صفحات العالم

مقالات تناولت ترشيح الاسد لدورة رئاسية جديدة

 

التهديد العسكري وحده يوقف مجازر نظام الاسد
تدخل الحرب الاهلية في سوريا عامها الرابع، ونهايتها لا تبدو للعيان بعد. 150 الف شخص قتلوا، بينهم نحو 10 الاف طفل، ملايين أصبحوا لاجئين (داخل سوريا وخارجها). واضرار بالبنى التحتية والاقتصاد السوري تقدر بعشرات مليارات الدولارات. أجزاء كبيرة من القتلى قتلوا بدم بارد في ظل ارتكاب جرائم حرب بحجم واسع.
القيم الاخلاقية الاساس للدول الغربية، بما فيها اسرائيل، وكذا المصالح الغربية تلزم الولايات المتحدة وحلفائها بتغيير الالية التي نشأت في الحرب الاهلية واتخاذ خطوة استراتيجية، سياسية وعسكرية، توقف المذبحة وتغير منظومة الاعتبارات في موسكو وفي دمشق بحيث تحل محل التعادل الفتاك في سوريا خطوة للتغيير وترميم الدولة.
لقد تميزت السنة الاخيرة باتساع القتال الى أبعاد اخرى، تتجاوز المواجهة بين الحكم والمعارضة. وعمليا باتت سوريا اليوم ساحة قتال بأربعة أبعاد: الحكم مقابل المعارضة بكل عناصرها؛ حرب طائفية للشيعة ضد السُنة، ايران وحزب الله ضد مبعوثي السعودية، قطر وتركيا؛ محافل المعارضة ـ العلمانيين (الجيش السوري الحر) مقابل الجهاديين (النصرة وداعش)، حيث يتنافس الاخيرون الواحد ضد الاخر؛ وأخيرا الاكراد الذين يحاولون تحقيق حكم ذاتي دون المواجهة المباشرة مع النظام أو مع تركيا.
ينجح نظام بشار الاسد اليوم في الحفاظ على السيطرة فقط على قرابة نصف اراضي الدولة، ولكن في هذه المنطقة توجد ذخائر الحكم والمدينتان المركزيتان، حلب ودمشق.
باقي الدولة منقسم بين نوع من الحكم الذاتي الكردي وبين مناطق وبلدات تسيطر عليها منظمات المعارضة المختلفة. هذا الواقع قابل للعيش سواء للاسد، الذي يتمسك بالذخائر الهامة، أم لمنظمات الارهاب المختلفة، التي توسع وتعمق نفوذها في المناطق الهامشية في الدولة.
الدولة السورية الصغيرة
في السنة الثالثة للحرب عاد الاسد وثبت مكانته كحاكم سوريا. بعد أن نجح في وقف تقدم قوات المعارضة واستعاد السيطرة على مواقع هامة حول دمشق، حلب وحمص، والتحكم في معابر الحدود الهامة. تهديده، بان تكون سوريا هدفا لمنظمات الارهاب، يتحقق في ضوء تعزيز قوة منظمات الارهاب الجهادية على حساب منظمات المعارضة المعتدلة. ويتخذ الاسد صورة القوة الوحيدة القادرة على حفظ الامن في الدولة الامر الذي يقلص التأييد للمعارضة في اوساط قسم هام من السكان السوريين الذين يفهمون بانه لا بديل لحكمه.
لن يخلي الاسد مكانه طالما لم تهتز مكانته في أوساط صف القيادة المركزي في الجيش السوري، وطالما لا توجد قوة دولية ذات مغزى تهدد بالتدخل في الحرب الاهلية.
من جهة اخرى، لا يمكن للاسد أن يستعيد السيطرة على كل اراضي الدولة السورية. فقد تضررت شرعيته جدا في أوساط السكان السنة، ولا سيما في المحيط، ولا ينجح الجيش السوري في اخضاع معاقل المعارضة او وقف تعاظم منظمات الارهاب العاملة في الدولة. ولهذا فان الاسد يكتفي بالدفاع عن ‘الدولة السورية الصغيرة’، المتركزة اساسا في الغرب وفي منطقة دمشق. وتشير هذه الالية الى أن التعادل بين الطرفين سيبقى والقتال سيستمر.
وفضلا عن عدم قدرة المعارضة في الوصول الى حسم عسكري ضده، فللمفارقة يحظى الاسد في السنة الاخيرة بشرعية متجددة ايضا، بالذات بعد استخدام السلاح غير التقليدي ضد مواطنيه. وفي أعقاب استخدام الجيش السوري للسلاح الكيميائي في آب الماضي، أعلن براك اوباما عن رد امريكي عسكري. ولكن بعد أن وافق الاسد بوساطة روسية، على الانضمام الى ‘ميثاق السلاح الكيميائي’ ونزع ترسانة السلاح الكيميائي التي في حوزته تراجعت الولايات المتحدة ووفرت التسوية للرئيس السوري شرعية دولية. فقد أصبح طرفا في صفقة مع زعماء العالم الغربي، ويتمتع بالحماية من التدخل الغربي طالما تستمر عملية نزع السلاح.
لقد أوضحت صفقة السلاح الكيميائي في واقع الامر للاسد بانه يمكنه أن يواصل قتل مواطنيه بسلاح تقليدي: بالرصاص، بالصواريخ، بالقذائف وبالبراميل المتفجرة.
والرسالة، التي بموجبها ينبغي معالجة التهديد غير التقليدي بثمن تجاهل الجرائم الاخرى التي يرتكبها نظام الاسد اشكالية جدا من ناحية أخلاقية وتشير الى امتناع غربي عن فرض القيم الاخلاقية الاكثر اساسية والمبدأ الذي تقرر بعد المذبحة الجماعية في رواندا ‘واجب الحماية’ للمواطنين من القتل على أيدي حكومتهم بحجم ‘مشكلة داخلية’.
ويستغل الاسد اتفاق نزع ترسانة الكيميائي لديه لتعزيز مكانته الدولية. وفي محادثات جنيف التي جرت في الشهر الماضي عرض لاول مرة وفده بصفته الوفد الرسمي لسوريا. كما أن الاسد يحظى بتوسيع المساعدة الرسمية بالمستشارين، الى جانب الحماية السياسية التي تمنحها موسكو له في مجلس الامن في الامم المتحدة. كما يتلقى الاسد الدعم الايراني الكبير: الاقتصادي والعسكري.
وبالمقابل، لا توجد قوة دولية هامة تهدد بالتدخل وبتغيير موازين القوى في سوريا. فالدعم السعودي، التركي والقطري لمنظمات المعارضة المختلفة العاملة في سوريا ليس فيه ما يغير الميزان العسكري في الدولة.
تغيير الالية
تتابع اسرائيل ما يجري في سوريا، والسياسة المتبعة حتى الان هي الحيادية وعدم التدخل في الحرب الاهلية، في ظل الحرص على الا تسمح الحرب بتجاوز ‘الخطوط الحمراء’ الاسرائيلية: النار الى اراضيها، نقل سلاح استراتيجي الى حزب الله او استخدام السلاح الكيميائي.
وفي القدس راضون من أن الجيش السوري الذي شكل التهديد التقليدي وغير التقليدي المركزي على اسرائيل يتآكل في القتال. كما أن انجرار حزب الله الى القتال والمس بمكانته داخل لبنان وفي العالم العربي كنتيجة لتأييده قتل السنة في سوريا هو تطور ايجابي لامن الاسرائيل القومي.
اسرائيل قلقة من تعزز قوة منظمات الارهاب في سوريا، وذلك ايضا لانه يضعف المعارضة المعتدلة وكذا لان هذه المنظمات تشكل تهديدا مباشرا عليها. ومع ذلك ن المهم الاشارة الى أن سيناريو عمليات الارهاب المكثفة من هضبة الجولان لم يتحقق في اثناء السنة الاخيرة. وحتى لو كانت أحداث ارهاب قليلة وسيرى قادة الجيش الاسرائيلي في الشمال حدودا نشطة، من المهم الايضاح بان تهديد الارهاب التكتيكي من هضبة الجولان لا يقارن بالتهديد الاستراتيجي الذي تصدت له اسرائيل في مواجهة المحور الراديكالي الذي يشمل ايران، سوريا وحزب الله.
ثمة في ترسخ منظمات الارهاب في هضبة الجولان وتوجيه الجهود ضد اسرائيل امكانية كامنة للاشتعال في الجبهة الشمالية، ولكن اسرائيل تتمتع بتفوق جوي واستخباري يسمح لها باحباط معظم عمليات الارهاب.
توجد حالات يكون فيها تناقض بين مصالح الدولة وبين قيمها الاخلاقية. هكذا في الحالة السورية. فالقيم التي في ضوئها اقيمت دولة اسرائيل وتتصرف لا تسمح لها بان تقف جانبا عندما تقع مذبحة بهذا الحجم الواسع في دولة مجاورة، بل تستدعي القيام بعمل ما لتقليص القتل.
مصالح الغرب، بما في ذلك اسرائيل، تشير الى الحاجة الى تعزيز الجهات المعتدلة في المعارضة كي تتمكن هذه من التصدي ايضا للمنظمات الجهادية والجيش السوري على حد سواء.
ولهذا الغرض ثمة حاجة لتدخل خارجي من جانب الدول الغربية، يغير الالية والميزان العسكري في الدولة. على الغرب أن يصعد المساعدة لهذه الجهات وان يطلق بشكل مصداق وجدي الاشارة الى الاستعداد للتدخل ضد الاسد اذا ما استمر القتل.
هذه الخطوات يمكنها أن تتضمن اعلانا عن اروقة انسانية، مناطق ‘حظر طيران’ بل ومهاجمة مراكز قوى للنظام من الجو.
مثل هذه الخطوات تتطلب تنسيقا بين الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، التي تتقاسم المصالح المشتركة لمكافحة الاسد ومنظمات الارهاب التي في سوريا. مثل هذا التنسيق يجري منذ الان بشكل محدود ويجب استخدامه كأساس لتوسيع التعاون.
فقط اذا ما قدر الاسد بانه يوجد تهديد عسكري جدي بتدخل دولي وتغيير موازين القوى في سوريا، فانه كفيل بان يوافق على تسوية سياسية تؤدي الى انهاء الحرب الاهلية.
فقط اذا ما قدرت موسكو بان واشنطن جدية، فانها ستشارك في مثل هذا الجهد. هذا ليس اعتقاد نظري. 24 ساعة من التهديد الامريكي المصداق نجح في اقناع الاسد وسوريا بتغيير سياستهما في ايلول 2013. تهديد مشابه هو الطريق السريع والاكثر نجاعة لخلق تغيير مشابه في العام 2014.
عاموس يدلين
‘رئيس معهد بحوث الامن القومي
نهاية الاسبوع 17/4/2014
القدس العربي

لماذا يترشّح الأسد للرئاسة؟/ راجح الخوري
الاعلان عن فتح باب الترشّح للانتخابات الرئاسية السورية امس، جاء متلازماً مع فتح المقابر للقتلى الخمسين الذين سقطوا في حلب، بينما كانت البراميل المتفجرة تدك ما تبقى من حمص، وكل هذا القتل لم يمنع النظام من الحديث عن انتخابات رئاسية ديموقراطية !
ربما لأن الديموقراطية لا تستقيم إلا عبر إرسال المعارضين الى التراب إذ كل معارض هو ارهابي، وربما على اساس انها مجرد قصة صناديق، إما ان تخصّص لأصوات المقترعين، وإما ان تكون توابيت للقتلى، لكن قتلى المذبحة السورية لا يحظون حتى بالتوابيت !
انتخابات رئاسية ديموقراطية حرة ونزيهة، وليس على العالم إلا ان يصفّق لهذه الصفاقة، فنصف الشعب السوري من اللاجئين، اربعة ملايين في دول الجوار (الجزء الاكبر في لبنان السائب) وخمسة ملايين داخل سوريا، وكل هذا لم يمنع مثلاً محافظ مدينة حمص، من القول “ان حمص مكان مناسب لانتخابات جيدة”، لكنه طلال البرازي الذي يعكس وجهة نظر النظام بالقول “ان القتال والنزوح لا يشكلان اي عقبة امام التصويت، ان المدينة آمنة” … طبعاً آمنة تحت البراميل المتفجرة والركام !
لقد حبكت المهزلة عند احد الديبلوماسيين فقال ان النظام سيرغم احدهم على الترشّح ضد الاسد لإضفاء طابع ديموقراطي على الانتخابات، “ربما سيخرجون احد السجناء ويقولون له إما ان تترشّح او نعيدك الى السجن وهذا سيعطيهم حجة للمجادلة في ديموقراطية الانتخاب”، ولكن سواء اعادوا هذا المسكين الى السجن او القبر، فمن الواضح ان النظام يتمسك باجراء الانتخابات على رغم ادراكه ان العالم يعتبرها مهزلة شديدة الفظاظة، لأسباب عدة اهمها:
١ – تدمير مؤتمر جنيف نهائياً وإسقاط الاشارة الى عملية الانتقال السياسي، التي نص عليها بيانه الاول، وقد كان وهذا الموضوع تحديداً مدار بحث امس بين جون كيري وسيرغي لافروف والأخضر الابرهيمي.
٢ – الحرص على استمرار شرعية الاسد ولو عبر انتخابات مهزلة قبل انتهاء مدة ولايته، هذا ضروري لتوفير التغطية القانونية والسياسية للروس الذين يدعمونه حفاظاً على مصالحهم، وللإيرانيين المنخرطين مع اذرعهم العسكرية اللبنانية والعراقية في القتال ميدانياً معه، لأن انتهاء رئاسته سيجعل منهم قوة احتلال غريبة !
٣ – تكريس الأمر الواقع الذي يمكن ان يشكّل غطاء لترسيخ الدويلة في المناطق الساحلية، اضافة الى حمص ومناطق مجاورة، فالانتقال الى هذا الكيان يحتاج الى رئيس، عندما يتبيّن انه المخرج المتبقي للنظام الذي يغرق في حرب استنزاف افقدته ٧٥٪ من الاراضي السورية !
٤ – الحيلولة اولاً دون حصول انقسامات وصراعات داخل الصف العلوي في حال التوصل الى قيام الدويلة، وثانياً دون قيام اهالي هذه الدويلة بتحميل الاسد ورجاله مسؤولية المآسي التي اصابتهم قبل الوصول الى الدويلة!
النهار

 

أخطاء الأسد الاستراتيجية الفادحة/ لينا الخطيب
يُنظر على نطاق واسع إلى الانتصار الذي حققه جيش الحكومة السورية في معركة يبرود في أوائل آذار/مارس، على أنه دليل على تزايد الهيمنة العسكرية للنظام في الصراع السوري. بيد أن ثمّة خطأين استراتيجيين ارتكبهما الرئيس بشار الأسد يقوّضان هذا الانتصار، ومن المرجح أن يؤدّيا في النهاية إلى تضعضعه أكثر. ويتمحور الخطآن المشار إليهما حول تزايد نفوذ كلٍ من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسورية وقوات الدفاع الوطني.
في سياق محاولته قمع المعارضة في العام 2011، فتح الأسد أبواب السجون وأطلق سراح الجهاديين الذين أصبحوا فيما بعد من مؤسّسي تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، وهي جماعة متطرّفة روّعت السكان السوريين، مُعززة بالتالي رواية النظام بأنه ينخرط في الحرب ضد التطرّف الإسلامي. وتظهر التقارير الواردة من سورية أن النظام تعاون مع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وسمح له بالوصول إلى بعض المدن، وامتنع عن قصف المناطق الخاضعة لسيطرته. لا بل هو حتى يشتري النفط من الآبار التي يديرها التنظيم في الشمال السوري.
غير أن هذا التحالف الاستراتيجي مع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام سوف يأتي بنتائج عكسية عندما يتمكّن التنظيم من الاعتماد على نفسه. فعلى غرار الجماعات المرتزقة الأخرى، يتربَّح تنظيم الدولة الاسلامية كثيراً من اقتصاد الحرب. ففي العراق، يقال إن التنظيم أصبح يعتمد على التمويل الذاتي إلى حدّ كبير بسبب سيطرته على بعض آبار النفط. وإذا ما سار التنظيم في سورية في الاتجاه نفسه، وهو السيناريو المرجّح، فسيصبح من الصعب للغاية بالنسبة إلى النظام أن يسيطر عليه بعد ذلك.
رعى الأسد، في مرحلة لاحقة، إنشاء قوات الدفاع الوطني، وهو الاسم الذي يطلق على مجموعات من “الشبيحة” والمرتزقة التي تعمل بطريقة لامركزية عبر سورية، والتي تم تسليحها من جانب النظام كنوع من “الحماية الذاتية” في مواجهة الجهاديين. وكما هو الحال مع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، جنت قوات الدفاع الوطني أرباحاً كبيرة أيضاً من الحرب، ما أدّى إلى ظهور العديد من أمراء الحرب الذين جعلت مكانتهم الاقتصادية من الصعب على النظام كبح جماحهم. وعلى الرغم من أن قوات الدفاع الوطني تتكوّن إلى حدّ كبير من العلويين والمسيحيين والدروز فإن مرتزقتها كانوا عشوائيين في الغارات التي قاموا بها على المناطق السورية، حيث هاجموا أحياناً الموالين للنظام. وقد أدّى هذا إلى تنامي مشاعر الفزع والخوف بين السكان العلويين والأقليات الأخرى، والذين بدأوا تنظيم احتجاجات في المناطق الريفية في اللاذقية ضد قوات الدفاع الوطني، ودعوا النظام إلى توفير الحماية لهم.
إذا ما أمعنّا النظر في الاتجاهين المذكورين أعلاه، يبدو جلياً أن الأسد ساهم في البداية في خلق مشكلة الجهادية، ثم سعى لإيجاد حل لها من خلال تشكيل قوات الدفاع الوطني. بيد أن كلا الأمرين – المشكلة والحل – يفلتان من سيطرة الأسد. ولأن الأسد يحتاج إلى قوات الدفاع الوطني لمحاربة الجماعات الجهادية التي لاترتبط بالنظام، مثل جبهة النصرة، فإنه سيضطرّ إلى مواصلة تسليح تلك القوات. وعندما تصبح قوات الدفاع الوطني أقلّ اعتماداً على تمويل النظام، سيكون الأسد بحاجة لمواصلة دعم تلك القوات للحفاظ على ولائها. وكلما ازدادت قوات الدفاع الوطني نفوذا، كلما أصبح النظام أقلّ قدرة على تلبية متطلّبات حماية الأقليات التي تتعرّض إلى التهديد من جانب قوات الدفاع الوطني. وفيما يتعلق بتنظيم دولة الإسلامية في العراق والشام، فإنه نادراً ما تبقى الجماعات الإسلامية المتطرّفة موالية لرعاتها الأصليين عندما تشعر بأنها تمتلك من القوة مايكفي للبدء في وضع أجنداتها الخاصة.
Untitledربما ساعد تمكين هاتين الجماعتين الأسد في المدى القصير، غير أن الآثار المترتّبة على ذلك على المدى الطويل لن تكون في مصلحته. إذ أن هيكل السلطة في سورية آخذ في التغير من ديكتاتورية هرمية إلى دولة لامركزية وفاشلة تقريباً، تكون فيها مختلف المناطق تحت رحمة جماعات شبه مستقلّة. ويزداد استقلال هذه الجماعات ونفوذها مع استمرار الصراع. وعلى الرغم من أن الأسد لايزال يتمتع بنفوذ اليوم، فإن أخطاءه الاستراتيجية ستجعله في نهاية المطاف أسيراً للجماعات المتقلّبة التي ساعد هو نفسه على خلقها، والتي سيحتاج إلى شراء ولائها كي يبقى في السلطة. ولكن بحلول ذلك الوقت، لن يعود البقاء في السلطة يعني امتلاك نفوذ سياسي أو عسكري كبير. وبالتالي فإن هلاك الأسد قد لا يكون على أيدي المعارضة، ولكن نتيجة لقراراته الاستراتيجية قصيرة النظر.
مركز كارنيغي للشرق الأوسط
“انتخاب” الأسد رئيساً بأسلحة إيران وروسيا وميليشياتهما!/ محمد مشموشي
لا يكتم رئيس النظام السوري بشار الأسد تمسكه بالسلطة أياً كانت النتائج، ولا بالبقاء فيها عبر إعادة انتخابه بعد انتهاء فترة ولايته الحالية في حزيران (يونيو) المقبل، لكن غيره في واقع الأمر، وغير الشعب السوري المعني بذلك تحديداً، هو من قرر حتى الآن، وربما يقرر لاحقاً، ما اذا كان الأسد سيبقى في منصبه بعد هذا الموعد أو سيرحل، ومتى، وكيف.
قال ذلك قائد سلاح الطيران في الحرس الثوري الايراني، أمير علي حجي زادة، عندما أكد أخيراً «ان الأسد ما زال في السلطة، لأن ايران أرادت ذلك»، كما أكده كل من الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله ونائبه الشيخ نعيم قاسم، بإعلان الأول «ان مرحلة سقوط النظام السوري قد انتهت» (أضاف اليها انتهاء خطر التقسيم بدوره أيضا؟!)، وقول الثاني «ان الأسد سيترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، وسيفوز، وعلى الجميع أن يتقبلوا هذه الحقيقة».
وهذه «الحقيقة» بالذات هي ما يختزل الكارثة الوطنية والانسانية التي تحل بسورية، ليس الآن فقط، وإنما منذ أن استولى الرئيس السابق حافظ الأسد على السلطة مطلع السبعينات من القرن الماضي، ومحاولته لاحقاً توريثها لنجله باسل، ثم بعد وفاة هذا الأخير تحضير نجله الثاني بشار للهدف اياه، وصولاً بعد وفاة الوالد عام 2000 الى تعديل الدستور ليكون ملائماً لسنّ بشار الصغير يومها، ثم منحه رتبة عسكرية رفيعة تسمح له بأن يتولى، كما هي عادة النظام، قيادة القوات المسلحة الى جانب منصب رئاسة الجمهورية.
وهي نفسها ما يختصر حرب الابادة الجماعية والتدمير الشامل التي يشنها الأسد (مدعوماً من ايران و «حزب الله»، فضلاً عن روسيا) على الشعب السوري منذ أكثر من ثلاث سنوات، لمجرد أنه طالب بإصلاح النظام الاستبدادي/التوتاليتاري/الأقلوي/الوراثي هذا، بما في ذلك تحديداً انهاء حكم العائلة بعد أكثر من أربعة عقود من الذل النازل بهذا الشعب والمفروض عليه بالقوة طيلة الفترة السابقة.
فالقضية بالنسبة الى نظام الأسد، كما بالنسبة الى حلفائه الخارجيين هؤلاء، هي تماماً ما يرفضه الشعب السوري وقد رفعه في مقدم مطالبه الاصلاحية عندما نزل الى الشوارع داعياً الى انهاء سلطة حكم العائلة. وفي الوقت الذي يعلن فيه بشار الأسد أنه سيترشح مجدداً لرئاسة الجمهورية في أيار (مايو) المقبل، ويتحدث كل من حجي زادة وحسن نصرالله ونعيم قاسم عن بقائه في المنصب حتى الآن بإرادتهم وقواتهم المسلحة، وعن فوزه المحتّم في الانتخابات الرئاسية المقبلة، يكون المشهد السوري الراهن (وربما المقبل أيضا؟!) قد اكتمل فصولاً، ولا مكان فيه لأي تعديل ما لم يحدث، أولاً وقبل ذلك، تغيير في مشهد المجتمع الدولي وحركة قواه السياسية في مواجهة هذا الواقع المر.
وهكذا تكون «الانتصارات» العسكرية التي يهلل لها النظام السوري، ويتحدث عنها بفخر واعتزاز مسؤولو ايران و «حزب الله» (تصمت روسيا والعراق حالياً لانشغالهما بأوكرانيا وبانتخابات نوري المالكي)، أشبه بأوراق اقتراع يلقونها في صناديق الاقتراع التي نصبها الأسد في سورية منذ الآن تحضيراً لإعادة انتخابه رئيساً عندما يحين موعد الانتخابات بعد حوالى شهرين.
لا يريد بشار الأسد غير ذلك، ويبدو أن حلفاءه هؤلاء يؤيدونه فيه، على رغم الكارثة الوطنية والانسانية (مئتا ألف قتيل وعشرة ملايين نازح وتدمير البنى التحتية والفوقية لغالبية المدن والقرى) التي حلّت بسورية خلال الشهور الـ 38 الماضية.
وعملياً، فإذا كان مفهوماً لماذا يتمسك الأسد بإدامة حكم العائلة ربما لعقود أخرى (يذكر بعض أزلامه هنا اسم حافظ بشار الأسد)، فليس مفهوماً تماماً لماذا تقف روسيا تحديداً، فضلاً عن ايران وأتباعها في لبنان والعراق حتى لا نتحدث عن الجزائر أيضاً، الى جانب الإصرار على بقاء هذا الحكم. هل هي المصالح الاستراتيجية، السياسية والاقتصادية فقط، كما تذهب بعض الدول الغربية والعربية الى القول، أم أن المسألة أبعد من ذلك؟
يبحث مجلس الأمن الدولي الآن احالة الأسد الى المحكمة الجنائية الدولية لارتكابه جرائم حرب ضد شعبه، الأمر الذي سترفضه موسكو وتستخدم كعادتها حق النقض في وجهه، بينما تكرر طهران في كل مناسبة أنها لن تسمح بســقوط النظام الذي طالما قالت انها تعتبره حاكماً لإحدى المحافظات الايرانية.
فهل هو التماثل بين الأنظمة في الدول الثلاث، ما يجعل مواقفها موحدة من بقاء حكم الأسد وحتى إعادة انتخابه لفترة رئاسية أخرى: في روسيا، حاكم هو فلاديمير بوتين قام قبل فترة بتبادل الموقع بينه وبين رئيس حكومته ميدفيديف، وسيفعل الأمر ذاته بعد انتهاء ولايته الحالية. وفي ايران، حاكم هو حسن روحاني لا يملك سلطة فعلية في مواجهة «الولي الفقيه»، الذي هو الحاكم الفعلي، السيد علي خامنئي. وفي سورية، حاكم هو بشار الأسد لا يملك من السلطة إلا ما يمنحه له قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني والأمين العام لـ «حزب الله» اللبناني حسن نصرالله بعد أن أنقذاه، كما قالا مراراً من السقوط وهما يعملان الآن على اعادة تنصيبه في مكانه تحت لافتة ان ما يجرى هو انتخابات رئاسية يقوم بها الشعب السوري!
هل هذا ما يحدث على أرض سورية، في الوقت الذي تستمر فيه الآلة العسكرية المشتركة، السورية والروسية والايرانية والميليشيات التابعة لها، قصفاً وتدميراً وإبادة للوطن السوري وشعبه من دون أي رد فعل حقيقي من المجتمع الدولي، ولا حتى من المجتمعين العربي والاسلامي اللذين ينتمي اليهما هذا الشعب؟ فقط، بعض العون الانساني للنازحين في أرضهم وفي دول الجوار وللجرحى نتيجة القصف بالصواريخ والأسلحة الكيماوية والبراميل المتفجرة تُلقى على الناس بالطائرات من الجو… وانتظار أن تتوقف ما وصفتها الناطقة باسم البيت الأبيض بـ «عملية استنزاف» تجرى على الأراضي السورية وبين المتقاتلين فيها!
غني عن البيان أن هذه هي حقيقة المشهد السوري في المرحلة الراهنة. ولا تملك هذه السطور سوى القول: للأسف الشديد!
الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى