صفحات العالم

مقالات تناولت الخطاب العنصري في لبنان اتجاه اللاجئين السوريين

المجتمع الدولي إما أنه مقصّر وإما عاجز هل يكون مصير اللاجئين السوريين كمصير الفلسطينيين؟/ اميل خوري

حمَّل سفير سابق للبنان المجتمع الدولي مسؤولية عجزه أو تقصيره عن معالجة الأزمات التي تعصف بدول العالم إذ يتركها تتفاعل ليصبح من الصعب ايجاد حلول سريعة لها. وشبّه هذا المجتمع بحاكم طلب بناء مستشفى عند كوع خطر تكثر فيه الحوادث لمعالجة المصابين عوض أن يوسّع الكوع.

القضية الأولى كانت القضية الفلسطينية التي كان على المجتمع الدولي أن يجد حلاً سريعاً لها لتجنب نزوح الفلسطينيين الى الدول المجاورة حيث تحوّلوا لاجئين يعيشون في المخيمات ويقاسون شظف العيش ويعانون أحياناً نقصاً في الغذاء والاستشفاء والتعليم، وهم يعلّلون النفس بالعودة الى ديارهم فور انتهاء الحرب في فلسطين. لكن ها ان اكثر من ستين سنة تمضي على وجودهم لاجئين في الدول المضيفة ولا يزالون يحلمون بعودة تأبى اسرائيل تحقيقها بل تخطط لبقائهم حيث هم لتجعل توطينهم بديلاً من المستوطنات التي تقيمها على أراضيهم، وكلما مرَّ الوقت تتضاءل آمال العودة لا سيما للجيل الثاني والجيل الثالث لأنهم يكونون قد اندمجوا في المجتمع الذي يعيشون فيه وتأقلموا مع الواقع وبات لعدد كبير منهم مساكن يملكونها أو يستأجرونها ويقومون بأعمال مهنية مختلفة، ويكون أولادهم قد تخرجوا من مدارس الدول التي يقيمون فيها.

وهكذا يكون المجتمع الدولي ترك للوقت ان يحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بتوطينهم وبتحميل الدول التي تستضيفهم مسؤولية رعايتهم عندما تنتهي مهمة “وكالة الغوث” مع محاولة حل القضية الفلسطينية بإقامة شبه دولة للفلسطينيين، ما يعني تصفية للقضية وليس تسوية عادلة.

وقد ولّدت القضية الفلسطينية بسبب ابقائها من دون حل سنوات طويلة، قضية لبنانية لم يتم التوصل الى حلّها إلا بعد حروب داخلية دامت 15 سنة، وبعد اخضاع لبنان لوصاية سورية دامت 30 عاماً.

ولم يتوصل المجتمع الدولي الى حل لأزمات أخرى عصفت بعدد من الدول الأفريقية والعربية، فساد فيها الخراب والدمار والقتل والتفجير وسقوط مئات آلاف الضحايا البريئة وتشريد الملايين من سكانها الذين يعانون الفقر والجوع والمرض. وها أن هذا المجتمع يواجه مشكلة في سوريا لا تقل خطورة عن سابقاتها في دول اخرى، فيهتم بازالة السلاح الكيميائي خدمة لاسرائيل قبل ان يهتم بوقف آلة القتل والدمار في سوريا.

وكما عانى لبنان من القضية الفلسطينية وتحمل عبء استضافة ألوف اللاجئين على أرضه وكانوا سبباً لحرب داخلية في لبنان عندما حملوا السلاح لتحرير أرضهم في فلسطين من الاحتلال الاسرائيلي، فكانت النتيجة أنهم لم يحرروا شبراً واحداً منها إنما تسببوا باحتلال اسرائيل لأجزاء من الاراضي اللبنانية في الجنوب ما أدى الى انشاء مقاومة لبنانية بقيادة “حزب الله” من أجل تحرير هذه الاراضي، وقد تم تحرير جزء كبير منها وبقي جزء منها يبرر استمرار المقاومة الأمر الذي أخلّ بالتوازن الداخلي الدقيق وأحدث انقساماً سياسياً ومذهبياً في لبنان زادته الحروب في سوريا حدة خصوصاً عندما شارك مقاتلو “حزب الله” فيها نصرة لفريق سوري ضد فريق آخر.

وعوض أن يهتم المجتمع الدولي بحل الأزمة السورية في أسرع وقت ممكن كي يحل أزمة اللاجئين السوريين بأعداد كبيرة الى لبنان تفوق كثيراً طاقته، راح يبحث عن وكالة غوث جديدة لهؤلاء اللاجئين كي تهتم بشؤونهم تماماً كما حصل مع اللاجئين الفلسطينيين، فكان ذلك سبب الحروب الداخلية في لبنان وسبب احتلال اسرائيل لجنوبه الذي تعرض لاجتياحات عدة شردت ابناءه وحولتهم لاجئين داخل بلادهم: وكان ثمن خروج الجيش الاسرائيلي من العاصمة بيروت غالياً جداً.

وتساءل السفير نفسه: ما الذي يمنع المجتمع الدولي من حل الأزمة السورية عوض تركها تتفاعل لتولّد أزمات في دول الجوار ولا سيما في لبنان؟ وما الذي يمنع هذا المجتمع من تأمين مناطق هادئة داخل سوريا تؤوي النازحين اليها، وتفتح لها ممرات آمنة لإيصال المساعدات اليهم وهي أقل كلفة بكثير من مساعدات تمنح لهم وهم خارج بلادهم وتعرض بالتالي أمن دول الجوار لأخطار امنية وغذائية وبنى تحتية؟ وما الذي يمنع المجتمع الدولي من حمل اسرائيل على الانسحاب من بقية الاراضي اللبنانية في الجنوب تنفيذاً للقرار 1701، اي من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وجزء من قرية الغجر، فلا يبقى عندئذ مبرر لوجود سلاح المقاومة بقيادة “حزب الله” وتنتفي أسباب حمل هذا السلاح الذي يحدث اضطرابات داخل لبنان في حين تنعم اسرائيل بالهدوء على حدودها بفضل وجود القوات الدولية والجيش اللبناني عملاً بالقرار 1701؟

أليس الأفضل والاسلم للبنان ان يعمل المجتمع الدولي على حمل اسرائيل على الانسحاب من بقية اراضيه عوض ان يكون استمراره سبباً لاستمرار مقاومة “حزب الله” واحتفاظه بسلاحه، وعوض تحميل لبنان أعباء مالية لا يقوى على تحملها لتسليح الجيش كي يستطيع حماية حدوده، مع العلم انه مهما بلغ تسليحه فانه لن يكون قادراً على مواجهة الجيش الاسرائيلي، فيبقى عندئذ سلاح المقاومة ضرورة لمؤازرة الجيش اللبناني عند الحاجة؟

الواقع ان انسحاب اسرائيل من بقية الاراضي اللبنانية تنفيذاً للقرار 1701 يريح لبنان ويريحها من سلاح المقاومة. فلماذا لا تفعل ذلك كي لا يظل هذا السلاح يشغل بالها والدولة اللبنانية يشغلها تسليح جيشها؟

النهار

جبران باسيل حيال النزوح السوريّ/ حـازم صـاغيـّة

حين حلّت النكبة الفلسطينيّة عام 1948، وتدفّق على الدول المجاورة مئات آلاف الفلسطينيّين، ظهرت أصوات مسيحيّة تأبى “التورّط” في استقبال النازحين.

وراء هذا الموقف كان الخوف من اختلال التوازن الطائفيّ بين اللبنانيّين، وهذا مفهوم في الأوضاع التي نعرفها. لكنّ ما ليس مفهوماً دفع هذا الخوف إلى سويّة العيش على كوكب آخر، وتوهّم القدرة على عدم التأثّر بحدث في مثل تلك الضخامة يزلزل المنطقة كلّها.

وعيٌ يندفع به التوهّم إلى هذا الحدّ وعيٌ لا يستطيع أن يرى العالم إلاّ بوصفه قرية صغيرة. والوعي القرويّ هذا، عند مسيحيّين وغير مسيحيّين على السواء، يستعرض نفسه اليوم مع حدث أضخم هو الأزمة السوريّة وتداعياتها. فهل يُعقل أن يموت المدنيّون العزّل ولا يفرّون؟ أو أن يتجنّب الفارّون من الموت السوريّ البلدان المجاورة لهم ويلجأون، مثلاً، إلى النروج أو كندا؟ ألم يحصل الهرب من الموت باللجوء إلى البلدان المجاورة في عديد النزاعات والحروب السابقة، كتلك التي شهدتها البلدان الأفريقيّة أو بلدان شبه القارّة الهنديّة؟

مناسبة هذا الكلام المؤتمر الصحافيّ الخطير فعلاً الذي عقده النائب والوزير العونيّ جبران باسيل. فهذا الأخير قدّم أرقاماً ومعطيات تقول كم أنّ طاقة لبنان على الاستيعاب محدودة، وكم أنّ الوضع صعب في ظلّ الأزمة السوريّة وتفاقمها. وهذا ما يقبل النقاش بوصفه جزءاً من الصعوبات التي لا مفرّ منها ممّا تسبّبت به تلك الأزمة على صعيد المنطقة ككلّ. لكنّ الخلاصة التي توصّل إليها المذكور هي: إعادة السوريّين إلى بلادهم (ليموتوا هناك!).

أسوأ من تلك الخلاصة القرويّة القاتلة إيرادها، مصحوبةً بخلاصات مماثلة أخرى، بلغة تكاد تقدّم “السوريّ” بوصفه جنساً آخر، جنساً لا يترتّب على أفعاله إلاّ الانهيار الشامل الذي يمتدّ من الصحّة والتعليم إلى عموم الحضارة.

إنّه ورم مرضيّ ينبغي استئصاله!

ما من كلمة تعاطف مع مأساة السوريّين. ما من لحظة تُذكّر بما يقوله كتاب التاريخ الرسميّ اللبنانيّ من أنّ اللبنانيّين أنفسهم هاجروا هرباً من الظلم والقهر في الحرب العالميّة الأولى. وطبعاً ما من كلمة مسؤولة يُفترض بالقائد السياسيّ أن ينقلها إلى جمهوره، منبّهاً إيّاه إلى أنّ لبنان لا يستطيع الفرار من محيطه، وأنّ العالم لا يسمح له بذلك أصلاً.

في الواقع كان كلام باسيل استجابة لأكثر الغرائز بدائيّة لدى جمهور “ضيعجيّ” الوعي وتصعيداً لها.

والحال أنّ السيّد باسيل كان يمكنه، بدلاً من تلك الحارضة العنصريّة، أن يطالب حلفاءه في حزب الله بالانسحاب من سوريّا والعمل على تقصير حربها. هكذا يمكن أن يعود النازحون بأسرع ممّا يتوقّع باسيل وأن يستقرّ البلدان على حال أفضل. أمّا نحن، اللبنانيّين، فكنّا تجنّبنا شهادةً عن انحطاطنا وضعف حساسيّتنا الأخلاقيّة والإنسانيّة، فضلاً عن وعينا القرويّ.

موقع لبنان ناو

سجال اللاجئين/ حـازم الأميـن

في الأسابيع الثلاثة الأخيرة شهدت مواقع التواصل الاجتماعي سجالاً أحدثه قيام وسائل إعلام، وناشطين حزبيين (عونيين تحديداً) بتجريد حملات تستهدف اللاجئين السوريين في لبنان. محطة “أم تي في” عرضت اسكيتشاً تمثيلياً أثار حفيظة ناشطين وصحافيين لبنانيين وسوريين. وميشال ألفتريادس، وهو صاحب ملهى ليلي سيستقبل العازف التونسي أنور ابراهيم، وكان ألفتريادس قد كتب على صفحته على “فايسبوك” عبارات أقل ما يُقال فيها إنها عديمة الحساسية حيال مأساة اللاجئين السوريين، وهي انطوت على تعالٍ سخيف وتافه مستمد من عونية مقيتة. وهو ما أدى إلى تجريد حملة على “فايسبوك” تدعو أنور ابراهيم إلى عدم العزف في ملهى ألفتريادس.

وتوج أسبوع اللاجئين السوريين في لبنان بخطبة عصماء لوزير “الإصلاح والتغيير والمقاومة” جبران باسيل تفوّق فيها كالعادة على نفسه في إطلاق الأوصاف على اللاجئين السوريين.

في المقابل، ثمة ميل لدى لبنانيين راغبين في جلد أنفسهم ولدى سوريين غارقين في تناقضات سوء التفاهم اللبناني السوري الى اختصار لبنان بجبران باسيل، وهو أمر يُعقد العلاقة بين مجتمعي اللاجئين والمستقبلين، ويصور التناقضات الناجمة عن العيش المتجاور وما ينتج عنه من توترات صغيرة ويومية، بصفتها توترات جوهرية وثقافية.

لبنان ليس جبران باسيل ولا ميشال ألفتريادس، لا بل إن المرء كان ليتوقع أن يكون لبنان أضيق اجتماعياً من أن يستقبل نحو ثلث عدد سكانه، لاجئين من بلدهم، وهاربين من طائرات النظام هناك. لكنه فعلها، على الرغم من كل ما رافق هذا اللجوء من تلكؤٍ في الإغاثة.

هناك مسألة إنسانية حاسمة تتمثل في أن من يرفض استقبال مُستهدفين هاربين من السلاح الكيماوي ومن براميل المتفجرات، ساقط أخلاقياً. لكن هناك أيضاً مسألة واقعية يجب النظر إليها، وهي أن ثمة بلداً عدد سكانه نحو أربعة ملايين وخمسمئة ألف نسمة، استقبل نحو مليون ونصف المليون لاجئ. هذا الأمر لن يَمر بهدوء، وما شهده لبنان حتى الآن من توترات بين البيئتين (المستقبلين واللاجئين) ما زالت في حدودها الدنيا، اذا ما قيست ببلاد الجوار الأخرى. فالأردن يُضيق رسمياً على وصول اللاجئين إليه، والعراق حدد لهم مخيمات في الصحراء واشترط أعداداً محددة، وتركيا الواسعة والكبيرة لا اختلاط بين مواطنيها وبين اللاجئين إليها، ولا تنافس في سوق العمل والسكن والحياة. ثم إن أرقام اللاجئين في لبنان تفوق أرقامهم في كل تلك الدول.

وقصر تناول التوترات والسقطات العنصرية على مستواها المرتبط بباسيل وألفتريادس ينطوي أيضاً على تعامٍ على توترات أخرى أكثر فعالية، ذاك أنها خلفت احتكاكات وضغوطات معيوشة ولم تبقَ في إطار الخطاب واللغة. فاللاجئون السوريون أقاموا في معظمهم في مناطق الشَبَه الاجتماعي والطائفي، وهو أمر لم يحمهم من الكثير من ممارسات التمييز والتضييق، لا سيما أن إقامتهم في هذه المناطق رتبت مُنافسة لليد العاملة ورفعت من قيمة الإيجارات.

اذا كانت دعوة باسيل الى “طرد اللاجئين” مقرونة بمطالبته بإنشاء مخيمات لهم داخل الأراضي السورية، وهو ما سيسهل على حلفائه في دمشق قصفهم متجمعين هذه المرة، فإن جهداً يجب أن يُبذل للضغط على الحكومة اللبنانية لإقامة مخيمات للاجئين السوريين في لبنان. هذا الأمر سيكون مدخلاً لحل مشكلة الإغاثة التي ستتولاها في حينها مؤسسات دولية معنية بقضايا اللاجئين، كما أنه سيُقلص التوترات الاجتماعية بين بيئتي المستقبلين والوافدين.

أما جبران باسيل، فنقول لأصدقائنا السوريين أنه مشكلتنا قبل أن يكون مشكلتكم، وقد أنعم علينا به النظام الذي يضطهدكم في دمشق.

موقع لبنان ناو

العنصرية وإدانتها البعثية/ روجيه عوطة

ثمة شكلان من العنصرية ضد اللاجئين السوريين في لبنان. الأول، غبي طائفياً، وفجّ طبقياً للغاية، يجمع بين وقوفه إلى جانب النظام الأسدي، وكرهه للشعب السوري. الثاني، وقح، ومراوغ، يغضّ نظره عن جرائم البعث، ويشوّه الثورة بتشكيكه فيها، ومن ثمّ يدين العنصرية اللبنانية ضد السوريين. للشكل الأول، “فريق سياسي لبناني”، طائفي عريض، في مقدمه “التيار العوني”، الذي ينطق بلسان جماعة مسيحية، صاحبة وعي مقفل على إلغاء الآخرين. للشكل الثاني، فريق آخر، يؤلّفه المأخوذون بـ”علمانية” آل الأسد، و”حداثتهم” غير التمييزية. من هذا المنطلق بالذات، يرفضون عنصرية الإنغلاق الطائفي، لكنهم، بذلك، يكرّسون بعثية محددة بمواربتها: نحن ضد كارهي السوريين، لكننا، مع قاتلهم!

لا يتساوى الشكلان العنصريان بسوى غايتهما. فالعنصرية، التي تتمظهر كإدانة لفظية، بينما تدافع عن قاتل موضوعها، أي السوريين، تنطوي على حقد مضاعف، لأنها تفصل بين القول والمزاولة، وتعارض بينهما من جهة، كما أنها توهم الشعب السوري بوقوفها معه، ومناهضتها الإيديولوجيا الكارهة له، من جهة أخرى. لكنها، في مطافها الأخير، تستخدم خطاب الإدانة لإخفاء خطاب القتل، الذي يمارسه الديكتاتور فعلاً يومياً في سوريا.

من المستحيل، أن يكون المرء موالياً لبشار الأسد، أو متواطئاً بسكوته حيال جرائمه، ويستنكر في الوقت عينه، العنصرية الممارسة ضد السوريين. لا يستطيع المرء أن يشكك في حقيقة الثورة، ويزوّر معانيها، جاعلاً إياها “مؤامرة”، ويناهض العنصرية بالفعل ذاته. تزييف الثورة، يعني الإنتصار لبشار الأسد ضمناً أو مباشرةً. تالياً، مواصلة ذبح السوريين وتشريدهم إلى بلاد الألم الواسعة.

فإدانة العنصرية اللبنانية تشترط اتهاماً مزدوجاً، يوجَّه إلى أصحاب الخطاب الزينوفوبي، كـ”التيار العوني” وغيره، وإلى مشرّد الشعب السوري، وقاتله. في السياق نفسه، تصير الإدانة تواطؤاً مع القاتل بإسنادها بخطاب الثورة، الذي من الضروري أن يكون نقدياً، وليس تقديسياً. بكلام آخر، لا تقدر البعثية، بمعناها اللبناني، أن تشكل خطاباً مناهضاً للعنصرية. فكل ما تتلفظ به، أو تمارسه، يخدم الإستبداد الأسدي، حتى لو قالت في تهجير السوريين، وموتهم، وعارضت السلوك العنصري ضدّهم في لبنان. سيظل قولها مُقَنَّعاً، لكنه، غير مُقْنع البتة، وخصوصاً أنها توظفه ضد خصومها “السياسيين”، الذين بدورهم، يوظفون دفاعهم عن الثورة في المنحى نفسه.

تركز البعثية، بمخادعتها “العلمانية” و”اليسارية”، إدانتها على الفعل العنصري بتجهيل الفاعل الأساس، أي بشار الأسد، وذلك عبر استعمال قاموس “العار والعيب”. فمن نافل الإشارة إلى أن السوريين لا يرغبون في التهجير، أو الإستقرار داخل لبنان، بل يريدون بلادهم بلا ديكتاتور، أو استبداد ديني، كي يبقوا ويعيشوا فيها. وعليه، لا تستوي مكافحة العنصرية اللبنانية بدون الإقرار بحق السوريين في إسقاط النظام، وفي التحرر من البعث، وحلفائه السابقين والحاليين في لبنان.

“أنت أقتل السوريين، ونحن نطردهم كي تستمر في قتلهم”. هذا هو مختصر الخطاب العوني، الطبقي والعنصري. “أنت أقتلهم، ونحن ندين العنصرية ضدهم، بلا نتّهمك، كي نخفي قتلك إياهم”. بذلك، يُختصر خطاب الإدانة، الذي يخدع السوريين بعثياً. في النتيجة، يتساوى الطرد والإدانة في خطابين، لا يبدو أنهما مختلفان كثيراً. ذاك، أن الطرد وقوفاً إلى جانب الطاغية، يماثل الإدانة تزويراً للثورة، وتوطوءاً ساكتاً مع القاتل. فالفعلان عنصريان، وإليهما، يُضاف فعل لبناني ثالث، يمارسه هؤلاء، الذين يناهضون بشار الأسد، ويكرهون السوريين، ويعارضون ثورتهم، أو الذين ينتصرون للثورة، كرهاً ببشار الأسد، وحقداً على الشعب السوري. من قال إن الساكنين في لبنان، المحكومين بسلطات الجماعات التقليدية و”الحديثة”، ليسوا طائفيين، ولا يقرّون بحضور الغير؟! من قال إن هويتهم ليست تأليفاً عنصرياً خالصاً؟!

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى