صفحات العالم

مقالات تناولت التقارب التركي الايراني الأخير وتأثيراته المحتملة على المنطقة

 

إيران وتركيا ليستا نموذجين لأحد/ حازم صاغية

ما إن ظهرت نتائج الانتخابات الإيرانيّة الأخيرة التي أعطت «الإصلاحيّين» و «المعتدلين» نصراً مُعتبراً، حتّى مُنع الرئيس السابق محمّد خاتمي من الظهور على وسائل الإعلام، فيما تردّدت أخبار لم تتأكّد عن فرض الإقامة الجبريّة عليه. أهمّ من ذلك أنّ «الحرس الثوريّ»، وهو قلعة التشدّد الرسميّ، أطلق واختبر صواريخ باليستيّة، مؤكّداً بطريقته ما سبق أن ردّده المرشد علي خامنئي ورسميّون آخرون من أنّ إيران لم يغيّرها الاتّفاق النوويّ الأخير.

وإذا صحّ أنّ توكيد التمايز يخدم «الحرس» والمتشدّدين، متجاوباً مع إيديولوجيّتهم ومع مصالحهم في آن، يبقى أنّ التمايز هذا شرط شارط لمعنى النظام نفسه. فهو الحريص منذ ولادته على «الخصوصيّة» والـ «لا شرقيّة ولا غربيّة»، مدعوّ دائماً إلى البرهنة على أنّ ما يجري في العالم لا يعنيه ولا يحرفه عن مقاصده الأصليّة. وهو كلّما ازداد تورّطه في العالم وتورّط العالم فيه، على ما جَدّ بسبب الاتّفاق النوويّ، ضاعف إلحاحه الذاتيّ على تمايزه هذا. إنّه يريد أن يقول: أنا لا أتغيّر لأنّ التغيّر «ابتلاع» لنا، وفقاً لآخر تعابير خامنئي.

وبدورها فإنّ تركيّا، الركن الآخر في الشرق الأوسط، تجد دائماً، في ظلّ رجب طيّب أردوغان وحزب «العدالة والتنمية» الإسلاميّ، ما تتمايز به وتعلن أنّها لا تتغيّر. وفي رأس التمايز، كما تراه، قدرتها على الحكم عبر «استراتيجيّة» متواصلة من ابتزاز العالم. فهناك الابتزاز بـ «داعش» والابتزاز باللاجئين إلى أوروبا، فضلاً عن الابتزاز بفتح الله غولن. ولا تخلو الاستباحة الأخيرة لصحيفة «زمان» من ابتزاز سبق أن رأيناه في انتهاك وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعيّ ونشاط المنظّمات غير الحكوميّة. فهؤلاء كلّهم لا يرى فيهم الحزب الإسلاميّ الحاكم أكثر من أدوات غربيّة يصار، عبر الردّ عليها، إلى الردّ على الغرب.

لقد وُجد دائماً من يعوّل على هذين القطبين الكبيرين في الشرق الأوسط، إيران وتركيّا، بوصفهما نموذجين ومرجعين لعموم المنطقة. وما فاقم التعويل هذا أنّ مصر مبارك لم تطرح نفسها نموذجاً أصلاً، فيما مصر السيسي مشغولة بهمومها بطريقة لا توحي بتخفيف الانشغال مستقبلاً. وبدورها فإسرائيل ممنوع، للأسباب المعروفة، من أن تكون نموذجاً، فضلاً عن أنّ حكومتها ذاتها لا تفعل سوى الإمعان في تكريه جيرانها بها.

والحال أنّ تركيّا وإيران الراهنتين لا تستطيعان، حتّى لو رغبتا، في أن تكونا نموذجين. وفشلهما هذا إنّما يعزّز إلحاحهما على التمايز المحكوم بالمكابرة، وعلى تحويل النقص إلى فضيلة وامتياز. فهما محكومتان بنظامين طائفيّين، وإن كان النظام الإيرانيّ يبزّ مثيله التركيّ في هذا. وبعض ما يعنيه ذلك أنّهما إضافةٌ إلى أسباب الاحتراب على صعيد المنطقة أكثر ممّا هما إضافة إلى أسباب الاستقرار. وهما نظامان ماضويّا التطلّع: الإيرانيّ منهما لا يكتم ذلك، بل يجعله جزءاً من دينيّته ومن «ولاية الفقيه» التي تُعلي يد الغيب على يد الشعب، بينما التركيّ المسكون بالسلطنة، يتربّع في قمّته رئيس سلطانيّ، آخر همومه مصالحة الحداثة والديموقراطيّة.

وقد يقال بدقّة أكبر إنّ إيران، في ظلّ الاستبداد الشاهنشاهيّ، وتركيّا، في ظلّ الرقابة العسكريّة على الديموقراطيّة، كانتا أشدّ اهتماماً بتلك المصالحة التاريخيّة من إيران ما بعد الثورة ومن تركيّا ما بعد ظفر «العدالة والتنمية». وهذا ليس مديحاً للنظامين البائدين، بل إقرار بأنّ ضعفهما الإيديولوجيّ قابل لأن يشقّ طريقاً إلى العالم لا يشقّه الامتلاء الإيديولوجيّ للنظامين القائمين. أمّا استبدادهما فقابل، نظريّاً على الأقلّ، لأن يندرج في الاستبدادات العسكريّة الآسيويّة التي فتحت الباب للتقدّم الاقتصاديّ ومنه للديموقراطيّة السياسيّة.

والراهن أنّ واحداً من شروط تقدّم المنطقة اليوم هو انكسار هذين النموذجين أو تآكلهما الذي يرقى إلى انكسار الممانعة، لا بوصفها خطّاً سياسيّاً يقتصر على إيران والأسد و «حزب الله»، بل بوصفها خطّاً ثقافيّاً يتّفق عليه المتخاصمون الذين لا يريدون أن يتغيّروا.

والممانعة هذه، بأعرض معاني الكلمة، ليست بريئة من مسؤوليّة جزئيّة عمّا حلّ ويحلّ بالجارين العراقيّ والسوريّ، وبعموم منطقة تفتقر إلى أيّ نموذج صالح.

الحياة

 

 

 

السلطان والملالي/ امين قمورية

الثابت الاول في العلاقة بين تركيا وايران، هو الحدود بينهما التي رسمت بموجب معاهدة زهاب عام 1639 ولم تتغير قط. والثابت الثاني هو اتفاقهما على حرمان الأكراد حقوقهم ولا سيما منها اقامة كيان سياسي وجغرافي خاص بهم. وفي ما عدا ذلك كان شيء متحولاً بينهما. يتفقان حيناً ويختلفان أحياناً.

اليوم خرجت ايران من خلف حدودها وصار لها وجود ونفوذ في دولتين تحدان تركيا أيضاً، هما العراق وسوريا. كذلك خرج الأكراد من السجن الذي تشاركت انقرة وطهران ودمشق وبغداد في زجهم فيه، وكبرت آمالهم في استرجاع حقوقهم المفقودة وفي مقدمها الكيان المستقل.

الوجود الايراني في العراق وسوريا أجج الخلاف بين انقرة وطهران وأوصل البلدين الى حد المواجهة غير المباشرة بينهما على الأرض السورية، والتي تعيد الى الاذهان القتال الذي كان يدور بين الامبراطوريتين الفارسية والعثمانية على أراضي الغير في بلاد الرافدين قبل توقيع معاهدة ارضروم الثانية عام 1847. لكن تنامي الحديث عن فدرلة سوريا أو تقسيمها، يعيد وصل ما انقطع بين طهران وأنقرة.

الفدرلة في سوريا هي الوصفة المثالية لاقامة اقليم خاص بالأكراد في بلاد الشام على غرار مثيله في بلاد الرافدين، الأمر الذي يشجع أهل كردستان الغربية في ايران وأهل كردستان الشمالية في تركيا على الاقتداء بأترابهم في العراق وسوريا وان يحذوا حذوهم. ويصير الأمر أخطر في ظل توافر محفز دولي للاحلام الكردية وتوافق أميركي روسي عليه. وهذا ما يقلق الأتراك أولاً ثم الايرانيين.

انقرة وطهران اللتان فرقتهما الانتفاضة على النظام السوري، تعيد جمعهما المخاوف من فدرلة سوريا، ليس فقط خوفا من طموحات الاكراد ومن وصول العدوى الى بيتهما المركب أيضاً من الزجاج السوري والعراقي نفسه، بل لان ادارة الازمة السورية قد تخرج من ايديهما الى غيرهما، وخصوصا تركيا التي تقهقر دورها أصلاً. وعندما تضغط أميركا على تركيا بممالأة الأكراد واستحضار فتح الله غولن، يجد أردوغان نفسه أقرب الى طهران التي تعاني مثله تقدم النفوذ الروسي على حسابها في سوريا، ولأن الفدرلة قد تحصر دور الأسد (اذا بقي رئيساً) في جزء محدود من سوريا وليس كلها، على عكس ما تريد. وبين موسكو وانقرة تفضل طهران الأتراك لاعتبارات عدة، أهمها الروابط الاسلامية بين الطرفين التي يستحضرها السلطان الجديد والملالي كلما دعت الحاجة. كما أن لايران مصلحة أيضاً في سحب البساط من تحت التقارب التركي – السعودي لمنع تطويقها.

بالمحاولة الجديدة لترميم ما انكسر بين طهران وانقرة، يسعى الطرفان الى فرض معادلة جديدة في سوريا تبقيهما لاعبين على أراضي الغير وتقيهما شر عدوى البلقنة، ولكن ربما فات الوقت لمكافحة المرض الذي ساهما بفاعلية في تفشيه في هذا البلد.

النهار

 

 

الغزل التركي الإيراني المفاجئ ؟/ راجح الخوري

هل تحاول تركيا العودة الى نظرية “صفر مشاكل مع الجيران” التي سبق لها ان انتهت الى الفشل الذريع، ولماذا تختار البوابة الإيرانية لهذا، على رغم الإشتباك السياسي والأمني بين البلدين في سوريا والعراق مثلاً؟

هل الصدام المتصاعد بين تركيا وروسيا في الساحة السورية، وإمكان توسيط ايران لتحسين علاقاتهما، والحديث المفاجئ عن فيديرالية سوريا الذي أثار كوابيس الدولة الكردية في انقرة وطهران ايضاً، هل كل هذا هو الذي صاغ حسابات أنقرة المفاجئة لتصحيح العلاقات مع ايران؟

أم ان ايران بعد رفع العقوبات والتي تشكل ساحة للإستثمارات تتزاحم عليها الشركات الغربية، هي التي تدفع تركيا الى استلحاق نفسها لتكون حاضرة في البازار الإيراني المفتوح؟

هذه أسئلة قليلة من مروحة واسعة من التساؤلات التي أثارتها زيارة أحمد داود أوغلو لطهران يوم الجمعة، وخصوصاً عندما وقف الى جانب إسحق جهانجيري النائب الأول للرئيس الإيراني، ليعلنا فجأة وعلى رغم كل الخلافات والتناقضات بينهما “ان أمن المنطقة واستقرارها يستديمان عبر التعاون بين طهران وأنقرة” !

هكذا تقفز تركيا من مغازلة اسرائيل وبنيامين نتنياهو، بعد قرعها الإستغلالي لطبول القضية الفلسطينية، الى معانقة طهران حيث قال داود اوغلو بالحرف “ان ايران تشكّل نافذة تركيا الى دول آسيا، وفي الوقت عينه إن تركيا تُعدّ نافذة ايران على الدول الأوروبية، وان ايران منتج عملاق للطاقة وتركيا مستهلك عملاق للطاقة”… لكأن ايران لا تجد غير البوابة التركية للوصول الى أوروبا التي تزدحم وتتدافع عند ابوابها قبل رفع العقوبات، أو لكأن ليس من منتجين عمالقة للطاقة في المنطقة غير الإيرانيين!

الطرفان أشارا الى ان المصالح المشتركة بين ايران وتركيا تساهم في إحلال السلام لمشاكل المنطقة، ولكن من غير أن يوضحا كيف يمكن تجاوز التناقض العميق بينهما، اولاً عندما يقول حسن روحاني “إن لدى البلدين امكاناً لإتخاذ إجراءات فعالة مشتركة في الأزمة السورية”، حيث من الواضح جداً ان البلدين يتصارعان سياسياً وعسكرياً عبر حلفائهما، وثانياً ولو نظرياً أو بالأحرى دعائياً ايرانياً لجهة عداء ايران لإسرائيل، كيف يجدان مساحات للتفاهم والتعاون الذي وصل الى حد القول ان أمن المنطقة يمرّ عبرنا؟

على رغم الحديث السابق عن سعي رجب طيب اردوغان الى التوسط بين السعودية وايران على خلفية الصدام المتصاعد بينهما في كل المنطقة، وعلى رغم ان زيارة اردوغان للمملكة في نهاية العام الماضي انتهت بالإعلان عن إنشاء “مجلس للتعاون الإستراتيجي” مع الرياض في كل المجالات، ها هي الفئران التركية تلعب في طهران من وراء ظهر السعوديين، لكن أي حديث عن محاولة تركية لمصالحة طهران والرياض يسقط فوراً ما لم تتوقف التدخلات الإيرانية في سوريا واليمن والمنطقة كلها!

النهار

 

 

 

 

الغرب يكرر مع أردوغان خطأه مع حافظ الأسد/ حسان حيدر

تكرر دول الغرب، وخصوصاً أوروبا التي تدّعي لنفسها دور المدافع الأول عن الحريات وحقوق الإنسان في العالم كله، الخطأ الذي ارتكبته في السابق مع حافظ الأسد، ولاحقاً مع وريثه بشار، فتكتفي بإدانات خجولة أو بغض النظر تماماً عما يرتكبه «السلطان» التركي رجب طيب أردوغان من كتم لأصوات معارضيه ومصادرة لوسائل التعبير، رغبة في كسب ودّه ومساعدته في وقف تدفق اللاجئين السوريين إلى أراضيها.

ومن جانبه، يوغل أردوغان في ارتكاباته الداخلية، فيصادر الصحف ويسجن الصحافيين ويقمع المحتجين على سياساته بكل الوسائل، مستخدماً «التهديد السوري» الذي يوجهه نحو الأوروبيين لإسكاتهم، ومستفيداً من هشاشة الوضع السوري عند حدوده التي لا يرى من خلالها سوى عدو واحد هو الأكراد، الذين يخشى اقترابهم كثيراً من حلم لملمة أجزاء دويلتهم.

وكان الأسد الأب مارس على الأوروبيين والأميركيين إبان حكمه، أنواعاً مختلفة من الابتزاز شملت خطف الرهائن وتفجير المقار الديبلوماسية، تارة عبر أجهزته الأمنية مباشرة، وطوراً عبر تابعين فلسطينيين ولبنانيين وعراقيين أو من «اليساريين الأمميين»، فيما يطبق سياسة الاستفراد بشعبه وسحق قواه السياسية ومكوناته الاجتماعية أولاً، قبل أن يفتك بالحلقتين العربيتين الأضعف: منظمة التحرير الفلسطينية ولبنان.

وكان الغربيون في المقابل يديرون رؤوسهم نحو الجهة الأخرى، إما اتقاء لشره أو لتفاهم غير معلن معه على إبقاء جبهة الجولان هادئة وعدم إقلاق أمن إسرائيل، ثم يوسّطونه صاغرين للإفراج عن رهائنهم الذين خُطفوا بأوامر منه، أو يتوسطون لديه للتخفيف عن أطراف أو مدن أو مخيمات تتعرض لحصار جيشه وقصفه، مثلما حصل في لبنان مراراً.

واليوم، باستثناء بعض تصريحات الاحتجاج التي تندرج في إطار إراحة الضمير ورفع العتب، لا يواجه أردوغان في خضم حملته الشرسة على المعارضة التركية والأكراد أي مواقف عملية لإجباره على التزام معايير يدعي الانتماء إليها، ويكتفي الأوروبيون والأميركيون بالتفرج على تدرجه في جعل القمع أسلوب دولة بكامل أجهزتها الأمنية والتشريعية والقضائية والاجتماعية، في وجه أي معارضة لـ «الباب العالي» الجديد، إلى أن يصل بها يوماً إلى مصاف بطش عائلة الأسد في سورية.

وبعدما حولت جنوب شرقي البلاد إلى منطقة حرب ذهب ضحيتها خلال أشهر مئات القتلى من الأكراد بذريعة محاربة الإرهاب، طاولت حملته لإسكات منتقديه حتى الشركات، بعدما أدت إلى تسريح الآلاف من رجال الشرطة والجيش والاستخبارات، في تدابير تذكّر بحملات التطهير التي كانت تشنها الأنظمة الشيوعية السوفياتية والصينية ويذهب ضحيتها الملايين.

وفي موازاة عسفه الداخلي، يمارس أردوغان البهلوانية السياسية مع الخارج، فينتقل فجأة من عداوة إلى تحالف، ومن تهديد إلى ترغيب، على غرار التحول المفاجئ الحالي في علاقته مع إيران التي كانت تراجعت بسبب الموقف من الحرب السورية، لتعود فتجد «قواسم مشتركة كثيرة» محورها العداء لفكرة الاستقلال الكردي، وبعدما سمعت طهران «كلاماً تركياً جديداً» عن مستقبل سورية.

الغرب الذي يخضع لابتزاز أنقرة في قضية المهاجرين السوريين ويقدم لها الأموال لإقناعها بقبول وقف تدفقهم إلى أوروبا من دون التأكد من أن هذه المبالغ ستذهب فعلاً إلى مستحقيها، قد «يستفيق» يوماً بعد استنفاد مصلحته مع نظام أردوغان وزوال مبرراتها، لكن الوقت سيكون متأخراً على إصلاح الأضرار الفادحة التي يلحقها بتركيا وديموقراطيتها.

الحياة

 

 

 

لعبة الإغراء .. لماذا تحتاج تركيا وإيران إلى ترميم العلاقات بينهما؟

ترجمة فتحي التريكي – الخليج الجديد

هناك بالفعل علامات الخجولة على أن نقطة الذروة في التوتر الإقليمي في الشرق الأوسط ربما تكون قد مرت. حقيقة أن وقف إطلاق النار في سوريا ما زال قيد العمل، على الأقل في بعض المناطق، هو بالتأكيد أحد هذه العلامات. آخر هذه الإشارات كانت الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء التركي «أحمد داوود أوغلو» في 4 مارس/أذار الحالي إلى أنقرة. دبلوماسيا، ربما تأتي هذه الزيارة تعويضا لزيارة وزير الخارجية الإيراني «محمد جواد ظريف» إلى تركيا والتي تم الإعلان عن إلغائها في اللحظات الأخيرة في أغسطس/آب الماضي.

ووفقا للتليفزيون الإيراني، فقد كانت سوريا على رأس جدول أعمال محادثات «داود أوغلو» و«ظريف». كما تمت مناقشة الأوضاع في العراق كذلك. الفارق بين الملفين واضح. ففي حين يبدو أن الأزمة السورية لم تقترب بحال من أي نقطة للحل، فإن الأمور في العراق تبدو أكثر وضوحا بشكل ما.

توجه «داوود أوغلو» إلى طهران بصحبة وزراء الاقتصاد والتجارة والطاقة والنقل والاتصالات والتنمية. وهذا يؤشر أن رئيس الوزراء التركي كان يركز بشكل رئيسي على إعادة بناء جسور العلاقات مع إيران التي تستعد للدخول إلى السوق العالمية في حقبة ما بعد العقوبات. يمكن للخطب السياسية اللاهبة أن تنحى جانبا للحظة عندما تجد تركيا جارتها النشطة تخط طريقها إلى الأمام.

وقد سمعها «داوود أوغلو» بوضوح في طهران: وهي أن ذلك لن يكون مجانيا. ولقد لمح الرئيس الإيراني «حسن روحاني» إلى ذلك لدى استقباله لرئيس الوزراء التركي بالقول: إيران وتركيا لديها أهداف ومصالح مشتركة ويجب تعزيز أسس السلام والاستقرار في المنطقة من خلال تحسين التعاون الثنائي والتركيز على مكافحة الإرهاب باعتباره العدو المشترك.

ما كان يود «روحاني» أن يقوه في حقيقة الأمر هو أن ذلك يتوقف على شكل سلوك أنقرة الإقليمي.

وقد كان رد «داوود أوغلو» ودودا. وجاء في تصريح رئيس الوزراء التركي قوله: «خلال الجلسات المغلقة، قمنا بالفعل بمناقشة رفع مستوى العلاقات الثنائية من أجل تعزيز التعاون في مجال الطاقة، والخدمات المصرفية والنقل والسياحة. عن طريق رفع مستوى علاقاتنا، يمكننا أيضا الجلوس لأجل إجراء محادثات حول خلافاتنا السياسية في المنطقة».

ما كان رئيس الوزراء يهدف إلى قوله في الحقيقة هو أن العلاقات الاقتصادية تأتي أولا ثم يمكننا الحديث عن الخلافات السياسية مستقبلا.

وقد جاءت تلميحات ظريف لتحدد بشكل أكثر وضوحا نوع الثمن الذي تتوقعه طهران. ألمح وزير الخارجية الإيراني إلى أن تركيا، من وجهة نظر طهران، مطالبة بإعادة النظر في ميولها الإقليمية. وقال إن بعض الدول في منطقتنا وعلى وجه الأخص الحكومة السعودية قد سعت إلى خلق التوتر وانعدام الأمن في المنطقة بأسرها.

وقد كان واضحا أن زيارة «داوود أوغلو» الجريئة جدا لم تحقق في واقع الأمر سوى نتائج محدودة جدا في أفضل الأحوال. مباشرة في أعقاب نهاية زيارة رئيس الوزراء التركي، قام نائب وزير الخارجية الإيراني «أمير عبد اللهيان» بالحديث إلى لجنة الأمن القومي بالبرلمان إضافة إلى لجنة السياسة الخارجية بالقول إنه «من الواضح أن سياسة أنقرة في سوريا قد فشلت»، مفصلا بالقول أنه «إلى الآن، فشلت تركيا في الإطاحة برئيس النظام السوري «بشار الأسد» على الرغم من الدعم من قبل المملكة العربية السعودية وقطر والولايات المتحدة».

ومع ذلك، فإنه لا ينبغي علينا أن نعلن أن الزيارة قد فشلت بشكل كامل. ربما تكون الزيارة قد ساعدت في تشكيل ضغط على أنقرة من أجل مراجعة سياساتها الإقليمية. وعلى الرغم من أنه من غير المتوقع أن نشهد أي عواقب مباشرة في صورة أي تغيير معلن في السياسات، فإنه من المحتمل أن نرى الثمار المحتملة لمثل هذه المراجعة في وقت قريب. وتأمل طهران أن هذا سوف تنمو تدريجيا إلى تغيير في المواقف الإقليمية لتركيا عند نقطة ما على الطريق.

ومع ذلك، فإنه من الصعب أن نتصور رؤية إعادة توجيه في سياسات أنقرة خلال المستقبل المنظور. هناك بعد أيدولوجي حقيقي في دوافع أنقرة. وعلاوة على ذلك، فإن الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» لا يزال يعتقد أن سياساته الشرق الأوسط لم تفشل تماما بعد. وهو يبدو مستعدا لإعادة تكييف توجهاته مثلما رأينا في رأينا في المحادثات السرية التي عقدها مع (إسرائيل) مؤخرا، ولكنه لا يزال لا يرى أي حاجة ملحة لإحداث تغيير كلي في نهجه. ومن الناحية العملية، فإنه قد لا يكون قادرا على صناعة انعطاف كامل حتى إذا رأى الفوائد الكامنة في ذلك.

آفاق هذا التغيير المحتمل قد تثير قلق السعوديين. وحتى الآن فإن السعودية تبدو قادرة على توجيه مواقف مصر ولكن ليس بالسرعة الكافية للتلاؤم مع طبيعة التحولات الإقليمية الملحة. ومن شأن تحالف تركي سعودي مصري أن يلعب دورا في تشكيل الشرق الأوسط. وتسعى طهران إلى إظهار بعض التجاوب من تركيا من أجل جذبها بعيدا عن المدار السعودي. ويمكن أن تمد يدها بالمساعدة إلى القاهرة أيضا. وقد كان رئيس الوزراء العراقي «حيدر العبادي» في زيارة رسمية إلى القاهرة في وقت قريب، ومن المحتمل أن يكون قد حمل معه رسالة حول السياسات الإقليمية من وجهة نظر السيد «جواد ظريف».

أحد الطرق التي يمكن لتركيا أن تمضي قدما خلالها هو البدء بالقضية الأقل اشتباكا في العراق. على الرغم من أن أنقرة لديها بطاقات محدودة هناك، فإنها لا تزال تملك أوراقا فعالة. تستقبل تركيا نفط إقليم كردستان العراق ويمكنها أن تعمل على إيجاد حل للنزاع حول قضية الميزانية بين أربيل وبغداد بالتعاون مع طهران. ويمكنها أيضا أن تمهد الطريق للتفاهم بين العرب والإيرانيين في العراق. هناك العديد من الطرق، خارج الصندوق، يمكن من خلالها لتركيا لعب دور بناء من دون تهديد تحالفاها في الجانب العربي في الوقت الذي تفتح فيه حوارا مع الإيرانيين.

صحيح أن الخلاف في سوريا يسمم كل الآفاق في الوقت الراهن، إلا أن الأزمة السورية لن تبقى إلى الأبد. وأظهرت هذه الأزمة أنه من السهل أن تذهب إلى الحرب، ولكن من الصعب تحقيق نصر مطلق فيها أو حتى وضع حد لها. الطرق الوسطى مفتوحة على مصراعيها حتى بالنسبة إلى أنقرة وسياساتها الإقليمية.

المصدر | ميدل إيست بريفينج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى