أكرم البنيبكر صدقيصفحات سوريةعلي العبداللهعمر قدورهوشنك أوسي

مقالات تناولت المسألة الكردية في سورية بعد التطورات الأخيرة في العراق

 

 

 

معرفة الأكراد عربياً/ آزاد أحمد علي

إثر التحولات السياسية والثورة التكنولوجية في مجال الاتصالات والإعلام في السنوات الأخيرة، برزت دولياً قضايا سياسية عديدة، وخصوصاً قضايا الشعوب والأقليات القومية والدينية التي تتعرض للاضطهاد والاضمحلال، وفي صدارتها قضية الشعب الكردي في منطقة الشرق الأدنى.

بعد حرب الخليج الثانية طغت المسألة الكردية في العراق على مجموع القضايا التي تشغل المثقفين العرب، فهبطت بشكل مفاجئ على جدول أعمال المثقف العربي المهتم والمختص. يمكن الافتراض بداية أن الموضوع الكردي لم يؤسس له عربياً، بل ظلّ بعيداً من التناول العلمي والمعرفة الموضوعية بجذورها. لجأ البعض إلى الكتب والموسوعات المتوافرة في السوق أو في المكتبات، كان أغلبها لمستشرقين ومترجمين عرب، بهدف الإطلاع السريع على جوانب هذا الملف الساخن، ولسد الثغرة المعرفية الموجودة أصلا في الثقافة العربية السياسية المعاصرة في خصوص الموضوع الكردي.

سأتطرق إلى جانب من آليات تشكل المعرفة العربية الراهنة بالمسألة الكردية، ومحاولة رصد صورة الأكراد المرتسمة في الذهنية العربية المعاصرة. بالقدر نفسه أود التنبيه إلى ضرورة أن تكون هنالك قراءة عربية متعمقة للمسألة الكردية، بما يقتضيه ذلك من تملك مفاتيح عربية خاصة لمعرفة هذه القضية وتفهمها وإيجاد حلول لها. لا يتحقق ذلك إلا بعد أن يتم تصحيح الصورة والمشهد من الناحية المعرفية العامة، ومن ثم معالجة نتائجها سياسيا.

في منتصف عقد التسعينات من القرن الماضي ورد في النشرة الرئيسية لأخبار تلفزيون دمشق الحكومي الخبر الآتي: “انسحب أربعة من نواب المعارضة العراقية من البرلمان التركي…”. كل من سمع الخبر يومئذ اعتقد أن ثمة خطأ مطبعياً في إعداد الخبر أو قراءته، وإلا كيف ينسحب أعضاء من المعارضة العراقية من برلمان تركيا؟! بعد سنوات من إذاعة هذا الخبر عرفتُ مصادفة أنه كان هناك تعميم رسمي: “إذ عممت وزارة الإعلام في دمشق ضرورة الالتزام باستبدال اسم “الكردي” بـ”المعارضة العراقية” أينما ورد في الصحف والنشرات الإخبارية في الإعلام الرسمي السوري، أي بضرورة استبدال كلمة كردي أو كردستاني بالمعارضة العراقية أينما وردت. بذلك نكتشف أن أصل الخبر كان: “انسحب أربعة من النواب الأكراد من البرلمان التركي”.

مثّلت هذه الحادثة ذروة النهج الفضائحي للاعلام العربي “البعثي” الذي عمل على تزييف الواقع وتشويهه. قبل إذاعة هذا الخبر بأكثر من نصف قرن، نجد في مستهل كتاب “دروس تاريخ الشرق والغرب”، لمحمد نجيب الجزار، طبع ونشر مكتبة طباخ إخوان حلب، عام 1946، الذي كان يدرّس لطلاب شهادة الكفاءة (الإعدادية) في مدارس سورية، فقرة مطولة تشرح طبيعة حكم المماليك في سوريا: “المماليك هم فئة من الرقيق، أتى بهم النخاسون من نواحي تركستان وقفقاسيا، فكان هؤلاء يشترون أجمل وأذكى أبناء القفقاسيين والقزوينيين من جركس وكرج وأرمن وأتراك، فيبيعونهم لملوك وأمراء مصر وسوريا الأكراد، الذين ورثوا ملك صلاح الدين الأيوبي. وهؤلاء كانوا يربون المماليك في قصورهم تربية حسنة، ويدربونهم على الحرب والفروسية، ويعلمونهم اللغة العربية والفقه والحساب وسائر العلوم التي تؤهلهم للاستخدام في مناصب الدولة. وكان الأمراء الأكراد يقربون النابغين من مماليكهم ويعتمدون عليهم في تأمين الأمن وقيادة الجيوش، وإدارة المدن، وتدبير الملك، وكثيرا ما طمع هؤلاء المماليك بالإمارة بل بالملك ذاته، حتى ارتقى بعضهم إلى منصة الملك والسلطنة. وهكذا نشأت على أنقاض الدولة الأيوبية دول طوائف حديثة من هذا النوع عرفت في ما بعد بدول المماليك”.

إذاً، في أواسط القرن العشرين وفي سياق تعليم تاريخ سوريا، تم التأكيد أن الأمراء والفرسان الأكراد كانوا حكاماً لبلاد الشام، وولاة على مناطق عديدة من المشرق منذ مطلع الألف الأول الميلادي. تالياً، لم تكن سياسة التشويه التاريخي وتزييف الوعي قد بدأت حتى تلك المرحلة عند سرد تاريخ المنطقة. لكنه وخلال نصف قرن بين التاريخين المذكورين أعلاه، شنت حملة من التشويه المعرفي والعلمي على أوسع نطاق، تهدف إلى إلغاء كل ما هو متعلق بالأكراد وتاريخهم وحاضرهم، ومن ثم توظيف نتائج عملية التزييف تلك في السياسة والحكم. الحملة كانت منظمة ومؤدلجة، انتشرت على نطاق جغرافي واسع، تجاوزت حدود سوريا وبلاد الشام والعراق. كان التوجه فردياً عند البعض وحزبياً عند البعض الآخر، لكنه في المحصلة وصل إلى المؤسسات ضمن حكم حزب البعث في كل من سوريا والعراق، وبات سياسة ومنهجا لها. جاء ذلك في إطار سلسلة من الإجراءات والسياسات الثقافية والخطط التعليمية للتعتيم على الموضوع الكردي معرفياً أولاً، ومن ثم سياسياً وإعلامياً في المقام الثاني. هذه السياسات المنهجية بدأت بالمدارس والجامعات، وصولاً إلى إعادة كتابة التاريخ، بهدف التعتيم على حقيقة الوجود الكردي وفاعليته، ومن ثم تشويهه، فنسيانه.

كانت النكتة الإعلامية السابقة الذكر، الذروة والمنعطف في سياسات التشويه وتغيير الحقائق كلياً، وصولا إلى الكذب على الواقع وخداع المتلقي والقارئ العربي. تالياً لم يعد من الممكن على فرد أو جهة ذات إمكانات متواضعة، الرد على هذا السيل من المعلومات المعكوسة، إبان فترة تاريخية طويلة نسبياً، فتأثرت عموم الثقافة العربية المعاصرة بهذه الحملة التضليلية، إلى أن وصلنا إلى ما يمكن أن نسمّيه سياسة التجهيل والجهل بالموضوع الكردي جملةً وتفصيلا.

ليس مستغرباً أن لا يعرف المواطن بل المثقف العربي شيئاً ذا قيمة جوهرية وموضوعية عن واقع الأكراد وتاريخهم. لأن الموضوع تم صوغه وإخراجه من جديد خلال حقبة تاريخية معاصرة طويلة، تأسس فيها الوعي المعرفي العربي المعاصر. تشكل هذا الوعي في خطّه العام تحت تأثير عاملَي التعليم المدرسي والإعلام المعاصر.

بين هاتين المحطتين، الأولى “التوصيف المدرسي للأكراد كفرسان نبلاء وحكام للمشرق”، والتشطيب الأخير على مفردتَي “الأكراد وكردستان”، في إعلام نظامَي البعث، مر نصف قرن من التشويه المقصود لتاريخ المنطقة، وحجبت المعلومات والمعارف عن طلبة المدارس والجامعات وجمهور العامة. بل تم تغيير كل المعلومات والإشارات الصحيحة الدالة على أصل الأكراد وتاريخهم ودورهم المميز في دول المنطقة وحضاراتها، بما أفضى إلى تراجع معرفة العربي لتاريخه وواقعه بدلالة معرفة تاريخ الأكراد وغيرهم من الشعوب المجاورة.

ما يستوقفني في هذا الموضوع هو كثافة تناول التراث المعرفي العربي للأكراد كمجموعة إثنية وأمة، فقد أخذ حقه الكامل في أمهات كتب التاريخ والأنساب والجغرافيا والفقه، مقابل فقر معرفي معاصر. فقلما خلا مرجع أو مصدر من المصادر التاريخية العربية من توصيف الكرد، بل تضمن كثافة في المعلومات المتعلقة بهم، حيث نال الموضوع الكردي اهتماماً كبيرا من الأعلام المسلمين، فتمت معالجته علمياً، ضمن شرطه وسياقه التاريخي. في حين لم يأخذ الموضوع الكردي الحد الأدنى من اهتمام المثقفين العرب وكذلك المؤرخين المعاصرين. أُهملت المسألة الكردية معرفياً، على الرغم من أن الأكراد هم أقرب الشعوب جغرافياً واجتماعياً إلى العرب. هذه الحقيقة البسيطة لم تحرض ذهن الدارسين والباحثين العرب المعاصرين، بقدر ما أثارت اهتمام البلدانيين العرب الأوائل. فعلى سبيل المثال، يعدّ مفتي دمشق المؤرخ ابن فضل الله العمري (توفي في نحو العام 1300م)، أول من أسس لأهمية موضوعة الجوار الجغرافي العربي – الكردي، فحدد جغرافيا وجود الأكراد قبل القرن الثالث عشر الميلادي في كتابه الموسوعي “مسالك الأبصار في ممالك الأمصار” بدقة، في الوقت الذي مال في توصيفه إلى ربط الجغرافيا السكانية للأكراد مع البلاد العربية، أكثر من ربطها بالجبال في شمال بلاد الرافدين وسوريا، فبيّن عصرئذ: “الفصل الأول في الأكراد. الذي نقول وبالله التوفيق إن الأكراد وإن دخل في نوعهم كل جنس يأتي ذكره في هذه الفصول، فإنهم جنس خاص من نوع عام وهم من قارب العراق وديار العرب دون توغل في بلاد العجم. ومنهم طوائف بالشام واليمن. ومنهم فرق متفرقة في الأقطار، وحول العراق وديار العرب جمهرتهم. وغلب في زماننا بما يقارب ماردين… ولم أذكر من عشائرها إلا من كنت به خبيراً أو لم اسم فيها إلا بيت ملك أو إمارة تبدأ بجبال همذان وشهرزور وأربل وتنتهي إلى دجلة الجزيرة من كوار إلى الموصل وتترك ما وراء دجلة إلى نهر الفرات لقلة الاحتفال به. على إن ما ذكرته هو خلاصة المقصود. إذا لم يبق إلا أكراد الجزيرة وقرى ماردين وهم بكل من جوارهم من الأعداء الماردين، مع إن أماكنهم ليست منيعة ومساكنهم للعصيان غير مستطيعة”.

فإذا كان الباحث العربي لم يتنبه إلى حقيقة مقاربة المصادر العربية لتاريخ الأكراد وعلاقتهم الوطيدة بالعرب في إطار الدولة العربية الإسلامية، فإن كل من كان على علم بهذه المعارف يتحمل جزءاً من مسؤولية عدم الكشف عن هذا الغنى المعرفي في مصادر التاريخ العربي وكتب التراجم والإعلام العربية، التي شكلت أهم مصدر لمعرفة الأكراد منذ أكثر من ألف وثلاثمئة عام، حتى العقود والسنوات القليلة الماضية. نتحمل مسؤولية حجب هذه المعلومات وطريقة توظيف الجهل بها لأغراض سياسية وحزبية و”قومية” ضيقة. وعلى الرغم من سخونة المسألة الكردية، لم يول الإعلام الرسمي العربي ومناهج التعليم أي أهمية لمعرفة هذا الشعب “الجار” الذي يشكل حلقة وصل مع الجوار الأبعد، بل ثمة توافق “ثقافي” عربي على إهمال كل ما يتعلق بالأكراد بطريقة ما، وتناسي تاريخهم وبلادهم، كونها من الألغام التي لا يحبذ الاقتراب منها.

ان عدم التنبه إلى أهمية الجوار العربي – الكردي، موجباته وضرورة تناوله، أولا من الناحية المعرفية – التاريخية، ومن ثم الجيوسياسية، يشكلان نقطة ضعف كبيرة للثقافة والمعارف العربية المعاصرة. كما أن هذه المعرفة المفترضة لم تعط أي أهمية لاحتمالات تحولات مستقبلية ذات صلة متفاعلة مع هذا القرب الجغرافي، وإنما اتخذت سياسة التجاهل والتهرب من الموضوع ذاته أساسا للتناول. حدث ذلك على الأرجح كاستعارة من سياسة القوميين العرب في بلاد الشام والعراق، وعممت عربيا، حيث كانت إحدى أهم أسس عملها ومعالجتها للموضوع الكردي، إخفاء الحقائق، وشطب كل ما هو متعلق بالأكراد، بدءا بالتاريخ وصولا إلى الجغرافيا مرورا بالسكان.

لقد توجت سياسة التجهيل والتزييف المعرفي هذه بممارسات عملية، بدأت بإقصاء الكرد عن المناصب العسكرية الذين كانوا يشغلونها منذ أواخر العهد الأموي، وكذلك إبعادهم عن الإدارات، وبعض مفاصل الحكم التي اكتسبوها عبر التاريخ في بلاد الشام والعراق ومصر.

فإذا كان هذا هو الخط العام لعمل قنوات الإعلام وسياسات بعض المؤسسات الإعلامية والثقافية العربية، فليس مستغرباً أن لا يعرف العامة، بل المثقف العربي شيئاً ذا قيمة عن واقع الأكراد الراهن وتاريخهم.

يزيد الموضوع تشويشاً وتعقيداً، أن أغلب المثقفين العرب من إعلاميين وكتّاب بل وباحثين، لم يتعرفوا إلى الأكراد من طريق المصادر العربية الأمّ، وإنما اعتمدوا عند الحاجة على مصادر استشراقية وغربية متواضعة وغير موضوعية في الغالب. وإذا استثنينا بعض الإشارات القديمة لأصل الأكراد، وما ورد عند اليونان، تظل المصادر العربية هي الأساس والأصل في معرفة الأكراد في القرون الوسطى. فالعرب هم أول من ذكر الأكراد كشعب وأمة ودرسوا حياتهم وحددوا جغرافيا بلادهم. لذلك لا بد للمعرفة التاريخية الموضوعية بالأكراد أن تبدأ بالمصادر العربية الأم، التي لم تتأثر بإيديولوجيا محددة ولم تخضع لضغوط سياسية أو تعاميم لوزارات الإعلام المعاصرة. كما أن معظم المعلومات الواردة في المصادر العربية منقولة من مصادر أقدم، أو متأتية من مشاهدات المؤلفين العرب الأوائل أنفسهم. وهي في غاية الإسهاب والتفصيل. سأذكر البعض منها على سبيل التذكير فحسب: تاريخ اليعقوبي. البلاذري في “فتوح البلدان”، المسعودي في “التنبه والإشراف”، و”مروج الذهب”، الدينوري في “الأخبار الطوال”، الطبري في “تاريخ الرسل”، ابن الأثير الجزري في “الكامل في التاريخ”، ابن فضل الله العمري القرشي في “مسالك الأبصار في ممالك الأمطار”، ابن حوقل في “صورة الأرض”، ياقوت الحموي في “معجم البلدان”، أحمد القلقشندي في “صبح الأعشى”، وابن خلدون في “كتاب العبر”.

من المفيد للدارسين، ولمن يبحث عن تفاصيل تاريخية دقيقة، ومعرفة واسعة بالسلالات الحاكمة في كردستان، أن يقرأ كتاب “شرفنامه” للمؤلف الكردي شرفخان بدليسي من أوائل القرن السادس عشر، وكذلك كتاب “خلاصة تاريخ الكورد وكردستان” لمحمد أمين زكي، الذي كتبه مطلع القرن العشرين.

كان أخطر جانب في خطة عدم المعرفة بالأكراد، هو تجاهل دورهم المميز في الحياة السياسية العربية الإسلامية منذ مطلع عهد الخلافة حتى نهاية العهد العثماني بعد دخول الملك فيصل دمشق. لم نصادف دراسة أو بحثاً ذا قيمة حول الفاعلية السياسية الكردية وعلاقتها التفاعلية بالحكم العربي الإسلامي، لأن كل المصادر التاريخية العربية المذكورة أعلاه، تكشف بل تؤكد دور الأكراد المميز اجتماعياً وسياسياً وعسكرياً في مقاومة الاستبداد، وعدم الرضوخ لظلم الحكام والولاة.

هذه الفاعلية السياسية تستحق التوقف عندها، والتذكير بها. ففي بداية دخول الأكراد المشهد السياسي العربي، شكلوا مخزوناً بشرياً لدعم الفتوحات الإسلامية، وتوجيهها. لذلك كانت مناطق شرق بغداد التي تقع حالياً في غرب إيران، وبخاصة مدينتي حلاوان (حلوان) وهمذان الكرديتين، مفتاحاً لدخول عموم إيران وآسيا الوسطى. كما تبين لاحقاً أن الأكراد شكلوا بيئة اجتماعية لأغلب الصراعات السياسية التي جرت في الدولة العربية الإسلامية، والمتمثلة ظاهريا في الصراع على الحكم، لكنها في العمق كانت مستندة إلى خلفيات فكرية وإثنية ومحلية. لقد تأثر الأكراد وأثروا في هذه الصراعات، منذ لجوء مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية (744 – 750) إلى الشمال، ونقل العاصمة من دمشق إلى بلدة حران جنوب ديار بكر، في محاولة للاستقواء بأهل أمه الأكراد (أم مروان كانت كردية الأصل بحسب “أنساب الأشراف” للبلاذري).

لكن، وكما يستنتج لاحقاً، مالت غالبية الأكراد، وخصوصاً أكراد الشرق في حلوان وقرميز (كرمان شاه) إلى أبي مسلم الخراساني (الكردي الأصل حسب ابن قتيبة) في نحو عام 754، وشكل الأكراد بذلك رافعة لصعود الحكم العباسي الجديد، من طريق دعمهم لأبي مسلم.

وفي عهد المنصور (754- 775) تعاظم نشاط الحركة الخرمية، وهي عقيدة قريبة من المانوية والمزدكية. وعرف الخرميون باسم “الحمر”، والتقت حركتهم مع الحركة الشيعية بقيادة أبي مسلم الخراساني. قاد الخرميين بابك الخرمي ويعتقد انه كردي أيضا. وكان إقليم الجبال احدى البؤر الرئيسية للحركة الخرمية التي كان اغلب سكانها أكراداً. إذ يورد الطبري وابن الأثير معلومات مفصلة عن بابك وعصمت الكردي اللذين ساهما منذ البداية في الانتفاضة الخرمية.

بالقدر نفسه كان للكرد لاحقاً دور فاعل في حركة الزنج، حيث يشير الطبري إلى أن والي خوزستان كان إقطاعياً كردياً يدعى محمد عبيد الله بن آزاد مرد. وبالاستناد إلى أخبار غيره من المؤرخين، كانت لهذا الكردي حاكم خوزستان علاقة سرية بثورة الزنج (868 – 883) منذ بداياتها وكان حليفاً لقائد ثورة الزنج علي بن محمد. وتنازل له عن ولاية خوزستان (عربستان الايرانية الحالية). وكان للكرد لاحقاً مساهمة واسعة في حركة القرامطة.

يمكن الاستنتاج ان الأكراد كانوا يشكلون أغلبية السكان لإقليم خوزستان شمال الخليج، وكذلك لمعظم مناطق شرق العراق الحالي- غرب إيران، ويبدو ان حلوان وهمذان وتوشتا كانت مدنا ذات غالبية كردية تشيعت مبكرا إبان العهد العباسي، وساندت أولى تحركات القرامطة خلال عامي 890/891 في الكوفة وفي عام 900 بدأت حركة ضخمة للقرامطة في سوريا، وخصوصاً بعد موت يحيى بن زكروية، فتزعم الحركة أخوه الحسين الذي كان يلقب بـ”صاحب الشامة”. وقد تركت لنا المصادر التاريخية من العصور الوسطى رسالة مهمة تلقي الضوء على تعاون جعفر بن حميد الكردي حاكم إحدى مقاطعات سوريا الغربية مع ابن زكروية، وهذه الرسالة عبارة عن دعوة أرسلها في عام 901 صاحب الشامة لحليفه الكردي، لكن لم يتضح تماماً من مضمون الرسالة ماهية المنطقة التي يحكمها جعفر بن حميد الكردي. لكن الافتراض بموجب مضمون الرسالة يشجع على الاعتقاد أن المكان كان في منطقة حمص الواقعة غرب سوريا.

هكذا يمكن الاستمرار في السرد التاريخي لبيان الترابط العضوي المجتمعي والسياسي الكردي – العربي خلال قرون عديدة من تاريخ المنطقة، لكن البحث سيطول ويتشعب ويخرج عن هدفه المعرفي المحدد، والمتمثل في التذكير بأهمية المشترك التاريخي والروحي بين العرب والكرد، وقابلية توظيف هذه المساحة من أجل علاقات حسن الجوار، إضافة إلى تصحيح كل التشوهات الإيديولوجية والحزبية التي لحقت بصورة الكرد، تالياً بحقيقة اسس تاريخنا المشترك.

أخيراً لا أجد قولا مناسبا لأختم به ما سبق، أكثر مما ذكره الراحل ادوارد سعيد: “إن المعرفة بمعانيها السياسية والإنسانية ينبغي كسبها لمصلحة العيش المشترك وخير المجتمع، أي مجتمع كان، وليس أعراقا أو قوميات أو طبقات أو أدياناً بعينها”.

 

* كاتب وأكاديمي، رئيس تحرير مجلة الحوار الكردي – العربي.

النهار

 

 

 

 

الصعود الكردي من كركوك إلى أنقرة/ بكر صدقي

مع دخول قوات داعش وحلفائه من الفصائل السنية المسلحة مدينة الموصل، في العاشر من شهر حزيران/يونيو، دخلت قوات البيشمركة مدينة كركوك وسيطرت عليها بلا قتال. سواء في محادثاته مع وزير الخارجية الامريكي جون كيري، أو في تصريحاته أثناء «زيارة الفاتحين» لكركوك، عزز مسعود بارزاني التوقعات حول قرب استقلال إقليم كردستان وانفصاله النهائي عن الدولة العراقية. هذه الدولة التي ولدت مصطنعة قبل أقل من قرن، ولم تبق متماسكة إلا بعامل القوة المتمثل في أنظمة الحكم الدكتاتورية المتعاقبة، انهارت للمرة الأولى حين دخلت القوات الامريكية العاصمة بغداد في ربيع العام 2003، وها هي تنهار تماماً أمام زحف مقاتلي داعش وحلفائه. فشلت محاولة الامريكيين الابقاء على وحدة العراق بعد الغزو، لأنهم سلموها لقيادة شيعية مرتبطة بالطموحات الامبراطورية لإيران، فعلت كل ما من شأنه نبذ السنة والكرد خارج المشاركة الوطنية. وها هي النتائج: انفصال الثلث السني تحت قيادة داعش، و»حل» مشكلة كركوك التي كانت متنازعاً عليها، كما عبر القائد الكردستاني.

في الوقت نفسه، قدمت حكومة أردوغان رزمة تشريعية إلى البرلمان تتعلق بوضع إطار قانوني لإجراءات الحكومة المتعلقة بحل المشكلة الكردية. جاءت هذه «الهدية» الجديدة لكرد تركيا عشية الانتخابات الرئاسية التي من المفترض أن تجري جولتها الأولى في العاشر من شهر آب القادم. ويقضي النظام الانتخابي الجديد بوجوب فوز المرشح بالنصف زائد واحد من أصوات المقترعين، وإلا تعين عليه خوض جولة ثانية مع المرشح التالي في عدد الأصوات. يفصل بين الجولتين أسبوعان، من المحتمل أن يشهدا بازاراً لعقد الصفقات بين الأحزاب السياسية للفوز بالمقعد الرئاسي بعدما تزود بصلاحيات أكبر مما كان في السابق.

بهذا المعنى لا يمكن قراءة الرزمة التشريعية المتعلقة بالمشكلة الكردية إلا بوصفها رشوة يقدمها أردوغان للفوز بأصوات الناخب الكردي الذي ارتفعت قيمته كثيراً في هذه الانتخابات بسبب المعارك التي يخوضها رئيس الوزراء ضد مجموعة من الخصوم على جبهات عدة. فإضافة إلى المعارضة التقليدية من حزبي الشعب الجمهوري (العلماني) والحركة القومية، يخوض أردوغان صراعاً مريراً ضد حليفه الإسلامي السابق فتح الله غولن الذي لديه جيش من المريدين من حملة الشهادات الجامعية ومن الموظفين في مختلف دوائر بيروقراطية الدولة. أضف إلى ذلك الجيل الشاب غير المؤطر سياسياً الذي انتفض ضده في حزيران 2013، وفيه علمانيون ومتدينون، وعلويون وكرد، وطلاب جامعات وأصحاب ياقات بيضاء، ومشجعو أندية كرة القدم وأبناء الطبقات الثرية وفنانون ومثقفون.. ومن خصومه أيضاً العلويون وبقايا الحركات اليسارية والوطنية الكمالية المتشددة.

كأننا بأردوغان، في اختياره خطب ود الكرد لتحييدهم عن بقية الخصوم، يكرر سيرة سلفه مصطفى كمال أتاتورك لحظة تأسيس جمهوريته الوليدة. فقد اتبع «أب الأتراك» تكتيك استمالة الكرد، بوعدهم بالحكم الذاتي، ليتفرغ لتهجير اليونانيين من إزمير والقضاء على المعارضة الداخلية التي برزت من بين رفاق سلاحه في حرب الإنقاذ. وقد بنى الرجل على تهجير الأرمن والسريان الذي قامت به حكومة الاتحاد والترقي قبله، فأكمل تطهير تركة الرجل المريض من العناصر غير المسلمة، وقضى على الخطر الإسلامي المحتمل بتبني مفهوم متشدد للعلمانية لا يكتفي بتحييد الدولة عن شؤون الدين، بل يسعى لـ«عصرنة» المجتمع التركي بقطع روابطه مع ماضيه ومحيطه الإسلاميين.

وما أن استتب له الأمر وتفرد بالحكم بعد التخلص من يونانيي إزمير ومنافسيه على السلطة من رفاقه القدامى، حتى انقض على الكرد الذين راهن على تذويبهم في وعاء القومية والثقافة التركيتين، فقمع بوحشية تمرداتهم في الأعوام 1925 و1930.

أردوغان الذي أمضى سنوات حكوماته الثلاث في وعود معسولة لحل المشكلة الكردية، ظل يماطل ويخادع ويتهرب من الاستحقاقات. ها هو اليوم يلجأ مرةً أخرى إلى الحيلة ليرشو الناخب الكردي بمشروع قانون أطلق عليه اسم «إنهاء الإرهاب وتعزيز وحدة المجتمع» فقط كتكتيك انتخابي للفوز بمقعد الرئاسة الأولى. لا اسم مشروع القانون (وهو سيء بما يكفي) ولا مضمونه يتضمنان كلمة «كردية» أو «الكرد». بل إن هذا المشروع لا يتضمن أي شيء يتعلق بحل المشكلة الكردية، مكتفياً بوضع إطار قانوني تتحرك فيه الحكومة باتجاه الحل المنشود. بكلمات أخرى، يسعى مشروع القانون إلى إضفاء الشرعية على مفاوضات الحكومة السرية مع حزب العمال الكردستاني وزعيمه الأسير عبد الله أوجلان، ليخرجها من السرية التي يمكن أن تطالها المحاسبة إلى العلنية ومنح الحصانة القضائية للمفاوضين من طرف الحكومة.

لذلك، وعلى رغم التقييم الأولي الإيجابي الذي صدر عن أوجلان عبر زيارته الأسبوعية، لم يفاجأ أحد بترشيح رئيس حزب السلام والديموقراطية الكردي صلاح الدين دمرتاش إلى الانتخابات الرئاسية، وهو ما يعبر عن التوجس الكردي المشروع من نوايا أردوغان. فعلى أهمية ترشيح أول ممثل للحركة السياسية الكردية إلى منصب الرئاسة الأولى في تطبيع صورة الكردي في الرأي العام التركي بعد قرن من سياسات الإنكار والقمع، ليس لهذا المرشح أي حظوظ للفوز، بما أن من سيصوتون له هم الكرد فقط، بل جزء منهم. لكن صوت الناخب الكردي سيمتلك قيمة ترجيحية إذا اضطر أردوغان إلى خوض جولة ثانية، في حال حصوله على أقل من خمسين بالمئة من الأصوات في الجولة الأولى. وهو الاحتمال المرجح بوجود ثلاثة مرشحين أقوياء سوف تتشتت الأصوات فيما بينهم.

ما بين الجولتين سينعقد بازار المساومة بين أردوغان والحزب الكردي، ومن المحتمل أن يطالب هذا الأخير بإطلاق سراح زعيمه أوجلان ثمناً لتصويت الكرد لرئيس الوزراء.

 

٭ كاتب سوري

القدس العربي

 

 

 

 

عرب وأكراد: الطلاق أخيراً/ عمر قدور

حتى الآن يبدو أن أكراد العراق هم أكثر من استفاد من المعمعة العراقية الجديدة، فهم قد سيطروا على كركوك وأعلنوا نيّتهم الاحتفاظ بها بلا اتفاق مع الحكومة المركزية، وربما تكون كركوك آخر مدماك في بناء الدولة الكردية الجديدة، فينتهي بذلك ما يزيد عن عقدين من الحكم الذاتي، نصفهما بحكم الحظر الجوي الغربي على نظام صدام، والنصف الآخر بموجب الدستور العراقي الجديد. وسواء أسرعت قيادة إقليم كردستان بإعلان الاستقلال أو تباطأت به صار جلياً أن الاستقلال ناجز فعلاً، وأن إشهاره متوقف فقط على اختيار اللحظة الدولية المؤاتية، مثلما كان العمل عليه يتحيّن الفرصة المحلية المناسبة التي وفّرتها الأحداث الأخيرة.

انفصال الأكراد تأخّر نحو عقد من الزمن، بعد أن صار أمراً واقعاً، لأن السلطة الفعلية الكاملة دانت لحكومة الإقليم في نظام لا يعتمد الفيدرالية على عموم الأراضي العراقية. وبينما كانت الكتل السياسية العراقية الأخرى تمرّ بأطوار من التفكك أو الاصطفاف بقيت الكتلة الكردية متماسكة، أي أنها لم تنخرط في العملية السياسية الوطنية. لقد كان محرّك الكتلة الكردية طوال الوقت هو الحصول على أكبر ثدر من المكاسب للأكراد، بصرف النظر عن الوضع العراقي العام، لذا أتت تحالفاتها ضمن هذا المنظور القومي فقط. وكان يناسبها في العديد من الأحيان التحالف مع حكم مركزي ضعيف يسهل ابتزازه بدل العمل على تقوية العملية السياسية ككل وصولاً إلى حكومة مركزية ذات قاعدة شعبية عريضة. تعامل الأكراد على أنهم خارجيون إزاء عراق ما بعد صدام، وارتكز خطابهم السياسي على أن مجرّد بقائهم الشكلي في عراق موحّد يُعدّ تنازلاً كبيراً، مع إغفال حقيقة أن بقاءهم لم يأتِ توافقاً مع القوى المحلية بقدر ما أتى وفق التوازنات الدولية.

على الجانب السوري، انقضت منذ نحو سنتين المشاركة الكردية الملموسة في الحراك ضد النظام. وإذا كان واضحاً منذ البداية عدم رضا الزعامات الكردية عن انخراط الشباب الأكراد في الحراك الوطني العام فقد استطاعت تطويع نسبة منهم وترويع قسم آخر، سواء بإرهابهم مباشرة أو بتخويفهم من البديل القادم. بموجب الخطاب الكردي السوري السائد، ثمة نظام عروبي بعثي في مقابله معارضة داعشية، لا ينفع معه القول بأن داعش كانت طوال الوقت تنفّذ أجندات تخدم النظام، أو أن المعارضة السورية بغالبية أطيافها ترى في داعش عدواً لها أسوة بالنظام وأن قسماً منها يقاتل داعش أسوة بقوات الحماية الكردية.

الخطاب الكردي هذا موجّه في الدرجة الأولى إلى الجمهور الكردي نفسه، وهو ببساطة يشيطن الآخر “العربي” مثلما يفعل أي خطاب قومي يعتمد على تنميط “العدو” وصولاً إلى تنميط الذات. ترجمته الحرفية هي وقوف الأكراد على الحياد في الحرب الحالية، مع ميل لا يخفى من قبل الزعامات الغالبة إلى النظام تجلّى أخيراً في السماح للنظام بإجراء الانتخابات الرئاسية ضمن مواقع السيطرة الكردية، الأمر الذي يتيح له نسبة أعلى من التزوير مع الزعم بوجود نسبة أكبر من المشاركة في الاقتراع.

مع ذلك، لتبرير الخطاب القومي الكردي، يجري استحضار الفكر البعثي في البلدين “سوريا والعراق”، وكأن مجمل التطورات لم تثبت أن البعثين العراقي ارتكبا الجرائم بحق أبناء الشعبين من العرب أيضاً، وبما لا يقل عن جرائمهما في حق الأكراد. هذا لا يعفي القوميين العرب من مسؤولياتهم الأدبية والأخلاقية تجاه مظاهر التمييز الأخرى التي عانى منها الأكراد، ولا يعفيهم أصلاً من عدم قدرتهم على بناء أوطان لأبنائها لا لحكامها المستبدّين. إلا أن فشل القوميين العرب وجرائمهم لا يفسّران وحدهما الخطاب القومي الكردي. ولا يجوز وضع الأخير في مثابة ردّ فعل فحسب، ولا يجوز وضع النزوع القومي الكردي في إطار المظلومية وحده، فالحق أن النزوع القومي الكردي وجد قبل استلام البعث السلطة في البلدين، وهو موجود الآن أيضاً في تركيا التي تشهد منذ ثلاثة عقود عملية ديمقراطية واسعة وتحسّناً مطّرداً في أوضاع الأكراد.

ثم إن فشل الفكر القومي العربي لا يبدو قد قدّم درساً لدعاة الفكر القومي الكردي، فمقوّمات الأخير تكاد تكون مطابقة تماماً لمقوّمات القومية العربية السائدة، والأدوات التبريرية والذرائعية تكاد تكون متطابقة بين الطرفين. أما التنظيمات الحاملة للفكر فهي تتبنّى نظرياً وعملياً مفهوم الغلبة مع جمهورها الواسع، مثلما تتوسّل القوة الإمبراطورية في دولتها الموحّدة الموعودة. وقد لا يكون مقبولاً من نسبة كبيرة من الأكراد القول بأن التجربة الكردية على هذا الصعيد متأخرة عن نظيرتها العربية، على الضدّ مما يشيعه مناصرو القومية الكردية عن دهاء قياداتهم وقدرتها على الاستفادة من الظروف السياسية الحالية. فالعبرة أولاً وأخيراً في ما يقدّمه أولئك من إنجازات فعلية للمواطن الكردي تتعدّى الفخر المؤقت بالحصول على دولته الخاصة.

في سوريا والعراق، وفي اللحظة التاريخية الراهنة، أتيح للأكراد خيار السير والمشاركة الكبرى في بناء دولة مواطنة تعدّدية، لكنهم آثروا الخيار الأسهل والأكثر استقطاباً للغرائز. لن يكون منصفاً تخصيصهم باللوم، لأن القوى الأخرى لم تُقدِم على الخيارات الأفضل أيضاً، مثلما لن يكون منصفاً النظر إليهم كمستضعفين دائماً.

المدن

 

 

 

في ما خصّ الأكراد والهوية الوطنية/ أكرم البني

«يجب اغتنام الفرصة لإعلان استقلال كردستان»، هي عبارة تكررت أخيراً على لسان غير قيادي كردي عراقي، والفرصة هي التطورات المتسارعة التي تجرى في سورية والعراق وتنذر بتمدد تنظيم «دولة الإسلام في العراق والشام» وما يشكله ذلك من خطر على الدول والأوطان وعلى حقوق الناس عموماً وعلى التنوع الإثني والديني في كلا البلدين.

الصراع بين الهوية الوطنية والحلم القومي صراع قديم عند الأكراد بعدما وزعتهم اتفاقية سايكس-بيكو في أربع دول، لكنها لم تنجح في دمجهم وطمس ثقافتهم وهويتهم، وإذا بقي الحراك الكردي في إيران محدوداً وتمكنت الثورة الاسلامية من محاصرته وتطويعه متوسلة الأيديولوجية الدينية والقمع المعمم، فإن الأكراد في سورية مالوا نحو تغليب وطنيتهم ربما بسبب كتلتهم المحدودة وتوزعهم على مساحات جغرافية متقطعة، لتنحو غالبية تعبيراتهم السياسية نحو تبني شعارات تؤكد الانتماء الوطني وتطالب إلى جانب رفع الظلم والتمييز عنهم، بإرساء دولة المواطنة والديموقراطية في البلاد.

في حين تميز النضال الكردي في تركيا والعراق بالحيوية القومية وخاض في البلدين كفاحاً مسلحاً ضد السلطة المركزية، قبل أن يصل حزب العمال الكردستاني إلى اتفاق مع حكومة أنقرة أعلن بموجبه وقف العنف والتزامه بالدولة التركية كخيار إستراتيجي مع المطالبة بحكم ذاتي يضمن للكرد حقوقهم وخصوصيتهم الثقافية، بينما لم يتمكن أكراد العراق من السيطرة على أوضاعهم، إلا بعد تحرير الكويت وجعل منطقة الشمال ذات الغالبية الكردية تحت رعاية دولية، لكن وعلى رغم معاناتهم التاريخية المريرة، بدا خيارهم الوطني واضحاً، واتضح أكثر بعد إسقاط صدام حسين وإرساء دعائم دستور لعراق اتحادي فيدرالي كشكل من إشكال العلاقة الآمنة مع المركز، وزاد الأمر وضوحاً الاعتراف بمؤسساتهم البرلمانية والحكومية ومنحهم موقع رئاسة الجمهورية واعتبار لغتهم لغة رسمية ثانية في البلاد.

وعلى رغم تقدم الحضور الوطني لأكراد العراق واحترام حقوقهم وهويتهم، بقيت المسألة القومية الهاجس السياسي الأول عند بعضهم، إما بسبب نظام المحاصصة البغيض في العراق الذي يشوّه الدولة الديموقراطية ومفهوم المواطنة ويؤجج الخلافات ما دون الوطنية، وإما بسبب خلل في الممارسة السياسية، تجلى بتناوب حكومات عراقية فاسدة سعت إلى الاستئثار بكل شيء على حساب بناء وطن يوفر فرص متكافئة لكل أبنائه.

والحال، فإن تقدم الخيار القومي الكردي اليوم هو أمر مفسر كمحاولة لتحرير الذات من أعباء الالتزامات الوطنية طالما لا تساعد في معالجة الأزمات المتفاقمة وفي تحقيق الشراكة الندية وتكامل المصالح، وطالما أن وعد التغيير الديموقراطي الذي حمله الربيع العربي يعاني عثرات كبيرة ويشوّه بفعل العنف السلطوي المنفلت والتقدم الحثيث لتيارات إسلاموية لا علاقة لها بشعارات الحرية وحقوق الانسان، وطالما أن هناك قوى قومية في الطرف الآخر لا تزال تعيش أوهام الماضي وتستمر في تعميم أفكار شوفينية تطعن بحق الأقليات القومية وتعتبر ما هو قائم من تنوع وتعددية نتاجاً طارئاً صنعه الاستعمار ومصالح القوى المتصارعة على المنطقة، ما يفسر سرعة استغلال هذه القوى لتعبير «اغتنام الفرصة» لاستحضار تحذيرات سبق وأطلقتها في وجه الديموقراطيين ودعاة رد المظالم للأكراد وضمان حقوقهم القومية، جوهرها التشكيك بالادعاءات الوطنية للأكراد وبأن لا أمان لهم ويظهرون غير ما يبطنون، ويترقبون الوقت المناسب، بدليل اللحظة الراهنة، لتنفيذ مشروعهم القومي من دون اعتبار للمصلحة الجامعة ولمستقبل شركائهم في الوطن!

وفي المقابل، ظهرت أصوات كردية مضيئة في هذا الليل الحالك، رفضت ما يسمى «اغتنام الفرصة» لفرض المشروع القومي ودانت محاولات بعض المتطرفين الكرد توظيف القهر التاريخي الذي عانوا منه لتسويغ هذه النقلة، بعضها لدوافع براغماتية، إما لأنه يدرك حدود الضوء الأخضر لتغيير خرائط المنطقة وأن المجتمع الدولي والبلدان التي تضم كتلاً كردية لن ترضى بهذا الخيار وستسعى الى إجهاضة كما حصل في استقلالات سابقة وتكبد الأكراد تضحيات مجانية كما قد تنتزع منهم ما قد حققوه حتى الآن، وإما لأنه نظر بموضوعية الى النتائج التي خلفها الاستقلال الكردي النسبي في دولة صغيرة والسقف المحدود في النماء او التطور الذي لا يمكنها تجاوزه، مستنداً إلى استحالة بقاء الكيانات الصغيرة مستقلة في ظل ما يشهده العالم من صراعات بين التكتلات السياسية والاقتصادية الكبرى، وبعضها الآخر لأسباب مبدئيه، إما لأنه يرفض مقايضة الديموقراطية بأي مشروع قومي متخوفاً من وأد المسار الديموقراطي تحت ادعاءات شوفينية وتحويل الفكرة القومية الكردية كما حصل مع العرب إلى أيديولوجية استبدادية مغلقة ومفرغة من أي بعد إنساني أو حضاري، وإما مستقوياً بمراجعة نقدية لانتكاسات الماضي خلصت إلى خطورة فرض كيان سياسي كردي مستقل بالقوة ودعت الى اعتماد الممر الديموقراطي طريقاً آمنة لضمان حقوق الأكراد وحل المشكلات القومية وتعقيداتها، مطالبة القوى الكردية الحية بألا تؤمن بهذا الخيار فحسب، وإنما أن تتقدم أيضاً قوى العمل الديموقراطي في كل بلد من البلدان التي تتقاسم كردستان التاريخية من أجل نصرة البناء الوطني المستند إلى معايير المواطنة وحقوق الانسان والذي يصون حقوق جميع القوميات والإثنيات ويضمن المساواة بينها في نظر المجتمع والقانون، بما في ذلك المشاركة المتكافئة في إدارة السلطة والدولة، وتقرير مصيرها بالوسائل السلمية والأساليب الديموقراطية.

وأخيراً ثمة أصوات كردية تعيب سياسياً وأخلاقياً فكرة الخلاص الذاتي وترك العرب في محنتهم، لأنها تعتبر الأكراد معنيين أكثر من غيرهم بمواجهة قوى التسلط والعنف والإرهاب أياً كان نوعها، ولأنها تأبى أن تكون حافزاً مشجعاً على التقسيم، ولأنها تجد هذا الوقت العصيب بالذات هو الوقت الأنسب لإثبات وطنية الأكراد وأنهم عامل توحيد لا تفرقة، وأمينون لواجبهم بأن يكابدوا كديموقراطيين لإنقاذ مجتمعاتهم وبنائها حرة وكريمة.

* كاتب سوري

الحياة

 

 

 

السلطة أولا: كواليس من كردستان/ علي العبدالله

■ لم يكن اعلان السيد مسعود بارزاني، رئيس اقليم كردستان، في تعليقه على ما حصل في كركوك، «ان المادة 140 من الدستور العراقي قد نفذت، وان لا عودة الى الوراء»، غريبا او مفاجئا، في ضوء معطيات سياسية وميدانية، فالمادة 140 من الدستور العراقي انطوت على آلية لحل مشكلة كركوك، ومناطق أخرى متنازع عليها بين المركز/بغداد والإقليم، تبدأ بإعادة العرب الذين وطنهم النظام السابق في كركوك الى مناطقهم الأصلية في الجنوب، وإعادة الكرد الذين رُحلوا من المحافظة الى ديارهم، مع تعويض الطرفين عما لحق بهم من خسائر، يتلوها اجراء استفتاء المواطنين حول خيارهم الانضمام الى الاقليم، أو البقاء خارجه. وقد مر على صدور الدستور عشر سنوات من دون ان تنجز بغداد البند الأول، قال نائب من كتلة دولة القانون/كتلة رئيس الوزراء المالكي:»ان عدم توفر المال الكافي لتعويض المتضررين من الجانبين هو ما منع تنفيذ هذا البند»، كلام غير مفهوم في دولة نفطية عائدها السنوي منه مئات المليارات، ما جعل الموضوع نقطة خلاف دائمة بين الاقليم والمركز تثير التوتر وتعمق الفجوة بينهما.

اما على الصعيد الميداني فقد ترتب على انفجار المواجهة بين الجمـــــاعات السياسية السنية العراقية والنظام الطائفي في بغـــداد، وهزيمة جيش النظام، فراغ سياسي وعسكري وأمني تحرك الاقليم وملأه، واعتبر ما حصل تطبيقا عمليا للمادة 140، في ضوء تسليم الجميع ان نتيجة الاستفتاء محسومة لصالح التحاق كركوك بالإقليم.

غير ان ما أثار أسئلة وعلامات استفهام كبيرة هو تحرك بغداد وطهران للرد على تقدم الجماعات السنية عبر عزلهم سياسيا وتطويقهم عسكريا، وعرضهما المقدم للكرد مقابل التعاون لوقف تقدم المقاتلين السنة واستعادة الاراضي التي خسرها النظام. فقد كشف مصدر إيراني عن قيام رئيس وزراء اقليم كردستان السيد نيجيرفان بارزاني بزيارة طهران بدعوة عاجلة من الأخيرة، حيث قدم له الإيرانيون عرضا من المالكي ينطوي على بنود اتفاق تضمنه ايران، يقضي بضم كركوك وجميع المناطق المتنازع عليها الى الإقليم، واعتبار ذلك بمثابة تطبيق فوري للمادة 140 من الدستور، وإجازة الحكومة العراقية للإقليم تصدير النفط من حقول كردستان لمدة خمس سنوات، وإدخال العائدات كاملة في موازنة الإقليم، ومن ثم جعل حصة الاقليم من الموازنة العامة للعراق ثلاثين في المئة، فضلاً عن وضع الطرف الأيسر من الموصل كاملاً تحت الادارة الكردية، وتخويل القوات الكردية (البيشمركة) والأجهزة الأمنية (الأسايش) بالملف الأمني فيه وفي عموم نينوى، مقابل فتح أراضيه للقوات العراقية كي تقوم، وبمشاركة قوات البيشمركة، بالهجوم على محافظة نينوى من محورين لاستعادة الموصل، وقد نقل رئيس وزراء الاقليم صورة عن الرسالة الى رئيس اقليم كردستان العراق. وقد عقدت حكومة الاقليم جلسة خاصة لمناقشة العرض، وقررت رفضه لاعتبارات عدة اولها، وفق مصادر سياسية كردية، رفض المشاركة في القتال ضد السنة العرب، وثانيها اعتبار ما تم من انتشار قوات البيشمركة في كركوك وجلولاء ومناطق في سهل نينوى تنفيذا ناجزا للمادة 140 من الدستور، وثالثها رفض الاقليم للحل العسكري للنزاع وتفضيله الحل السياسي.

لقد حقق الكرد بعض أهدافهم من دون اي خسائر، خاصة ان العرض حررهم من الحرج وأسقط مبررات التحفظات على ما فعلوه، وتركوا سلطة المالكي غارقة في مشكلة صنعتها بنفسها بسياستها الطائفية والتميــــيزية، فبقاؤها متورطة وضعيفة يمنحهم فرصــــة ادماج كركوك والمناطق الاخرى في الاقليم، ما يجعل العودة عن قرار الضم مستحيلا، وأعلنوا انهم لن يحاربوا إلا دفاعا عن النفس، بينما غرق المالكي في شر اعماله وكشف، هو وطهران، عن مــــدى تمسكهما بالسلطة وبسيطرة الشيعة على العراق، باعتباره جزءا رئيسا في المشروع الايراني للتمدد والسيطرة في المشرق العربي، وتحقيق مقولة أحد جنرالاتها «لا شيء يعيق السيارة الايرانية من التنقل من شاطئ بحر قزوين الى شاطئ المتوسط من دون توقف».

٭ كاتب سوري

القدس العربي

 

 

 

استقلال كردستان بين “ممانعتين”ّ/ هوشنك أوسي

نسق جديد من «الممانعة» بدأت ملامحه تتبلور في الشرق الأوسط، لسان حاله معارضة قيام دولة كرديّة، جهراً أو توريةً، عبر سرد رزمة حجج. «الممانعة» الجديدة، تختلف عن القديمة في عدّة نقاط، وتتقاطعان في أخرى.

«الممانعة» الأولى، خليط من القوميين واليساريين والطائفيين العرب، الذين يزعمون «المقاومة» لإسرائيل لكنهم يدعمون محور الإرهاب والإجرام الأسدي – الخامنئي، واستطالاته الميليشويّة في العراق ولبنان وفلسطين. هذه «الممانعة» انضم إليها حزب العمال الكردستاني، واستطالاته، منذ مطلع الثورة السوريّة. كما انضمّ إليها لاحقاً تيّار هيرو إبراهيم أحمد وملا بختيار، ضمن الاتحاد الوطني الكردستاني، بزعامة الرئيس العراقي جلال طالباني!. وكل المنتمين لهذه «الممانعة» على اختلافهم تجمعهم وحدة المصالح، لجهة معارضة قيام دولة كرديّة مستقلّة. ولكل طرف مبرراته ومسوّغاته.

«الممانعة» المستجدّة، عربيّاً، تضمّ خليطاً من الليبراليين الآتين من الخنادق القوميّة (البعثيّة – الناصريّة) والإسلاميّة واليساريّة، تختلف مع تيّار «الممانعة» الأولى، لجهة رفضها التغلغل الإيراني في الجسد العربي، وسطوة طهران في سورية والعراق، وتحريكها المياه الطائفيّة بغية الانقضاض أكثر على المنطقة ومقدّراتها. ومن جهة أخرى، تدعو هذه «الممانعة» إلى التعامل مع إسرائيل كأمر واقع، والالتفات إلى عقد سلام بين الأنظمة العربيّة وشعوبها، بدلاً من الاستمرار في حالة الحرب والقمع والذلّ والاستبداد التي تفرضها على الأوطان والمجتمعات والشعوب، بحجّة خرافة محاربة إسرائيل!. لكنها تتقاطع مع «الممانعة» التقليديّة لجهة رفض قيام الدولة الكرديّة، واعتبارها تهديداً لأمن واستقرار المنطقة، فضلاً عن أن الدولة القوميّة خيار متخلّف ومسموم. أما سير الكرد نحو الاستقلال، فهو عندهم تأكيد على بطلان ادعاءاتهم الوطنيّة، وهو ما كانت تقول الأنظمة القامعة للكرد، والنخب السياسيّة والثقافيّة التي تدور في فلكها، وحتى التي تعارضها أيضاً!. وكأنّ الأكراد لا مناص أمامهم إلاّ أن يكونوا في امتحان أبدي لإثبات حسن النوايا الوطنيّة حيال دول وأنظمة العروبة، «العلمانيّة» منها والإسلاميّة، ومعارضاتها، إلى قيام الساعة!؟.

هذه «الممانعة» حين تسرد الموجبات التي ينبغي على الكرد الالتزام بها، لا تطرح ما يطمئن الكرد ويخلق لديهم الثقة بأنهم يعيشون ضمن كيان وطني ديموقراطي مؤسساتي، عنوانه دولة الحقّ والقانون والمواطنة الحرّة!. علماً أن العمليّة يجب أن تكون معكوسة، إذ على الأنظمة العربيّة ومعارضاتها ونخبها أن تقدّم للكرد الدليل تلو الآخر على وطنيّتها وديموقراطيّتها وبراءتها من إرث وتقاليد وذهنيّة الاستبداد البعثي، الظاهر والمستتر!. وعليه، فمن يقدّم دروساً في الوطنيّة والمواطنة والوعي الديموقراطي للكرد عليه أولاً أن يكون ممتلكاً إرثاً وتراكماً ومراساً وتجارب…، يُعتدُّ بها في هذا السياق، لا أن يكون كلامه محض تنظير ومزايدة!.

يطرح أقطاب «الممانعة» رفضهم لقيام الدولة الكرديّة، على أنه ليس رفضاً لحقوق الكرد، فهم أصدقاء الكرد «الوطنيين العقلاء» وهم ضدّ الأنظمة التي قمعت الكرد وهضمت حقوقهم، ومع رفع المظالم عنهم…، إلى آخر هذه التنويعات، إذ أن رفضهم قيام الدولة الكرديّة يتأتّى من الحرص على الكرد وأمن واستقرار المنطقة وديمومة عرى الأخوة بين شعوبها. ولهذا فـ «اغتنام اللحظة التاريخيّة» «براغماتيّة» كرديّة وقحة، وليٌّ لذراع العرب!، ومن يتبنّى طرح قيام الدولة الكرديّة متطرّفون، بعيدون عن العقلانيّة!. وهذا في حين أن تاريخ سورية والعراق وتركيا وإيران يؤكد على الدور الوطني للكرد في الثورات على المستعمرين، إذ لولاهم لما نجح أتاتورك في تأسيس تركيا، ولما نجح الخميني في «ثورته» على نظام الشاه، بالإضافة إلى ثورات الكرد على الإنكليز في العراق، وعلى الفرنسيين في سورية.

وتذكيراً، فالكرد دوماً كانوا عرضةً للغدر والخيانة من الأنظمة السياسيّة الحاكمة في المنطقة ومعارضاتها، ومن نكث الوعود التي قطعت لهم!. زد على ذلك أن الثورات الأخيرة كشفت أن معارضات الأنظمة الاستبداديّة في سورية والعراق هي نسخة مشوّهة عن هذه الأنظمة. وفوق هذا وذاك، إذا كان العربي المسلم يذبح العربي المسيحي، والعربيّ السنّي يذبح العربي الشيعي وبالعكس، نتيجة الخلافات والأحقاد الممتدّة لأكثر من 1400 سنة، فما الذي يضمن ألاّ تكون الأنظمة التي ستحلّ محلّ الأنظمة الحاليّة، أشد فتكاً بالكرد من السابقة؟!. وكيف يستطيع الكرد، طيّ صفحات الأحقاد والحروب التاريخيّة بين الشيعة والسنّة في المنطقة، ودمقرطة الأتراك والفرس والعرب؟!.

ويكرر المنتمون إلى «الممانعتين» مبرراً مشتركاً، أثناء طرحهم رفض انفصال كردستان العراق، مفاده أن تركيا وإيران سترفضان هذه الدولة، لأنها ستشجّع الكرد في البلدين على الانفصال!. وهذا المبرر سقط بالتقادم، مع بروز المصالح الاقتصاديّة المتناميّة بين أنقرة وأربيل، وسعي الأولى إلى تسوية سلميّة مع العمال الكردستاني. وغالب الظنّ أن «الرفض» التركي لانفصال كردستان هو للاستهلاك المحلّي، على اعتبار أن تركيا مقبلة على انتخابات رئاسيّة، وكي لا يُعتبر الصمت أو الترحيب التركي بقيام الدولة الكرديّة على انه انسجام مع الترحيب الإسرائيلي بهذه الدولة!.

في المقابل يبقى الترحيب الإسرائيلي عرضة للاشتباه، الهدف منه زيادة التأليب العربي والتركي والإيراني على انفصال كردستان، وليس التشجيع له، على ما فهم «الممانعون»!. ذلك أنه لو كانت تل أبيب وواشنطن مع استقلال كردستان، لكانتا فصلتها عن العراق بشكل كامل، منذ أمد.

وخلاصة القول أن على الشرق الأوسط والعالم أن يحضرا نفسيهما لولادة دولة كرديّة. وهذه الدولة يجب أن تحظى بترحيب النخب العربيّة ودعمها، لأنها ستكون أفضل، بسنوات ضوئيّة، من نماذج الدول القوميّة الفاشلة التي فرزتها اتفاقيّة سايكس – بيكو وأهدتها للعرب والترك والفرس، والتي بدورها أنتجت دولة «داعش».

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى