ما وصفوه بـ»الغزو الروسي» نجح فقط في ارتكاب سلسلة كبيرة من المجاز بحق المدنيين وتهجير أكثر من نصف مليون سوري إلى تركيا، بالتزامن مع محاولة فرض «نصر سياسي» للنظام بتخاذل أمريكي.

من جهته اعتبر الصحافي السوري المعارض أحمد كامل أن نظام الأسد بحاجة إلى 700 إلى 800 عام من القصف الروسي المكثف من أجل استعادة جميع الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة، كونه لم يتمكن بعد 105 أيام من الغارات سوى من استعادة قرية سلمى في ريف اللاذقية، على حد وصفه.

نشار: لا تقدم عسكريا والعملية السلمية تتأرجح

سمير نشار عضو الائتلاف الوطني السوري المعارض شدد على أن «التقدم البسيط» الذي حققه النظام في الأيام الأخيرة من خلال احتلال مدينة سلمى في الريف الشمالي للاذقية هو الإنجاز الأكبر لروسيا بعد أكثر من 100 يوم من التدخل العسكري، وهو انجاز متواضع جداً قياساً بحجم الغارات والقصف الجنوني الذي تنفذه الطائرات الروسية على مدار الساعة، على حد تعبيره.

وأكد نشار لـ«القدس العربي» أن الجانب الروسي كان له هدفين رئيسيين من التدخل العسكري، الأول هو الدفاع عن الأسد ونظامه ومنعه من السقوط والثاني هو محاولة إضعاف الثوار قبل موعد محادثات جنيف المقررة في الخامس والعشرين من الشهر الجاري، وقال: «روسيا تريد أن يذهب وفد الثوار وهو ضعيف ولا يملك أوراق قوة لكن المحاور الهامة ما زالت مشتعلة في الساحل وريف حلب ولم يحقق النظام سوى تقدم طفيف جدا».

وعن مصير جهود الحل السلمي في سوريا «العملية السياسية تتأرجح ولا توجد مؤشرات أن المحادثات سوف تعقد في تاريخها المحدد.. توجد جهود دولية لإزالة المعيقات أمام المحادثات حيث عقدت جلسة في جنيف بين وزير الخارجية الأمريكية جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف في محاولة لتذليل العقبات لكن ما علمناه أنه لم يحدث تقارب في مواقف البلدين لا سيما وأن روسيا ما زالت تطالب باستبعاد حركتي أحرار الشام وجيش الإسلام من وفد المعارضة ونحن لن نقبل أي تدخل روسي أو خارجي في تشكيل الوفد».

كامل: صواريخ التاو قادرة على هزيمة روسيا

من جهته، قال الصحافي السوري المعارض أحمد كامل إنه «بعد 100 يوم من الغزو الروسي الإجرامي لسوريا تحقق الكثير من الضحايا المدنيين والدمار ولكن عسكريا تحقق فقط أن النظام استعاد بلدة سلمى إلى سلطته، وفي حسبة بسيطة يتضح أن النظام على هذا الحال يحتاج من 700 إلى 800 سنة من القصف الروسي حتى يستعيد كل الأراضي السورية التي خسرها».

وشدد كامل في تصريحات خاصة لـ«القدس العربي» على أن «الحصيلة العسكرية قريبة من الصفر وضعيفة للغاية أمام خسائر إنسانية كارثية ومرعبة» مضيفاً: «العالم كله وافق سياسياً على هذا الغزو ولا أحد يعارضه إلا 3 دول حصراً وهي السعودية وقطر وتركيا».

وعن كيفية مواجهة التدخل الروسي، قال كامل: «الثورة السورية يمكنها التغلب على هذا الحلف من خلال تزويدها بالأسلحة.. المقاتلون السوريون بحاجة في الحد الأدنى إلى صواريخ التاو.. إذا توفر لهم السلاح فهم قادرون على هزيمة موسكو تماماً كما هزمت في أفغانستان وكما هزمت أمريكا في العراق.. الشعب السوري بحاجة إلى السلاح فقط ولا شيء آخر على الإطلاق».

رمضان: سوريا تُقسم فعلياً إلى 4 مناطق نفوذ

في سياق متصل، اعتبر رئيس مجموعة العمل الوطني من أجل سوريا وعضو الهيئة السياسية للائتلاف أحمد رمضان أن ما سماه «العدوان الروسي» على سوريا اتخذ مسارين منذ إنطلاقه قبل أكثر من 100 يوم، (سياسي وعسكري) فعلى الصعيد السياسي هدفت روسيا إلى العمل على تجاوز مرجعية جنيف بشكل أو بآخر وإيجاد مرجعية دولية موازية تقوض أهم ركائز جنيف والقرارات الصادرة بشأنها، وعملت على إيجاد مرجعية أخرى لا تتماثل مع ما تم الاتفاق عليه في جنيف بتساهل أمريكي واضح الأمر الذي صعب من إمكانية الوصول إلى حل سياسي.

وقال رمضان لـ«القدس العربي»: «هدفت روسيا سياسياً أيضاً إلى تجاوز الائتلاف الوطني كممثل دولي للسوريين تعترف به 120 دولة، وإيجاد مرجعية أخرى لا تحظى بالاعتراف الدولي ووصلت روسيا بالفعل لهذا الهدف من خلال التساهل الأمريكي وعدم تنبه أصدقاء الشعب السوري له، حيث أنه وبعد إنشاء هيئة التفاوض العليا وجدنا أن روسيا لم تعترف بها» معتبراً أنه وبالنتيجة تمكنت روسيا من تحقيق مكاسب سياسية لأسباب عديدة أهمها الإرتباك في الأداء الأمريكي.

عسكرياً، يرى رمضان أن روسيا سعت لتحقيق هدفين على الأرض، أولهما محاولة السيطرة على الوضع داخل سوريا وبالفعل بات الروس هم الطرف الأساسي في المعادلة بعد إزاحة التصدر الإيراني وباتت روسيا الجهة التي تتحدث نيابة عن النظام ولها الوجود الأكثر تأثيراً عسكرياً وبالتالي سياسياً أيضاً، ثانياً محاولة السيطرة على الساحل ووسط سوريا وصولاً لحمص وحماة وحلب في الشمال وبالفعل حققت روسيا والنظام بعض النتائج في ظل استمرار الحظر الأمريكي على تزويد الثوار بالأسلحة النوعية التي يمكنها تغيير موازين القوى بشكل جذري على الأرض.

وشدد على أن روسيا استهدفت المدنيين في الدرجة الأولى وهجرت أكثر من نصف مليون مدني سوري إلى تركيا، موضحاً أن معلوماتهم تشير إلى وجود أكثر من 8 آلاف جندي روسي في سوريا و900 مدرعة وأسراب كبيرة من الطائرات وفرق من القوات الخاصة «وهذا يعني أن روسيا تجاوزت فكرة القاعدة العسكرية وصولاً لإقامة منطقة نفوذ ضخمة في العمق السوري وتهيئة لاحتلال طويل الأمد يشبه ما حدث بالقرم» مشدداً على أن «الثوار حققوا انتصارات كبيرة في مواجهة الغزو الروسي والإيراني».

ورأى رمضان أن هناك تقسيما فعليا يتم في سوريا، بحث تصبح أربع مناطق، الأولى في الجنوب وتكون لإسرائيل اليد العليا فيها مستقبلاً، والثانية من دمشق لحدود لبنان وتكون خاضعة للنفوذ الإيراني، والثالثة في الساحل وأرياف حمص وحماة وصولاً لحلب وتكون تحت النفوذ الروسي، والرابعة في الشمال وتضم خليطا من تنظيم الدولة والميليشيات الكردية وتبقى منطقة نزاعات.

 

 

 

أمريكا تنتهج سياسة «أفضل الخيارات السيئة» مع بوتين: واشنطن تخوض معركة دبلوماسية لجلب موسكو نحو «تحول سياسي» في سوريا/ رائد صالحة

واشنطن ـ «القدس العربي»: وصف البيت الأبيض أحدث مناقشات بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما ونظيره الروسي فلادميير بوتين حول سوريا بانها «عملية وصريحة» تهدف إلى إحداث تحول سياسي داخل البلاد الغارقة في حرب أهلية. وفي تصريح مثير للاهتمام، أشاد المتحدث الرسمي للإدارة الأمريكية جوش ارنست، بالدور البناء لروسيا في عملية التوصل إلى حل سياسي في سوريا رغم الاختلافات الواضحة بين الجانبين في المعركة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» إذ اشتكت واشنطن، مرارا من «ازدواجية المعايير» التي ينتهجها الكرملين في تحديد الإرهابيين في إشارة إلى استهداف الجماعات السورية المعارضة التي تدعمها الولايات المتحدة.

الولايات المتحدة أدركت، أيضا، بعد مرور أكثر من مئة يوم على التدخل العسكري الروسي في سوريا نجاح بوتين في تحقيق هدفه المركزي بالحفاظ على استقرار نظام بشار الأسد بتكاليف منخفضة نسبيا رغم التعليقات المتكررة من أوباما وكبار مساعديه حول «عدم حكمة العملية الروسية « وفشلها في نهاية المطاف، وهي تصريحات تتعارض بشكل متغرطس مع الإستنتاج السليم الذي خرج به الخبراء حول نجاح موسكو حتى الآن في مغامرتها في سوريا.

وقد أدانت إدارة أوباما مرارا الدور الروسي في سوريا حيث أصدرت وزارة الخارجية بيانات متوالية حول زيادة سقوط ضحايا من المدنيين بسبب العمليات العسكرية الروسية، وانتقدت واشنطن، أيضا «الهجمات العشوائية» التي شنتها الطائرات الروسية لأنها كما جاء في أكثر من بيان قد شردت أكثر من 100 ألف نسمة، ولكن، بعيدا عن الحرب الكلامية في الشأن السوري، تشير الدلائل إلى تقبل أمريكي لدور روسي في الأزمة السورية.

وكنموذج على هذا، سيلتقي وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في زيوريخ بعد أيام لمناقشة الصراع السوري بناء على تعليمات من أوباما وبوتين بعد محادثتهما الهاتفية الأخيرة. ورغم حرص الخارجية الأمريكية مرة أخرى على التنديد بالهجمات على المدنيين من قبل روسيا وقوات النظام السوري إلا ان تركيز كيري قبل الاجتماع المذكور كان منصبا على دعوة روسيا للضغط على حلفائها في سوريا للسماح بمرور المساعدات الإنسانية للشعب السوري ولا سيما في الأماكن المحاصرة والتي يصعب الوصول إليها.

وفي الواقع، برزت روسيا كشريك دبلوماسي وأمنى للولايات المتحدة في سوريا على الرغم من معارضة إدارة أوباما لدعم موسكو للرئيس السوري بشار الأسد، ويشمل هذا التعاون حتى الآن على الاتصالات الدبلوماسية والعسكرية والاستخبارية العادية كما تطور التعاون إلى حد التوصل لتنفيذ عملية دقيقة لمنع الاشتباك فوق الأجواء السورية لتجنب سوء فهم كارثي، وهنالك اعتقاد بين عدد غير قليل من مسؤولي الإدارة الأمريكية بأن العمل مع روسيا هو»أفضل الخيارات السيئة» مع آمال واسعة في واشنطن بان بوتين سيدعم الجهود الأمريكية للتفاوض على وقف إطلاق النار. ووفقا لتوضيح من مسؤول بارز في الإدارة الأمريكية فإن هناك اعتقاد ان موسكو ستكون بلا شك جزءا من أي حل سياسي في سوريا على الرغم من الشكوك المحيطة بالنوايا الروسية بدليل درجة الاتصالات القائمة حاليا بين الطرفين.

ووفقا لاعترافات رسمية من واشنطن وموسكو فإن العقبات الرئيسية التي تحول دون تركيب آلية سلام في سوريا تتمثل في غياب التماسك وتباين المصالح بين الجهات المعنية وخاصة بين الولايات المتحدة وروسيا، وفي نهاية المطاف، لا يمكن التوصل لحل دبلوماسي شامل في سوريا دون اتفاق أمريكي ـ روسي يخضع لتنازلات من الطرفين ولكن المشكلة تكمن في اعتقاد كلا من واشنطن وموسكو بإمتلاك خيارات إضافية قد تقلب موازين اللعبة الحالية، والحل سيظهر بالتأكيد عندما يدرك الجميع ان هذه الخيارات غير مفيدة على المدى الطويل إذا تم استثمار المحادثات الحالية بشكل جيد للتوصل إلى حل سياسي. وبلا شك فإن إشارة بوتين إلى أنه قد يمنح اللجوء السياسي للأسد تعتبر خطوة تقترب من موقف الولايات المتحدة ناهيك عن الإشارات المتكررة لوشنطن حول احترام موقع موسكو في أي حل سياسي قريب في سوريا.

وزير الدفاع الأمريكي اشتون كارتر كان أكثر حسما في انتقاد الدور الروسي في سوريا حيث قال، في وقت سابق من الشهر الحالي، ان الولايات المتحدة لا ترتبط قطعيا مع روسيا في الصراع الدائر ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا مؤكدا ان التصرفات الأخيرة لموسكو قد صبت البنزين على الحرب الأهلية، وفي إشارة واضحة للغياب الروسي المتعمد في اجتماع مقبل يهدف إلى بناء تحالف أكبر ضد الجماعة المتطرفة، أوضح كارتر ان بإمكان الروس الدخول في التحالف إذا كانوا يسيرون في طريق استراتيجي صحيح ولكنهم حضروا إلى سوريا بزعم محاربة تنظيم الدولة بينما كانوا في الواقع يدعمون نظام الأسد. وفي الواقع، تصاعدات الاتهامات الدولية بأن الضربات الجوية الروسية استهدفت المدنيين والمدارس في مناطق لا تسيطر عليها جماعة «الدولة الإسلامية» وهكذا، يتم النظر إلى هذه الإجراءات من قبل المجتمع الدولي على أنها لا تستهدف محاربة الإرهاب بل دعم حكومة مستبدة. وحسب وجهة نظر صريحة لكارتر فإن الأسد هو سبب الحرب الأهلية التي تغذي تنظيم «الدولة» وحتى لو زعم الروس أنهم يحاربون التنظيم فإنهم على حد تعبير كارتر يصبون البنزين على الحرب الدائرة. وخلص كارتر إلى القول ان هذا هو خطأ الاستراتيجية الروسية ولذا لا يمكن القول ان الولايات المتحدة تشاركهم. ومن الواضح ان وزارة الدفاع الأمريكية تتحرك في اتجاه مغاير لدبلوماسية أوباما وكيري، فهي تدرس حاليا مخططات لتجهيز وتدريب جماعات مسلحة لمحاربة قوات النظام في شمال سوريا بناء على طلب من تركيا وهو أمر بالتأكيد يتعارض مع هدف موسكو المركزي في الحفاظ على نظام الأسد.

القدس العربي

 

 

 

 

تعاون أميركي- روسي في سورية/ عبدالقادر سلفي

استقبلت أنقرة أمس ضيفاً بارزاً. والتقى رئيس الأركان الأميركي، الجنرال جوزيف دانفورد، نظيره التركي، الجنرال خلوصي أكار، ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو. وتشهد سورية سلسلة أحداث مهمة، ولكن، مع الأسف، لا ناقة ولا جمل لتركيا في تلك الأحداث منذ إسقاطها الطائرة الروسية في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي.

بادرت أنقرة إلى دعوة الجنرال الأميركي إلى زيارتها، فهي تشعر بالقلق من بعض الأحداث الغريبة في سورية وتطعن في علاقة بعض الحلفاء ببعض. وذكّرت تركيا ضيفها الأميركي بخطوطها الحمر (المحظورات) التي تتناول قوات الحماية الكردية في سورية. وخلاصة الرسائل التركية إلى الجنرال دانفورد 3 نقاط: 1- يجب احتساب ما يزعج تركيا في العلاقات الأميركية مع قوات الحماية الكردية، في وقت ترى انقرة أن هذه القوات هي الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني «الإرهابي». وأبلغ الرئيس رجب طيب أردوغان نظيره الأميركي أكثر من مرة هذا الموقف. وعلى قدر انزعاج تركيا من دور تلك القوات، واشنطن متحمسة للتعاون معها في ميدان المعارك بذريعة أنها تحارب «داعش». والحماسة والتعاون الأميركيان ينفخان في غرور «الكردستاني» وتعنّته في حربه على الجيش التركي في تركيا وفي حي سور بمدينة دياربكر تحديداً، حيث يحاول بسط سيطرته. وتراهن قياداته في قنديل على علاقاتها بواشنطن. وأعلنت أنقرة أن عبور قوات الحماية الكردية غرب نهر الفرات، إثر سيطرتها على سد تشرين، هو خط أحمر. وانسحبت هذه القوات من عدد من المواقع على وقع الضغط التركي.

2- تغيير عمليات قوات الحماية الكردية النسيجَ السكاني حيثما حلت. ولا يخفى أنقرة أن ما يسمى جيش سورية الديموقراطي ما هو إلا غطاء لقوات الحماية الكردية، على رغم انتساب بعض العرب والتركمان إليه. والغاية من هذا الجيش الالتفاف على اعتراضات أنقرة على تقدم قوات الحماية الكردية. لكن هذا الجيش يطرد العرب والتركمان من المناطق المحررة ويزرع فيها الأكراد لفرض أمر واقع على الأرض. ووثق تقرير منظمة العفو الدولية هذه المسألة.

3- مسألة حماية الحدود مع سورية. ترغب أميركا في أن ينشر الأتراك 30 ألف جندي على طول الحدود لمنع تسلل عناصر «داعش». وهو رقم كبير، ولا يمكن نشره هناك مدة طويلة مشلول الحركة على الحدود. وبدل نشر الجنود، بنت أنقرة جداراً كبيراً على الحدود لصد تنظيم «داعش». والأهم هو تحرير منطقة جرابلس السورية من «داعش» لوقف تسلل عناصره. فهذه المنطقة هي منفذه الوحيد. وكان من المفروض أن تشن تركيا وأميركا عملية مشتركة لطرده من جرابلس في تشرين الثاني الماضي. ولكن قبل موعد تلك العملية بيومين جاءت حادثة إسقاط الطائرة الروسية فتوقف كل شيء. فهل ما جرى صدفة؟ مذّاك تنأى تركيا عما يجري في سورية حتى لا تنزلق إلى مشكلة جديدة مع روسيا. وأبلغت أنقرة القائد الأميركي أن السبيل الوحيد إلى وقف تسلل «داعش» هو تحرير منطقة جرابلس وتسليمها إلى فصائل «الجيش الحر» وإسكان العرب والتركمان فيها؛ وأن انزعاجها كبير من الدعم الأميركي لقوات الحماية الكردية تحت غطاء جيش سورية الديموقراطي. وقدمت تركيا الأدلة على دعم روسيا له. وثمة قلق تركي من بدء مفاوضات جنيف المقبلة في وقت تواجه تركيا ودول إقليمية ضغوطاً سياسية تحول دون دعم وفد المعارضة وترجيح كفته على كفة روسيا وإيران. فمشكلة تركيا مع روسيا تعود إلى إسقاط الطائرة، والأزمة بين طهران والرياض قد تقيِّد هامش المناورة، كأن ثمة من يخطط لإضعاف المعارضة السورية.

ونوقشت مسألة أخرى مع الضيف الأميركي: انزعاج أنقرة من أنباء استخباراتية بلغتها عن اتفاق سري بين واشنطن وموسكو لحل الأزمة السورية، يُطبّق بالاستناد إلى تفاهم روسي- أميركي على رسم الأدوار بعيداً من دائرة العلانية. ولا يستخف باستئناف الكلام على العملية العسكرية التركية- الأميركية في جرابلس والتي أُجِّلت بسبب إسقاط المقاتلة الروسية، وقد تنفِّذ منتصف شباط (فبراير) المقبل.

* كاتب، عن «يني شفق» التركية، 10/1/2016، إعداد يوسف الشريف

الحياة

 

 

 

 

تنسيق هش بين موسكو وطهران في سورية/ بشير عبدالفتاح

تحت مظلة ما يسمى «التنسيق العسكري والاستراتيجي» مع أطراف دولية وإقليمية فاعلة في مجريات الأزمة السورية، جاء التدخل العسكري الروسي في سورية، نهاية أيلول (سبتمبر) الماضي.

وبموجب ذلك التنسيق، نحّى الإيرانيون جانباً إرثاً تاريخياً مثقلاً بالصراعات مع الروس، فلم تتردد طهران في الترحيب بتدخل موسكو والاتفاق على أن تكون الهيمنة على الأجواء السورية لروسيا التي يتمتع سلاحها الجوي بحضور لافت، تعززه منظومة صواريخ أس 400 المضادة للصواريخ والطائرات في آن، فيما تبقى السيطرة البرية على الأرض لإيران التي لا تزال تدير أكبر شبكة مقاتلين تضم ميليشيات عراقية وأفغانية تساند نظام الأسد فضلاً عن «حزب الله» اللبناني.

وفي مسعى لاسترضاء الإيرانيين وتعزيز أواصر التنسيق العسكري معهم، أعلنت موسكو في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي نيتها تعجيل تسليم منظومة صواريخ أس 300 روسية الصنع المضادة للصواريخ لإيران، بعد استكمال التحضيرات وتسوية المشاكل البيروقراطية والقانونية المتعلقة بهذا الأمر منذ رفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في نيسان (أبريل) الماضي حظراً حكومياً على تصديرها إلى إيران في عام 2010. وفي محاولة للعب دور فاعل في برنامج إيران النووي، عقب إبرام الأخيرة الاتفاق النووي مع السداسية الدولية في تموز (يوليو) الماضي، فتحت موسكو أبوابها، انطلاقاً من هذا الاتفاق، لمبادلة اليورانيوم الإيراني المخصب باليورانيوم الروسي الطبيعي، فضلاً عن إعادة هيكلة المحطة النووية الإيرانية في «فوردو» في غضون أشهر.

وفي مطلع تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، قررت روسيا وسورية والعراق وإيران إنشاء مركز معلوماتي في بغداد يضم ممثلي هيئات أركان جيوش الدول الأربع، على أن يُعنى المركز بجمع ومعالجة وتحليل المعلومات الاستراتيجية عن الوضع في منطقة الشرق الأوسط في سياق محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية»، مع توزيع هذه المعلومات على الجهات المعنية وتسليمها إلى هيئات أركان القوات المسلحة للدول المشاركة، وأن تكون رئاسته بالتناوب بين ضباط من روسيا وسورية والعراق وإيران بحيث لا تتجاوز فترة إدارة كل طرف ثلاثة أشهر. وتطلعت الأطراف المشاركة أن يخلق هذا المركز في الأفق القريب ظروفاً مواتية لتشكيل لجنة تنسيق على أساسه لضمان التخطيط العملياتي وإدارة قوات روسية وسورية وعراقية وإيرانية في محاربتها لـ «داعش».

وعلى رغم أن مساعي موسكو لترسيخ دعائم تفاهماتها العسكرية مع طهران في سورية، تكللت بالزيارة الأخيرة التي قام بها بوتين لطهران والتي أبرم خلالها عدداً من اتفاقات التعاون، إلا أن تلك الجهود لم تكن لتحل دون تفجر دواعي الخلاف بين الطرفين داخل سورية، كهواجس طهران من أن يفضي الحضور العسكري الروسي المتفاقم في هذا البلد إلى تعاظم النفوذ الروسي في سورية في مقابل تراجع مثيله الإيراني، وهي الهواجس التي ترافقت مع شعور متنام لدى الإيرانيين بتجاهل الروس مصالحهم في سورية التي تستند لاعتبارات مذهبية وطائفية بالأساس. هذا فضلاً عن الخلاف بين موسكو وطهران حول مصير الأسد وحدود دور «حزب الله» في سورية. حيث استبدت بالمسؤولين الإيرانيين مخاوف من أن تفضي المفاوضات بين موسكو وواشنطن ودول عربية أخرى مناهضة للأسد من أجل إيجاد حل سلمي للأزمة السورية، إلى تفاهمات سرية لتسوية تلك الأزمة، تكفل الحفاظ على وحدة الدولة السورية وبقاء مؤسساتها مع إطاحة الأسد لاحقاً، وهو ما يهدد مصالح إيران في سورية والمنطقة.

بيد أن أبرز معالم الخلاف بين موسكو وطهران في سورية بدت جلية في انكشاف هشاشة التنسيق العسكري بين الطرفين مقارنة بذلك الحاصل بين تل أبيب وموسكو. حيث يتسم الأخير بأنه «استراتيجى» وعالي المستوى، إذ يتيح للطائرات الحربية الروسية اختراق الأجواء الإسرائيلية بأمان، فيما يتيح للمقاتلات والصواريخ الإسرائيلية تنفيذ عملياتها ضد أهداف متنوعة داخل سورية بغير معوقات روسية. فعلى رغم قناعة الإيرانيين بأن التنسيق الروسي – الإسرائيلي- الأميركي في سورية، قد يكون بداية لبلورة آلية أشمل لمنع حدوث أي تصعيد عسكري على الجبهة الشمالية كلها، ما قد يصل إلى حدّ تحوّل الخط الساخن بين روسيا وإسرائيل إلى قناة لتبادل الرسائل بين إيران وإسرائيل وحزب الله، إلا أن طهران ترى في توافقات بوتين مع نتانياهو حول سورية إبان زيارة الأخير لموسكو، إنما جاء في سياق المساعي الروسية والعربية والإسرائيلية للجم النفوذ الإيراني المتنامي في سورية والعراق، خصوصاً مع وجود قناعة لدى طهران بأن السياسة الروسية تجاهها تسند تاريخياً إلى دعامتين: إبقاء إيران ضعيفة، ومنعها من الانضواء تحت لواء أي تحالف غربي. وتعززت مخاوف طهران من التنسيق الروسي الإسرائيلي بعد استهداف الغارات الروسية قادة عسكريين إيرانيين أو موالين لإيران داخل سورية. فإلى جانب اغتيال سمير القنطار، القيادي في حزب الله في ريف دمشق عبر صواريخ باليستية في إطار التنسيق الاستراتيجي بين تل أبيب وموسكو، أرجع قادة ميدانيون في «الجيش السوري الحرّ» تنامي الخسائر البشرية في صفوف القوات الإيرانية في سورية، والتي لم تخل من ضباط برتب عالية، إلى القصف الروسي الذي يطاول تجمعات وجود المقاتلين الإيرانيين على الأرض. فالطيران الروسي قصف أخيراً حاجز ملوك في ريف محافظة حمص الذي توازي مساحته مساحة ملعب كرة قدم، وقتل فيه عدداً كبيراً من الإيرانيين، كما قصف مقراً إيرانياً في ريف حلب الجنوبي.

وأكدت مصادر «الجيش السوري الحر» أن قائد العمليات العسكرية الروسية في سورية كان طلب زيارة مقر القوات الإيرانية في ريف دمشق المتخصّصة بعمليات التدريب، لكــــن المسؤول الإيراني رفض استقباله وغيّر مكان إقامـــته، فكانت المفاجأة أن هذا المسؤول الإيراني قتل مع سمير القنطار في إحدى ضواحي العاصمة السورية، الأمر الذي دفع طهران إلى اتهام روسيا ضمناً بالتنسيق مع إسرائيل من أجل تصفية قادة القوات الإيرانية وقادة «حزب الله» في سورية.

وترسخت المخاوف الإيرانية بعد الاتصال الهاتفي بين رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس الروسي بعد ثلاثة أيام من اغتيال القنطار، والذي صدر على أثره عن البلدين بيانان شبه متطابقين، أكدا استمرار تعاونهما «الممتاز» من أجل محاربة كل صور الإرهاب والتطرف «الإسلامي» داخل سورية. ولعل هذا ما دفع الإيرانيين إلى سحب وحدات من قوات الحرس الثوري في سورية، كانت تقاتل إلى جانب الأسد، ونقلها إلى العراق، بعدما تراءى لهم أن موسكو تولي أهمية أكبر لتنسيقها الاستراتيجي مع إسرائيل على حساب التعاون العسكري الظرفي مع طهران.

وبالتزامن، أبدت إيران استياءها من إصرار روسيا على خرق اتفاقات الهدنة التي تبرمها طهران مع فصائل مسلحة من المعارضة السورية، حيث لم تتورع المقاتلات الروسية عن قصف مناطق في ريف إدلب تقع ضمن اتفاق الهدنة الذي رعته إيران وتركيا، فيما خرق الطيران الروسي الهدنةَ المبرمة بين إيران وما يسمى بـ «جيش الفتح» في محيط كل من الفوعة وكفريا في ريف إدلب، والزبداني في ريف دمشق. وكانت المرة الرابعة التي يخرق فيها الطيران الروسي مناطقَ الهدنة التي عقدت بعد مفاوضات مضنية بين وفد إيراني وحركة «أحرار الشام» في مدينة إسطنبول. كذلك، أبت موسكو إلا منازعة طهران في جهود إقرار الهدنة في الزبداني هذه الأيام، الأمر الذي رأت فيه طهران ضربة لدورها السياسي في الأزمة السورية.

ومن رحم ما ذكر آنفاً، تتجلى أعراض هشاشة التنسيق العسكري بين موسكو وطهران، أو بالأحرى «علاقة التوظيف المتبادل» القلقة بين الجانبين في سورية. فالأولى حاولت توظيف الأخيرة عبر استخدامها كورقة استراتيجية في صراعها الدولي المحموم مع واشنطن والغرب، علاوة على توظيف أجوائها ونشاطها العسكري البري في سورية لخدمة المشروع الروسي هناك، فضلاً عن استثمار النفوذ الإيراني في العراق للغرض ذاته. فيما حرصت طهران في المقابل، على الاستفادة من الضربات الجوية الروسية لتأمين الوجود العسكري البري الإيراني في سورية، إضافة إلى كبح جماح التطلعات الغربية والعربية المعادية، وتعزيز مساعي كسر العزلة الدولية القاسية والمزمنة على طهران، وصولاً إلى توسل إنجاح استراتيجية استبقاء الأسد بغية حماية المصالح والتطلعات الاستراتيجية الإيرانية، المذهبية الطابع، ليس على الصعيد السوري فحسب، وإنما على مستوى منطقة الشرق الأوسط قاطبة.

* كاتب مصري

الحياة

 

 

بوتين : ليحزم الأسد حقائبه/ راجح الخوري

قال فلاديمير بوتين لصحيفة “بيلد” الألمانية: “اعتقد أنه من السابق لأوانه البحث في مسألة إعطاء الرئيس بشار الاسد حق اللجوء… وانه يجب تغيير الدستور في سوريا”، هذا الكلام يعني ضمناً ان مسألة إعطاء الأسد حق اللجوء شبعت درساً في موسكو، وان هناك موعداً يقترب ليحزم الاسد حقائبه ويرتدي معاطفه السميكة ويطير نهائياً الى روسيا.

ليس في فهمنا لكلام بوتين أي مبالغة، وخصوصاً عندما يقول “إن روسيا منحت إدوارد سنودن العميل الأميركي السابق في وكالة الأمن القومي الأميركي اللجوء، وكان الأمر أصعب من فرضية منح الأسد اللجوء”، بما يوحي أنه اذا كان سنودن حصل على اللجوء على رغم معارضة واشنطن وانعكاس القرار سلباً على علاقات البلدين، فإن لجوء الأسد الى روسيا سيقابل بالتصفيق.

هذا التصفيق سيأتي ليس من غالبية الشعب السوري وحده بل من دول العالم، وربما حتى من ايران التي تعبت من فواتير دعمها لنظام لم يعد قابلاً للبقاء، ومن “حزب الله” الذي يَخسر في دعمه للأسد عدداً غير قليل من رجاله، وإيضاً صورته السابقة كمناضل يقاتل العدو الإسرائيلي!

كل هذا ليس خافياً على بوتين وإن كان يكرر دائماً انه يجب إعطاء الشعب السوري الفرصة لتقرير مصيره، وهو يدرك تماماً ان قرار من تبقى من السوريين بعد الذين ذهبوا الى المقابر والى اللجوء والتيه، ليس طبعاً التمسك بالأسد بل بحل ينهي القتال الذي دمر بيوتهم وقراهم والذي يسمح لهم بالعودة للملمة جروحهم وجروح بلدهم.

بوتين لم يتردد في القول إن الأسد ارتكب أخطاء عدة منذ اندلاع النزاع في عام ٢٠١١، وهو يدعو صراحة الى وضع دستور جديد لسوريا، في اشارة واضحة الى أنه كان في وسع الاسد تقديم بعض الإصلاحات التي طالبت بها المعارضة في البداية بدلاً من مقابلة الأمر بالعنف، الذي سرعان ما وجد من يرد عليه من الخارج بدعم المعارضة، وهذا يذكّر الكثيرين بان السيد حسن نصرالله الذي يقاتل الى جانب الأسد سبق له ان قال صراحة، إن على الأسد ان يستجيب للمطالب الشعبية.

يعرف بوتين انه لن يتمكن من ان يعيد سلطة الأسد على كل سوريا، ربما يستطيع ان يقيم له الكانتون العلوي الممتد من مرفأ طرطوس الى مدينة اللاذقية مروراً بمدينتي بانياس وجبلة، وسيكون هذا مثل “الدونباس” الذي أقامه للمتمردين في شرق أوكرانيا، وكلامه عن احتمال لجوء الأسد يذكر بما قاله في مؤتمره الصحافي السنوي في ٢٠ كانون الأول عام ٢٠١٢: “نحن ندرك ان عائلة الأسد موجودة في السلطة منذ اربعين عاماً ولا ريب في ان التغيير لا بد منه”… فهل آن آوان اللجوء والتغيير؟

النهار

 

 

 

 

صمود المعارضة يضطر بوتين الى “المرونة”/ حسان حيدر

حديث بوتين المخادع عن «إمكان» منح بشار الأسد اللجوء السياسي على رغم انه «سابق لأوانه»، لا غرض له سوى المناورة وإطلاق بالونات اختبار قبل الموعد المزمع في غضون عشرة ايام لبدء المفاوضات في جنيف بين المعارضة والنظام، ذلك ان الرئيس الروسي متمسك الى اقصى حد ببقاء تابعه المخلص رئيساً، حتى ولو على رقعة مصغرة من سورية.

أما السبب الذي يدعو «القيصر» الذي يهوى عرض عضلاته الى المناورة ودغدغة آمال المعارضين وسائر السوريين برحيل الديكتاتور، فهو ان حملة القصف الجوي والصاروخي والمدفعي التي تشنها قواته في سورية لم تحقق حتى الآن الأهداف المتوخاة منها، أولاً لأن المعارضة تمكنت من الحفاظ على معظم مواقعها على رغم شراسة الهجمة وبعض النكسات الصغيرة هنا وهناك، وثانياً لأن الوقت يضغط على موسكو على رغم ادعاءاتها بأنها «مرتاحة جداً» في حربها وأن جيشها «يتمرن» فحسب.

كان جنرالات موسكو يعتقدون ان قنابل قاذفاتهم ستدفع مقاتلي المعارضة الى الانكفاء وبسرعة، لكن كلما اثبت هؤلاء صمودهم كلما ألحّ بوتين على تحقيق «انتصارات» ودعا حلفاءه الميدانيين من «الحرس الثوري» و «حزب الله» وسائر الميليشيات الداعمة للنظام الى بذل جهود اكبر للدفاع عن سمعته التي تواجه امتحاناً جدياً، بعدما كان يأخذ على الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة «عدم فاعليته» في محاربة «داعش» عبر القصف الجوي وحده.

ولهذا ايضاً خرق «حزب الله» الحدود الأخلاقية كافة في حصار مضايا، لأنه مستعجل كثيراً للاستفادة من الهجمة الروسية في تحقيق انتصار، أي انتصار. وكان يُظن ان اسرائيل وحدها لا تقيم وزناً في عدوانها لأي قيم انسانية، مثلما فعلت في حصار بيروت، عندما كان جنودها يفتشون الداخلين الى المدينة بحثاً عن رغيف خبز، ومثلما تفعل حالياً في حصار غزة المنكوبة، إلى ان بزّها الحزب المتشدق بشعار «تحرير الارض والانسان» في اساليبها الوحشية، ذلك اننا لم نر صوراً لمعتقلين لدى العدو وقد برزت عظام اجسادهم من الجوع مثلما يحصل في البلدة السورية.

والسبب الثاني لـ «المرونة» التي يبديها بوتين عندما يتحدث عن «أخطاء الاسد الكثيرة» وعن «حاجة سورية الى دستور جديد»، فهو رغبته في ان يظهر دولياً بمظهر المحايد الذي يتعاطى مع الوضع السوري بواقعية ولا هدف له سوى «محاربة الإرهاب»، موجهاً كلامه أساساً الى الغرب المكتوي باعتداءات المتطرفين المشبوهة الدوافع والتدبير. لكن السوريين انتفضوا قبل خمس سنوات ليس فقط لأنهم يريدون تعديلاً دستورياً او إقراراً من هذه الدولة او تلك بـ «أخطاء» الاسد التي وصلت الى حد قتل 300 الف سوري وتشريد الملايين وتدمير نصف البلاد، بل لأنهم لا يرون حلاً للأزمة في بلدهم يقلّ عن تغيير النظام ورحيل رأسه، بل ومحاكمته مع حاشيته، حتى بعد فراره الى موسكو.

ويستفيد بوتين في مناورته من الموقف الاميركي المتدرج في تخاذله. وقبل يومين اتهم منسق الهيئة التفاوضية للمعارضة رياض حجاب الولايات المتحدة بالتراجع عن كل مواقفها السابقة الداعية الى رحيل الاسد وحتى عن المرحلة الانتقالية وعن سائر مقررات اجتماعي جنيف، وانها لم تعد تريد سوى حكومة يشكلها الاسد ويعطي فيها بعض الحقائب لمعارضين يختارهم.

إلا ان الأخطر من كل هذا، ان الاميركيين يلجأون في تصعيد ضغطهم على المعارضة، الى تأخير وتجميد شحنات الأسلحة والذخائر، وهو ما يفسر الى حد كبير التقدم المحدود الذي تحققه ميليشيات الأسد.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى