صفحات العالم

مقالات تناولت الموقف الروسي من الثورة في سورية

 

الدب الروسي في الغرفة السورية!

طارق الحميد

تخيل دبا داخل غرفة، وليس فيلا كما يقول المثل، بالتأكيد ستكون الصورة عبثية.. هذا هو الموقف الروسي في سوريا، ففي أسبوع واحد لاحظنا عدة تصريحات، ومواقف، من موسكو تجاه الأزمة السورية يناقض بعضها بعضا، فكيف يمكن فهم الموقف الروسي؟

الحقيقة أنه سؤال طرح كثيرا، لكنه لا يزال قائما، ويستحق المزيد من التحليلات، وتسليط الضوء عليه ما دام الروس يتناقضون، والأزمة في سوريا تزداد سوءا. بالأمس انتقد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف رفض المعارضة السورية التفاوض مع الأسد، كما انتقد ما وصفه بـ«هوس» المعارضة بضرورة رحيل الأسد. والحقيقة أن موقف المعارضة السورية ليس «هوسا»، وإنما أمر واجب خصوصا بعد مقتل قرابة 60 ألف سوري على يد قوات طاغية دمشق. وكما قال وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل فإن دمشق ذات التاريخ الطويل تتعرض لقصف شامل، وتساءل الفيصل عن كيفية تصور إمكانية التوصل إلى تسوية من خلال التفاوض مع أحد يفعل ذلك ببلده وبتاريخه وبشعبه، مضيفا «إنه أمر لا يمكن تصوره». كما سبق لوزير الخارجية الفرنسي القول بأن ما يحدث في سوريا مروع، وأن الأسد يجب أن يرحل بأسرع وقت، وبالتالي فهذا ليس «هوس» المعارضة، وإنما هو موقف السوريين والمجتمع الدولي، عربيا وغربيا.

ولذا، فعندما نقول إن الموقف الروسي هو بمثابة وجود دب في غرفة، فلسبب بسيط، وهو أن الروس يسهمون في استمرار الحالة المأساوية في سوريا. فكيف نفهم، مثلا، انتقاد لافروف للمعارضة السورية، ثم إقراره بأن روسيا قد قررت إجلاء موظفيها غير المهمين وعوائلهم من سفارتها في دمشق بسبب الأوضاع غير الملائمة هناك، هذا عدا عن إغلاق القنصلية الروسية في حلب؟ بل كيف نفهم الخبر الذي بثته قناة «روسيا اليوم» ظهيرة الثلاثاء بأن الخارجية الروسية تنوي الالتقاء بأطراف لم تلتقها من المعارضة السورية؟!.. علما بأن لدى الروس مشاكل واضحة مع الائتلاف السوري الذي سبق أن انتقده لافروف، وانتقد رئيسه معاذ الخطيب، واتهمه بنقص الخبرة السياسية.. ثم يخرج لنا لافروف منتقدا المعارضة مرة أخرى، في الوقت نفسه الذي يدعو فيه الرئيس الروسي لمؤتمر خاص باللاجئين السوريين!.. كل ذلك يقول لنا إننا أمام جملة تناقضات روسية، تشبه تخبط الدب الذي يحاول الخروج من غرفة صغيرة!

الحقيقة أنه لا توجد رؤية واضحة، أو معلومة دقيقة، حول الموقف الروسي، لكن الأمر الوحيد الذي قد يشي بالكثير هو إقرار لافروف نفسه في مؤتمره الصحافي الذي انتقد فيه تمسك المعارضة السورية بضرورة رحيل الأسد، بأنه ليس لدى بلاده معلومات أكيدة حول توقيت لقاء الرئيس الروسي بنظيره الأميركي، وما يهمنا هنا هو قول لافروف إن بلاده قد وجهت دعوة للرئيس أوباما لزيارة موسكو، وإن واشنطن لم ترد حتى الآن، مما يقول لنا إن الدب الروسي سيبقى متخبطا في الغرفة السورية ما دام الأميركيون لم يفتحوا له الباب، علما بأن السؤال للروس الآن هو: هل ترون أنه قد تبقى باب من الأساس؟

الشرق الأوسط

مؤشرات لعبة دولية عنوانها وقف الدعم عن المعارضة السورية!

صالح القلاب

أليس مثيرا لألف سؤال وسؤال أن يتوقف الدعم عن الجيش السوري الحر، الذي غدا منتشرا في سوريا كلها ويقاتل على كل الجبهات، بينما رفعت روسيا وإيران مستوى تدخلهما العسكري في الحرب الطاحنة المحتدمة الآن في كل المناطق السورية… فهل هناك لعبة دولية حقيقية وفعلية تقف وراء هذا كله وهي التي جعلت الأمم المتحدة توجه مساعداتها، البالغة 519 مليون دولار، إلى «المتضررين» السوريين من خلال الحكومة السورية الملطخة أيدي أعضائها بدماء الأبرياء من أبناء الشعب السوري، التي من المفترض أنها فقدت «شرعيتها»، هذا إذا كانت لديها بالأساس أي شرعية، بعد كل هذه المجازر التي ارتكبتها على مدى نحو عامين؟!

يعلن مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، أن بشار الأسد خط أحمر، بينما تضاعف إيران دعمها للنظام السوري بالأموال «الطائلة» وبالمتطوعين من حزب الله ومن بعض الميليشيات الطائفية العراقية، ومن «فيلق القدس» بقيادة قاسم سليماني الذي لم يغادر ساحات القتال منذ اندلاع الأحداث السورية المتلاحقة وحتى هذه اللحظة، وكل هذا بينما يواصل الإيرانيون تدخلهم في جنوب اليمن وفي مصر ويعلنون على لسان أحد كبار قادتهم العسكريين أن أمن الخليج أصبح في أيديهم.

في الاتجاه ذاته، يؤكد نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف: «ثبات الموقف الروسي المبدئي على ضرورة حل الأزمة السورية عبر الحوار ووفقا للمبادئ التي نص عليها بيان جنيف». والمعروف أن الروس عندما يتحدثون عن جنيف ومؤتمرها وبيانها، فإنهم يقصدون عدم المس بالرئيس السوري لا في المرحلة الانتقالية، التي لم يعد أحد يتحدث عنها حتى بمن في ذلك المبعوث الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي، الذي يلاحظ أنه غاب عن مسرح الأزمة السورية غيابا كاملا منذ خطاب بشار الأسد الأخير، ولا بعدها، بل والتمسك، حتى الموت، بأن من حقه – أي الرئيس السوري – أن يبقى حتى نهاية ولايته الرئاسية الحالية، وأن من حقه أيضا، إن هو أراد، أن يترشح في الانتخابات المقبلة لولاية جديدة مدتها سبعة أعوام.

وإلى جانب هذا، فإن اللافت أن الروس كانوا قد أعلنوا قبل أيام، على لسان رئيس هيئة الأركان فاليري غيرا سيموف، عن مناورات بحرية ضخمة في البحر المتوسط، تشارك فيها نحو عشرين سفينة وعدد من الغواصات، وكانوا قد أعلنوا أيضا عن إرسال طائرات ركاب إلى مطار بيروت كبداية جسر جوي لنقل رعاياهم الموجودين في سوريا، وهذا يشير إلى أن كل هذا يتم في إطار الترتيبات التي يشارك فيها الإيرانيون أيضا لشن هجوم كاسح شامل لإلحاق الهزيمة بالجيش السوري الحر، الذي يشكو من توقف الدعم عنه، وبالمعارضة السورية التي باتت تعاني سوء أحوالها، نظرا لتوقف المساعدات عنها ولأن الأمم المتحدة لم تخجل من إرسال 519 مليون دولار إلى «المتضررين» السوريين عبر الحكومة السورية، التي من المفترض أنها غير شرعية.

وكذلك وإلى جانب هذا كله، فإن الملاحظ أن جيش النظام السوري، الذي من المؤكد أنه تلقى في الفترة الأخيرة أسلحة روسية حديثة ومتطورة، من بينها صواريخ تكتيكية متوسطة المدى وفعالة ومن بينها أيضا جيل جديد من القنابل العنقودية المحرمة دوليا – قد لجأ، وللمرة الأولى، منذ بداية المواجهات الشاملة مع الجيش السوري الحر، إلى القيام بهجوم معاكس طال كل جبهات القتال وتركز بشكل خاص في دمشق العاصمة وضواحيها وفي الجبهة الجنوبية؛ أي درعا والمدن والبلدات الحورانية التابعة لها، وتحقيق بعض المكاسب العسكرية على الأرض، التي يجب اعتبارها مكاسب فعلية رغم محدوديتها وعدم تأثيرها الحاسم على نتائج هذه المواجهات المحتدمة.

ومقابل هذا، فإن ما يبعث على الاستغراب أن الدعم العربي والدولي، على قلته، للجيش السوري الحر تحديدا، قد توقف، وغير معروف لماذا، في اللحظة الحاسمة، وبينما بات سقوط العاصمة دمشق مسألة أيام معدودات فقط، وبينما كادت تنتهي معارك السيطرة على المطارات الحربية، وأيضا بينما بدأت عمليات الانتهاء من معركة حماه والتوجه إلى مدينة اللاذقية والساحل السوري لقطع أي إمدادات لنظام بشار الأسد عبر موانئ هذا الساحل على البحر الأبيض المتوسط.

وبناء على هذا كله، فإنه لا بد من القول، وبكل صراحة، إن هناك أمورا غير مفهومة قد استجدت على واقع الأزمة السورية بينما أصبحت ساعات الحسم النهائي ورحيل بشار الأسد وانهيار نظامه قريبة، إذ بالإضافة إلى موقف اللاموقف الذي بقيت تتخذه الولايات المتحدة، فإن الملاحظ أن هناك انكفاء وتراجعا في مواقف دول الاتحاد الأوروبي، وأن فرنسا، تحديدا، غدت تتعامل مع المعارضة السورية كأنها اتحاد طلابي يستكثر على نفسه ويستكثر عليه مضيفوه استقباله على أراضيهم وإسماعه كلاما جميلا لا يغني ولا يسمن من جوع، وقد اعتاده النظام السوري وبات – حتى عندما يسمعه مجددا ومرة أخرى – لا يرف له جفن.

لم يعد يعرف ما الذي تريده الولايات المتحدة وما الذي تنتظره دول الاتحاد الأوروبي ومعها تركيا، التي «زهق» الشعب السوري من تأكيداتها أن نهاية بشار الأسد باتت قريبة، ثم إن هناك استغرابا لتوقف الدعم العربي المفاجئ، وخاصة عن الجيش السوري الحر بينما هو يخوض معارك الانتصار الأخيرة… ما الذي يجري وراء ستارة خشبة مسرح الأزمة السورية.. هل هناك مستجدات ستكشفها الأيام القريبة المقبلة أم أن كل ما في الأمر أن بعض «الداعمين» لهم موالهم الخاص، وأنهم لتركيزهم على فئة محددة من المعارضة السورية قد اضطروا الداعمين الآخرين إلى وقفة مراجعة للحسابات كلها كي لا يختلط الحابل بالنابل وكي لا يجدوا سوريا وقد أصبحت تغرق في مذابح الاقتتال الطائفي وعلى غرار ما يحدث الآن في العراق وفي أفغانستان؟!

لكن وحتى وإن تم العثور على أجوبة شافية لكل هذه الأسئلة والتساؤلات، فإنه لا يمكن إلا أن تبقى الشكوك، والكثير من الشكوك تحوم حول موقف الولايات المتحدة، ومواقف إن ليس كل دول الاتحاد الأوروبي.. فبعضها على الأقل، فهل هناك لعبة تلعب في الخفاء.. وهل هناك مؤامرة يجري حبكها لغرز خنجر مسموم في ظهر الثورة السورية بينما هي باتت على مسافة قصيرة من الانتصار الذي دفع ثمنه الشعب السوري كل هذه الأعداد الهائلة من الشهداء ومن النازحين والمهجرين والمفقودين والجرحى وكل هذا الدمار المروع، الذي لم تسلم منه ولا مدينة سورية واحدة، من بينها بل في مقدمتها العاصمة دمشق..؟!

إن كل شيء جائز، وإلا لماذا يتوقف الدعم عن الجيش السوري الحر على هذا النحو وبشكل مفاجئ وبينما معارك الخلاص النهائي محتدمة وباتت تقف على أبواب القصر الجمهوري (قصر الشعب).. وإلا لماذا أيضا يزداد الموقف الأميركي ميوعة وتراجعا بينما تشن روسيا ومعها إيران هذا الهجوم الكاسح، الذي لا بد من النظر إليه على أنه هجوم اللحظات الأخيرة؟!.

وحقيقة، إن هناك من يقول إن هدف توقف الدعم، وعلى هذا النحو المفاجئ وفي اللحظات الحاسمة، عن الجيش السوري الحر، هو ممارسة المزيد من الضغط على هذا الجيش وعلى المعارضة عموما كي تتخلى عن رفضها وتقبل بالحلول المقترحة المستندة إلى مقررات مؤتمر جنيف، وفقا للقراءة الروسية التي تريد مرحلة انتقالية برعاية الرئيس السوري نفسه، بل وأكثر من هذا بأن يبقى بشار الأسد حتى نهاية ولايته الحالية وأن يترشح لولاية جديدة في الانتخابات، التي من المفترض أن تتم بعد فترة من انتهاء المرحلة الانتقالية.

إن هذا ما هو متداول ويجري الحديث عنه الآن، وهذا يعني أنه على العرب الذين يتحملون مسؤولية الدفاع عن الأمة العربية أن يدركوا أن هذا الحل آنف الذكر يعني الانتصار المؤكد لإيران، التي بات «هلالها» يطوق المنطقة كلها، فنظام بشار الأسد هو قاعدتها المتقدمة، وصمود هذا النظام يعني أن عمامة الولي الفقيه السوداء سوف تفرد فوق هذه المنطقة.. كلها ومن دون استثناء حتى ولا دولة واحدة!!

الشرق الأوسط

من موسكو “ما حاجتنا لسوريا؟”: مصالحنا مع السعودية وقطر وأوروبا

غلاديسلاف إينوزيميتسيف

المقال التالي قام بترجمته موقع “روسيا اليوم”، الرسمي. وهو يطرح تساؤلات واضحة حول “مصلحة روسيا” في دعم نظام الأسد. ويلمّح إلى أن “الصفقات العسكرية” المعقودة مع نظام الأسد قد تكون لمصلحة أطراف روسية فاسدة. ويكشف المقال أنه كان هنالك وقع مؤثر في روسيا لموقف السعودية التي رفضت استقبال الوزير “لافروف” على أراضيها. ووجهة نظر الكاتب الروسي هي أن مصلحة روسيا هي مع السعودية وقطر، أكبر مصدّرين للنفط والغاز، وليس مع نظامٍ سوري لا يدفع ديونه. بل ويتساءل الكاتب عن جدوى عمليات الأسطول الروسي قبالة السواحل السورية.

وجهة نظر مناقضة لسياسات بوتين-لافروف، وتعني أن هنالك نقاشاً في روسيا وأن هنالك أصواتاً تحذّر من أن روسيا “ستبقى في ذاكرة البلدان المتزعمة في المنطقة بلدا ساند طيلة خمس سنوات جميع الخاسرين بلا استثناء”!

*

ما حاجتنا لسوريا؟

من المفترض أن تعمل سياسة روسيا الخارجية لخدمة مصالحها الاقتصادية، أو على الأقل ألا تتناقض معها. قال فلاديمير بوتين في اجتماع لمجلس الأمن بتاريخ 23 كانون الأول/ديسمبر 2005. إن بلدنا “في مجال الطاقة دولة عظمى”. ومنذ ذلك الحين ازداد اعتماد البلاد على تصدير الطاقة، ولذا بات من المنطقي أن تنسق موسكو سياسيا مع الجهات التي تتمتع بالتأثير الأكبر على سوق الطاقة، وهي في مجال تصدير النفط، منظمة “اوبيك” وزعيمتها العربية السعودية. تنتج “اوبيك” حالياً اقل من 30 مليون برميل من النفط في اليوم، من مجمل الانتاج العالمي الذي يعادل حوالي 83.5 مليون برميل، حصة روسيا منها 10.3 مليون برميل. ولو كانت روسيا عضوا في “اوبيك” لتمكنت من التحكم بأكثر من نصف انتاج العالم، ولأصبح رأيها مؤثراً في رسم سياسة الأسعار – وهذا أمر له أهميته في ظروف الأزمة الاقتصادية المحتملة، ولكن علاقاتنا مع “أوبيك” ماتزال بعيدة عن أن تكون مثالية.

مطار الرياض رفض استقبال طائرة “لافروف”!

في 14 تشرين الثاني/نوفمبر من العام المنصرم لم يستقبل مطار الرياض الرسمي طائرة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي كان متوجهاً للقاء وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي. كما أن الوزير الروسي غادر ذاك الاجتماع قبل نهايته، بعد ان رفض المجتمعون الاستماع اليه. ربما كان من الأفضل في موقف كهذا عدم الوصول بالأمور الى هذا المستوى من الحدة. وفضلا عن النفط، لنا مصلحة أخرى في الغاز، حيث دولة قطر اللاعب الأساسي في سوقه. لقد زادت قطر انتاجها من الغاز من عام 1991 حتى 2011 من 6.3 مليار الى 146 مليار متر مكعب في العام. واذا حافظت على هذه الوتيرة، فستكون بحلول عام 2021 أكبر مصدر للغاز في العالم. فلماذا لا نطور علاقاتنا الثنائية، ولا نعمق التعاون المشترك معها، ونحصل على تنازلات اقتصادية مقابل تنازلات سياسية. إن ما حدث هو غير ذلك!

هنا لا بد من التساؤل: ألا تتسبب هذه الدبلوماسية بأضرار مباشرة على مصالح روسيا الاقتصادية؟ وما الذي نريد تحقيقه بمثل هذه الخطوات الغريبة؟ الجواب واضح . السبب يكمن في العلاقات الطيبة، والغير مبررة، لنخبتنا السياسية مع الزعماء الدكتاتوريين – المارقين أمثال معمر القذافي و بشار الأسد. ولنتناول الحالة السورية. من وجهة نظر اقتصادية، تعتبر سورية بلدا مدينا لنا منذ زمن بعيد. وحتى بعد عمليتين لشطب الديون، ظلت سورية في عام 2005 مدينة لروسيا بمبلغ 13.5 مليار دولار. وبعد ذلك وقعنا معها عقداً شطب بموجبه 73% من الدين. لماذا تم ذلك؟ وعدت سورية باعادة ما تبقى خلال عشرة أعوام، ولكن ليس نقدا، بل بمنتجات من صناعتها. أين هي تلك البضائع؟ وما حجم ما تم توريده خلال سبع سنوات من السنوات العشر الماضية؟ وبعد هذا “الانفراج” ازدادت وتيرة التعاون في مجال توريد السلاح. أما الصفقة الأخيرة فبلغت قيمتها 3.5 مليار دولار، وتشمل منظومات صواريخ، وطائرات، ومنظومات دفاع جوي. ولم يدفع منها نقدا أكثر من 20%. ويبرز السؤال مرة أخرى. لماذا؟ لمصلحة من تتم مثل هذه الصفقات؟

ماذا يفعل أسطول روسيا في المتوسط؟

يقال، أن لروسيا مصالح استراتيجية في قاعدة طرطوس التي يستفيد منها اسطول البحر الأسود. ولكن ما العمليات التي ينفذها الاسطول في حوض البحر الأبيض المتوسط؟ لعلنا فعلا نريد السلام والاستقرار واحترام سيادة الدول في الشرق الأوسط ، غير ان الأحداث تتطور أحيانا لا حسب تلك السيناريوهات التي تعجب الخارجية الروسية. فلنحاول النظر إلى سيرها المحتمل! قريبا يقضي المتمردون على نظام الأسد، وتُنسى الديون الروسية المترتبة على سورية، وتلغى العقود. وإيران، بعد أن تكون فقدت حليفها السوري، تعزز قوة “حماس”، وتسرع بتنفيد برنامجها الرامي لصنع القنبلة النووية.

أما إسرائيل ، فستقوم في هذه الحالة بقطع “الأوكسجين” عن قطاع غزة، وربما ستوجه ضربة استباقية لمنشآت إيران النووية، ما سيستدعي رد طهران. وهنا ستتدخل الولايات المتحدة الأمريكية، ما سيسفر في الحصيلة النهائية عن وضع شبيه بالوضع في العراق عام 1991، اي لن يتم احتلال إيران، ولكن من المحتمل تماما ألا تبقى دولة مستقلة. ومن ذلك كله لن تحصل روسيا على أية منافع، بل ستبقى في ذاكرة البلدان المتزعمة في المنطقة بلدا ساند طيلة خمس سنوات جميع الخاسرين بلا استثناء .

١ بالمئة من سوق الغاز الأوروبي أفضل لنا

ولكن ذلك ليس المرة الأولى بالنسبة لنا، فقد سبق أن أخطأنا، غير أن المسألة الرئيسية ليست هنا. بودي لو أعلم إن كان القادة الروس تحسبوا لسيناريو آخر؟ سيناريو نكون بموجبه مستعدين للتخلي عن “الجالس في دمشق” مقابل تطبيع العلاقات مع السعوديين والقطريين، وحجز مقعد إلى الطاولة التي ستشهد تقرير مصير سورية، والحصول أخيرا من هذا البلد الصديق، ولو على جزء من ديوننا القديمة؟ ولو أننا استعدنا 1% فقط من سوق الغاز الأوروبي لتجاوزت عائداتنا حجم مبيعات السلاح لسورية في السنوات العشر القادمة.

المصدر : صحيفة “فيدومستي” Vedomosti.ru

الكاتب: غلاديسلاف إينوزيميتسيف، دكتور في العلوم الاقتصادية، مدير مركز دراسات المجتمع ما بعد الصناعي.

دلالات معبّرة لإجلاء الروس عبر بيروت

قلق يخالف المواقف المعلنة حيال سوريا

    روزانا بومنصف

حاولت الخارجية الروسية تلطيف وطأة اجلاء رعايا روس من العاصمة السورية عبر مطار بيروت والتخفيف من ابعاد هذه الخطوة وتفسيراتها من خلال الاعلان انها لا تخطط لعملية اجلاء واسعة النطاق للمواطنين الروس في سوريا باعتبار ان خطوة الترحيل لم تشمل اجلاء ما يتجاوز المئة من هؤلاء المواطنين في حين ان عدد الرعايا الروس في سوريا اكثر بكثير. ذلك ان اي خطوة مماثلة من جهة روسيا كانت منتظرة منذ اشهر عدة كدليل او مؤشر على تقويم روسي سلبي جدا لوضع النظام في سوريا وتطور الامور لغير مصلحته وتاليا اضطرارها الى اجلاء رعاياها تحت وطأة مواقفها المنحازة الى جانب النظام والتي لا تلقى ردود فعل ايجابية لدى المعارضة السورية. لذلك حظيت هذه الخطوة باهتمام في محاولة رصد رؤية موسكو لمصير النظام او المخاوف من تطورات غير معروفة او غير ظاهرة للعيان. فهل هي خطوة كبيرة ام تحمل اكثر مما تحتمل؟

 يعتبر مراقبون معنيون ان مجرد اقدام روسيا على هذه الخطوة يترك على نحو موضوعي انعكاسات معنوية على مؤيدي النظام من جهة كما انها تؤشر رمزيا الى مخاوف روسية متعاظمة من مآل الوضع السوري وعدم الثقة تاليا بما يحاول النظام اشاعته عن حل سوري اعلنه الرئيس السوري في خطابه الاخير ويدفع في اتجاه اتخاذ خطوات داخلية لتنفيذه على رغم انه يدور في حلقة مفرغة كما كانت الحال مع الخطوات المماثلة التي قام بها قبل سنة. واعتبر هؤلاء هذه الخطوة الروسية لافتة ومعبرة من حيث التوظيف السياسي، ولو من دون تحميلها اكثر مما تحتمل واقعيا، كونها تأتي في توقيت حرج يتصل بمحاولة النظام اشاعة اجواء من الارتياح لتحقيقه تقدما على الارض في مواجهة خصومه واستعادته معنويات كبيرة نتيجة مساعدات مالية وربما غير مالية وصلته من طهران بحيث ان اجلاء الروس رعايا لهم من دمشق يناقض او ينتقص من اهمية عامل الارتياح الذي يتم السعي الى اشاعته. ذلك انه اذا كانت المرحلة مرحلة انتصار للنظام وتبشر بالمزيد منه فلماذا اجلاء الرعايا من مناطق سيطرته ما لم تكن مرحلة الهدنة تسمح بمغادرة من يجب مغادرتهم او يشعرون بالرغبة في القيام بذلك في هذه الهدنة . كما ان ترحيل هؤلاء عبر مطار بيروت يضع الكلام على استعادة النظام السيطرة على العاصمة وريفها على محك الشكوك ما دامت روسيا غير قادرة على ضمان نقل رعاياها عبر مطار دمشق شأنها في ذلك شأن انتقال الاخضر الابرهيمي الى العاصمة السورية عبر بيروت برا لتعذر وصوله اليها عبر مطار دمشق.

فهذه الخطوة شكلت مؤشرا مبدئيا في قراءتها على اوضاع ميدانية مختلفة عما يعلن عنها وعلى تقديرات لروسيا مخالفة عما يجاهر به مسؤولوها وفق ما برز في بعض التعليقات الغربية على الخطوة الروسية. وقد واكبت هذه الاخيرة جملة مواقف تعزز المخاوف من تردي الوضع السوري اكثر فاكثر بين ما قاله نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف وتوقعه ان تستمر الازمة السورية سنتين اخريين او اعلان وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل ان الدول العربية تواجه مأزقا كبيرا في ظل عجز مجلس الامن عن تقديم حلول للوضع السوري ومطالبته بان تتحرك الجمعية العمومية وكذلك اعلان الامين العام للجامعة العربية نبيل العربي ان جهود الموفد العربي الدولي الى سوريا الاخضر الابرهيمي لم تنجح فيما يستعد هذا الاخير لتقديم تقرير عن مساعيه الاخيرة على خط دمشق الى مجلس الامن يوم الثلثاء المقبل في 29 الجاري. وهذه المواقف لا يمكن اعتبارها ضغطا من اجل مساعدة الابرهيمي بمقدار ما تعتبر نعيا لجهوده.

اذ ان بعض المتابعين للسياسة الاميركية علقوا امالا على خطاب القسم الذي القاه الرئيس الاميركي باراك اوباما في حفلة تنصيبه لولايته الثانية وفي ظنهم انه سيحدد ملامح سياسته الخارجية واتجاهاتها خصوصا ازاء مسائل حرجة كايران وسوريا. فلم يشف الخطاب غليل المتطلعين الى ذلك في وقت يرى كثر انه ليس مفترضا بهذا الخطاب بان يعكس توجهات الادارة الاميركية الجديدة في انتظار خطاب حال الامة الذي يلقيه اوباما الشهر المقبل ويتضمن عناوين سياسته الخارجية بعد مصادقة مجلس الشيوخ على التعيينات الجديدة التي اجراها ومن بينها تعيين السيناتور جون كيري وزيرا للخارجية. علما ان الامال الجدية ضعيفة نظرا الى اعتبار مراقبين ان لا شيء ملحا يضغط على الولايات المتحدة في شأن سوريا ما دامت قد ضمنت عدم تحريك النظام السوري الاسلحة الكيميائية وما دامت اسرائيل غير منزعجة لحال النظام وتدمير سوريا مما يؤدي الى توريثها من يخلفه سنوات من محاولات اعادة الاعمار والبناء على كل الصعد الامنية والعسكرية في ظل عدم القدرة على تشكيل اي تهديد لاسرائيل.

النهار

دماء في ذمة روسيا

    راجح الخوري

لست ادري لماذا منع الصحافيون من الاتصال بالرعايا الروس الذين عبروا المصنع في اتجاه مطار بيروت بعدما غادروا دمشق التي تحولت ساحة حرب منذ اشهر.

هل حرص الديبلوماسيون الذين اشرفوا على عملية اجلائهم على منعهم من الحديث عن معاناتهم وخصوصاً بعدما تعذّر على روسيا اجلاءهم عبر ميناء طرطوس حيث تقوم قطع بحرية روسية عدة بمناورات وبافراغ ما تحمله من الذخيرة، ام انهم حرصوا على الا يدلي هؤلاء بافادات تدين سياسة بلدهم الذي كان ويستمر شريكاً في صنع المأساة السورية ورعايتها وقد صاروا الآن من ضحاياها؟

لا داعي للبحث عن اجوبة فقد كان مثيراً للاشمئزاز والتقزز ان تبشرنا موسكو بان الازمة السورية ستطول وانها قد تستمر سنتين اضافيتين، في وقت لا يخفى على احد وخصوصاً رعاياها في سوريا ان سياستها هي التي عطلت وتعطل كل مساع عسكرية بالدعم المتواصل وسياسية عبر تعطيل كل المبادرات لانهاء الازمة.

كان هذا واضحاً منذ سعت موسكو الى نسف مهمة المراقبين العرب والدوليين ومنذ ساهمت في افشال كوفي انان ومن بعده الاخضر الابرهيمي الذي تعرّض بعد مقابلته الثالثة والاخيرة على ما يبدو مع بشار الاسد لقصف سياسي قاتل عندما اتهم بانه “وسيط فاشل ومنحاز” لمجرد انه فاتح الرئيس السوري بموضوع الانتقال السياسي فقيل انه ” تجرأ” على المحرمات وانهى الاسد المقابلة معه في طريقة مهينة!

لا ادري ماذا يفعل الابرهيمي في هذه الايام غير الجلوس مع بان كي – مون ومحاولة ايجاد ترجمة دولية للقول المعروف: “يا حصرماً رأيته في حلب… ودمشق طبعاً”، وليس من الواضح ما هو رأي الرفيق سيرغي لافروف الذي حرص دائماً على تصوير المعارضة السورية بانها من الارهابيين وتمسك منذ عامين بالقول ان الاسد خط احمر وان موسكو غير قادرة على اقناعه بالتنحي، لكن من الواضح ان حسابات موسكو آخذة في الانهيار والتداعي مثل الابنية في المدن السورية المنكوبة!

وعندما يقول الروس ان الازمة السورية طويلة ونرى رعاياهم يغادرون تحت جنح التكتم عبر مطار بيروت الذي صار البوابة الوحيدة لمغادرة دمشق جواً بعدما ظل مطار دمشق بوابة اللبنانيين الوحيدة للسفر الى الخارج هرباً من جحيم الحرب التي استمرت 17 عاماً وادارها النظام السوري اياه، هل من الكثير ان نتوقع تأجج المأساة السورية اكثر بما يستدعي ان تنقل السفارة الروسية اعمالها من دمشق الى بيروت كما كانت قد انتقلت من بيروت الى دمشق؟

 نعم المأساة طويلة جداً لكن طولها وما سيرتبه من المآسي والدماء سيقيّد حتماً على ذمة الروس… ايها الرفيق لافروف!

النهار

استراحة أمريكية في المقهى الروسي

ناصر زيدان

منذ أكثر من عام انغمست الولايات المتحدة الأمريكية في ورشة الانتخابات الرئاسية، فغابت الإدارة الأمريكية عن السمع، متجاهلةً ما يجري على الساحة الدولية، خصوصاً الأحداث الدامية والأليمة التي تعيشها سوريا، وأشارت استطلاعات الرأي أن تأثير السياسة الخارجية في نتائج الانتخابات الأمريكية لم تتجاوز هذه المرة ال9%، بينما كانت تصل في المرات السابقة إلى ما يتعدى ال 50% .

انغمس الرئيس باراك أوباما في مُعالجة الملفات الاقتصادية الداخلية، لاسيما بعد ما خلفه الإعصار “ساندي” من أضرار، واستغلت وزيرة الخارجية المُنتهية ولايتها هيلاري كلينتون الوقت الضائع لتُجري عملية تجميل لوجهها، سببت لها “كما قِيل” جلطة خفيفة في الرأس .

تبريرات الغياب الأمريكي عن الملفات الدولية الساخنة، لم تُقنِع الأوساط السياسية المُتابعة لحركة الدبلوماسية الأمريكية، تماماً كما لم تقنِع التبريرات لتغيب كلينتون الحاضرين كافة لاجتماع أصداقاء سوريا الذي انعقد بالمغرب في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2012 .

المعلومات المتقاطعة من أكثر من مصدر، والتحليلات المرافقة للانكفاء الأمريكي، ترسم صورة مختلفة عن أداء الدبلوماسية الأمريكية، وتعتبرها جزءاً من مقاربة مُخطط لها، وموجهة، اعتمدتها هذه الدبلوماسية لتحقيق مجموعة من الأهداف التي تتماشى مع المصالح الأمريكية، خصوصاً في الشرق الأوسط، ولا تتعارض مع التوجه “الإسرائيلي”، بصرف النظر عن الود المفقود بين أوباما ورئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو .

فواشنطن يبدو أنها وزعت الملفات على القوى الدولية الكبرى التي كانت تطالبها بإنهاء سياق الأُحادية القطبية، بل أغرقت كلاً منها بملفات ساخنة، تحفظ دوراً لهذهِ القوى، وتُلهيها في مشكلات من العيار الثقيل في آنٍ واحد . وهذا ما حصل في إنتاج أزمة جزيرة “سنيكاكو” بين الصين واليابان، وعلى الوتيرة نفسها حصل الانغماس الفرنسي في رمال الصحراء الكبرى في مالي – شجعت عليه واشنطن وتخلت عن المساندة المباشرة للقوات الفرنسية – برغم أهمية الملف الذي تعالجهُ هذه القوات، وهو تحرير شمال إفريقيا من إحتلال قوات القاعدة وأخواتها لهذه المنطقة (وفقاً لتسمية أوساط إعلامية) .

أشد المُتحمسين في البحث عن الدبلوماسية الأمريكية قال: إنه عثر عليها تستريح في المقهى الروسي على وقع المشاهد المؤلمة للأحداث السورية . وتفاجأ الباحثون هؤلاء، بأن شيئاً ما يُشبه شهر العسل تعيشه العلاقات الروسية – الأمريكية، برغم الضجة الفارغة التي تُثار حول نشر صواريخ باتريوت الأطلسية في تركيا . وان هناك ما يُشبِه التلزيم الكامل للملف السوري لروسيا، وأُعطيت لها مفاتيح الحل والربط، وفترة السماح اللازمة، لمعالجة تداعياته، ومسكِ خواتيمه، بما يحفظ مصالح روسيا وأمريكا و”إسرائيل”، ولا ضير في أن يُزعِج الأمر بعض الدول الأوروبية التي تتضرر من الدور الروسي، ومن تحكم هذه الأخيرة بمفاتيح أنابيب الغاز إلى كامل القارة، حتى منها ما يُمكن أن يكون واعداً في باطن الأرض السورية واللبنانية والقبرصية .

المُعطيات المتوافرة تؤكد استمرار هذا التلزيم، وبالتالي لا يمكن إيجاد حل في سوريا لا ترضى عنه روسيا، مهما اشتدت وتيرة الضغط العسكري على النظام المُتداعي . وواشنطن لا يبدو أنها مُنزعجة من التشدد الروسي، ولم تبذل أي جهد في سبيل إقناع موسكو بتعديل موقفها، وهذا ما بدا واضحاً في الاجتماع الذي حصل مطلع الشهر الحالي في جنيف بين مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية وليم بيرنز ونائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بغدانوف بحضور المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي .

ولا يعني اعتراف واشنطن بائتلاف المعارضة السورية، ولا بعض التصريحات الخجولة لمسؤولين في الإدارة الأمريكية عن ارتكابات النظام، أو عن مخاطر الأسلحة الكيميائية، تعديلاً جدياً بالسيناريو الأمريكي المُعتمد اتجاه الأزمة السورية، حتى الآن . والاستراحة الأمريكية في المقهى الروسي قائمة، فهل مَن يذهب للبحث عن إمكان الحل هناك، ربما يعثر عليه، ويُخلص الشعب السوري؟

روسيا تمهّد للدولة العلوية

حسان حيدر

يزداد الموقف الروسي تشدداً مع الوقت في مسألة تنحي الرئيس السوري بشار الأسد، وتؤكد موسكو أن الحرب السورية ستطول سنوات وستحصد المزيد من الضحايا إذا استمرت المعارضة المدعومة من العرب والغرب في المطالبة برحيله، لكنها لا تقدم أي تفسير علني لماذا تصر هي على بقائه، باستثناء الحديث العمومي عن «مبدأ عدم التدخل»، ولا توحي بالثمن الذي تطالب به في مقابل التخلي عنه والتوصل إلى تسوية تنتهي بزوال نظامه.

وتستغل روسيا الحرج العربي، الذي عبر عنه وزير الخارجية السعودي عندما تحدث عن «المأزق الكبير» المتمثل في عجز الدول العربية عن وقف حمام الدم في سورية واستحالة إقناع المعارضة بفكرة بقاءٍ ولو موقت للنظام الحالي بعد سقوط أكثر من 60 ألف قتيل، لتهدد (روسيا) بالمزيد من القتل وبإطالة أمد الاقتتال إلى ما لا نهاية، ولتؤكد استمرارها في منع مجلس الأمن من التوصل إلى إجماع ينهي المأساة.

وأمس، تأفف وزير الخارجية الروسي من «هوس» المعارضة بإطاحة النظام، وكأن الأسد وصل إلى السلطة في انتخابات حرة ونزيهة وليس وريث ديكتاتورية قامت على هيمنة أقلية على مقدرات الحكم بالترهيب والإقصاء.

لكن الروس الذين التقوا قيادات من مختلف أطراف المعارضة، يعرفون بالتأكيد أن هذه ستخسر مبرر وجودها إذا هي تراجعت عن مطلب التنحي، ويعرفون أن المواجهة، حتى لو طالت سنوات، لن تكون نتيجتها النهائية في مصلحة النظام. فما الذي يسعون إليه إذاً؟

تعتقد بعض الأوساط الغربية أن موسكو التي ترفض بشدة فكرة خروجها من آخر موطئ قدم لها في الشرق الأوسط، تهدف من هذا الابتزاز الدموي، إلى الحصول على موافقة عربية ودولية على أنّ أي تغيير للحكم في دمشق يجب أن تواكبه ضمانات لأمن الطائفة العلوية الحاكمة حالياً ومستقبلها، بما في ذلك منحها حيزاً جغرافياً (يشمل بالتأكيد القاعدة البحرية الروسية في طرطوس) تستطيع من خلاله ضمان عدم تعرضها لحملات انتقامية بسبب ما قامت به خلال السنوات الأربعين الماضية من حكم عائلة الأسد.

وترى الأوساط نفسها أن روسيا تبالغ في وصف الدور الذي تلعبه مجموعات متشددة في القتال الدائر، علماً أن هذه تشكل وفق التقديرات الغربية نسبة لا تزيد عن أربعة في المئة من مجموع مقاتلي المعارضة، لإثارة المخاوف من مرحلة ما بعد الأسد، ولإعطاء الانطباع بأن سورية ستتحول إلى ملاذ آمن لتنظيم «القاعدة» وما شابهه في حال رحيل النظام «العلماني» الحالي.

وسبق لموسكو أن دعمت بنجاح، حتى الآن، نموذجاً لدويلتين مصطنعتين في جورجيا، حيث تعترف باستقلال إقليمي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، وتنشر قواتها فيهما، بعدما عملت على إذكاء النزاع بين المجموعات العرقية بسبب مطالبة تبيليسي بإزالة القواعد العسكرية الروسية القائمة منذ العهد السوفياتي، وموافقتها على نشر جزء من منظومة الدرع الصاروخية الأطلسية على الأراضي الجورجية.

لكن هل يمكن فعلاً أن تنعم أي دويلة علوية بالاستقرار حتى لو حصلت على ضمانات دولية؟ الجواب سلبي على الأرجح، ذلك أن «الإقليمين المستقلين» في جورجيا يستمدان الحياة من محاذاتهما الأراضي الروسية ومن انتشار الجيش الروسي فيهما، أما تقسيم سورية فيصعب تصوره، لأنه سيهدد أمن المنطقة بأسرها ويفتح الباب أمام احتمال تقسيم دول أخرى وينتج حروباً لا تتوقف.

الحياة

مدخل روسيا إلى النظام الدولي الجديد… حماية الأقليات!

بهاء أبو كروم *

لا يكاد يمر أسبوع إلا وتضخ وسائل الإعلام الروسية أنباء عن اقتراب السفن الحربية التابعة للأسطول الروسي نحو شواطئ اللاذقية وطرطوس في سورية، وقد تساعد جغرافيا هذا الحزام الساحلي على اعتماد نموذج الانتشار البحري قرب السواحل الذي يساوي الانتشار البري بالمعنى الاستراتيجي. وفي الوقت الذي وجدت فيه روسيا مخارج لمأزق انفرادها مع الصين في معارضة التوجه الدولي في مجلس الأمن عبر التركيز على نتائج مؤتمر جنيف في اقتراح المرحلة الانتقالية، فإنه بات من الواضح أن الديبلوماسية الروسية ذاهبة إلى النهاية في الخيار الذي اعتمدته منذ البداية، ولم يؤول حجم التضحيات التي يقدمها الشعب السوري إلى تغيير جوهري في الموقف الروسي لا بل تعمل القيادة الروسية وفقاً لقاعدة أن ما حذرت منه سابقاً قد حصل وأن الأسد لن يغادر دمشق وبالتالي فالتوازن القائم يفترض قيام تسوية سياسية على أساس مباحثات جنيف.

فبعد وقت قصير على صدور بيان عن وزارة الدفاع الروسية في 11 كانون الثاني(يناير) تقول فيه إن سفناً تابعة لأسطول البحر الأسود الروسي ستجري تدريبات تشمل مناورات قتالية بالقرب من السواحل السورية، صرح مصدر في الأركان العامة الروسية أن « إنزال بضع وحدات من مشاة البحرية والمظليين والبحارة من سفن الإنزال التابعة لأسطول بحر البلطيق وأسطول البحر الأسود يعتبر إحدى المهمات المحورية في تلك المناورات». وهي ليست المرة الأولى التي تُجري فيها روسيا مناورات أمام الساحل السوري لكنها المرة الأولى التي يُحكى فيها عن إنزال قوات على البر بعملية عسكرية تتضمن تمهيداً مدفعياً لذلك. وتوحي هذه التحركات الروسية المتتالية بأن روسيا تحاول استباق احتمالات التدخل الغربي في سورية واتخاذ تدابير ميدانية تقابل نشر الأطلسي لبطاريات باتريوت على الحدود التركية السورية.

وكانت روسيا استأنفت نشاطها البحري في المتوسط بدءاً من نهاية العام 2007 بعد انقطاع دام 15 سنة حيث قامت في كانون الأول (ديسمبر) من العام ذاته بمهمات تدريبية استمرت شهرين واستهدفت التمرن على عمليات الإنقاذ ومكافحة الإرهاب، وبعد إنجاز المهمة الأولى صرح الأدميرال فلاديمير فيسودسكي بأنه «من المهم جداً أننا قد استأنفنا تواجدنا في البحر المتوسط بعد انقطاع طويل لكن الأهم هو أننا قد فعلنا ذلك في الوقت المناسب». وقد استبق هذا التأكيد الأحداث التي جرت في أوسيتيا الجنوبية في آب (أغسطس) 2008 حيث تدخلت روسيا عسكرياً لدعم حكومة أوسيتيا الانفصالية بعد أن اندلعت المواجهات مع الجيش الجورجي وأدى ذلك إلى ارتفاع حدة التوتر مع الأطلسي والولايات المتحدة التي أرسلت سفناً حربية إلى البحر الأسود وتصاعَدَ الحديث عن نشر الدرع الصاروخية في بولندا. وكانت جورجيا قد فرضت في العام 1991 اللغة الجورجية على كل الإدارات الأوسيتية بدلاً من اللغة الخاصة بالأوسيتيين. وفي الشهر ذاته ترسخت العلاقات العسكرية الروسية مع سوريا خلال زيارة قام بها الرئيس السوري بشار الأسد إلى موسكو وتعهد خلالها بتوسعة وتأهيل مرفأي اللاذقية وطرطوس وأبرم صفقات تسليح عسكرية ثم عرض نشر صواريخ إسكندر الروسية على الأراضي السورية وكانت روسيا في العام 2005 قد ألغت 73 في المئة من الديون السورية البالغة حوالى 13 مليار دولار. وازدادت حاجة روسيا إلى سورية بعدما تبين أن إسرائيل زودت جورجيا بأنظمة دفاع جوي وأسلحة متطورة.

شكلت عودة روسيا إلى الساحة الدولية حينذاك مناسبة لتصاعد الطموحات عند الدول التي تعتمد على التوازن الدولي وتطمح إلى استعادة أجواء الحرب الباردة لتلبية تطلعاتها الإقليمية مثل إيران وسورية والصين، ورغم أن روسيا لا تهدف إلى الانزلاق في مواجهة مع الولايات المتحدة إلا أنها لا تساعد على إراحتها من الملفات المشتعلة.

كان الاتحاد السوفياتي يعتمد مبدأ المساعدة على تحرر الشعوب من مخلفات الاستعمار والإمبريالية وكانت منطلقاته الإيديولوجية ترتكز على الصراع الطبقي ما يبرر له تدخله. لكن لاحقاً فإن إحدى المنطلقات التي أتاحت لروسيا مدخلاً إلى أوروبا وتتيح لها ذلك في الشرق الأوسط بخاصة بعدما تخطت العقبات الاقتصادية نهاية التسعينات هو انتهاجها للمنحى الأرثوذكسي الذي أخذ يتوسع في الداخل الروسي. فالأرثوذكسية حلت محل الشيوعية وهي مؤهلة للعب دور في تبديد الصراعات التاريخية بين الغرب والشرق. والآن تعتمد روسيا على مبررات تتعلق بالمحافظة على النظام الدولي والتصدي لإمكانية تشريع التدخل الخارجي لتغيير الأنظمة وبالتوازي مع ذلك حماية الأقليات.

ففي 12 حزيران (يونيو) 1999 وبعد 3 أيام من وقف الحملة الجوية التي أطلقها الحلف الأطلسي على يوغوسلافيا دخلت القوات الروسية التي كانت تعمل ضمن القوات الدولية في البوسنة إلى كوسوفو لتنتشر حول المطار في بريشتينا وتقتطع لنفسها منطقة بحجة حماية الصرب من ردود الفعل المتوقعة. وقد شكل ذلك مفاجأة وحَدَثَ من دون التنسيق مع الأطلسي. وهذا النموذج من التدخل لا يرقى إلى حدوث مواجهة مع القوى الدولية لكنه يسترق اللحظة التي تجعله شريكاً في تقاسم الأرباح.

أما البراغماتية الروسية فتعمل في حدود المُتاح تقليدياً وهي المُوجّه الرئيسي للحركة الديبلوماسية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. فانكفاء روسيا عن قضايا أميركا اللاتينية وأوروبا وآسيا والشرق الأوسط كان يستدعي التركيز على استرجاع الذاكرة وإحياء الأحلاف التقليدية التي قامت أيام حقبة الإيديولوجيا. لكن ذلك لم يحل دون الإخفاقات هنا وهناك، فالدرس الليبي يقف وراء التعنت في سورية، ومع ضرب الأسد لصورة روسيا في المنطقة ولصدقيتها عبر تجاهله كل النصائح ومغالاته في استعمال الأسلحة الروسية كالطائرات وصواريخ سكود وغيرها في حربه على المدنيين، فذلك لا يترك للديبلوماسية الروسية إلا خيارات محدودة جداً كمبررات الخوف من التطرف والأصوليات وبالتالي حماية الأقليات.

* كاتب لبناني

الحياة

أميركا، بعد روسيا، جزء من المشكلة في سورية

عبدالوهاب بدرخان *

منذ شهور طويلة غدا الموقف الروسي ميؤوساً منه، فلا تغيير بل إصرار على التعنت، وكل الكلام عن أن موسكو «غير مهتمة» ببشار الاسد كان مجرد تغطية لحقائق أهمها أنها، كإيران، تعتبره «خطاً أحمر»، وأنها تعمل جنباً الى جنب مع ايران، تسليحاً وتخطيطاً، لمنع انهيار النظام والحؤول دون سقوطه قبل أن يرتسم حلٌ ما يكون هذا النظام جزءاً منه.

واليوم لم يعد مستبعداً أن تنضم الولايات المتحدة الى هذا الثنائي. لماذا؟ لأن الأزمة في سورية أصبح لها في واشنطن اسمٌ هو «جبهة النصرة»، أو «مكافحة الارهاب»، وليس «الشعب يريد التخلص من الاستبداد ويطمح الى الحرية». ولا بد من أن اسقاطات مجزرة الرهائن وخاطفيهم في الجزائر، وامتزاج الأفغنة والصوملة في «الحال القاعدية» شمال مالي، وقبلهما دور تنظيم «القاعدة» في مقتل السفير الاميركي واثنين من الديبلوماسيين في بنغازي، ستشحذ الاقتناع الاميركي بأن الشيطان الذي تعرفه في سورية يبقى أفضل من ذاك الذي تجهله.

عندما يلتقي وزير الخارجية الجديد جون كيري، «صديق» النظام السوري، نظيره الروسي سيرغي لافروف، خلال الشهر المقبل، لن تكون السياسة الأوبامية الجديدة قد تبلورت نهائياً، لكنها ستقترب أكثر من الأهداف الروسية – وليس العكس – وستتضح أكثر في اندفاعها الى تفعيل «التفاهمات»: انسوا «الحكومة الانتقالية بصلاحيات كاملة»، انسوا الدعوات الى رحيل الأسد، فالدولتان الكبريان ستدعمان من يستطيع ضرب الارهاب، وستقفان بحزم ضد مَن يعرقل هذه الأولوية. بديهي أنهما ستعتمدان على النظام، ولأن الأخير ليس غبياً، فإنه يريد ضماناتٍ اميركية لبقائه. صحيح أنه سجّل، وإنْ لم يعترف، أن الاميركيين استطاعوا أن يجففوا منابع الدعم المالي والعسكري للمعارضة (حتى غير المتطرفة)، إلا أنه يريد عودة للعلاقات مع واشنطن، وزيارة من «الصديق» كيري الذي قد يكون اتخذ لتوّه قراره الأول، وهو أن ينسى نصيحة سبق أن وجهها الى الأسد بضرورة التنحي. وفي الانتظار يجتهد النظام حالياً ليبرهن أن في الإمكان الاعتماد عليه. يرتكب مجزرة أو أكثر في اليوم الواحد. يركز على قتل الأطفال والشبان مستهدفاً جيلاً لا يريده أن ينسى ما حلّ بالشعب والبلد. يذهب الى أقصى حد في التماهي مع اساليب التوحّش الاسرائيلية، بل يتخطّاها.

هذه هي «لعبة الأمم» بأبشع وجوهها، وعندما تجتمع البراغماتيتان الاميركية والروسية في لعبة واحدة مع وحشية نظام الاسد، فلا بد من أن سورية ستكون موعودةً بمرحلة هي الأكثر قسوةً، بل الأكثر قذارةً. فليس في «لعبة الأمم» فسحة لـ «طموحات» الشعوب ولا لحقوقها، والشعب الفلسطيني يعرف الشيء الكثير عن مثل هذا الظلم التاريخي. في أحسن الأحوال، ستُحشر المعارضة السورية في الزاوية ليُقال لها إن موازين القوى لا تمنحها أكثر من قبول ما تتفق الدولتان الكبريان، وليس فيها مَن يملك تفويضاً للقبول. طلب الشعب السوري حمايةً للمدنيين، طلب حظراً جوياً، طلب سلاحاً نوعياً للحسم، طلب إغاثةً، طلب ألا يُترك الأطفال يموتون برداً أو مرضاً، ولم ينل شيئاً من المجتمع الدولي. لم يجافِ الحقيقة كل من قال إن «المؤامرة» كانت مع النظام وضد الشعب في نهاية المطاف.

طبعاً، لم يكن الانقلاب الاميركي ولن يكون بالصدمة الكهربائية، كما لن يكون مسألة سهلة وخالية من التعقيد. فلا واشنطن ولا موسكو متأكدتان، على رغم اختلافهما في التقدير، بأن النظام لا يزال قادراً. ثم إن تأهيله ولو لمهمة محددة ومموّهة بعنوان نبيل مثل «منع انهيار الدولة والجيش» ينطوي على رسالة خاطئة وتخريبية في اتجاهين، سواء للدول والأطراف التي ناصرته في عدوانه على الشعب، أو للدول والأطراف التي ناوأته وأيدت ثورة الشعب عليه. وقلّما تتوصل لعبة الأمم الى توازنات سلمية، هذا إذا بحثت عنها أصلاً. وسيعني قبوله أيضاً قبولاً بتحالفه المتعاظم مع ايران، وفي ذلك اشارة أولية الى دول الاقليم عما يمكن أن تتوقعه من أي اتفاق اميركي – ايراني مرتقب. فالنظام السوري أصبح الآن كلياً تحت النفوذ الايراني، مالياً وتسليحياً وزخماً قتالياً وسياسياً، مع مساهمة معتبرة من جانب عراق نور المالكي و «حزب الله».

فيما يظهّر الاميركيون والروس حالياً عوارض الصوملة في سورية، فإنهم يدركون جيداً أن النظام هو المسؤول عن هذه الحال. أي أن «عقيدة عدم التدخل» الأوبامية بلغت عملياً في سورية النتائج التي خلصت اليها «عقيدة التدخل» البوشية في العراق. أما روسيا التي تقدم تدخلها في سورية بأنه «تصويب» لتطبيق القانون الدولي، فإنها تعطي نموذجاً سيئاً لما يفترض في المجتمع الدولي أن ينهجه. الواقع أن الدولتين الكبريين تقولان كل شيء لتستبعدا مسؤوليتهما عن صناعة وضع تشكوان منه الآن، وكأن الشعب السوري ثار وقدم التضحيات وتحمّل كل هذه العذابات… فقط من أجل أن يستدرج الارهاب وتنظيم «القاعدة» الى أرضه.

في اختزالها للأزمة بتصاعد التطرف، وعلى رغم اجتهادها الحالي لابتداع الإخراج الملائم لـ «انقلاب» سياستها، تقدّم الولايات المتحدة مضاعفات المرض على معالجة أسبابه، تتجاهل دوافع السوريين للثورة، بل تبدي استعداداً لنسيان ما حصل خلال العامين الماضيين من عنف وسفك دماء وتدمير ارتكبها النظام، ماضيةً في منطق يقودها الى اعتبار أنه أفرط في الإجرام الى حدّ يشجعها على الاعتماد عليه لـ «استعادة الاستقرار». لماذا وكيف تغيّرت الحسابات الاميركية؟ ثلاثة عوامل: 1) منذ البداية أعطت واشنطن مصلحة اسرائيل أولوية في ادارة الأزمة السورية بما يعنيه ذلك من محاولة «اصلاح» النظام لا تغييره، 2) عناد روسيا التي وظّفت المحنة السورية لشق طريق عودتها كـ «قوة عظمى» ما استلزم عزماً من ادارة اوباما على مواجهة أو على تنازلات ومقايضات لم ترِدها حتى لو عنى ذلك تراجعاً في مكانتها وصدقيتها الدوليتين، 3) الصعوبات التي اكتنفت بناء بديل أو بدائل للنظام من المعارضة السورية كنتيجة موضوعية للتجريف السياسي الذي نفّذه النظام على مدى عقود…

لكن، هل يبرر ذلك أن تستقيل الادارة الاميركية من «الاخلاقيات الربيع – عربية» التي تبرّع اوباما برسم معالمها وتحديد أهدافها؟ كلما سُئل المسؤولون الاميركيون عن التغيير الذي طرأ على سياسة حكومتهم إزاء الشعب السوري، فإنهم يكثرون من الحديث عن «المساعدات الانسانية» التي قدّمتها للشعب السوري. ولا يعني ذلك أنهم يشيرون الى سخاء استثنائي خفّف من معاناة هذا الشعب، بمقدار ما يعني أن ليس لدى الدولة العظمى ما تتحدّث به عن معالجتها للأزمة. فروسيا توفّر الأسلحة وكل أنواع الدعم للنظام، وأميركا تلهث بحثاً عن اتفاق مع روسيا ولا تتردد في حجب كل دعم عن المعارضة السياسية والعسكرية. هذا هو الواقع الملموس، وثمة عواصم كثيرة عربية وغير عربية رتّبت برامجها لدعم المعارضة على أساس أن هناك التزاماً دولياً صلباً تقوده الولايات المتحدة لتمكين الشعب السوري من تحقيق طموحاته، وإذا بها اليوم تحاول التكيّف بصعوبة مع انعطاف اميركي الى وجهة غير محددة الأفق، بالأحرى الى الاستسلام للأمر الواقع الذي تفرضه معادلة السلاح. ولطالما سُمع الاميركيون يدعون روسيا الى أن تكون جزءاً من الحل لا أن تكون جزءاً من المشكلة. ها هي اميركا تغدو بدورها جزءاً من المشكلة، اذا صحّت التوقعات عن مسار مواقفها، وستصبح بالتالي مثل روسيا مسؤولة عن قتل السوريين وذبح ثورتهم.

* كاتب ومعلّق لبناني

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى