رستم محمودسمير العيطةصفحات مميزةعارف حمزةغازي دحمان

مقالات تناولت المسألة الكردية في سورية

النفير الكردي وجبهة النصرة و”غربي كردستان

عارف حمزة

جبهة النصرة لأهل الشام تأسّست “جبهة النصرة لأهل الشام” في كانون الأول من عام 2011، وهي منظمة سلفيّة جهاديّة دعت السورييّن في بيانها الأوّل بتاريخ 24/1/2012 إلى الجهاد وحمل السلاح في وجه نظام بشّار الأسد. وكان جلّ عناصرها عند تشكيلها من السورييّن الذين جاهدوا في العراق وأفغانستان والشيشان، ومن السورييّن في الداخل. لذلك يُعتبر عناصرها من المقاتلين المتمرسّين والشرسين في قتال الجيوش وصنع المتفجرات والأسلحة محليّة الصنع. ثمّ التحق بهم زملاء لهم مجاهدين من البلدان العربيّة وتركيا وأوزبكستان وطاجاكستان والشيشان وبعض الذين يحملون جنسيّات أوروبيّة. وهؤلاء المتطوّعون الجدد زادوا من وتيرة عمليّات الجبهة، ونوعيّتها، وصداها، في الداخل السوريّ وخارجه؛ ومنها تبنّيها اقتحام وتفجير مبنى قيادة الأركان في العاصمة السوريّة دمشق في بداية شهر تشرين الأوّل من عام 2012، وتفجير مبنى المخابرات الجوّية، وهو من أقسى الفروع الأمنيّة دمويّة، في مدينة حرستا، ونسف مبنى نادي الضباط في ساحة سعد الله الجابري بحلب. وكلّها كانت بتفجيرات مزدوجة أو ثلاثيّة تبرز بصمة “القاعدة” التي تنتمي لها الجبهة.

كما شاركت الجبهة، الجيش السوريّ الحرّ وكتائب أحرار الشام، التي أعلنت عدم انتمائها إلى جبهة النصرة في بيان مصوّر، في عدة عمليات قتاليّة مثل معركة حلب، وعندها كانت الجبهة ضد فكرة اقتحام أحياء مدينة حلب، ومعركة السيطرة على مدينة معرّة النعمان، التابعة لمدينة إدلب، ومعركة مطار تفتناز، والهجوم على ثكنة هنانو، والسيطرة على الفوج 46، ومعارك الغوطة، ومعركة الفوج 111، ومعارك السيطرة على مدينة دير الزور وريفها، كمعركة كتيبة المدفعيّة في مدينة الميادين، وغيرها من المعارك.

أعلنت جبهة النصرة لأهل الشام انتماءها للقاعدة في العراق علانية، وهي حاليّاً بقيادة أبو محمد الجولاني. ويعتبر معسكر “الفاتح” معسكرها الرئيسي الذي يقع في شمال سوريا. ويتراوح عدد مقاتلي الجبهة من 15000 إلى 20000 مقاتل. وكانت عملياتها من أقسى العمليّات التي واجهها جيش النظام السوريّ.

وبعد تشكيل جبهة النصرة بعام واحد، صنّفتها الحكومة الأميركية في كانون الأول/ ديسمبر من عام 2012 على أنّها جماعة إرهابيّة. وقد لقي هذا التصنيف حينها رفضاً من ممثّلي المعارضة السوريّة، وقادة الجيش السوريّ الحرّ، الذين دعا بعضهم عقب هذا التصنيف إلى إعلان الوحدة بين الجيش السوريّ الحرّ وجبهة النصرة. كما خصّصت تظاهرة من ثوّار الداخل تنتصر لجبهة النصرة، وترفض القرار الأميركي.

وفي 30/5/2013 قرّر مجلس الأمن الدولي، التابع للأمم المتحدة، بالإجماع إضافة جبهة النصرة لأهل الشام إلى قائمة العقوبات للكيانات والأفراد التابعة لتنظيم القاعدة. وكان دخول عناصر الجبهة في الثورة السوريّة مثار مرافعات للحكومة السوريّة في المحافل الدوليّة على أنّها تحارب الإرهاب عوضاً عن العالم.

بقي تمويل جبهة النصرة مستقلاً عن تمويل الكتائب الأخرى التابعة للجيش السوريّ الحرّ، كما أنّها بقيت مستقلة في قراراتها بالقيام بالكثير من العمليّات. كما أنّها أعلنت عدم اعترافها بإئتلاف المعارضة السوريّة منذ تشكيله عوضاً عن المجلس الوطنيّ.

حزب الإتحاد الديمقراطي وقوّات حماية الشعب

تأسس حزب الاتحاد الديمقراطي، (با يا دا) ، في عام 2003، ويعتبر من أكثر الأحزاب الكرديّة جماهيريّة. وأنشأ عدة هيئات تابعة له، تقدّر بسبع عشرة هيئة، تهتم بالنواحي العسكريّة والمدنيّة، مثل تعليم اللغة الكرديّة، وحقوق الإنسان والقضاء وحرس الحدود والشرطة والمرأة والنقابات… وأسس قوّات حماية الشعب، (يا با كا)، وهيئة عسكريّة خاصة بالمرأة، (يا با جا). وهو من الأحزاب اليساريّة، ويُعتبر الفصيل السياسيّ داخل سوريّا لحزب العمال الكردستانيّ، (بي كي كي)، الكرديّ في تركيّا، بقيادة عبد الله أوجلان، المعتقل لدى السلطات التركيّة منذ عام 1999.

لم يسم حزب الاتحاد الديمقراطي في اسمه أو في أسماء هيئاته الكثيرة وصف “الكردي” أو الكردستاني، كما باقي الأحزاب الكرديّة القديمة منها والجديدة، وظلّ طوال الوقت يتحدّث كأنّه يخصّ كل الشعب في المناطق الكرديّة التي يعمل فيها؛ مثل هيئة “قوّات حماية الشعب” و “حركة تحرّر المجتمع الديمقراطي” و “بيت الشعب” و “جمعيّة ستار” الخاصة بحقوق المرأة… وهذا لإضفاء وصف غير انفصاليّ على تطلّعاته بالنسبة للقوميّة الكرديّة في سوريّا، أو “غربي كردستان”. وتتميّز تلك الهيئات، وكذلك الحزب، بأنّ قياداته جماعيّة وليست فرديّة، وكثير من قياداته هم من النساء بنسبة لا تقل عن 40 في المئة. ويرأس الحزب حاليّاً كلأ من محمد صالح مسلم وآسيا عبد الله.

إن نشاط حزب العمال الكردستاني داخل سوريّا كان من أجل تطويع الشباب الكرديّ للقتال في جنوب شرق تركيا، حيث اندلعت المواجهة العسكريّة بين الطرفين منذ عام 1984، وذهب ضحيتها آلاف الضحايا من الطرفين. وكان النظام السوريّ يدعم ذلك الحزب، الذي كان يرفرف علمه على إحدى الأبنية في حيّ أبو رمانة الراقي في قلب العاصمة دمشق، في حربه كإحدى أوراق الضغط على الجارة تركيّا، بشرط عدم التفكير بحقوق الكرد في سوريّا. وعندما وصل الأمر بين الدولتين الجارتين إلى المواجهة العسكريّة، تخلّى النظام السوريّ عن عبد الله أوجلان، ولوحق أفراد حزبه داخل سوريّا وتم زجّهم في السجون، بعد محاكمتهم من قبل محكمة أمن الدولة العليا، والمحاكم العسكريّة، بتهمة “محاولة اقتطاع جزء من سوريّا وإلحاقه بدولة أجنبيّة”، وبقيّة المواد الجنائيّة الوصف التي تدور في ذلك الفلك، والتي يصل حدّ عقوباتها الأعلى إلى الإعدام.

يصل عدد مقاتلي قوّات حماية الشعب التابعة للحزب إلى 11000 مقاتل، (وأرقام المقاتلين الكرد والمتطوّعين معهم من عرب الجزيرة السوريّة ما زال سريّاً ومتصاعداً)، ويُضاف إليهم مقاتلو حزب العمال الكردستانيّ “الكريللا” في جنوب شرق تركيا وشمال العراق والذين يتراوح عددهم بين 15000 و 30000 مقاتل متمرّس وشرس، ويُعتبر معسكر قنديل هو المعسكر الرئيسيّ لمقاتلي الحزب، بينما يقود قوّات حماية الشعب هيئة رباعيّة تشكّل المجلس العسكريّ. ومن المعروف أنّ الولايات المتحدة الأميركيّة، والكثير من الدول الأوروبيّة، صنّفت حزب العمال الكردستانيّ من المنظمات الإرهابيّة محاباة لتركيا.

علاقة جبهة النصرة بالنظام السوريّ كانت القاعدة في العراق مثار مشاحنات كبيرة بين سوريا والعراق منذ الإحتلال الأميركيّ للعراق. ووصل الأمر إلى تقديم الحكومة العراقيّة ملفاً لمحكمة الجنايات الدوليّة يتّهم الحكومة السوريّة بالتورّط في إيصال الدعم العسكريّ والتدريبيّ والمقاتلين والتمويل لتنظيم القاعدة في العراق.

ومنذ بداية “تسهيل” تسلّل مقاتلي القاعدة إلى سوريّا، من الحدود العراقيّة إلى مدينة البوكمال ومن هناك إلى الداخل السوريّ، كان هناك اتهام واضح بأنّ الجبهة هي إحدى الأوراق التي سيستخدمها النظام السوريّ، عاجلاً أم آجلاً، في وجه الثوار السلمييّن والمسلّحين وليس كداعمين للثورة السوريّة. وظلّ ثوّار الداخل السلمييّن ينبّهون، ولو بخجل وكذلك بخوف، من الدور السيء والكارثيّ الذي قد يقوم به مقاتلو النصرة، وبقيّة الكتائب السلفيّة التي قد تدخل البلاد. إذ كان النظام يعوّل منذ البداية على مسألة “الإرهاب” لكي يدعم مواقفه على الساحة الدوليّة، ومناصريه في الداخل.

قامت عناصر الجبهة بالكثير من التفجيرات الدمويّة التي أثارت الرعب في نفوس المواطنين قبل إثارته في أركان النظام. وتمّ الاتفاق بين المخابرات السوريّة وجبهة النصرة على إدارة المناطق النفطيّة في الشرق والشمال الشرقيّ من سوريّا؛ حيث ما زال النفط السوريّ يُباع تحت إشراف النصرة لقاء رواتب شهريّة تصل إلى ملايين الليرات السوريّة. وكذلك حماية خطوط النفط الخام لتأمين وصوله إلى مصفاتي حمص وبانياس. وتمّ التأكّد من ذلك على أرض الواقع في محافظتي دير الزور، الغنيّة جداً بالنفط، والحسكة؛ حيث أسرّ أحد المهندسين في حقل “أبيض” في الحسكة بأنّ مقاتلي النصرة وصلوا إلى الحقل برفقة رجال الأمن في سيّارات أمنيّة، وقالوا لمدير الحقل بأنّ مقاتلي النصرة سيحمون الحقل والموظفين، وعلى الموظفين متابعة أعمالهم وكأنّ شيئاً لم يتغيّر!.

واقتحام مدينة “الشدادي” جنوب الحسكة بمسرحيّة هزليّة لتأمين الحقل النفطيّ هناك، حتّى أن ضباط وعناصر الأمن العسكريّ هناك، خاصّة العلويّون منهم، تمّ إيصالهم بسيّارات النصرة إلى داخل مدينة الحسكة، ومن بعدها تمّ تفجير المبنى الخاص بهم خاوياً. وقام الطيران الحربي للنظام برمي البراميل المتفجّرة على بيوت المدنييّن ومحلاّتهم، وليس على مقرّات النصرة. ولحدّ الآن ما زال أمير الجماعة، وفق الموظفين هناك، يؤمّن احتياجات الشدادي بالاتصال مباشرة بالسلطات في المحافظة هاتفيّاً!.

تمّ استخدام ورقة النفط بذكاء في محافظة دير الزور، حيث وصل عدد مقاتلي الجيش الحرّ هناك إلى ما يقارب 12000 مقاتل، وكان بإمكانهم وحدهم تحرير المنطقة الشرقيّة، على الأقل، بالكامل، لولا إلهائهم بالغنائم النفطيّة. فصارت الحقول الكثيرة هناك محلّ نهب ومعارك شخصيّة وصلت لدرجة التحارب بالدبابات والمدفعيّة بين كتائب الجيش الحرّ ذاتها، وكذلك بين عشائر المنطقة هناك، من أجل التفرّد بالموارد النفطيّة وعائداتها الهائلة، وكلّ ذلك تمّ بتخطيط من المخابرات السوريّة، وبتنفيذ وإشراف مباشر من جبهة النصرة.

ما يثير تلك الشكوك أكثر هو انسحاب عناصر جبهة النصرة إلى الخطوط الخلفيّة حيث الآبار النفطيّة؛ فاقتصر عملها في دير الزور والحسكة والرقة، بينما تمّ الانسحاب من جبهات دمشق ودرعا وحمص وإدلب وحلب. وعند تعاون جبهة النصرة مع كتائب من الجيش الحرّ يكون شرطها الأساسيّ أن يكون الجميع تحت قيادتها، وبأن يكون أيّ قرار بيدها؛ فهي لا تقيم وزناً لأيّ قائد ميدانيّ للجيش الحرّ، وإذا تعنّت أحد القادة فإنّ ذبحه يكون كنقطة في نهاية النقاش، وهذا ما حصل لثلاث قادة في ريف اللاذقيّة، والكثير من القادة والمقاتلين من الجيش الحرّ تم تصفيتهم على يد مقاتلين من النصرة، وتم الترويج لها إعلاميّاً بأنّ ذلك حصل على يد مقاتلي الجيش السوريّ في عمليّات نوعيّة.

علاقة جبهة النصرة بالثورة السوريّة

وإذا قمنا بنسيان ما تمّ إيراده في الأعلى، عن علاقة النصرة بمخابرات النظام السوريّ، فإنّه لا دليل واحد على مناصرة جبهة النصرة للثورة السوريّة ضد نظام الأسد. ولا نقصد هنا عدم اعتراف جبهة النصرة العلني بائتلاف قوى المعارضة السوريّة، ولا قبله بالمجلس الوطني، بل هم لا يعترفون بالثوّار السلمييّن في الداخل، الذين فقدوا السيطرة على مجريات ما يحدث على الأرض من وقت دخول عناصر النصرة إلى الميدان؛ فتمّ طرد الكثير منهم، أو قتلهم، بتهمة أنّهم “علمانيون”.

إنّ الترويج بأنّ جبهة النصرة تساند الثورة السوريّة هو نقصان لها، بل يصل لدرجة العار. وتمكّن الثوار في الداخل من السقوط في فخّ النظام عندما دافعوا عن جبهة النصرة، بالتظاهر ضد القرار الأميركي بوضعها على قائمة الإرهاب. فإذا كانت النصرة مع الثورة كان عليها أن تقوم بأعمال تدخل الطمأنينة لنفوس المواطنين، بخاصة المغلوبين على أمرهم، وتجعلهم لا يقفون ضد الثورة في صمتهم الأزليّ على الأقل. وأن تحتضن الثوّار السلميين، وتتعاون مع بقيّة الكتائب المقاتلة. ولكنّ النصرة قدّمت أبشع الصور لكي يتم إلصاقها بالثورة السوريّة، وجميع الفيديوات من قتل وذبح وتعذيب وخطف طائفيّ تمّ صنعها بأفعال من مقاتلي النصرة. وتفجير مقدّرات البلد، من جسور ومقرّات فارغة وفي أماكن مدنيّة وتفجير الطائرات التي لا يمكن قيادتها من أحد منهم، وشقّ الصفوف بين كتائب الجيش الحرّ، كلّ ذلك تمّ من قبل مقاتليها. فتفجير جسر “الكنامات” في دير الزور من قبل النصرة كان لتضييّق الحصار على كتائب الجيش الحرّ هناك، وليس لمنع وصول الدعم إلى قوّات النظام. وتفجير نادي الضباط في ساحة سعد الله الجابريّ بحلب، الذي يضم مطعماً وصالة أفراح، لم يكن يحوي ضباطاً وعناصر من الجيش النظاميّ، بل عدداً من العاملين المدنييّن فيه، وأدى إلى دمار وتخريب مئات المحلات التجاريّة والفنادق وقتل المدنييّن وتشويه سمعة الثورة. كما أنّه لا يخفى على أحد بأنّ مصادر التمويل والعتاد لجبهة النصرة بقي مستقلاً عن قيادة الأركان للجيش السوريّ الحر، وخارجاً عن أوامرها. كما أنّ هناك حقائق عن أن تمويل الجماعة يأتي أصلاً مما تتقاضاه من المخابرات السوريّة لقاء إشرافها وحصتها في النفط السوريّ في المناطق الشرقيّة من البلاد، وهذا لوحده كاف لنسف مصداقيّة مساندة الجماعة للثورة ضد نظام تقبض منه تمويلها الضخم. وكذلك القيام بتلطيخ سمعة الثورة السوريّة، ثمّ إثارة نزاعات مع الجيش السوريّ الحرّ وداخله، أو مع الكرد أو المسيحييّن أو الشيعة… وكثير من السيناريوهات التي تحتفظ بها المخابرات السوريّة لوقتها المناسب.

علاقة حزب الاتحاد الديمقراطيّ بالنظام السوريّ

لم يعد خافياً على أحد بأنّ الكرد قاموا بثورة كبيرة في عام 2004 ضد النظام السوريّ، وتمّ تحطيم تماثيل الرئيس الراحل حافظ الأسد في مدن وساحات محافظة الحسكة، لأوّل مرّة في التاريخ السوريّ، بعد مقتل عشرات الشبّان الكرد على يد الأمن السوريّ على خلفيّة مباراة لكرة القدم في ملعب القامشلي بتاريخ 12/3/2004. ووقتها لم تستفد الأحزاب الكرديّة المترهّلة من الفرصة التاريخيّة لصنع وزن حقيقيّ لها ولمناصريها ولبقية الكرد، إذ تمّ إنهاء الموضوع بوعود لن تتحقّق. وبعد تخاذل باقي المناطق السوريّة في الانتفاض مناصرة لإخوتهم الكرد، ولأنفسهم، ضد النظام السوريّ، بعد أن روّج النظام بأنّ الكرد، لكي يستفرد بهم، يريدون الانفصال عن سوريّا، وللأسف صدّقه الجميع. ووقتها لم يكن لحزب الاتحاد الديمقراطي وزن كبير في الجزيرة السوريّة، بل كان تواجده الساحق في عفرين وكوباني حيث منبع مقاتلي حزب العمال الكردستاني في حربه ضد تركيّا.

لم يتأخّر الكرد في الالتحاق بمظاهرات السورييّن ضد نظام الأسد، واختاروا وقتاً جيّداً لذلك بعد إصدار الرئيس بشار الأسد مرسوم منح الجنسيّة السوريّة لغير المجنسين منهم، كرشوة لهم تمنعهم من الالتحاق بالثورة، ولتخفيف العبء على النظام الحاكم وهو يواجه المناطق التي ثارت، حيث يشكّل الكرد نسبة 15في المئة من عدد سكان سوريّا. فخرج الكرد في تظاهرات ضخمة وهي تردّد: “ما بدنا الجنسيّة. نحنا بدنا الحريّة”. وناصروا درعا والثورة السوريّة من أجل إسقاط النظام، وبناء الدولة السوريّة الديموقراطيّة والتعدّدية. فما كان من النظام سوى الاتفاق مع الفصيل الكرديّ ذي الشعبيّة الأكبر للجم الكرد عن الانخراط في القتال مع الجيش السوريّ الحر، أو منع إيجاد حاضن شعبيّ له في المناطق ذات الغالبيّة الكرديّة؛ وعلى هذا الأساس قام “بتسليم” مقرّاته الأمنيّة في كافة مدن محافظة الحسكة، فيما عدا مدينتي القامشلي والحسكة، لعناصر حزب الاتحاد الديمقراطي. وهذا ما كان يثير الريبة في معرفة الوقت الذي سيلعب فيه النظام بالورقة الكرديّة كأحد عوامل سحق الثورة السوريّة.

في العلن كان يتحدّث عناصر حزب الاتحاد الديموقراطي، والعديد من قادته، عن وقوفهم إلى جانب الثورة لإسقاط النظام، وقام باحترام عناصر الجيش السوريّ الحر، من غير السلفييّن والجهادييّن، وتقديم الاسعافات لجرحاهم، ولم يقوموا بتسليم أيّ منهم للمخابرات السوريّة. كما أنّهم تعاملوا مع السياسييّن منهم بتقدير عندما كان يتمّ اعتقال ناشطين بحوزتهم وثائق أو أشرطة عن فظائع النظام في مناطقهم التي نزحوا منها، وتسهيل خروجهم من البلاد. ولكن في الوقت نفسه لم يكن يسمح بتواجد دائم لكتيبة من الجيش الحرّ داخل المناطق الكرديّة المدنيّة، كي لا تتعرّض للقصف من النظام. وما كان يُثير الانتباه بأن شقاقاً حصل بين حزب الاتحاد الديموقراطي وبقيّة الأحزاب الكرديّة؛ فكانت هناك تظاهرتان في كلّ جمعة؛ واحدة لمناصري حزب الاتحاد الديموقراطي، والثانية لمناصري بقيّة الأحزاب الكرديّة، وكان يفصل بينهما عشرات الأمتار فقط، وكلتاهما كانتا تدعوان لإسقاط النظام، وواحدة منهما كانت تدعو بالحريّة لعبد الله أوجلان، وشتم تركيّا.

ولكن في مناطق عفرين وكوباني، شمالي حلب، تحدّثت التقارير عن منع حزب الاتحاد الديمقراطي للشباب من التظاهر ضد نظام الأسد. وتطوّرت الأمور هناك إلى اعتقالات وإطلاق للنار وجرحى وعدد قليل من القتلى. وكان مبرّر الحزب بأنّ معسكرات تدريب ومخازن عتاد توجد في تلك المنطقة، ولا تريد تواجد الجيش الحرّ هناك، كي لا يتم كشف المكان واستهدافه من طيران ومدفعيّة قوّات النظام.

في شهر حزيران من العام الجاري سلّم حزب الاتحاد الديموقراطيّ للنظام الأسلحة التي استلمها منه في وقت سابق، وهي عبارة عن بنادق روسيّة وقذائف آر بي جي ودوشكا وبعض السيارات، وذلك كرسالة من النظام لهذا الحزب كي يعلم بأنّه ما زال مسيطراً على الوضع الأمنيّ في المحافظة. وفي وقت سابق قامت المدفعية بضرب ثلاثة أحياء تقع تحت سيطرة الحزب كرسالة واضحة أيضاً بأنّ لا أحد بمنأى عن مرمى نيران الجيش السوريّ إذا تمرّد. لذلك يبدو أنّه رغم العلاقة الواضحة للحزب مع مخابرات النظام السوريّ، التي وجّهت تهديدات لعشائر عربيّة بعدم التعرّض لتوسّعات الحزب وقوّاته في أحيائهم، إلا أنّ هذه العلاقة مبنيّة على عدم الثقة من الطرفين. فالحزب لم ينس ما قام به النظام برئيس حزبه الأم، ولا بالإعدامات الميدانيّة لرفاقهم، وزجّ آخرين في السجون لمدد طويلة. والنظام لا يريد تقوية الحزب لدرجة المطالبة بالفيدراليّة على الأقل، وخسارة مناطق غنيّة بالنفط والقطن والقمح والشعير والمياه. وهناك ثقة لدى المستقلّين من الكرد بأنّ حزب الاتحاد الديموقراطيّ لا بدّ سينقلب على النظام السوريّ في الوقت المناسب.

علاقة حزب الاتحاد الديمقراطي بالثورة السوريّة

في اجتماع ممثلي مدينة الحسكة في كنيسة “الناصرة”، لتسمية مجلس محليّ للسلم الأهلي في المدينة، وتشكيل لجان حماية للأحياء من النهب والخطف والقتل المتزايد، طالب ممثلو حزب البعث العربي الاشتراكيّ بأن يُقاتل عناصر تلك اللجان عناصر الجيش السوريّ الحرّ إذا دخلوا إلى مدينة الحسكة. فاعترض ممثلو حزب الاتحاد الديموقراطي على هذا الطلب؛ وبرّروا ذلك بأنّ هذه اللجان هي من أجل الحماية من أعمال النهب واللصوصيّة، وبأنّ عناصر الجيش السوريّ الحرّ ليسوا لصوصاً؛ بل هم أصحاب قضيّة ضد النظام. ونحن لن نعطي الأوامر لعناصرنا بمحاربتهم، وفي الوقت نفسه ان نحارب قوّات النظام، ولن نسمح لكلا الفريقين بالتمركز في المناطق ذات الأغلبيّة الكرديّة. فانسحب ممثلو حزب البعث احتجاجاً على ذلك.

يمكن لهذه الصورة، التي تكرّرت مراراً، أن توضّح موقف حزب الاتحاد الديموقراطي العلنيّ مع الثوار من جهة، ومع النظام السوريّ من جهة أخرى. فهو لا يريد أن يكون طرفاً ضد طرف في النزاع، ولا يريد أن تكون مناطقه “المدنيّة” منطلقاً أو هدفاً للعمليّات العسكريّة، بعد الدمار الذي لحق بالمدن والمدنييّن في المناطق المدنيّة المنكوبة من سوريّا.

سياسة حزب الاتحاد الديمقراطي

استطاع حزب الاتحاد الديموقراطي أن يُوسّع قاعدته في الجزيرة السوريّة، ليس بين الكرد وحسب، بل حتى لدى المسيحييّن والعرب؛ فالمناطق التي يقوم الحزب بالتواجد فيها انعدمت فيها تقريباً حالات السرقة والنهب والخطف مقارنة بالأحياء الأخرى. كما أنّه انتبه للأمن الاقتصاديّ للمواطنين، فقام بحماية قوافل الطحين والخضار والمواد الطبيّة والغذائيّة، لقاء مبالغ معيّنة، من عصابات اللصوص التي كانت تمنع وصولها إلى المدن. كما أنّه اتبع سياسة الحوار والمشاركة مع المكوّنات الأخرى في الجزيرة السوريّة؛ لدرجة أنّه صارت تلك المكوّنات، الشعبيّة منها خصوصاً، تدافع عن سياسة الحزب.

ما أراده النظام من دعم حزب الاتحاد الديموقراطيّ، كهدف أوّل، هو ضرب الصفّ الكرديّ نفسه؛ وهذا ما حدث بالفعل لجهة التنافر والعداء بين حزب الاتحاد، ومعه حزب اليسار والتقدميّ من جهة، وبقيّة الأحزاب الأربعة عشر من جهة أخرى. وهذا ما استدعى عقد مؤتمر “هولير” في كردستان العراق، حيث تمّ تشكيل “الهيئة الكرديّة العليا” كهيئة مشتركة آمرة وناظمة للأوضاع في المناطق ذات الأغلبيّة الكرديّة في سوريّا. ولكن سرعان ما انسحب حزب الاتحاد الديموقراطيّ عندما طلب المؤتمرون وضع قيادة عسكريّة مشتركة، وبأنّ لا تكون تحت قيادة حزب الاتحاد الديموقراطي فقط. وكان انسحاب الحزب دليل الأحزاب الكرديّة الأخرى على تعالي حزب الاتحاد، وعلى “انتهازيّته” ورغبته في الانفراد بالناحية العسكريّة، حيث يمكن أن ينقلب على الجميع، كصورة مستنسخة لحزب البعث العربيّ الاشتراكيّ. وبالصورة نفسها عاد الحزب عن انسحابه، في مؤتمر هولير2، ووضع كلّ إمكانيّاته تحت تصرّف الهيئة الكرديّة العليا، وذلك لتحقيق شعبيّة أكبر بين كرد المنطقة ومناصري الأحزاب الكرديّة الأخرى، ففي الظاهر كان يضع علم الهيئة الكرديّة أعلى من علم حزبه، ولكنّه في الواقع صار هو المتحدّث باسم الهيئة! وأعلن بأنّ قوّات حماية الشعب، (يا با كا)، وقوّات الشرطة، (أسايش)، تابعة للهيئة الكرديّة العليا وليس لحزب الاتحاد الديمقراطي! ، وبذلك استأثر بكلّ شيء بسياسة ذكية، لا تخرج عن الانتهازيّة أبداً، وفي الوقت ذاته استبعد كلّ الأحزاب الكرديّة الأخرى، والمجلس الوطني الكرديّ، عن الساحة تماماً، وصار الأمر وكأنّها هي التي تتقاعس عن التعاون! بمعنى أنّه صار هو الحزب القائد للدولة والمجتمع في غربي كردستان.

هذه السياسة زادت مخاوف الأحزاب الكرديّة، التابعة بسياستها ورؤاها، بشكل أو بآخر، لإقليم كردستان العراق، التي شكّلت المجلس الوطني الكرديّ، المشارك في ائتلاف المعارضة السوريّة. ومن جهة أخرى زاد من خطورة المواجهة بين مناصري الكتلتين عسكريّاً خصوصاً.

أدخل الحزب الديمقراطي الكرديّ، جناح عبد الحكيم يشار، 72 مقاتلاً من عناصره إلى الداخل السوريّ كمشاركين في القوّة العسكريّة للهيئة الكرديّة العليا، إلا أنّه تمّ اعتقالهم من قوّات حماية الشعب، وإطلاق سراحهم بعد عدّة أيام، ولكن مع توجيه رسالة واضحة بأنّ حزب الاتحاد الديموقراطيّ لن يسمح بتواجد قوّات أخرى على الأرض من غير عناصره، أو تحت قيادته. ومن أجل ذلك كان يقوم الحزب بتجنيد المهمّشين والعاطلين عن العمل وحتى المجرمين منهم، وتسليمهم مسؤوليات تُعيد الاعتبار لشخصيّاتهم المهمّشة من جهة، ولأنّهم سيتحلون بالطاعة العمياء لأوامر الحزب من دون نقاش من جهة أخرى. في تلك الأيّام ظنّ الناس بأنّ خطّة المخابرات السوريّة في اقتتال الأحزاب الكرديّة باتت على الأبواب، إلا أن الأحزاب الكرديّة التزمت بميثاق هولير بعدم الانزلاق إلى ذلك السيناريو المأسويّ، الذي لن يخدم سوى النظام السوريّ في حربه على الشعب.

النفير الكرديّ وحلّ دمهم

بعد فشل الخطّة الجهنميّة في خلق الشقاق بين مناصري الأحزاب الكرديّة، وبعد مخاوف النظام نفسه من عدم مصداقيّة حزب الاتحاد الديموقراطيّ في علاقته المتفق عليها مع النظام، في تحييد المنطقة الكرديّة عن التحالف مع الجيش السوريّ الحر. وبعد الهدنة التي أعلنها عبد الله أوجلان مع تركيّا، وسحب مقاتليه من هناك نحو شمال العراق وسوريّا، كان لا بدّ من لعب ورقتي جبهة النصرة وحزب الاتحاد الديموقراطي ضد بعضهما البعض؛ وذلك لتحقيق هدفين؛ أحدهما داخليّ والآخر خارجيّ؛ فعلى الصعيد الداخلي يتم التخلّص من الورقتين معاً، بإنهاء تطلّعات حزب الاتحاد الديموقراطي، وسحب القوّة من بين يديه، بخاصّة بعد إعلان مشروع “الإدارة الذاتيّة”. وتصوير الوضع من جديد على أنّه بوّابة للتقسيم، وهو المشروع الذي طرح النظام مخاوفه من أنّ الثوّار يريدون ذلك، بعد فشل النظام في مسألة الحرب الأهليّة، التي عمل على إشعال النار تحتها مراراً. وعلى الصعيد الخارجيّ يتم تمييع قضية الشعب السوريّ في الحريّة والعدالة، إلى منحى آخر؛ بأنّ جزءاً من السورييّن، وهم الكرد، يتعرّضون للإبادة على يد “الجماعات الإرهابيّة المسلّحة”. وهو ما يعني إطالة أمد الأزمة السوريّة بدل إيجاد مخارج وحلول لها. ولكي يبيّن النظام للعالم أجمع بأنّه هو الضامن الوحيد لعدم حدوث حرب أهليّة أو تقسيم للبلاد.

لكلّ ذلك بدأت الحرب المفتعلة بين جبهة النصرة وقوّات حماية الشعب، حتى قبل إعلان مشروع الإدارة الذاتية، بالأسلحة الخفيفة والثقيلة، ومن داخل الأراضي التركيّة في كثير من الأحيان. وقتل لحد الآن عشرات المقاتلين من الطرفين. وفي الوقت الذي أحلّت فيه الجبهة دم الكرد وأموالهم وأعراضهم، أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي النفير العام للكرد، للدفاع عن دمائهم وأموالهم وأعراضهم. وهذا كان يعني بداية النفير للاقتتال العربيّ الكرديّ في منطقة الجزيرة السورية. ولكن ما لم يتوقّعه النظام، ولا جبهة النصرة، وربّما حزب الاتحاد الديموقراطيّ نفسه، هو تطوّع الكثير من الشبّان من عرب المنطقة للقتال مع الكرد ضد جبهة النصرة. وببدء التفكير الجدّي من قبل الأحزاب الكرديّة الأخرى بالالتحاق بالنفير الذي أعلنته قوّات حماية الشعب، في صدّ محاولة جبهة النصرة من الدخول إلى المنطقة المتنوّعة الأديان والأعراق والطوائف، وارتكاب المجازر فيها، وبأنّ المخطوفين من المدنييّن الكرد، الذي زاد عددهم عن 500 مختطف لحد الآن، بينهم نساء وأطفال، وتمّ تصفية أكثر من ثلاثين منهم، ليسوا عناصر من حزب الاتحاد الديمقراطيّ فقط، خاصّة مع إطلاق السيد مسعود البرزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، تهديده الأخير؛ بأنّ قوّات البشمركة جاهزة لمساندة كرد سوريّا في قتالهم جبهة النصرة، ولو كان ذلك باقتحام الحدود السوريّة. وهي رسالة واضحة للأحزاب الكرديّة الموالية للبرزاني بالالتحاق بالنفير الكرديّ، سيجعل الوقت أقصر للموافقة الشعبيّة، وربّما الدوليّة، على مشروع الإدارة الذاتيّة المشتركة، أو الحكم الذاتي في “غربي كردستان”.

المستقبل

الأكراد يغيّرون قواعد اللعبة

سمير العيطة

الملفّ الكردي أحد أكثر الملفّات تعقيداً في أيّ حلّ لما يحدث في سوريا. أهمّ خصائصه صعود المشاعر القوميّة لدى الأكراد، وانتظامهم في أحزاب سياسيّة عديدة جدّاً. واللافت أنّ هذه الأحزاب كانت تعقد مجالسها منفردة في أعياد النيروز، ولم توحّد تحرّكاتها سوى أثناء أحداث الثورة السوريّة، في إطار مجموعتين متنافرتين. وقد ضمّ المجلس الوطني الكردي معظم الأحزاب المناهضة للاتحاد الديموقراطي الأكثر تمرّساً وذي العلاقة التاريخيّة مع حزب العمّال الكردستاني التركي.

انضوى الاتحاد الديموقراطي تحت لواء هيئة التنسيق الوطنيّة السورية منذ إنشائها، ووقع على “عهد الكرامة والحقوق” الذي أقرّ في مؤتمر حلبون في 17 أيلول 2011 بـ”الحقوق الثقافية والسياسية لكلّ (الـ)مكوّنات وتطلّعها للتطوّر والرعاية باعتبارها جزءاً أصيلاً ومكوّناً رئيساً لجسد الشعب السوري الموحّد”، مقابل أنّ “سوريا جزء من الوطن العربي”. كذلك جاء إنشاء المجلس الوطني الكردي نتيجة فشل محاولة ضمّ الأحزاب الكرديّة الأخرى إلى المجلس الوطني السوري الذي أسّس في اسطنبول. ومذ ذاك بدأ الموضوع الكرديّ يأخذ الحيّز الأكبر من كلّ مؤتمرات المعارضة، كما حدث عند خروج الأحزاب الكرديّة من مؤتمر القاهرة في 3 تموز 2012. فهل يضع السياسيّون الأكراد مسألتهم القوميّة كأولويّة أم حريّة الشعب السوري كاملاً؟

لا ينتج التعقيد عن تخبّط المعارضة السوريّة وألاعيب السلطة السوريّة الخبيرة في هذا الملفّ أكثر من غيرها فحسب، وإنمّا أيضاً عن التجاذب بين إربيل والسليمانيّة وقنديل، وبين طهران وأنقرة وعواصم الخليج. ويدلّ على فشل تركيا أردوغان في التعامل مع قضيّة ظنّت أنّ ورقتها الأساس تكمن في الهيمنة على المجلس الوطني السوري، وحلّها يبدأ في جزيرة إمرالي (حيث يحتجز عبد الله أوج ألان)، وينتهي في إربيل. واللافت أنّه بعد انطلاق المعارك العسكريّة “لتحرير” الشمال السوري لم تتحرّك أبداً لمنع الصدام المسلّح بين التنظيمات التي تدعمها، خاصّة المتطرفة منها، والأكراد. فها هو الرئيس مسعود البارزاني حليف تركيا الأساس يتضامن كرديّاً مع الاتحاد الديموقراطي في مواجهة المتطرّفين.

هكذا بدأ هذا الملفّ يغيّر قواعد اللعبة السوريّة. فإذا انعقد “جنيف -2″، من المفترض أن يحضره المجلس الوطني الكردي، ذو العلاقات الجيّدة مع روسيا، وكذلك الاتحاد الديموقراطي. لكن هل سيحضر الأخير ضمن وفد كرديّ أم كمكوّن لهيئة التنسيق؟ وإذا استمرّ الصراع المسلّح هل ستكون الأحداث الأخيرة بداية لاصطفافات جديدة تنطلق من الخصوصيّة الكرديّة وتضع مجمل المعارضة بما فيها الجيش الحرّ في مواجهة التنظيمات المتطرّفة؟

الأكراد السوريّون جزء ممّا يدعى الغالبية السنيّة، لكنّ ثراء حركاتهم السياسية تجعل منهم بوتقة لتغيير الاصطفاف القائم. ومن تابع على الأرض عمل ناشطيهم المدنيين يعرف أنّهم بقوا شديدي الإخلاص لقضيّة وطنهم… سوريا.

تحولات في دواخل البلدان وفي المنطقة

رستم محمود *

يبدو مثيراً، أن يُنهي زعيم حزب سياسي كردي، صالح مسلم، زيارته الرسمية لإيران، ليُعلن بعدها بأنه سوف يقوم بزيارة لتركيا في الأيام القريبة القادمة، وأن يقيم لأيام بين الزيارتين في العراق، التي زار رئيس وزرائها قبيل شهور قليلة، بدعوة رسمية أيضاً. المثير والمدهش، أن يُصرح هذا الزعيم السياسي الكردي، بأن إيران لا تعارض مشروع حزبه في الإدارة الذاتية، في مناطق نفوذه في الشمال والشمال الشرقي من سورية «حليفة إيران»، وأن تركيا في زيارته السابقة لها، كانت قد أعلنت عن رغبتها في التعاون مع حزبه وعموم الأكراد السوريين، والقبول بمطالبهم وإن ببعض الشروط، وأن رئيس الوزراء العراقي، قبل ذلك، كان قد عرض عليه أنواعاً من المساعدات الاقتصادية والتعاون السياسي.

ما يلاقيه مسلم من أبواب مفتوحة وعروض ومحفزات من مجموع هذه الأنظمة السياسية، المتصارعة، تلاقي المنظومة السياسية الكردية العراقية أضعافها، اعترافاً وقبولاً ودعوة للتحالف السياسي، وذلك من كل هذه الدول المتصارعة. فالجميع يريد التقرب الى الأكراد، بموقعهم ووزنهم الديموغرافي والسياسي، والكل يريدهم الى جانبه في هذا التصارع. والكل في سبيل ذلك، يقبل بتجاوز ما كان خطاً أحمر بالنسبة له حتى البارحة القريبة، حتى لو كان ذلك التنازل مقدماً لأكراد بلدانهم أنفسهم، الشيء الذي كان يُعتبر، حتى أوقات ماضية قريبة، مساً بالأمن القومي لهذه الأنظمة.

ما ضاعف قيمة وحجم الأكراد في ملعب السياسة الإقليمية الراهنة، اجتماع ظرفين سياسيين خاصين بالأكراد، مع عاملين سياسيين عموميين. الظرف السياسي الأولي يتعلق بتعمق وتمدد الصراع المذهبي السنيّ-الشيعيّ، وتحوله أساساً في الشرخ بين المنظومات السياسية ومجتمعات هذه الدول، وهو صراع لا يبدو كل الأكراد مبالين به: فبرغم انتمائهم الأولي لـ»الإسلام السنيّ»، فإن نزعتهم الإيديولوجية القومية ما زالت طاغية على معظم تعبيراتهم وتنظيماتهم السياسية. بذلك تستطيع فاعلياتهم السياسية تحويل «ولاءاتها» وتحالفاتها السياسية، من دون ضغط أو عائق ناتج من مناخ هذا الصراع المذهبي. وهم في ظل هذا الشرخ المذهبي، يظهرون كبيضة القبان بين كتلتين شبه متساويتين في هذا التصارع.

الأمر السياسي الآخر يتعلق بمستوى التنسيق والتآلف الذي تمارسه في ما بينها التيارات السياسية الكردية في هذه البلدان الأربعة، من دون أن تتعثر في ما كانت تلقاه في التسعينات، حين كان تناحر الأخوة-الأعداء يغطي مشهد علاقاتهم الداخلية. فكسب أي طرف إقليمي لتيار سياسي كردي ما، يعني بالضرورة، كسبه النسبي لعلاقة جيدة مع باقي الأكراد، في الدول الأخرى.

العاملان العموميان في هذا السياق، يتعلق الأول منهما بضمور قدرة هذه الدول على قمع بروز الأكراد كلاعب سياسي، داخلي وإقليمي. فمع تفككها كدول مركزية وذات هيبة على شعوبها، تفككت قدرتها على لجم صعود الكرد، كأعضاء حيويين تحرروا مع تحرر شعوب هذه الدول من مركزيتها وهيبتها. يضاف إلى ذلك أن الأكراد بقوا محافظين على مستوى عال من الحساسية والفاعلية السياسية، وخرجوا من مسيرة الاستبداد في هذه الدول بأقل قدر من البلادة والسلبية والقنوط مما أصاب بنى هذه المجتمعات وعلاقتها بالسياسة، حيث سقطت بسهولة في جعبة التيارات السياسية الدينية المحافظة، فيما الأكراد نجوا من هذا بشـكل نسبي. لذا، فـ «الاستحواذ» على الأكراد، يعني بالضرورة الاستحواذ على مـادة كامنة ناشطة في الفاعلية الـسـياسـية على مدى المنطقة كلها.

يتعلق العامل الأخير بتحولات جغرافيا الحضور الكردي، إذ لم يعد متاحاً، كما قبل، استخدامهم من قبل أية دولة ضد دولة أخرى، وقد بدأ هذا التحول مع الرعاية الدولية للأكراد العراقيين في بداية التسعينات، وهي الرعاية التي أعتقتهم من «نير» التحكم الإيراني بمصائرهم، وتواصلت مع خفوت السـيطرة الـسـورية عـلى المـلف الـكردي في تركيا بعيد تخليها عن زعيم حزب العمال الكردسـتاني عبدالله أوجلان، وتمت مع تحول الإقليم الكردي الفيديرالي في العراق إلى حيز للرعاية السـياسية والإعلامـية واللوجستية لباقي أكراد المنطقة. وهذا ما كان قبلاً يتطلب ولاء الأكراد لإحدى الدول الإقليمية.

مع تحرر الأكراد من المساومات الإقليمية المتبادلة تلك، حيث كانوا ضحايا الكثير من مقايضاتها طوال القرن العشرين، بات السعي الحثيث للمقايضة معهم بشكل مباشر. وفي ظل هذا اللهاث الإقليمي المفتوح، للتحالف مع أكراد الإقليم، يبدو المجال واسعاً أمامهم للإندماج السياسي في مجتمعاتهم الوطنية، بظروف ومناخات أكثر «عدلاً» مما كان متوافراً، لكنها شروط تغري أيضاً بمتابعة الأكراد لمشروعهم القومي التقليدي. بلى، ثمة حيرة كردية غير قليلة.

* كاتب كردي.

الحياة

الكرد ومصير علاقتهم بسوريا

غازي دحمان

إذا كان للمكوّنات السورية الأخرى سبب للثورة على نظام الحكم الجائر في بلادهم، فإن ثورة الكرد تتزاوج في داخلها أسباب الظلم والتمييز والتهميش. وإذا كان يحسب لأنظمة العسكر السورية عدالتها في توزيع الظلم على كافة مكونات المجتمع السوري العرقية والطائفية، فإن الكرد إضافة لذلك، عانوا من التهميش المقصود والعزل السياسي، بالإضافة إلى التشكيك الدائم بوطنيتهم.

هذه الخلفية والعوامل المشكلة لها، جعلت مشاركة المكوّن الكردي في الثورة السورية منذ بدايتها تبدو أمراً طبيعياً، رغم أن نظام الحكم إتبع إستراتيجية التمييز لشق صف الثورة وتفتيتها، حيث لم يعمد إلى إتباع القوة العنيفة في مواجهة الحراك الكردي، الذي عمّ في أغلب المناطق الكردية. كما حاول النظام إضعاف وعزل القوى الثورية في المجتمع الكردي من خلال طرحه للحوار مع بعض الشخصيات القريبة منه والنافذه في المجتمع الكردي. وهي الواجهات السياسية والإجتماعية التي صنعها على مدار عقود، وسعى من خلالها إلى إختراق المكونات السورية، كما عمل النظام على الإستجابة لبعض المطالب التاريخية المحقة للكرد.

غير أن الكرد شأنهم شأن بقية المجتمع السوري، يعانون من الإنقسامات والأمراض السياسية التي يعيشها مجتمعهم الأم، واستطاع النظام أن يوجد ركائز له داخل المجتمع الكردي كان لها الأثر في التشويش على الحراك الكردي، والتأثير في مساراته ومآلاته، الأمر الذي بدأ يطرح تساؤلات مهمة حول مستقبل علاقتهم بسورية الدولة والثورة.

ثمة رأي يقول بإستمرار الكرد ضمن النسيج الوطني السوري، رغم تمايز المطلبية الكردية في بعض النقاط عن مطلبية نظرائهم العرب، وإرتباطهم بالإطار الكردي الأشمل. ووفق هذا الرأي، فإن الروح القومية لكرد سوريا انتعشت بوصفها رد فعل على سياسات التمييز والإنكار التي مورست ضدهم لعقود من الزمن. وصحيح شكّهم وعدم الاطمئنان للوعود التي تقدم لهم، بدافع من إحساس عميق بالتهميش، تراكم تاريخياً لديهم، وشعورهم بأنهم كانوا دائما وقودا لمختلف القوى السياسية المتصارعة، التي ما إن حققت أهدافها حتى تناست ما رفعته من شعارات لرد المظالم.. لكن الصحيح أيضاً، أن الهموم القومية للكرد السوريين لم تتطور بوصفها اتجاها عاما، كهموم مستقلة وبالقطع مع الهموم الوطنية، ولنقل بثقة إنها لم تطرح يوما بوصفها سمة غالبة على حساب الولاء للوطن. والحال، إذا استثنينا قلة من الأصوات التي لا تزال تروّج لأفكار متطرفة عن الانفصال، فإن الحراك الكردي يتفق عموما على شعارات تؤكد الانتماء السوري، وتدعو إلى الحريات العامة وإلغاء التمييز، وتمتين أواصر الأخوة العربية الكردية.

ويعزز هذا التوجه حجته بحقائق ومعطيات جغرافية صلبة، إذ لا يسمح توزّع المجتمعات المحلية الكردية السورية الراهنة، بحكم تباعدها الجغرافي الكبير جداً، بأيّ حديثٍ ممكن عن مجتمعٍ كرديّ متواصل وممتدّ جغرافياً ومناطقياً وبشرياً يشكّل ما تمّ اختراعه باسم “كردستان الغربية”، وأحياناً “غرب كردستان”، ويسمح بتصوّر قيام إقليم كرديّ سوريّ على غرار إقليم شمال العراق، إذ تفتقد وحدات المجتمع الكرديّ السوري الإجمالي تماماً إلى ما يتميّز به المجتمع الكرديّ في كلّ من كردستان تركيا وكردستان العراق من تواصلٍ مناطقيّ وجغرافيّ وبشريّ، وهو ما تنمذجه حالة المجتمع الكرديّ المحليّ في عفرين، بينما الاتصال البشري الكرديّ ما بين كرد عين العرب وكرد الجزيرة يمرّ بتداخلات سكانيّة عربية كثيفة، فضلاً عن أنّ محافظة الجزيرة نفسها متعدّدة الإثنيات.

وبذلك، لا يسمح هذا التوزّع بأيّ طرحٍ لحلّ “المسألة الكردية السورية” على قاعدة مفهوم “كردستان الكبرى” خارج الإطار الوطنيّ السوري، من دون إرباك وإعادة رسم الحدود السياسية القائمة للدول الراهنة. وهذا غير واقعيّ على المستويات المختلفة في منظور العقود الثلاثة المقبلة على الأقل، فالتماس البشريّ الجغرافيّ كاملٌ بين كرد القامشلي وكرد كردستان تركيّا، لكنّه ضعيف جغرافياً وبشرياً مع كرد إقليم العراق، وتتخلّله مناطق عربيّة كثيفة ومناطق متداخلة عربيّة وكرديّة، كما أنّ المسألة السورية تختلف عن المسألتين التركية والعراقية، ففي العراق وتركيا يعيش الكرد فوق أرضهم التاريخيّة، بينما كرد الجزيرة في معظمهم مهاجرون من كردستان تركيا إلى الجزيرة السورية.

رأي أخر يرى الأمور من زاوية مختلفة، ويلفت النظر إلى جملة المعطيات التي ترسخت في العامين الماضيين من عمر الثورة السورية، حيث أدى إنسحاب قوات النظام والجيش الحر من المناطق الكردية إلى تسلم قوات كردية تابعة لتنظيمات سياسية معروفة أمر تسيير الأمن وإدارة المناطق، ويرفع بعض هذه القوى شعار الإنفصال عن سوريا، أو إدارة المناطق المحررة بشكل منفصل عن الوضع السوري عموماً، ولعل ما يزيد من شكوك أصحاب هذا الرأي بتلك التوجهات، حقيقة الإندماج الحاصل بين القوى الكردية السورية وكرد إقليم كردستان بزعامة مسعود برزاني. ويذهب هؤلاء أبعد من ذلك عبر تأكيدهم أن راية كرد سوريا باتت معقودة بيد البرزاني.

ولعل ما يعزز من وجهة النظر هذه سلوك بعض الأطراف السياسية الكردية المنضوية في الأطر القيادية للثورة السورية، وبخاصة بعض الأحزاب المشاركة في مجالس قيادة الثورة والتي طالما عمدت إلى عزل نفسها عن الحدث السوري بعموميته مع التركيز على قضية المطالب الكردية وحدها، في الإدارة والحكم وصياغة الدستور وإسم الدولة، وإتباع إستراتيجية الانسحاب أمام أي ملف إشكالي من وجهة نظر هذه القوى، وكذلك إتباع تكتيك خذ وطالب، بمعنى كلما حصلت الأطراف الكردية على مطلب تعمد إلى رفع سقفها والبحث في مطالب جديدة، ترى القوى السياسية السورية الأخرى بأن الوقت ليس وقت طرح مثل هذه القضايا، مما يدفعها إلى الشك في حقيقة المشاركة الكردية في الثورة السورية عموماً.

لا يلغي كل ذلك حقيقة تضحيات الكرد و مشاركتهم الفاعلة في الثورة السورية والدور الريادي الذي لعبوه في مختلف المجالات، وليس من المتوقع أن تنتهي مثل تلك الإشكاليات في وقت قريب، رغم أنها قد تبدو من منظار أخر إشكالات صحية وصحيحة ويمكن إدراجها ضمن سياق تصحيح الخلل في الوضع السوري عموماً، غير أن ذلك يتطلب من النخب السورية العربية والكردية أن تدرك هذه الحقيقة، وتبادر جميعها لتحرير سياساتها مما يشوبها من حسابات ضيقة وأنانية ومن تعصب قومي، وتقديم الأهداف الديموقراطية العامة على ما عداها.

غازي دحمان

المستقبل

دراسة حول التوزع السكاني في محافظة الحسكة السورية

مقدمة :

هذه الدراسة هي تحديث لدراسة سابقة قام بها التجمع ، وتلقى من خلالها عدة ملاحظات وتنبيهات لبعض الأخطاء ، قام مكتب الدراسات بالنظر في تلك الملاحظات وتصحيح الأخطاء .

اعتمدت الدراسة السابقة على توضيح توزع المكون العربي والكردي باعتبارها أكبر مكونات المحافظة . ونظراً لتلقينا اقتراحات من الأخوة الكلدوآشور بضرورة توضيح توزعهم أيضاً بالمحافظة قام مكتب الدراسات في التجمع الوطني للشباب العربي بإعادة الدراسة من جديد بعد إضافة المكون الكلدوآشوري السرياني .

مبدأ دراسة التوزع السكاني في محافظة الحسكة :

انطلاقا من أيماننا المطلق بأن الأرض تتسع للجميع ، وأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال قبول الدعوات الإقصائية من أي جهة كانت ، وأن الشعب السوري بتنوعه العرقي والثقافي هو يشكل لوحة متكاملة بجميع ألوانها وأطيافها ، ونظراً لازدياد حملات التشويه التي تمارسها بعض الأطراف بشكل ممنهج ، والتي تهدف لتزوير تاريخ المنطقة ، أو هويتها ، أو حتى واقعها الديموغرافي أو هوية وثقافة مكوناتها فإننا انطلقنا بهذه الدراسة التي ألتمسنا فيها الحيادية وأسلوب البحث العلمي وحاولنا قدر المستطاع وبما يتوفر لدينا من إمكانيات محدودة الوقوف على منطقة الحسكة التي لم تكن بمعزل عن مخاض الادعاءات والتزوير لتاريخها وواقعها بغرض تحقيق مكاسب سياسية أو مطالب ذات طبيعة قومية تهدف لتحقيق أهداف وسيطرة لمكون دون آخر ، الأمر الذي يتنافى تماماً مع واقع المحافظة التي تتعايش فيها قوميات مختلفة بشكل يصعب الفصل بين تلك المكونات نظراً لتداخلها وتعايشها وتاريخها المشترك ووحدة آلامها و آمالها.

من هنا نقول أن هذه الدراسة لم تأتي لمحاولة التمييز القسري بين مكونات المجتمع ، إنما جاءت رداً على عشرات الدراسات التي حاولت أن ترسم مستقبلاً شوفينياً ومظلماً للمحافظة عبر نشرها لمعلومات مغلوطة واعتماد تزوير الواقع برسم خرائط قومية لا تعبر عن ثقافة المنطقة.

ونؤكد عبر هذه الدراسة بأن مكونات الشعب السوري عموماً وأبناء الجزيرة خصوصاً هم نتاج حضاري وأخلاقي لتجارب العيش المشترك بين مكونات أصيلة في المنطقة وعريقة ، لا يمكن لأي منها نفي أو أقصاء الآخر تحت أي ذريعة أو مسمى.

ملاحظة يمكن تحميل الخارطة بدقة عالية على الرابط التالي :

http://www.4shared.com/photo/IVeeDdVc/final_map_with_syrian822.html

نتائج دراسة التوزع السكاني في محافظة الحسكة بحسب مكونات المحافظة :

كما هو موضح من الخارطة فإن محافظة الحسكة مقسمة إدارياً إلى أربعة مناطق هي و بالترتيب من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي : منطقة المالكية، القامشلي ، رأس العين ، الحسكة .

لقد قمنا بدراسة التنوع القومي الموجود في المحافظة ، وبحسب كل منطقة ، وبينّا كيفية التوزع القومي في قرى المحافظة و الذي ينعكس على المدن ، والتي أنشأ معظمها أيام الأنتداب لسوريا .

توزع القرى في منطقة المالكية

يتبع للمالكية إدارياً ناحيتين مهمتين هما ناحية اليعربية و ناحية الجوادية وبلدة رميلان ، يبلغ عدد القرى التابعة لمنطقة المالكية (ديريك) 294 قرية موزعة كالآتي:

115 قرية كردية في منطقة المالكية نسبتها 39.11 %

148 قرية عربية في منطقة المالكية نسبتها 50.34%

16 قرية سريانية آشورية نسبتها 5.44 %

14 قرية مختلطة بين المكونات (عربي +أكراد) نسبتها 4.76 %

1 قرية مختلطة بين المكونات (سرياني +أكراد) نسبتها 0.34 %

توزع القرى في منطقة القامشلي

يتبع للقامشلي إدارياً عدة بلدات ونواحي مهمة هي : ناحية عامودا و ناحية القحطانية (قبور البيض ) و ناحية تل حميس وبلدة جزعة ، كما يتبعها عدد كبير من القرى تبلغ 549 قرية ويتوزع فيها السكان كالآتي :

185 قرية كردية في منطقة القامشلي و نسبتها 33.70 %

345 قرية عربية في منطقة القامشلي ونسبتها 62.28 %

6 قرى سريانية آشورية في منطقة القامشلي ونسبتها 1.1 %

9 قرى مختلطة بين المكونات (عرب +أكراد) نسبتها 1.64 %

3 قرية مختلطة بين المكونات (عرب + سريان ) نسبتها 0.55 %

1 قرية مختلطة بين المكونات (سريان +أكراد) نسبتها 0.18 %

توزع القرى في منطقة رأس العين :

يتبع لمدينة رأس العين إدارياً ناحية مهمة هي ناحية الدرباسية ، كما يتبعها عدد كبير من القرى تبلغ 279 قرية ويتوزع فيها السكان كالآتي :

96 قرية كردية في منطقة رأس العين ونسبتها 34.41 %

167 قرية عربية في منطقة رأس العين ونسبتها 59.85 %

16 قرية مختلطة بين المكونات (عرب + أكراد ) نسبتها 5.37 %

توزع القرى في مدينة الحسكة

مدينة الحسكة هي مركز المحافظة ، يتبعها إدارياً عدة بلدات ونواحي مهمة وهي : تل تمر ، الهول ، الشدادي ، العريشة ، مركدة ، بئر الحلو ، كما يتبعها عدد كبير من القرى تبلغ 595 قرية ويتوزع فيها السكان كالآتي :

57 قرية كردية في منطقة الحسكة ونسبتها 9.58 %

501 قرية عربية في منطقة الحسكة ونسبتها 84 %

28 قرية آشورية في منطقة الحسكة ونسبتها 4.7 %

9 قرى مختلطة بين المكونات (عرب + أكراد ) نسبتها 1.51 %

الإجمالي في أعداد القرى وتوزعها على مستوى كامل محافظة الحسكة :

مجموع قرى محافظة الحسكة والتي تم حصرها من خلال الدراسة على واقع القرى الحالي هو 1717 قرية ، موزعة على أربع مناطق أدارية بحسب المدن التالية ( الحسكة ، رأس العين ، القامشلي ، المالكية) كما ويتبع المحافظة حوالي 14 ناحية وبلدة تشكل تجمعات سكانية هامة وهي : ( مركدة ، الشدادي ، العريشة ، الهول ، البئر الحلو ، تل حميس ، تل تمر ، الدرباسية ، عامودا ، القحطانية (قبور البيض) ، اليعربية (تل كوجر) ، الجوادية ، الرميلان ، جزعة).

وبناء على ما تقدم من تفصيل في التوزع السكاني في محافظة الحسكة ، يمكننا أن نجمل هذه الدراسة بالنتائج التالية:

إجمالي عدد القرى في محافظة الحسكة 1717 قرية

العدد الكلي للقرى العربية في المحافظة 1161 قرية وتشكل 67.62 % من أجمالي القرى.

العدد الكلي للقرى الكردية في المحافظة 453 قرية وتشكل 26.38 % من إجمالي القرى.

العدد الكلي للقرى الآشورية السريانية 50 قرية وتشكل 2.91 % من أجمالي القرى .

عدد القرى المختلطة (عربية + كردية) 48 قرية وتشكل 2.79 % من أجمالي القرى.

عدد القرى المختلطة (عربية +سريانية) 3 قرى وتشكل 0.17 % من أجمالي القرى.

عدد القرى المختلطة (سريانية+ كردية) 2 قرية وتشكل 0.12 % من أجمالي القرى.

ملاحظات للتوضيح :

ملاحظة (1): تم احتساب القرى الكردية والقرى اليزيدية على أنها قرى كردية .

ملاحظة (2): تم احتساب القرى التي تحوي أقلية تقل عن 10% من سكان القرية على أساس الأكثرية، علماً أن نسبة هذه القرى لا تتجاوز 5% من مجموع قرى المحافظة أي حوالي 75 قرية ، (ومثال ذلك : قرية تحوي مئة منزل 91 منها من المكون الكردي و9 من المكون العربي يتم أحتساب القرية على أنها ذات مكون كردي )

ملاحظة (3): تم احتساب القرى على أساس الوضع الراهن للسكان وليس على أساس الملكية على اعتبار أن معظم القرى تعود ملكيتها إلى شيوخ القبائل والعشائر ( قبل قانون الإصلاح الزراعي)

ملاحظة (4): في العقود الثلاثة الماضية حصلت هجرات كبيرة للسكان من الريف إلى المدينة، ما جعل من الصعوبة بمكان تحديد النسبة الحقيقية لسكان المدن وخاصة مدينة القامشلي، والتي تعتبر من المدن الحديثة التي أسست سنة 1922 والتي لم تكن موجودة ولم تحوي أي سكان قبل هذا التاريخ.

ملاحظة (5): أسماء القرى الموجودة على الخريطة هي الأسماء المعتمدة للقرى في الدوائر الرسمية، والخريطة الأساسية هي الخريطة المتداولة والمجمع على مصداقيتها، بينما تم الاعتماد على مئات الأشخاص القاطنين في مختلف القرى من ذوي الخبرة والمصداقية في تحديد ساكني القرى.

ملاحظة (6) الدراسات الديموغرافية في منطقة الجزيرة ليست بالأمر السهل ، لذلك ينوه التجمع الوطني للشباب العربي مسبقاً بأنه أحتمال أن تكون هناك نسبة خطأ لا تتجاوز 2% في هذه الدراسة ، وهي نسبة لا تؤثر على النتائج المستخلصة من الدراسة.

ملاحظة 7 : نرحب بجميع الأقتراحات والآراء والأعتراضات ، ونشكر جميع من يساهم في تصحيح وتقويم أخطائنا وبذل أي جهد في لفت نظرنا لأي خطأ او نسيان.

تنويه هام: الغاية من هذا العمل هي تسليط الضوء على الحقائق الديموغرافية في المحافظة بعد الأخطاء الكثيرة المتداولة في وسائل الإعلام بقصد أو بدون قصد والتي نقلت صورة بعيدة عن أرض الواقع الذي يدركه كافة سكان المحافظة.

فيما يتعلق بالأقليات فإن التجمع الوطني للشباب العربي أكد في جميع البيانات والتصريحات التي صدرت باسمه، على أنه ينظر إلى جميع مكونات المجتمع السوري بأنها التنوع الطبيعي والصحي والتاريخي والثقافي والفكري والاجتماعي، ويرفض التمييز بين أي مكون من هذه المكونات على أساس العرق أو الدين أو المذهب ، بل يعتبر أنه من الضروري أن يتساوى جميع المواطنين باختلاف انتمائهم لمكونات النسيج السوري على أساس حقوق المواطنة الكاملة والتي تسمح للمواطن مهما كان انتماؤه العرقي أو الديني أن يتبوأ أرفع المناصب في سورية الديمقراطية المدنية التعددية.

أما بخصوص موقف التجمع من الأخوة الأكراد و الذين يشكلون ما نسبته 25-30 % من عدد السكان في محافظة الحسكة وما نسبته من 8-10 % من مجموع سكان سوريا، فأننا ننظر إليهم كجزء أساسي لا يتجزأ من مكونات الشعب السوري، تعرضوا كباقي مكونات الشعب السوري للظلم والقهر والممارسات الاستبدادية، وحرم قسم كبير منهم من الحصول على الجنسية ولعقود طويلة وهذا ما نعتبره خرقاً لأبسط حقوق الانسان في الانتماء إلى كيان دولة، وقد كان لدماء السوريين في ثورتهم المباركة دوراً رئيسياً في حصول المحرومين عليها.

والتجمع الوطني للشباب العربي إذ يشدد على الأخوة التاريخية بين العرب والكرد، وإذ يعتبر أن المواطنة الكاملة المشار إليها مسبقاً هي ما يجب أن يجمع السوريين، وإذ يدعم الأخوة الكرد في الحصول على جميع حقوقهم الثقافية واحترام خصوصيتها ضمن أطار التعدد والتنوع الثقافي الوطني الواحد، فإنه يرفض كل دعوات الانقسام والتشرذم والاقتطاع بمسمياتها المتعددة، من انفصال أو فدرالية أو حكم ذاتي، ويرفض التجمع ما اصطلح تسميته حق تقرير المصير للكرد باعتباره يؤسس لظلم المكونات الأخرى حيث ينفرد المكون الأصغر بتقرير مسار ومصير المكونات الأخرى التي تشكل الأغلبية، ما ينذر لنتائج لا يستقيم معها استقرار المنطقة، علاوة على كونه “حق تقرير المصير” في الحالة السورية لا ينسجم مع القانون الدولي ولا تدعمه معاهدات الأمم المتحدة ذات الشأن. كما يرفض التجمع ما يسمى “الإقرار الدستوري بالهوية القومية للشعب الكردي” باعتباره يوفر أرضية قانونية تبقي الباب مفتوحاً أمام مطلب “حق تقرير المصير”، وفي هذا يدعم التجمع الوطني للشباب العربي اقراراً دستوريا باعتبار الكرد جزءاً أساسياً من الشعب السوري.

عاشت سورية حرة للجميع

التجمع الوطني للشباب العربي

مكتب الدرسات والبحوث

الحركة الكردية في سوريا … ماضي و حاضر

مهند الكاطع

هذا بحث و دراسة مختصرة عن الأكراد في سوريا ، آثرت من خلاله معالجة عدة نقاط وتوضيحها للقارئ وقسمته إلى الفقرات التالية:

 • مقدمة لا بد منها

• تاريخ الأكراد في الجزيرة سورية

• نشوء الأحزاب الكردية الحراك السياسي الكردي

• تطور الخطاب الكردي بعد بدء الثورة السورية ومحاولات التكريد

• رؤية المثقفين العرب للمسألة الكردية

مقدمة لا بد منها:

لا شك بأننا كسوريين تعرضنا للظلم والاضطهاد طوال فترة حكم العسكر، وبالأخص في عهد حكم حافظ الأسد ومن بعده بشار الأسد، ولم يكن هذا النظام المستبد عادلاً إلا في مسألة واحدة! وهي (( توزيع الظلم))، فقد وزع الظلم على أبناء الشعب جميعهم ، ونال الشعب السوري بمختلف مكوناته و أثنياته وطوائفه هذا القهر وهذا الظلم ، وكان الأكراد إحدى تلك المكونات التي تعرضت كباقي المكونات للظلم ، ونهدف من خلال هذه الدراسة تسليط الضوء على المسألة الكردية التي بدأت تتردد على الإعلام وتزداد و تيرتها في الفترة الأخيرة بدءً من حرب الخليج والحكم الذاتي لأكراد العراق في عهد صدام حسين وفرض ما يسمى كردستان العراق على المنطقة، و مروراً بمجريات الثورة السورية و محاولة الأكراد فرض ما يسمى مصطلح المناطق ذات الأغلبية الكردية ومصطلح (كردستان الغربية) أو الفيدرالية وغيرها من المصطلحات (العنصرية) إعلامياً ، والتي لم تكن موجودة أبداً في الخطاب السياسي الكردي السوري في السابق .

فالحركة السياسية والثقافية الكردية في سوريا لم تعتبر يوماً السكان الأكراد المتواجدين على الأراضي السورية جزءً من سكان ” كردستان” في أي مرحلة من مراحل الحركة القومية الكردية ، أنظر مثلاً تقرير جمعية خويبون عن سكان كردستان والذي نشره مركز الدراسات الكردي سنة 1948م حيث لا يشمل الإحصاء سوى أكراد تركيا وأيران والعراق! حيث كانت خويبون تُخرِجُ المناطق التي يتواجد فيها أكراد في سوريا ( الجزيرة ، عفرين ، عين العرب) من حدود كردستان! ولم يعتبروها يوماً أرضاً تاريخية للأكراد كما بتنا نسمع في الخطاب القومي والحزبي الكردي بعد بدء الثورة السورية سنة 2011 ، كما أن الساسة الكرد كانوا لا يضعون عدد الأكراد السوريين في اجمالي عدد سكان كردستان أبداً ، بل يشيرون إليهم على أنهم ( أكراد خارج كردستان) (1) ، راجع مثلاً الخريطة التي قدمها القوميين الأكراد سنة 1948م فانها توضح ان الجزيرة لم تكن جزء من كردستان حتى عند القوميين الأكراد آنذاك ! (2)

لو أطلعنا على الوثائق القديمة أيضاً فأننا نجد السيد كاميران بدرخان ابن العائلة التي أقامت حكومة شبه ذاتية في جزيرة ابن عمر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر و في محاضرته بعنوان ” المشكلة الكردية” أمام الجمعية الملكية الآسيوية بلندن في 6- تموز – 1949م قال وسأقتبس ماقاله : (( إن المنطقة التي تمر بها الحدود التركية العراقية هي قلب كردستان ، إذا اعتبرنا الجزء الممتد حتى بحيرة اروميا التي تسيطر عليها ايران ، فيتضح جلياً المنظر العام لكردستان المقسمة بين تركيا وايران والعراق )) ثم يتابع إلى أن يصل في نهاية المحاضرة للقول : (( استولت على الشعب الكردي ثلاث دول ، لذلك انقسمت كردستان بين هذه الدول الثلاث وهي أيران وتركيا والعراق)) (3)

وفي هذا السياق نذكر بأن الحزب الديمقراطي الكردي الذي كان يستخدم في أدبياته مصلطح ( كردستان العراق) فقد كان يستخدم مصطلح ( الشعب الكردي في سوريا) ، مما يشير و بوضوح ومن المصادر والوثائق الكردية بأن مصطلح ” غرب كردستان” طارئ ولا أساس له فعلياً . (4)

وقد تعد الأمر عند الحركة السياسية الكردية بعد بدء الثورة السورية لمحاولة تغيير أسماء المدن وتكريدها من خلال الأدبيات والخطابات والبيانات الصادرة عن المثقفين والساسة الكرد بحجة أن النظام السوري قام بتعريبها ، وهذا الإدعاء باطل أيضاً ، حيث أن موضوع تغيير أسماء القرى في المنطقة ( العربية والكردية والآشورية) إلى أسماء عروبية أو قومية كانت سنة 1957 و في عهد الوزير صبري العسلي (5) ولك أن تنظر إلى الحدود العراقية السورية جنوب جزعة ( الخط السياسي) وترى أسماء القرى مثل : ( خزاعة ، قضاعة ، وتغلب ، سفانة ، فلسطين ، رام الله ، الطائف ، عكاظ ، كنانة ، يثرب ، تبوك ، اليرموك ، خولة بنت الأزور ، غرناطة ، الأندلس …. الخ ) فكل تلك القرى وعشرات القرى المجاورة تسكن فيها عشائر عربية خالصة ، ولا يوجد ضمنها أي قرية كردية ، ورغم ذلك تم أستحداث تلك الأسماء لها ، وهنا لاأبرر تغيير الأسماء ، لكن فقط حتى لا نصور الموضوع أنه كله مآسي ضد ( الأكراد) دون غيرهم .

وتبريراً لهذا الإدعاء الكردي فقد قاموا بتسمية مدينة رأس العين (بسري كانيه) كترجمة كردية لرأس العين التابعة لمحافظة الحسكة والتي تحتفظ باسمها هذا في أقدم المخطوطات التاريخية، تماماً كما اعتمدوا تغيير مدينة أربيل إلى هولير في شمال العراق ، وقامت قوات حزب الاتحاد الديمقراطي PYD بتغيير اسم مدينة القحطانية ( قبور البيض سابقاً) في اللوحة التعريفية ببداية المدينة وسموها ((تربي سبيه )) بعد أن سلمها النظام لهم . فبتنا نشهد تكرار الخطاب الكردي في العراق ومحاولة إعادة التجربة في سوريا، ونحاول تحليل هذا الخطاب والذي فيه الكثير من المغالطات والمبالغات ، والذي قامت الأحزاب القومية الكردية من خلاله بمغازلة الشعور القومي واللعب على هذا الوتر ، ليتم قلب الحقائق والمبالغة في المظلومية ومحاولة تشويه التاريخ وتزويره لتحقيق مكاسب قومية ونوع من الاستقلال على أرض هي سوريةُ التاريخِ وعربية الهوية ويتعايش فيها في الوقت الحالي خليط من القوميات والأثينيات بوئام وسلام رغم جميع الخطابات التي تحاول زرع بذور الفتنة خدمة للمصالح الفئوية والقومية ، وكان لزاماً علينا نحن أبناء منطقة الجزيرة أن نرد على هذا الخطاب اللاعقلاني ونبين وجه الحقيقة ونذكر مالنا وما علينا آملين أن تساهم هذه الحقائق في تعريف أبناء سورية من خارج منطقة الجزيرة على حقائق الأمور ، بما يحقق استمرارية التعايش المشترك، وبما يتيح لنا الوصول إلى مفهوم المواطنة الحقيقية في الدولة المدنية المنشودة التي يتساوى فيها الجميع دون النظر إلى انتماءه القومي والطائفي في الحقوق والواجبات.

تاريخ الأكراد في الجزيرة السورية:

لن نغوص في علم الانثروبولوجيا الذي يتحدث عن أصل الكرد الآري أو ما يسمى عنصر الأرمنويد والذين يشتركون به مع الاتراك والأرمن ، علماً أنه بقيت الكثير من الحقائق التاريخية القديمة التي تتحدث عن انتمائهم لبعض السلالات كالحيثيين او الميديين مجرد نظريات لم يتم إثباتها، لكننا سنتحدث بحسب المصادر التاريخية المختلفة والتي أجمعت على أن الأكراد هم من المجتمعات التي سكنت في الجبال ، وتحديداً جبال زاكروس كما يذكر الكاتب محمد امين زكي (1880-1948) ، وتصفهم كتب التاريخ العربية والفارسية على أنهم بدو فارس ، على اعتبار ان لكل أمة وشعب حاضرة وبادية ، فلما كانت الإعراب بادية العرب وكان الأرمن بدو الروم فقد كان الأكراد بدو فارس أو كما قيل (أعراب فارس) (6) ، فقد أنشأ الفرس حضارة واهتموا بجميع أنواع العلوم والعمران ، في حين كان الأكراد يمثلون الجانب الريفي بكل ما تحمله البداوة من شجاعة وبسالة وإقدام وقسوة ايضاً .

بدء تاريخ الأكراد في منطقة الجزيرة السورية في سنة 1925م وذلك على أثر قيام ثورة الشيخ سعيد الكردي في تركية وملاحقة الأتراك له وللأكراد الذين معه(7) ، فكانت أول هجرة لهم إلى المنطقة ، وكانت هجراتهم تتمثل بهجرات عشائرية كالكوجر والملية والكاكية وغيرهم من العشائر التي سنستعرضها لاحقاً ، ولم يحدث أن عاب عليهم أحد هذه الهجرة ، فالمهاجرين نتيجة الحروب أو نتيجة البحث عن سبل الحياة الأفضل هم موجودين على مر العصور ، وفي تلك الفترة شهدت سورية عدة هجرات إلى المنطقة فقد هاجر الأرمن أبان الحروب بينهم وبين العثمانيين سنة 1914-1915م ، واستقروا في مناطق متفرقة من سورية وخاصة في الجزيرة وحلب ، سأضع أيضاً أحد مصادر الوثائق الفرنسية ، التي تلخصت في دراسة عن الجزيرة العليا لجوردي تيجل Jordi Tejel Gorgas حيث وضع وثيقة فرنسية ذكر فيها وسأقتبس (( كان لسياسة الأستيطان وأستقبال اللاجئين المسيحيين والأكراد الاثر العميق في تغيير النسيج الاجتماعي للجزيرة العليا إذ انه تم انشاء فقط 45 قرية حتى عام 1927 ، وارتفع عددها إلى 700 حتى عام 1941 )) (8)

لم تقتصر الهجرات فقط على تلك المرحلة ، بل أستمرت الهجرات الكردية تباعاً ، حيث كانت اكبر موجة هجرة بين عامي 1945 و 1962 وكانت أعدادهم تقدر بالألاف ، وكانت الشرطة السورية تسلمهم للسلطات التركية بموجب محاضر رسمية ، أما من كان في سن التجنيد فأنه يسلم نفسه لشعبة التجنيد ويعود بعد 3 سنوات بعد أن حمل دفتر خدمة عسكرية وقد أدى الخدمة العسكرية بوصفه مكتوماً بحسب ما جاء عند الكاتب الكردي نور الدين زازا . (9)

كما كانت موجة الهجرة الجديدة بين 1958-1961 للانتفاع من قانون الأصلاح الزراعي لافتة ، حيث تم توزيع الأراضي على الفلاحين الأكراد بغض النظر عن جنسيتهم وقوميتهم.

نشوء الحراك السياسي الكردي والأحزاب الكردية:

إن أول نشوء للأحزاب القومية الكردية بشكل رسمي كان سنة 1957 ، ويذكر الكاتب عبد المسيح قرياقس: أن القيادة الكردية تحسّبتْ وتهيّأتْ للوحدة قبل وقوعها وقبل مجيء عبد الناصر, وقد قامتْ هذه القيادات بتشكيل حزبها في العام 1957, وجاء تشكيله كدفاعٍ مسبق ضد سيطرةٍ محتملة وقادمة للقومية العربية على المنطقة, وفي احتمال قيام الوحدة بين مصر وسوريا التي تمّتْ عام 1958. (10)

أما أول نشوء للفكر القومي في المنطقة العربية أو في الشرق الأوسط كان في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين متمثلة في حركة سرية تألفت من أجلها الجمعيات والخلايا في عاصمة الخلافة العثمانية، ثم في حركة علنية في جمعيات أدبية تتخذ من دمشق وبيروت مقرًّا لها، ثم في حركة سياسية واضحة المعالم في المؤتمر العربي الأول الذي عقد في باريس سنة 1912م. (11)

أما الأحزاب الكردية في سوريا فهي عديدة ، وأعضاءها يتراوحون بين 10 اعضاء في بعض الأحزاب إلى ما لا يزيد على الفين عضو في أكثر الاحزاب في عدد الأعضاء ، وهنا نتحدث عن المنظمين وليس المتعاطفين مع هذا التيار أو ذاك ، وسنستعرض أسماء الأحزاب الكردية في سوريا :

1. الحزب التقدّمي الديمقراطي الكردي : تأسس سنة 1957 سكرتيره عبد حميد حاج درويش منذ 1965(القامشلي) وبحسب القائمين على الحزب فأعدادهم تصل إلى 9 آلاف عضو .

2. حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا “يكيتي” (الوحدة): سكرتيره محيي الدين الشيخ آلي منذ سنة 1993 (عفرين – حلب) – زرادشت محمد (القامشلي)

3. حزب يكيتي الكردي في سوريا : هو حزب يساري سكرتيره إسماعيل حمي

4. حزب المساواة الديمقراطي الكردي: عزيز داود منذ تأسيسه عام 1992 (القامشلي)

5. الحزب اليساري الكردي في سوريا : أمينه العام محمد موسى محمد ونائبه صالح كدو (القامشلي).

6.حزب آزادي الكردي: أمينه العام خير الدين مراد منذ تأسيسه سنة 2005 وحصل انشقاق سنة 2011 تولى على اثره قيادة الحزب مصطفى جمعة (القامشلي).

7. حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)  :وهو أحد تيارات حزب العمال الكردستاني (PKK) ومن أكثر الأحزاب الكردية تنظيماً ونشاطاً ، يرأسه صالح مسلم محمد وهذا الحزب عضو شكلي في هيئة التنسيق الوطنية لقوى المعارضة السورية برئاسة حسن عبد العظيم ، وقد قام بتشكيل ما يسمى قوات الحماية الشعبية YPG وأختار لها هذا الاسم ليسمح بعناصر من خارج حزبه بالأنضمام إليها ، لكن أجندتها وتدريباتها بحسب ما يقرره الحزب.

8. الحزب الديمقراطي الوطني الكردي: سكرتيره طاهر سعدون سفوك منذ سنة 1988م ، (القامشلي).

9.الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي): جناح عبد الحكيم بشار وهو سكرتيره منذ سنة 2007م (القامشلي) وهذا الحزب قريب من الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق وحليفه التقليدي.

10. الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي): جناح نصر الدين إبراهيم ، سكرتير الحزب منذ 2007

11. الحزب الديمقراطي الكردي السوري : سكرتيره العام جمال محمد شيخ باقي منذ عام 1997 ، يعتبر من الاحزاب المعتدلة والموضوعية أكثر من غيرها .

12. الحزب البارتي الديمقراطي الكردي في سوريا: عبدالرحمن ألوجي سكرتيره منذ تأسيسه 2004 (الحسكة).

13. تيار المستقبل الكردي في سوريا : الناطق بأسمه مشعل تمو منذ تأسيسه سنة 2005 وحتى أغتياله سنة 2011.

14.حزب الاتحاد الشعبي الكردي:

15.حزب الوفاق الديمقراطي الكردي السوري – ريفكتين : رئيسه فوزي ابراهيم منذ انشقاقه عن PYD سنة 2004م .

16.تيار الإصلاح بالحزب الديمقراطي التقدمي: الناطق الرسمي للحزب فيصل يوسف.

هناك احزاب وتجمعات أخرى بدأت تظهر تباعاً في فوضى الأسماء والحركات التي عمت سورية بعد اندلاع الثورة سنة 2011م ، ولاحظ أن أكراد دمشق مثلا أو بقية المناطق لم يلحظ لهم أي نشاط قومي!

لا توجد أعداد محددة وموثقة عن أعضاء تلك الأحزاب .. لكن وبحسب زهير قرياقس مؤلف كتاب المسألة الكردية في سوريا ، وبحسب شهادات عدة ناشطين وأصدقاء أكراد ، أكدوا على أمر مشترك وهو أن عدد أعضاء بعض الأحزاب قد لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة ، وهناك معلومات قدمها حزب اليكيتي سنة 2009 يتحدث فيها عن عدد اعضاء لحزبه بلغ 4 آلاف عضو ، واليساري يتحدث عن ألفان وخمسمائة عضو ، وعبد الحكيم بشار يطرح حزبه على انه الأقوى واعضاءه بالآلاف ، بينما يتحدث عبد الحميد درويش ان اعضاءه تسعة الاف عضو ، كل هذه الارقام غير مؤكدة ومبالغ فيها على الأغلب ، خاصة في الفترات الاخيرة التي تتصارع فيها الأحزاب الكردية للسيطرة على الشارع الكردي عبر الدعاية الأعلامية .

إلا أنه يمكن القول بأن الحضور القومي والشعبي للأكراد موجود ، وخاصة في المناسبات العامة كتشييع جثامين (( الشهداء)) أو من يتم أغتيالهم من الشخصيات المعروفة ، مما يعطي للناظر من بعيد شعوراً بأن الحراك الشعبي الكردي هو زخم للأحزاب الكردية ، وهذا غير صحيح بالمطلق.

لكن الأكراد مستعدين للألتفاف حول حركة سياسية معينة أو حزب معين إذا شعروا أنه يحميهم من تهديدات موجهة لهم ، وهم مهووسين بنظرية المظلومية وان المكونات الاخرى وخاصة العرب والأتراك يتربصون بهم في أي لحظة ، وهذا الشعور بالخوف إذا ما تم تدعيمه ببعض التصريحات العنصرية ضد الأكراد من بعض الجهلاء ، أو إذا تم مهاجمة قراهم عسكرياً دون تطمينات وتنسيق إعلامي كافي فأنه ينمي ذلك الشعور في نفوسهم ، ويجعلهم يلتفون على أي حراك كردي عسكري يدعيّ حمايتهم ، وهذا تماماً ما حدث في بداية دخول الجيش الحر إلى رأس العين أو إلى بعض المناطق التي يقطن فيها الأكراد بكثافة في حلب.

يمكن توصيف الأحزاب الكردية اليوم بأنها منقسمة لكتلتين رئيسيتين :

الكتلة الأولى هي حزب الأتحاد الديمقراطي PYD بقيادة صالح مسلم و الذي يعد امتداد لحزب العمال الكردستاني بقيادة آوجلان. حيث يعتبر حزب الاتحاد الديمقراطي هو المسيطر على مناطق عفرين مقابل باقي الاحزاب الكردية . ويسيطر بشكل متقطع على الكثير من مناطق الحسكة بإيعاز من النظام وبأسلحتها ومعداتها رغم أن صالح مسلم كحزب مشارك في هيئة التنسيق التي تقول انها ترفض العسكرة، ويمتلك موارد كبيرة وحيوية تم تسليمها لهم من قبل النظام أيضاً ، مثل معمل الغاز ، وآبار النفط في حقول الرميلان ، والمعبر الحدودي مع شمال العراق . وتسيطر اليوم قواته على العديد من المناطق بأشراف أمني ، مثل الدرباسية وعامودا والقامشلي والمالكية ورميلان والجوادية والقحطانية.

الكتلة الثانية : فأنها تتمثل في المجلس الوطني الكردي الذي يضم معظم الأحزاب الكردية والذي تبرز سيطرته على الشارع الكردي في محافظة الحسكة بشكل متقطع بحسب المناطق المختلفة التي ينازعه على السيطرة عليها حزب الأتحاد الديمقراطي الذي يمتلك القوى العسكرية التي تتحرك بتسهيلات من النظام الذي سلمها العديد من الحواجز والمراكز!

لكن بقي ان نقول بأن الحركة الكردية في سورية تذبذبت بمشروعها السياسي. ما بين كونها منفعلة بالحركة الكردية الكردستانية العامة خارج سورية وليست فاعلةً تنطلق من واقع الأكراد الجغرافي والاجتماعي والديموغرافي في سورية.. وبين التخلي بمجملها عن فكرة (كردستان موحدة)، واعتماد مبدأ (الواقعية السياسية)، لكنها أبقت في نفس الوقت عينَها على ما يجري في مناطق كردستان الأخرى، بانتظار ما يمكن أن تتمخّض عنه المخاضات السياسية والإقليمية هناك. ولا يزال بعضها يستخدم لغتين في خطابه السياسي حسب الظروف: لغة الكردستاني، ولغة الكردي السوري والواقعية السياسية.

والخطاب السياسي الكردي عبر انظمة أحزابه الداخلية كله يطالب بالديمقراطية ، لكن الممارسات لا تنبي بأنه يسعى إليها من خلال ما تشهده الساحة الحزبية من إنشقاقات متواصلة لأسباب شخصية وحباً في السلطة والمنصب ، بعض الأحزاب الكردية يعتبر الأكراد جزءً من النسيح السوري وكان يميل في خطابه للدعوة إلى الحوار مع أطياف المعارضة السورية الاخرى ، لكن نبرتهم القومية أرتفعت وطغت في السنوات الاخيرة متأثرة بالتجربة العراقية وما رافته تلك التجربة من أستقلالية أكبر بعد الغزو الأمريكي للعراق ، فأنتقل الخطاب الكردي من أنهم يريدون حقوقهم ضمن وحدة وسيادة سورية ( هذا الخطاب كان كثير التداول قبل الثورة السورية ) ، إلى الوصول للمطالبة بحكم ذاتي للأكراد على ما يصفونه ( بمناطقهم) كحزب عبد الحكيم بشار ، أو مطالبة بعضهم بإدارة ذاتية ديمقراطية لما اسموه مناطق غرب كردستان وهذا ما يطرحه حزب الاتحاد الديمقراطي ، وتشكيلهم عدة هيئات تحت مسميات عنصرية ، مثل مجلس الشعب في غرب كردستان ، ومحاولة تصدير خطاب يهئ لمرحلة تهدد السلم الأهلي ومحاولة أختلاق أسماء كردية لمحاكم قاموا بإنشاءها في مناطق يُسهّل النظام لهم عمليات السيطرة عليها بأتفاق ضمني يسمح لهم بالأنتشار واقامة الحواجز مقابل تعهدهم باستمرار ضخ النفط وعدم التعرض لرموز النظام ( تماثيل و صور ، أعلام ، مقرات حزب ، مقرات أمن).

تطور الخطاب الكردي بعد الثورة وضبابيته:

لقد شهدت الساحة السورية ارتفاع وتيرة الخطاب الكردي السياسي ، والذي شهد ضبابية شديدة في بداية الحراك من خلال موقف الأكراد من الدعوات للثورة على النظام في سوريا أو من خلال موقفها من المعارضة عندما أنطلقت عجلة الثورة ، فقد عقد المجلس العام للتحالف الديمقراطي الكردي أجتماعاً و الذي ضم آنذاك حزبين ( عبد الحميد درويش ، ومحيي الدين آلي ) أضافة إلى شخصيات كردية مستقلة أخرى في 2 شباط 2011 ، وقد صدر عنه بيان (( دعا فيه الأكراد إلى ضبط النفس والتحلي بروح اليقظة وعدم الأنسياق وراء الأعلام الغير مسؤول في الدعوة للأحتجاج)) وكان توجه الأحزاب الكردية هو عدم البدء في الأحتجاج ، وقد شجع هذا النظام للقيام باتفاق غير معلن مع بعض المعارضين والأحزاب الكردية وحثهم على عدم التظاهر وحل المطالب السياسية الخاصة بهم عبر الحوار ومجح بأبرام أتفاق غير معلن مع هؤلاء وفشلت الدعوة إلى (( يوم الغضب)) وهذا ما يفسر على ما يبدو تأخر الأحزاب الكردية للمشاركة في المظاهرات الاحتجاجية في المشهد العام ، حيث أقتصر على مئات وقد يصل إلى آلاف من الناشطين المستقلين وتنسيقيات كردية في الأشهر الستة الاولى من عمر الثورة السورية حيث سجلت اول مظاهرة شارك فيها الاكراد في 1/ نيسان / 2011 في عامودا وعفرين ، وقد حملت شعارات تتفق مع روح الثورة السورية وخالية من اي مطالب فئوية او قومية وكان المشاركين لا ينتمون لأي كوادر حزبية كردية ، وبقيت هذه المشاركات محدودة وخجولة ولا تعبر عن القاعدة الحقيقية للشعب الكردي الذي تظهر جلية حجم قاعدته في تشييع مشعل تمو مثلاً ، او في ذكرى الانتفاضة الكردية 12 آذار 2012 في القامشلي ، لكن الأحزاب الكردية وآلتها الإعلامية حالت دون مشاركة فعالة في احتجاجات ضد النظام ، وبقاء التظاهرات شكلية وتحمل شعارات قومية أكثر منها شعارات تحمل روح الثورة السورية .

أما بخصوص موقفها من المعارضة السورية فقد دخلت الكثير من الأحزاب الكردية في هيئة التنسيق الوطني لقوى التغيير الديمقراطي بقيادة حسن عبد العظيم وأنسحبت منها مع استمرار بقاء حزب صالح مسلم فيها، وعند تشكيل المجلس الوطني السوري في الخارج انضمت له أيضاً مجموعة من الأحزاب الكردية ، ما لبثت تلك الأحزاب أن انسحبت من جميع تكتلات المعارضة السورية في الداخل والخارج ، معلنة عن برنامج يتضمن مجموعة مطالب قومية ، تم تقديمه كشرط أساسي لانضمامها لأي كتلة يمكن أن تتبنى تلك المطالب ، ثم تشكل المجلس الوطني الكردي في تشرين الأول عام 2011م برعاية السيد مسعود البرزاني متضمناً 11 حزباً كردياً تحت لواءه بأستثناء حزب الأتحاد الديمقراطي الكردي بزعامة صالح مسلم ، كمجلس كردي معارض للنظام السوري ، وشهدت العلاقات بين المجلس الوطني الكردي وبين أطياف المعارضة السورية توتراً ملحوظاً أنعكس على مؤتمرات المعارضة السورية في الخارج ، حيث كان الأكراد ينسحبون في كل لحظة من المؤتمر نتيجة عدم تلبية أطياف المعارضة للمطالب الكردية التي لا تتناسب مع المشروع الوطني السوري على سبيل المثال :

المطالبة بالفيدرالية كشكل من أشكال الحكم الذاتي ، المطالبة بالأعتراف الشعب الكردي وحقوقه القومية في الدستور بدلاً من مطالباتهم السابقة بحقوق ثقافية ، المطالبة بأعادة تعريف الجمهورية العربية السورية بحذف العربية منه ، أعتبار أن الجيش الوطني لسورية المستقبل بأنه يجب أن لا يشمل فقط الجيش الحر أنما يجب أن يشمل كتائب كردية !! والتركيز على أن لا يكون ضمن الجيش الحر أي من الكتائب الإسلامية ، ومن هنا بدأ الخطاب الكردي يتطور بأتجاه مطالب كردية خالصة كما ذكرنا آنفاً واستخدام مصطلحات عنصرية كتسمية منطقة الجزيرة السورية بكردستان الغربية ، أو المناطق الكردية، علماً أن عدد الأكراد في محافظة الحسكة لا يتجاوز 30% في أفضل أحواله (12) ، وفي أحدث دراسة ميدانية قام فيها متطوعين من التجمع الوطني للشباب العربي وهو كيان انبثق من رحم الثورة منذ بدايتها منطلقاً من مدينة القامشلي تم أحصاء جميع القرى في محافظة الحسكة وقد بلغت 1717 قرية كانت القرى الكردية تشكل 453 قرية من مجموع القرى وبنسبة 26,38 % من مجموع القرى الكلي في المحافظة (13)، وهذا يدحض الإدعاء بالمناطق ذات الغالبية الكردية !

هذا ويركز الساسة الكرد في بياناتهم على تضمين عبارة ((أن الشعب الكردي في سوريا هو شعب أصيل، يعيش على أرضه التاريخية )) ، فالشعب يحتاج لدولة ولا يوجد دولة في العالم بشعبين ! لكن هناك دولة فيها عدة قوميات وهذا ما نؤكد كسوريين عليه ، وقد وصل الأمر عند بعض المتطرفين من مثقفيهم إلى حد الإدعاء بأن منطقة الجزيرة هي فقط للأكراد ! وأن كل القوميات الأخرى وافدة عليها !! و ذهب بعض المتطرفين لوصف العرب الموجودين في المنطقة (( بقطعان المستوطنيين)) وتلك التسمية التي يطلقها العرب في فلسطين على الصهاينة المحتلين. أضف إلى ذلك الإصرار على رفع الأعلام الكردية فوق المباني الحكومية في المناطق التي أنسحب منها الأمن السوري لصالح السيطرة الكردية عليها.

وتعتبر هذه المطالب استفزازا لمشاعر السوريين ، في الوقت الذي يقدم فيه أبناء سوريا الشهداء بالآلاف في سبيل مطالب تنسجم مع مطالب المجتمع المدني والحركات الوطنية الأخرى، مثل: تحقيق التعددية والديمقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان.. وذلك لكل أبناء الشعب السوري، على اختلاف توجهاتهم الفكرية والسياسية وطوائفهم وقومياتهم.. وإلغاء الأحكام العُرفية وقوانين الطوارئ، وتبييض السجون من سجناء الرأي والسجناء السياسيين، وإعادة المنفيين والمهجَّرين إلى بلدهم سورية، واحترام حقوق المواطنة، والتعويض على المتضرّرين من قمع السلطة واضطهادها، وحرية الصحافة.. وما شابه.

رؤية المثقفين العرب للمسألة الكردية:

ينظر المثقف العربي الذي عانى القهر و التهميش والحرمان في سوريا عموماً وفي منطقة الجزيرة خصوصاً إلى الأكراد كمكون من مكونات الشعب السوري له مالها وعليه ما عليها ، فقد عانينا جميعنا من الظلم والاستبداد ، ولم يفضل النظام العرب باسم القومية العربية على القوميات والأثنيات الأخرى ، بل على العكس تماماً فهذا النظام كان نظاماً فئوياً قمعياً حاول أحداث شرخ بين أبناء الشعب السوري ، إما على أساس الأغلبية والأقلية أو عزفاً على الوتر الطائفي ، وإما على الوتر القومي ، لذلك لاحظنا رغم مشاركة جميع الأطياف في الثورة السورية إلا أن النظام قد قتل من الأغلبية وعذراً لاستخدام هذا المصطلح ! لكنه فعلياً دمر مناطقهم وقتل منهم الآلاف في حين أنه لم يتعرض للأقليات على نفس النحو والمنهج! وكانت تلك الازدواجية واضحة في التعامل مع الحراك العربي الكردي في محافظة الحسكة ، حيث أنه اقدم على قتل العرب واستهدف عشرات البلدات و القرى العربية في ريف القامشلي كما حدث في ( تل حميس ، الشرموخ ، فرفرة ، ابو توينة ، الحنوة ، الجيسي ، الحصوية ، عكاظ ) ، وقد قام النظام بأكثر من 120 طلعة وغارة جوية على بلدة تل حميس التي لا يتجاوز عدد سكانها عشرين الف نسمة ، كما دكت البلدة بمئات القذائف من مدفعيتها المتمركزة في جنوب القامشلي ، كما أن حملة القتل والاعتقالات في محافظة الحسكة ومدنها القامشلي ورأس العين غيرها لم تتوقف ضد الناشطين العرب ، في الوقت الذي تخرج فيه مظاهرات الأخوة الأكراد وشعاراتهم المطالبة بالفيدرالية وحق تقرير المصير ورفع الأعلام الكردية دون أي تعرض من قبل النظام ، أضف إلى ذلك انتشار دوريات لحزب pyd في عدة مناطق دون أي تعرض من قبل النظام مما يضع أشارات استفهام كثيرة حول هذا الموضوع !! وخاصة بعد قيام هذا الحزب ببناء سجون في محافظة الحسكة وقيامه بحملات أعتقال ناشطين من أحزاب كردية أخرى ، وقمعهم للمظاهرات السلمية بالقوة كما حدث في عفرين وعامودا الامر الذي أدى إلى سقوط عدد من الشهداء والجرحى آواخر حزيران 2013م ، وقبلها أفتعل ذلك الحزب أقتتال مع قرى وبلدات تؤيد الجيش الحر في بلدة تل تمر الأمر الذي أدى إلى سقوط العشرات من الشهداء من القبائل العربية وتدمير العديد من ممتلكاتهم ، وذلك عبر غطاء جوي قام النظام السوري بتأمينه لذلك الحزب.

وفي سياق موقف المثقفين العرب من المسألة الكردية سوف أقتبس جزءً من رؤية التجمع الوطني للشباب العربي والذي نشأ في مدينة القامشلي (الأقرب جغرافياً للأكراد) مع بداية الثورة السورية بقيادة مجموعة من المثقفين العرب في المحافظة ، وقد خصص في رؤيته السياسية جانباً خاصاً يتعلق بالأقليات وخاصة الأكراد الذين يثيرون موضوع حقوق الأقليات بشكل خاص ، فيبدأ التجمع بالقول :

((فيما يتعلق بالأقليات فإن التجمع الوطني للشباب العربي أكد في جميع البيانات والتصريحات التي صدرت باسمه، على أنه ينظر إلى جميع مكونات المجتمع السوري بأنها التنوع الطبيعي والصحي والتاريخي والثقافي والفكري والاجتماعي، ويرفض التمييز بين أي مكون من هذه المكونات على أساس العرق أو الدين أو المذهب ، بل يعتبر أنه من الضروري أن يتساوى جميع المواطنين باختلاف انتمائهم لمكونات النسيج السوري على أساس حقوق المواطنة الكاملة والتي تسمح للمواطن مهما كان انتماؤه العرقي أو الديني أن يتبوأ أرفع المناصب في سورية الديمقراطية المدنية التعددية.

أما بخصوص موقف التجمع من الأخوة الكرد الذين يشكلون ما نسبته 25-30 % من عدد السكان في محافظة الحسكة وما نسبته من 8-10 % من مجموع سكان سوريا، فأننا ننظر إليهم كجزء أساسي لا يتجزأ من مكونات الشعب السوري، تعرضوا كباقي مكونات الشعب السوري للظلم والقهر والممارسات الاستبدادية، وحرم قسم كبير منهم من الحصول على الجنسية ولعقود طويلة وهذا ما نعتبره خرقاً لأبسط حقوق الانسان في الانتماء إلى كيان دولة، وقد كان لدماء السوريين في ثورتهم المباركة دوراً رئيسياً في حصول المحرومين عليها.

والتجمع الوطني للشباب العربي إذ يشدد على الأخوة التاريخية بين العرب والكرد، وإذ يعتبر أن المواطنة الكاملة المشار إليها مسبقاً هي ما يجب أن يجمع السوريين، وإذ يدعم الأخوة الكرد في الحصول على جميع حقوقهم الثقافية واحترام خصوصيتها ضمن أطار التعدد والتنوع الثقافي الوطني الواحد، فإنه يرفض كل دعوات الانقسام والتشرذم والاقتطاع بمسمياتها المتعددة، من انفصال أو فدرالية أو حكم ذاتي، ويرفض التجمع ما اصطلح تسميته حق تقرير المصير للكرد باعتباره يؤسس لظلم المكونات الأخرى حيث ينفرد المكون الأصغر بتقرير مسار ومصير المكونات الأخرى التي تشكل الأغلبية، ما ينذر لنتائج لا يستقيم معها استقرار المنطقة، علاوة على كونه “حق تقرير المصير” في الحالة السورية لا ينسجم مع القانون الدولي ولا تدعمه معاهدات الأمم المتحدة ذات الشأن. كما يرفض التجمع ما يسمى “الإقرار الدستوري بالهوية القومية للشعب الكردي” باعتباره يوفر أرضية قانونية تبقي الباب مفتوحاً أمام مطلب “حق تقرير المصير”، وفي هذا يدعم التجمع الوطني للشباب العربي اقراراً دستوريا باعتبار الكرد جزءاً أساسياً من الشعب السوري)) (14) أنتهى الاقتباس .

بقي أن أذكر بأنني لا أهدف من خلال هذه المعلومات إلا كشف الحقيقة ولا شئ غيرها ، ولاأدعي انني أمتلك الحقيقة كاملة ، إلا أنني مواطن سوري في النهاية أعتز بإنتمائي لهذا الوطن وكل ما ذكر في هذه الدراسة وقائع وأحداث أسلط الضوء عليها وأهدف من خلالها أن نعي تماماً خطورة المرحلة ، والتأكيد على أننا مطالبون جميعاً بالسعي لبناء دولة مدنية تعددية ديمقراطية تحفظ حقوق الجميع ، ولا يجب أن نكرر تجربة الاستبداد ، أو أن ننتقل من استبداد إلى استبداد عنصري آخر أو اقتتال بدافع المصالح القومجية أو العرقية والطائفية.

المراجع:

1- الأكراد دراسة جغرافية إثنوغرافية صفحة 518 ، تقرير خويبون – 1948

2- مارتن بونسين – الآغا والشيخ والدولة صفحة 41-43

3- البدرخانيون في جزيرة بوطان – ماليميسانز- وثائق جمعية العائلة البدرخانية – ترجمة كولبهار بدرخان صفحة 193.

4- بيان اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردي (الباراتي) 13/11/1964.

5- قرار وزير الداخلية 23 نيسان 1957م ، مزود بنسخة لمحافظ الحسكة ونسخة قائمقام دجلة ورئيس خفر الريجي .

6- مقدمة ابن خلدون

7- مجلة الوعي العدد 234 سنة 2006م

8- تقرير بي روث سنة 1941 – ارشيف الدبلوماسية في قسم الخارجية الفرنسة .

9- حياتي الكردية ، نور الدين زازا ، ترجمة روني محمد دملي ، الصفحة 127.

10- المسألة الكردية في سوريا – عبد المسيح قرياقس

11- موسوعة المذاهب الفكرية المعاصرة.

12- المسألة الكردية في سوريا – عبد المسيح قرياقس

13- دراسة ميدانية للتركيبة الديموغرافية قام بها التجمع الوطني للشباب العربي في القامشلي

14- الرؤية السياسية للتجمع الوطني للشباب العربي

 – باحث في الشؤون السياسية والتاريخية

سورية والدويلات الثلاث: سنّية وعلوية وكردية!

نزار حسين راشد

يميل محللون سياسيون إلى الإعتقاد أن سورية في طريقها إلى الإنقسام إلى ثلاث دويلات: كردية وسنّية وعلوية، متّكئين في توقّعاتهم هذه إلى المعطيات الميدانية، ومنها نقل النظام معركته إلى حمص بعد القصير، لفتح الطريق إلى الساحل وخلق شريط تسكنه أغلبية علوية، متواصلة مع مناطق التركز الشيعي في هرمل لبنان، ومنها نشاط حزب العمال الكردستاني بمسمى أو آخر، في مناطق الشمال الشرقي الكردية، ومحاولته تأسيس إدارة مدنية، استنساخا لما حدث في كردستان العراق في تسعينات القرن الماضي، إبان الحظر الأمريكي وما سمّي بحرب تحرير الكويت، ومن ذلك أيضا بروز جبهة النصرة والتنظيمات الجهادية الأخرى كحضور يجد تجاوبا سنيا من جهة ويثير مخاوف العلويين والأكراد من جهة أخرى!

أعتقد أن عوامل كثيرة، تضعف مثل هذا الإحتمال، وإن كان مرجّحا أن هناك قوى استخبارية ودولية، تسعى سعيا حثيثا لدفع الأمور بهذا الاتجاه! أول هذه العوامل التي تبعد احتمال التقسيم، أنه حتى تتهيّأ الأرضية لإمكانيّة التقسيم، لا بد من سقوط دمشق في يد المعارضة، واضطرار النظام نفسه، للجوء إلى المعقل الّذي هيّأه كحاضن للدولة العلوية المفترضة، إلّا أن سقوط دمشق سيكون هزيمة مدوّية للنظام، بغضّ النظر عمّا سيتبعه من نتائج، من الناحية الأخرى فإن سقوط دمشق، يعني بالضرورة اتصالها بامتدادها الطبيعي إلى الجنوب، درعا وريفها، حاضنة الثورة ومنطلقها، وفي هذه الحالة كيف سيكون شكل التعامل مع النصرة والجهاديين، هل باعتبارهم شركاء في الحكم، أم سينفرد الجيش الحر بالقرار؟ أم سيخوض معركة ضد الجهاديين تبدأ ولا تنتهي، تاركا الدولة العلوية وحاكمها الأسد لتعيش في ثبات ونبات؟! الأمر الآخر الّذي ينقض مثل هذا الاحتمال، ان قيام دولة كردية تحت حكم حزب العمال سيكون مرفوضا من تركيا، والتي ستسعى لإسقاطه بلا تلكؤ، إضافة إلى أن قطاعا كبيرا من الجماهير الكردية، والذي اندمج في القتال ضد نظام الأسد، لن يقبل استبدال نطام حكم حزبي عانى منه طويلا، بنظام حكم شمولي جديد، لا يختلف كثيرا في أيدبولوجيته عن حزب البعث، لا بل إنه أكثر تطرفا وانقراضا من حزب البعث، الوعي الجماهيري يتكلم بضمير الحرية، وهذا ما لا يدركه حزب العمال كما لم يدركه حزب البعث من قبله! وهذا الوعي يدرك جيدا أن الأنظمة الحزبية تفرخ في ظلها التحيزات العائلية والعشائرية، كنتيجة حتمية، ولذا فلن يفلح الإغراء بالدولة القومية، في جذب الأكراد لمثل هذا الخيار، فلم تعد الدولة القومية بلا حرية وكرامة تساوي شيئا، بالنسبة لأي مواطن، في أي بقعة من بقاع الوطن العربي، وها نحن نرى، كيف جذب الإنقلاب العسكري في مصر الملايين إلى ساحات الاعتصام، ولا جدوى من التظاهر أو الإدعاء بأن كل هؤلاء هم من الإخوان المسلمين!

مطلب الحرّية هذا ستنتقل عدواه إلى الدولة العلوية المفترضة! فكيف يمكن ان يقبل العلويون بحكم يشار الأسد، الذي سيحكمهم باسم الطائفة، الأمر الذي لم يعد يشكل ذريعة كافية، لمصادرة الحريات والطغيان العائلي الذي لن يتغير، كونه جزءا لا يتجزأ من بنية النظام نفسه، الأسوأ من ذلك هو دخول حزب الله كشريك، وهو شريك للنطام وليس للقاعدة الشعبية، التي لا تربطها به أصلا سوى روابط عقائدية باهتة ستتلاشى مع تلاشي حكم آل الأسد الذين لم يبق منهم إلا بشار، وفي حالة رحيله، سيقفز حليفه إلى السلطة ليفرض حكمه على العلويين باسم المذهب أو المقاومة أو الممانعة، والتي لم تعد سوى شعارات وأدوات لإضفاء الشرعية على الاستبداد واحتكار السلطة، من إيران إلى سورية، مرورا بحزب الله!

هذه المخاوف والهواجس ستجد طريقها إلى أذهان الكثيرين، كما وجدت سبيلها إلى ذهن صلاح جديد القيادي العلوي الّذي قضى في سجون الأسد!

هناك حقيقة أخرى غابت في ظل ضجيج الحرب، وهي أن العلويين تربطهم وشائج مصاهرة وصداقة ومصالح ومنافع وعلاقات متشابكة، لا يمكن تفكيكها لا عمليا ولا وجدانيا، لا بإحراق السجلات المدنية ولا هدم الأحياء بالمدفعية ولا قصف المساجد، وأعتقد أنه في لحظة ما سينقلب الجميع على حكم الأسد وحلdفه حزب الله، ولن يمنحوه لا فرصة إنشاء دولة طائفية، ولا الدخول في المهمة المستحيلة وهي رسم حدود هذه الدولة، وبأي ثمن! أما حزب الله أو حسن نصر الله فسيجد من داخل طائفته من يأخذ على يده وينهي اختطافه لطائفة كاملة بصفته الزعيم الأوحد!

أي شعب تريد المعارضة السورية أن تحكم؟

طارق حمو

في إحدى المشاهد التي تٌبث على فضائية عربية يتقدم شاب سوري من بقايا منزل صارخا: أي شعب يٌريد بشار الأسد ان يحكم بعد كل هذه المجازر، هل سيحكم الحجر؟. وهذا التساؤل هو عينه الذي يفرض نفسه حاليا على المعارضة التي اختارت طريق التسليح وسيلة لإسقاط النظام، وتورطت في الرد على تخريب الآلة العسكرية الرسمية بتخريب آخر لا يقل عنه إجراما. يوما بعد يوم تتناقص شعبية المعارضة السورية المرتبطة بالأجندة الإقليمية في الداخل السوري. تبدو هذه المعارضة سياسيا ضعيفة ومشتتة لا حول لها ولا قوة، وعسكريا لا تسيطر على “الجيش السوري الحر” والذي يبدو حاليا ب 3 مجالس قيادية ( أجنحة سليم ادريس ورياض الأسعد ومصطفى الشيخ)، هذا ناهيك عن المجالس المحلية التي تتحرك بشكل لا مركزي وترفض أي تدخل من القيادات المتموقعة في تركيا. أما كل من “جبهة النصرة” و “دولة العراق والشام” القاعديتين فباتتا تسيطران على مساحات كبيرة من محافظات الرقة وريف حلب وأدلب، حيث تنتشر المحاكم الشرعية وتتوالى مناسبات ضرب الأعناق والأيدي ورجم الزناة ومكافحة التبرّج!. وتتخبط المعارضة الموالية للمحاور الإقليمية في علاقتها مع هاتين المجموعتين التكفيريتين، فتارة تصفهما بأنهما من “صلب الثورة السورية” وهما تضمان مقاتلين “جاءوا لنصرة أهل الثورة السورية” ( تصريحات: جورج صبرا، رياض الأسعد…) وطورا “تكتشف” المعارضة المأمورة بأمر الخارج بان هذه التنظيمات ماهي إلا “من صنع مخابرات النظام، زرعتها لتخريب وإفساد الثورة” (تصريح: سليم إدريس). وتأتي هذه المواقف المتضاربة للمعارضة الخارجية حسب المزاج السياسي لدول الدعم والإمداد، إضافة إلى الموقف السياسي الغربي والأميركي تحديدا. والآن هناك في الرقة مواجهات دامية بين فصائل من “الجيش الحر” و”جبهة النصرة” في ظل صمت مطبق من جانب “الائتلاف الوطني” الذي لم يصدر بيانا حتى الآن، منتظرا، ربما حسم المعركة على الأرض لكي يحدد موقفه لصالح الجهة المنتصرة!.

أما المعركة ضد الشعب الكردي فحدث ولا حرج، وقد أيدتها المعارضة الإسطنبولية من تحت الطاولة، بل وبدت تصريحات بعض “رموز” هذه المعارضة المؤيدة لكل من “جبهة النصرة” و” دولة العراق والشام” وكأنها صادرة عن الجناح السياسي لهاتين المنظمتين القاعديتين!. وتستر “الائتلاف الوطني” على جرائم هذه المجموعات الإرهابية في كل من بلدتي “تل عران” و”تل حاصل” بريف حلب، والتي أسفرت عن مقتل المئات من المدنيين الكرد. وتقول بعض المصادر بأن أوساط الائتلاف الإسطنبولي تفضل استمرار المواجهات بين القوات الكردية وكل من “جبهة النصرة” و”دولة العراق والشام” لإضعاف الطرفين، فضلا عن وجود رغبة دفينة في “تأديب الأكراد عن طريق الجهاديين” وتحويل مناطقهم إلى مناطق مواجهات ونزاع وخراب مثلها مثل باقي مناطق الداخل السوري!.

الأطراف الكردية باتت تعلم تماما بأن المعارضة الإسطنبولية تدعم في الخفاء هاتين المجموعتين الإرهابيتين ضدها، وهي تؤمن لهما الغطاء السياسي وتسكت على نقل السلطات التركية الأسلحة والعتاد لهما، ونقل قتلاهما وجرحاهما إلى مشافي تركية حدودية. ليس ثمة من موقف تجاه جرائم هذه المجموعات بحق الكرد، أو حتى إدانة لمخططات هاتين الجماعتين الرامية لتشكيل “دولة الخلافة” في الرقة ودير الزور والحسكة!. صعود الكرد كقوة منظمة عسكريا وتنظيميا أحيّت النزعة العنصرية التي زرعها “البعث” في أوصال القائمين على هذه المعارضة، ولعل ذلك كان وراء صدور مواقف عنصرية وشوفينية من العديد من المثقفين والسياسيين القريبين من هذه المعارضة ضد المطالب الكردية ومشروع “الادارة الذاتية”، والذي تقول المعارضة المسلحة التابعة للخارج بأنها نفسها تريد تطبيقه في حال “تحريرها” لبعض المناطق!.

مواقف المعارضة المعادية للشعب الكردي ورهانها على منظمات “القاعدة” وتأمين الغطاء السياسي لها في حربها ضد الكرد، أدى إلى زيادة تماسك الجبهة الكردية وإعادة الحسابات فيما يخص التعامل مع هذه المعارضة أو السماح لها بالاقتراب يوما من المناطق الكردية( تصريحات قيادات حزب العمال الكردستاني ورئيس اقليم كردستان العراق مسعود البرزاني بضرورة دعم كرد سوريا، والقرارات المنتظرة من المؤتمر القومي الكردي في أربيل). وقد زاد من جنون بعض القائمين على هذه المعارضة الطائفية العنصرية الدعوة التي وجهتها تركيا لصالح مسلم رئيس حزب الإتحاد الديمقراطي( الحزب الطليعي الذي يقود نضال القوى السياسية الكردية في سوريا الآن)، حيث لم يعد هؤلاء “الممثل الوحيد للشعب السوري” أو “الجهة المخولة بالإتصال الدبلوماسي”، وقفزت أنقرة فوقهم لعلمها بأن لا حيلة لهم في الملف الكردي، وفضلت الحديث مع أصحاب الشأن أنفسهم. المزاج الشعبي الكردي بات يساوي الآن بين النظام في دمشق وبين المعارضة المقيمة في فنادق اسطنبول وأنقرة، فهو يرى أن الاثنين ينكران الحق الكردي، ولديهما برنامج مشابه معادي للكرد ولمناطقهم، مع رجحان كفة النظام من جهة أنه “الاقل شرا” حيث انه لم يذبح ويقتل مئات المدنيين الكرد ولم يرسل الإنتحاريين إلى مدنهم، ولم يعلن حرب الإبادة الشاملة ضدهم ( تصريحات العقيد عبد الجبار العكيدي قائد المجلس العسكري للجيش الحر في حلب)، وهو ما قامت به المعارضة المسلحة الموجهة خارجيا، ومازالت تقوم به.

ولم تكتف المعارضة التابعة للمحاور الإقليمية والمتحالفة مع “النصرة” و”دولة العراق والشام” بمحاربة الشعب الكردي بهذه الصراحة والوضوح وتهديده بارتكاب الإبادة العرقية، بل راح “رموزها” يصفقون لزحف المجموعات الجهادية على مناطق الساحل ولجرائم قتل وذبح المدنيين العلويين هناك. وسمت المعارضة الطائفية هذه الجرائم ب “عملية تحرير الساحل”!. طبعا هذا ناهيك عن تأييد جرائم قتل وتهجير المسيحيين والدروز والإسماعيلية، والسكوت عن عمليات التصفية التي تقوم بها “جبهة النصرة” و”دولة العراق والشام” بحق المواطنين السنّة الذين يتظاهرون ضد الفكر “القاعدي” المفروض عليهم بقوة السلاح.

في سوريا يستطيع المرء أن يضع مسؤولية كل هذا الخراب وكل هذه الجرائم المتواصلة منذ عامين ونصف العام على طرفين، الأول: النظام الأسدي بكل ترسانة الجرائم والدمار، والطرف الثاني: المعارضة الإسطنبولية التي سلمت أمر الثورة السورية للمحاور الإقليمية وارتضت لنفسها دور الدمية وصفة “العمالة” بطيب خاطر، بل وتقاتلت لنيل ذلك!.

في سوريا ثمة شريكان في تحمل وزر الدم البريء: النظام والمعارضة الإسطنبولية. ومايزال الحبل على الجرار، حيث أن هذه المعارضة مصرة على المضي قدما في طريق التدمير ورعاية المجموعات الجهادية والتغطية عليها سياسيا، وهي تفعل ذلك حتى بعد أن تخلت عنها العديد من الأطراف الممولة الآمرة. فلا نعرف بعد إنتصار هذه “الثورة”، والحال هذه، أي شعب سوري تريد المعارضة أن تحكمه في المستقبل؟

ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى