صفحات العالم

مقالات تناولت الموقف الاوربي من الثورة السورية

هل يمكن وصف تبدل الموقفين الفرنسي والبريطاني من تسليح ثوار سوريا بالخذلان؟/ هيثم المالح

نعم… إنه خذلان.. و«الشماعة» ذريعة وجود متطرفين يقاتلون مع الثورة

منذ أن حكم حزب البعث سوريا عقب الانقلاب العسكري في الثامن من مارس (آذار) 1963 بدأت ممارسات الحزب تعمل على تغيير البنية الاجتماعية لنسيج المجتمع السوري، فمورس الضغط على قيادات المجتمع، مما دفع الكثير منهم لمغادرة البلد، بينما تمت تصفية آخرين والزج بالكثير منهم في السجون والمعتقلات. وعلى مر السنين عمد نظام البعث إلى مسح الذاكرة الوطنية من الشخصيات المناضلة التي قدمت على مدى عقود من الزمن لموطنها سوريا كل غال ورخيص.

تحت ستار حزب البعث قاد سوريا منذ عام 1967 حافظ الأسد بالتعاون مع بعض أفراد أسرته وزملائه في ما سمي «هيئة الضباط الأحرار» التي أنشئت في القاهرة أيام الوحدة. ولقد وضع حافظ الأسد مخططه في تصفية كل من يمكن أن يعترض طريقه أو يمكن أن يشكل عليه خطرا ما، واستفرد هو وأسرته المصغرة بحكم البلد ومارس أبشع أنواع القمع والقهر من جهة، كما مارس لعبة الجزرة من أجل إقناع ضعاف النفوس من المواطنين الساعين للثروة بالالتحاق به والسير تحت مظلته، بينما وجد في الطائفة العلوية عمقه الاستراتيجي والساحة التي يمكن أن يلعب بها وينفذ أهدافه الشريرة.

أقام حافظ الأسد حكمه على قاعدتين أساسيتين: أولاهما الفساد وثانيتهما الأمن. في جانب الفساد دفع كل المسؤولين في الدولة لينغمسوا في دوامة الفساد، وبدأ عهد العمولات والرشى التي بدأت من قمة هرم السلطة وانتهاء بقواعدها حتى شملت صغار الموظفين بل وحجاب المسؤولين، كما دخل الفساد في القضاء والتعليم والجيش. ثم أطلق يد أجهزة الأمن بأن تفعل ما تشاء وترتكب ما تريد من انتهاكات شريطة الحفاظ على كرسي الحكم. وهكذا تشابكت مصالح الأمن مع مصالح الفاسدين، وأضحى الكل شركاء في كعكة الحكم، كما نشر أعدادا كبيرة من الطائفة العلوية بصفة موظفين في الأجهزة الأمنية وقيادات الجيش، وحتى موظفين صغار في دوائر الدولة، بل جرى الاستيلاء على كامل جهاز التمريض في المستشفيات.

جميع ما تقدم من عرض أدى لاحتقان الشارع السوري، وقامت حركات احتجاجات هنا وهناك كانت أبرزها حركة النقابات العمالية في عام 1978 وحتى عام 1980 الذي تم فيه حل النقابات وإيداع النقابيين في السجن. ثم كانت أحداث حماه التي ذهب ضحيتها 48 ألف شهيد، بينما قتل في سجني تدمر والمزة أكثر من خمسة عشر ألفا. وارتكبت المجازر في حلب وجسر الشغور وغيرهما من المدن بحيث بلغ عدد المفقودين سبعين ألفا، ولا يزال هؤلاء أحياء في قيود الأحوال المدنية، بينما صودرت الآلاف من دور السكن بداعي أنها تعود لـ«الإخوان المسلمين»، وهُجّر ربع مليون سوري لا يزالون خارج سوريا لا يستطيعون العودة. وقعت هذه الأحداث جميعها بين عامي 1980 و1990 ولم تتحرك الضمائر.

وخلف بشار الأسد أباه في دولة جمهورية خلافا للدستور، وبارك الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية خطوة التوريث هذه. وتعامل الجميع مع القائد الشاب في سوريا بمنتهى الأريحية والسخاء، وتم احتضانه ودعمه عربيا ودوليا، بينما في الجانب الآخر كان الشعب السوري يئن تحت ضربات الفقر والبطالة، إذ استولت السلطة الحاكمة على 85 في المائة من الدخل القومي، وتحول 30 في المائة من القوى العاملة إلى صف العاطلين عن العمل، وأصبح 60 في المائة من الشعب السوري تحت خط الفقر. وسيطرت السلطة على جميع مرافق الحياة الاجتماعية والسياسية. وجرى الزج بآلاف المواطنين في السجون بسبب آرائهم، وكنت واحدا من هؤلاء. وتزايد احتقان الشارع الذي كان محتقنا في السابق، وفي مارس 2011 تحرك الشارع السوري، متواضعا في البداية، بمطالب تتعلق بالحرية والكرامة وإصلاحات. وأصمت السلطة آذانها عن سماع صوت الشعب، وخلال الأشهر الستة الأولى من مظاهرات الشارع سقط خمسة آلاف شهيد، وانتهكت الحريات العامة، وعاث عناصر الأمن فسادا في دور المواطنين من تخريبها وتخريب موادهم التموينية، وإطلاق الرصاص على خزانات المياه لإفراغها. وبدأت السلطة حربا على الشعب، بينما لم يتحرك العالم لوقف حمام الدم الذي يجري في سوريا. ثم نشر بشار الأسد ثلاث آلاف دبابة في مواجهة الثورة، واستعمل ولا يزال كل آلات القتل، من طائرات وبوارج حربية وصواريخ وأسلحة كيماوية، وتجاوز عدد الشهداء من المدنيين مائة وخمسة وعشرين ألفا، وهرب مليونا سوري خارج سوريا لاجئين، بينما تشرد في سوريا ثمانية ملايين.

ومن دون الدخول في التفاصيل الزائدة، حتى الآن الثورة السورية يتيمة، لا أحد في العالم يريد أن يمد لها يد العون. والجميع يناقش تسليح الثوار من عدمه، والدعم الإغاثي من عدمه. وبعد أن كان موقف فرنسا وبريطانيا الأعلى صوتا بين الدول الأوروبية، ويتجه نحو التسليح، تغير هذا الموقف.

في رأيي أن كل ما يجري في أروقة المجتمع الدولي بدءا من أميركا حتى أوروبا يندرج تحت بند واحد: هو أن يُترَك السوريون يتقاتلون مع إيران – التي حشدت من «الحرس الثوري» وحزب الله والحوثيين وشيعة عراقيين نحوا من ستين ألف مقاتل وتدير معركة بنكهة طائفية – ويستنزفون بعضهم بعضا، بينما يضع الغرب الحجج للإحجام عن تسليح الثوار، وعلى رأسها حجة وجود متطرفين من أمثال «دولة العراق والشام الإسلامية» و«جبهة النصرة» والأسلحة الكيماوية.

هذه هي «الشماعة» التي يلجأ إليها الغرب للإحجام عن التسليح من دون النظر إلى شلال الدم الذي يتدفق يوميا من أبنائنا السوريين، وهذا بعدما كان الجميع يتكلم عن الدعم بكل أنواعه، خاصة المحصلة التي سمعناها من أصدقاء الشعب السوري في مؤتمرهم الذي انعقد في مراكش.

وحتى ما يتعلق بالدعم الإنساني فهو دون المطلوب بكثير، ولذا فكل ما تم حتى الآن إنما هو خذلان للشعب، بل وتآمر عليه، وهذا ما أدركه الشعب السوري الذي أضحى يردد «ما لنا غيرك يا الله».

* رئيس اللجنة القانونية في ائتلاف قوى الثورة والمعارضة بسوريا

الشرق الأوسط

هل يمكن وصف تبدل الموقفين الفرنسي والبريطاني من تسليح ثوار سوريا بالخذلان؟

لا. .. لقد أدرك الغرب الآن أنه لا مصلحة له في إسقاط النظام السوري/ نك فيلدينغ

بعد أشهر من التصعيد الكلامي والتحضير النفسي الهادف إلى تليين الرأي العام وتقديم الدعم السياسي للمعارضة السورية، انهمكت بريطانيا وفرنسا خلال الشهرين الفائتين في عملية تراجع ونكوص محموم.

لعدة أشهر خلت حاول دبلوماسيو وزارتي الخارجية البريطانية والفرنسية جهد طاقتهم، تحت توجيهات سياسية واضحة، إقناع نظرائهم الأوروبيين بأن حكم آل الأسد، آخر حصون الديكتاتورية والتسلط في الشرق الأوسط، يمكن إزاحته عن السلطة بمزيج من وحدة الجهد الدبلوماسي والتدخل العسكري على الأرض. بمعنى آخر.. تكرار تجربة ليبيا ولكن من دون سلبياتها. وحتى بعدما تجاوز عدد القتلى في سوريا خط الـ100 ألف قتيل وتضخم عدد المشردين واللاجئين إلى الملايين، ما كان ممكنا إقناع وزير الخارجية البريطانية ويليام هيغ بصرف النظر عن تصعيده الدعوات التهديدية المتشددة لإسقاط حكم الأسد.

حقيقة الأمر أن الحملة الدبلوماسية البريطانية الفرنسية باءت بالفشل. وكانت النقطة المفصلية في أواخر مايو (أيار) الماضي، عندما صوتت بريطانيا وفرنسا فقط على رفع حظر السلاح خلال تصويت الاتحاد الأوروبي لتمديد مفعول قرار حظر السلاح في سوريا، بينما كانت مواقف باقي الدول الأوروبية في الاتجاه الآخر.

ما كان مقدرا للأمور لتكون على هذه الصورة. إذ عندما وافقت الولايات المتحدة على تقديم الدعم العسكري الفتاك للثوار – كرد فعل على التقارير غير المؤكدة عن استخدام الأسد الأسلحة الكيماوية ضد خصومه – اختار رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون تغيير الموقف البريطاني الرسمي، وذلك عندما أعلن في منتصف يونيو (حزيران) أن لندن «لم تتخذ أي قرار» حول تسليح الثوار السوريين.

ثم ازداد الارتباك بعد بضعة أيام، خلال «قمة مجموعة الثماني»، عندما أبلغ كل من هيغ وكاميرون القادة العالميين الحاضرين بأن عليهم واجب حماية الثوار من «التعرض للإفناء». ومن ثم تعقدت مشكلتا الزعيمين البريطانيين عندما أدلى عمدة لندن بوريس جونسون – المنافس المستقبلي المحتمل على زعامة حزب المحافظين – بتصريحات وأعلن على الملأ أنه ليس بمقدور بريطانيا إنهاء الأزمة السورية عبر «زج السلاح في أيدي جماعات مأفونة متطرفة» في إشارة إلى الثوار. وهكذا كشف كلام جونسون مدى الاضطراب والانقسام الذي فرضته الحالة السورية على الحكومة البريطانية.

لكن في هذه الأثناء، بدأت همة الأميركيين تفتر أيضا إزاء التدخل في سوريا. وبعدما سهلت واشنطن تسليم أسلحة تقدر قيمتها بملايين الدولارات من بعض الدول الخليجية عبر جنوب تركيا لدعم الثوار، وأرسلت «مستشارين» لتدريب وإعداد مقاتلين جدد، أخذ الرئيس باراك أوباما يتراجع عن فكرة فرض قطاع حظر طيران، وهو ما كان يدعمه «صقور» القوى الداعمة لإسرائيل في واشنطن، وجاء هذا التراجع الأميركي مع إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بكل حزم وجلاء، أن بلاده ستمضي قدما في تسليم نظام الأسد صواريخ «إس 300»، ولن تخل إطلاقا بالتزاماتها لدمشق.

بناء على ما تقدم، ومن خلال القراءة بين السطور، يتضح أنه حصلت عملية «إعادة تقييم» في كل من واشنطن ولندن لسياستهما السورية، وكسب المعركة الناصحون والمستشارون العقلاء. ولعل، بعضهم، وهم على الأرجح من مجتمع الاستخباراتيين، تنبهوا في نهاية المطاف إلى ما هو بديهي، وهو أن القوى الأكثر فاعلية التي تقاتل نظام الأسد على الأرض – أي الجماعات الإسلامية الراديكالية – هي نفسها الجماعات التي لا يمكن وقفها عند حدها بعد إنجاز «تحرير» دمشق. ثم إنها لن تكن للغرب أي عرفان بالجميل على الدعم الذي قدمه أو يمكن أن يقدمه.

قرار قادة «جبهة النصرة» بإعلان الولاء لـ«القاعدة»، على الأرجح، كان القشة التي قصمت ظهر البعير. كذلك ظهر على موقع «يو تيوب» شريط فيديو يظهر فيه جهادي سوري وكأنه يأكل كبد أحد قتلى أتباع النظام.. وكان له وقعه السيئ جدا. ثم لوحظ توجه مئات الجهاديين الأوروبيين إلى سوريا للمشاركة في القتال. وبعدها ظهر دليل على أن قوات الأسد لم تكن الجهة الوحيدة التي يزعم أنها استخدمت الأسلحة الكيماوية، بل وقعت كميات كبيرة من هذه الأسلحة في أيدي أتباع قائد «القاعدة» أيمن الظواهري.

خلف كل هذا تبرز أيضا صورة أكبر. فتحالف دمشق مع طهران أدى إلى تدفق آلاف المقاتلين من اللبنانيين الشيعة عبر الحدود السورية لمقاتلة الثوار السنة وإلحاق عدة هزائم بهم، لا سيما في جبهة حمص. وبالتالي، امتد الاضطراب الحاصل للانتفاضة السورية بسرعة كبيرة إلى داخل لبنان، الذي هو بدوره أشبه ما يكون ببرميل بارود تكفي شرارة واحدة لتفجيره.

ثم من سيستفيد من سقوط الأسد؟

هل يقلق الغرب حقا خط أنابيب إيراني للنفط والغاز لتصديرهما إلى أوروبا عبر سوريا؟

ألا نقلق من الاضطراب الداخلي في تركيا، حيث تساور الهواجس أقليتها الكردية لدى نظرهم إلى مصير إخوانهم الأكراد في سوريا المجاورة، ولا سيما بعد تعهد أكراد العراق بالتدخل لحماية أكراد سوريا من هجمات زمر الثوار المرتبطين بـ«القاعدة».

وماذا عن إيران؟ تحت حكم الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد كانت إيران دولة تهييجية غير منضبطة، ديدنها تهديد إسرائيل والولايات المتحدة. لكننا اليوم نشهد تولي رئيس جديد يطلق تصريحات تصالحية ويسعى إلى ترميم العلاقات مع الغرب. فهل هذا الوقت مناسب لضرب أحد حلفائه؟

في قلب الحكومتين البريطانية والفرنسية من أمعن النظر جيدا في الحقائق على الأرض في سوريا، وقرر أن الحيطة هي الخيار الصحيح.

هل في هذا خذلان للشعب السوري؟ أشك في ذلك كثيرا. إن قلة قليلة جدا في سوريا ستكون ممتنة للغرب بإشعاله مواجهة سنية – شيعية، ومن ثم رعاية ولادة معقل جديد لـ«القاعدة».

* صحافي وكاتب بريطاني

الشرق الأوسط

نعم… فكرة الحلف الأميركي الأوروبي المتماسك وهم/ د. سامي نادر

وهل من الممكن النظر إلى الموقفين الفرنسي والبريطاني بمعزل عن السياسة الأميركية المسايرة للروس والصينيين؟

من المفيد تبديد الفكرة السائدة حول أن التحالف الغربي، وقوامه الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، حلف متماسك، أو كأن أهدافه واحدة وهو خاضع لقيادة الولايات المتحدة.

إنها فكرة خاطئة والتاريخ ينقضها، والشواهد على ذلك عديدة، بدءا من «أزمة السويس» عام 1956، حين كان الفرنسيون والبريطانيون في جهة والأميركيون في جهة ثانية. وفي مرحلة الستينات، وجه الجنرال شارل ديغول انتقادات لاذعة للإسرائيليين، بينما كان الفريقان الآخران (واشنطن ولندن) متحالفين معها. كذلك كان الموقف الفرنسي متحفظا عن اجتياح العراق. وعدا عن أن التاريخ يبدد قوام «نظرية المؤامرة»، فلا بد من التأكيد على أن لكل فريق خصوصيته وأهدافه ومصالحه. فلفرنسا وبريطانيا تاريخ استعماري في المنطقة، وبالتالي لهما أهداف تاريخية واستراتيجية خاصة بهما، وحري بالذكر أن لبنان في مرحلة استقلاله استفاد من الصراع الفرنسي البريطاني، وربما لم ينل استقلاله لولا هذا الصراع. يتفق كل من الأميركيين والفرنسيين والبريطانيين على أهداف استراتيجية أبرزها اثنان:

– الإسلام السياسي المتجذر في أوروبا، والذي عززت أحداث 11 سبتمبر (أيلول) فرضية مواجهته للحفاظ على استقرار مجتمعاتهم.

– ضمان تدفق النفط واستقرار سعره ضمن الحدود التي يقبل بها اقتصاد الدول الثلاث.

عمليا أخرِج الفرنسيون إلى حد كبير من العراق ومن السوق النفطية في المنطقة، ولذا فهم يحاولون اليوم الحفاظ على آخر بقعة نفوذ لهم في الشرق الأوسط ألا وهي المشرق العربي. وفرنسا وبريطانيا على تنافس كبير اليوم مع إيران وتركيا وروسيا. فمنطقة «المشرق العربي» – بما يعني سوريا ولبنان – محسوبة تاريخيا على الفرنسيين، لكن الدور الفرنسي فيها تراجع لصالح الدور الروسي، ثم تم إقحام الدور الإيراني منذ الثورة الخمينية في هذه البقعة المحسوبة على الانتداب الفرنسي السابق. لكن قدرات الحرب تغيّرت اليوم. ولا بد من التوقف عند حقيقة جوهرية في العلاقة التي تحكم بين الولايات المتحدة من جهة وبريطانيا وفرنسا من جهة ثانية.

لا أحد من الدول الغربية لديه قدرات عسكرية تمكنه من خوض حرب أو تصديرها إلا الولايات المتحدة، في حين تعاني أوروبا من الانقسام الذي استوردته تاريخيا في ما بين مكوناتها، والمثال على ذلك إدراج الاتحاد الأوروبي جناح حزب الله العسكري على لائحة الإرهاب، والتناقض الذي تبع هذا القرار لناحية التمييز بين حزب الله اللبناني وحزب الله الإيراني. هذا التناقض يعكس جليا حالة انعدام التوافق داخل البيت الأوروبي الواحد. والمثال الثاني هو الحرب التي شهدتها يوغوسلافيا، التي لم يتمكن الأوروبيون من وقفها بسبب خلافاتهم وتصارع النفوذ وانعدام القوة العسكرية الأوروبية القادرة على الحسم، وكان الحل باللجوء إلى المنظومة الأميركية القادرة على الحسم عسكريا.. ومن ثم إيجاد التسوية.

بعد تلك الفترة تغيرت الأيام، واختلفت عقلية إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما عن سلفه جورج بوش الابن. إذ اقترح أوباما إدارة متعددة الأطراف للشؤون الدولية، انطلاقا من أن الأميركيين ليسوا قادرين وحدهم على تحمل أعباء الأمن المتكاثرة. وبالعودة إلى حرب ليبيا، صحيح أن الحلفاء الثلاثة، أي بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، تدخلوا لكنهم لم يتمكنوا من خوض المعركة لولا المنظومة الأميركية العسكرية. إذ عند الوصول إلى الحسم كان لا بد من العودة والركون إلى القوة العسكرية الأقوى. حتى إسرائيل اليوم تحاول جر واشنطن لحسم الملف النووي الإيراني، انطلاقا من حاجتها إلى المنظومة العسكرية الأميركية. في ظل هذه المعادلة، لدى الولايات المتحدة مصالحها وخططها، فهي تتصارع مع روسيا، لكن يمكن أن تفاوضها وتدخل في أكثر من مساومة معها. ويمكن كذلك أن تدخل مع شراكة اقتصادية مع الصين، فيما الأخيرة تعتمد أساليب تدخل مختلفة بالركون إلى قدراتها المالية والاقتصادية، إذ ليس بإمكانها حتى اليوم منافسة الولايات المتحدة بمنظومتها العسكرية حتى اليوم. وأعتقد أن التدخل لحسم أزمة سوريا خاضع اليوم لعملية تفاوض وشد حبال ومقايضات هنا وهناك. ولو كانت لفرنسا أو بريطانيا قدرات عسكرية تمكنهما من أن تؤسسا لنفوذ خارج المنظومة العسكرية الأميركية لما تأخرتا عن ذلك، لكن ليست لديهما القدرات الكافية. أما الأميركيون فقد رفعوا شعارات باتوا اليوم أسراها. إذ تعهد أوباما بأنه سينسحب من حروب كلفت بلاده كثيرا، لكنه ترك الشرق الأوسط في مرحلة من الفوضى، وأصدق تعبير عنها اليوم هو الحرب الأهلية في مصر وفي سوريا، إضافة إلى ما تركه خلفه في العراق.

أراد الأميركيون في البدء الحسم في سوريا انطلاقا من الرغبة في ضرب عصفورين بحجر واحد.. عبر انحسار النفوذين الإيراني والروسي معا. فأي تراجع لنفوذ إيران في سوريا ولبنان، وهم في خضم صراع نووي معها، سيزيد من قدراتهم. كما أن أي تراجع في نفوذ روسيا التي تسللت خلسة إلى سوريا مع نظام البعث، سترادفه زيادة في النفوذ الأميركي.

لقد أراد الأميركيون دعم الثورة السورية لأهداف جيواستراتيجية، لكن الموقف تبدل مع خطف الصراع من قبل الإسلاميين الراديكاليين، بسبب غياب الريادة أو الإدارة الأميركية، وهو ما سيحسمه التاريخ لاحقا. بمعنى آخر سيحسم التاريخ ما إذا كان التراجع في الموقف الأميركي هدفه ترك القوتين المتصارعتين في سوريا تنهك إحداهما الأخرى، أم سببه غياب القيادة لدى أوباما وتردده.

قد لا يحبذ الأميركيون إرسال العسكر إلى سوريا في ظل معارضة الرأي العام ذلك، وما دام هناك من يقوم بهذه المهمة، بمعنى أن النظام والمعارضة يتقاتلان وليس عليهم إلا التسليح فلماذا سيستعجلون؟ حتى لو لم يتدخل الأميركيون فالنظام ينهك نفسه، والقوى الإسلامية تُنهك، أما إيقاع اللعبة فلا يخرج عن الحدود المرسومة له ما دامت إسرائيل تتدخل لتضرب أهدافا محددة تتخطى حدود سوريا. وما ينطبق على الولايات المتحدة ينطبق على الأوروبيين، الذين لا يريدون تكبد أي فاتورة عسكرية أو مالية قد يحاسبون عليها انتخابيا. والنتيجة: لا تورط في الحرب في سوريا، والشعب السوري يدفع الثمن من رزقه ودمه.

* باحث لبناني وأستاذ جامعي في العلاقات الدولية

الشرق الأوسط

ماذا يريد الغرب؟/ سام منسى صحافي

ماذا يريد الغرب؟ المؤسف المؤسف أنه لا يدرك ماذا يريد ولا يملك أي رؤية حول أي من القضايا الاقليمية والدولية ويعيش حالة من الهزال السياسي والفكري.

من المرجح أن يتجاوز لبنان ومعه “حزب الله” مفاعيل قرار الاتحاد الأوروبي بإضافة ما سماه “الجناح العسكري” للحزب الى قائمة الإرهاب سيما أن سببه المعلن هو عملية مطار بورغاس البلغاري التي استهدفت إسرائيليين وليس مثلا تدخل “حزب الله” في الحرب الدائرة في سوريا. ولعل لقاء ممثلة الاتحاد في لبنان أنجلينا إيخهورست مع عدد من قيادييه غداة صدور القرار، لهو أبلغ دليل إلى الحدود التي لم يشأ الأوروبيون تجاوزها في علاقتهم مع الداخل اللبناني.

قد يكون من الحكمة التريث في التعليق على هذا القرار لعل الوقت يظهر لنا جوانب منه كانت خفية علينا أو يكشف عن مسار جديد وجدي قرّر قادة الغرب اعتماده لمواجهة الأحداث التاريخية التي يشهدها عالمنا العربي. إلا أن جولة إيخهورست اللبنانية ومحاولتها الدؤوبة لمحاصرة أعراضه الجانبية، أكدت لنا أن القرار ليس إلا استمرارا لسياسة انعدام الرؤية التي ميزت موقف “العالم الأول” من حرب العراق مرورا بثورات الربيع العربي في تونس وليبيا ومصر وصولا إلى الحرب التي يشنها النظام السوري على شعبه وتدخل “حزب الله” في مسارها. إضف إلى ذلك كله، المطبات التي وقعت وما زالت تقع فيها كبريات المؤسسات البحثية الغربية بعامة والأميركية بخاصة، لجهة تحليل وقراءة ما يجري اليوم في منطقة الشرق الأوسط.

أن يعمد القرار إلى تصوير “حزب الله” على إنه “قوة عظمى” صاحبة مشاريع كونية في معزل عن الجهة الحقيقية التي تقف وراءه وتحدد مساره والتي تحمل فعلا مشروعا سياسيا إقليميا ذا أبعاد دولية، ففي ذلك إما خبث من الغرب لغاية في نفس يعقوب وإما سذاجة تكشف مدى الفراغ الذي يعاني منه لجهة القيادة وهزالة طبقته السياسية وقلة حنكتها وحكمتها وهذا ما ننحو إليه. اما الاكثر اثارة فهي نكتة تفريع الحزب لجناح سياسي وآخر عسكري، ما جعل أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله يتهكم بنفسه على هذه الدعابة.

وهذا ما يدفعنا إلى رؤية القرار على إنه أولا محاولة أوروبية لإعادة تصدير مشاكلنا إلينا، ويعني ثانيا إنسحاب سياسة تدوير الزوايا التي يعتمدها الغرب بعامة والولايات المتحدة بخاصة منذ مدة، والقاضية بتأجيل حسم الملفات وعدم مواجهة المشاكل المتناسلة في العالم العربي، على لبنان رغم العوامل الخطرة التي ينطوي عليها تورط الحزب في الحرب الدائرة في سوريا. ويعني ثالثا، أن “حزب الله”، ومن وراءه إيران، ارتقى من خطفه الطائفة الشيعية في الداخل اللبناني، إلى أخذه لبنان برمته كرهينة.

عندما قرر الاتحاد الأوروبي “معاقبة” “حزب الله”، كان يعلن في الوقت ذاته عدم استعداده لمعاقبة المرجعية الفعلية التي تقف خلفه، سواء عن دوره في سوريا أو في لبنان أو حتى عن “نشاطاته” التي وصفت بالإرهابية فوق أراضي الاتحاد الأوروبي نفسه.

يعلم الأوروبيون أن إيران هي التي تقف وراء نشاط الحزب في أي مكان. وجاء قرارهم تكرارا ممجوجا للسيناريو نفسه، حين كانت إسرائيل ترد على عمليات التحرش التي يقوم بها النظام السوري عبر أدواته الداخلية في حقبة التسعينات، وكان “حزب الله” من بينها، بقصف لبنان وتدميره.

وها هو الاتحاد الأوروبي يهدد بمعاقبة لبنان فيما الطرف المسؤول هو إيران، علما أنه لا ينبغي اعتبار لبنان واللبنانيين غير مسؤولين بالرغم من إنهم استساغوا الدلع باعتبارهم ضحايا دائمين.

لكن عندما يصدر الغرب هذا النوع من القرارات المجتزأة وغير الرئيسة، إنما ينقل مشكلته إلى الحلقة الأضعف في الخريطة الإقليمية التي يمثلها لبنان ويزيد الوضع تعقيدا، بدل اتباع مقاربة جريئة في مواجهة سياسة تمكين “حزب الله” وتمدده السياسي. وهي السياسة نفسها التي اتبعها منذ الثمانينات وحتى اليوم، بدت معها وكأنها سياسة مقصودة من أجل تضخيم دور الحزب في لبنان والمنطقة، وصولا إلى حرب العام 2006 وما نتج عنها خاصة على صعيد التوازن السياسي اللبناني الداخلي. وبات التذكير بالموقف الغربي الخجول والحذر من تدخل الحزب في سوريا مملا، فيما التضخيم والمبالغة بدور الحركات الجهادية المتشددة في سوريا يكاد يصم الآذان، وكأننا أمام تفضيل غربي للإسلام السياسي الشيعي على الإسلام السياسي السني اللذين قد لا يختلفان عقائديا! ونجد التناقض نفسه في سلوك الغرب مع نظام الاسد وممثليه في الخارج.

منذ اندلاع الأزمة السورية وتحولها حرباً أهلية طاحنة مع إصرار النظام على ارتكاب المجازر بحق السوريين منذ الأشهر الأولى ، لم تنفك الدول الأوروبية والغربية عامة عن القول أن هذا النظام فقد شرعيته.لكن المفارقة تكمن في أن أياً منها لم تقفل سفارتها في دمشق الا مكرهة، فيما ممثليات النظام وسفاراته وسفراؤه لا يزالون يعملون ويديرون شؤون السورييين أينما كانوا!

ردود فعل الغرب وخاصة الولايات المتحدة تجاه ما قام به النظام السوري في السابق وما يقوم به منذ نحو سنتين ونصف السنة يظهر أنهم لا يهتم سوى بخوض الحروب الهامشية، والتي من شأنها أن تدر له مكاسب محلية أمام رأيه العام، فيما الحروب الحقيقة ومواجهة الإرهاب الفعلي وتجفيف منابعه، إنما تبقى مهمات مؤجلة تواجه بالمسكنات الموضعية، والتي لا تلبث أن ترتد “آثارها الجانبية” علينا.

كيف لهذا الغرب أن يعتبر أن تدخل “حزب الله” والميليشات العراقية والحرس الثوري الإيراني في الحرب السورية، أمر يمكن التعايش معه، دون أن يستثير لديه حساسية من مستقبل هذا التدخل، ليس فقط على التوازن الميداني بين طرفي النزاع، بل أيضا على مستقبل الصراع في المنطقة وعلى طبيعة القوى “المنتصرة”.

لا شك في أنه إذا انتصرت “جبهة النصرة” فستقيم دولتها الإسلامية الأصولية المتشددة، وهذا أمر غير مقبول. لكن إذا انتصر “حزب الله” والإيرانيون والميليشيات العراقية، فما هي الدولة الموعودة؟ ليبرالية؟ ديمقراطية تحترم التعددية والحريات المدنية وحقوق الإنسان؟؟؟

من المفارقات المضحكة المبكية أن حزب الله الذي يخوض معركته في سوريا تحت عنوان مكافحة الإرهاب التكفيري ومحاربة “القاعدة” وتفرعاتها، هو في الوقت نفسه يتهمهم بالتحالف مع الغرب والأميركيين والإسرائيليين لإسقاط قلعة الممانعة، سوريا الأسد! ومع عدم صدور أي تعليقات تدين على أقل تقدير تلك الادعاءات، بتنا لا نعلم مَن مع مَن ومَن ضد مَن، وأصبحنا كلنا كما قال زياد الرحباني في احدى مسرحياته، “الحاجة ام جهاد”!

وتكر سبحة تناقض السياسة الغربية! فهذا الغرب الذي وقف مهادنا للإخوان المسلمين بعدما أوصلتهم موجة الثورات الأولى إلى السلطة، ها هو اليوم ينفض يده منهم بخفر حين بدأت تلفظهم جماهير الموجة الثانية من تلك الثورات. الغرب نفسه يدعم اليوم نظام رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الذي تديره إيران، ويضع شريكه السيد حسن نصرالله على لائحة الإرهاب؟

ماذا يريد الغرب؟ المؤسف المؤسف أنه لا يدرك ماذا يريد، ولا يملك أي رؤية حول أي من القضايا الإقليمية والدولية، ويعيش حالة من الهزال السياسي والفكري أفضت أخيرا إلى لجوء الساحر الأميركي إلى قبعته لسحب أرنب القضية الفلسطينية مجددا واللعب على أوتارها معتقدا أنه بذلك يكسب نقطة وهو في طريقه إلى خسارة حرب ثمنها ليست أرضا فقط إنما القيم الإنسانية التي لطالما تغنى بها.

النهار

لا … لا تستطيع أي دولة التدخل في سوريا من دون واشنطن/ غسان إبراهيم

إن المسح السريع للمواقف والتصريحات التي صدرت من الدول الأوروبية، وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا، يوضح أنها أكثر شدة وأسرع تجاوبا مع ما يحدث في سوريا مقارنة مع الموقف الأميركي الذي يأتي تابعا، وفي أحسن الأحيان مرافقا للمواقف الأوروبية.

ولكن عندما يأتي الأمر لاتخاذ قرار بالتدخل العسكري أو دعم المعارضة السورية و«الجيش الحر» بالسلاح ومقوّمات الانتصار على نظام بشار الأسد فإن الأمر يصبح معكوسا. أي تصبح كل الدول الأوروبية وغيرها عاجزة عن تصدر المشهد وتكون حريصة على أن تظل تحت المظلة الأميركية التي تتولى قيادة رفض التدخل والإحجام عن مد «الجيش الحر» بالسلاح. وبالتالي، ما لم تتول الولايات المتحدة الأميركية القيادة وتتخذ قرار التدخل وتقديم الدعم الحقيقي ستظل الدول الأخرى مترددة وغير مستعدة لتبني القضية السورية.

ونسوق هنا عدة أسباب أو ذرائع تستخدمها الدول الأوروبية لتبرر عدم رغبتها أو قدرتها على الخروج عن الخط الأميركي في الشأن السوري، منها:

– تعقّد المشهد السوري ودور القوى الإقليمية من إيران وتوابعها العراقية واللبنانية (حزب الله)، مما يعني أن التدخل في سوريا هو مواجهة كل هذه الأطراف على أكثر من جبهة.

– التقديرات العسكرية التي تشير إلى أن التدخل أو الدعم العسكري سيكون طويلا ومكلفا ويحتاج إلى إعادة رسم خارطة القوى في المنطقة.

– الدور الروسي في سوريا، وتجنب مواجهة روسيا أوروبيا وترك الأمر دائما للمعالجة الأميركية، ولذا كلما يطرح سؤال محرج على الدول الأوروبية عن ترددها في الشأن السوري فإنها تجيب بأن الأميركيين والروس يحضّرون لاتفاق تمهيدي لمفاوضات «جنيف 2».

– مصالح الدول الأوروبية في سوريا وجوارها أقل بكثير من مصالح أميركا التي تدير وتضمن توازن القوى الإقليمية من إيران إلى إسرائيل. فإذا أخذنا بعين الاعتبار مبدأ البراغماتية السياسية والعسكرية ستكون الشهوة للتدخل والدعم العسكري في الشأن السوري أوروبيا أقل بكثير منها أميركيا.

– يرى كثيرون من صناع القرار الأوروبي أن أي تدخل أو تسليح في سوريا لن يكون محدودا بل سيكون مقدمة لحرب مفتوحة لا تقل ضراوة وتكلفة عن حرب العراق. ولقد حذر رئيس أركان الجيش البريطاني السابق ديفيد ريتشاردز، في مقابلة نشرتها صحيفة «الديلي تلغراف» (18 يوليو/ تموز، 2013)، من أن فرض منطقة حظر جوي فوق الأراضي السورية لن يكون كافيا من دون تدخل عسكري للسيطرة على الأرض. وقال «إن أردتم تحقيق المفعول الملموس الذي يطالب به البعض، فيجب أن تكونوا قادرين على ضرب أهداف على الأرض، وبالتالي فسوف تذهبون إلى الحرب إن كان هذا ما تريدون».

– رفع الحظر عن السلاح تم في الاتحاد الأوروبي قبل أميركا ومع ذلك لم تقدم الدول الأوروبية السلاح إلى الجيش الحر، مما يؤكد الرغبة الأوروبية في انتظار القيادة الأميركية للشأن السوري.

– فرنسا وبريطانيا أول من أكد أن النظام تجاوز الخطوط الحمراء باستخدامه السلاح الكيماوي، بينما ظلت أميركا تبحث عن ذرائع لكي لا تعترف بأن النظام تجاوز خطوط أوباما الحمراء عدة مرات. ولكن، على الرغم من تقدم الموقف والتصريحات الأوروبية على الجانب الأميركي في هذا الخصوص، لم نشاهد أي تقدم في اتخاذ القرار والانتقال من نطاق التصريح إلى نطاق التطبيق.. لا أوروبيا ولا أميركيا.

– لو فرضنا أن أي دولة أوروبية راغبة في أخذ دور القيادة في التدخل في الشأن السوري فهي لن تجد حلف الأطلسي «ناتو» بجانبها كما كان الحال في أزمات سابقة، وذلك لأن الجانب الأميركي متردد وغير راغب في التدخل. القيادة الأميركية للتدخل تعني ضمنيا التحالفات الكبرى وعلى رأسها «ناتو».

– في كل مرة ترفع الدول الأوروبية نبرة الصوت بالتدخل تسارع أميركا إلى تخفيف الوتيرة، ويتبع ذلك تراجع واضح في الموقف الأوروبي بعد الضغط الأميركي المعاكس. فمثلا، صرح وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس لتلفزيون «فرنسا 2»: «لا يوجد شك في أن النظام والمتواطئين معه هم المسؤولون عن استخدام الكيماوي.. وكل الخيارات مطروحة بما فيها التدخل العسكري»، فسارع الجانب الأميركي للتصدي لهذا التصريح بطلب المزيد من التدقيق والتمحيص في نتائج الفحوصات الفرنسية. وبعدها خفت الصوت الفرنسي.

خلاصة الكلام أن الدول الأوروبية تنتظر القيادة الأميركية للملف السوري، أو على الأقل التعاون الأميركي والضوء الأخضر بالقيادة بالنيابة عنهم. فرفض الجانب الأوروبي أخذ الأمور على عاتقه وحده أصبح واضحا، ولا يمكن لأحد أن يشكك في انعدام الرغبة وربما العجز عن قيادة الملف السوري دون الأميركيين. ويبدو أنه لسوء حظ المعارضة السورية بل الشعب السوري، لا يوجد قرار عملي بالتدخل من دون قيادة أميركية، وهي التي ينطبق عليها المثل الشعبي «لا ترحم ولا تترك رحمة الله تنزل».

* إعلامي وناشط معارض سوري

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى