صفحات العالم

مقالات تناولت الغارة الاسرائيلية على سورية

الضربة الإسرائيلية في سياق نزاع غامض

حسن شامي

على رغم مرور أكثر من خمسة أيام على الغارات الجوية الإسرائيلية على مواقع عسكرية في دمشق، لم يتضح بعد الهدف منها. وهي أثارت زوبعة من ردود الفعل والتصريحات والتفسيرات المتضاربة والاتصالات السياسية والديبلوماسية، فاق ضجيجها الإعلامي والدعوي كل الاعتداءات الإسرائيلية السابقة وشبه الدورية على سورية، بما فيها الغارة التي شنتها الطائرات الإسرائيلية في كانون الثاني (يناير) الماضي وقيل إنها استهدفت شحنة أسلحة كانت في طريقها إلى «حزب الله» في لبنان. وجاء تضارب المعلومات والتقديرات المتعلقة بالضربة الجديدة وأهدافها المفترضة ليترك انطباعاً عن غموض يوازي غموض المواقف والمحادثات الدائرة حول إمكانية اجتراح حل للنزاع في سورية وعليها. لا يمكن بالطبع التعويل على النظام القائم لتبديد الغموض هذا، بالنظر إلى رسوخ المراوغة الأمنية وتورياتها في أداء السلطة المعتمد مديداً على المعالجة الأمنية للقضايا الكبيرة والصغيرة. وكان متوقعاً أن تعلن الحكومة السورية احتفاظها بحق الرد على الاعتداء في الوقت والمكان المناسبين وإن كان هذا الموقف المعهود أثار استياء وزراء في الحكومة الحالية إلى حد وصفه بأنه «بشع».

هل كانت الغارات التي طاولت مواقع ومخازن أسلحة ومراكز عسكرية لا تبعد كثيراً عن القصر الجمهوري، تستهدف صواريخ مطورة ونقلها إلى «حزب الله»، وفق رواية شائعة، أم استهدفت قوات نظامية ما أوقع عدداً من الضحايا يفوق بكثير الرقم المعلن رسمياً؟ وما معنى الرسالة التي أوصلتها الدولة العبرية إلى القيادة السورية عبر وسطاء دوليين وتتحدث عن عدم رغبة إسرائيل في التصعيد والتدخل في الحرب الأهلية؟ الغموض الذي يلف الاعتداء يجد ما يناظره في الملفات الكثيرة المتصلة بنزاع يزداد غموض أفقه ومآله، بمقدار ما يزداد جموح أطرافه نحو أقاصي العنف وتنقل المجازر وأعمال التطهير. ملف الأسلحة الكيماوية بات هو الآخر مادة تلاعب يحاط بغموض محسوب ومدروس خصوصاً بعد تصريح كارلا ديل بونتي، المدعية العامة السابقة في المحكمة الجنائية الدولية، عن استخدام قوات في المعارضة لغاز السارين، فيما تشكك الإدارة الأميركية بدقة هذه المعلومات وصحتها وتلجأ إلى ضخ تصريحات متضاربة لا توضح شيئاً. إذ تصر، ومعها لجنة المحققين الدوليين، على عدم وجود أدلة دامغة على استخدام هذا السلاح من قبل أطراف النزاع مما لا يسمح باستنتاجات قاطعة. الغموض هنا يذكر بنظيره المتعلق بأسلحة الدمار الشامل في العراق.

حتى اللقاء الذي جمع في موسكو وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف ورئيسه فلاديمير بوتين، والذي وعد بتقارب في وجهات النظر وبعقد مؤتمر دولي على أساس بيان جنيف لإيجاد حل سياسي تفاوضي، لا ينقصه الغموض. لكن الغموض يكتنف الموقف والأداء الأميركيين أكثر بكثير من موقف الند الروسي الذي يبقى واضحاً لجهة دعمه النظام السوري بصفته ضامناً مصالح روسيا وموقعها في الشرق الأوسط. فقد أعلن كيري أن «البديل عن التوصل إلى حل سياسي من طريق التفاوض سيكون مزيداً من العنف والفوضى وقد يكون تفكك البلاد». وأرفق تقديره هذا بالقول إن الأمر قد يؤثر في القرار الأميركي في ما يتعلق بتسليح المعارضة. ويفهم من هذا أن التوافق النسبي بين الدولتين العظميين على ضرورة الحل السياسي يستجيب ربما لحاجة متزايدة إلى بعث مقدار من التفاؤل، لكنه لا يمنع السعي إلى تحسين مواقع المتنازعين ميدانياً عبر إمعانهم في لعبة عض الأصابع التي يخشى أن تبلغ حداً لا يعود فيه ثمة موضوع للتفاوض سوى تقاسم الدمار والخراب.

قد يكون صحيحاً أن السلطة الأسدية أوصلت الأمور إلى الحد العبثي الذي وصلت إليه. ففرصة حلٍ معقول ذي صفة سياسية وحقوقية تسمح بتغيير صيغة العقد الاجتماعي المؤسس للدولة، كانت ممكنة ربما خلال الأشهر الستة التي غلب فيها الحراك السلمي المدني، ومطالبته المشروعة بالحرية والكرامة، على ما عداه من نوازع يولدها العنف والبطش وتصبح مدار فعل عنفي يتغذى من نفسه. فوّتت السلطة هذه الفرصة وساعدها في ذلك تزاحم القوى الإقليمية والدولية الداعمة للمعارضة ما حوّل هذه، خصوصاً في شقها الخارجي أو معظمه، إلى مسرح للتنافس والانقسام والصراع على النفوذ والحظوة والتبعية، بحيث تقلصت حظوظ المدافعين عن استقلالية القرار السوري المعارض. وليس أدل على ذلك من التباس المواقف وغموضها من مجموعات متشددة ومتطرفة مثل «جبهة النصرة» وأخواتها من مشتقات «القاعدة» والسلفيات الجهادية، وهي منظمات ينفخ النظام وحلفاؤه في صورتها معولاً على اختزال الحراك كله وقواه المتنوعة والمتعددة إلى مشروع استبدال استبداد بآخر. وطاول الغموض هذا سياسات التغطية الإعلامية والدعوية الداعمة للمعارضة. فنحن لا نقع على تحقيقات ميدانية أو غيرها، خصوصاً في الإعلام العربي المساند للمعارضة، عن نشاط تنظيمات مثل «النصرة» ومصادر وطرق تمويلها وتسليحها وتدفقها عبر الحدود إلى داخل سورية. وليس مستبعداً أن تكون الفئات والمناطق والبيئات الاجتماعية التي طاولها البطش الأسدي تحولت بفعل الرضوض والجروح إلى مادة جموح شمشوني، يوازي شمشونية السلطة ما يعزز فرص تمدد قوى جذرية وإن كانت بلا أفق سياسي حقيقي.

تضافرت هذه العوامل كلها ولا تزال بحيث أنتجت مواصفات حرب أهلية سيظل الوالغون فيها يرفضون صفتها هذه وإن كانوا يعلمون جيداً أن اختلاط السياسي بالأهلي القرابي والمذهبي والمحلي يفسح في المجال لتشكل عصبيات من كل نوع ومن كل الأحجام والأوزان، ويقلل فرص توافق على صيغة جامعة ومشتركة تحفظ ما تبقى من لحمة وطنية ومن صورة مجتمع بات ينخره التصدع والتذرر. في هذا المعنى، لم تعد الحرب الأهلية تقتصر على مواجهة بين نظام يدعي حماية الأقليات عبر البطش بالأكثرية وبين معارضات لا تنتظم حول أفق واضح، إذ بات يُخشى للأسف من تمدد بعض عناصر الاحتراب الأهلي داخل بيئات المعارضة ذاتها.

قصارى القول إن النزاع في سورية بلغ حد العبث والانسداد، بصرف النظر عن اصطفافات الرأي والمقاربات. وهذا هو السياق الذي تندرج فيه الضربة الإسرائيلية ورسائلها الموجهة في كل الاتجاهات تقريباً.

الحياة

الاستعانة بصديق.. أو عدو!

محمد صلاح

كانت الضربات الصاروخية تدك المواقع العسكرية السورية في مشاهد مصورة وضعت سريعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، بينما صوت القائم بالتصوير وبعض من زملائه يصيحون على كل صاروخ يسقط، أو كرة لهب تنير الظلام: الله أكبر… الله أكبر!!

الهجمات إسرائيلية، والصواريخ أميركية، والأهداف سورية لكنها تخص نظام بشار الأسد، وبكل تأكيد فإن العملية تصب في النهاية في مصلحة القوى المناهضة للنظام والتي تقاتل منذ شهور، وستواصل جهودها لإسقاطه، سواء طورت إسرائيل من ضرباتها «الموسمية» وزادت من إيقاعها ومعدلاتها أم لا. سخر رموز «الجيش الحر» وزعماء «الجماعات الإسلامية» و «إخوان» سورية من غياب رد فعل النظام على ضربات إسرائيلية تعرضت لها سورية من قبل، وروجوا لمقولة «أسد عليّ وفي الحروب نعامة» إمعاناً في «تهزيء» النظام وتأليب الشعب عليه، لكن السؤال الذي طرح نفسه بعد القصف الإسرائيلي هذه المرة: هل يحق لثوار الربيع العربي أن يستعينوا بعدو لإسقاط أنظمتهم المستبدة أم عليهم أن يكتفوا بمبادرات العدو؟!. كما كان متوقعاً فإن ردود الفعل السريعة من جانب قوى المعارضة السورية ورموزها ركزت على جوانب تقليدية كالحديث على عدم إطلاق النظام رصاصة واحدة لتحرير الجولان طوال عقود، أو استخدام النظام دائماً لهجات صاخبة عند الحديث عن إسرائيل في المؤتمرات والمحافل والإعلام، في حين تبدو العلاقة مستقرة بين دمشق وتل أبيب منذ انتهاء حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973، وكذلك «التَّرْيَقَة» على مقولة النظام المتكررة بعد كل هجوم إسرائيلي: «الرد سيأتي في موعد تحدده دمشق وليس العدو!!» وزاد عليها هذه المرة استخدام التصرف الإسرائيلي دون تأييده، بالترويج لفكرة أن إسرائيل أيقنت قرب سقوط نظام بشار الأسد، فعمدت إلى التخلص من أسلحة بعينها حتى لا تقع في قبضة المعارضة عندما تحكم!!. على أساس أن الغارة الإسرائيلية التي وقعت في كانون الثاني (يناير) الماضي كانت محدودة بالمقارنة بما جرى فجر أمس من حيث شدة الضربات وتأثيرها والمنشآت التي استهدفتها. الصورة واقعة أيضاً في مصر ولكن من زاوية أخرى، فالحديث عن دور لحركة «حماس» في تهريب زعماء «الإخوان» وأعضاء في الحركة في اليوم التالي لانفجار الثورة المصرية يتداول في المحاكم على خلفية قضية تنظرها محكمة مستأنف جنح الإسماعيلية، يحاكم فيها مواطن محكوم في قضية جنائية فر من سجن وادي النطرون مع الرئيس محمد مرسي وعدد آخر من أعضاء مكتب الإرشاد وأعضاء في «الإخوان» بعد هجوم وقع على السجن من الخارج قاده أعضاء في الحركة، وفق شهادات الشهود، أفضى إلى خروج آلاف السجناء الآخرين. ذلك الهجوم الذي وقع بالتزامن مع هجمات على سجون أخرى بعضها فر منه ناشطون في حركة «حماس» أيضاً وعضو بارز في «حزب الله»، كانوا جميعاً يحاكمون في قضايا في ظل النظام السابق.

وهناك بلاغات عدة قدمت إلى النيابة للمطالبة بالتحقيق في واقعة فرار مرسي نفسه وزملائه أعضاء مكتب الإرشاد لكنها جميعاً معطلة ولم تُحَلْ على المحاكم. غير أن تناول الإعلام لقضية الإسماعيلية فجر جدلاً حول استعانة «الإخوان» بـ «صديق» ضمن أحداث الثورة المصرية ظل دوره مجهولاً، أو قل مغيباً، بفعل ظروف متداخلة أثناء الثورة. وبغض النظر عن نفي مرسي و «الإخوان» وكذلك حركة «حماس» نفسها تلك المعلومات، إلا أن وقائع المحاكمة في الإسماعيلية وكذلك ما ورد في تقرير لجنة تقصي الحقائق حول أحداث الثورة تضمن تفاصيل عن «العملية»، والمهم أن قوى ثورية اعتبروا أن ترويج معلومات كتلك يمثل إساءة للثورة أو محاولة لتشويهها، وهي وجهة النظر نفسها التي اعتمد عليها «الإخوان» لنفي تهم الاستعانة بالصديق، في حين رأى آخرون من رموز الثورة أن المسألة تتعلق باستغلال «الإخوان» و «حماس» وربما «حزب الله» للثورة، التي انطلقت لأسباب مصرية خالصة وبمصريين أرادوا التغيير من دون أن يفطنوا وقتها إلى أهداف لدى آخرين استغلت الثورة لتحقيقها.

السؤال المطروح الآن عن مشاعر مواطن مصري أيد الثورة وسعد بسقوط نظام مبارك وامتثل إلى نتيجة الانتخابات الرئاسية ثم أدرك أن «حماس» لعبت دوراً ولو محدوداً في إسقاط حكم مبارك، وأن «الإخوان» استعانوا بالصديق، بشكل أو آخر، من دون علم باقي القوى الثورية التي فجرت وشاركت في الثورة وكذلك ملايين المصريين الذين اندفعوا إلى الشوارع والميادين وباتوا فيها حتى يوم التنحي. إنها المشاعر نفسها لمواطن سوري رافض لنظام مارس القهر والظلم والفساد سنوات، راغب في إسقاطه بأيادي سورية ثم صحا من نومه على وقع الصواريخ الإسرائيلية وهي تدك مواقع النظام.. معادلة محيرة بالفعل، لكن المحصلة في النهاية واحدة فالثورات العربية تظل مؤثرة ولكن يبدو أنها وحدها لا تسقط أنظمة، إذ لا بد من الاستعانة بصديق… أو عدو.

الحياة

غارات الفشل الشامل

مازن السيّد

 إنها الإهانة الكاملة، لأطرافٍ متقاتلة تسير كلّها بخطى حثيثة نحو الانقراض. للنظام السوري وداعميه، كما للمعارضة المسلحة وداعميها. الأول الذي يثبت مراراً وتكراراً براعته في قتل مواطنيه وفشله في صون وطنه، والثانية التي تتخبط منذ عامين بين مشاريع “اصدقائها” والأنانيات المتضخمة لقادتها حتى صار مخلصوها جياعاً بلا ذخيرة، وخونتها أمراء حرب تكفيريين أو قطاع طرق عملاء، متشددين أو معتدلين.

 الأهم من ذلك، أن الاعتداء الاسرائيلي على ما لا يقلّ عن هدفين عسكريين في جمرايا وفي امتداد مطار دمشق إضافة إلى المعلومات عن استهداف لوائين للحرس الجمهوري، يأتي كتصعيد جديد في مسار إخراج العنصر السوري من الحرب في سوريا على جهتيها. وفي الميزان الفعلي، فشل النظام كما المعارضة في تقديم أي تصور للحسم أو التسوية.

 هذا الفشل المتبادل، هو بعينه ما تحوّل إلى عنوان المصلحة الاسرائيلية-الغربية في سوريا منذ ستة أشهر على الأقل، استكمالاً لتهميش كل من قد يهدّد هذه المصلحة في صفوف المعارضة، وتشكيل مؤسسة عسكرية منضبطة أميركياً. هذه المؤسسة هي نفسها التي أصدرت بياناً في دمشق يوحي بأنها تنوي استكمال ما بدأته الغارات، قبل أن تعود مرجعيتها السياسية العليا وتدين الاعتداء الاسرائيلي.

 وسيكون من الخطأ اعتبار أن الغارات الاسرائيلية تقوم مقام التصعيد الاسرائيلي ازاء سوريا، فهي في الواقع لا تختلف بشيء عن أن تكون غارات أميركية، إلا بأنها توفّر على اوباما صداع التبرير بأكثر من الحجّة المطلقة دبلوماسياً وداخلياً: أمن اسرائيل. والتسريبات عن استهداف صواريخ “فاتح” تبدو تماماً في سياق التعلّل هذا، فيما يبدو السيناريو أقرب إلى استهداف مواقع عسكرية تشهد نوعاً من انتقال الإدارة الميدانية في سوريا وخاصةً في معركة دمشق.

 فالفشل السوري المتبادل الذي ذكرناه سابقاً، هو أيضاً ما سمح للطرف الايراني بتهميش أي طرف “معتدل” في النظام أولاً، حتى الاستكمال الحاصل اليوم لتهميش النظام نفسه في إدارة الحرب، حسب المعلومات الكثيرة الواردة التي تعزّز مصداقية الأمين العام ل”حزب الله”، حين أعلن أنّ “الأصدقاء الحقيقيين” للنظام السوري لن يسمحوا بسقوطه، وهو يعني بديهياً أنه مع انهيار المقومات الداخلية لهذا النظام، سيتسلّم هؤلاء الأصدقاء أنفسهم لواء المعركة.

 وليس لأحد سوى أهل “فيسبوك”، المتفاجئين على الدوام، أن يُصدم من تصريحات عضو لجنة الامن القومي والسياسة الخارجية بمجلس الشورى الايراني محمد صالح جوكار، حين دعا إلى السماح للشباب الايراني بالتطوع في سوريا، لأنّ “جبهة الكفر دخلت في حرب مع العالم الاسلامي، وان العديد من شبابنا يدعوهم الواجب الى الدخول الى الساحة وينبغي السماح للشباب القادرين بالذهاب”. فالإشارات التصاعدية إلى علنية الانخراط الايراني في سوريا كثيرة، لن تكون آخرها تصريحات قائد القوات البرية الايرانية الجنرال أحمد رضا بوردستاني عن أنهم “مستعدون لتقديم التدريب العسكري، ولكننا لن ننخرط مباشرة في العمليات”.

 ومن يدري؟ ربما نرى قريباً تقريراً من المعارضة الايرانية عن تغطية النظام الايراني ل”جهاد مناكحة” آخر في سوريا…

 أمّا السخرية من “كل الاحتمالات المفتوحة” التي أرعب بها وزير الإعلام السوري عمران الزعبي قلوب المعتدين الصهاينة، فليست في مكانها. لأن الاحتمالات مفتوحة فعلاً، كون النظام لا يملك البتّة مقاليد القرار في هذا الشأن.

 حقاً إنه فشل سوري مزدوج، لكنه مرادف في الحقيقة لفشل الدائرة العربية الداعمة ظاهرياً للثورة السورية، والتي لم تفعل سوى تفتيت صفوف الثورة وتحويلها إلى سوق، وتأجيل احتمالات الحسم في انتظار تزايد الحضور الأميركي، ثمّ انتقلت شيئاً فشيئاً إلى التنصّل عبر الخطاب القائل بأن “الخطيئة تقع على السوريين أنفسهم، الذين لا يتوحدون ضد نظامهم”….ثمّ انتقلت إلى عرض تبادل الأراضي مع الاسرائيليين!

إنه أيضاً فشل الذين لم يفهموا أن رهان النظام السوري على تحويل الصراع السياسي الداخلي إلى “حرب مع الإرهاب”، هو نفسه رهان ايران على إشعال المنطقة إذا تهددت مصالحها، وهو نفسه رهان أميركا على ما يحمي أمن اسرائيل.

المدن

ابعد من الرد على الغارات

ساطع نور الدين

 الرد على الغارات الاسرائيلية آت لا محالة، وهو لن يتأخر كثيرا، ولن يخرج عن السياق الذي ارتسم في أعقاب حرب العام ٢٠٠٦، وتجلى في سلسلة عمليات نفذت او كادت تنفذ ضد أهداف إسرائيلية في أنحاء مختلفة من العالم.. وتولى معظمها حزب الله، المكلف بمثل هذه المهمات.

 هذا ما يعرفه وما يتوقعه الإسرائيليون، وهذا ما غاب عن بال الكثيرين الذين أنهمكوا في جدل عقيم حول شكل الرد وتوقيته، ما صرف الأنظار عن مسألة جوهرية تدور حول مغزى التورط الإسرائيلي المتصاعد في الازمة السورية، الذي يوحي بان إسرائيل حسمت خياراتها وتخلت عن ترددها وتحفظها السابقين، اللذين ينسب إليهما الكثير من التعثر الدولي في مقاربة تلك الازمة.

بديهي القول ان إسرائيل تنتهز فرصة ذهبية لإضعاف القوة العسكرية السورية، بحيث لا تعود تشكل في المستقبل مصدر تهديد من أي مستوى كان. لكن الغارات تتخطى هذا المبدأ وتبرر الاستنتاج ان الإسرائيليين باتوا يدركون أن النظام السوري، الذي كانوا حتى الأمس القريب يعارضون أسقاطه ويتوجسون مما بعده، لم يعد يملك أدنى فرصة للبقاء، وبالتالي فانه آن الأوان للعمل بسرعة من اجل منع وقوع أسلحته الاستراتيجية في ايدي معارضيه، والحؤول في الوقت نفسه دون تمكين حزب الله من نقل مخازنه الموجودة داخل الأراضي السورية.

ومثل هذا التحول في الموقف الإسرائيلي ليس أمرا عابرا. فالغارات الواسعة النطاق هي في جوهرها خطوة مفصلية في سياق الازمة السورية، فمن جهة ثمة غطاء أميركي علني كامل، ومن جهة أخرى ثمة تقدير مسبق، ودقيق ، مفاده بان روسيا لن تشعر بالاستفزاز او التحدي، بل هي ستكمل تجارتها المربحة مع النظام السوري على المستويات السياسية والدبلوماسية والمالية.

لن تسفر الغارات الإسرائيلية عن خلاف بين واشنطن وموسكو، اللتين تبوحان كل يوم بأسرار تواطؤهما على سوريا، وتكشفان عن الأدوار المتبادلة بينهما.. بما ينفي بشكل نهائي الأوهام المتداولة بين السوريين، موالين ومعارضين، عن حرب باردة جديدة تدور رحاها بين الدولتين العظميين، وتستمد زخمها من الوقائع الميدانية على الأرض السورية، التي يربطها بعض الواهمين في دمشق بالقمة المقررة الشهر المقبل بين الرئيسين الاميركي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين!

لم تنتهك إسرائيل ذلك التواطوء الاميركي الروسي، بل اختبرت مداه الجديد، الذي يتمثل في الحؤول دون تسرب أي سلاح سوري، سواء الى حزب الله او الى المتشددين الاسلاميين السوريين الذين يمكن ان يكونوا الهدف المقبل لغارات إسرائيلية جديدة تحظى مباركة مسبقة من واشنطن وموسكو. ثمة ما يبرر الاعتقاد بوجود تفاهم ثلاثي أميركي روسي إسرائيلي مسبق على هذا الهدف المحدد لا سيما في لحظة تساقط النظام السوري.

أما الوجه الآخر لمثل هذا التفاهم الثلاثي، فهو منع ايران من الاحتفاظ بنفوذها الحالي في سوريا. وهنا يبدو ان الغارات هي بمثابة تعويض او ترضية لاسرائيل التي منعت حتى الان من ضرب البرنامج النووي الايراني، بقدر ما هي أيضاً محاولة لتقويض ذلك الحلف العميق بين دمشق وطهران، التي شعرت بان الطيران الإسرائيلي قد استهدفها مباشرة هذه المرة، وعبرت عن ردود فعل بالغة التوتر والقلق.

الغارات اكبر من ان تندرج في أي مسار سوري داخلي.. واكبر طبعا من أي مسار لبناني خارجي يحاول ان يخرق قواعد اللعبة المحددة منذ حرب العام ٢٠٠٦.. علما بان الخطأ في الحساب وارد ومدمر .

المدن

الغارة والثورة وسكاكين الاستبداد

زيـاد مـاجد

تسبّبت الغارة الإسرائيلية على مواقع عسكرية للنظام السوري في جبل قاسيون ومحيطه قبل أيام ببلبلةٍ لدى بعض معارضي هذا النظام السوريّين واللبنانيّين والفلسطينيّين. كما تسبّبت بارتفاع عقيرة الممانِعين واستجلابهم كالعادة أحاديث المؤامرات والخيانات.

في ما يأتي محاولة سريعة لمقاربة الموضوع والتذكير ببعض ما يتّصل به من قضايا.

أوّلاً، ليست الغارة حدثاً مستجدّاً، ولو أن لها هذه المرّة دلالات مختلفة. فهي الثالثة هذا العام، وسبقتها عام 2007 – أي قبل أربعة أعوام من اندلاع الثورة – غارات على الحدود مع لبنان ثم على شرق سوريا قرب دير الزور (استهدفت على ما قيل يومها موقعاً كان يُجهّز لاستقبال برنامج نووي كوري المواد والمعدّات). وفي كانون الثاني الماضي، قصف الطيران الاسرائيلي قافلة صواريخ لحزب الله قبل عبورها نقطة الحدود باتجاه الأراضي اللبنانية، كما هاجم الأسبوع الفائت حمولة صواريخ إيرانية في محيط مطار العاصمة. وطبعاً لم تردّ “القيادة السورية” على أيّ من هذه العمليات المنتهكة سيادة “بلدها”، لأن التوقيت والمكان “لم يناسباها”. وهذا في أي حالٍ شأنُها منذ العام 1974.

ثانياً، تُعدّ الغارة الإسرائيلية خرقاً جديداً لاتّفاقية الهدنة بين دمشق وتل أبيب وعدواناً على أرضٍ سورية، بغضّ النظر عن استهدافاتها. وإسرائيل معتادة في تاريخها ممارسة الاعتداءات: إن في هجماتها على لبنان والمخيّمات الفلسطينية فيه، أو في قصفها المفاعل النووي العراقي خلال الحرب العراقية الايرانية، أو عبر تنفيذ وحداتها الاغتيالات ضد القادة الفلسطينيين في الشتات، أو في مسلسل جرائمها الوحشية ضد قطاع غزة. وما العمليات في سوريا سوى استمرار لفلسفة عدوانيّتها هذه، المتذرّعة دوماً بأمنها، بمعزل عن كل وضع داخلي سوري وبمعزل عن طبيعة المواقع التي ضُربت هذه المرة.

ثالثاً، تقع العمليّات العسكرية الإسرائيلية حتى الآن في “سياق” إيراني – لبناني أكثر منه سورياً. فإذا ما استثنينا ضربة دير الزور عام 2007، تأتي باقي الضربات (ومنها ما يُتداول عن الضربة الأخيرة) كاستمرار لحرب تمّوز 2006 وما تلاها من قرار أممي رقم 1701 وافق عليه جميع الأطراف وقتها، وقضى نظرياً بوقف تدفّق الأسلحة الى حزب الله مقابل وقف القصف التدميري الإسرائيلي للبنان.

رابعاً، تأتي الغارة الأخيرة عشيّة لقاءات أميركية روسية، وهي تحمل على الأرجح رسالة من واشنطن الى موسكو مفادها أن الولايات المتّحدة قد لا تستطيع “لجم” إسرائيل إن ازداد الانخراط الإيراني المباشر على “حدود” الأخيرة الشمالية. وهذا يعني ربما إصراراً أميركياً على فكّ الارتباط بين موسكو وطهران ليصبح الوصول الى “اتفاق سوري” بين البيت الأبيض والكرملين ممكناً.

بالمحصّلة يدفعنا كلّ ما سبق ذكره الى القول إنّ حدث القصف الأخير لا يغيّر شيئاً في تقييم السلوك الإسرائيلي المنتهك القانون الدولي منذ عقود. كما أنه لا يغيّر شيئاً في جوهر المعادلة السورية القائمة منذ آذار 2011، تماماً كما لم يغيّر فيها كل تدخّل خارجي آخر. ففي سوريا اليوم ثورة شعبية يشارك فيها ملايين السوريّين. وهي ثورة من إجل إسقاط نظام فاشيّ يحتّل البلاد ويعتدي على أهلها منذ أكثر من أربعين عاماً. وصراخ أطفال البيضا وبانياس الذين قطّعهم هذا النظام بالبلطات عشية الغارة لم تغطّ عليه أصوات الانفجارات في مستودعات حرسه الجمهوري وفرقته الرابعة.

وبالتالي لا قيمة لأي ابتزاز لأشلاء العزّل المذبوحين بِحراب الاستبداد ولا حاجة للردّ على أي تخوين للناجين منهم إن شمتوا بموت قاتليهم أو سكتوا عن الأمر، مهما علا الصراخ واستُدعيت المكائد وتكاثرت التهديدات. فكيف وأن كلّ هذه الجلبة تأتي من كائنات لم تحرّكها طيلة عامَين صوَر مئة ألف قتيل؟!

موقع لبنان الآن

عدوان على سورية يستوجب الردّ

عبد الباري عطوان

اذا لم تكن هذه الهجمات الصاروخية الاسرائيلية على سورية ‘اعلان حرب’، وعدوانا سافرا، وانتهاكا لحرمة سيادة دولة تعيش حربا اهلية، وبطريقة انتهازية بشعة، فما هي الحرب اذن؟

هذه الهجمات الاسرائيلية المتلاحقة تؤكد ان سورية مستهدفة لأنها تشكل خطرا على دولة الاحتلال، في وقت ترتمي فيه معظم الحكومات العربية في احضانها، وتنسق معها، وتتنازل عن ثوابت فلسطينية من اجل ارضائها.

نحن على ابواب حرب اقليمية مدمرة، واذا اندلعت هذه الحرب فإن اسرائيل والدول الداعمة لها، او العربية المتواطئة معها، تتحمل المسؤولية الكاملة عنها، لان اسرائيل هي البادئة بالعدوان، وهي التي تستفز من خلاله الردّ السوري، او الايراني، فلماذا لا ترسل سورية صواريخ لحزب الله وهي التي تتلقى اطنان الاسلحة من امريكا، ولماذا لا تملك سورية صواريخ تلجأ اسرائيل الى تدميرها، وهي التي تحتل اراضي سورية وتتربع على ترسانة نووية ومئات الآلاف من الصواريخ؟

لا نستغرب، بل لا نستبعد، ان تردّ سورية هذه المرة على العدوان، وان لم تردّ فإنها ستخسر هيبتها ، وكل من يقف في خندقها، وكل ادبياتها حول الممانعة والصمود، فالشعب السوري، والشعوب العربية كلها، لم تعدّ مستعدة لتصديق مقولة الردّ في المكان والزمان المناسبين.

ما يجعلنا اكثر قناعة هذه المرة، بأن الردّ ،وبأي شكل من الاشكال قد يكون حتميا، هو ان الغارات الاسرائيلية الاخيرة على اهداف سورية، سواء كانت معامل نووية، او قــــوافل صاروخـــية في طريقها الى حزب الله، باتت تتكرر وبوتيرة متسارعة، ما يوحي بأنها قد تتكرر في الايام المقبلة، وقد تسير جنبا الى جنب مع غارات امريكية جوية تحت ذريعة اختراق ‘الخط الاحمر’ الذي تحدث عنه الرئيس الامريكي باراك اوباما.

ولعل التصريحات التي ادلى بها السيد عمران الزعبي وزير الاعلام السوري، بعد اجتماع طارئ لمجلس الوزراء وقال فيها ‘ان هذا العدوان الاسرائيلي يفتح الباب واسعا امام جميع الاحتمالات، ويجعل الوضع المعقد في المنطقة اكثر خطورة’، وان ‘على الدول الداعمة لاسرائيل ان تعي جيدا ان شعبنا ودولتنا لا يقبلان الهوان’، هي تصريحات غير مسبوقة في جديتها ووضوحها وتعاطيها مع هذا العدوان.

لم يسبق ان صدرت بيانات او تصريحات بهذه القوة والوضوح عن السلطات السورية، والتفسير الأبسط لها ان كيل ضبط النفس السوري قد طفح، وان الخيارات امامها بدأت تضيق، وابواب الهروب من المواجهة قد تكون اغلقت.

‘ ‘ ‘

اسرائيل وامريكا في عجلة من امرهما، ومعهما كل الدول العربية الداعمة لهما، فحال الجمود على الجبهة السورية الذي دخل عامه الثالث، وصمود النظام طوال هذه الفترة، بل ووصول تقارير عن تحقيقه بعض التقدم في جبهات القتال، هذا الجمود تريان انه لا يجب ان يستمر، ولا بدّ من الحسم.

الخوف من سقوط الصواريخ والاسلحة الكيماوية السورية في ايدي جماعات سنية (الجماعات الجهادية) او شيعية (حزب الله) تستخدم ضد اسرائيل لاحقا، او من قبل النظام حاليا، كآخر محاولة من اجل البقاء، هو الذي يقف خلف هذا العدوان الاسرائيلي.

النظام السوري استطاع ان يمتص جمــيع الغارات الاسرائيلية السابقة، سواء تلك التي وقعت قبل اندلاع الانتفاضة الشعبية في صيغتها السلمية، او بعدها، لانه كان يفعل ذلك تحت مسمى الاستعداد وتعزيز القدرات الدفاعية، والحفاظ على سورية الوطن والشعب، ولكن الآن الصورة تغيرت بالكامل، واسباب ضبط النفس تبخرت، فسورية مدمرة ممزقة، واكثر من مئة الف من خيرة ابنائها قتلوا، وجيشها انهك، واربعة ملايين من اهلها شُردوا في الداخل والخارج، فلماذا الخوف الآن؟

الكثير يتساءلون في العالمين العربي والاسلامي عن قيمة الاحتفاظ بهذه الصواريخ السورية اذا كانت لن تستخدم للردّ على هذه الإهانات الاسرائيلية، والاستباحات المتكررة للكرامة الوطنية السورية؟

يتفهم الكثيرون عدم اخذ النظام السوري زمام المبادرة في الهجوم على اسرائيل في ضربة استباقية، ولكنهم لا يتفهمون عدم دفاعه عن نفسه وبلاده في مواجهة مثل هذا العدوان.

امريكا تدافع عن اسرائيل، وتبرر هذا العدوان الصارخ بأنه دفاع عن امنها من قبل دولة لم تطلق رصاصة عليها وتواجه خطر التفكك والصراع الطائفي، فلماذا لا يفعل حلفاء سورية، روسيا وايران على وجه التحديد، الشيء نفسه والتحرك سياسيا وعسكريا لوقف مثل هذا العدوان؟ فالاسلحة التي تدمرها الغارات الاسرائيلية روسية وايرانية بالدرجة الاولى.

‘ ‘ ‘

يجب ان تدرك الجماعات الجهادية الاسلامية ان اسرائيل تريد اسقاط النظام السوري ليس من اجل تسليم الحكم في سورية لها، وانما لبدء معركة اخرى، تشارك فيها الولايات المتحدة ودول عربية واقليمية اخرى للقضاء عليها، وتجربة صحوات العراق هي درس لا بدّ من الاستفادة منه.

السلطة في سورية في حال سقوط النظام ستسلم الى جهة مستعدة لـ’تنظيف’ البلاد من الجماعات الجهادية، حسب توصيف المسؤولين الغربيين، والعاهل الاردني تحدث عن ذلك صراحة عندما قال ان واشنطن تتوقع انتهاء هذه المهـــمة في غضون سنتين او ثلاث بعد اسقاط النظام.

لا بدّ ان القيادة السورية تدرك جيدا، او هكذا نأمل، انه اذا كان نظامها سيسقط، فمن الاكرم له ان يسقط في حرب ضد المحتل الاسرائيلي، وبعد تكبيده خسائر كبرى، خاصة انه البادئ في العدوان، فالأشجار تموت واقفة.

النظام السوري يجب ان يعلن وقفا شاملا للعمليات العسكرية ضد معارضيه، في اطار الدعوة لمصالحة وطنية من اجل التركيز على مواجهة العدوان الاسرائيلي، وكم سيكون موقف المعارضة بطوليا ومسؤولا لو قابلت هذا الاعلان بما هو افضل منه.

الحرب في اعتقادنا بدأت، والمنطقة على شفير هاوية بلا قاع، وينتابنا احساس بأنها ستكون حربا مختلفة في ادواتها ونتائجها، حربا ستغير خريطة المنطقة، ولا نرى انتصارا اسرائيليا فيها، فإذا كانت اسرائيل لم تحسم حربا استمرت 34 يوما مع حزب الله اللبناني لصالحها، فهل ستنتصر في هذه الحرب التي اشعلت فتيلها، خاصة اذا تحولت الى حرب اقليمية او دولية؟ لا نعتقد ذلك.

القدس العربي

«تغيير قواعد اللعبة»

فواز طرابلسي

ليس من مشهد افدح على تدويل الثورة والحرب في سوريا من سلسلة الاتصالات السياسية والديبلوماسية والعسكرية المحمومة التي اثارتها ضربتان جويتان للطيران الحربي الاسرائيلي على مواقع عسكرية ومخازن اسلحة ومركز ابحاث في دمشق وجوارها. وسوف تتوج تلك الاتصالات بلقاء اميركي – روسي رفيع المستوى يمكن التهكن بأن نتائجه لن تتضح بسرعة.

تمت الضربتان، على مقربة من القصر الجمهوري، بمعرفة ودعم من الادارة الاميركية، كما اكدت مصادر اسرائيلية ولم تنف واشنطن. بل سارع الرئيس اوباما الى اعتبار هذا الاعتداء السافر على السيادة السورية بمثابة حق لاسرائيل في الدفاع عن النفس، إسرائيل الذي تحتل جزءا حيويا من الاراضي السورية بعد ان أعلنت ضمّه بالضد من قرارات الامم المتحدة.

يجدر لفت النظر الى رخاوة ردتي فعل الحليفين الروسي والصيني. بدلا من ان تؤجل بكين زيارة نتنياهو الرسمية لها، ولو لساعات او ايام على سبيل الاحتجاج، كان نتيناهو هو من اخّر زيارته للعاصمة الصينية بضع ساعات. وغادر تل ابيب على قرارين: بدء التفاوض على التعويض على ضحايا الباخرة التركية «مافي مرمرة» وقرار مفاجئ بتجميد الاستيطان في الضفة الغربية. اما الحليف الروسي، فناشد سوريا «ضبط النفس» على لسان وزير الخارجية لافروف، قبل ان يتحدث عن «ضرورة احترام السيادة السورية ». اما طهران فتراجعت سريعا عن دعوة احد مسؤوليها العسكريين المقاومة اللبنانية الى الرد، فتولى امين المجلس الاعلى للامن القومي تذكير اسرائيل بانها سوف «تندم» على عدوانها، وصولا الى تحذير وزير الخارجية الايراني من ان الفراغ في السلطة السورية سوف يهدد امن جوار سوريا.

يمكن ان نتجاوز ردود فعل المكابرة والتبرير السورية: من سقوط قذيفة او قذيفتين عبر الحدود على الجولان المحتل، الى اكتفاء وزير الاعلام بالترنيمة المعتادة عن «الاحتفاظ بحق الرد» ما اثار «الوزير المعارض» علي حيدر الذي طالب بالرد العسكري قبل ان يزايد عليه رئيس الوزراء فأعلن ان «لا مجال للتخاذل والتقصير والنأي بالنفس». فهمنا الاشارة الى النأي بالنفس. لكن من يقصد رئيس وزراء سوريا بالمتخاذل والمقصّر في الردّ سابقاً على الاعتداءات الاسرائيلية؟ وكان هذا قبل ان يدلو خبراء عسكريون بدلائهم بين من يبرّر عدم الرد على اعتبار ان اسرائيل في حالة تأهب قصوى، ومن يدعو الى رد عسكري سوري «يغيّر قواعد اللعبة»، تاركاً سؤالا رهيبا معلقا: ماذا يصير بـ«قواعد اللعبة» بعد الرد على الرد؟

لعل الاقرب الى مجريات الامور الفعلية هو ان نأخذ في الحسبان الخبر الذي نقلته صحيفة «يديعوت احرونوت » من ان تل ابيب بعثت برسالة الى دمشق عبر واشنطن وموسكو تعلن فيها عدم النية في التدخل في الحرب الاهلية. وقد نقلت صحيفة «الراي» الكويتية ان الرئاسة السورية ردّت على تلك الرسالة بالقول اذا كررت اسرائيل عدوانها فسيكون ذلك بمثابة اعلان حرب. وكما يجري في مثل تلك الحالات، ما لنا وكلام الصحف، ما علينا الا ان نراقب، لا الحرب ولا التهديد بها، بل ما اذا كانت اسرائيل سوف تكتشف او لا تكتشف المزيد من الصواريخ الايرانية او غير الايرانية المنقولة الى حزب الله بعد الآن.

يبقى السؤال: لماذا تدخلت اسرائيل عسكريا؟ ولماذا تتدخل الآن؟

لعل السؤال الحيوي هنا هو: ما الحكمة ـ التكتيكية او الاستراتيجية ـ من نقل سلاح صاروخي متطور الى حزب الله في معمعان الحرب السورية؟ والمعلوم انه سوف تكتشفه اجهزة الرصد الاميركية والاسرائيلية مثلما كشفت قافلة السلاح التي سبقته ما استدعى ضربة مماثلة لاشهر خلت؟ فهل في الامر اكثر من تذكير طهران بأنها طرف اقليمي وازن في الازمة السورية، وفي الحل، وبأنها مرجع آخر من مراجع حزب الله يجدر التعاطي معه. بل تزداد اهمية هذا التذكير بحضور ايران بما هي قوة اقليمية بعد ان عقد الرئيس اوباما المصالحة بين الجارين التركي والاسرائيلي.

مهما يكن، هدفت الضربة الاسرائيلية اقله لثلاثة اغراض. الاول وضع «خط احمر» جديد هو الكيماوي السوري وسلاح حزب الله الصاروخي بعد ان اعترف نتنياهو بأن النووي الايراني لم يصل بعد الى «الخط الاحمر» الذي رسمه في خطابه الشهير امام الامم المتحدة. والغرض الثاني هو الاستطلاع بالنيران للدفاعات الجوية السورية يخدم عدة اغراض من بينها احتمال التصعيد الاميركي ـ الاطلسي باتجاه فرض منطقة حظر جوية على سوريا. والغرض الثالث هو حجز مقعد لاسرائيل الى طاولة المفاوضات حول مصير سوريا.

اما القطاع الواسع من الشعب السوري الذي لا يزال يطمح لتغيير النظام والحرية والوحدة والكرامة فما عليه الا ان يدفن ضحايا القصف والمجازر ـ من يستطيع اليهم وصول تحت انقاض وطن يدمى ويتعثّر ـ بانتظار كبار الارض والاقل كبرا، ممن سوف يتقاسمون تقرير مصيره والكل باسم «الشعب السوري يقرر مصيره».

السفير

عدوان إسرائيل إذ يغطّي على «التطهير المذهبي»

عبدالوهاب بدرخان *

كانت النتيجة المباشرة للعدوان الاسرائيلي على سورية حرف الأنظار عن مذابح بانياس والبيضا ورأس النبع والشروع في جرائم «التطهير المذهبي» لدفع السكان الى الفرار. لم يكن عدواناً على النظام، وحرصت اسرائيل على إيضاح أنها استهدفت «حزب الله»، أو بالأحرى شحنة أسلحة ايرانية كانت في طريقها الى هذا الحزب في لبنان. وحين اتصل النظام بموسكو لتنقل غضبه الى الاميركيين والاسرائيليين، كان في الواقع يحتج لأن الغارة على مركز البحوث العلمية في جمرايا لم توفّر مواقع الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري، كما في المرة الأولى في كانون الثاني (يناير). لذا اتهم النظام اسرائيل بالتنسيق مع الارهابيين، بل مع تنظيم «القاعدة»، وبعد أربع وعشرين ساعة كان لا يزال يقول إنه «سيختار الوقت المناسب للردّ» على الغارات، لكن قواته منشغلة بالتدمير والقتل ضد الشعب في الداخل، ولا جاهزية لديها كي تقاتل «العدو» على الحدود. اضطر فلاديمير بوتين للاتصال ببنيامين نتانياهو معاتباً، لأن ثمة «تفاهمات» بينهما حول «قواعد اللعبة» في سورية. فالأول يدعم النظام ليصمد والثاني يريد اطالة الحرب وكلاهما لا يرغب في نهاية وشيكة لأنهما سيخسران حليفهما التاريخي وليسا مرتاحين الى «البدائل» المتصوّرة للنظام.

كان بشار الأسد يعرف أنه ليس مستهدفاً بالغارات، لكنه أراد أن يتأكد. فماذا عن الايرانيين و «حزب الله»؟ بعد تصريحات أولى في طهران تطلب من «المقاومة» أن تردّ، جاء نفي الادعاء بأن هناك أسلحة في صدد أن تُنقل الى الحزب. وبالتالي أعاد الايرانيون التركيز على ما هو استراتيجي وأهمّ: معركة القصير… أما الرد على اسرائيل فيمكن أن يأتي لاحقاً. ويُفترض أن قناة الاتصال الروسية استطاعت أن تحمل «تطمينات» الى الأسد، غير أنها بالتأكيد لم تطمئن حليفيه الآخرين، فإسرائيل استطاعت بثلاث هجمات أن تكرّس «حقّها» في تحقيق هدفين يستدعيان تدخلها: الأول، مراقبة الأسلحة الكيماوية ومنع وصولها الى «حزب الله» أو الى «مجموعات متطرفة». والثاني، الحؤول دون حصول الحزب الايراني – «اللبناني» على صواريخ متطورة. ولم تتلفظ موسكو بأي إدانة للعدوان، بل قالت إنها «قلقة جداً» من تداعياته، كما أن بكين انتقدت ولم تُدِنْ، أما واشنطن ولندن وباريس فجهرت بـ «تفهم» الدوافع الاسرائيلية.

لعل النتيجة الأخرى المباشرة التي أنجزها العدوان، لمصلحة النظام، أنه ساهم أيضاً في حرف الأنظار عن استخدام السلاح الكيماوي، وفي تمييع النقاش الدولي حول مسألة بهذا الخطورة. قبل أيام من ذلك، حصل تفجيران في قلب دمشق، وكان يمكن أن يُنسبا الى «جماعة ارهابية»، إلا أن مصادر النظام أكدت طوال أسابيع سابقة أن قواته نجحت في «تطهير» أطراف الغوطتين شرقاً وغرباً، وأنها أبعدت الخطر عن العاصمة، لكن هرع إعلام النظام الى استغلال التفجيرين في ما يشبه حملة ديبلوماسية جعلهما مشتبهي المصدر ومثقلين بعلامات الاستفهام. اذ وجد النظام ضرورة اعادة «الارهاب» الى واجهة الاهتمام بعدما استشعر اشتداد الأضواء المسلّطة على ارتكاباته الكيماوية، التي أوقعت الكثير من الضحايا اختناقاً في مناطق معارضيه، وفي واقعتين على الأقل قضى عشرات من قواته في معضمية الشام أو أنصاره في خان العسل في حلب، وقيل إنه قصفهما خطأً.

مع ذلك، لم يُستبعد الملف الكيماوي من التداول، على رغم أن موسكو تذكّرت أنها لم تعترف بـ «الخط الأحمر» الذي حدده باراك اوباما، كما لو أنها لا ترى مشكلة في استخدام سلاح الابادة هذا. وحين كررت التحذير من «تسييسه»، فإنها كانت في الواقع تمهّد لاعتباره تطوراً عادياً في وقائع حرب كان يمكن أن يُستخدم فيها السلاح النووي لو تمكّنت من توفيره للنظام. كان متوقّعاً أن يكون «الكيماوي» الوجبة الرئيسة على طاولة محادثات جون كيري في الكرملين، الى جانب «الحل السياسي»، فهذا بات يستوجب التعجيل بذاك، بعدما تجمّعت لدى الاميركيين «الأدلة» الكيماوية الكافية التي يمكن وزير الخارجية أن يعرضها على الروس، ليخلص الى أن الفرصة الأخيرة لـ «الحل السياسي» توشك أن تضيع نهائياً، ولا فائدة من انتظار النظام والمعارضة اذا لم تكن الدولتان الكبريان قادرتين على انضاجه. هذه زيارة مفصلية في الأزمة، لأن واشنطن في صدد اتخاذ قرارات، وتريد أن تعرف مدى جدية روسيا وما اذا كانتا تستطيعان العمل معاً سعياً الى حل سياسي.

لا شك في أن التصعيد الكيماوي وتدخل «حزب الله» همـــا ما عجّل بزيارة كيري. فإذا كانـــت اميركا وروسيا مقبلتين على اتفاق، فلا داعي لتأجيله الى قمة الدول الثمانــي منتصف حزيران (يونيو). أما اذا افتـــرقتا على خلاف في الملف السوري، فالأفضل ألاّ يخيّم هذا على أجواء القمة. وفـــي كل الأحوال، يبدو الاميركيون وكأنهم حسموا أمرهم للعمل أكثر مع المعارضين على الأرض، تحديداً مع «الجيش السوري الحر» بقيادة اللواء سليم ادريس. لم تعد لديهم مراهنة خاصة على «الائتلاف» أو المعارضة في الخارج، على رغم أنهم شاركوا بحيوية في اجتماعات باريس مع قوى علمانية وشجعوها على دخول «الائتلاف» لجعله أكثر توازناً وأقل رضوخاً لهيمنة الاسلاميين وبالأخص «الاخوان». وفُهم من اللقاءات التي أجراها اوباما أخيراً أن واشنطن تدفع باتجاه الاعتماد أكثر، اميركياً وأوروبياً، على السعودية وتركيا في تركيز الجهد العسكري لمعارضي النظام وتهميش الجماعات «القاعدية»، كما في تنسيق توسيع «الائتلاف» ومعاودة البحث في «حكومة موقتة» أو «مجلس تنفيذي»، لكن على الأرجح بعد اختيار شخص آخر (غير غسان هيتو) يعرف الادارة السورية عن كثب.

لكن الأهم أن أبسط مقوّمات الحل السياسي، وهي ارادة التعايش بين مكوّنات المجتمع باتت معدومة، بعدما ازداد الطابع الطائفي – المذهبي للصراع. وبمقدار ما كان الحديث عن هذا الحل يبدو واقعياً، فقد أصبح الآن عبثياً، في ضوء شراسة القتال الحالي في دمشق وريفها وفي حمص والقصير، وبالأخص بعد ما حصل في بانياس، وكأن مبضعاً يوشك أن يباشر لتمزيق النهائي للخريطة. ففي البدايات السلمية للثورة عمل النظام علـــى سحق الحراك في اللاذقية وبانياس بوحشـــية مفرطة، وتوزع شباب المنطقة بيـــن مصائر أربعة. فهناك من قتلوا برصاص القمع، وكثيرون وقعوا في فخ الاعتقال، وآخــرون هربوا لينضموا في ما بعد الى الثـــورة المسلحة، وقلة هاجرت أو توارت. وعــلى رغم الهدوء الذي ساد المنطقة، إلا أن «شبيحة» النظام واصلوا الاعتقالات. فـــي الفترة الأخيرة، وبعد احتجاز طويل، جيء بالكثير من الشبان الى أهاليهم جثثاً مشوّهة قضى أصحابها تحت التعذيب. وبعدما تكاثرت الجثث، جاء رد الفعل في هجـــوم على «الشبيحة» وقتل عدد منهم، ما أطلـــق المذابح التي حصدت العشرات، بينهم نساء وأطفال، كما أدّى الى تهجير الأهالي.وعلى صفحات «الفايسبوك» لأنصار النظام يمكن التعرّف الى لغة كراهية لا ينافسها سوى رقص الدبكة فوق جثث مجزرة جديدة عرطوز الفضل (ريف دمشق) قبل نحو ثلاثة اسابيع. ومن تلك الصفحات نعلم أن الهاربين باتجاه طرطوس تعرضوا للتنكيل من جانب علويين لجأوا اليهم ورفضوا استقبالهم، بل نقرأ أيضاً لوماً وتقريعاً للمسيحيين والسنّة الذين فتحوا لهؤلاء بيوتهم. هوذا الواقع على الأرض أكثر قسوة من أن يلجمه أي حل سياسي أو يعيد اللحمة بين سائر المكوّنات وبين أحدها الذي لا يرى نفسه إلا حاكماً أو مخرّباً للبلد.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

سوريا: دائرة الحرب تكتمل

غازي دحمان

لم تعد غارة، صارت غارات إسرائيلية، والهدف، كل شيء متحرك صوب جبهة لبنان، وكل شيء بات في التقدير الإسرائيلي يشكل إحتمال للخطر، وكأن إسرائيل إستفاقت فجأة على خيبة تقديراتها وتخاذلها في العامين الماضيين، وهاهي تعلن إنتهاء فترة السماح لتطورات الحدث السوري، لماذا؟، …بحسب مسؤول إسرائيلي كبير” سورية باتت كالثقب الأسود من الممكن أن يبتلعنا كلنا إذا إستمرت الأزمة تتفاعل فيها”.

الضربة الإسرائيلية هذه المرة كانت في صميم قدرات قوات الأسد، مواقع ما يسمى بالنخبة، الفرقة الرابعة، وفي القلب منها، الألوية 105و104، وهما نخبة النخبة في قوات الحرس الجمهوري، مما يعني أن إسرائيل تتجاوز الهامشي والمسموح في القدرات السورية إلى إحتياطي القوة السورية والخزان الأكبر للقوة الضاربة في بنية قوات الأسد.

ولا شك أن هذه الضربة تتزامن مع متغيرات ميدانية خطيرة، ليست على المستوى السوري وحسبـ بل وأيضاً على مستوى البنية الإستراتيجية في الإقليم والعالم، ذلك أن ثمة واقع جديد بات يرتسم على سطح الأزمة السورية ،يتجسد بإقفال دائرة الحدث على تطور شبه وحيد، حتى اللحظة، وهو السير الحتمي باتجاه الحرب، ربما ليس غداً، لكن لم يعد هناك مفر منها، إذ لم تترك روسيا وإيران سبيلا لغير هذا الإحتمال، هجومهما الكاسح مؤخرا أصاب كل الأطراف بالذعر، والإنتظار بات يعني تركهما تهندسان المنطقة على هواهما ، والسكوت صار بمثابة إنتظار الموت ، كل طرف حسب وضعه وظروفه.

عملانيا، بتنا امام إعتبارات كثيرة باتت تتحكم هذا المسار منها: إكتمال بناء إدارة اوباما ، مما يعني أنها باتت قادرة على بناء تقدير موقف صحيح من الوضع في الأزمة وقدرنها على إتخاذ القرار وتنفيذه وخاصة في ظل وجود مناخ من الشك يخيم على أغلب المؤسسات الأمريكية” من الدفاع إلى الخارجية والكونغرس”، وحتى في البيت الأبيض نفسه من سياسة أوباما الإنتظارية وجدواها.

ولعل ما يعزز هذا الإحتمال، توجه الإدارة الأمريكية إلى بناء وتجهيز البنية التحتية  الأساسية للحرب في المنطقة منها تأكيد جهوزية البنتاغون لمثل هذا الإحتمال، إذ هو أتم وضع خطط عسكرية تتراوح بين شن عمليات كوماندوس أميركية داخل الأراضي السورية للسيطرة على مخزون الأسلحة الكيمائية، إلى قصف الطائرات والمطارات العسكرية، وصولاً في وقت لاحق إلى إقامة منطقة حظر جوي قرب الحدود الأردنية.

 يتزامن ذلك مع قيام واشنطن بتعزيز شبكة تحالفات واسعة مع دول الإقليم المعنية بالحدث مباشرة والتي قد تلعب أدوار معينة في المرحلة القادمة،  سبقتها بعض الإجراءات التقنية الضرورية مثل نصب قواعد صواريخ الباتريوت في تركيا وإعادة بعث الروح في التحالف التركي – الإسرائيلي ، فضلاً عن تجهيز البيئة اللوجستية في الأردن لكي يكون قادرا على إستيعاب القدرات الحربية اللازمة للمعركة.

لكن مالذي أدى إلى مثل هذ ه النقلة في السياسة الأمريكية، وما هو الأمر الذي دفع برفع درجة الخطر في الأزمة السورية إلى هذا المقدار. لعل أهم الأسباب وراء ذلك يتمثل بوجود تحول في إدراك البيئة الداخلية للأزمة السورية، شكلت رافعة مهمة لهذه النقلة الأمريكية، وقد لوحظ مسارعة أعضاء الكونجرس من الحزبين معاً إلى التأكيد على تغيير المعادلة في سوريا، إذا تبين استخدام غاز الأعصاب، بل حتى الرأي العام يوحي بأن تغيراً في المزاج العام تجاه الحرب بدأ يظهر حسب العديد من استطلاعات الرأي.

إضافة لذلك، فقد تكونت لدى الإدارة الأمريكية رؤية دقيقة وتصورا أكثر شمولية عن الحدث وطبيعته، فقد كان واضحاً حجم الإنخراط الدبلوماس الأمريكي في الحدث السوري والذي إستغرق أكثر من ثلاثة أرباع  نشاط وزير الخارجية” جون كيري” حتى أنه يمكن تسميته بوزير خارجية الأزمة السورية.

فضلا عن ذلك، فإن أفق الأزمة باتت أكثر وضوحاً بالنسبة إلى صانع القرار الأمريكي، كما أن تكشف خريطتها بشكل نهائي سهّل قراءة مألاتها وخاصة على الأمن الإقليمي، وربما الأهم من كل ذلك وصول واشنطن إلى قناعة بأن الأزمة السورية هي من نوع الأزمات المغلقة التي لا تنطوي على ممكنات كثيرة لإجراء صفقات إن على المستوى الداخلي ” بين النظام وخصومه” أو على المستوىين الإقليمي والدولي مع روسيا وإيران، مع توضّح حقيقة أن ما تطرحه هذه الأطراف لا يعدو كونه إخراج أميركا من دائرة التأثير في هذه المنطقة، والمقابل لذلك عدم إستمرار إستنزافها كطرف جريح لم يشفى بعد من تدخلات خارجية في أفغانستان والعراق.

إسرائيل تسارع إلى الخروج من دائرة الثقب الأسود التي أدركت أن الأزمة السورية وضعتها في مدارها، وواشنطن تعيد تدوير حساباتها، وهي تعلن عن ذلك صراحة عبر موافقتها الأكيدة على التحرك الإسرائيلي الجديد، والمنطقة بإتجاه صيف ساخن مع إكتمال دائرة الحرب إغلاق أخر منافذها.

ايلاف

الأسد والحزب.. الصراخ على قدر الحرج!

طارق الحميد

وجهت إسرائيل ضرباتها لسوريا، واستهدفت ما استهدفته هناك، فجاء رد نظام بشار الأسد وحزب الله على تلك الضربات ممزوجا بالصراخ، والتهديد، وهو صراخ ليس على قدر الألم، بل إنه على قدر الحرج الذي وقعا فيه، عندما أكلا الضربة، ولم يقوما بالرد!

بالنسبة للنظام، وبحسب ما نشرته صحيفة «الأخبار» اللبنانية، المقربة منه ومن حزب الله، ونقلا عن زوار للأسد، فإنه يقول إن سوريا كانت «قادرة بسهولة على أن ترضي شعبها، وتنفّس احتقانه واحتقان حلفائها، وتشفي غليلها بإطلاق بضعة صواريخ على إسرائيل، ردا على الغارة الإسرائيلية على دمشق. هي تدرك أن الإسرائيلي لا يريد حربا، وأنه في حال قيامها بردّ من هذا النوع، ستعتبر ضربة في مقابل ضربة. أصلا الوضع الدولي لا يسمح بحرب لا تريدها أصلا إسرائيل ولا أميركا. بذلك نكون قد انتقمنا تكتيكيا. أما نحن، فنريد انتقاما استراتيجيا، عبر فتح باب المقاومة، وتحويل سوريا كلها إلى بلد مقاوم». وحديث الأسد هذا يكشف مدى الحرج الذي يشعر به شخصيا جراء عدم رده على الغارات الإسرائيلية، خصوصا أن الأسد أكثر من تاجر بالمقاومة.

أما بالنسبة لحزب الله، فقد كان حسن نصر الله أكثر وضوحا، وصراخا، حين قال في كلمته، أول من أمس (الخميس)، وهو يضحك، محاولا تبسيط الموضوع، إن البعض يتساءل «صادقا»: لماذا لم ترد سوريا أو الحزب على الغارات الإسرائيلية؟ والبعض الآخر يقول: لماذا لم يردوا، من باب أن يكسر بعضهم بعضا، أو كما يقال عاميا: «فخار يكسر بعضه»، أي حزب الله والأسد وإسرائيل، وهذا الكلام وحده يظهر مدى الحرج الذي يشعر به نصر الله أيضا، نظير عدم الرد على الغارات الإسرائيلية، ولذا لوح نصر الله بفتح جبهة مقاومة من الجولان، عبر حزب الله سوري جديد، وهو التهديد نفسه الذي نقلته صحيفة «الأخبار» على لسان الأسد، الذي هدد بتحويل سوريا إلى دولة مقاومة، مما يثبت أن النظام الأسدي، الأب والابن، لم يكونا إلا تجارا غرروا بكثر في قصة المقاومة المزعومة. فتصريحات الأسد تظهر أنه غير قادر على الرد، نظرا لعدم التوازن بالقوى، ولمعرفته أن الرد المباشر على إسرائيل يعني النهاية الحتمية والسريعة، وبالنسبة لحزب الله، فرغم كل هذا الصراخ، فإنه سبق للحزب، وكذلك إيران أيضا، نفي أن تكون الغارات الإسرائيلية قد استهدفت أسلحة موردة من إيران للحزب، مما يعني أن طهران والحزب يحاولان التهرب من مناقشة الغارات الإسرائيلية إعلاميا، لكن الحرج لم يرفع، ولذا خرج نصر الله يصارخ، ويهدد.

ملخص القول إن الأسد وحزب الله يعيان حجم ورطتهما؛ سواء ردا على إسرائيل أم لا، ولذا فهما يصرخان صراخا ليس على قدر الألم وحسب، بل وعلى قدر الحرج، وفي هذا الصراخ أيضا محاولة لمساندة روسيا في مفاوضاتها الصعبة مع الأميركيين على رأس الأسد.

الشرق الأوسط

الضربات الإسرائيليّة: الموت كمطلب لذيذ

حازم صاغيّة

حين تقصف إسرائيل، دفعة واحدة، 40 هدفاً في ضواحي دمشق، وحين تكون هذه الضربات الثالثة من نوعها في غضون أشهر، والثانية في غضون أيّام، وذلك من دون ردّ سوريّ عليها، فهذا يعني شيئين متلازمين: أنّ سوريّة لن تردّ، لا غداً ولا بعد غد، وبغضّ النظر عن كذبة اختيار المكان والزمان الملائمين، وأنّها، حتّى لو أرادت أن تردّ، غير مهيّأة لذلك، لا غداً ولا بعد غد، وإلاّ لما كان قد قُصف لها 40 هدفاً دفعة واحدة، ومن دون ردّ.

يترافق هذا العجز المعلن، وذو السوابق الكثيرة، مع استئساد بعيد تمارسه السلطة السوريّة على شعبها، يضطلع فيه سلاح الجوّ السوريّ (الذي لم يردّ على الإسرائيليّين) بدور بارز.

بيد أنّ المقارنة هذه التي لم تفت معظمَ السوريّين المعارضين، تدفع إلى الجزم في أمر واحد: إنّ هذا النظام وجيشه مصنوعان لهدف وحيد هو التحكّم بالشعب السوريّ ومنعه من الحرّيّة. وإنّما في الإطار هذا تعمل لفظيّة الصراع مع إسرائيل كواحدة من ديناميّات التحكّم المذكور.

يصحّ هذا التقدير لا في النظام السوريّ فحسب، بل أيضاً في منظومة الممانعة كلّها أنظمةً وتنظيمات: ذاك أنّ إيران شاركت في الردّ بعرضها التدريب على الجيش السوريّ! وحين ندرك كم تستغرق دورات التدريب من وقت، نفهم أنّ العرض الإيرانيّ إنّما يكتفي بإضافة الملهاة إلى المأساة. أمّا «حزب الله» الذي لم يعد يتستّر على مساعدته للنظام في معارك القصير وحمص، فيمتنع عن مساعدته في مواجهة الضربات الإسرائيليّة، علماً بأنّ خطب الأمين العامّ لـ «حزب الله» كادت تقنعنا بأنّ إسرائيل كلّها غدت في مرمى نيرانه وصواريخه.

المقارنة بين السلوكين ترقى إلى دعوة تُوجّه إلينا، للمرّة المليون، كي نغادر عالم الأكاذيب الملوّنة التي لا يزال بعضنا يعيش فيها. وحين يظهر معارضون سوريّون يقولون إنّ الضربات الإسرائيليّة جاءت للتغطية على ارتكابات النظام، فهم لا يفعلون سوى تجديد انتسابهم إلى تلك الأكاذيب، ولو من موقع سياسيّ مغاير. وبهذا فهم يردعوننا عن التوصّل إلى الاستنتاجات الجذريّة التي آن الأوان لتحصين عقولنا بها. ذاك أنّ الوطنيّة والقوميّة في أشكالهما الأكثر احتقاناً، البعثيّ منها وغير البعثيّ، ليستا سوى وصفة لإذلال الشعوب العربيّة والحؤول بينها وبين السير على طريق التقدّم. هذا ما كان معمولاً به في 1967، وما هو معمول به اليوم على نطاق أوسع. وما يصحّ في تلك الوطنيّات اللفظيّة المهتاجة، آنذاك واليوم، يصحّ في الأدوات التنفيذيّة التي تمتلكها تلك الوطنيّات جيوشاً ومخابرات وأجهزة أمن.

ولا يخلو من دلالة، فعليّة ورمزيّة في آن، أنّ «الفرقة الرابعة» التي استُهدفت إحدى وحداتها بالقصف، تحتلّ موقعاً متقدّماً جدّاً في البطش بالسوريّين وإذاقتهم الموت والهوان. لكنّ ذلك لم يحل دون ظهور الأصوات التي تطالب السوريّين بالتعبير عن الحزن والمرارة بسبب ما أصاب تلك «الفرقة الرابعة» لمجرّد أنّ إسرائيل، ولأغراض تخصّها وحدها، هي من نفّذ هذه العمليّة!

هكذا تصل المتاجرة بالأكاذيب والأوهام، أو إيديولوجيا الأكاذيب والأوهام عند الصادقين، إلى حدّ المطالبة بالتعامل مع الموت الآتي من «الفرقة الرابعة» كمجرّد محطّة لذيذة بين كذبتين.

الحياة

قيادة محور المقاومة في معركة… الكلام

حازم صاغيّة

حجّتان اثنتان تردّدتا بعد الضربات الإسرائيليّة الأخيرة ممهورتان بتوقيع الممانعة، مردّدوهما يتوزّعون على مراتب عدّة في هرم السلطان الممانع.

أولى الحجّتين أنّ سوريّة ستتحوّل دولة مقاومة، وكان الظنّ أنّها ليست سوى دولة مقاومة، وأنّ هذا الواقع إنّما يرقى، في أدنى تقدير، إلى تولّي الرئيس الراحل حافظ الأسد زمام السلطة في 1970. أمّا الحجّة الثانية، الأكثر استراتيجيّة، فمفادها أنّ قيادة التصدّي لإسرائيل ستتركّز، من الآن فصاعداً، في يد إيران وفي معيّتها «حزب الله» الذي أعلن أمينه العامّ افتتاح جبهة الجولان. وهذا تحصيل حاصل ما دام الإسرائيليّون، كما قيل مراراً، قد استهدفوا إيران وحزبها من خلال استهدافهم دمشق.

لكنّ الحجّتين حين تؤخذان معاً، وفي الخلفيّة أنّ الردّ على إسرائيل آت لا محالة، ترسمان أفقاً لا يقلّ إعتاماً عن الأفق الذي رسمته الضربات العسكريّة.

فسوريّة ستكون، إذا ما صدّقنا الرواية الممانعة، دولة مقاومة قيادتها في إيران! أي أنّها ستكون جزءاً من المقاومة ومن استراتيجيّتها، بعدما كانت المقاومة جزءاً منها ومن استراتيجيّتها. وهذا ما يحمل على التذكير بيوم كانت قوّات الفيتكونغ تقاتل في جنوب فيتنام فيما القيادة الفعليّة في هانوي الشماليّة بزعامة هوشي منه.

وبعض ما يترتّب على هذا، إذا ما صدّقناه، أنّ «الدولة» في سوريّة مرشّحة لأن تغدو ميليشيا، وفي أحسن الأحوال، قوّة غير نظاميّة تخوض حرباً شعبيّة قد تغدو طويلة الأمد. فهي، من داخلها ومن خارجها، باتت أشدّ هلهلة من أن يتمّ التعامل معها كدولة سيّدة.

وأمّا القيادة الطهرانيّة للمواجهة فتشي بالمدى الذي بلغه تبخّر السلطة السوريّة، ومعه تبخّر عروبتها أو ما تبقّى منها. وحين يقول رسميّ إيرانيّ كبير إنّ بلاده ستخوض معركة تقضي على «كلّ» الشرور دفعة واحدة (ولو قال على نصفها لصدّقناه)، يكون يعلن عن موقعه القياديّ، ولو من طريق تكبير الكلام.

واقع الحال أنّ الحجّتين أعلاه تشيران إلى الرغبات أكثر كثيراً ممّا تشيران إلى الوقائع والاحتمالات. فالسلطة السوريّة المُقوّضة لن تكون فيتكونغ إلاّ على شعبها. وربّما استلهم بناة هذا السيناريو وضعها الميليشيويّ الراهن كي يرشّحوها للدور المقاوم الذي رشّحوها له. أمّا أن تتولّى إيران الدور القياديّ، فهذا يبقى صحيحاً شرط ألاّ يعني تورّطاً إيرانيّاً في القتال. والحال أنّه منذ انتهاء الحرب العراقيّة – الإيرانيّة أواخر الثمانينات، لا يوجد دليل واحد على أنّ الإيرانيّين يخوضون حروبهم بأنفسهم.

ما الذي يتبقّى إذاً من ذلك السيناريو – اللعبة؟

في آخر المطاف، يلوح، مع الضربات الإسرائيليّة الأخيرة، أنّ حروب الخارج قد اختُتمت وأقفلت بالشمع الأحمر، لأنّها باتت مواجهات بين طرف يملك السلاح وعدّة العدوان، فضلاً عن قراره، وبين طرف لا يملك إلاّ الكلام المتورّم والهواء الساخن. أمّا حروب الداخل، على أنواعها، فهي التي تتفجّر اليوم وتتناسل بهمّة لا نظير لها. وهذه هي، بالضبط، الاستراتيجيّة الإيرانيّة لمنطقة المشرق العربيّ ولمستقبلها.

الحياة

الغارتان الاسرائيليتان قصفتا دمشق لكن هدفهما إيران

تنفيذ لسياسة “الخطوط الحمر” ونموذج لتحرك أطلسي محتمل

    رندى حيدر

 طرحت الغارتان الجويتان اللتان شنهما سلاح الجو الإسرائيلي على مواقع عسكرية قرب العاصمة السورية سؤالاً أساسياً هو: هل نحن أمام بداية مرحلة جديدة  من التدخل العسكري الإسرائيلي في النزاع السوري، وما انعكاسات ذلك على الصراع الدائر في سوريا وعلى لبنان؟

وفور حصول الغارتين اعتمدت إسرائيل سياسة التعتيم الاعلامي، ورفضت الاعتراف رسمياً بمسؤوليتها عن هاتين الغارتين، وامتنع أي مسؤول إسرائيلي عن التطرق علناً الى الموضوع، واصر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على القيام برحلته المقررة الى الصين كي يثبت انه مطمئن الى الوضع الامني في بلاده. وتكاثرت الاشارات الإسرائيلية غير المباشرة الى ان إسرائيل ليست في صدد التصعيد مع سوريا، ولا تنوي التدخل في الحرب الدائرة فيها، وان ما جرى ليس بداية عملية عسكرية إسرائيلية واسعة النطاق.

وتحدثت الصحف الإسرائيلية عن رسائل تطمين بعثت بها إسرائيل عبر قنوات ديبلوماسية أميركية وروسية إلى كل من إيران والرئيس بشار الأسد، وشددت فيها على انها لا تنوي التدخل في الحرب الدائرة في سوريا ولا مساعدة الثوار على اطاحة رئيسها، وانما الهم الاساسي بالنسبة اليها منع انتقال الأسلحة المتطورة من سوريا الى “حزب الله”.

وأوردت صحيفة “هآرتس”  في افتتاحيتها قبل أيام ان ما حدث يدخل في اطار سياسة معروفة تنتهجها إسرائيل منذ 2006، وهي قائمة على “العمليات المركزة والمحدودة التي ينفذها سلاحا البحر والجو ضد أهداف معينة لمواجهة خطر طارئ، ومن دون لفت الكثير من الانتباه، مع رفض إسرائيل الاعتراف رسمياً بمسؤوليتها عما حدث”. وكل هذا يعطي انطباعاً واضحاً ان إسرائيل لا تنوي توسيع نطاق عملياتها العسكرية وان لا داعي للقلق.

أهداف القصف

ولكن على رغم ذلك، فإن الغارتين الاخيرتين اختلفتا عما سبقهما في الماضي، وبدا انهما تندرجان في اطار خطة عمليات عسكرية وضعها الجيش الإسرائيلي لمواجهة التطورات في الوضع السوري وتحقيق اكثر من هدف في وقت واحد. فقد ارادت إسرائيل ان تثبت قدرتها على الصعيد الاستخباري وعلى جمع المعلومات والتسلل الى قلب سوريا. فقد نقل المراسل العسكري لصحيفة “هآرتس” عن مصادر استخبارية غربية أن شحنة الصواريخ المستهدفة كانت قد وصلت إلى سوريا بالطائرات قبل أسبوع فقط، ووزعت على عدد من المواقع تحضيراً لتهريبها الى لبنان.

عسكرياً، اظهرت الغارتان قدرة سلاح الجو الإسرائيلي على اختراق الدفاعات الجوية السورية، وبذلك دحضت التحذيرات الصادرة عن رئيس هيئة الاركان الأميركية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي والمتعلقة بقوة هذه الدفاعات الجوية. فالطائرات الإسرائيلية لم تخرق المجال الجوي السوري مرة واحدة وإنما مرتين، وضربت اهدافها من غير ان يعترضها احد. كما اختبرت إسرائيل في غارتيها قدرتها على تفجير مخازن سلاح موجودة تحت الأرض، وفي هذا رسالة واضحة الى إيران بأنها تملك سلاحاً قادراً على تدمير المنشآت النووية الإيرانية الموجودة تحت الأرض.

على الصعيد السياسي، أجمع أكثر من معلق إسرائيلي على ان الغارتين رسالة موجهة الى إيران خصوصاً و”حزب الله” بضرورة عدم تخطي ما تعتبره إسرائيل “خطاً أحمر”، بنقل السلاح الإيراني المتطور الذي ترى إسرائيل انه “يخلّ بالتوازن” الى أيدي “حزب الله”. كما انهما اشارة الى رفض إسرائيل انتقال السلاح غير التقليدي الى ايدي الثوار السوريين.

التنسيق مع الأميركيين

وعلى رغم التكتم الإسرائيلي على العملية، فقد تحدث أكثر من صحافي إسرائيلي عن تنسيق كامل بين إسرائيل والولايات المتحدة قبل القيام بالغارتين. ولمح بعضهم الى ان الأميركيين علموا بالأمر قبل حصوله، والدليل على ذلك التأييد الواسع للغارتين في الولايات المتحدة. وذهب بعض المعلقين الإسرائيليين الى ما هو أبعد من ذلك ليقول إن التحرك الإسرائيلي ضد سوريا عكس التقاطع في المصالح الأميركية والإسرائيلية هناك. هذا كان رأي المعلق في صحيفة “إسرائيل اليوم” أبرهام بن تسفي، الذي قال إن إسرائيل أثبتت انها الذراع العسكرية الطويلة للولايات المتحدة، وانها تستطيع ان تتحرك في الاماكن التي قد تجد الولايات المتحدة صعوبة في التحرك مباشرة فيها. ولم يستبعد الكاتب أن تشكل الغارتان نموذجاً لتحرك عسكري مستقبلي لقوات حلف شمال الأطلسي، أي تبني أسلوب الغارات الجوية المركزة التي تستهدف قواعد عسكرية ولا توقع ضحايا بين المدنيين. واعتبر ان إسرائيل وجهت نيابة عن الولايات المتحدة والدول الغربية رسالة حادة الى الرئيس الأسد رداً على استخدامه السلاح الكيميائي ضد شعبه.

 التخوف من رد سوري

بيد ان رسائل التطمين التي بعثت بها إسرائيل في اتجاه سوريا لم يمنعها من التحسب لاحتمال رد سوري على القصف رغم ان غالبية المعلقين الإسرائيليين استبعدت حصوله. وفي الواقع نشرت إسرائيل فور حصول الغارتين بطاريات “القبة الحديد” لاعتراض الصواريخ في كل من صفد وحيفا. وعكست المتابعة الدقيقة للاعلام الإسرائيلي لكل ما يصدر من تصريحات عن المسؤولين السوريين والإيرانيين قلقاً إسرائيلياً من رد من سوريا او من “حزب الله”. ورجحت التقديرات أن الرئيس الأسد يفضل عدم الانجرار الى مواجهة الآن مع إسرائيل لأسباب عدة، ولكن من الصعب تقدير ما سيكون موقفه اذا ضغطت عليه إيران.

وشكّل التخوف من رد سوري محور انتقادات إسرائيلية، خصوصاً ان هذا الرد سيستهدف بصورة أساسية الجبهة الداخلية الإسرائيلية. فانتقد بعض الصحافيين الإسرائيليين عدم اطلاع الحكومة الإسرائيلية الجمهور الإسرائيلي على حقيقة ما يجري على الجبهة الشمالية، على رغم ان قرارها الاغارة على سوريا يعرّض في الدرجة الأولى  حياة المدنيين الإسرائيليين للخطر.

الأمر المؤكد اليوم ان احداً في إسرائيل لا يرغب في التورط في الحرب الداخلية السورية ولا في الانزلاق الى حرب اقليمية، لكن ما حدث يشير الى ان سياسة الخطوط الحمر التي وضعتها منذ بداية الثورة السورية ضد تهريب السلاح السوري المتطور الى “حزب الله” في لبنان اتخذت منحى أكثر حدة وخطورة. ومع ذلك، فان اي تصعيد جديد للوضع سيكون هذه المرة رهناً بردة فعل كل من إيران وسوريا و”حزب الله”.

النهار

… عن الغارات الإسرائيلية والردّ السوري!

مرزوق الحلبي

الغارات الإسرائيلية في سورية دراماتيكية بمفهوم إعلامي خاصة عندما تثبت الكاميرا صورة ألسنة النار من مواقع التفجير على الشاشة. لكنها عادية بمنطق إسرائيلي. وهناك من العرب والسوريين واللبنانيين والإيرانيين يُخطئ في تقصّي مسارات هذا المنطق أو اتجاهاته. هكذا كان في مغامرة حزب الله، في صيف 2006، وهكذا كان في مغامرات حماس في قطاع غزة وهكذا قد يحصل إذا ما حاول البعض ترجمة التبجّحات السورية والمؤتمرات المتلفزة أو التصريحات المتفذلكة من أن الردّ سيكون درساً وأنه سيأتي في الوقت والمكان اللذين سيختارهما النظام السوري أو «حزب الله»! مثل هذا المنطق العربي يقصّر عن فهم المنطق الإسرائيلي وهو بسيط لكنه واضح.

قبل أن نوضحه لمحبي المغامرات والمعتقدين بأنهم ضربوا قوة الردع الإسرائيلية نشير إلى أننا في مجال تحليل استراتيجي وليس في مجال تسجيل موقف مع أو ضد. وفي الاستراتيجيا كما في الاستراتيجيا الأهم فيها هو تداول غير المستحبّ وغير المرتجى.

أوضحت إسرائيل على لسان مسؤوليها وباحثيها ومحلليها ودارسيها ومراكزها ومعاهدها أن الحرب الأهلية في سورية مصلحة إسرائيلية بخاصة إذا طال أمدها. وهو ما بدت إسرائيل ملتزمة به تماماً منذ تفجّر ثورة المواطنين في سورية ضد النظام. بل هو يتماشى مع الاعتقاد الأمني الإسرائيلي منذ الثمانينات من أن الجيش السوري هرم جداً، ثقيل الحركة يعاني من نقص في قطع الغيار ومن أنظمة سلاح تقادمت ولا تتماشى مع الحرب الحديثة. وهو ما يظهر جلياً في أدائه وحراكه مقابل الثورة المدنية والمسلحة. بمعنى ـ وهو ما نقرأه بالعبرية من لدن مراكز الأبحاث ـ

ان إطالة أمد الحرب الأهلية يعني إزالة الخطر العسكري السوري وإنهاك وتفكيك الجيش النظامي لفترة طويلة ستستمرّ طويلاً بعد سقوط النظام ومهما كانت الجهة التي ستتسلم مقاليد الحكم، أو في حال تشظي الدولة السورية إلى دويلات. لكنها في الوقت نفسه أوضحت نقاطاً أخرى وأهمها نقطتان. الأولى ـ أنها لن تقبل بتنظيمات قاعدية أو جهادية على حدودها الشمالية. والثانية ـ أنها ستتدخل في حالة وجود خطر جدي بوصول أسلحة استراتيجية أو غير تقليدية ـ كيماوية أو بيولوجية إلى أيد غير آمنة. وهذا يسري على النظام وحزب الله والثوار وأي طرف ترى فيه إسرائيل خطراً فعلياً أو احتمالياً عليها.

منطق بسيط جداً مستمدّ من فكرة الأمن القومي الإسرائيلية المعدّلة. وقد تعزّز هذا المنطق في ضوء ما تعتقده كل القيادات الإسرائيلية من تضعضع قوة الردع الإسرائيلية في عيون المحيط العربي. بل بإمكاننا الادعاء أن هذا الاعتقاد هو الذي زاد من العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. ولأنه قائم إلى الآن فإن إسرائيل لن تتردد في انتهاز كل فرصة سانحة لاستعادة هيبتها. فعلت ذلك بالانتقال بالجيش من عقيدة إلى أخرى جديدة وبالتزوّد غير المسبوق بأنظمة سلاح متطورة جداً بهدف زيادة القدرة التدميرية والنارية وتعزيز مبدأ الحسم السريع إضافة إلى بناء الجبهة الداخلية وتدريبها على الصمود لفترات طويلة. وستفعل ذلك بتدمير كل ما تراه تهديداً استراتيجياً جديداً.

لأن القيادات في إسرائيل على إدراك بأنها لم تقم بواجباتهــــا على المستوى الاستراتيجي طيلة سنوات التسعين والنصف الأول من عقد الألفين، فهي مصممة على استرداد ما ضاع مهما يكن الثمن في محيطها القريب والبعيد وصولاً إلى إيران. واعتقــــادي أن هذه القيادة ستعمل في ظروف الشك، أيــضاً، وليس عندما تتأكّد من حصول تغيير فعلي فقط يُمكن أن تدفــــع ثمنه مثل نقل أسلحة نوعية لحزب الله من دمشق! ما نريد تأكيده أن إسرائيل بمنطقها الأمني الراهن ليست إسرائيل قبل عقدين. هذا، فيما يمنحها النظام السوري وحزب الله الآن أوراقاً مريحة للعب الاستراتيجي (وهو ما يُتيحه لها إلى الآن طبيعة الحراك العربي والتغييرات التي طرأت حولها). وستستثمره في كل مرة يُتاح لها ذلك. يعني أن الغارات الإسرائيلية قبل أيام لن تكون الأخيرة.

صحيح أن النظام السوري هدّد بالردّ وأن وسائل إعلام حزب الله تروّج لخطوات فعلية للقيام بذلك مثل توجيه الصواريخ السورية ناحية إسرائيل. وصحيح أنه يُمكن لحزب الله أن يقوم بالمهمة على نحو ما. في مثل هذه الحالة أرجّح أن النظام السوري سيكون قد ارتكب آخر أخطائه علماً بأن إسرائيل لا تريد له الذهاب الآن بل تريده من القوة بحيث يظل مُمسكاً بصمامات أمانها في مجمعات الأسلحة غير التقليدية وعازلاً بين القاعديين في الشمال السوري وجبهتها مع الجنوب السوري إلى أجل غير مسمى. وللتدليل على ذلك أن أهداف الغارات الإسرائيلية محددة تماماً لا تمسّ القدرات القتالية للجيش السوري مقابل الثورة ومسلحيها ولا تقصد ضرب قوات النُخبة ولا أي قوات ميدانية تشارك في قمع الثورة أو قتل الأبرياء في البيضا وراس النبع مثلاً.

ليس خافياً أن إسرائيل أرسلت للنظام السوري مراراً رسائلها الواضحة. ومفادها أنها تطلب منه أن يحمي مستودعات الأسلحة غير التقليدية ويمنع وصولها إلى مَن هم «غير منطقيين» في اللعبة على أن تمنع إسرائيل أو تؤخّر إلى ما تستطيع تدخلاً غربياً أو حتى عربياً في الحرب الداخلية. وأعتقد أن «التفاهم» قد فعل فعله إلى الآن. لكن، تداعيات الحرب الأهلية وزيادة الدور الإيراني المباشر وغير المباشر من خلال مقاوله الثانوي ـ حزب الله، غيّر اعتبارات النظام أو قوى فيه ناحية الخروج على هذه التفاهمات. وقد أرادت إسرائيل تثبيتها فأرسلت طائراتها وسترسلها ليس إلى دمشق فقط بل إلى حيث تستطيع أن تصل بما في ذلك إيران خصوصاً أن ما يحصل في سورية صار أكثر وأكثر لعبة إيرانية منها سورية. وفي الاستراتيجيا كما في الاستراتيجيا ستستغلّ إسرائيل كل فرصة لاستباق أعدائها أو استثمار أخطائهم القاتلة. وحرب النظام السوري ضد شعبه وبلده هو فرصة ذهبية تماماً ستعمد إلى استثمارها. وكلما كانت سورية ونظامها موضوعاً تستثمره إسرائيل كلما رجّحنا أن الردّ السوري لن يحصل وإذا حصل فسيكون رمزياً ليس إلا.

الحياة

هدنة الأربعين عاماً لم تعد قائمة؟

تقاطع الخطوط الحمر يهدّد بتوسيع الحرب في سوريا

ماجد الشّيخ

في أعقاب عمليات الإغارة على مواقع في دمشق، وجهت إسرائيل رسائل طمأنة إلى النظام السوري، عبر قنوات دبلوماسية، أوضحت فيها أنها لا تنوي التدخل في الأزمة السورية، وبأن الغارتين الأخيرتين، كانتا تستهدفان صواريخ إيرانية متطورة في طريقها إلى “حزب الله” في لبنان، وبأن الحزب أقام له قواعد في سوريا، باتت مليئة بالصواريخ الإيرانية التي، حسب الإسرائيليين، “تغير موازين قوى الردع في المنطقة”.

وبنشر مضمون “رسالة الطمأنة” الإسرائيلية، تكون إسرائيل قد اعترفت رسميا بالغارتين الأخيرتين على سوريا، كما أن تهديدات وزراء إسرائيليين باعتراض أي قوافل قد تنقل اسلحة من سوريا إلى “حزب الله” في لبنان، “ومنعها بشكل فوري وبقوة”، تؤكد على أن “الغارتين ليستا الأخيرتين على سوريا، وبأن الحكومة الإسرائيلية اتخذت قرارها برد فوري على أي عملية نقل أسلحة”.

من جهته رأى الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية في إسرائيل، عاموس يدلين، ان “الاعلان السوري بالتعرض لقصف إسرائيلي والتهديد بالرد، في حال تكررت عمليات القصف، يستدعي اتخاذ الحيطة والاستعداد لاحتمال رد سوري مستقبلي، غير متوقع خلال هذه الايام في أعقاب الضربة الأخيرة”. وفي تصريحات اطلقها فور الاعلان عن الغارة الإسرائيلية، وقبل التهديد السوري بالرد، قال ان “هناك عدة أسباب تجعل إسرائيل مطمئنة إلى أن سوريا لن ترد على القصف، بينها ان إسرائيل ليست القوة التي تهدد نظام الاسد بالسقوط، وعدم دخوله في حرب معها، في الوقت الذي يتحسن وضعه في سوريا”. وحسب يدلين فان الاسد، يدرك تماماً ان “نقل أسلحة إلى “حزب الله”، هو أمر يخالف قرار مجلس الامن الدولي 1705، ما يعني ان العالم سيقف ضده وسيدعم إسرائيل في ضرباتها لمنع نقل هذه الاسلحة”.

الرقص على حبل رفيع

إعلامياً، وعلى الصعيد الإسرائيلي، لوحظ على مدى أيام الاسبوع، من التحليلات في جميع الصحف الإسرائيلية، أن المحللين باشروا بمحاولات لإطفاء الحريق الذي قد يشتعل، والتحذير بأن سوريا لن تبتلع الإهانة مرة أخرى، ومن شأن ذلك أنْ يجر المنطقة إلى حرب إقليمية طاحنة. حيث كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” في عددها الصادر الاثنين، النقاب عن أن الحكومة الإسرائيلية وجهت رسالة إلى الرئيس السوري، من أجل تهدئة التوتر في الشمال، وعدم انزلاق الأمور إلى حرب إقليمية، وقال محلل الشؤون العسكرية في الصحيفة، يوسي يهوشواع، إن إسرائيل تقوم بالرقص على حبل رفيع جداً، ومن غير المستبعد بتاتاً أن يتمزق الحبل.

أما إيتان هابر، الذي تبوأ في السابق منصب مدير ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، اسحق رابين، فقال إنه من غير المستبعد أن يكون الرئيس الأسد قد فقد صبره، في الوقت الذي كان يعتقد فيه أقطاب حكومة نتانياهو، بأنه سيسكت هذه المرة أيضا؛ ولن يرد على الهجوم الإسرائيلي، لذلك يتحتم على الحكومة والمجلس السياسي والأمني المُصغر، أن يفهموا بأن الاعتداء على دولة سيادية، والتغاضي عن ذلك سيقود المنطقة إلى الأسوأ.

وكتب المحلل للشؤون الأمنية، أليكس فيشمان، أن القيادة السورية وصلت إلى الحد الأقصى من ضبط النفس، ولم يستبعد البتة بأنْ تقوم بالرد على الاعتداءات الإسرائيلية عن طريق حرب شاملة مع إسرائيل، أو أن تبلع وحليفاتها الإهانة التي تلقوها من سلاح الجو الإسرائيلي، ولكن من الناحية الثالثة قال فيشمان إن محور الشر المؤلف من إيران وسوريا وحزب الله، من شأنه أن يرد على الهجوم الإسرائيلي عن طريق رفع منسوب العمليات الفدائية ضد أهداف إسرائيلية في جميع أصقاع العالم، بالإضافة إلى إطلاق الصواريخ من الحدود الشمالية، أي اللبنانية والسورية، محذراً أنهم لن يقبلوا بأي حال من الأحوال أن يعيشوا تحت الحصار، كما هو الحال في غزة.

خطوط حمر

أما صحيفة “هآرتس” فتطرقت إلى الخطوط الحمر بالنسبة لإسرائيل، متسائلة عن الخط الأحمر بالنسبة للرئيس السوري، وحسب الصحيفة، فإن نقل أسلحة معينة توصف بأنها مخلة بالتوازن هي خط أحمر بالنسبة لإسرائيل، مشيرة إلى أن رئيس الوزراء ووزير الأمن الحالي والسابق ووزراء آخرين وعددا من الضباط الكبار، حذروا من أن إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي في حال تم نقل أسلحة مخلة بالتوازن إلى حزب الله. وضمن هذه الأسلحة المخلة بالتوازن، جرى تصنيف الأسلحة الكيماوية وصواريخ مضادة للطائرات متطورة، وصواريخ بر – بحر، وصورايخ أخرى أرض – أرض بعيدة المدى وذات دقة عالية، يصنف بينها صاروخ (الفاتح 110)، والذي يصل مداه إلى 600 كم وهو دقيق للغاية. وزادت الصحيفة قائلةً إن طهران قلقة على مصير مخازن السلاح في سوريا بسبب تقدم قوات المعارضة، كما تخشى من ألا يكون بإمكانها نقل أسلحة إلى حزب لله لفترة طويلة عبر محور طهران – دمشق – بيروت، ولذلك فإن إيران تحاول إرسال هذه الصواريخ، في حين تحاول إسرائيل منعها. وزادت “هآرتس” قائلة إن وقوف الاستخبارات الإسرائيلية على إرسالية السلاح الأخيرة وفر لإسرائيل فرصة لتنفيذ الهجوم.

بموازاة ذلك، رأت الصحيفة أن السؤال المثير للقلق هو أين يمُر الخط الأحمر بالنسبة للرئيس الأسد، مشيرة في هذه العجالة إلى الهجوم على المفاعل النووي في دير الزور في أيلول (سبتمبر) 2007، وموضحةً أن الرئيس السوري فضل تجاهل الأمر، والادعاء لاحقاً أن إسرائيل قصفت منشأة زراعية ليست ذات أهمية.

وأضافت أنه في كانون الثاني (يناير) من العام الحالي قصفت إسرائيل قافلة أسلحة تحمل صواريخ مضادة للطائرة من طراز (SA17)، لافتةً إلى أن دمشق اتهمت تل أبيب بأنها قصفت حيا مدنياً عاديا. كما أوضحت الصحيفة أن ذلك لا يعني أن النظام السوري معني بالرد على الهجوم، لافتةً إلى أنه خلافاً لتصريحات سورية سابقة، التي وصفت الهجوم بأنه إعلان حرب إسرائيلي، فإن وزير الإعلام السوري، عمران الزعبي، تجنب إطلاق تعهدات. ونقلت الصحيفة عن مصادر أمنية رفيعة في تل أبيب قولها، إن تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية تشير إلى أن الرئيس الأسد ليس معنياً بالانجرار إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل، خشية أن تشكل تلك ضربة قاصمة تؤدي إلى هزيمته في حربه ضد المعارضة. أما المحلل هابر في “يديعوت أحرونوت” فقال علينا ان نسأل أنفسنا باستقامة: في ترسانة حزب الله يوجد مئات الصواريخ من طراز فاتح 110، التي قصفها الطيران الإسرائيلي، وبالتالي: هل المخاطرة بجر المنطقة إلى حرب إقليمية لا يتغلب على الإنجاز العسكري؟

هل ازدادت فرص التدخل؟

دولياً.. رجح مسؤولون أميركيون رفيعو المستوى أن تسرع الغارات الإسرائيلية، والتهديد السوري بالرد، من اتخاذ القرار الأميركي بزيادة تدخل واشنطن في الأزمة السورية. ونقلت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية عن المسؤولين قولهم ان الغارات الإسرائيلية، والتهديد بضربة انتقامية سورية، سيسرعان على الأرجح باتخاذ الإدارة الأميركية قرارها، الذي كان يتجه أساساً نحو زيادة التدخل في الأزمة السورية، المستمرة منذ أكثر من سنتين.

ورغم إشارة المسؤولين إلى ان نشر قوات أميركية في سوريا، ما زال أمراً غير مرجح، فقد أشاروا إلى ان قراراً سيتخذ، خلال أسابيع بشأن تزويد المعارضة السورية بالأسلحة، بغية استخدام طائرات وصواريخ أميركية لكبح قوة الرئيس السوري بشار الأسد الجوية، من خلال تدمير الطائرات والمدرجات ومواقع الصواريخ داخل سوريا.

وقال مسؤول غربي رفيع طلب عدم الكشف عن هويته انه نظراً لزيادة الثقة في الجيش السوري الحر، يفضل “فريق الأمن القومي والفريق الدبلوماسي المحيط بالرئيس” أوباما زيادة التدخل الأميركي في سوريا، ومواقفهم تزداد زخماً بالرغم من تحذيرات مستشاري الرئيس الأميركي السياسيين. وحتى النواب والسناتورات الذي كان لديهم تحفظات بشأن زيادة التدخل الأميركي في سوريا، باتوا يرون ان لا مفر من الأمر.

من جهة أخرى قال مسؤول مخابرات أميركي الأحد الماضي انه لم يتم اعطاء الولايات المتحدة أي تحذير قبل الهجمات الجوية التي وقعت في سوريا، ضد ما يصفه مسؤولون غربيون وإسرائيليون بأسلحة كانت في طريقها إلى مقاتلي حزب الله. وقال المسؤول من دون تأكيد أن إسرائيل هي التي شنت هذه الهجمات، انه تم ابلاغ الولايات المتحدة أساساً بهذه الغارات الجوية “بعد حدوثها”، وتم اخطارها في الوقت الذي كانت القنابل تنفجر فيه.

وعلى الرغم من ان هذه الغارات الجوية، أثارت مخاوف من تورط الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في الشرق الاوسط في الصراع السوري، فإن إسرائيل لا تشعر عادة بأنه يتعين عليها الحصول على ضوء أخضر من واشنطن لشن مثل هذه الهجمات. وأشار مسؤولون في الماضي إلى أن إسرائيل لا ترى حاجة لابلاغ الولايات المتحدة؛ الا بمجرد بدء مهمة كهذه.

وقال السناتور الجمهوري جون ماكين لقناة فوكس نيوز، ان الضربات الجوية الإسرائيلية على سوريا، يمكن ان تزيد الضغوط على ادارة اوباما للتدخل في سوريا، لكن الحكومة الأميركية تواجه تساؤلات صعبة، بشأن كيف يمكنها المساعدة من دون أن تتسبب في تفاقم الصراع. ولهذا “نحتاج إلى تغيير جذري.. (مع) عدم نشر جنود على الأرض.. إقامة منطقة آمنة وحمايتها وتزويد الأشخاص الذين يستحقون بالأسلحة في سوريا الذين يقاتلون بوضوح من اجل الاشياء التي نؤمن بها.. في كل يوم يمر يزيد حزب الله نفوذه ويتدفق الأصوليون، إلى سوريا وتزداد الأوضاع هشاشة”.

وكان وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل، قال في الاسبوع الماضي، ان واشنطن تعيد النظر في معارضتها لتسليح مقاتلي المعارضة السورية. وحذر بقوله إن تقديم أسلحة إلى القوات التي تقاتل قوات الرئيس بشار الأسد، هو مجرد خيار من الخيارات، وينطوي على خطر أن تجد الأسلحة طريقها إلى أيدي متطرفين معادين لأميركا بين مقاتلي المعارضة. وتقول الولايات المتحدة ان لديها “ثقة بدرجات متفاوتة” في انه تم استخدام اسلحة كيماوية على نطاق محدود في سوريا، ولكنها تسعى إلى الحصول على مزيد من الادلة، لتحديد الطرف الذي استخدمها، وكيف تم استخدامها ومتى؟

التورط الغربي

“الحقيقة، هي انه بعد الغارات الإسرائيلية (على دمشق)، كلنا متورطون في الحرب” الأهلية في سوريا، هذا ما يقوله المعلق المعروف في صحيفة “اندبندنت” روبرت فيسك، فما يحدث في سوريا لم يعد شأناً داخلياً، بل حرباً بالوكالة تقوم بها إسرائيل نيابة عن الغرب، الذي يريد التخلص وبسرعة من نظام بشار الاسد.

فيسك يقول ان إسرائيل دائما ما تضع نفسها إلى جانب الغرب، وتعتبر نفسها جزءا منه، ما يثبت ان الجميع (أميركا والإتحاد الأوروبي) متورطون في الحرب. وتساءل فيسك عن مبررات الغارات الإسرائيلية التي تقول إسرائيل انها تريد منع وقوع الاسلحة الكيماوية أو صواريخ أرض – أرض في أيدي الجماعات الخطأ. وقال لماذا تقوم الحكومة السورية، وفي هذا الوقت بالذات بارسال صواريخ الفاتح – 110 إلى حزب الله، كما يقول الأميركيون، والذين أكدوا قبل أشهر عدة أن النظام استخدمها ضد قوات المعارضة؟

ويطرح فيسك سؤالاً آخر عن قدرات الجيش السوري الذي يتميز على المعارضة بقدرته على استخدام طائرات الميغ ضدها، فلماذا لم يرد على الطائرات الإسرائيلية؟

حرب إقليمية بالوكالة

ورأى فواز جرجس من جامعة لندن – كلية لندن للاقتصاد، ان الهجمات الإسرائيلية تثبت ان الحرب في سوريا، اصبحت حربا اقليمية وبالوكالة. وقال في تعليق له نشرته “ديلي تلغراف” ان التدخل الإسرائيلي، يظهر كيف تطورت الحرب من انتفاضة سياسية إلى حرب داخلية عسكرية، والآن إلى حرب اقليمية بالوكالة على الارض السورية.

ويضيف الكاتب أن النزاع في سوريا لم ينتشر تأثيره إلى جيران سوريا، الأردن ولبنان والعراق وتركيا، ولكنه أصبح ساحة نزاع بين إيران وإسرائيل. وحذر من ان يتحول هذا النزاع المعقد، إلى معركة تورط حلفاء كل طرف: إيران وحزب الله من جهة، وإسرائيل والحلفاء الاقليميين والدول الغربية من جهة اخرى. ويعتقد الكاتب ان دخول إسرائيل على الحرب يؤثر على دينامية الصراع السياسي بطريقتين، فهي من جهة ستضع المعارضة في موقع الدفاع عن النفس، حيث ستظهرهم انهم وإسرائيل يتعاونان بطريقة غير مباشرة على الاطاحة بالنظام، اما الطريقة الاخرى فستعزز رؤية النظام حول النزاع من أنه ليس داخلياً، بل مدفوعاً بأجندة خارجية تهدف إلى تعزيز موقف إسرائيل في المنطقة كقوة اقليمية لا تنافس.

حرب مضافة

وفي دفاع عن الغارات الإسرائيلية، قالت “ديلي تلغراف” في افتتاحيتها، ان إسرائيل على خلاف الدول الغربية، لا يمكنها البقاء بعيدة عن النزاع، لا سيما وأن الطائرات الحربية الإسرائيلية استهدفت قافلة عسكرية ومركزا للبحث العلمي قرب دمشق، علما ان إسرائيل كالعادة لم تؤكد أو تنف مسؤوليتها عن الغارات، مثلما فعلت في عام 2007 عندما دمرت المنشآت النووية السورية. ولا تعتقد الصحيفة ان يقوم نظام الاسد بالانتقام، على الرغم من انه وصف الهجمات “باعلان حرب”، لأنه “وإن امتلك الطيران الجوي المتقدم، والذي يستخدمه ضد شعبه، فسيكون واهماً إن أضاف إلى أزمته الوجودية حرباً على إسرائيل”. ومع ذلك فالعالم سيضطر في القريب العاجل التعامل مع الاثار التراجيدية الناجمة عن عدم مواجهة النظام السوري. وهي ظاهرة في استمرار تدفق الاف اللاجئين السوريين لدول الجوار، واحتجاج لبنان على خرق الطيران الإسرائيلي لسيادته “ولكن لإسرائيل الحق لعمل ما تراه ضرورياً، للدفاع عن مصالحها القومية، ان شعرت بأنها مهددة بسبب النزاع”.

أخيراً.. ما كان مخفيا خرج للعلن؛ هذا ما أشارت اليه صحيفة “الغارديان”، حيث قالت ان ما ظل محلا للتكهنات، أصبح في مدار أسبوع حقيقة، فقد اعترف حسن نصر الله بوجود مقاتلين من حزبه في سوريا، وحذر من أن أي اعتداء على مقام السيدة زينب، ستكون له آثار غير حميدة، وبالسياق ذاته أغار الطيران الحربي الإسرائيلي على مخازن إيرانية للاسلحة قرب دمشق. وقد أدت هذه التطورات إلى تقاطع الخطوط الحمراء على خريطة المنطقة، بشكل يهدد بتوسيع الحرب في سوريا. وذلك على الرغم من تقدير إسرائيلي يراهن على عدم مقامرة النظام السوري وحزب الله برد عسكري، لان الحزب ليس مهيأ بعد لحرب ثانية. ولكن في الشرق الاوسط من السهل معرفة بداية الامور اكثر من معرفة إلى اين تنتهي. فإسرائيل بعملها الخطير هو قريب من الاعلان عن ان حدودها الشمالية لم تعد هادئة، فهدنة الاربعين عاما التي ظلت مع جار معاد، ولكنه راض؛ لم تعد قائمة.

إسرائيل … و «حق» الإغارة

عبدالله إسكندر

دفع النظام في دمشق في اتجاه إظهار أن تكون إسرائيل شريكة في القتال الداخلي إلى جانب المعارضة في سورية، أو على الأقل إظهار أن الغارات الإسرائيلية على مواقع عسكرية سورية تأتي في إطار المواجهة المرتبطة بالنزاع في الشرق الأوسط. وذلك ضمن المنظومة الدعائية للنظام من أجل تبرير التصلب إزاء المطالب السياسية الشعبية والتمسك بالسلطة مهما كلف الأمر، وأيضاً من اجل تبرير لجوئه إلى التدمير المنهجي للبنى الحضَرية السورية والقتل الجماعي للشعب السوري.

في حين أن الغارات الجوية الإسرائيلية على المواقع السورية، والتي اعتبر النظام نفسه أنه استطاع توظيفها لمصلحته من خلال استدراج الإدانات العربية والدولية للسلوك العدواني الإسرائيلي، لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بالوضع الداخلي السوري ولا بالنزاع الإسرائيلي. إنها رسالة إلى القيادة السورية مفادها أنها خرقت «الخط الأحمر» الذي وضع لتنظيم العلاقة السورية – الإسرائيلية، بعيد حرب تشرين. وهو «الخط» الذي سُمح بموجبه للرئيس الراحل حافظ الأسد أن يدخل إلى لبنان في 1976، وأن يصل الجيش السوري إلى جنوبه، من دون أن يشكل أي خطر أو استفزاز لإسرائيل.

يقوم هذا الميزان الذي وضعته إسرائيل، مدعومة من الولايات المتحدة، على أساس بسيط هو حرية الحركة العسكرية الإسرائيلية في المنطقة، براً وبحراً وجواً، وضمان التفوق العسكري الإسرائيلي ومنع حصول الطرف الآخر على ما يهدد هذا التفوق، بما في ذلك السلاح النووي.

وتعايش النظام السوري مع هذا «الخط الأحمر»، بما في ذلك خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان الذي شهد معارك برية سورية-إسرائيلية في البقاع اللبناني، من دون أن تتحول هذه المعارك إلى حرب مفتوحة، وبقي «الخط» قائماً.

وشكل هذا الاحترام السوري لـ «الخط الأحمر» آلية للحكم والدعم الخارجي، فكان اتفاق الطائف المدعوم عربياً ودولياً تعزيزاً لوصاية دمشق على لبنان. وعبر هذه الوصاية، سار النظام على حافة «الخط» عبر رعاية «حزب الله» وتسليحه، من دون أن يخل بالقاعدة… وبقيت الجبهة العسكرية السورية-الإسرائيلية محافظة على هدوئها.

وعندما كانت إسرائيل التي تشيد دائماً باحترام الطرف السوري لالتزاماته بموجب «الخط الأحمر»، تنفذ غارات داخل الأراضي السورية، كانت تريد أن تلفت نظر النظام إلى أنه خرق هذا «الخط»، سواء عبر إيواء مطلوبين على لائحة الإعدام في إسرائيل، خصوصاً من القيادات الفلسطينية، أو تسليح «حزب الله» أو السعي إلى تطوير أسلحة غير تقليدية. وكان النظام السوري يستجيب لهذا الفهم عبر الامتناع عن اي رد على الاعتداء الاسرئيلي. ولم تكن اللازمة الذي كان يرددها النظام، ورددها بالامس، عن رفض الاستدراج وعن اختيار المكان والزمان الملائمين للرد، سوى الآلية الوحيدة المتاحة له للقول انه فهم الرسالة. ويتفادى بذلك الحرب مع اسرائيل، والتي لا يرغب احد من الطرفين بها.

ومنذ حرب تشرين وفك الاشتباك في الجولان المحتل، لم تنفذ إسرائيل أي غارة جوية داخل الأراضي السورية في إطار حرب لم تقع أصلاً بين الجانبين. وحتى عندما كانت تندلع اشتباكات سورية-إسرائيلية في لبنان، عشية الغزو وخلاله، كان مسرح العمليات محصوراً في لبنان، ولم تشن إسرائيل أي هجمات داخل الأراضي السورية.

هكذا جاءت الغارات الإسرائيلية الأخيرة على المواقع العسكرية السورية قرب دمشق في إطار الرد على خرق «الخط الأحمر» الذي تمثل هذه المرة بتسريب صورايخ إيرانية متطورة إلى «حزب الله»، قد تكون مضادة للطائرات أو للسفن، وتشكل تهديداً لحرية الحركة الإسرائيلية التي نظّمها «الخط الأحمر».

على أي حال تبقى هذه الغارات الإسرائيلية خرقاً للسيادة السورية وانتهاكاً لها وعدواناً على الأراضي السورية، وتستحق كل أنواع الإدانة والاستنكار والتحرك من أجل منع تكرارها. لكن في النهاية، النظام السوري هو الذي قبل بشروط احترام «الخط الأحمر» الذي يعطي لإسرائيل حق التدخل، وهو الذي يغذي النهج الملتبس في قضية الحرب والسلام مع إسرائيل.

الحياة

طهران ودائرة الاضطرابات

    الياس الديري

اللمس لمس عيسو والصوت صوت يعقوب. إسرائيل تقصف قواعد صواريخ وأسلحة حديثة في الاراضي السورية، على أساس أنها مرسلة إلى “حزب الله”.

لكن “حزب الله” لم يعد ينكر أو يخفي أنه زوّد النظام السوري بقوات تقاتل إلى جانب جيشه مدججة بكامل العدة وبأحدث أنواع الأسلحة التي “كسبها” الحزب من دون حروب وقتال بفضل الكرَم الحاتمي لطهران…

بعد نكبة فلسطين، ثم النكسة التي رسخت الأمر المريع، كان العرب ينسبون إلى إسرائيل كل الأزمات والاضطرابات والانقلابات التي أضحت دول المنطقة مسرحاً لها. والاتهامات كانت في محلّها، غالب الظن والاعتقاد.

وكانوا يقولون، وعن ظهر قلب: فتّش عن إسرائيل.

اليوم اختلفت الآية، وتبدّلت الصورة، وتغيّر اتجاه الاتهام، مع أن إسرائيل لا تزال هي نفسها. ولا تزال سياستها قائمة على افتعال المشاكل في لبنان وبعض الدول العربيّة.

أما الاختلاف فقد حصل بدخول إيران الميدان على أساس أنها طرف مذهبي في بلدان تتعرض فيها الأقليات الشيعية للاضطهاد والتحجيم، وما إلى ذلك… حتى بالنسبة إلى العراق حيث عادت الأكثرية الشيعية الى السلطة، ولتقوم في وجهها قيامة الأقلية السنيّة. تماماً كما لا يزال المشهد اليومي. وكما سيستمرّ طويلاً، على غرار ما حصل ولا يزال يحصل في بلدان أخرى.

أما بالنسبة إلى لبنان وبعض الدول العربيّة الخليجيّة، فإن إيران لا تضيّع وقتاً. ولا تضيّع فرصة. وها هي تتحوّل لاعباً أساسياً ورئيسياً في لبنان، ومنذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

القاصي يعلم، والداني عنده الخبر اليقين، وأهل البلد لا يحتاجون إلى مَنْ يذكّرهم أن إيران هي صاحبة القرار السياسي الأول. وهي التي تقول… ليتمّ التنفيذ حالاً وسريعاً عبْر “حزب الله”، وبمساعدة مباشرة، وعلى رؤوس الاشهاد، من العماد عون وتكتّله، وسائر الأفرقاء والحلفاء. وما حصل خلال تكليف تمام سلام تأليف الحكومة العتيدة وما بعد الاستشارات والدخول في صلب موضوع التشكيلة، يحكي عن حاله بحاله. ومناورات حلفاء 8 آذار في هذا الصدد جعلت الكبار والصغار والمقمّطين في السرار يقولون: “فتّش عن طهران… “وإن تكن العاصمة الإيرانية غاطسة الآن في بحر انتخابات، عالي الموج وكثير التقلبات. بالطبع، ليست بيروت وحدها مَنْ “حظي” بهذه “النعمة”، بل إن كل دول “الربيع العربي” التي تخربطت أوضاعها وتمزّقت اصطفافاتها السياسية، مستعدة للادلاء بشهادتها في صدد الدور الإيراني و”إسهاماته” في توليد الأزمات المعقدة، والمواجهات التي لا تخلو من التلوين المذهبي.

وفي الطليعة مصر التي لا تنام على همّ قديم. ثم تونس، فليبيا، فالبحرين، مروراً بالكويت، و الميادين السورية.

لإيران حتى الساعة في كل عرس قرص.

والشاشات تفيض بالتفاصيل المصوّرة، وبما لم يعد من الأسرار.

النهار

حربان…. والجحيم واحد

    نبيل بومنصف

لم يتبق الكثير من وجوه الشبه والمقارنات بين تجارب لبنان مع الاعتداءات الاسرائيلية وتجربة الغارتين الاسرائيليتين الاخيرتين على سوريا إلا بوحدانية العامل الاسرائيلي وحده وسط المتغيرات العربية والدولية الهائلة في العقد الاخير، ومع ذلك يتعين على المعارضة السورية تحديدا ان تعيد قراءة تجربة اجتياح 1982 للبنان لانها تبدو العينة الاقرب للتوصيف التاريخي الذي اطلقه غسان تويني على حرب لبنان “حروب الآخرين على ارضه” منذ الاجتياح الاسرائيلي الاول في عام 1978.

ونقول المعارضة لان ما قد يصيبها من الاهداف الخفية للتورط الاسرائيلي ربما يفوق اضعافا مضاعفة ما يصيب النظام بدليل ما تسلل من رسائل “طمأنة” اليه من اسرائيل غداة العدوان على دمشق. ولا نخال ان المعارضة تجهل ذلك متى رفع النظام، الذي تستكين جبهة جولانه مع اسرائيل منذ اربعة عقود، سلاح التخوين في وجهها فوق سلاح الابادة.

في عام 1982 كان ثمة شيء شبيه في استسقاء الشهية الاسرائيلية الى اجتياح اول عاصمة عربية لان لبنان كان غارقا في الدماء ايضا. جرت في ذلك الاجتياح تصفية “الثورة” الفلسطينية التي كانت العنوان الاساسي لحروب الآخرين في لبنان وعليه.

الفارق الكبير الآن هو ان في سوريا ثورة داخلية بكل المواصفات ولو انكرها النظام حتى الرمق الاخير. ولا نخال اسرائيل التي ضمت الجولان المحتل تحتاج الى شريط حدودي سوري اضافي. لكن على نار المجازر التي اتخذت طابع التصفية المذهبية، تتصاعد براكين حروب آخرين ايضا بدأت تجتذب العدوانية الاسرائيلية الى ارض سوريا إن “لمعالجة” مبكرة بالنار الاستباقية للتوسع الايراني ومن ضمنه ملف “حزب الله” وإن لاهداف اخرى لا احد يدعي معرفتها بعد. ثم ان المقارنة تستقيم ايضا مع قواعد الاشتباك الدولي، ولو بفوارق، بين جبابرة الثمانينات ولاعبي هذا الزمن. اجتياح 1982 اسقط “الخطوط الحمر” بين اسرائيل وسوريا والمتفق عليها منذ الدخول السوري الى لبنان عام 1976 رغم الحرب الباردة الاميركية – السوفياتية. وفي الغارتين الاسرائيليتين الاخيرتين على دمشق سقطت خطوط حمر اخرى وسط اوسع التباس اميركي – روسي حيال شلالات الدماء السورية وقبل ساعات من زيارة وزير الخارجية الاميركي لموسكو.

وبين هذا وذاك ينبري “المحور الممانع” الى تبرير قصوره عن مواجهة العدوانية الاسرائيلية برفع فزاعة “التكفيريين” وحدها كأنه يبرر مجازر “التطهير” العرقي والمذهبي، وحتى مع وجود الخطر التكفيري لم يرتفع صوت “ممانع” ضد مجازر النظام.

في سنتين فقط سقطت سوريا في ما استنزف لبنان 15 عاما. حرب الآخرين، وحرب اهلية، سواء بسواء، وطبعا مع فارق مرعب في حجم اهوال الجحيم السوري.

النهار

هل ضرب الإسرائيليون دمشق لمساعدة الثوار؟!

                                            ياسر الزعاترة

يبدو السؤال أعلاه مثيرا إلى حد كبير، ولكن ما حيلتنا إذا كان هذا هو التبرير الذي قدمه النظام وداعموه للعدوان الإسرائيلي على دمشق، بدءا بإيران وتحالفها المعروف، وليس انتهاء بجحافل من الشبيحة الذين يتوزعون على ألوان شتى، حزبية وأيديولوجية وطائفية، مع أن القاصي والداني يدرك أنهم فرحوا بالعدوان (بمن فيهم بشار) رغم حرجهم من عدم الرد عليه، وبالطبع لأنه يمنحهم ذخيرة لاستعادة نظرية المؤامرة الكونية على نظام المقاومة والممانعة، فيما استنكره الثوار وكل المخلصين في الأمة، من دون أن يغير ذلك في موقفهم من إجرام النظام.

ما بين الضربة الأولى لمركز الأبحاث العلمية في جمرايا بدمشق، وبين الضربة الثانية ثلاثة شهور وأيام، وفي كلتا الحالتين قدم النظام ذات الرواية والتفسير لما جرى ممثلا في مساعدة الكيان الصهيوني للثوار الذين يضيق الخناق من حولهم بسبب ضربات “الجيش العربي السوري البطل”!!

وما يؤكد بؤس هذا التفسير هو أن الوضع يبدو مختلفا في الحالتين. ففي حين جاءت الغارات الأخيرة وسط قدر من التقدم لجيش النظام في محيط دمشق على وجه التحديد، مقابل تقدم لافت للثوار في مناطق أخرى، في مقدمتها حلب ودرعا ومحيطها، فإن الأمر لم يكن كذلك بحال حين وجَّه الإسرائيليون ضربتهم السابقة (نهاية يناير/كانون الثاني الماضي)، إذ كان الثوار قد أخذوا يضيقون الخناق حول دمشق، بينما كانوا يحرزون تقدما لافتا في سائر المناطق الأخرى.

كان لافتا بالطبع ارتباك النظام فيما خصَّ الهدف الذي ضربته الطائرات الإسرائيلية وحجم الخسائر، ذلك أن مركز البحوث العلمية الذي تحدثوا عنه لم يكن في حاجة إلى غارتين تفصل بينهما ثلاثة شهور، إذ كانت الأولى كافية لتحقيق المطلوب، لكن الهدف (في الحالتين كما يبدو) لم يكن المركز المذكور.

فقد تبين في الأولى أن الهدف كان عبارة عن قافلة أسلحة متطورة (صواريخ إس إي 17 المضادة للطيران) في طريقها إلى حزب الله (قيل إن الجنرال الإيراني حسن شاطري قد قتل فيها)، فيما اتضح أن الهدف في الثانية لم يكن يبتعد كثيرا، إذ يتعلق بمخازن أسلحة تخص حزب الله وكانت في طريقها للانتقال إليه، ومن ضمنها صواريخ (فاتح 110) بعيدة المدى، وصواريخ (ساحل – بحر)، وأخرى مضادة للطيران، والتي قيل إنها كانت مخزنة لحساب الحزب بسبب الحظر على التسليح بعد القرار الدولي الذي أنهى حرب تموز، كما قيل أيضا إنها وصلت حديثا من إيران لحساب الحزب.

لا تشير الهجمات في الحالتين إلى نوايا إسرائيلية للتدخل المباشر في سوريا، والإسرائيليون عادة لا يخفون أهدافهم، فما لا يتحدث عنه السياسيون مباشرة، تتحدث عنه الدوائر الإعلامية في مجتمع سياسي مفتوح بشكل شبه كامل، وفي الحالتين، بل في عموم التعاطي مع الأزمة السورية ينهض بعد أمني وآخر سياسي لم يعد أي منهما سرا من الأسرار.

في البعد الأمني لا يخفي الإسرائيليون قلقهم بشأن مصير الأسلحة الكيمياوية، ولا الأسلحة المتطورة، بخاصة الصواريخ بعيدة المدى ومنصات إطلاقها، إلى جانب الصواريخ المضادة للطيران، وتجربة ليبيا بالنسبة إليهم كانت شاهدا، حيث توزعت أسلحتها على جبهات عدة، من بينها قطاع غزة، فيما هي في الجانب السوري أكثر إثارة للقلق، في ظل وجود جماعات جهادية تصعب السيطرة عليها.

التعاون الدولي، وحتى العربي مع إسرائيل في سياق الاهتمام بمصير السلاح الكيمياوي ليس هامشيا بحال، فقد أعطاها الروس ضمانات قوية بشأن مصير تلك الأسلحة، فيما يرابط عناصر استخبارات أميركان وأوروبيون في الأردن وتركيا، بل حتى في الداخل مهمتهم مراقبة هذه الأسلحة وحركتها، وكم من مرة أكد الإسرائيليون أنهم يراقبون بعناية حركة تلك الأسلحة، مؤكدين أنها لا تزال في الأيدي الأمينة ممثلة في النظام السوري.

خلاصة القول هي أن تل أبيب تبدو معنية إلى درجة الهوس بمصير الأسلحة المتطورة (تقليدية وغير تقليدية) حتى لا تصل إلى طرفين، الأول هو الجماعات الجهادية الموجودة على الساحة السورية، والثاني هو حزب الله، وفي الهجمات الثلاث التي نفذها الإسرائيليون (الأولى نهاية يناير/كانون الثاني، والثانية يوم الجمعة 3/5، والثالثة هي الأكبر ليلة الأحد 5/5) كان الهدف عبارة عن أسلحة.

لتأكيد هذا الأمر، ومن أجل امتصاص أية احتمالات لرد سوري يقدره ويقرره الإيرانيون الذين يديرون المعركة حاليا بالتعاون مع جيش النظام، فقد بعث المسؤولون الإسرائيليون برسالة واضحة إلى النظام مفادها أن هدفهم لم يكن أبدا دعم قوات المعارضة، فيما ذهبوا إلى تهدئة الموقف عبر اتصالات مع أوثق حلفاء النظام الدوليين (روسيا والصين).

وقد حدث ذلك بسبب وجود تقدير لدى تل أبيب بأن الموقف هذه المرة يبدو مختلفا عن مرات سابقة، أكثرها كان قبل الثورة، حيث كان الرد السوري التقليدي هو الاحتفاظ بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين، فيما يدرك الإسرائيليون أن الرد قد لا يكون بالضرورة بقصف مواقع إسرائيلية داخل فلسطين المحتلة، وإنما قد يتمثل في ضرب أهداف إسرائيلية في الخارج عبر عناصر فلسطينية أو لبنانية أو من جنسيات أخرى.

يبدو أن سياسة نتنياهو لامتصاص احتمالات الضربة قد آتت أكلها، إذ بدا الموقف الروسي والصيني ضعيفا في ردة فعله حيال الغارات، رغم الحرج الذي ترتب على تزامنها مع زيارة نتنياهو للصين، مع اتصال من قبل الأخير مع الرئيس الروسي، من دون أن يعني ذلك أن الأمر قد انتهى، وإن بدا أن ذلك هو المرجح.

البعد السياسي للتعاطي الإسرائيلي مع الأزمة السورية لم يعد سرا هو الآخر، بل هو واضح منذ الشهور الأول من عسكرتها، ويتمثل في العمل بكل الوسائل من خلال الحلفاء الدوليين، وفي المقدمة منهم أميركا على إطالة أمد الصراع من أجل تدمير البلد وإشغاله بنفسه لعقود، وتمثل ذلك في التزكية غير المباشرة للموقف الروسي الداعم للنظام وعدم الاعتراض عليه، ومن ثم، وهو الأهم، دفع أميركا إلى الحيلولة دون تسليح الثوار بالسلاح النوعي، وإن تم ذلك في ظل التبرير الأمني الآنف الذكر ممثلا في الخوف من وقوع تلك الأسلحة في يد جماعات جهادية تصعب السيطرة عليها.

حتى هذه اللحظة لا تزال هذه المقاربة قائمة، وربما وجد الإسرائيليون الآن أن بقاء بشار ضعيفا ومنهكا (عبر حل سياسي للصراع) خير من مجيء “ثوار إسلاميين متشددين منتصرين وهائجين” بحسب تعبير الصهيوني الأميركي المعروف دانيال بايبس، وبحسب ما تعكسه التحليلات الإسرائيلية اليومية، وبالطبع خشية مرحلة انتقالية تلي سقوط النظام ينفلت خلالها العقال وتُستهدف المواقع الإسرائيلية من قبل الجماعات الجهادية.

خلال مرحلة السقوط إن مضى هذا السيناريو فسيتدخل الإسرائيليون مباشرة أو من خلال الحلفاء الدوليين للسيطرة على السلاح الكيمياوي، أو تدمير ما يمكن تدميره من دون أضرار جانبية، وكذلك سيفعلون مع ما تطاله أيديهم من السلاح النوعي الآخر الذي أشرنا إليه.

ويعلم الجميع هنا أن الاختراقات الإسرائيلية في الجسم الأمني السوري كانت متوفرة، لكن المرجح أن ازدادت بشكل كبير خلال العامين الماضيين، بما في ذلك بين صفوف الثوار الذين يأتيهم الناس من كل حدب وصوب، بما يجعل النجاح في منع أي اختراق أمرا بالغ الصعوبة، ولا ننسى وجود تعاون من قبل بعض العرب لا يمكن إنكاره.

هل ستكون غارات ليلة الأحد (5/5) هي الأخيرة؟ لا يمكن الجزم بذلك، وسيعتمد الموقف على تقديرات الدوائر الأمنية والعسكرية والسياسية الإسرائيلية؛ أولا للهدف المراد تدميره، وثانيا لاحتمالات الرد المقابل، لاسيما أن البعد المتعلق بالغطاء الأميركي يبدو متوفرا بعد تصريح أوباما الذي تلا غارة الجمعة، والذي منح تل أبيب حق الدفاع عن نفسها بالطرق المناسبة.

هل سيؤثر ما جرى على مسار النزاع في سوريا؟ لا يبدو ذلك من الناحية العملية المباشرة، لكن التقديرات الإسرائيلية قد تذهب في اتجاه دعم الحل السياسي الذي لا يقصي بشار، ويؤمن انتقالا سلميا للسلطة لا يفسح المجال أمام مرحلة فوضى كبيرة تؤثر على أمنها بسبب كثرة المجموعات الجهادية في الساحة السورية، وبذلك تكون قد حصلت على ما تريد من إنهاك البلد وإشغاله بنفسه، في ذات الوقت الذي تتجنب فيه الأضرار التي يمكن أن تترتب على سقوطه بشكل كامل.

نفتح قوسا هنا لنشير إلى التطور الجديد ممثلا في الاتفاق الأميركي الروسي على عقد مؤتمر دولي نهاية الشهر لحل الأزمة السورية، وما سمعناه إلى الآن يشير إلى تقارب في الرؤية بين الطرفين جاء بطلب إسرائيلي على ما يبدو، حيث سيفرض الروس على بشار القبول ببيان جنيف بشأن الحكومة الانتقالية، فيما يحاول الأميركان أن يفرضوا على القوى الداعمة للثورة أن يبادروا إلى إقناع ممثلي المعارضة بالجلوس إلى طاولة المفاوضات مع ممثلين عن النظام.

سيعتمد الموقف هنا على موقف القوى الداعمة للثورة، إذ أن تراجعها أمام الضغط الأميركي سيعني حصارا للثورة، أما صمودها ومنحها الحرية للمعارضة بقبول العرض أو رفضه، فسيعني استمرار حرب الاستنزاف القائمة.

وفي حين لا ينبغي من ناحية أخلاقية تحميل مسؤولية هذا البؤس للشعب السوري الذي خرج يطلب الحرية والتعددية، بل للنظام المجرم وداعميه، فإن ذلك كله لا يعني أن ما جرى سيغير في منظومة الصراع، لأن الشعب السوري لن يغير عقيدته تجاه الصراع مع العدو الصهيوني بصرف النظر عن طبيعة الخاتمة لهذه المعركة التي يخوضها ضد نظامه المجرم.

الأهم من ذلك كله هو أن ما يخطط له الإسرائيليون ويتبناه الأميركان وبعض الغربيين، بل وحتى الروس، ليس قدرا بحال، ويمكن للنظام أن يسقط بيد الثوار إذا أحسنوا إدارة المعركة ونسقوا جهودهم بطريقة أفضل، ويمكن تبعا لذلك أن تجري المحافظة على ما تبقى من مقدرات الدولة من السلاح وسواه، لأنها ملك للشعب السوري وليس لبشار الأسد الذي كان يبرمج سياساته على إيقاع مصلحته كنظام، وليس إيمانا منه بالمقاومة والممانعة، خلافا للشعب الذي ينحاز إليها، ولقضايا الأمة بكل روحه وكيانه.

الجزيرة نت

أكذوبة نظام الممانعة!

تركي الدخيل

بحّت الأصوات القومية من كثرة إعادة الشعارات التي شبعت فشلاً خلال النصف قرن المنصرم. شعارات القومية والبعث والممانعة وأمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة. أصوات قديمة عفى عليها الزمن تتحدث عن أن النظام السوري هو نظام الممانعة والمقاومة. وأشيد بمقالة الدكتور خالد الدخيل المميزة والمطولة في جريدة “الحياة” قبل أيام والتي تناول فيها مسألة انتقال حزب البعث إلى ولاية الفقيه. نظام قومي صمّ الآذان وأزعج العالم بالعربية والعروبة يرهن مصير شعبه كله للنظام الإيراني ولسكاكين حزب الله. بعد الضربة الإسرائيلية الأخيرة بدأت الأصوات بالصراخ والعويل شعارات متخشّبة حول المقاومة والممانعة. إسرائيل تمارس عملية الدفاع عن مصالحها، هذه هي الجزئية فقط. وهي تقوم بغارات يميناً وشمالاً وفي سنتين فقط تعرض السودان لست غارات إسرائيلية، وهذه الغارة الإسرائيلية هي الثانية خلال أشهر والثالثة منذ سنة.

إسرائيل كيان قوي، كيان حسابات واحد زائد واحد يساوي اثنين، والنظام السوري أعطاه ضمانات في بداية الثورة أن تبقى الجولان محفوظة لكن الآن أثبت النظام السوري فشله في ضبط المصالح الإسرائيلية الأمر الذي جعل إسرائيل تقوم بعنصر المباغتة من أجل حماية مصالحها وتأخير احتمالات التضرر الإسرائيلي من النزاع الحاصل في سوريا. الثورة السورية عظيمة ومشروعة رغم محاولات النظام لتشويهها من خلال تضخيم دور جبهة النصرة ومن خلال ادعاء التآمر الإسرائيلي. لو أن إسرائيل أرادت أن تستهدف النظام السوري فعلياً لأسقطته بعدة طلعات جوية فهي من أقوى الدول، لكن إسرائيل تحب التفرج على الأزمات العربية والشماتة بنا.

أعجبني تعليق الإعلامية اللبنانية ديانا مقلد حين قالت:”الضربة الإسرائيلية تفضح التقاعس العالمي عن نصرة المدنيين”. التوقف الدولي عن التدخل في سوريا إنما يصب في مصلحة الطغيان والشر مستقبلاً ذلك أن بند التدخل العسكري لحماية المدنيين أساسي في الأمم المتحدة، لكن غلطة الثورة السورية أنها جاءت في عهد أوباما وأذكر هنا بمقولة جون ماكين في كلمةٍ له حين قال لأوباما:”أحمد الله أنك لم تأتِ أثناء حرب كوسوفو”!

بآخر السطر، الولايات المتحدة هي شرطي العالم وحين تخلت عن مسؤولياتها أكلت الذئاب الحملان وسط صمتٍ مخيف، وإسرائيل تتفرج لكنها شريكة في لعبة الشطرنج إذ تضع بصمتها إن أرادت وتصنع الألغاز أيضاً كما هو لغز الضربات الحامية قبل أيام.

الرياض

سوريا والغارة الإسرائيلية

طارق الحميد

رسالتان يمكن قراءتهما من الغارة الإسرائيلية على سوريا مساء الجمعة الماضي، والتي أعلن عنها مسؤولون أميركيون، الرسالة الأولى هي أن إسرائيل لا تكترث بتهديدات حسن نصر الله التي رددها في خطابه الثلاثاء الماضي. والثانية أن قدرات الأسد الدفاعية ليست بتلك الصورة التي يرددها الأميركيون!

الغارة الإسرائيلية التي استهدفت شحنة من الصواريخ المتطورة ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، حيث سبق أن استهدفت إسرائيل شحنة أسلحة قيل إنها كانت في طريقها لحزب الله، كما أن إسرائيل التي أقرت بتوجيه الضربة الأخيرة للأراضي السورية قال مسؤول في وزارة دفاعها لمحطة «سي إن إن» الأميركية التي نقلت خبر الغارة، إن إسرائيل ستقوم بكل ما يلزم لضمان عدم نقل الأسلحة للجماعات «الإرهابية»، وإنها فعلت ذلك بالماضي، و«ستفعلها مستقبلا في حال اضطرت لذلك». ومن هنا فإن هذه الغارة الجوية هي بمثابة رسالة لحزب الله مفادها أن إسرائيل لا تكترث بتهديدات حسن نصر الله التي توعد فيها بأن لدى النظام الأسدي أصدقاء بالمنطقة والعالم، أي إيران وحزب الله، ولن يسمحوا بسقوط الأسد، كما أن إسرائيل تريد القول بأنها جاهزة لو حاول حزب الله التحرك، أو فتح جبهة، خدمة للأسد أو إيران. وبالطبع، فمن شأن ذلك أن يزيد الأزمة السورية تعقيدا، لكن من قال أصلا إن الأزمة السورية ليست معقدة، وتصل للحظة الانفجار، فالمشهد الآن هو كالتالي: الأسد يعتدي على الحدود الأردنية، بينما حزب الله يشارك في قتل السوريين، وإسرائيل تقوم باصطياد ما يحلو لها في الأراضي السورية، فهل هناك تعقيد أكثر من هذا؟ وعليه فإن الرسالة الثانية للغارة الإسرائيلية هي أن نظام الدفاعات الجوية الأسدية ليس بتلك القوة التي يصورها الأميركيون في حال الرغبة في فرض مناطق حظر طيران، أو حتى القيام بعمل عسكري، من قبل الناتو، أو تحالف الراغبين، فالطيران الإسرائيلي يحلق في الأجواء السورية واللبنانية كيفما شاء، وأنظمة الأسد الدفاعية تغط في سبات عميق، بل إن كل همها الآن هو قصف السوريين، وليس التصدي للإسرائيليين. ونقول إن هذه رسالة للمجتمع الدولي حتى ولو كانت الطائرات الإسرائيلية أصابت أهدافها من خارج الأجواء السورية، كما أعلن، فذلك يعني أيضا أنه بمقدور الأميركيين والمجتمع الدولي تقليم أظافر الأسد في ساعات محدودة، جويا، وعكس كل ما يقال عن أنظمة الأسد الدفاعية.

وهذا ليس تبسيطا، وإنما محاولة لكشف حجم المبالغة حول قدرات قوات الأسد الجوية؛ فالنظام الأسدي اليوم بمثابة الجثة الميتة التي تنتظر من يواريها الثرى، وهذا ما أثبتته، وتثبته، الغارات الإسرائيلية المتكررة على سوريا، وعليه فإن السؤال الآن هو نفس السؤال المطروح، وبعمر الثورة: ما الذي ينتظره الأميركيون، والمجتمع الدولي حتى يتدخلوا؟ إلى متى الانتظار وفي سوريا يجتمع ما لا يجتمع؛ حيث «القاعدة»، وإيران، وحزب الله، وإسرائيل؟

أمر مذهل بالفعل.

الشرق الأوسط

سوريا وإسرائيل.. تنظيف مسرح الجريمة!

طارق الحميد

حتى هذه اللحظة يصعب إدراك أبعاد الغارة الجوية الإسرائيلية التي استهدفت مفاصل حساسة لنظام الأسد في دمشق فجر يوم الأحد، لكن القراءة الأولية تقول إننا أمام ما يشبه محاولة تنظيف مسرح الجريمة! فالأكيد أن استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية قد غير قواعد اللعبة في سوريا، والمنطقة ككل.

صحيح أن الإدارة الأميركية لم تفعل شيئا حتى اللحظة، إلا أن استخدام تلك الأسلحة قد غير حسابات إسرائيل، وغيرها، حيث وقع المحظور وظهر أن نظام الأسد قد وصل إلى مرحلة اليأس من تحقيق انفراجة بالأزمة، رغم التدخلات الإيرانية ومساعدة مقاتلي حزب الله للنظام. إسرائيل، وبحسب ما سمعته من زعيم كبير أواخر شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، لديها مخطط متكامل لاستهداف مخزون أسلحة الأسد، وضمان عدم وقوعها بيد حزب الله، أو غيره، ممن تعتبرهم إسرائيل جماعات إرهابية، وكانت تنوي القيام بذلك من قبل لولا ضغوط تمت عليها بمبرر أن استهداف الأسلحة الكيماوية، وغيرها، سيحدث كارثة على الجميع، بما فيهم إسرائيل.

لكن الواضح اليوم أن قواعد اللعبة قد تغيرت، فالأسد استخدم الأسلحة، ومقاتلي فيلق القدس الإيراني على الأرض، ومعهم حزب الله، ومن ناحية أخرى هناك التقدم الذي يحققه الجيش الحر، والثوار، والتصريحات الأميركية الأخيرة حول إمكانية تزويد الجيش الحر بأسلحة فتاكة، ويأتي كل ذلك مع تضعضع نظام الأسد الواضح، ومن شأن كل ذلك أن يؤدي إلى انهيار مفاجئ للنظام الأسدي، خصوصا أن هناك رصدا لعمليات نقل أسلحة من إيران إلى دمشق، ومن دمشق إلى حزب الله، ومناطق يتوقع أنها تمثل الخطة البديلة للأسد، أي الدولة العلوية، وهذا ما يفسر أيضا كثافة المعارك في القصير، ومشاركة حزب الله الشرسة فيها. ومن هنا فإن ما يحدث اليوم هو أن الأسد يسابق الوقت لتأمين أسلحته، وإعادة نشرها، وحزب الله يفعل الأمر نفسه لتأمين تلك الأسلحة، مع المساعدة في تأمين الخطة البديلة للأسد، وإسرائيل بالطبع تسابق الوقت أيضا لضمان عدم نقل ترسانة الأسلحة تلك إلى حزب الله، ومن أجل تقليم أظافر الأسد لكي لا يتمكن من استخدام ما لديه من الصواريخ مع تزويدها بمواد كيماوية في اللحظات الأخيرة، خصوصا أن المعلومات الأولية تقول إن الغارة الإسرائيلية الأخيرة تمت بالتنسيق مع واشنطن.

وعليه فإن الجميع يتسابق لتنظيف مسرح الجريمة من الأسلحة قبل السقوط، أو تزويد الجيش الحر بالأسلحة الفتاكة، ويتسابق في ذلك كل من الأسد، وإيران، وحزب الله، وإسرائيل التي تريد تفويت الفرصة عليهم جميعا، كما تريد تفويت الفرصة على الثوار لضمان عدم حصولهم على تلك الأسلحة في حال سقط الأسد، ولضمان عدم وصول تلك الأسلحة إلى جماعات قد تسارع لفتح جبهة مع إسرائيل. ملخص القول إن قواعد اللعبة تغيرت، وما نشاهده الآن هو أشبه بعملية تنظيف لمسرح الجريمة تحسبا لمرحلة ما بعد الأسد، وقد يتبعها عمليات أكبر وأشد، وربما التدخل الدولي.

الشرق الأوسط

مع من: إسرائيل أم الأسد؟

عبد الرحمن الراشد

ليس من الضرورة مساندة أحدهما، فإسرائيل عندما تهاجم النظام السوري فهي تدافع عن أمنها ومصالحها. ونحن، أيضا، عندما نسعد بهجوم الإسرائيليين على قوات الأسد ومخازنها، لأن ذلك سيسرع في سقوط النظام ويجرده من أسلحته التي ستستخدم لقتل المزيد من آلاف السوريين. فقط الموالون لإيران هم الذين يعارضون، وينددون بالغارة الإسرائيلية، لأنهم يخافون على حلفاء طهران، مثل حزب الله والأسد وليس صحيحا أنهم يستنكرونها من باب العداء لإسرائيل.

سنتان من المجازر بحق عشرات الآلاف من السوريين العزل كشفتا أعظم كذبة في تاريخ هذه الأمة، كذبة المقاومة والممانعة، التي لم تكن في يوم من الأيام حقا ضد إسرائيل، وقطعا ما كانت تدافع عن فلسطين. بسبب الاستيلاء على عقولنا، قلة كانت تعي الحقيقة، أما الأغلبية فقد كان مغررا بها.

حزب الله وعملياته ضد إسرائيل لا علاقة لها بحماية لبنان ولا الدفاع عن فلسطين، الحزب مجرد كتيبة إيرانية مزروعة منذ أكثر من ثلاثين عاما لخدمة أهداف نظام آية الله في طهران. سعى الإيرانيون، وكذلك الأسد، ثم ابنه من بعده، لخطف القضية الفلسطينية للهيمنة على سوريا واحتلال لبنان وخدمة المصالح الإيرانية. وهذا ما كانت تفعله كذلك جماعات أخرى، مثل أبو نضال، وأحمد جبريل الجبهة الشعبية القيادة العامة، وغيرها من دكاكين النضال المزعومة. وكانت جميعها تصب في مواجهة واغتيال قيادات منظمة التحرير الفلسطينية في وقت قيادة الرئيس الراحل ياسر عرفات لها.

وعندما نددت حكومة الرئيس المصري محمد مرسي، مثل إيران، بالهجمة العسكرية الجوية الإسرائيلية على قوات الأسد فإنها عمليا ساندت الأسد ولم تشجب إسرائيل. وكان يمكن أن تعذر حكومة مرسي موقفها المنحاز لإيران، المنحاز بدوره للأسد، لو أنها طرف فاعل في دعم الجيش الحر تقاتل معه ضد الأسد. إنما موقفها المعلن إلى الآن هو مع إيران وروسيا، اللتين تؤيدان صراحة الأسد. أكثر من ذلك، فحكومة مرسي انضمت لموسكو وطهران بالدعوة لما سمته الحل السياسي واعتماد فقط مصالحة وطنية بين نظام الأسد والمعارضة، وعدا أنه موقف معيب، أيضا مشروع مستحيل التطبيق بعد عامين من المذابح والتدمير اللذين مارستهما قوات الأسد وشبيحته.

ومهما كان التنديد المصري والإيراني، فمن المؤكد أن الشعب السوري كان سعيدا بقصف مقار الأسد وقواته وأسلحته، بغض النظر عن أسباب إسرائيل وأهدافها. وسيكون السوريون أكثر سعادة لو أن تركيا ردت على خرق قوات الأسد لسيادة أرضها وسمائها، وهاجمت قوات الأسد بدل الاكتفاء بالتنديد والبيانات الكلامية.

السوريون شبعوا من البيانات التي صارت تغيظهم أكثر مما تعطيهم الأمل، ولن يبالوا كثيرا بالحسابات السياسية الإقليمية، سواء قصف الأسد إسرائيليون أم غربيون أم عرب. الأهم تدمير هذه الآلة الفتاكة التي تعان من قبل الروس والإيرانيين وحزب الله علانية.

الشرق الأوسط

وظيفة “محور المقاومة

    عبد الوهاب بدرخان

بالنسبة الى العرب، الى عموم العالم، كانت الغارات الاسرائيلية عدواناً على سوريا، البلد المستقل ذي السيادة، الذي لم يعتد على اسرائيل كي تبادره برد مضاد. اما بالنسبة الى النظام السوري فإن الغارات تستهدفه في حربه ضد “الارهاب” و”القاعدة”، ولا تستهدف سوريا، ولذلك اتصل بروسيا ليرسل عبرها رسالة استفهام وانذار للولايات المتحدة واسرائيل. حتى انه لم يهتم بكون الضربات موجهة ضد ايران و”حزب الله”، ربما لأن حجم الخسائر في مواقع الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري كان أكبر من ان يقنعه بهذه الحجة التي ردّت بها اسرائيل لتطمينه. لكن طهران رأت في ما حصل محاولة لإضعاف “محور المقاومة”، ورغم انها و”حزب الله” عاجزان اليوم – موضوعياً – عن رد فوري يعيد الاعتبار الى هذا “المحور”، فإنهما أكدا طوال العامين الماضيين انهما لم يتعلما شيئاً من درس لبنان (7 أيار، “اليوم المجيد”!) ولا من ثورة الشعب السوري.

ما يدمي القلب حقاً ان الغارات الاسرائيلية أرادت أن تظهر واقع انكشاف سوريا نهائياً أمام العدو، كنتيجة استطرادية لانكشاف النظام في الداخل والخارج. وهو ما لم يشأ عتاة “محور المقاومة” رؤيته والاعتراف به، كأنهم منتدبون منذ البداية لهذه المهمة: اضعاف سوريا، اخراجها من المعادلة الاقليمية العربية أولاً، ثم المساهمة في تدميرها، وبالتالي المشاركة في تفتيتها لأربعة – خمسة كانتونات/ دويلات. هنا لم تؤكد “المقاومة”، بمفهومها هذا، أنها لا يمكن ان تستقيم الا بالتحالف مع الاستبداد والتماهي معه، بل ذهبت الى حد مؤازرته في القتل والتدمير. كانت هذه المقاومة برهنت، خلال مواجهتها مع العدو الاسرائيلي، أنها ايمان وعقل، ولما أطار الجنون الوحشي للنظام السوري كل صوابها غدا الإيمان مجرد تعصب مذهبي والعقل مجرد آلة للقتل.

ما بدأت اسرائيل تحاول تحقيقه، قبل نحو أربعين عاماً ومن خلال الحرب الأهلية اللبنانية، ها هي توظف “محور المقاومة” في تنفيذه، بإرادته أو رغماً عنه، من العراق الى سوريا ولبنان. فانكشاف سوريا هو تلقائياً انكشاف للبنان، ولا يمكن الاعتماد على خطبة للسيد حسن نصرالله لدحض هذه الحقيقة، كي لا يمكن ان يكون تخزين الصواريخ الايرانية وحده، او عسكرة مجتمع الطائفة وحدها، كافيين للإقناع بأن لدى الحزب رؤية وضماناً للمستقبل. ولو توفرت لديه هذه الرؤية لما ذهب الى القتال في سوريا، أياً تكن الذريعة.

المؤكد ان في قيادة “حزب الله” من يدرك ان التدخل في سوريا خطأ بكل المقاييس، وسقوط اخلاقي ومعنوي للحزب، وغرق في أوحال النظام السوري وأخطائه. بل يدركون ان الحزب مُنع منعا من القيام بالدور الذي هو له بما كان تبقى له من رصيد. لكنها إرادة ايران التي تعتقد ان دعمها للنظام يمنع سقوطه وتتجاهل ان هذا الدعم بات متورطاً في إسقاط سوريا. بمعزل عن الشعارات، ايران كما اسرائيل غير معنية بعروبة سوريا او لبنان، ولا بالشعبين أو بالشأن الوطني لديهما. فهل “حزب الله” معني بالعروبة والوطنية؟

رسائل إسرائيلية بالجملة

 إياد أبو شقرا

انشغل كثير من المعلقين السياسيين بمحاولة قراءة «غاية»، أو «غايات»، إسرائيل الحقيقية من الضربة المزدوجة التي شنتها في نهاية الأسبوع المنصرم على أهداف عسكرية داخل سوريا.

شخصيا أزعم أن لا استراتيجية إسرائيل – وبالذات في عهد بنيامين نتنياهو – بحاجة إلى شرح طويل، ولا أكذوبة «صمود» النظام السوري و«تصديه» و«ممانعته»، كما شهدنا وعهدنا منذ أكثر من أربعين سنة، تستحثان تفكيرا معمّقا. بل، في اعتقادي، من السذاجة فصل قراءة الاستراتيجية الإسرائيلية عن الغايات «الصمودية» السورية. وعليه فإنني لا أشاطر السيد عمران الزعبي، وزير الإعلام السوري، حكمه السريع على أن الاعتداء الإسرائيلي الجديد «يفضح» وقوف إسرائيل إلى جانب خصوم نظام بشار الأسد، ولا عقائديي حزب الله في مقولتهم المألوفة أن القصد من العدوان معاقبة النظام على اصطفافه مع المقاومة.

كلام عمران الزعبي مفهوم وتعوّدنا عليه، بل إنه يهين ذكاء أي راصد جادّ لسياسة دمشق منذ خريف 1970. بل، لمن اعتاد الهدوء على جبهة الجولان المحتل منذ حرب أكتوبر / تشرين 1973، التي كان القصد المعلن منها – على لسان الرئيس المصري السابق أنور السادات – «التحريك» لا «التحرير».

منذ خريف 1973، كانت المواجهات العسكرية المباشرة بين إسرائيل وسوريا، مع الأسف، من جانب واحد. وعلى الرغم من التشديد على كلمات «الصمود» و«التصدي» ثم «الممانعة»، التي حفظناها عن ظهر قلب، قبل أن تضم إليها أخيرا «المقاومة»، اختار نظام دمشق على الدوام «الاحتفاظ بحق الرد» على الاعتداءات الإسرائيلية على أراضي سوريا الوطن.

«الاحتفاظ بحق الرد» من دون تحديد الزمان والمكان، ضايق – كما سمعنا بالأمس – حتى زميله الوزير الدكتور علي حيدر. ولمن يمكن أن يستغرب موقف الدكتور حيدر ينبغي الإشارة إلى أنه أحد وزيرين، مع زميله نائب رئيس الحكومة الدكتور قدري جميل، يمثّلان «المعارضة» – نعم المعارضة المرخص لها بأن تعارض – في حكومة نظام قتل حتى اللحظة من أبناء الشعب السوري أكثر من 100 ألف قتيل ودمّر عشرات المدن والقرى.

ولكن لنعُد إلى شيء من الجدّية.

في اعتقادي الجهة الوحيدة التي تصدّق أن إسرائيل إنّما ضربت المواقع السورية المستهدفة بهدف دعم القوى الثائرة على حكم بشار الأسد وتخفيف الضغط عنها، هي القوى المستفيدة من النظام.. تبعيا من تحت.. أو توجيها من فوق. ذلك أنه بعد أكثر من سنتين ظلت مواقف تل أبيب إزاء الثورة السورية ملتبسة كي لا نقول متواطئة. والشيء نفسه يمكن أن يقال عن مواقف إدارة باراك أوباما، واستطرادا القوى الغربية الكبرى. وما غدا واضحا من لعبة الابتزاز المتبادل، المدمّرة لسوريا والقاتلة لشعبها، التي يمارسها المجتمع الدولي أن القوى الغربية من جهة وروسيا والصين من جهة ثانية، أنها لا تكترث للمأساة التي تمثل فصولا، بل ترى في سوريا «مسرح عمليات» يسهل فيه استنزاف الخصوم، و«صندوق بريد» لمفاوضتهم على ثمن الخروج.

إيران وإسرائيل، كل لأسبابها الخاصة، أيضا لديهما حساباتهما الإقليمية والاستراتيجية الأبعد والأوسع. ومن المستبعد جدا أن تكون إيران قد بوغتت بتداعيات توريط سوريا في مستنقع الصدام الطائفي عبر حزب الله اللبناني و«عصائب الحق» العراقية.. بعدما جنت ثمار الغزو الأميركي. وأيضا يصعب تصديق أن إسرائيل متضايقة من انزلاق سوريا إلى مثل هذا المستنقع وهي المتهمة منذ عقود بأنها تعمل على استغلال التناقضات الدينية والمذهبية.. وصولا إلى تقسيم الشرق الأدنى إلى كيانات طائفية متنازعة.

لماذا، إذن اختارت إسرائيل استخدام ذراعها القويّة، ولماذا في هذا التوقيت بالذات؟

سمعت، كما سمع غيري، بالأمس عن مبادرة تل أبيب إلى القول إن الضربة المزدوجة لم تستهدف النظام بل تسليم أسلحة محظور تسليمها إلى حزب الله. ولكن التمييز بين الجانبين الحليفين، أصلا، غدا تمييزا مفتعلا وعبثيا. وحزب الله نفسه يهبّ دائما للدفاع عن الدور المحوري لدمشق في دعم «المقاومة».. كلما شكك بعضهم في سجل دمشق النضالي في ميادين التحرير، ولا سيما تحرير فلسطين. وتل أبيب تفهم هذا الأمر جيدا.

من ناحية ثانية، تفهم إسرائيل أيضا التماهي شبه الكامل بين دمشق وطهران على صعيدي الحرب والسلم، وتدرك أنه منذ تولي بشار الأسد الحكم صارت السياسة السورية تابعا للمنظور الإيراني.

بناء عليه، أعتقد أن الغاية من الضربة الإسرائيلية المزدوجة إرسال عدة رسائل في اتجاهات مختلفة، أبرزها:

رسالة إلى الداخل الإسرائيلي مؤداها أن إسرائيل قادرة ساعة تشاء على الضرب حيث تشاء في الشرق الأوسط. وأنها رقم أساسي في مشاريع المنطقة.. قبل أيام معدودات من لقاءات وزير الخارجية الأميركي جون كيري في موسكو.

رسالة إلى النظام السوري، تبلّغه فيها أنها ترصد كل التفاصيل وتختار أهدافها وتوقيت خطواتها وفق مصالحها، بصرف النظر عن مواقف الحلفاء والخصوم. وهي تعرف ضمنا أن جيشه مخصّص لضبط الأمن الداخلي وليس للتحرير الخارجي.

رسالة إلى واشنطن، تذكّرها فيها أن لإسرائيل رأيها في ما يحصل سواء اختار باراك أوباما «القيادة» من المقعد الخلفي أم لا، وأن حرية الخيار بالتورّط في أزمات الشرق الأوسط أو الإحجام عنه ليس كليا بيد البيت الأبيض.

رسالة إلى طهران، تختبر فيها مدى جديّة الالتزام الإيراني بدعم نظام الأسد.. وإلى أي مدى يمكن لطهران – ومن خلفها أتباعها في المنطقة – أن تذهب إذا بلغت الأمور مرحلة الحسم.

رسالة إلى المعارضة السورية تقصد منها زيادة إرباكها وإحراجها، ومن ثم، دفعها إلى زيادة اعتمادها على الدعم الغربي، ولا سيما في ضوء خيبة أمل قوى المعارضة الرئيسة – أي الائتلاف الوطني السوري و«الجيش السوري الحر» – من اللاعبين الإقليميين الكبيرين اللذين كانت تراهن عليهما.. مصر وتركيا.

في اعتقادي الضربة الإسرائيلية حملت هذه الرسائل بالجملة. وإلى حين اتضاح حصيلة لقاءات كيري في موسكو، يظهر أن الحصيلة بالنسبة لتل أبيب كانت إيجابية.

الشرق الأوسط

أسئلة ساذجة حول العدوان!

    راجح الخوري

حجبت نيران العدوان الاسرائيلي على سوريا الانظار عن  ركام جثث المجزرة الاخيرة التي كان النظام قد ارتكبها قبل ساعات في حق المدنيين، لكنها كشفت زيف كل ما قيل ويقال عن دور “سوريا الممانعة والمقاومة”، وليس واضحاً هنا  كيف كان احساس الذين ذهبوا للقتال الى جانب النظام عندما استمعوا الى المواقف والتصريحات المدمرة معنوياً اكثر من الدمار الذي احدثته قنابل العدو :

1-  عندما يقول الوزير علي حيدر تعليقاً على العدوان “إن الهدنة [ الهدنة ؟] مع العدو قد سقطت وإن بيان حكومتنا رداً عليه  بشع وضعيف ولا يرقى الى حجم الهجوم”، فبماذا يحس مثلاً المقاتلون من “الحرس الثوري الايراني” ومن “حزب الله” ومن “عصائب اهل الحق” العراقيين الذين يدعمون نظاماً  تبين انه  يرتبط بهدنة مع العدو الاسرائيلي، وان بقاءه سيمثل بقاء لهذه الهدنة. أوَلم تعلن اسرئيل انها ابلغته ان الغارات لا ترمي الى اضعافه في مواجهة المعارضة ؟

2 –  عندما يعلن النظام كالعادة انه سيرد على العدوان لكنه سيختار [ يختار؟] الوقت المناسب، وان “الرد قد لا يحصل على الفور لأن اسرائيل في حال تأهب”، ويواصل فوراً غاراته بالطيران والصواريخ على المدن السورية، فبماذا يحس هؤلاء وخصوصاً ان “الوقت المناسب” للرد على تاريخ من الاعتداءات المماثلة لم يحن او بالاحرى لم يناسب منذ اربعين عاماً، بينما كان من المناسب والمؤلم حتى الصميم ان تختلط  دماء السوريين المهدورة بنيران النظام والعدو في وقت واحد … فيا للمرارة !

3 –  وبماذا يحس هؤلاء المقاتلون عندما  يعرفون ان ايران  سارعت مباشرة بعد العدوان الى دعوة النظام الى التصرف بحكمة [ بحكمة؟]، وليس واضحاً ابداً معنى الحكمة هنا، وخصوصاً ان المرشد علي خامنئي والسيد  حسن نصرالله  كانا قد اكدا قبل يومين التصميم على منع سقوط هذا النظام. فهل هذا المنع يقتصر على مساعدته في ضرب المعارضة ودعوته الى التحلي بالحكمة في مواجهة العدوان الذي سارع الى اعتباره دليلاً على ان الثورة ضده انما هي مؤامرة اسرائيلية؟!

4 – عندما يقول النظام إنه سمح [سمح؟] للفلسطينيين بالقيام بأعمال ضد اسرائيل، ألا يعني هذا انه لم يكن مسموحاً لهم إلا السهر على حماية اسرائيل؟ ثم من أين سيصل الفلسطينيون الى الجولان والنظام  يقصفهم في مخيم اليرموك وغيره بالطيران ومدافع الميدان… هل من جنوب لبنان وحده، يا للسخرية ؟!

5 – وعندما يؤكد وليد المعلم لموسكو حق سوريا بالرد،  فيرد سيرغي لافروف محذراً من تطورات خطيرة وانه اجرى “اتصالات لوقف التدهور”، ربما لتأمين ظروف نجاح زيارة نتنياهو الذي قصف وسافر باطمئنان الى الصين فروسيا … ماذا يكون احساس الجميع؟!

النهار

شرارة الحرب الإقليمية

    موناليزا فريحة

رسمت اسرائيل خطها الاحمر في سوريا بالنار، دافعة النزاع الى مرحلة جديدة تهدد باشعال المنطقة كلها. وقبلها فعل الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله، مؤكداً نيابة عن “محور المقاومة” أن لسوريا أصدقاء لن يسمحوا بسقوطها.

دخل النزاع في سوريا مرحلة جديدة. من انتفاضة شعبية على نظام الاسد، فحرب أهلية دامية، الى حرب إقليمية لا أحد يريدها والكل يستعد لها. أطلقت اسرائيل العدّ العكسي لانفجار كبير. استهدفت مواقع عسكرية قرب دمشق اختلفت التقارير في تحديدها بين صواريخ متطورة كانت معدة لارسالها الى “حزب الله” وقاعدة عسكرية ومنشأة أبحاث. أظهرت قدرتها على اختراق الدفاعات الجوية السورية بنجاح، موجهة رسالة الى دول المنطقة، وايران خصوصا، بأنها “ليست نمرا من ورق”.

خلافاً لمزاعم النظام السوري أن هجمات اسرائيل تثبت دعمها للثوار، لا شيء يوحي بأن الدولة العبرية تلقي بثقلها لاطاحة الاسد أو أنها تخلت عن نظرية “شيطان تعرفه أفضل من شيطان تتعرف اليه”. لم تتحرك اسرائيل وهي لا تتحرك اصلا الا انطلاقا من مصلحة أمنها القومي. وما الضربات الاخيرة لسوريا الا خطوة في سياستها الرامية الى منع نقل أسلحة قد تهدد ميزان القوى بينها وبين “حزب الله”.

لا شك في أن اسرائيل راهنت على أن سوريا لن ترد. بعثت عبر “قنوات ديبلوماسية” الى دمشق برسائل مفادها ان الغارات لم تكن ترمي الى اضعاف النظام السوري في صراعه مع المعارضة. وبدت واثقة من نفسها الى درجة أن نتنياهو سافر في زيارة الى الصين بينما كانت نيران غاراتها لا تزال تضيء سماء دمشق. غير أن رهانها قد لا يكون صائبا، وخصوصا اذا شعر الاسد بأن الامور بدأت تخرج عن سيطرته.

ولعلها رجحت أيضا أن “حزب الله” لن يتدخل، على رغم التهديد العلني لنصرالله. وفي هذا أيضاً قد تخطئ، وخصوصا بعد تنديد عربي بالهجوم الاسرائيلي، ومحاولة النظام الافادة منه لتصوير حربه على شعبه كأنها معركة بينه وبين اسرائيل. فبعدما دخل “حزب الله” علناً من القصير الصراع السني – الشيعي الدائر على أرض سوريا (بعد بروفة 7 أيار في شوارع بيروت)، قد يجد بالرد على قصف سوريا، فرصة لاستعادة سمعته رأس حربة في مواجهة اسرائيل.

على غفلة من أميركا أو بمباركة منها، أضرمت اسرائيل الشرارة الاولى للحرب. أدخلت واشنطن في سباق مع الوقت، وحولت زيارة كيري لموسكو فرصة أخيرة، فإما التلويح للروس المتمسكين بالاسد، بثمن لموقفهم من الازمة السورية والعمل معهم من أجل حل سلمي، وإما الاستسلام لأحلام بوتين وترك المنطقة تذهب الى مصيرها.

النهار

شو هالغارة يا جارة!

    فيليب سكاف

طارت الأسراب وطيّرت معها الخطوط الحمر. أغارت المسنّنات الحديديّة المروّسة على عاصمة البرازق، مرّة ثمّ مرّة ثانية. أصابت في أوّل غارة معمل شاي، ومزرعة بقر وسطلين من الحليب. أمّا الثانية فتعذّر التعتيم عليها، لأنها فرقعت وشعشعت سماء دمشق، بعد أربعين سنة من ظلم وظلام. الغارة هذه بالذات لا تشبه آلاف الطلعات التي سبقتها بشيء، لأنها أوّل مرّة تضرب إسرائيل دولة أخرى، تدمّر عمداً ثمّ تعتذر بتهذيب، مدّعية أن الهدف في مكان آخر. ثمّ إنها المرّة الأولى التي بدل أن يُوصّف عدوانها بالصّهيوني الآثم والغاشم، سمعنا بذهول:”شكراً إسرائيل”.

وأخيراً، إنها المرّة الأولى التي يختلف فيها المحللون كليّاً حول عواقب الإغارة. فالبعض رأى فيها رصاصة الرّحمة التي انطلقت أخيراً من مسدّس اللاعب بالروليت الروسيّة، رصاصة أصابت النظام ومنظومة المقاومة. فاستنتجوا أن نظام الطاغية تهاوى، ومعه المقاومة والممانعة، وأن إيران ستركز من الآن وصاعداً على تصدير التنبك العجمي، وحزب الله على تعزيز زراعة التبغ في الجنوب. “وهوّنوها، يا شباب، في فلسطين… بتهون، وحلوها، يا شباب… بتنحل”. ويعمّ السلام المنطقة في جو من السعادة والنشوة. وطبعاً تنتشر الديموقراطية والتعدّديّة والحريّة في كل بلاد الضاد!

الفريق الثاني رأى في الغارة بداية حرب إقليميّة ستنتهي بمحو الكيان الغاصب. وحينها يرتاح الجميع، ويعود اللاجئون الفلسطينيون ليسكنوا المستوطنات التي هرول سكانها نحو البحر. يعودون إلى بيّارات البرتقال التي تركوها في حيفا. ويُحوَّل المفاعل النووي في ديمونا إلى فندق خمس نجوم مخصّبة، ويُعاد تسمية القرى والمدن ذات الأسماء العبريّة بأسمائها العربيّة.

 من معه حق؟ سننتظر كتاب التاريخ الذي سيكتبه المنتصرون طبعاً. على كلّ حال، إذا حصل سلام، فنحن نعلم أنه لن يكون سلاماً عادلاً. وإذا بقينا على حروبنا، فنحن نعلم أن لا عدل في الحروب أيضاً.

كتب رافاييل باتاي كتاباً عن العقل اليهودي وآخر عن العقل العربي، وخلاصتهما أنه لن يكون هناك سلام بين الشعبين، لأن المشكلة بينهما ليست مشكلة التنازع على الأرض بل مشكلة نفسيّة تنبع من ذاكرتهما. في ذاكرة العرب الجماعيّة أنهم لم يخسروا حرباً طوال فتوحاتهم، لكنهم في غضون سبعين سنة خسروا ثلاث حروب ضد إسرائيل. وفي ذاكرة اليهود أنهم لم يربحوا حرباً واحدة طوال ثلاثة آلاف سنة من الشتات، لكنهم ربحوا في القرن الماضي، ولأوّل مرّة، ثلاث حروب ضد العرب. الأوّلون سيظلون يُحاربون طالما هم مهزومون، والآخرون سيظلون يُحاربون طالما هم منتصرون.

النهار

“حزب الله”: الردّ على إسرائيل يرتبط بـ”الحلف الرباعي”

قـاسـم قصـيـر

شكّل العدوان الإسرائيلي الجديد على سوريا تحدّياً كبيراً لسوريا وحلفائها، وخصوصًا “حزب الله” وإيران وروسيا. فتكرار الغارات الاسرائيلية واستهدافها لمراكز الجيش السوري ولمراكز وشاحنات تحمل صواريخ إيرانية مخصصة لـ”حزب الله”، وفق الإعلام الإسرائيلي، كل ذلك وضع الحزب وإيران وبالطبع سوريا امام وضع صعب، تحديداً بعد التصريحات التي أطلقها أخيراً أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله وبعض المسؤولين الايرانيين بأن “أصدقاء سوريا لن يتركوها وسيدافعون عنها”.

أمام هذه المعطيات فإن عدم الردّ على الغارات الاسرائيلية يعني فتح المجال السوري امام المزيد من الغارات، وأمام استهداف المزيد من المواقع والمراكز. أما في حال الرد سواء من سوريا او حزب الله او ايران، فإن ذلك يعني اتجاه المنطقة نحو حرب شاملة غير واضحة المعالم والأفق والنتائج في ظل ما تواجهه سوريا من تحديات داخلية او خارجية.

أوساط مطّلعة على أجواء “حزب الله” أكدت “ضرورة الانتظار” قبل تحديد اي موقف يتعدّى الاستنكار والادانة، فـ”الوضع دقيق، ولا يمكن اتخاذ أي خطوة يمكن القيام بها كردّ على العدوان بشكل متسرّع نظرًا لحساسية الأمر، ولأن الرد لا يرتبط بجهة واحدة، بل هو متعلق بالاتصالات والمشاورات بين سوريا وحزب الله وإيران وروسيا، فهذه القوى اصبحت مرتبطة في ما بينها بما يشبه الحلف الرباعي، وأي قرار يتخذ سينعكس على الجميع”.

وتضيف الأوساط ان “الصورة معقدة في سوريا والمعركة لها ابعاد مختلفة، وهناك رهان لدى بعض اعداء سوريا أن تؤدي المعركة الجديدة الى اعطاء الفرصة لبعض القوى المعارضة ومن يدعمها لزيادة الضغط على النظام بهدف إسقاطه، خصوصًا ان هذه الغارات الإسرائيلية أتت بعد نجاح الجيش السوري في تحقيق التقدم ضد المجموعات المعارضة، كما ترافق العدوان مع تحرك للمجموعات المعارضة ضد مواقع الجيش السوري”.

باختصار فإنّ “حزب الله” وإيران يدركان خطورة الأوضاع، كما يدركان أن عدم الردّ على العدوان سيعطي الإسرائيلي المزيد من القوة والجرأة لتكراره، في حين إن الردّ سيفتح الباب واسعا امام تطورات غير محسوبة، ونتيجة لكل لذلك فإن كل الاحتمالات واردة في ضوء المشاروات الجارية بين فريق “أصدقاء” النظام السوري، والأيام المقبلة – وربما الساعات المقبلة – قد تحمل اجابات حول هذه الاسئلة والاحتمالات.

موقع لبنان الآن

أين طائرات الميغ ؟!

خلف الحربي

بشار.. ها هي إسرائيل تضرب علنا ألويتك العسكرية وتدمر أسلحة حزب الله المرسلة من إيران، أين طائراتك المحملة بالبراميل كي ترد على هذا العدوان؟، أم أن هذه الطائرات مبرمجة فقط لقصف المدن السورية؟.. أين دباباتك التي دكت بيوت الأبرياء في حمص وحماة وحلب ودرعا وأدلب ودير الزور كي ترد على العدوان الصهيوني؟.. لا نريد منك أن تأمرها بالرد على العدوان، فأنت لست أهلا لذلك، فقط دعها (تتمركز) بالقرب من الجولان، حينها فقط يمكن أن نتأكد بأن بطشك وجبروتك يمكن أن يظهر على الأعادي مثلما يظهر على الأطفال والنساء من أبناء شعبك!.**إيران التي تهدد بأنها سوف تمحو إسرائيل من الوجود لم تفعل شيئا أكثر من الكلام.. حين أدمت ذراعها القرصة الإسرائيلية القاسية لم تفعل أكثر من بيع الكلام: (التحركات المتهورة التي يقوم بها العدو الصهيوني ستقصر حياة هذا النظام الدمية)!.. كلام مجرد كلام.. لا يلغي أن إيران تقدم أكبر خدمة لإسرائيل من خلال دعمها الأعمى لديكتاتور مجرم مستعد أن يقتل ملايين الأبرياء كي يبقى في كرسي الحكم.**حزب الله طبعا مشغول عن مقاومة إسرائيل بقتال إخوانه المسلمين في القصير!.**بالقرب من الساحل السوري ارتكب بشار وأعوانه مجزرتهم المروعة، عشرات الأطفال والنساء الذين لا يمكن أن يكونوا عناصر في الجيش الحر ذبحوا بالسكاكين أو أعدموا رميا بالرصاص، قتلوا لأنهم ينتمون إلى المذهب السني، وبعد ذلك يأتي شبيحة الأسد كي يتحدثوا عن طائفية المعارضة، وتأتي من ورائهم روسيا محاولة إقناع العالم بأن بقاء الأسد يمنع الحرب الطائفية!.

عكاظ

خيارات إسرائيل بشأن سوريا

جوزيف بشارة

من الأمور المثيرة للحيرة في الشأن السوري ما يتعلق بمساندة إسرائيل للمساعي الدبلوماسية والعمليات العسكرية التي تهدف إلى إسقاط نظام بشار الأسد. أسئلة كثيرة تقفذ إلى الذهن كلما أظهرت إسرائيل انحيازاً لا لبس فيه للقوى التي تقاتل نظام الأسد. إذ هل يعني الموقف الإسرائيلي أن حكومة بنجامين نيتانياهو لا تعي، كغيرها من الحكومات الغربية، مخاطر البديل الإسلاموي الذي صار الجانب الأقوى ميدانياً والأعلى صوتاً والأكثر نفوذاً بين القوى المسلحة التي تسعى للوصول إلى السلطة في سوريا؟ هل يعول أو يعمل الإسرائيليون على إحلال نظام الأسد بنظام إسلامي مشابه للنظام الذي يحكم مصر اليوم والذي يبدو كما لو أنه لا يقلق مضاجع الإسرائيليين كثيراً؟ هل يعتمد الموقف الإسرائيلي على وجود ودعم حالة التناحر الطائفي داخل حدود جارتها الشمالية حتى تبلغ سوريا الحالة التي لا تقوم فيها قائمة للدولة، كما في الحالة الصومالية، بعد أن تفقد مصادر قوتها ومقومات وحدتها. أسئلة كثيرة تبحث عن أجوبة هذه الأيام خاصة مع دخول الطرف الإسرائيلي بطريقة مباشرة في الصراع السوري.

منذ بداية الحرب الأهلية في سوريا كان الموقف الإسرائيلي منها يثير دهشتي اقتناعاً مني بأن نظام حكم بشار الأسد أقل خطورة على وجود إسرائيل من أية نظام إسلاموي إخواني الفكر أو قاعدي المنهج. لم أستطع فهم الدعم الإسرائيلي المعنوي وربما اللوجستي للقوى المعارضة للأسد، فتهديد القومية التي يرفع شعارها النظام السوري لإسرائيل لا يمكن مقارنته أبداً بالتهديد الذي يمكن أن يشكله الجهاد الإسلاموي الذي سيصبح شعار الدولة أو الدويلات التي يمكن أن تخلفها الحرب الأهلية السورية. ولعل مقارنة صغيرة بين ما قام به نظام السوري وما قامت به الحركات الإسلاموية في القرون الثلاثة الماضية يؤكد على أن الأسد كان أقل خطورة على وجود إسرائيل من الحركات الإسلاموية الإخرى كحزب الله وحركة حماس.

فالنظام السوري، الذي يصدع أدمغتنا بالوحدة العربية والصمود والتصدي والكفاح والمقاومة، والذي فقد في حرب 1967 جزءاً مهماً من أراضي بلاده، وهو هضبة الجولان، لم يسع منذ عام 1973 لاستعادته. لم يدخل الأسد الأب ولا الأسد الأبن في حروب مع إسرائيل طوال العقود الأربعة الماضية ولم يشكل أية تهديد ولو صوري للوجود الإسرائيلي. كانت هناك حالة من الهدوء التام، إن لم تكن حالة من السلام البارد، بين إسرائيل والنظام السوري. بل أن النظام السوري لم يشارك أيضاً بإيجابية في عملية السلام التي كانت ستعيد لسوريا ترابها، حتى أنه بدا للكثيرين أن النظام السوري تنازل للأبدعن هضبة الجولان. اكتفى نظام الأسدين بالبلاغة والمراوغة والخطب الرنانة ودغدغة مشاعر القوميين واليساريين العرب من دون أن يقوم بأية محاولة جدية لاستعادة أراضيه المحتلة.

في المقابل فقد كانت ولا تزال قوى إسلاموية كحزب الله في جنوب لبنان وحركة حماس وجماعة الجهاد في قطاع غزة كالأشواك الحادة الموجعة في حلق إسرائيل، وهو ما كلف إسرائيل خسائر بشرية ومادية ومعنوية هائلة. فمنذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي لم يَدَع حزب الله إسرائيل تهنأ بسيطرتها على الشريط الأمني الحدودي بجنوب لبنان عبر عمليات انتحارية ضد جنود إسرائيليين وهجمات صاروخية طالت مدناً إسرائيلية كبرى في منطقة الجليل بشمال إسرائيل. وبعد سنوات من المواجهات غير المجدية بين الطرفين رأى إيهود باراك، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، الانسحاب من الأراضي اللبنانية عام 2000 لتفادي المزيد من الخسائر. تكرر نفس الأمر مع حركة حماس وشركائها الإسلامويين في غزة طوال العقود الثلاثة الماضية، حيث لم تَكُف الحركات الإسلاموية في غزة عن شن هجمات صاروخية وعمليات انتحارية وغزوات إرهابية في قلب إسرائيل أسقطت العشرات من الضحايا وكلفت الميزانية الإسرائيلية أموالاً طائلة. وقد دفعت المواجهات المتكررة بين إسرائيل والحركات الإسلاموية، التي لم يكن من ورائها طائل، رئيس وزراء السابق إرييل شارون لاتخاذ قرار الانسحاب من غزة من جانب واحد عام 2005 بغرض وقف نزيف الدماء والمصادر والأموال الإسرائيلية.

ليس هناك شك في أن هناك حجج تستند عليها إسرائيل في دعمها للمساعي الجارية لإسقاط نظام الأسد. لا يغفى على أحد أن النظام السوري دعم كثيراً وبشكل مباشر الحركات الإسلاموية المناهضة لإسرائيل كحزب الله وحركة حماس وغيرهما حتى أن الأراضي السورية كانت بمثابة الجسر الدائم لنقل الأسلحة الإيرانية لحزب الله وكانت الحضن الدافيء لقادة حركة حماس. ولكن هل يعني هذا أن إسرائيل ترغب في إسقاط الأسد للتخلص من جسر الأسلحة هذا والتخلص من قادة حماس؟ لست أعتقد أن إسرائيل بهذه الدرجة من الحماقة التي تدفعها للعمل على معاقبة نظام الأسد على تأييده لحزب الله وحركة حماس عبر فتح جبهة أكثر خطورة في سوريا، إذ من المؤكد أن الإسرائيليين يعون أنه حال سقط نظام الأسد فإن بديله هو نظام إسلاموي قاعدي متطرف سيكلفهم الكثير، وأنهم يدركون أن البديل الإسلاموي سيكون أكثر خطورة على دولتهم من حزب الله وحركة حماس ونظام الأسد مجتمعين.

ربما تقود هذه المعطيات والفرضيات البعض للاقتناع بأمرين؛ إما بأن إسرائيل تتحالف مع الإسلاميين لإسقاط نظام الأسد مقابل التعايش السلمي، أو بأن إسرائيل تسعى لإسقاط سوريا وليس الأسد. الأمر الأول مستبعد تماماً لأن إسرائيل لا يمكن أن تقع في فخ الإسلامويين حتى ولو كانوا على شاكلة المتظاهرين بالاعتدال كمحمد مرسي. وحتى لو قبلنا بأن الإسلامويين الجهاديين المنتشرين بسوريا يمكن أن يتعاونوا مع من يعتقدون أنه “الشيطان الأعظم” لإسقاط شيطان صغير، فإن التاريخ والجغرافيا يدفعان في اتجاه استحالة وجود تحالف إسلاموي إسرائيلي. ولعل هذا يقودنا إلى الاعتقاد بأن الأمر الثاني هو الأمر الأكثر واقعية باعتبار أن إسقاط الدولة السورية سينتج عنه دويلات صغير ضعيفة وفقيرة ومتناحرة.

من المؤكد أن الهجمات الأخيرة التي قامت بها إسرائيل مؤخراً ضد أهداف في سورية تأتي في هذا الإطار. ومن الملاحظ أن الهجمات التي هدفت إلى إضعاف جبهة الأسد جاءت بعد تقارير أشارت إلى استعادة الجبهة لبعض من تفوقها وتحقيقها بعض التقدم في ميادين القتال. الهجمات هنا إذن جاءت ليس لإنهاء نظام الأسد، ولكنها جاءت لإعادة التوازن الميداني بين الأعداء بغرض مد أمد القتال. ومن المنتظر أن تزيد إسرائيل من هجماتها ضد قوات النظام السوري إذا ما استمر الأسد في تحقيق انتصارات ميدانية على أعدائه. غير أنه على إسرائيل أن تعي أن خيار اسقاط الدولة السورية والتقسيم غير مضمون العواقب ولن يكون في صالحها. فالتعامل مع عدو واحد ولو كان قوياً خير من التعامل مع عدد من الأعداء حتى ولو كانوا ضعفاء.

وفي النهاية هل يمكن لأحد أن يلقي باللوم على إسرائيل في حال تفتتت سوريا إلى دويلات صغيرة؟ بالطبع لا. إسرائل، كغيرها الدول، تسعى للحفاظ على وجودها عبر القضاء على أعدائها. اللوم كله يقع على الأنظمة والأيديولوجيات والمعتقدات التي ابتليت منطقتنا بها والتي تقمع الحريات وتُحَرِّم الحقوق وتقضي على الأخر وتمنع الشعوب من العيش في سلام. لقد أفسد الأسدان سوريا طوال العقود الأربعة الماضية، واليوم يكمل المتطرفون الإسلامويون المهمة وبغباء منقطع النظير حيث يقومون بإسقاطها وتقسيمها والقضاء على وجودها. واحسرتاه على سوريا التي كانت منارة للحضارة والثقافة والفنون والتعايش والجمال والإبداع.

ايلاف

الهدف الحقيقي من الغارة الاسرائيلية على سورية

عماد عبدالله عياصرة

نقلت وكالات الأنباء أن الغارات الاسرائيلية على مشارف دمشق صباح الأحد، لم تكن تستهدف الأسلحة الكيماوية، وإنما استهدفت أسلحة إيرانية، كانت تُنقل لحزب الله.

بالطبع لم تكن الأهداف عشوائية، وحتى لو لم يكن هناك سلاح يُنقل لحزب الله، فإن عملية إصابة الأهداف المكانية المحددة قد نجحت.

بغض النظر عن الأهداف، الأسئلة المهمة هنا: أين منظومة الدفاع الجوي السورية؟ وما مدى فعاليتها تجاه الغارات؟

بشكل عام، الجيش السوري منهك تماماً، لكن أنظمته الصاروخية بما فيها أنظمة الدفاع الجوي، من المفترض أن تكون بأحسن حال سيما أنها لم تستخدم بعد، اضافة إلى تطورها بفضل التقنيات الروسية والإيرانية.

يبدو أن الغارة الإسرائيلية كانت لإختبار فعالية نظام الدفاع الجوي السوري، ومدى قدرته على اعتراض الصواريخ؛ إذ لطالما تحدث الخبراء العسكريون الاسرائيليون عن امكانية تجاوز أنظمة الدفاع، من خلال تحليق الطائرات على ارتفاع منخفض، وضرب الأهداف من مسافات بعيدة نسبياً مما يوفر فرصة عالية لنجاح الغارات.

لم يتضح بعد إن كانت الطائرات الاسرائيلية حلقت فوق دمشق وضربت أهدافها أم لا، لكن أعتقد أن الطائرات الاسرائيلية حلّقت على ارتفاع منخفض بالقرب من الحدود اللبنانية، مما أتاح لها اصابة أهداف دقيقة من مسافة تقل عن 100 كم، ووفّر لها عنصر الأمان، واستطاعت تخطي أنظمة الدفاع الجوي السورية.

لا توجد بوادر حرب اسرائيلية سورية، لكن الغارة الأخيرة هي محاكاة فعلية لطبيعة الغارات المستقبلية على حزب الله، سواء امتلك صواريخ أرض جو أم لا.

ايلاف

الغارات الإسرائيلية على دمشق تختبر الحرب مع إيران

هدى الحسيني

إذا كان مفاعل «بوشهر» يعتبر المفاعل السلمي الوحيد حتى الآن في إيران، فإن هناك المنشآت التي تتعامل مع دورة الوقود النووي، وهذه اكتشفت في بداية «الألفين»، رغم أن الإيرانيين كانوا يعملون عليها منذ أكثر من عشرين سنة من دون أن يلفتوا أحدا من الخارج، وكانوا اشتروا تقنية تخصيب اليورانيوم من العالم الباكستاني عبد القدير خان.

في البداية، عندما اكتشف برنامجهم لتخصيب اليورانيوم، قال الإيرانيون إنه لأغراض سلمية، وإنهم لم يعلنوا عنه لأسباب تقنية، وإنهم كانوا ينوون فعل ذلك عندما يبدأ التشغيل.

فنيا، تحققت الوكالة الدولية للطاقة النووية ورأت أنه في بعض البنود حصل خرق للاتفاقيات الدولية، وهكذا أحيل الملف إلى مجلس الأمن الدولي الذي فرض على إيران التوقف عن أنشطتها، وعندما لم تتوقف سمح مجلس الأمن بفرض العقوبات الاقتصادية.

من هنا، بدأت قصة العقوبات الاقتصادية المرتبطة بالبرنامج النووي.

بالنسبة للمنشآت القائمة، هناك المنشأة الأساسية الموجودة في «ناتانز» بالقرب من أصفهان. هي تحت الأرض من جناحين؛ الجناح الأول يضم مصنعا ومختبرات للتخصيب على مستوى صناعي، والجناح الثاني للأبحاث والتجارب الأولية والإنتاج النمطي.

بدأت إيران فعلا بالإنتاج النمطي والأبحاث، وصار لديها بالمصنع في «ناتانز» نحو عشرة آلاف جهاز طرد مركزي.

الطاردات المركزية التي تحصل فيها عملية التخصيب يجب أن تكون مركبة على شكل متتال (cascade)؛ إذ لا يمكن تخصيب نسبة 0.07% من اليورانيوم الطبيعي للوصول إلى 5% من اليورانيوم المخصب في أنبوب واحد. كل أنبوب يستعمل للتحسين قليلا، ومن ثم يكون الذهاب إلى الأنبوب الآخر.

كل مركب لديه ما يغذيه للوصول، من نسبة 1%، إلى 5% للاستخدام السلمي، وللوصول إلى استخدام وقود للأبحاث تصبح الحاجة إلى نسبة 20%. وإذا أرادت إيران إنتاج الوقود الذي يستخدم لتصنيع القنابل والأسلحة النووية، تصبح الحاجة إلى 85% أو 90%، وكلما ارتفعت نسبة التخصيب، صار التصميم أسهل.

في «ناتانز» وفي المرحلة الأولى وهي عشرة آلاف جهاز طرد مركزي، أنتجت إيران كمية من اليورانيوم المخصب.

يتم التخصيب على شكل غاز اليورانيوم، وهو نوع من أنواع أكسيد اليورانيوم يكون لونه أصفر، وهو ما يسمى «الكعكة الصفراء». يتم تحويله إلى غاز الفلورين، هذا الغاز يمكن تخصيبه في أجهزة الطرد المركزي، وعند الانتهاء منه يصبح على شكل غاز، لكن من أجل استخدامه في المفاعلات أو الأسلحة النووية يجب أن يعاد تحويله إلى أكسيد، وإذا أرادوا تحويله إلى أسلحة نووية، فيجب تحويل الأكسيد إلى معدن.

جزء من اليورانيوم المخصب بنسبة 5% حوّله الإيرانيون إلى أكسيد لاستخدامه في إنتاج الوقود النووي لمفاعل «بوشهر» أو مفاعل أبحاث طهران.

مع بداية عام 2012 في «ناتانز» بدأوا أخذ نسبة 5%، ورفعوها إلى نسبة 20%. وفي شهر فبراير (شباط) الماضي أنتجت إيران 280 كيلوغراما (كلغم) من اليورانيوم المخصب بنسبة 20%، هذه الكمية تعتبر أكبر من الكمية المطلوبة لإنتاج 90% من اليورانيوم الذي هو 25 كلغم.. إذ لإنتاج قنبلة نووية (يورانيوم) تكون الحاجة إلى 25 كلغم، (قنبلة البلوتونيوم 10 كلغم فقط). ولإنتاج 25 كلغم (90% من اليورانيوم) فالمطلوب إنتاج 240 كلغم (20% من اليورانيوم المخصب).

في إيران هناك مصانع للتحويل، من الأكسيد إلى معدن، المهم أن يكون النقاء عاليا جدا. كما أن لديها مصانع للتحويل من الغاز إلى الأكسيد إلى المعدن.

استخدمت إيران جزءا من العشرين في المائة، نحو 130 كلغم، حولتها إلى أكسيد على أساس تحويلها إلى وقود لمفاعل طهران.

بهذه العملية، ارتاح الأميركيون والإسرائيليون قليلا؛ إذ لم يعد لدى إيران 240 كلغم (20% من اليورانيوم المخصب). الارتياح ناجم عن أنه إذا قررت إيران طرد المفتشين الدوليين، فلن تعود لديها الكمية الكافية لصناعة السلاح النووي؛ إذ تبقى في حاجة إلى أن تعوض ما استعملته لمنشأة طهران، إلا إذا قررت أن تحوله مرة جديدة من معدن إلى أكسيد، ومن ثم تأخذ الغاز الذي هو 20% من اليورانيوم المخصب، وتغذي به المصانع من أجل إنتاج الكمية اللازمة التي هي 90% من اليورانيوم المخصب.

لذلك، تقول التقديرات الحالية إن إيران لم تصل بعد إلى الكمية الكافية من العشرين في المائة، وبالتالي يبقى «الخط الأحمر» لإنتاج قنبلة نووية بعيدا.

وإذا قررت إيران طرد المفتشين، كما فعلت كوريا الشمالية (في كوريا القنبلة من البلوتونيوم) وافتراضا أنها استكملت كل شيء، فإنها تحتاج من 3 إلى 6 أشهر لإنتاج الكمية الكافية من الـ90% من اليورانيوم. ثم عليها أن تحوله إلى أكسيد، ومن أكسيد إلى معدن عالي النقاء.. هذه العملية قد تستغرق نحو تسعة أشهر (3 أشهر لاستكمال الكمية اللازمة للعشرين في المائة، ومن 3 إلى 6 أشهر لإنتاج 90%)، وبعد ذلك التحويل إلى أكسيد. هنا يفهم قول الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال زيارته الأخيرة لإسرائيل: «لدينا أكثر من سنة».

معظم الخبراء النوويين المتابعين يقولون إن هناك متسعا من الوقت يتجاوز السنة للوصول إلى «الخط الأحمر» الذي صار يعني الحرب. لكن بالنسبة لـ«الخط الأحمر» الإسرائيلي، فقد يكون في وصول إيران إلى نسبة 20% وامتلاك 200 كلغم من اليورانيوم.

الجانب الأميركي يقول إن هناك متسعا من الوقت للتفاوض حتى لو أنتجت إيران 220 كلغم، ما دامت لم تحولها إلى 90% أو جمدتها أو أخذت جزءا منها مرة ثانية. ثم عندما تطرد إيران المفتشين الدوليين فإن المجتمع الدولي كله سيعرف.

لكن هل «الخط الأحمر» الذي حددته إسرائيل بالنسبة لإيران يشمل فقط برنامجها النووي؟

الغارتان على دمشق الأسبوع الماضي أعلنتا تقريبا أن الحرب بين إيران وإسرائيل قد بدأت. يوم الأحد الماضي، كتبت صحيفة «نيويورك تايمز» أن إسرائيل بقصفها مستودعات الذخيرة أظهرت أنها جاهزة للالتزام بـ«الخطوط الحمر» التي وضعتها. ويوم السبت الماضي جاء في مجلة «فورين بوليسي» أن «الغارة على دمشق رسالة إلى إيران، حيث تعهدت إسرائيل بتدمير برنامجها النووي إذا ما عبرت (الخط الأحمر) الذي وضعه بنيامين نتنياهو». وعكس أموس يادين رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق هذا التوجه بقوله للإذاعة الإسرائيلية صباح الأحد الماضي: «من المؤكد أن إيران تراقب تصميم إسرائيل والولايات المتحدة في ما يتعلق بـ(الخطوط الحمر)، وما تراه في سوريا يوضح لها أن بعض الأطراف، على الأقل، عندما يحددون (الخطوط الحمر)، وإذا ما تم تجاوزها، فإنهم يتعاملون مع هذا الأمر بجدية».

التطورات الأخيرة كشفت أن محاولات إيران التحضير المسبق لحرب متوقعة، باءت بالفشل، أو انكشفت، فهي أرسلت صواريخ «فاتح 110» إلى سوريا لإيصالها إلى حزب الله في لبنان.. جاءت هذه الصفقة بعدما انكشفت صفقة أخرى وقعها «الحرس الثوري» الإيراني مع حكومة السودان لشحن صواريخ وأسلحة إلى حماس في غزة. وحسب الاتفاق، تنقل الأسلحة من طهران إلى دمشق، ومن دمشق إلى الخرطوم جوا، ثم تنقل برا من السودان إلى غزة عبر مصر وصحراء سيناء. هنا تبرز أهمية دمشق بالنسبة لإيران؛ إنها الحلقة الأساسية في سلسلة كل الخطط الإيرانية، إذا فقدتها، انفرط عقد السلسلة.

تشير هذه التطورات إلى «خطوط حمراء» جديدة سيتم وضعها إلى جانب «الخط الأحمر» المعني بالبرنامج النووي الإيراني.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى