صفحات الثقافة

مقالات تناولت الصيني مو يان يفوز بجائزة نوبل للآداب


أبوظبي – سكاي نيوز عربية

فاز الروائي الصيني مو يان الخميس بجائزة نوبل للآداب لعام 2012 مكافأة على أعمال يصف فيها بواقعية تاريخ بلاده المضطرب، وتمسكه بمسقط رأسه في شرق الصين حيث ترعرع.

وقالت لجنة نوبل إن مو يان “يدمج قصصا شعبية بالتاريخ والحاضر، بواقعية مذهلة”.

ولد مو يان عام 1955 وترعرع في غاومي في مقاطعة شاندونغ في شرق الصين، حسبما أوضحت الأكاديمية السويدية.

وهو ثاني كاتب صيني يفوز بهذه الجائزة العريقة، فقد منح غاو سينجيان وهو كاتب صيني حصل على الجنسية الفرنسية عام 1997، الجائزة العام 2000، إلا أن الصحافة الصينية تكتمت على هذا النبأ حينها.

وقال السكرتير الدائم للأكاديمية السويدية بيتر أنغلوند للتلفزيون السويدي أن الأكاديمية اتصلت بمو يان “فكان عند والده وكان سعيدا للغاية وخائفا”.

والاسم الأصلي للكاتب هو غوان مويه، والاسم الذي يستخدمه للكتابة “مو يان” يعني “لا تتكلم”.

وقد اختار هذا الاسم المستعار بمناسبة صدور أول رواية له “الفجلة البلورية” (1986) حول طفل يرفض الكلام ويروي الحياة الريفية كما عاشها الكاتب في طفولته.

وبات مو يان الآن من أشهر كتاب الصين، لكنه تعرض للانتقاد من قبل كتاب صينيين اخرين لقربه المفترض من النظام في بكين وعدم دعمه للكتاب المنشقين.

لكن الأكاديمية السويدية تفيد في بيانها أن “أنشودة الثوم الفردوسي” (1988) والكتاب الساخر “بلد الكحول” (1992) “اعتبرا هدامين (في الصين) بسبب انتقادهما اللاذع للمجتمع الصيني المعاصر”.

وقد اشتهر في الغرب بفضل الفيلم “الذرة البيضاء الحمراء” (1987) المقتبس عن روايته التي تحمل عنوان “عشيرة الذرة البيضاء”، وقد فاز الفيلم بجائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين العام 1988.

وتطبع أعماله واقعية قد تصل إلى حد العنف وتتناول كل التغيرات المفاجئة التي مرت بها الصين قبل الحقبة الشيوعية وخلال الاجتياح الياباني والثورة الثقافية وفترات أخرى مضطربة في ظل النظام الشيوعي.

ويشكل كتاب “فينغرو فيتون” (1996) ملحمة تاريخية تصف الصين في القرن العشرين انطلاقا من قصة عائلة، وتراوح بين مأساة التاريخ ورؤى إباحية من خلال مراقبة شخصيات بلدة لا يتمتعون جميعا بالاتزان الكافي، ومن بينهم طفل ولد من مزارعة صينية وقس سويدي.

وقالت الأكاديمية: “أقام مو يان من خلال الجمع بين الخيال والواقع وبين البعد التاريخي والاجتماعي، عالما يذكر من خلال تعقيداته بعوالم كتاب مثل وليام فولكنر وغابريال غارسيا ماركيز، مع جذور ضاربة في الأدب الصيني القديم وتقليد القصة الشعبية”.

وقال غوران ملمكفيست الخبير في الأدب الصيني في الأكاديمية لمحطة التلفزيون السويدي: “إنه من أفضل خيارات الأكاديمية السويدية، لأنه رائع”.

وإلى جانب الروايات أصدر عددا كبيرا من الكتب في فن الأقصوصة ومحاولات أدبية في مواضيع مختلفة.

وقد فاز بالجائزة العام الماضي الشاعر السويدي توماس ترانسترومر.

ويتسلم الفائزون جائزتهم خلال مراسم رسمية تقام في ستوكهولم في العاشر من ديسمبر في ذكرى وفاة مؤسس هذه الجوائز ألفريد نوبل في العام 1896.

مو يان يفوز بـ«نوبل» الآداب والصين ترحب للمرة الأولى

عبده وازن

لم تخلُ جائزة نوبل للآداب التي حصدها أمس الروائي الصيني مو يان، من بُعد سياسيّ، معلن أو مضمر. فهي المرة الأولى التي تعترف الصين فيها رسمياً بفوزها بهذه الجائزة، بعدما تجاهلت سابقاً الجائزتين اللتين منحتهما الأكاديمية السويدية لروائي ومناضل سياسي منشقَّيْن، الأول هو الروائي الكبير الذي يحمل الجنسية الفرنسية غاوكسينغيانغ العام 2000، والثاني هو ليو كزياوبو العام 2010، والذي لا يزال يهجع في السجن ولم يتسنّ له أن يتسلّم جائزة السلام. وإذا تم التسليم بالموقف الصيني الرسمي الذي رحب بالجائزة، فيمكن القول إنها المرة الأولى فعلاً تكافئ الأكاديمية السويدية الصين أدبياً، بعد مرور نحو تسعين عاماً على تأسيس الجائزة، مفسحة للأدب الصيني غير المنشق فرصة العودة إلى الواجهة العالمية بعد أعوام طويلة من الحصار الذي ضربته حوله الثورة الثقافية الشهيرة التي أنجزها الزعيم الراحل ماو تسي تونغ بدءاً من 1966. لم تبق الأكاديمية قادرة على تجاهل الصين، التي باتت لها مكانتها الدولية، والتي تمثل الآن القوة الاقتصادية الثانية عالمياً بعد الولايات المتحدة. وقد يعني هذا الفوز، في ما يعني، أن الأكاديمية، غير البريئة غالباً في خياراتها، اعترفت بحق الصين بالجائزة وبعدم قدرتها على التواصل في تجاهل الأدب الصيني، الذي بدأ قبل نحو عقد في غزو اللغات العالمية، فارضاً أسماء مهمة. إلا أن مو يان الروائي المشهور في الصين وبعض العواصم العالمية، يستحق فعلاً هذه الجائزة بصفته رائداً من روّاد الأدب الصيني الحديث، وهو تمكّن من تأسيس واقعية سحرية أو «مهلوسة»، بحسب بيان الجائزة، توازي الواقعية السحرية التي رسّخها في أميركا اللاتينية روائيون كبار، وفي طليعتهم ماركيز. ولم يكن مستغرباً أن يوصف مو يان بـ «رابليه» الصين ايضاً، تيمّناً بالكاتب الفرنسي الكبير الذي عاش في القرن السادس عشر، نظراً إلى الطابع الهجائي والساخر الذي يسم أدبه، والنابع من صميم الروح الصينية. وقد عبّر بيان الجائزة باختصار عن خصائص هذا الروائي الكبير الذي «يدمج القصص الشعبية بالتاريخ والحاضر، من خلال واقعية مهلوسة»، وهو «شيّد، عبر الجمع بين الخيال والواقع والبعد التاريخي والاجتماعي، عالماً يذكّر في تعقيده بعوالم روائيين مثل وليام فولكنر وماركيز، ولكن بجذور ضاربة في الأدب الصيني القديم والتقاليد القصصية الشعبية».

في السابعة والخمسين من عمره، أصدر روايته الأولى العام 1986، وعنوانها «بريق الكريستال»، وشاءها أشبه بسيرة ذاتية، بطلها طفل ميال إلى الصمت، يروي المأساة التي عاشها في الصين الشرقية وسط عائلته الريفية والمعاناة التي كابدها… هذا الطفل هو الروائي نفسه الذي اضطر خلال المجاعة التي اكتسحت الصين في الخمسينات، إلى أن يقتات من غبار الفحم ليواجه جوعه. هذه المأساة لم تغب عن الروائي، الذي التحق شاباً في صفوف جيش التحريرالشعبي، وحصل على رتبة ضابط ثم انتمى إلى الحزب الشيوعي الصيني. وبعد النجاح الذي حققه أدبياً، أصبح نائباً لرئيس اتحاد الكتّاب الصينيين، ما جعله ينخرط في الجبهة الثقافية الرسمية. وكان من الطبيعي أن يهاجمه الكتّاب الصينيون المنشقون، في الداخل والخارج، ويكيلوا له التهم، آخذين عليه صمته المريب إزاء سجن الكتّاب ومحاكمتهم أو نفيهم. إلا أنه كان يتحدّث عن حريته، التي ما كان ليتخلى عنها يوماً، والتي طالما أثارت حفيظة السلطة الصينية. وقال مرة، وكأنه في صدد الإفصاح عن حياته القلقة: «عندما أنام لا يستريح إلا جزء فقط من عقلي».

اختار الروائي الكبير، الذي تمثل رواياته حالاً من «البست سلر» في الصين، اسماً مستعاراً هو مو يان الذي عُرف به، ويعني «لا تتكلم». أما اسمه الحقيقي فهو غويان مويه. ولعل اختياره الاسم الأول يعبّر عن مأساته التي عاشها طفلاً ويافعاً، والتي نجح في أن يستخرج منها مادة روائية هجائية ساخرة، تخفي وراءها الكثير من الألم والأسى، اللذين عرفهما الشعب الصيني في مراحل متوالية من تاريخه.

عندما تلقّى مو يان خبر فوزه بجائزة نوبل، وكان في زيارة لأبيه، قال لسكرتير جائزة نوبل بيتر انغلند، إنه سعيد جداً بهذا الخبر ومرعوب جداً منه. وهذا ما يعبّر عن حقيقة روائي صيني يعيش في كنف السلطة ويتلقى مكافأة من الخارج، وهو هنا الأكاديمية السويدية.

ولئن عرف مو يان شهرة كبيرة في الصين والغرب، فهو مجهول عربياً، ولم يترجم له إلى العربية أي كتاب.

مو يان الصيني الفلاّح الطيّب والشجاع يفوز بنوبل الآداب

رواياته تحدّت الجبروت واحتفت بالفردية فاستحقّت الوزنات

    رلى راشد

ليس ثمة بلاغة أعمق من أن تمنح جائزة نوبل للآداب لروائي وقاص صيني يحمل هوية كتابيّة معناها “من لا يتكلّم”. والحال ان مو يان، أقلّ في الكلام ربما، غير أنه كتب وأفاض. لم تكن نجمة الاحتمالات مضيئة بالنسبة الى شخص صيني في وسط مليارات آخرين رأى النور في 1955 شمال الصين، واقتات طفلا من قشور الشجر لشدة فقره. نقل بؤس الواقع الى نصه الأدبي ولم يلبث قارئه أن أدرك أن ليس في هذا النسق من الوصف القحّ والمثخن بالوجع، شبهة تلاعب أدبي.

حبست الصين الشعبية نفسَها في جوار الإعلان عن نوبل الآداب، بعدما لاح طيف الفوز لصوت مو يان التخريبي. تكاثرت التكهنات وتم التداول في تعاظم حظوط الصيني الى جانب آسيوي آخر وليس من أقلّهم: الياباني هاروكي موراكامي. على مرّ أكثر من القرن، تقرّب الامتياز الادبي الممنوح من الاكاديمة الأسوجية من صيني سواه، غير ان المعارض جاو شينجيان لم يكن مواطنا “نقيّا” تماما. جعلته الاقامة الباريسية صينيا تشوبه علامات التغريب، في حين أظهر مو إمارات تخوّله التماهي الجماعي. نشأ مو يان فلاّحاً علّم نفسه بنفسه. وضع رواية دقيقة كمثل التقارير الباعثة على الخشية بقدر العبث، ليصير بسبب هذا كله، مثالا يتعذر تهشيمه، أقله في الوعي الشعبي. بيد ان جمل مو يان المديدة والمبهجة والمتهكمة، لم تشفع له إزاء السلطات فحظرت بعض عناوينه في محاولة للدوس على خيوط الخيال. لكن في منح نوبل الآداب للرجل، وفي هذا التوقيت، موقف في ذاته، او لنقل ارادة لترفيعه وجعل تجربته اكثر نتوءا في وسط تجارب أدبية، لا يمكن احصاؤها.

في رصيد مو يان ما يزيد على عشرين رواية وقصة تندرج في صنف التعليق الاجتماعي. “فجل من الكريستال” (1986) و”عصبة سورغو” (1990) و”الصدور العارمة والأوراك الواسعة” (1994) جعلته “رابليه الصين” لاستمهاله أسلوبا على تحدٍّ وامتاع، لم يستبعد نقدا استعاريا للنظام الشيوعي في الصين. طعّم نصه بالحدث العنيف المباغت وبتبجيل النساء ووصف الطبيعة والاستعارة النائية. ولأن الرواية الصينية لا تتكئ كالرواية الأنغلوساكسونية، على إرث فيكتوري يفرض سيادة اللياقات، أظهر الكاتب حرية مطلقة في التفاصيل الجسدية التي رافقت سرد العلاقات الجنسية والولادة والمرض والموت العنيف.

في مطلع روايته “الصدور العارمة والاوراك الواسعة”، وهي كناية عن جدارية تاريخية ترسم الصين في القرن العشرين بدءا من بيئة إحدى الأسر، نشهد ولادتين على صعوبة، احداهما لسيدة تدعى شانغوان لي والثانية لحمار. يلاحق الكاتب الحالتين بالالتزام عينه، ليكتب: “راح الحمار يعاني، فيما انسكب السائل الاصفر من منخريه وترنح رأسه ليصطدم بالأرض”. في حين لا يتردد في استدعاء الاستعارات السخية والمتحركة مدوّناً: “طافت صرخات سيما تينغ العنيدة في الجو كمثل ذبابة تقتفي اثر اللحم الفاسد، التصقت في الجدار اولا ثم راحت تطنّ فوق جلد الحمار”. أتت “الصدور العارمة والاوراك الواسعة” الكاتب بالمتاعب، ذلك أن مضمونها الجنسي لم يرق للحزب الشيوعي الحاكم، إذ رأى في الرواية هنة أساسية تتمثل في “التقاعس عن وصف الصراع الطبقي”. ليعزّز هذا التشريح الرغبة في نبذها. والحال ان “جيش التحرير الشعبي” فرض على مو يان سحب نصه واصدار ملحق له، بمثابة نقد ذاتي لمؤلفه. كان على الكاتب أن يقترف أكثر الافعال مقتا، وأن يضع تخييله في مناهضة تخييله.

تحدثت “الصدور العارمة والاوراك الواسعة” عن فظاعات المعيش الصيني خلال الجزء الاول من القرن العشرين وظلت متداولة في نسخ مقرصنة على الرغم من المنع الرسمي، اما “الحياة والموت أضنياني” فغطت الجزء الثاني الأكثر دموية من القرن عينه. أحيت الحكاية مفهوم التقمص البوذي فاستهلها صاحبها في مطلع كانون الثاني 1950، في جهنم. ها إن حاكم العوالم السفلية اللورد ياما، يواجه ملاّكاً بإسم شيمين ناو اعدم قبل عامين، حاله كحال الالاف من الملاّكين، ليجري تقاسم أرضه بعدذاك وتوزيعها على الفلاحين. يرفض شيمين الاذعان للضغط وينبذ الاقرار بارتكابه ذنبا، فيعيد اللورد ياما ارساله الى قريته في هيئة حمار، عقابا.

لم يكن في سيرة مو يان (واسمه في السجلات غوان مو) ما ينبئ بما سيؤول اليه مصيره. تخلّف عن ارتياد المدرسة منذ الثانية عشرة فيما “الثورة الثقافية” تتقدم، ليعمل في الحقول ثم المعامل. في 1976 جنّده “جيش التحرير الشعبي” حيث راح يحابي أبجدية الكتابة في أقل الاماكن احتمالا، وينجز اولى حكاياته ويبدأ النشر في 1981 في احدى المجلات الادبية. ليطأ ملكوت الانتشار بفضل “عصبة سورغو”، وإن تبدّت نصوصه في حالات كثيرة مغامرة قراءة مستحيلة لتجاوزها مترجمة، خمسمئة صفحة.

استل مو يان أسلوباً غير اصطلاحي ليتوقف عند جنون عقائدي أُلحق باقترافات عاناها مواطنوه. خلال عقود كتب قصصا على حيوية ووحشية في آن واحد، حكايات هامت في واقع الريف الذي تحدى عقيدة الحزب الرسمية، واحتفت بالفردية ورفعتها على أي امتثال أعمى. تحدى كذلك التقليد الأدبي ليجعل الفانتازيا والهلوسات والميتا خيال تخترق الواقع الفجّ. في بورتريهات ابطاله الرجال غير الرحومة، اجتذب مو يان الأنظار صوب ما يعدّه تراجعا في الجنس البشري قبالة قدرة الشخصيّة الصينية. كتب في شأن الملذات الغريزية والمعضلات الوجودية، ومال الى ابتكار نماذج حيوية لا تعير اهتماما للياقات. في حين امتثلت نصوصه الأولى الى سرد يتقدم في بنية واضحة تشمل الحيوية والفكاهة الفظة، صار نصه في الآونة الأخيرة أكثر تشذيبا وتجريبا على السواء، فراح يتوزع بين رواة عدة ويعتنق اسلوبا متحررا ومرنا لتلصق به لافتة “الواقعية السحرية الصينية”.

بيّن الخبراء في الاعوام المنصرمة اقتناعاً بأن الصين أمة المستقبل، وبأن ثمة إمكاناً للتعايش بين تناقضات جمة: شعب لا متناه من جهة، ومزيج بهلواني غير متوقع يترنح بين الإمساك الاستبدادي بمصائر الناس وبين إطلاق يد الشركات الخاصة، من جهة ثانية. هذا في حين ظلّت الجمهورية الشعبية في مجال الآداب، صامتة الى حد بعيد، على الأقل في الاوساط الغربية. قبل فوز مو يان، ظفر صيني وحيد بنوبل الآداب (إذا استثنينا بيرل باك الصينية الهوى)، وكان معارضا ومهاجرا الى باريس.

ليس ثمة ضرورة للتأكيد أن آداب هذه البلاد لا تحظى بترف الترجمة إلاّ قليلا، بدفع من مشغوفين بالحضارة تلك. في التسعينات من القرن المنصرم عندما نقلت “عصبة سورغو” الى الإنكليزية استشرف البعض أن الصوت الصيني سيشق طريقه الى نفوس الأميركيين على نسق أسماء أجنبية أخرى كمثل ميلان كونديرا وغارثيا ماركيز. وها إن الواقع تجاوز نبوءتهم حتى.

اختار مو يان إسمه الأدبي إبان انجاز روايته الأولى. يقول انه اتخذ هذه الهوية لأنه كان لا يزال في تلك الفترة في الجيش ولكي تذكّره بضرورة أن يضبّ لسانه تفاديا للمتاعب. كأن مو يان، في تلك الحركة التنصّلية، ينفض عنه احتمالات المصائر المرتقبة. كأنه يقترض كلام أحد شخوصه في “قانون الكارما الصعب”: “أنا بريء! انا شيمين ناو، أقمت ثلاثة عقود في دنيا البشر، عملت برضا وأظهرت مثابرة… غير أنهم يوثقون يدي، انا الرجل الطيب، الرجل المستقيم، الرجل الشجاع، يدفعون بي الى الجسر، ويرمونني بالرصاص”.

من هو هذا القلم الذي تحدث كثيراً؟

    فاطمة عبدالله

في 17 شباط من العام 1955، ولد مو يان في بلدة غاومي في مقاطعة شاندونغ شرق الصين لعائلة من المزارعين عرفت الفقر المدقع بين عامي 1959 و1961 بسبب سياسات ماو تسي تونغ الاقتصادية. الظروف الاجتماعية آنذاك والثورة الثقافية تحديداً أرغمتاه على ترك المدرسة للعمل في أحد المصانع التي تنتج النفط. عندما بلغ العشرين من عمره، التحق بصفوف “الجيش الشعبي للتحرير”، الجناح العسكري للحزب الشيوعي الصيني، من دون ان يتخلى عن شغفه بالكتابة، الى ان أصبح، بعد ثلاث سنوات، مدرّساً في قسم الآداب في أكاديمية الجيش الثقافية.

“مو يان”، معناها بالصينية “لا تتحدث”، ليس الاسم الذي منحه إياه والداه. اسم هذا الرجل الحقيقي هو غوان مو، فكيف أصبح مو يان؟ أثناء إلقائه خطاباً عاماً في جامعة هونغ كونغ المفتوحة، أعلن أمام الحضور ان روايته الأولى “مطر يتساقط فوق ليلة ربيعية” 1981 ألحّت عليه لتغيير اسمه. هذا الصيني أرفق كلامه بذريعة تبدو لوهلة على هيئة أحد الحوارات التي تتسمك بها شخصيات الرواية لتُشبّع الحوادث بالتطورات الدراماتيكية: “لأني معروف باستفاضتي في الشرح وأنا أتكلم، ولأن هذا ليس محبباً دائماً لدى الصينيين، اخترت اسم مو يان لأذكّر نفسي كلما شطحت بألا أتحدث إلا قليلاً!”.

بنى مو يان أسلوباً يميزه في الكتابة “من خلال الجمع بين الخيال والواقع وبين البعد التاريخي والاجتماعي”، حتى استحال له “عالماً يذكّر من خلال تعقيداته بعوالم كتّاب مثل وليم فولكنر وغبريال غارثيا ماركيز، مع جذور ضاربة في الأدب الصيني القديم وتقليد القصة الشعبية”، بحسب البيان الصادر عن الأكاديمية الأسوجية.

يوصف مو يان بالأشهر والأكثر تأثيراً بين الكتّاب الصينيين، وقد ذاعت شهرته في الغرب من خلال قصصه ورواياته التي تحول بعضها أعمالا سينمائية أميركية مثل فيلم “عشيرة الذرة الرفيعة” عام 1987. كما يعد واحداً من أكثر الروائيين غزارة، إذ يُقال انه كتب روايته “الحياة والموت أضنياني” عام 2008 في 43 يوماً فقط! نشر العشرات من القصص والروايات بالصينية: “جمهورية النبيذ” 1992، “الثوم الفردوسي” عام 1995، “الصدور العارمة والأوراك الكبيرة” عام 1996، الى العديد من المؤلفات بين رواية وقصة قصيرة وبحث.

يُعتبر مو يان أحد أبرز الكتّاب الذين منعت السلطت الصينية أعمالهم، فكتبه تصاب عادة بلعنات القرصنة أكثر من كتب أي صيني آخر، هذا ما أثار التساؤلات حول اختيار لجنة نوبل له ليكون الفائز رقم 109 بالجائزة منذ استحداثها.

كان الكاتب الصيني الكبير ما جيان شجب عدم تضامن مو يان مع غيره من الكتّاب الذين يواجهون قمعاً من السلطة الصينية “على الرغم من حرية التعبير التي يكفلها الدستور”. على كل حال، أحدٌ لا يستطيع اخفاء شجاعته في خرق تابوات المجتمع الصيني المعاصر وهو يعالج قضايا الجنس والسلطة والسياسة مع لمسة فكاهية خاصة، ومن دون مواربة أو ادعاء.

مـو يـان عسـكري صينـي يفـوز بنوبـل الآداب

اسكندر حبش

قد لا تكون مفاجأة كبيرة فوز الكاتب الصيني مو يان بجائزة نوبل لهذا العام، بالنسبة إلى كثيرين، إذ أجمعوا على أهميته ككاتب عرف كيف يبني عمارته الروائية لدرجة أن عديدين يشبّهونه برابليه (الكاتب والفيلسوف الفرنسي)، بيد أن النقاشات أمس على المواقع الالكترونية، عقب فوزه بالجائزة، كانت في أغلبيتها نقاشات سياسية، فمو يان، يعتبر من أبرز كتّاب النظام الصيني، وابن المؤسسة العسكرية، حيث انتسب إلى جيش التحرير الشعبي عقب الثورة الثقافية، وتعلّم هناك، ومن ثم التحق بالجامعة.

كان عسكرياً بعد (تقاعد من الجيش قبل ثلاث سنوات)، حين بدأ الكتابة، وإن لم يمنع ذلك من أن بعض مخطوطاته تعرّض للرقابة، فما كان من الكاتب إلا أن نزل عند رغبة الرقيب، وبعد نشرها، عرفت نجاحاً واسعاً، لتتحول أيضاً إلى أفلام سينمائية حصدت الجوائز والنجاح.

المؤسسة الرسمية الصينية أجمعت على حسن الاختيار، واعتبرت مو يان «أول كاتب صيني حقيقي»، وهي التي لم تتوقف عن مهاجمة الأكاديمية السويدية في السنين السابقة، أولاً في العام 2000 حين فاز غاو سينيانغ بجائزة نوبل للآداب، وهو كاتب منشق يحمل الجنسية الفرنسية، وثانيا في العام 2010، حين حاز ليو زياوبو، جائزة نوبل للسلام، وهو يقبع في السجن، بسبب مواقفه المناهضة لسياسة بلاده.

مو يان «كاتب الرواية الصينية الكبرى»، وهو بعد في السابعة والخمسين من عمره. وهنا أيضاً، اختارت الأكاديمية كاتباً لم يتجاوز الستين بعد، في حين عوّدتنا، في أغلبية اختياراتها، على انتقاء كاتب بلغ من العمر عتياً. كاتب «يستمتع» بكل ما يكتب، مهما كان الموضوع الذي يعالجه، حيث «تجرأ» في بعض الأحيان على تقديم نقد للمجتمع، وإن عرف كيف يسير بين نقاط المطر درءاً لأي متاعب.

 صيني غير منشق لم يدافع عن الكتّاب المضطهدين والسجناء السياسيين

مـو يـان حائـز «نوبـل» لهـذا العـام كتـب روايـة الصيـن الكبـرى

اسكندر حبش

من تابع وكالات الأنباء العالمية في الأيام الأخيرة، التي تحدثت عن ترشيحات نوبل للآداب، لا بدّ أنه وقع على اسم الروائي الصيني مو يان، كواحد من المرشحين المحتملين للفوز بها هذا العام. ومن تابع الوكالات عينها، كان لا بدّ له أن يقع على المناخ المثير الذي ساد في الصين، بعد شيوع اسم الكاتب، ولسببين: الأول أن الصين تعتبر أن الأدب الصيني لم يكافأ لغاية اليوم، إذ ان غاو سينيانغ الذي حاز الجائزة العام 2000، هو من المنشقين، الذين لا يلقون أيّ ترحيب في الأوساط الثقافية هناك (من هنا كان اليأس في الحصول على جائزة تمثل الأدب الصيني في الداخل)، وثانيا، أن أحد المرشحين المحتملين كان الكاتب الياباني هاروكي موراكامي، فهو لو فاز لكان الشخص الثالث الذي يحوز الجائزة بعد ياسوناري كاواباتا وكنزابورو أويه، وهذا ما يثير حساسية الصينيين، نظرا «للعلاقات التاريخية المتوترة» بين البلدين.

عن هذه المكافأة للأدب الصيني، قال موقع «سينا ويبو»، فور إعلان اسم الفائز إنها «أول جائزة نوبل لكاتب صيني حقيقي» (أي يعيش أيضا على الأرض الصينية، غير منشق، ولا يحمل أيّ جنسية أخرى، كالعديد من الكتّاب الصينيين الآخرين، «المنشقين»، وللتفرقة مع حالة غاو بالتأكيد). من هنا نفهم تهنئة ماي جا (كاتب صيني يتمتع أيضا بالشهرة الكبيرة) حين قال: «الشرف ليس له فقط، بل لهذه اللغة التي يمثلها، كما إلى البلد والشعب الصيني، تهنئتي مو يان، برافو للصين».

إذاً سارت الأمور «على ما يرام» بالنسبة إلى الصينيين، ظُهر البارحة، بعد أن أعلنت اللجنة الملكية السويدية فوز مو يان بأكبر تكريم في دنيا الأدب، وقد أشارت في بيانها إلى أن الكاتب «يدمج قصصا شعبية بالتاريخ والحاضر، بواقعية تمتزج بالخيال». وأضاف البيان أن «مو يان أقام من خلال الجمع بين الخيال والواقع وبين البُعد التاريخي والاجتماعي، عالما يُذكر من خلال تعقيداته بعوالم كتّاب مثل وليام فولكنير وغابريال غارسيا ماركيز، مع جذور ضاربة في الأدب الصيني القديم وتقليد القصة الشعبية».

بمعنى آخر، هو كاتب من قلب النظام الرسمي، وأحد البارزين في المشهد الأدبي والثقافي هناك، لدرجة أن كاتبا صينيا آخر هو ما جيان (يعيش في لندن، بعد أحداث تيان آن مين)، كان ندّد منذ فترة بمو يان لعدم تضامنه والتزامه الأخلاقي تجاه الكتّاب والمثقفين الصينيين الآخرين الذين يتعرضون للاضطهاد أو السجن أو الذين «تُكمم أفواههم» «المؤسسة». فمو يان، الذي انتخب نائبا لرئيس اتحاد الكتّاب الصينيين، لم يتفوه، على سبيل المثال، بأيّ كلمة عن سجن الكاتب والمثقف ليو زياوبو، الذي يقبع في السجن، على الرغم من حيازته جائزة نوبل للسلام العام 2010. فبرأي تينغ بياو (أحد المحامين الصينيين المنشقين) أن مو يان «لم يستفد من حضوره ككاتب ليتحدث باسم المثقفين والسجناء السياسيين، بل على العكس من ذلك كان مكتفيا بمصالح الحكومة حين كتب لها خطابا» (إشارة إلى مساهمته بكتابة نص في ذكرى رحيل ماو تسي تونغ).

ربما لم يفعل لسبب أن هذا «الفلاح الجندي الكاتب» بقي لفترة طويلة يرتدي الثياب العسكرية، التي لم تمنعه من الكتابة، على الرغم من انه تعرض أحيانا لمقص الرقيب وبخاصة في روايته «نهدان جميلان، أرداف جميلة» (وفق العنوان بالفرنسية) وهي إحدى أكثر رواياته شهرة.

«عنصر سيئ»

ولد مو يان واسمه الحقيقي غوان مويي، العام 1955 في غاوومي، مقاطعة شاندونغ (الصين الشرقية)، في عائلة فلاحية، وقد عرفت الجوع الشديد بين 1959 و1961، بسبب ما عرف زمن الثورة الثقافية باسم «القفزة الكبيرة للإمام»، من هنا كان لا بدّ لمو يان أن يتعرض للعديد من المضايقات، إذ صُنف بأنه «من العناصر السيئة» فوجب طرده من المدرسة. وبقي لسنوات يحمل هذا «الإثم» الذي لم يتحرر منه إلا وهو في العشرين من عمره، حين التحق بـ«جيش التحرير الشعبي»، فعاد لاحقا إلى متابعة الدراسة، في مدرسة تابعة للجيش، قبل أن يلتحق بجامعة بكين التي تخرج منها العام 1991.

إذا كانت طفولته «متوترة» بعض الشيء بسبب هذا الحرمان، من هنا وجدت عائلات تلك المنطقة، غير المتعلمين، الملجأ الوحيد في الانتساب إلى الجيش، ليتقدموا في السلم الاجتماعي إذا جاز التعبير، وهذا ما فعله الكاتب الذي أصبح كاتبا، وهو اليوم على قمة الأدب في العالم.

نشر أول أعماله العام 1981 بعنوان «فُجلة الكريستال» (وفق الترجمة الفرنسية)، وليتخذ معها اسمه الأدبي مو يان («الذي لا يتكلم»)، ليعرف الشهرة عبرها. حول اختياره هذا الاسم الأدبي، قال الكاتب العام 2009 لصحيفة «باروسيون» الفرنسية: «زمن الثورة الثقافية، كنتُ في العشرين من عمري، وكنت أتلقى التربية من والديّ، وكان من الخطر علينا أن نتكلم. طلب أهلي مني دائما أن أسكت. وعندما بدأت الكتابة، أعدت التفكير بهذه التربية، بهذه الحكمة التي فرضها والداي عليّ. من هنا، يأتي هذا الاسم المستعار بمثابة سخرية ما». عدم كلامه هذا، جعله يقل جدا من أحاديثه الصحافية، على الرغم من أن صفحات رواياته كلها تتجاوز دائما الـ500 صفحة (على الأقل وفق الترجمات الفرنسية)

صحيح أن روايته الأولى جلبت له شهرة ما، لكن هذه الشهرة لم تتكرس إلا مع روايته الثانية «عُصبة سورغو» التي تحولت إلى فيلم سينمائي بعنوان «السورغو الأحمر» (1986) بإخراج زانغ ييمو، والتي جلبت له المجد الذي هو عليه الآن. لكنه لم يستقل من الجيش إلا العام 1997، كي يتفرغ أكثر للإبداع.

تأثيرات الآخرين

عدا الروايات التي جعلته يتبوأ هذا المركز المتقدم على الساحة الثقافية، نشر الكاتب العديد من الأقاصيص والأبحاث، حول موضوعات مختلفة وهو، كما تقول الأكاديمية أيضا في بيانها، «على الرغم من حكمه النقدي على المجتمع، إلا أنه يعتبر أحد أكثر الكتّاب بروزا في بلاده». هذه الكتابة جاءت في البداية، بالطبع، من حبّه للقراءة، إذ يُعرف عنه عشقه للقراءة وبخاصة «الكتّاب الغربيين»، كما الأدب الروسي والياباني والأميركي لاتيني. حول هذه التأثيرات، أجاب في أحد أحاديثه الصحافية، عمّا إذا كان تأثر بكتاب فرانكوفونييين أو أنغلوفونيين، بالقول: «نعم، هناك تأثيرات كتّاب آخرين. دائما ما نتأثر بالآخرين. لكن علينا أن ننوع في ذلك، على كتابتك أن تصبح كتابتك أنت. لقد تأثرت بغابرييل غارسيا ماركيز، بلزاك، بروست، ثمة ضرورة عند كلّ كاتب: أن يقرأ كثيرا كي يعرف ماذا يفعل الآخرون وكيف يقومون به. تشعر أن ما تقوم به هو شيء جديد، وهنا الخطأ، إذ ثمة كثيرون قد قاموا به منذ زمن بعيد».

في واحد من أعماله الأخيرة «ضفادع»، يتحدث مو يان ـ بلغته اللاذعة ـ عن سياسة تحديد النسل في الصين، وهو موضوع حساس على الرغم من أنه توقف عن أن يكون موضوعا محرما منذ سنين. وعلى قول إريك ابراهامسن، خبير أميركي في الأدب الصيني، فإن مو يان «كاتب كبير(…) يكتب رواية الصين الكبرى» وهو في الوقت عينه «كاتب خبيث بالنسبة إلى ما لا يكتب أو ما لا نستطيع كتابته». من هنا تعتبر سيلفي جانتيل، (من أوائل من ترجم أعماله إلى الفرنسية)، أنه إذ كان يتحدث في كتبه عن مشهد جنسي أو عن مشهد تعذيب، أو عن خراب الحرب أو عن جلسة شراب، فإنه يقوم بذلك بطريقة تشبه طريقة رابليه لذلك «يستمتع بالطريقة عينها».

في أي حال، أعلن اسم الفائز البارحة. فرح كبير في الصين، وانتقادات شتى من المنشقين في الخارج. وأين قيمة مو يان الأدبية؟ ربما لم نقرأه بعد لنعرف أين يقف، بين ذلك كله، إذ كما يقول الكاتب نفسه: «على الكاتب أن يعبر بنقد وسخط تجاه الجانب المعتم من المجتمع وتجاه بشاعة الطبيعة الإنسانية، بيد أنه علينا أن نحتفظ بعبارة موحدة» ويضيف: «يفضل البعض أن يصرخوا في الشارع، لكن علينا أن نسامح أيضا الذين يختبئون في غرفهم ويستخدمون الأدب للتعبير عن آرائهم».

وبعيدا عن هذه الآراء، أجمع جميع مترجميه إلى اللغة الفرنسية على أنه كاتب يستحق هذا التكريس، بعيدا عن مواقفه السياسية، إذ عرف كيف يؤسس عالما أدبيا يستحق أن يقرأ.

الصيني المعروف عالمياً مجهول بالعربية

مايا الحاج

نظرات شاردة في الفراغ. أقلام متجمدّة بين الأصابع. ابتسامات ضائعة بين الخجل والدهشة. الخجل من أنفسنا التي لم يُحرّكها الفضول لاكتشاف «الآخر»، ودهشة من خيار اللجنة السويدية الذي وقع على كاتب لم تكتشفه الذائقة العربية بعد.

غريب هو الشعور الذي ينتاب المثقف العربي لحظة معرفته بأنّ الفائز بالجائزة الأدبية الأهمّ والأشهر في العالم هو شخص لم يعرفه قطّ. ولكن هذه ليست المرّة الأولى التي يفوز فيها «مجهول» بجائزة نوبل للآداب! وإن كان هذا المجهول في وطنه كاتباً كبيراً، وأعماله هي الأكثر مبيعاً، وأدبه مترجم إلى الكثير من لغات العالم، فهو يبقى مجهولاً بالنسبة إلينا، نحن العرب. فهل غياب اسمه عن الترجمة العربية تُبرّر جهلنا بكاتب هو «الألمع» في بلد يزيد عدد سكانه عن المليار نسمة؟

التوقعات الغربية كانت تُشير إلى منافسة بين الياباني هاروكي موراكامي (1949) والصيني مو يان (1955)، إلاّ أنّ «ترشيحاتنا» ذهبت إلى موراكامي، ليس لموهبة أكبر يملكها وإنما لجهل معظمنا بأعمال المُنافس الآخر وأدبه.

والمفارقة أنّ هذه المزاحمة أعادت الصراع الصيني- الياباني إلى الواجهة، وكان الصيني الفائز بجائزة نوبل للآداب قد أثارها في إحدى رواياته التي تحولّت إلى فيلم سينمائي شهير لزانغ ييمو بعنوان «الذرة الحمراء»، نال جوائز في أكثر من مهرجان سينمائي.

قبل أن يبدأ مشواره الأدبي، انخرط غويان مويه (اسمه الحقيقي) في صفوف جيش التحرير الشعبي وهو في العشرين من عمره، ثمّ تابع دراسته في الكليّة الحربية ليحصل بعدها على رتبة ضابط.

وفي العام 1981 أصدر روايته الأولى «بريق الكريستال» بتوقيع اسمه المستعار الذي رافقه حتى لحظة حصوله على «نوبل» للآداب «مو يان» (يعني من لا يتكلّم). واختار أن يستهلّ مشواره الأدبي بعمل يتكئ على سيرته الذاتية من خلال طفل شبه صامت يروي تفاصيل المأساة التي عاشها من جوع وفقر وعوز مع عائلته الفلاحة في «شاندونغ»، شمال الصين، خلال المجاعة التي اجتاحت البلاد نتيجة الخطة الاقتصادية التي وضعها ماو تسي تونغ بين عامي 1958 و1961 بغية الدفع بالصين «خطوة إلى الأمام».

ويبدو أنّ طفولة مو يان هي المرحلة الأكثر تأثيراً في نفسه. فمنها استوحى اسمه الذي اختاره رفيقاً لأدبه لكونه كان طفلاً يميل بطبيعته إلى الصمت. ومن هذه الطفولة التي قضاها في منطقته الريفية كفلاّح صغير يركض بين الماشية والأشجار وشتلات الذرة، انتهل مواضيعه الأساسية التي سيطرت على الكثير من أعماله.

بعدما لمع اسم مو يان وتُرجمت أعماله إلى لغات أجنبية كثيرة، اختير نائباً لرئيس اتحاد الكتّاب الصينيين. الأمر الذي جعله عرضة للاتهام لدى الكثيرين من الكتاب المنشقين، داخل الصين وخارجها.

وبالرغم من فوز الصيني غاو كسينيانغ بنوبل للآداب عام 2000 وليو زياوبو بالجائزة نفسها للسلام عام 2010، إلاّ أنّ الصين رأت في فوز مواطنَيها المنشقّين استفزازاً لها، ما دفعها إلى مهاجمة الأكاديمية السويدية اكثر من مرّة. وهي لم تعترف بفوزها بالجائزة السويدية المرموقة قبل مو يان. أمّا فوز يان فمن الطبيعي أنّه راق لها إلى حدّ إجماع المؤسسة الرسمية الصينية على حسن الاختيار وعلى الاعتراف بأن «مو يان هو أول كاتب صيني حقيقي يفوز بالجائزة». ورأى بعضهم في فوز مو يان مغازلة علنية من لجنة نوبل لدولة الصين، وقد أعلنت الأكاديمية السويدية في بيانها أنّ أعمال مو «تجمع بين التراث الفلكلوري والتاريخ والمعاصرة بأسلوب واقعي يتسّم بالهلوسة». وأشارت إلى وجه شبه بين أعماله وأدب فولكنر وماركيز لما تحمله من واقعية سحرية.

لا شكّ في أنّ مو يان لن يبقى مجهولاً بعد نوبل في عيون العالم العربي لأنّ دور النشر ستتكفّل بترجمة أعماله إلى العربية بعدما أضحى واحداً من أصحاب «نوبل»، لكنّ مو يان وحده لا يختصر الأدب الصيني أو الآسيوي الغزير والمهم. فهل يُمكن الفضول العربي أن يدفعنا من الآن وصاعداً إلى التعرّف على الأدب في المكان الآخر من العالم، والذي يفرض نفسه بقوة في الآداب العالمية؟ أم أنّنا سنبقى مقيدين بمقولة «الوجه الذي تعرفه خير من الوجه الذي تتعرّف عليه» بانتظار «نجيب محفوظ» آخر يخرج من بيننا ويمنحنا نشوة الفوز بالجائزة الأدبية الأشهر في العالم؟

موه يان: غارسيّا ماركيز أثّر فيّ كثيراً

يوسف يلدا

ترجمة وإعداد يوسف يلدا: يقول الكاتب الصيني موه يان، الفائز بجائزة نوبل للأدب لعام 2012 “في شبابي كنت رومانسيّاً، أما اليوم فأن القسوة تحدُّ من رومانسيتي”، و”في التأريخ، تبدو المرأة أكثر شجاعة من الرجل”.  كان موه يان من بين الكتّاب المدعوين لحضور معرض الكتب الأخير في لندن. وهذا اللقاء أجري معه هناك.

تدور أحداث العديد من رواياتك في مدينة خيالية تشكل غاومي أرضية لها، تلك المدينة التي ولدت فيها. ما الذي يدعوك إليها، في كل مرة، وتحديداً، بعد أن كسبت عدداً هائلاً من القراء من مختلف أنحاء العالم؟

عندما شرعت في الكتابة، هذه البيئة كانت هناك، والقصص التي كنت أرويها ولدت من تجربتي الشخصية. مما كان يدفع بأعمالي إلى الإزدهار، وتجربتي المباشرة عن الوقائع أخذت تنضب شيئاً فشيئاً، وعليّ أن أضيف إلى مسرح الأحداث القليل من الخيال.

تقارَن كتاباتك بأعمال مؤلفين أمثال غراس، وفوكنر، أو غارسيّا ماركيز. هل كانت أعمال هؤلاء متوفرة في الصين خلال المراحل الأولى من حياتك؟ وهل هناك من ترك تأثيره عليك؟

بدأت أكتب في عام 1981، قبل أن أقرأ لهم. وقد تعرفّت على كتاباتهم مع بداية عام 1984، ولا شكّ أن غارسيّا ماركيز وفوكنر تركا منذ ذلك الحين تأثيرهما الكبير على نتاجاتي الأدبية، وأدركتُ أن تجربتي في الحياة مماثلة لتجربتهما. ولو كنت تعرّفت عليهما من قبل، لربما إستطعت إنجاز كتابات رائعة شأن أعمالهما.

كتبك الأولى مثل “الذرة الحمراء”، تتخذ من الخلفيات التأريخية منطلقاً لها، أحياناً من خلال عناصر رومانسية، في الوقت الذي تتناول الأخيرة منها موضوعات معاصرة…

عندما كتبت “الذرة الحمراء”، كان عمري أقل من ثلاثين سنة. وحينما كنت أتناول تأريخ أجدادي، في ذلك الوقت، كنت أتعامل معها بروح مشبّعة بالرومانسية. كتبت عن حياتهم، ولكن، لم أكن أعرف الكثير عنهم، مما قادني إلى اللجوء إلى المزيد من الخيال في رسم شخصيات رواياتي. وفي المقابل، عندما كتبت “لايف آند ديث آر ويرنغ مي أوت”، كان عمري حينها قد تجاوز الأربعين سنة، وكنت أصبحت رجلاً في متوسط العمر. حياتي اليوم تختلف، أنها مستقرة، والقسوة الشديدة في زمننا هذا أصبحت تحدّ من الرمانسية التي كنت أشعر بها فيما مضى.

غالباً ما تكتب بلغة “لاوبايكسينغ”، وتحديداً بلهجة شنغهاي، مما يمنح نثرك نكهة خاصة. هل تعاني من الإحباط وأنت ترى أن معظم تعابيرك ومفارقاتك قد فقدت مغزاها في الترجمة؟

من الجلي أنني كنت أستعين في أعمالي الأولى باللهجة المحلية، لأنه لم يخطر ببالي قط أن يأتي اليوم الذي أرى فيه كتبي وقد تُرجمت إلى لغات أخرى. وبعدها، أدركت أن ذلك يخلق مشاكل كبيرة للمترجمين. إلاّ أنني، لا يمكن أن أتخلي عن إستخدامها، لأن حيوية اللغة، ووسيلة التعبير من خلالها تعد من الأمور الجوهرية في أعمال الكاتب. لذلك، عندما أعمل مع المترجمين إلى اللغة الإنكليزية، من ناحية، أقوم بإجراء تعديلات على تعابير معينة والمفارقات التي تتخلل العمل، ومن ناحية أخرى، أنتظر منهم المساهمة في نقل ذلك من خلال الترجمة. وهذه الحالة تمثل غاية في المثالية.

العديد من رواياتك تتضمن شخصيات نسائية قوية. هل تعتبر نفسك مناصراً لحقوق المرأة، أو لمجرد أن الكتابة من منظور نسائي يجذبك؟

أنا أكنّ كل الإعجاب والإحترام للمرأة. وأعتقد أن خبرتها الحيوية، والصلابة التي تتميّز بها، هي أكثر مما لدى الرجل. وعندما ننظر إلى الكتب التأريخية، المرأة تكون دائماً أكثر شجاعة من الرجل. وفي كتبي أحاول فهم وتفسير العالم من وجهة نظرها. ومشكلتي في هذا المجال أنني لست إمرأة، بل كاتب ذكوري، أحب وأحترم النساء، ولكن أنا رجل.

كتابك الأخير “ديمقراطية” الذي تمّت ترجمته إلى اللغة الإنكليزية، يروي نهاية حقبة زمنية في الصين، إنطلاقاً من تجربتك الشخصية في مرحلة المراهقة والشباب. هناك لمست حزنٍ في هذا الكتاب…

 بلى، ومرد هذا الحزن يعود إلى تقديم رجل في الأربعينات من عمره، يتذكر مرحلة شبابه التي مرّ بها. على سبيل المثال، عندما كنتَ شاباً، قد تكون إنبهرت بفتاة ما، ولكن أصبحت فيما بعد زوجة لغيرك، حينها تكون الذكرى حزينة. ومن ناحية أخرى، شهدت الصين خلال الثلاثين عاماً الماضية تطوراً كبيراً، ولكن، في ذات الوقت كانت هناك مسائل تحتاج للمناقشة، مثل تلوث البيئة، أو التدهور الأخلاقي. الحزن الذي يخيّم على كتابي، سببه زوال مرحلة الشباب، وأيضاً قلقي إزاء الأشياء الدائرة في الصين، خاصة تلك التي لا تعجبني.

واقعية خشنة وسحرية ونقد هادئ للتجربة الصينية

فخري صالح

يتساءل الكاتب الصيني مو يان، الحاصل على جائزة نوبل للآداب هذه السنة، عن الأسباب التي جعلته يحلم بأن يكون كاتباً فيجيب بأنها تتمثل في الفقر والوحدة. أخبره أحد زملائه العمّال أنه يعرف كاتباً يستطيع أن يأكل الفطائر اللذيذة المصنوعة من لحم الخنزير ثلاث مرات في اليوم. ويضيف في تقديمه لمختارات قصصية صدرت له بالإنكليزية العام الماضي انه تمنى أن يصبح كاتباً لأنه أراد أن يملأ معدته الخاوية ويسلّي نفسه بالحكايات التي تجنّبه الوحدة التي كان يعانيها في طفولته التي قضاها راعياً للأغنام وحيداً في حقول قريته المغبرّة في ستينات القرن الماضي أثناء المجاعة التي اجتاحت الصين.

تقيم هذه الخلفية المعتمة من العوز والفقر الشديد والجوع والبرد والوحدة في جذر كتابة مو يان الذي ولد في بلدة غاومي في مقاطعة شاندونغ الواقعة شمال شرقي الصين عام 1955 لأبوين فقيرين اضطرا الى إخراجه من المدرسة ولم يكن قد أكمل سنته الخامسة في المدرسة بعد. لكن الطفل غوان مويي، الذي اتخذ له في ما بعد اسماً أدبياً هو مو يان، تعلم في تلك البيئة الفقيرة أن يكلم رؤوس الماشية القليلة التي يرعاها في الحقول، وأن يناجي النجوم البعيدة في السماء. كانت تلك تسليته الوحيدة لنسيان الجوع والوحدة والبرد، ما جعل والدته تخاف على عقله وتناشده الكفّ عن التكلم مع نفسه. لعل ذلك، كما يقول، هو السبب الذي جعله يطلق على نفسه اسم «مو يان» التي تعني بالصينية «لا تتكلم». لقد سمّى نفسه «الصامت» أو «الممتنع عن الكلام» لأنه أراد أن يرضي والدته التي خافت على عقله، وليذكّر نفسه، بسبب صراحته الشديدة، بأن عليه أن يصمت في مجتمع لا يتحمل الصراحة وينتصب في فضائه الكثير من الإشارات التحذيرية الحمراء.

الفضاء الريفي

يتحرك نثر مو يان القصصي والروائي في فضاء شاندونغ وعوالمها الريفية الفقيرة، التي تظهر شوارعها المتربة في أعماله الروائية والقصصية بفلاحيها وهم يمتطون الحمير وجمالها المثقلة بالأحمال في خمسينات القرن الماضي وستيناته، يطحنهم العوز ويزلزل البرد عظامهم.

ويوظف مو يان خبرته ومعاناته الشخصية في كتابة سرد يتأرجح بين الواقعية الخشنة المتجهمة وعوالم الهلوسة والفانتازيا والخيال المحلق الذي يقترب من حواف الواقعية السحريّة. لقد كانت مسيرة حياته شاقة لدرجة جعلته يؤمن بنظرية تشارلز داروين «البقاء للأصلح» لأن ظروف العيش القاسية التي شكلت المراحل التكوينية الأولى في حياته قوّت عوده، ولولا قدرته على التغلب على الفقر والجوع والبرد لكان نفق مع النافقين من الضعفاء في صين منتصف القرن الماضي.

لقد اشتغل عاملاً في مصنع للزيوت عام 1973 في الفترة التي أعلن فيها الزعيم الصيني ماو تسي تونغ ثورته الثقافية، ثم انخرط في جيش التحرير الشعبي الصيني عام 1976. وقد أتاح له ذلك الالتحاق في ما بعد بالأكاديمية الثقافية التابعة للجيش بين عامي 1984- 1986، وهي الفترة التي صقلت مواهبه الأدبية التي بدأت في التفتح في الأعوام الأولى من ثمانينات القرن الماضي حيث نشر مو يان عدداً من قصصه القصيرة التي لفتت الأنظار إليه في الدوائر الأدبية الصينية التي كانت قد بدأت في التخلص من شبح الزعيم الصيني ماو وثورته الثقافية. في تلك المرحلة التي شكلت انطلاقته الواثقة في عالم الأدب الصيني المعاصر، نشر مو يان عمله الروائي الأول «مطر هاطل في ليلة ربيعية» عام 1981، ثم مجموعته القصصية «انفجارات» عام 1986، كما نشر في الفترة نفسها قصته القصيرة التي جلبت له الكثير من الشهرة «الذرة الحلوة حمراء اللون»، والتي نشرت في ما بعد مع أربع قصص قصيرة أخرى في عنوان «عائلة الذرة الحلوة حمراء اللون» (1987).

وارتكزت شهرة مو يان خلال تلك الفترة على تلك القصة بسبب تحويلها إلى فيلم ذائع الصيت في العنوان نفسه بتوقيع المخرج الصيني اللامع جانغ ييمو عام 1988. تقوم الرواية على حكاية أبوين خلال فترة الحرب الصينية-اليابانية، وتبدأ أحداثها عام 1939، حيث نشهد الأب ووالده يركضان في الشوارع والحقول لينضما إلى قوات المقاومة الشعبية الصينية. الراوي هو الحفيد الذي يقطع سيرة الحرب في حياة والده وجدّه ليحكي توهماته عن لعبة الحرب التي كان يلعبها وهو طفل، محاولاً تخيل الأحداث التي يمكن أن تقع، مصطنعاً حوار الأب الصغير السن وهو يتخيل موته. بسبب هذه اللعبة التقنية التي تحدد شكل الرواية، يقوم الراوي بسرد سلسلة من الاسترجاعات، محركاً الأحداث إلى الوراء والأمام، مستعيداً في الوقت نفسه أحداث علاقة الحب التي تقوم بين الجد والجدة، وهو ما يوفر له فرصة تأمل معنى الحرب والحياة والموت.

بين الرعب والسخرية

نشر مو يان روايته «قصص شعرية عن الثوم» عام 1989، ثم أتبعها عام 1995 بأعماله القصصية المختارة التي ضمت واحداً من أعماله الكبيرة «جمهورية الخمر» (1992)، وهي رواية هجائية ساخرة تصور علاقة الشعب الصيني بالطعام والشراب، وتنتقد فساد السلطات الحكومية ونفاقها وتعفّنها وشراهتها.

ويتكون هذا العمل الساحر، المجدول بمهارة أسلوبية مدهشة وقدرة فائقة على تشويق القارئ وحبس أنفاسه وتهيئته للأحداث المركزية في الرواية، من خيطين سرديين، الأول منهما يتتبع حركة عميل سري أرسلته الحكومة إلى إحدى المقاطعات الريفية الصينية ليحقق في وجود أكلة لحوم بشر هناك (حيث يتم تقديم الأطفال الرضّع كأطباق طعام خاصة شهيّة).

أما الخيط السردي الثاني فيتكون من عدد من الرسائل المتبادلة بين مو يان وكاتب شاب طموح (يدعى لي ييدو) معجب بعمل الكاتب الشهير، إضافة إلى عدد من القصص القصيرة التي يفترض أن الأديب الشاب كتبها وأرسلها إلى مو يان (قصة قصيرة في عنوان «الكحول» كتبها بعد أن شاهد الفيلم المأخوذ عن قصة مو يان «الذرة الحلوة حمراء اللون»، وقصة عن طفل يبيعه أبوه ليقدم كطبق طعام شهي). كما تتضمن فصول الرواية ردود مو يان على رسائل الكاتب الشاب وقصصه.

ويتداخل هذان الخيطان السرديان في المشهد المرعب للطبق الذي يتربع فيه طفل رضيع كامل تتضوع رائحته الذكية على مائدة بيت مسؤول المقاطعة، فيفقد المحقق عقله ويبدأ في إطلاق النار عشوائياً، ما يدفع المسؤول إلى محاولة تهدئته بالقول إن الطبق ليس حقيقياً بل هو مجرد تشكيل فني على هيئة طفل رضيع. لكن المحقق يفقد وعيه بعد أن يشرب كمية هائلة من الكحول متخيلاً نفسه محمولاً على أيدي الفتيات اللواتي يقدمن الطعام والشراب إلى فندق في العالم السفلي حيث يقوم الشيطان الأحمر الصغير بانتزاع أعضائه واحداً بعد الآخر.

هكذا تنوعت المقاربات الأسلوبية لمو يان، الذي تتميز أعماله بقوة الخيال والبعد الإنساني والنزوعات العاطفية الفائرة والصور الباهرة القوية العنيفة، بدءاً من استخدام الأسطورة، إلى الأسلوب الواقعي، والهحائيات الساخرة، وصولاً إلى قصص الحب.

تأثير فوكنر وماركيز

يقرّ مو يان بأنه تأثر في أعماله بالروائي الأميركي وليام فوكنر، والروائيين اليابانيين: ميناكامي تسوتومو، ويوكيو ميشيما، وكينزابورو أوي، والروسي ميخائيل شولوخوف، والكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز. في هذه الأجواء من التأثيرات المتقاطعة يكتب الروائي الصيني روايته «الحياة والموت يسببان لي التعب» (2006)، التي أتمها خلال ثلاثة وأربعين يوماً بالصينية التقليدية مستخدماً فقط الحبر والفرشاة. أحداث الرواية تدور في بلدة غاومي، مسقط رأس مو يان، عام 1976 في اليوم الذي يموت فيه الزعيم الصيني، مطلق الثورة الثقافية، ماو تسي تونغ.

الحدث الرئيس يتركز حول موت الخنازير التي يربيها أهل البلدة بداء تسميه الرواية «الموت الأحمر» حيث تظهر على أجسام الخنازير بقع وردية وتموت مفتوحة الأعين، ولا ينفع علاج الهيئة الصحية الحكومية في إنقاذها من الموت بذلك باء، كما أن النار التي يشعلها موظفو الهيئة الصحية الآتون من المقاطعة القريبة في جثث الخنازير تملأ البلدة برائحة قوية كريهة. ينتهز أهل البلدة فرصة رحيل موظفي الصحة ليرموا جثث الخنازير في النهر فيجرفها الفيضان الذي يطيح بمزرعة الخنازير والمنازل والحاضر المزدهر! المفارقة التي ترسمها الرواية تتمثل في خبر موت ماو الذي تسمعه القرية المنقطعة عن العالم، والتي تغمرها المياه، من الراديو، حيث يتساءل الفلاحون: «كيف يموت الرئيس ماو؟ ألم يقل كل الناس إنه يمكن أن يعيش مئة وستة خمسين عاماً على الأقل؟».

تغطي هذه الرواية الفترة الزمنية ما بين 1950- 2000 من عمر الثورة الصينية، وصولاً إلى زمن التحولات التـــي بدأت في عهـــد الرئيـــس الصينـــي السابق دينغ زياوبينغ الذي يطلق عليه عهد الإصلاحات. وهي تصور مرحلة الإصلاح الزراعي التي أعقبت الحرب الأهلــيــة الصينية، وصولاً إلى زمن إعادة النظـــر في الاقتصاد الاشتراكي والتحول إلـــى ما يسمى «الرأسمالية المقيّدة»، أي الرأسمالية ذات الملامح الاشتراكية! فــي هذا السياق تقدم الرواية محاكاة ساخرة لقـــدر الصين المعاصرة وأزمنتها الحديثة، وللسيــاسة وهي تتحول إلى أعراض مرضية لمجتمع يتربى أبناؤه على الاشتراكية فيجدون أنفسهم في النهايـــة مهروسيـن بين فكي الرأسمالية.

أحداث الرواية صاخبة، والموت فيها غير متوقع وعنيف في معظم الأحيان. كما أن الحيوانات التي تروي تحكي عن الأحداث التراجيدية التي تقع في البلدة. الخنزير العائد إلى الحياة يروي عن موت أبناء جلدته من الخنازير.

كما يتدخل لان ليان في سرد الأحداث، وحتى الكاتب نفسه يظهر أحياناً في ثنايا الرواية ليتحدث بصوته، قائلاً إن علينا كقراء ألا نصدق مو يان الذي يروي: «إن مو يان لم يكن سوى فلاح. لربما كان موجوداً بجسمه في المزرعة، لكن عقله في المدينة. ولأنه ولد في بيئة متواضعة فقد حلم أن يصبح غنياً ومشهوراً… لقد سعى لصحبة الفتيات الجميلات… وصوّر نفسه كأستاذ جامعي واسع المعرفة». وهكذا ومع نهاية الرواية تتوضح لنا قسمات مو يان كشخصية رئيسة مستقلة واضحة المعالم في السرد، ففي بيته في زيئان يطلب ابن لان ليان الاختفاء مع عشيقته طوال خمس سنوات. يقول ابن لان ليان لمو يان الذي في الرواية، إنه لا يُكنّ أي ضغينة لماو تسي تونغ، أو للثورة الصينية، أو للشيوعية، ولكنه يريد أن يتركوه وشأنه يعيش حياته كما يهوى. وهذا هو الصوت الليبرالي الذي نسمعه في هذه الرواية العنيفة التي يتقاتل فيها كل شيء في صراع دامٍ مرير: البشر مع البشر، والحيوان مع الحيوان، والطبيعة العاصفة المجنونة التي تدمر البشر والحيوان.

الحياة

فوز الروائي الصيني مو يان بجائزة نوبل للاداب 2012

اسمه في ‘بورصة’ التكهنات واشادة صينية بحصوله عليها:

ستوكهولم القدس العربي، وكالات: لم يكن اسم الكاتب الصيني مو يان على رأس قائمة المرشحين الذين تتكهن الاوساط الادبية العالمية بفوزهم بجائزة نوبل للآداب هذا العام ولكنه كان من بينهم، فلا يعتبر فوزه، والحال، قلباً للتوقعات أو خرقاً تاماً لها كما حصل مع أكثر من اسم من الأسماء التي فازت بها على مدار سني الجائزة التاسعة بعد المئة.

أسماء عديدة قد تكون شعرت بخيبة الأمل لعدم حصولها على جائزة صارت تعتبر اليوم مقياسا للجودة والعالمية، فضلا، بالطبع عن قيمتها المالية ومن ضمنهم رائيون وشعراء يستحقون هذا التكريم بالفعل مثل الروائي التشيكي ميلان كونديرا والاسباني خوان غويتسلو والالباني اسماعيل قدري ومن الشعراء العربي أدونيس والامريكي جون آشبري إلخ. وبذهاب الجائزة هذا العام للصيني (غير المنشق) مو يان تكون الصين، هذه القارة الهائلة بشراً وجغرافيا وثقافة، قد حصلت عليها للمرة الثانية في تاريخ الجائزة بعد منحها لـ غاو سينجيان الحاصل على الجنسية الفرنسية العام 2000. الا ان الاوساط الصينية الرسمية لم ترحب بذلك الخبر فيما تكتمت عليه وسائل الاعلام الرئيسية نظرا لكونه من المعارضين للنظام الصيني. وفي بيانها الذي اعلنت فيه فوز مو يان قالت الاكاديمية السويدية التي تشرف على منح جوائز نوبل أن اعمال يان تتصف ‘بواقعية تاريخ بلاده المضطرب وتمسكه بمسقط رأسه في شرق الصين حيث ترعرع’.

وقالت لجنة نوبل إن مو يان ‘يدمج قصصا شعبية بالتاريخ والحاضر، بواقعية مذهلة’.

الاسم: لا تتكلم!

ولد مو يان العام 1955 وترعرع في غاومي في مقاطعة شاندونغ في شرق الصين على ما أوضحت الاكاديمية السويدية. وقال السكرتير الدائم للاكاديمية السويدية بيتر انغلوند للتلفزيون السويدي إن الاكاديمية اتصلت بمو يان ‘فكان عند والده وكان سعيدا للغاية وخائفا’.

والاسم الاصلي للكاتب هو غوان مويه والاسم الذي يستخدمه للكتابة اي ‘مو يان’ يعني ‘لا تتكلم’. وقد اختار هذا الاسم المستعار بمناسبة صدور اول رواية له بعنوان ‘الفجلة البلورية’ (1986) حول طفل يرفض الكلام ويروي الحياة الريفية كما عاشها الكاتب في طفولته. وهو بات الان من أشهر كتاب الصين، لكنه تعرض للانتقاد من قبل كتاب صينيين آخرين لقربه المفترض من النظام في بكين وعدم دعمه للكتاب المنشقين.

لكن الاكاديمية السويدية تفيد في بيانها أن ‘أنشودة الثوم الفردوسي’ (1988) والكتاب الساخر ‘بلد الكحول’ (1992) ‘اعتبرا هدامين (في الصين) بسبب انتقادهما اللاذع للمجتمع الصيني المعاصر’.

وقد اشتهر في الغرب بفضل الفيلم ‘الذرة البيضاء الحمراء’ (1987) المقتبس عن روايته التي تحمل عنوان ‘عشيرة الذرة البيضاء’. وقد فاز الفيلم بجائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين العام 1988. وتطبع اعماله واقعية قد تصل الى حد العنف وتتناول كل التغيرات المفاجئة التي مرت بها الصين قبل الحقبة الشيوعية وخلال الاجتياح الياباني والثورة الثقافية وفترات اخرى مضطربة في ظل النظام الشيوعي. ويشكل كتاب ‘فينغرو فيتون’ (1996) ملحمة تاريخية تصف الصين في القرن العشرين انطلاقا من قصة عائلة وتراوح بين مأساة التاريخ ورؤى اباحية من خلال مراقبة شخصيات بلدة لا يتمتعون جميعا بالاتزان الكافي ومن بينهم طفل ولد من مزارعة صينية وقس سويدي.

وقالت الاكاديمية ‘اقام مو يان من خلال الجمع بين الخيال والواقع وبين البعد التاريخي والاجتماعي، عالما يذكر من خلال تعقيداته بعوالم كتاب مثل وليام فولكنر وغابريال غارسيا ماركيز، مع جذور ضاربة في الادب الصيني القديم وتقليد القصة الشعبية’.

وقال غوران ملمكفيست الخبير في الادب الصيني في الاكاديمية لمحطة التلفزيون السويدي ‘إنه من أفضل خيارات الاكاديمية السويدية، لانه رائع’.

والى جانب الروايات اصدر عددا كبيرا من الكتب في فن الاقصوصة ومحاولات ادبية في مواضيع مختلفة.

وقد فاز بالجائزة العام الماضي الشاعر السويدي توماس ترانسترومر.

وبسبب الازمة الاقتصادية، خفضت مؤسسة نوبل قيمة الجائزة من عشرة الى ثمانية ملايين كورونة سويدية لكل جائزة. ويتسلم الفائزون جائزتهم خلال مراسم رسمية تقام في ستوكهولم في العاشر من كانون الاول/ديسمبر في ذكرى وفاة مؤسس هذه الجوائز الفرد نوبل في العام 1896.

الإعلام الرسمي يشيد بـ’أول مواطن صيني’ يفوز بجائزة نوبل للأدب

أشادت وسائل الإعلام الصينية الرسمية أمس الخميس بالكاتب مو يان الفائز بجائزة نوبل في الأدب لعام 2012، واعتبرته ‘أول مواطن صيني’ يفوز بالجائزة . ولم تشر التقارير إلى الكاتب المعارض المعتقل ليو شياوبو الذي فاز بجائزة نوبل للسلام عام 2010 أو الكاتب الصيني المعارض المنفي جاو شينجيان الذي فاز بجائزة نوبل للأدب عام 2000 كمواطن فرنسي. واحتلت أنباء فوز مو يان بالجائزة أمس صدارة التقارير في ‘تليفزيون الصين المركزي’، فيما نقلت وسائل إعلام أخرى عن مو يان القول إنه ‘شعر بسعادة غامرة وخوف’ عندما أبلغته الأكاديمية السويدية بفوزه بالجائزة عبر الهاتف من استوكهولم. وقال هان هان، وهو كاتب وناقد بجامعة ووهان في وسط الصين، لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إن الإنجاز الذي حققه مو يان بعد ‘شرفا للكتاب الصينيين’.

الأكاديمية السويدية تشيد بالكاتب الصيني الفائز بجائزة نوبل في الأدب

هذا وأشادت الأكاديمية السويدية في ستوكهولم بالكاتب الصيني مو يان وقالت إن له أسلوبا مميزا وإنه استلهم أفكاره من الخلفية الخاصة به. وقد فاز مو يان بالجائزة لمزجه ‘القصص الشعبي والتاريخ والمعاصرة بشكل واقعي’. وقال المتحدث باسم لجنة التحكيم، بيتر إنجلوند، في تصريحات لقناة ‘إس.في.تي’ التليفزيونية السويدية بعد دقائق من إعلان فوز مو يان بالجائزة ‘إنه يكتب بلغة مدهشة للغاية’. وأضاف بالقول ‘بإمكانك الاطلاع على نصف صفحة من كتاباته لكي تعلم، إنه هو .. يكتب بوحي من خلفيته الخاصة’. كان إنجلوند قال في تصريحات لمحطة ‘إس.أر’ السويدية الإذاعية عن مو يان :’إننا أمام تأليف فريد من نوعه يمنحنا نظرة فريدة إلى محيط فريد’. وتابع إنجلوند أن مو يان ‘مزيج من فوكنر وتشارلز ديكنز ورابيليه’.

وذكر إنجلوند أن الكاتب الصيني يصف عالما قرويا في جزء من الصين، غريب عن معظم الأجزاء الأخرى، وأضاف ‘مو يان ليس مجرد مثقف منحدر من هناك لكنه شخصيا جزء من (هذا العالم)’.

ومن المقرر تسليم جوائز نوبل في العاشر من كانون ثان/ديسمبر المقبل، بالتزامن مع ذكرى وفاة مؤسس الجائزة ألفريد نوبل.

وفاز بجائزة نوبل في الأدب العام الماضي الشاعر السويدي توماس ترانسترومر.

جائزة نوبل وقائع وارقام

من هو الاكبر سنا بين الفائزين بجائزة نوبل؟ او اصغرهم؟ وكم هو عدد النساء الفائزات؟ في ما يلي بعض الردود على هذه الاسئلة بحسب مؤسسة نوبل:

– رقم قياسي لجائزة نوبل: سجل العام 2011 رقما قياسيا في عدد المرشحين لجائزة نوبل للسلام مع 241 مرشحا. ومن بين الأسماء هناك 53 منظمة. وباستثناء الفائزين، لن يتم الكشف عن هذه الأسماء إلا بعد خمسين عاما.

– رفض تسلم جائزة نوبل: رفض فائزان تسلم جائزتيهما وهما الفرنسي جان بول سارتر الذي رفض تسلم جائزة نوبل للآداب سنة 1964 ورئيس الحكومة الفيتنامي لو دوك تو الذي رفض تقاسم جائزة نوبل للسلام في العام 1973 مع وزير الخارجية الأميركية هنري كيسينجر.

من جهة أخرى منع أدولف هتلر ثلاثة فائزين ألمان من تسلم جوائزهم وهم ريتشارد كوهن (كيمياء 1938) وأدولف بوتينانت (كيمياء 1939) وغيرهارد دوماك (طب 1939). كما ان الحكومة السوفياتية اجبرت بوريس باسترناك على رفض جائزة نوبل للآدب سنة 1958.

– جائزة نوبل لمسجونين: ثلاثة فائزين بجوائز نوبل كانوا في السجن لحظة إعلان فوزهم وهم المناضل من أجل السلام والصحافي الألماني كارل فون اوسييتزكي (1935) والمعارضة البورمية آونع سان سو تشي (1991) والمنشق الصيني ليو شياوبو (2010).

وقد توجهت اونغ سان سو تشي في حزيران/يونيو 2012 الى اوسلو حيث تمكنت اخيرا من القاء خطاب قبولها الجائزة بعد اكثر من عشرين عاما على منحها اياها.

– جائزة نوبل للاكبر سنا: في سن التسعين كان الأميركي من أصل روسي ليونيد هورويكس الحائز جائزة نوبل للاقتصاد سنة 2007 الفائز الأكبر سنا عند تسليم جوائز نوبل. وقد توفي في حزيران/يونيو 2008 أي بعد أشهر قليلة من تسلمه جائزته. وفي السنة نفسها، نالت الأديبة البريطانية دوريس ليسينغ جائزة نوبل للآدب في سن ال87.

– أصغر فائز بجائزة نوبل: البريطاني لورنس براغ هو الفائز الاصغر بجائزة نوبل. فقد تشارك في سن ال25 جائزة نوبل للفيزياء سنة 1915 مع والده وليام.

– الفائزين بجائزة نوبل فوق سن المئة: تعتبر الايطالية ريتا ليفي مونتالتشيني الحائزة جائزة نوبل للطب سنة 1986 الفائزة الأكبر سنا (103 عاما) والمعمرة الوحيدة التي لا تزال على قيد الحياة. وقد كرمت لاكتشافاتها المتعلقة بعوامل النمو.

– جائزة نوبل في العائلة الواحدة: تتمتع عائلة كوري الفرنسية بتاريخ حافل بجوائز نوبل. فسنة 1903، حاز الثنائي بيار وماري كوري جائزة نوبل للفيزياء. وسنة 1911 حازت ماري كوري وهي المرأة الأولى التي تفوز بجائزة نوبل، جائزة جديدة في مجال آخر هو الكيمياء فأصبحت المرأة الوحيدة التي تتسلم جائزتين. وسنة 1935، فازت ابنتها ايرين جوليو كوري وزوجها فريديريك جوليو بجائزة نوبل للكيمياء. وتزوجت شقيقة ايرين الصغرى إيف كوري من هنري ريتشاردسون لابويس الذي استلم سنة 1965 وبصفته مدير اليونيسف جائزة نوبل للسلام باسم هذه الوكالة التابعة للأمم المتحدة.

– جائزة نوبل والمرأة: 44 امرأة بينهم ماري كوري الفائزة مرتين، من اصل 786 رجلا، فزن بجوائز نوبل منذ إطلاقها سنة 1901. ولم تفز امرأة بجائزة نوبل للاقتصاد قبل العام 2009 عندما نالت الأميركية ايلينور أوستروم هذه الجائزة. أما جائزة نوبل للفيزياء فمنحت إلى امرأتين فقط مقابل 188 رجلا فيما لم تفز أية امرأة بهذه الجائزة منذ 1963.

– لغات جائزة نوبل: احتلت اللغة الانكليزية المرتبة الاولى على لائحة اللغات المعتمدة في الأعمال الأدبية الحائزة جائزة نوبل للآداب مع 26 جائزة، تبعتها الفرنسية والالمانية (13) والاسبانية (11) والسويدية (7) والايطالية (6) والروسية (5) والبولندية (4) والنروجية والدنماركية (3) واليونانية واليابانية (2). اما العربية والصينية، بين لغات اخرى، فهي ممثلة بفائز واحد لكل منها.

الفائزون بجائزة نوبل للاداب في السنوات الخمس عشرة الاخيرة

أسماء’الفائزون’في’السنوات الخمس عشرة الاخيرة:

– 2012: مو يان (الصين)

– 2011: توماس ترانسترومر (السويد)

– 2010: ماريو فارغاس يوسا (البيرو)

– 2009: هيرتا مولر (المانيا)

– 2008: جان ماري غوستاف لو كليزيو (فرنسا)

– 2007: دوريس ليسينغ (بريطانيا)

-‘2006:’اورهان’باموك'(تركيا)

-‘2005:’هارولد’بنتر'(بريطانيا)

-‘2004:’الفريدي’يلينيك'(النمسا)

-‘2003:’جون’ماكسويل’كوتزي'(جنوب’افريقيا)

-‘2002:’ايمري’كرتيس'(المجر)

-‘2001:’في.اس.’نايبول'(بريطانيا)

-‘2000:’غاو’سينجيان'(فرنسا)

– 1999 غوتنر غراس (المانيا)

– 1998: جوزيه ساراماغو (البرتغال)

الصيني مو يان: الكلمة الأخيرة للأدب !

نأت الأكاديمية السويدية بنفسها عن «الربيع العربي» وقدّمت جائزتها لمَن خلق عالماً يذكّر بفولكنر وماركيز، لكن هذا الفوز لم يمرّ من دون جدل طال مواقف صاحب «الذرة الحمراء» السياسية

حسين بن حمزة

أمس، تجاهلت الأكاديمية السويدية «الربيع العربي»، ولعلها «نأت» بنفسها عن إثارة جدال صاخب فيما لو اختارت اسماً عربياً لا يحظى بإجماع أدبي وسياسي معاً. هكذا، أدارت ظهرها لكتَّاب الضاد، سواءٌ من وقفوا مع الثورات العربية أو من انتقدوها. بعد استبعاد العرب، والأسماء المزمنة في قائمة الترشيحات، يمكننا القول إنّ «نوبل» للآداب (1.2 مليون دولار) ذهبت إلى أحد الأسماء القوية في ترشيحات هذا العام.

صحيح أنّ حظوظه كانت أقل من جاره الياباني هاروكي موراكامي، لكن الصيني مو يان ليس اسماً مجهولاً في خريطة الأدب الصيني والعالمي، كما أن السينما قدمته إلى الجمهور عبر ثلاثة أفلام، أشهرها «الذرة الحمراء» (إخراج زانغ ييمو) الذي حصد الجائزة الأولى في «مهرجان برلين» سنة 1988.

ولد مو يان (اسمه الحقيقي غوان مويه) عام 1953 في إقليم شاندونغ. عاش طفولة قاسية، وأُجبر على ترك المدرسة وهو في الـ 12 من عمره. عاش أنواعاً من الوحدة في العمل راعياً للأبقار والخنازير، وهو ما ظهر في اختياره لاسمه الأدبي الذي يعني «لا تتكلم»، بينما تُرجمت العوالم التي عاشها في عدد من قصصه ورواياته، بل إن روايته «الحياة والموت يستنفدانني» التي تغطي تاريخ الصين في النصف الثاني من القرن العشرين، تبدأ بوباء يصيب الخنازيز في حظائر المزارعين الذين، في غمرة انشغالهم بالتخلص من الجثث النافقة، لن يعلموا بموت زعميهم «الخالد» ماو تسي تونغ. لن يُخطئ القارئ إذا ربط استهلالاً روائياً كهذا بالبداية الخالدة لرواية «خريف البطريرك» التي برع فيها غابرييل غارسيا ماركيز في تصوير أبدية الديكتاتور الأميركي اللاتيني. على أي حال، لم تغب تأثيرات ماركيز عن بيان الجائزة، الذي أشارت الأكاديمية السويدية فيه إلى أن مو يان «أقام من خلال الجمع بين الخيال والواقع وبين البعد التاريخي والاجتماعي، عالماً يذكّر من خلال تعقيداته بعوالم كتّاب أمثال ويليام فولكنر وغابرييل غارسيا ماركيز، مع جذور ضاربة في الأدب الصيني القديم وتقاليد القصص الشعبية». الواقع أن نبرة مو يان تدين أولاً إلى تأثيرات رائد الأدب الصيني الحديث لو شيون (1881 – 1946)، قبل أن تأتي المؤثرات الأجنبية لاحقاً، وتمنح موضوعاته المحلية سماتٍ أقرب إلى أساليب الواقعية السحرية. ممارسةٌ أسلوبية كهذه لم تغب عن المراجعات النقدية التي كُتبت عن أعماله في الصحافة الصينية والأجنبية، وهو ما ظهر في كتاب كامل للكاتبة شيلي تشان بعنوان «صوت متفرد من الصين: العالم المتخيل لمو يان».

رغم نبرته الانتقادية، وانشغاله بتاريخ بلاده المضطرب، إلا أن أعمال مو يان لم تضعه في خانة الكتّاب المنشقين على غرار غاو كسينجيان، الذي سبقه إلى نوبل عام 2000. صحيح أنه اعتُبر صوتاً منحرفاً عن الأدب الصيني المعاصر، لكن ذلك لم يعرّضه للقمع أو الاعتقال، بقدر ما عرّضه لانتقادات معكوسة تتناول مواقفه السياسية المتساهلة، وعدم تضامنه مع أقرانه ممن تعرضوا للقمع والنفي. هكذا، يبدو أن الأكاديمية السويدية صالحت الصين في اختيارها له، بعدما أغضبتها في منح الجائزة لزميله السابق الحاصل على الجنسية الفرنسية.

الكاتب الغزير الإنتاج الذي أصدر 11رواية، ومئات القصص القصيرة، عبّر عن «سعادته وخوفه» حين أُبلغ هاتفياً حصوله على الجائزة المرموقة. في المقابل، وكعادتنا مع إعلان الجائزة، نكتشف أن معظمنا لم يقرأ اسم مو يان إلا في أخبار الترشيحات. حسناً، ليس جديداً على الثقافة العربية أن تُفاجأ باسم الفائز، على أمل أن تبادر إلى ترجمته.

ترجمة مصرية قريباً

قدّمت جريدة «أخبار الأدب» المصرية بعض المعلومات عن مو يان في أعدادها عام 2009، كما أنّ المترجم حسنين فهمي أنجز واحدة من أهم رواياته هي «الذرة الحمراء»، ودفع بها منذ عام ونصف عام إلى «المشروع القومي للترجمة»، لكن إجراءات الحقوق والمراجعة أجّلت نشر الرواية منذ 2011، وستصدر الرواية قريباً جداً، وفق ما أخبر المسؤولون المترجم. يصف الأخير هذا العمل بأنّه إحدى أهم الروايات الصينية الحديثة، التي تؤرخ لحرب المقاومة الصينية ضد المعتدي الياباني خلال الفترة من 1937 حتى 1945، وهي الرواية التي شهرت مو يان بعدما انتقلت إلى الشاشة الكبيرة.

ملحمة تاريخية ورؤى إيروسية

قبل أيام من انطلاق موسم «نوبل»، ندّد الكاتب الياباني هاروكي موراكامي (1949) بـ «الهستيريا القومية في الصين واليابان حول جزر سنكاكو/ دياوي» المتنازع عليها بين البلدين. وشاءت سخرية الأقدار أن تأتي «نوبل» لتضع صاحب «كافكا على الشاطئ» أمام نظيره الصيني مو يان (1955) بوصفهما الأكثر حظاً بالفوز، وفق ما نقلت جريدة «لوموند» قبل خمسة أيام. دخل ابن الـ 57 عاماً نادي الكبار لأنّه «رسم بواقعية التاريخ المتقلّب لبلده». أعلنت الأكاديمية السويدية في بيانها أمس أنّ عمليه «أنشودة الثوم الفردوسي» (1988) و«بلد الكحول» (1992) «اعتبرا هدّامين في الصين بسبب انتقادهما اللاذع للمجتمع الصيني المعاصر».

أعماله تطغى عليها الواقعية المدموغة بالهلوسة، التي تذهب إلى حد العنف. يرصد مو يان كل التحوّلات التي مرّت بها الصين، قبل حقبة الشيوعية وخلال الاجتياج الياباني، وفي ظل الثورة الثقافية، وغيرها الكثير من الحقب المضطربة الأخرى. في «ثديان جميلان، مؤخرة جميلة»، وقّع مو يان ملحمة عن تاريخ الصين في القرن العشرين، بين تراجيديا التاريخ والرؤى الإيروسية، من خلال شخصيات غير متوازنة تعيش في إحدى القرى، ومن خلال طفل ولد من أم مزارعة صينية وأسقف سويدي. قالت الأكاديمية في بيانها إنّه خلق عالماً يحيلنا بتعقيداته على عوالم كتّاب أمثال ويليام فولكنر، وغابرييل غارسيا ماركيز، مع انغرازه في الأدب الصيني القديم والتقاليد الحكواتية الشعبية.

رد فعل مو يان على نيله الجائزة المرموقة كان في تصريح أدلى به لإحدى الوكالات الصينية. قال: «شعرت بسعادة غامرة عندما علمت بخبر فوزي. سأركّز الآن على كتابة أعمال جديدة. أريد الانخراط أكثر في الكتابة كي أشكر العالم على هذه الهدية». لكنّ خبر نيله الجائزة كان محل جدل أيضاً. قال عدد من النشطاء المدافعين عن حقوق الانسان إنّ مو لا يستحق الجائزة، ونددوا به لاحتفائه بخطاب لماو تسي تونغ. وقال تنغ بي ياو المحامي في الدفاع عن حقوق الإنسان إنّه «على الصعيد السياسي، كان مو يان يغني نفس اللحن مع نظام غير ديموقراطي».

وأضاف «أعتقد أنّ فوزه بجائزة «نوبل» غير مناسب.» وتابع «بصفته كاتباً مؤثراً لم يستخدم تأثيره للدفاع عن المثقفين والسجناء السياسيين. بدلاً من ذلك، كان يروج لمصالح الحكومة من خلال كتابة الخطاب». إلا أنّ الأوساط الأدبية رحّبت بهذا الفوز. قال الاختصاصي في الثقافة والآداب الصينية في الأكاديمية السويدية غوران مالمفيست إنّ الفوز «أحد أفضل قرارات الأكاديمية، لأنّ الكاتب فعلاً لامع»، فيما نقلت صحيفة «لو فيغارو» عن الكاتب الفرنسي المقيم في الصين فنسان هاين قوله: «مو يان من الأدباء الذي يبرهنون بفضل عملهم وموهبتهم الكبيرة أنّه في مواجهة السياسة والاقتصاد والتاريخ، فإنّ الكلمة الأخيرة تبقى للأدب حين يهب نفسه بهذا الشكل».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى