صفحات العالم

مقالات تناولت ترشيح بشار الأسد لفترة رئاسية قادمة

سوريا أمام إستحالتين/ دلال البزري

ماذا يعني “إنتصار” بشار الأسد على خصومه؟

بكل بساطة، بعد الثمن الفادح الذي دفعته سوريا من روحها وعمرانها وشروط العيش الآدمي فيها… انه يعني قيام سوريا على ثلاثة أركان قديمة-جديدة: التدخل الخارجي الأعمق والأرسخ في تسيير حكمها، من إيران وروسيا إلى أميركا وأوروبا والخليح. ثم القسمة الطائفية المذهبية، التي سوف تذهب بأبعد مما كانت عليه عشية ثورتها؛ قسمة أوضح، أكثر شفافية، بنقاط تماسها الذهنية والجغرافية في آن. ثم، طبعاً، سوف تتعمق تسلطية وديكتاتورية نظامها، بعد ان يكون بشار الأسد قد نال “إنتصاره” بالنار والحديد.

بعد انتفاض الشعب على هذه الديكتاتورية بهذه الصراحة، لن يكون للخبث الديكتاتوري غير القليل من الحيلة، بعدما تحولت المطالبة بسقوطه إلى مذبحة. صحيح ان اللغة المنتصرة سوف تتغنى بسحقها لأعدائها “الإرهابيين” و”التكفيريين”، وتخرج باستنتاج خارق، بأن “تضحياتها” الطاحنة هذه، إنما قدمتها من أجل “علمانية” سوريا و”تنورها” و”معاداتها للإمبريالية والصهيونية”. ولكنها قد تكون قسمت أيضا، سوريا، إن لم يكن “جغرافيا”، فعلى الأقل في أسرار السوريين أنفسهم.

بالمقابل، ماذا يعني إنتصار أعداء بشار الأسد عليه وعلى حلفائه؟

يعني بالضبط ما يعنيه انتصار بشار: تحكم قوى إقليمية ودولية بمصير سوريا. تختلف عن القوى النظيرة الداعمة لبشار الأسد بكل ثقلها، ولكنها تشبهها من حيث طرق تدخلها وآليته، فضلاً عن النظر إلى سوريا بصفتها أرضاً لا يحكمها السوريون. الطائفية والمذهبية عند الطرف المنتصر هذا لن تحتاج إلى زوايا ولا وجهات نظر. هي مؤسِّسة لوجودها، صائغة تصورها وممارساتها العلنية. فيكون بذلك السلام أو الاستقرار المطلوب من نتاج تنظيم “القاعدة”، أو المجموعات السلفية المنافسة لها. أما الإستبداد، فحدث ولا حرج. بعض “نماذجه” الصاخبة، مثل العقوبات “الشرعية” التي إستعجلت بعض الفصائل الجهادية” المتطرفة في تطبيقها في مناطق نفوذها، والتي عارضتها بشدة فصائل إسلامية أخرى، بحجة ان وقتها لم يحن بعد… هذه العقوبات لن تتأخر في إظهار الوجه الديكتاتوري البدائي للفصائل المنتصرة.

وسط هاتين الإستحالتين يسبح الشعب السوري المنتفض. وسط هذه المعضلة الشائكة، تنهمر عليه التساؤلات: ما الذي جعل  المجموعات المسلحة الإسلامية وحدها هي التي ُمولت؟ هل كانت هناك مجموعات مسلحة إسلامية، لنقل “علمانية” أو “غير طائفية”…. تنظمت وطلبت التمويل ولم تحصل عليه؟ أم انه لم ينوجد على الأرض إلا مجموعات إسلامية؟ السؤال بطريقة أخرى: المجموعات القليلة التي أنشئت على قاعدة غير إسلامية، ونشطت وتوسعت قليلا… هل انزلقت سريعا نحو الإندماج أو التنسيق مع الجماعات الدينية؟ هل كان دافعها المال فقط؟ وهل تكون الثورة كلها مسألة مال؟ وإذا نجت المجموعات غير الدينية من السطوة الإسلامية، فهل تنجو من سلاحها يوم تنتصر الثورة وتبنى الدولة والقانون والمؤسسات؟

لا سبيل لتجنب التساؤلات، الصافية منها والمشوَّشة… حتى لو لم يكن لها جواب مُرضٍ. ولا سبيل أيضا لتجنّب الملاحظة بأن سوريا اليوم أمام معضلة حقيقية: فلا انتصار بشار على شعبها مستدام، ولا إنتصار خصومه يمدنا بالأفق.

المرحلة المستحيلة التي تمر بها سوريا اليوم أشبه بالمرحلة الإنتقالية المصرية وبالوجهة الدموية نفسها، وإن لم تكن على الوتيرة الجهنمية إياها. قد تكون الإستحالة بين الحلين المتوفرين هي من طبيعة المراحل الإنتقالية للثورات العربية. ثورات لم تتم على قياس غيرها من عقيدة ثورية وتنظيم ثوري وقادة ثوريين. حصلت قبل تشكل هذه الشروط الثلاثة، وربما قد لا تحتاج إليها لأنها فريدة من نوعها. قد تحتاج الى شيء آخر. ولكن من المؤكد إنها، أي تلك المراحل الإنتقالية، هي المجال التاريخي للتفكير أو التنظير أو التنظيم بطريقة أخرى، تخاطب الحرية، وبحرية، تغرف منها مستلزماتها. الثورة السورية وكذلك المصرية مديدة. وكلما إنتبهنا إلى طولها، أقمنا المسافة اللازمة مع أحداثها التفصيلية، وأدركنا مدى انتقاليتها الفذة.

المدن

سقوط النظام السوري… ولبنان/ د. عبدالوهاب الأفندي

 (1) ليست هناك حاجة للتكهنات حول موعد وطريقة سقوط النظام السوري، لأنه قد سقط فعلاً، وبالتحديد في معركة القصير في ايار/مايو من العام الماضي. أعلن حزب الله رسمياً سقوط النظام عندما اضطر لإسقاط الأقنعة ولم يجد بداً من التدخل السافر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من حطام النظام الأسدي. ولكن ما حدث هو أن حزب الله سقط مع النظام في الهاوية، وجر لبنان كله إليها.

(2) نحن اليوم أمام نظام جديد في سوريا، ليس هو نظام بشار الأسد الذي اندثر ، وإنما هو من جهة امتداد لنظام الضاحية الجنوبية، ومن جهة أخرى مشروع كانتونات للميليشيات العراقية والباكستانية والأفغانية التي تمثل الوجه الآخر لعملة القاعدة.

(3) يمكن أن يقال ربما بصورة أكثر دقة أن نظام الأسد قد انهار في آذار/مارس عام 2011، حين كان الرد على رسالته بتعذيب أطفال درعا بالعكس تماماً مما توقع. فقد أراد حينها أن يقول لرعاياه (ولا نقول مواطنيه) بأن سوريا ليست تونس ولا مصر ولا ليبيا ولا اليمن، ويذكرهم بأنه لا يتورع عن شيء. ألم يدمر حماة على رؤوس أهلها عندما تحداه بعضهم؟ ألم يرتكب مجازر سجون تدمر وصيدنايا حتى يعلم من شاء أن يعلم أن السجن والتعذيب ليسا نهاية المطاف للمغضوب عليهم؟ ألم يلاحق معارضيه بالاغتيال في لبنان وباريس وغيرها حتى يرسل رسالة بأنه لا ملاذ آمن، ولا حرمة لقانون دولي أو سن مكانة؟ ألم يقتل الثمانيني صلاح البيطار في باريس، ويختطف مجايله شبلي العيسمي من بيروت، دون أن تشفع لأي منهما تاريخه ومقامه أو عمره؟

(4) هناك نكتة كنا نتداولها ونحن أطفال، تروي أن كلباً اعتاد كل صباح أن يتسلى بمطاردة عنزة، يحمل عليها فتفر هاربة أمامه حتى يتعب من الجري، ثم يتركها ويمضي لحال سبيله. وذات صباح حمل الكلب على العنزة كعادته، ولكنها بدلاً من أن تجري أقبلت عليه شاهرة قرونها، فارتد الكلب على أعقابه مرتعداً وهو يتمتم: ‘هل جنت هذه العنزة؟’

(5) نظام الأسد سقط يوم أن ‘جنت’ العنزة السورية، ولم تعد في وارد المشاركة في لعبة الكلب الأسدي. فقد سلاح الإرهاب فعاليته عندما رفض أهل درعا الاستكانة أمامه، وأفلس ‘مصرف العنف’ وانهارت عملته. وهذا يذكرنا بأن بقاء أي نظام استبدادي هو عملية شراكة معقدة بين الجاني والضحايا. فليس إرهاب النظام وحده هو الذي أبقى نظام الأسد في سوريا، أو الجيش السوري في لبنان، بل هناك حسابات معقدة لأطراف عدة في لبنان وسوريا تأخذ وتعطي مع النظام، وتستفيد وتفيد.

(6) كان الرئيس الراحل حافظ الأسد من أبرع تجار السياسة في العالم العربي، إن لم يكن العالم. فقد كان يحتضن الخميني بيد ويصافح الملك فهد بالأخرى، يلعن الامبريالية ويرسل جنوده للقتال مع بوش الأب في السعودية، ينادي بالاشتراكية ويتعامل بالاقتصاد الحر، يقتل كمال جنبلاط ويحتضن ابنه وليد. يدمر حماة ويفتح الأبواب لتجار دمشق وحلب، يدعم ‘المقاومة’ ضد إسرائيل ويقدم التطمينات السرية والعلنية لقادتها. يغتال بشير الجميل والهراوي ويطرد عون ويشتت القوات اللبنانية، ولكنه يحتضن أمين الجميل ويدعم المارونيين ضد عرفات وبقية قوى اليسار اللبناني. باختصار كان أمهر لاعب في بازار الشرق الأوسط.

(7) كان خطأ ورثة الأسد القاتل اعتقادهم أن الإرهاب والبلطجة كانت سلاح الأسد الأب الأول. والصحيح أنه كان يتبع مبدأ ثيودور روزفلت القائل: تحدث بلطف واحمل عصا غليظة، ويدرك أن قيمة ‘الردع′ تتناقص بكثرة استخدام أدواته. وقد انهار سلاح الردع السوري عندما وقع التجاوز في استخدامه باغتيال الحريري في شباط/فبراير من عام 2005، فانهار مقومات الوجود السوري في لبنان، وكان سقوط النظام بعد ذلك مسألة وقت.

(8) انهار النظام السوري سياسياً يوم أن رفض السوريون الانصياع لإرهابه، وانهار أخلاقياً (بصورة نهائية، لأنه كان دائماً نظاماً مكيافيلياً لا يراعي في انسان إلاً ولا ذمة) عندما باشر التصرف كعصابة قتل إجرامية لا تترفع عن جريمة، وانهار دبلوماسياً حينما لفظه العرب والعجم، ولم يعد له نصير سوى حفنة من الدول المارقة، وانهار عسكرياً حينما اضطر للاستنجاد بميليشيات أجنبية للدفاع عن عاصمته ومقر رئاسته. وما نراه يتشكل اليوم على أنقاض ذلك النظام المنهار هو شيء جديد تماماً.

(9) من المستبعد أن يتجنب النظام الانهيار الكامل، ولكن لو حدث ذلك فإن نفوذ نصر الله فيه سيكون أكبر من نفوذ الأسد، ودور الميليشيات العراقية واللبنانية سيكون أهم من دور بقايا الجيش السوري، كما أن المعادلات الطائفية ستتغير بصورة جذرية. وعموماً فإن سوريا ستتحول إلى صومال جديد، لأن الكانتونات السنية ستبقى كذلك خارج سيطرة النظام الإيراني الجديد.

(10) هناك الآن معادلات دولية جديدة، لأن إيران بدورها في قبضة الإصلاحيين الرافضين لسياستها التقليدية والراغبين في ترميم العلاقات مع الغرب، كما أن سياسة أوباما التصالحية التي ركزت على مد الجسور وتجنب القتال أصبحت من الماضي بعد أن هبت رياح الحرب الباردة الجديدة. وهناك حديث بصوت عال في واشنطن اليوم بأن التهاون مع الأسد هو ما جرأ بوتين في القرم، وهناك دعوات بأن البداية لكسب الحرب الباردة الجديدة ستكون في دمشق. ومن هذا المنطلق فإن ‘انتصارات’ النظام وحلفائه على ‘المتطرفين’ وإتمام تسليم الأسلحة الكيماوية هو ما تنتظره القوى الغربية قبل توجيه الضربة القاصمة.

(11) المعادلات الجديدة ستسهل كذلك القضاء على حزب الله الذي اختطف لبنان وسوريا معاً، وتخيل نفسه قوة عظمى جديدة تتمدد في المنطقة. وليس السكوت على مغامراته عن غفلة أو ضعف من الأطراف المعنية كما يتصور هو والواهمين من حلفائه وأنصاره، وإنما لأنه بتورطه هذا يخدم المخططات الرامية لعزله. فالحزب يقف اليوم معزولاً في لبنان، ومتورطاً في عداء مع غالبية الشعب السوري، وفاقداً لكل تعاطف عربي أو إسلامي. وعندما تأتي الضربة المحتومة للحزب هذه المرة، فلن تكون هناك ‘تونس′ يتراجع إليها قادته كما كان حظ عرفات. ولعل أفضل ما يمكن أن يطمح إليه هو معسكرات في العراق على سنة مجاهدي خلق.

‘ كاتب وباحث سوداني مقيم في لندنالمغرب: قانون الأسرة

القدس العربي

الثلاثي الذي أبقى بشار في الحكم

تُبرز وسائل الاعلام العالمية في السنة الرابعة من الحرب الاهلية في سوريا انجازا آخر لنظام الاسد، وهو النظام الذي كان يفترض أن ينهي منذ زمن دوره التاريخي بحسب تقديرات الاستخبارات في الغرب.

يحدث في البلدة الحدودية يبرود شمالي دمشق بالقرب من حدود لبنان تقدم منهجي لقوات الجيش السوري التي تستعين برجال حزب الله في صراعها مع منظمات المتمردين. ويضاف النجاح النسبي لموالي الاسد بالقرب من الحدود اللبنانية الى انتصارات سابقة والى احتلال مدينة القصير في الصيف الماضي والمعارك في جبال القلمون في الاشهر الاخيرة. فاذا ما تم احتلال يبرود فسيُبعد آخر حكم للمتمردين في هذه المنطقة وتتحسن قدرة النظام على الدفاع عن خطوط امداده المتعوجة من شمال سوريا الى دمشق.

لكن يجدر الى الآن ألا نبالغ في أهمية الانجاز التكتيكي في أساسه في يبرود، فقد تم التحول الرئيس في سوريا في العام الماضي حينما نجح الطاغية السوري في صد هجمات المتمردين في أجزاء مركزية من الدولة، أما تزايد قوة فصائل موالية للقاعدة بين منظمات المعارضة فصد اوروبا والولايات المتحدة عن تعزيز مساعدة المتمردين.

يبدو أن بقاء الاسد تم احرازه في الأساس بفضل مساعدة من الخارج: من روسيا وايران وحزب الله. فقد ساعدته على البقاء مقادير كبيرة من الوسائل القتالية ومساعدة مالية ملحوظة مع مستشارين ومتطوعين جاءوا ليساعدوا النظام. فاذا تم اسقاط النظام آخر الامر في السنة الرابعة للحرب فيبدو أن ذلك سيكون اذا نجح المتمردون في تصفية الرئيس جسديا.

كلما مر الوقت تبين مبلغ أهمية دعم روسيا للاسد. فبعد سنة المعارك الاولى حينما كان يبدو أن الاسد يواجه هزيمة أفادت وسائل اعلامية في موسكو أن روسيا استقر رأيها على اخراج جميع مستشاريها وخبرائها من داخل سوريا. ولم يتحقق هذا الاعلان كاملا قط وعادت روسيا في الاشهر الاخيرة الى الصورة بكامل القوة.

تم دمج مستشارون روس الآن في جميع مستويات نظام الحكم وقوات الامن من مساعدة ملاصقة لرئيس الاركان السوري حتى توجيه القوات في الميدان. وعن طريق المدينة الساحلية طرطوس في شمال سوريا حيث تحتفظ روسيا بميناء مستقل تسيطر عليه، تتدفق طول الوقت شحنات سلاح مرسلة وذخائر الى نظام الاسد يُهرب بعضها في النهاية الى حزب الله في لبنان. وتحافظ اسرائيل التي عادت واتهمت ايران وبحق قبل اسبوع فقط بالمساعدة على المذبحة التي يقوم بها الاسد على السنيين، تحافظ على صمت في كل ما يتعلق بالتدخل الروسي فيما يجري.

يقول رئيس روسيا فلادمير بوتين إن بلده بخلاف قوة عظمى اخرى كان بوتين يستطيع أن يذكر اسمها لو أراد لا تتخلى عن اصدقاء قدماء، هذا الى أن تثبيت أسس سلطة اسلامية متطرفة على نهج القاعدة في سوريا من المؤكد أنه ليس مصلحة روسية. وحينما كان يبدو للحظة واحدة أن الاسد تورط حقا بقتله 1500 مواطن بسلاح كيميائي في ريف دمشق في آب في العام الماضي، كانت روسيا هي التي خلصته من الازمة. وأبقت التسوية والاتفاق على تجريد سوريا من مخزونات السلاح الكيميائي العظيمة والذي صيغ بين بوتين ورئيس الولايات المتحدة براك اوباما، أبقت النظام على حاله ومنعت في آخر لحظة عملية عسكرية امريكية.

ومن جهة اخرى ينبغي عدم المبالغة في القدرة العسكرية للنظام السوري، فالشهادة على ذلك موجودة في المعارك التي تمت في الجولان بالقرب من حدود اسرائيل في مطلع هذا الشهر. وقد أتمت منظمات المتمردين في السنة الاخيرة الاستيلاء على نحو من 80 بالمئة من المناطق بالقرب من حدود اسرائيل. ووجدت سرية من الجيش السوري نفسها محاصرة في موقع تل كدنة في مركز الهضبة. وأعلن النظام جهدا مركزا لتخليص الجنود المحاصرين وأُلقيت المهمة على قيادة طابور استعملت عدة جهود لوائية واستعملت الهجمات الجوية ونيران المدافع لاسقاط الحصار. وأظهرت قوات النظام برغم تفوقها الملحوظ بعدد المقاتلين ونوع السلاح، أظهرت باعثا على القتال ضعيفا وفشلت العملية.

ويبدو أن هذه هي الصورة التي هي أكثر اتزانا لوضع القتال بعد ثلاث سنوات وبعد أكثر من 140 ألف قتيل وهي التعادل بلا حسم، الذي يسفك دماء المواطنين. تجري في سوريا حرب فتاكة لم يُر مثيل لها في هذه المنطقة منذ عشرات السنين. والذي ينظر في افلام يو تيوب عن القتال أو في تقارير وسائل الاعلام الاجنبية يجد مناظر واوصافا فظيعة يصعب هضمها (تثير ايضا خواطر كئيبة عن الثقافة التي تسود دولة جارة حاولت اسرائيل التوصل معها الى سلام كامل في عدة فرص). ويصعب أن نرى في واقع الامر، برغم فرقعة لسان المجتمع الدولي مخرجا ممكنا من هذه الورطة في سنة الحرب الرابعة.

يتعلق سؤال يجب أن يقلق اسرائيل بدور حزب الله في الحرب. فلا شك في أن المنظمة اكتسبت تجربة عملياتية ملحوظة واستجمعت ثقة بالنفس ايضا بسبب اسهامها في نجاحات الاسد. وفي مقابل ذلك يقدر الجيش الاسرائيلي أنه يوجد في سوريا بصورة ثابتة نحو من 5 آلاف مقاتل من حزب الله، أي ربع قوته النظامية. واعترف اشخاص في المنظمة في الاسبوع الماضي بأن أكثر من 500 من رجاله قتلوا في المعارك. وأشد من ذلك عند حزب الله أن تورطه في القتال في سوريا جاء بالحرب الى البيت، الى البلدات الشيعية في البقاع اللبناني والى الضاحية في جنوب بيروت حيث أصبح اطلاق القذائف الصاروخية هناك وتفجير السيارات المفخخة جزءً من الحياة اليومية.

لكن الوضع الجديد ينطوي على خطر آخر على اسرائيل. ففي يوم الجمعة الاخير انفجرت عبوة ناسفة في مزارع شبعا بالقرب من قافلة للجيش الاسرائيلي. وكان ذلك كما يبدو ردا من حزب الله على قصف قافلة سلاح للمنظمة في لبنان في نهاية شباط قصفها سلاح الجو الاسرائيلي كما يزعم. إن استطالة الحرب في سوريا تضعضع مستوى الأمن على حدود اسرائيل في الشمال وإن كان يحدث ذلك الى الآن بأقساط قليلة وبقوة غير كبيرة.

عاموس هرئيل

هآرتس 17/3/2014

القدس العربي

ترشح الأسد ضربة قاصمة للعملية السياسية/ روزماري ديفيس

وسط مذابح الحرب، يلوّح الرئيس السوري بشار الأسد بخوض حملته الإنتخابية بالتزامن مع الذكرى الثالثة لإندلاع الثورة السورية، حيث زار بعض مراكز إيواء اللاجئين في دمشق، وكأن شيئا لم يحصل في بلاده خلال ثلاث سنوات !

عادة ما يقوم الرؤساء بالمجاهرة بإنجازاتهم خلال الفترة الأولى من الحكم، سعياً لإقناع الشعب بانتخابهم لولاية أخرى، ولكن ما هي الإنجازات التي سيتحدث عنها الأسد: ملايين اللاجئين والمهجرين… أكثر من 150 ألف ضحية.. آلاف السجناء والمعتقلين الذين تعرضوا للتعذيب، النساء والأطفال والشيوخ الذين قضوا جوعا في مدن تتعرض لقصف همجي، أو الدمار الشامل الذي لحق بالبنية التحتية العمرانية والاقتصادية؟!

مع اندلاع الاحتجاجات في سوريا، لم تكن هناك “قاعدة”، ولا جبهة النصرة أو داعش، بل مجموعات واسعة من المواطنين السوريين خرجت للشارع بشكل سلمي داعية للتغيير، حتى أنني أذكر أنهم في البداية لم يطالبوا باستبدال الأسد وإنما فقط بإصلاح النظام. ولكن عدم استدراك هذا النظام لمطالب الشعب السوري ولجوئه للعنف، أدى إلى ما نشهده اليوم. وإذا به يستمر بإلقاء اللوم على “الخارج” وتحميله مسؤولية ما يجري، ولكن هذا الخارج لم يكن مسؤولا في يوم من الأيام عن الفساد المنتشر في البلاد، وقمع الحريات العامة، والزج برموز سياسية في السجون.

لا ينفكّ النظام يردد ليلا نهارا أن يواجه الإرهاب، إذأ: ماذا يفعل المحامي خليل معتوق، الطبيب عبدالعزيز الخيّر، والمدافع عن حرية الصحافة مازن درويش، والكثير من الصحفيين المرموقين والنشطاء السلميين القابعين في سجون النظام؟ أي انتخابات يدعي النظام أن تكون تمثيلا ديمقراطيا واحتراما للحريات، وهو يعمد منذ البداية الى حظر شامل لجميع وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة التي تنقل انتهاكاته بحق المعارضة، وإلى ملاحقة الصحفيين الأجانب الموجودين داخل البلاد، وترحيل عدد كبير منهم، ومنع اعطاء تأشيرات دخول لصحفيين جدد.

إن إجراء انتخابات رئاسية في ظل نظام دكتاتوري ودولة تتخبط في حرب أهلية إبادية، أمر عبثي يثيرالسخرية والاشمئزاز. وإذا كان الأسد متشبثاً بإعادة انتخاب نفسه، فهو بذلك يوجه رسالة واضحة برفضه للعملية السياسية، وضربة مباشرة لبيان جنيف1 الذي يدعو إلى إنشاء هيئة حكم انتقالي، ما يعني أنه سيفقد ليس فقط كامل شرعيته ومصداقيته، ولكن أيضا أي مظهر من مظاهر الإنسانية.

ومما لا شك فيه، أن الجماعات الإرهابية انتشرت في سوريا واستغلت الفوضى في البلاد، ونحن ندرك خطرها الداهم على التنوع الإثني والديني في سوريا وعلى جوار البلاد أيضا، ولكن في ذات الوقت نميز جيدا بين جماعات تنشر الإرهاب وأخرى معارضة تنشد التغيير الديمقراطي في سوريا. محادثات السلام تعثرت جراء موقف النظام المتعنَت، ما ينعكس سلباً على الشعب السوري في استمرار معاناته ويهدد بخطر تقطّع أوصال الدولة.

من جهتنا، سنواصل السعي إلى ممارسة الضغوط على النظام السوري للدخول في مفاوضات جدية ومجدية، وندعو جميع القوى والدول المؤثرة وذات النفوذ على دمشق، لا سيما إيران وروسيا، إلى تقديم مصلحة الشعب السوري ومستقبل البلاد على مصالحهم السياسية، وحثّ النظام على العودة إلى مسار جنيف2.

*روزماري ديفيس – المتحدثة باسم الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

بشار… كيم جونغ اون/ وليد إبراهيم الاحمد

ذكرنا فوز الزعيم المتهور الكوري الشمالي كيم جونغ اون بـ(100) في المئة من الاصوات الانتخابية الرئاسية ببشار الاسد ومشروع قانون الانتخابات الرئاسية الجديد الذي صادق عليه مجلس ما يسمى بالشعب السوري بعد ان استبعد عمليا اي مرشح للمعارضة ينوي خوض غمار المنافسة ضده (مصدق نفسه سيستمر حكمه)!

فقد فاز الولد الشقي بنسبته الـ(عربية) من خلال برلمان لا يوجد به احد سوى حزبه بعد ان جاءت جميع الاصوات صالحة من دون اي ورقة باطلة اثناء اقتراعهم قبل أن ينحنوا أمام صورتين له ولوالده معلقتين على الجدار ليصبح رئيسا وقائدا اعلى للقوات المسلحة لجمهورية كوريا الشعبية الديموقراطية، ورئيسا لمجلس الدفاع الوطني وحتى لا نطيل (بتاع كلو) في أول انتخابات تجري في مجلس الشعب الأعلى منذ وصوله إلى السلطة بعد وفاة والده في ديسمبر 2011 في مجلس لا يجتمع فيه إلا مرة أو مرتين في السنة للتصويت على الميزانية والمصادقة على القرارات التي يتخذها حزب العمال!

في سورية ايضا لا عزاء للمعارضة في الانتخابات الرئاسية المقبلة في يونيو المقبل بعد ان جاء ما يعرف بمشروع القانون الجديد بشروط اساسية ابرزها يجب أن يكون المرشح لرئاسة الجمهورية قد أقام في سورية خلال السنوات العشر الماضية اي اقفل الباب على معارضة الخارج!!

حتى معارضة الداخل خشيهم بشرط يقول لا بد من أن يحصل على دعم 35 نائباً على الأقل من النواب الـ250 الذين يضمهم مجلس الشعب.. رغم المنطق القائل من يجرؤ على التفكير بالترشح بل من يجرؤ من نواب المجلس على تأييد من يترشح؟!

الطرفة في الموضوع ان بشار الأسد الذي تنتهي ولايته الثانية في يونيو 2014 ويفترض (تصفيط فنايله) ومغادرة الكرسي بحسب المادة (88) من الدستور الذي اقر في فبراير 2012 وتقضي بعدم امكان ترشح الرئيس اكثر من ولايتين.. قد تم اختراقها بالمادة (155) التي توضح بأن هذا الإجراء لن يطبق إلا ابتداء من الانتخابات الرئاسية المقبلة!!

على الطاير

– يبقى ان نذكر للتاريخ العربي بان بشار قد (صك) على كيم جونغ اون وتفوق عليه في موضعين.. الاول بضمان تسلم الكرسي لولايتين إضافيتين نحو حكم البلاد 14 سنة أخرى!

والثاني اذا كان الصبي المتهور الذي اعدم عمه بـ(120) كلبا جائعا نهشوا جسده يفاخر اليوم في مصادقة مجلس بلاده على مرسوم اعتبر كوريا الشمالية قوة نووية منذ العام 2013.. فان بشار أعلن رسميا ومنذ أكثر من ثلاث سنوات ان بلاده اصبحت قوة دموية يفاخر في كونها اضحت تنهش لحوم بشر المعارضة من الداخل والخارج بالمرتزقة والشبيحة الضالة!!

الرأي الكويتية

الساعون إلى التجديد للأسد يفتحون الباب للمالكي؟/ جورج سمعان

كلما اقترب موعد الانتخابات البرلمانية في العراق، فتح رئيس الوزراء نوري المالكي جبهة جديدة من المواجهة. لم يبقَ في متناوله الكثير، لا في الداخل ولا في الجوار. افتتح سلسلة من الجبهات، أو هو أعاد تحريكها تحت شعار مكافحة الإرهاب. ويخوض اليوم حرباً ضد «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش). وتحت هذا الغطاء يقاتل أهل محافظة الأنبار ومدنها وعشائرها. وبعث مجدداً الصراع مع إقليم كردستان. ومع التيار الصدري وزعيمه السيد مقتدى الصدر. ومع مجلس النواب ورئيسه أسامة النجيفي. وطاولت سهامه المملكة العربية السعودية ودولة قطر. لم يوفر أحداً من الخصوم وحتى الشركاء في «التحالف الوطني الشيعي». لم يبقَ سوى رئيس «المجلس الأعلى الإسلامي العراقي» السيد عمار الحكيم الذي حذره بطريقة غير مباشرة من المساس بأي شخصية تابعة لتياره. وتوعد برد «حاسم وقوي ومفاجئ للجميع».

حتى المرجعية الدينية في النجف لا تروقها سياسات زعيم «دولة القانون»، وعبرت عن ذلك في كثير من المناسبات. واتهمه الصدر أخيراً بأنه «خارج عن طاعة المرجعية الدينية». وكان ساق إليه سيلاً من النعوت والأوصاف. وحض أنصاره قبل يومين، على مقاومة «الظلم والطغيان اللذين تسببب بهما الجاثمون على كراسيّ هشة هي أوهن من خيوط العنكبوت». ودعاهم إلى الاستعداد للمرحلة المقبلة «ليس سياسياً فقط». فهل يستعد للثأر من «صولة الفرسان»؟

لا جدال في أن المالكي لن يوفر سلاحاً، أو وسيلة حتى حلول موعد الانتخابات النيابة آخر الشهر المقبل. وهو يعول بفتحه النار على كل الأطراف الداخليين وبعض الجيران، على رص صفوف أتباعه في الوسط الشيعي، ومحاولة استدراج بعض القوى في هذا الوسط للانضمام إلى المنازلة الكبرى. وليس أسهل من مخاطبة هذه القوى بلغة الخوف على المصير والمستقبل من الصراع المذهبي المحتدم في طول المنطقة وعرضها. وهو يملك من أسباب القوة ما يتيح له مكافأة الراغبين والخائفين والمترددين. وزارته التي شكلها في عام 2010، لم تكتمل. أو هو لم يكملها ليحتفظ لنفسه بوزارتي الدفاع والداخلية، إضافة إلى كونه القائد العام للقوات المسلحة. إلى هذه القوى الميدانية، يملك السلطة المالية الكاملة على المداخيل والعائدات النفطية. وأثبت في كثير من المناسبات سطوته ودالته على الجهاز القضائي. ولا يتسع الحديث هنا لقصص العراقيين عن الأمن المضطرب والسيارات المفخخة والعمليات الانتحارية، والفساد المستشري. يكفي أن البلاد لم تشهد تقدماً يذكر على صعيد الاستقرار والبنى التحتية والخدمات بعد مرور عقد على سقوط نظام البعث. وخير دليل هنا مقارنة الأوضاع المزرية للعراق بالنهضة التنموية التي شهدها ويشهدها إقليم كردستان.

لم تكن هذه حال المالكي في السنوات الأربع من عمر وزارته الثانية. كانت هذه حال الوزارة الأولى. لكنه استطاع أن يفرض نفسه خياراً وحيداً لا بد منه بعد انتخابات آذار (مارس) 2010. احتفظ بموقعه على رأس الحكومة، لأن «توافق الضرورة» الداخلي والخارجي، خصوصاً بين إيران والولايات المتحدة، لم يجد بعد تسعة أشهر من المنازعات والشد والجذب، بديلاً من زعيم «دولة القانون»، متجاهلاً اعتراض شركائه في التحالف الشيعي. واعتراض دمشق وأنقرة وعواصم خليجية. وليس سراً أن اليد الطولى كانــت لطـــهران، ولا تزال حتى اليـــوم. بعض المعترضين نادى يومها بتـــولي أياد علاوي الذي جاءت كتلته «العراقية» الأولى في النتائج. لكن الجمهورية الإسلامية رفضت هذا الخيار، ومارست ضغوطاً واسعة على الكتل الشيعية الأخرى. وأرغمتها على الوقوف وراء التجديد له. يومها قال السيد مقتدى الصدر علناً أنه لولا الضغط الإيراني لما أعطى موافقته على هذا التجديد… ولم يكن موقف «المجلس الأعلى» بعيداً من ذلك ايضاً. حتى بدا أن ثمة تيارين شيعيين واحداً يوالي طهران، والآخر يود تأكيد استقلاله عنها!

وبدا واضحاً من التطورات الأخيرة في العراق، أن اليد الطولى لا تزال لإيران. ولن يكون مصير دعوة السيد علاوي قبل أيام إلى رحيل حكومة المالكي أفضل من سابقتها. غالبية الكتل والمكونات توافقت السنة الماضية على إسقاطها في المجلس النيابي. لكن تدخل الجمهورية الإسلامية ودالتها على الرئيس جلال طالباني وكتلته حالا دون ذلك. وما ساعد زعيم «دولة القانون» على البقاء، وما قد يساعده على العودة لولاية ثالثة «توافق الضرورة» بين واشنطن وطهران والتأثير الكبير للأخيرة في القرار العراقي. لا يزال يتمتع برضا الجار الشرقي. ولم يبدر من واشنطن حتى الآن سوى دعمه في حربه على الإرهاب، وإن أخذ بطريقه من أخذ ويأخذ. بل قدمت وتقدم له السلاح في هذه الحرب. وكانت من أبرز الحضور والداعمين لمؤتمر مكافحة الإرهاب الذي استضافته بغداد الأسبوع الماضي. ولكن يجب الإقرار أيضاً بأن الرجل استطاع في السنوات الماضية تشتيت صفوف خصومه. أصاب كتلة «العراقية» بتصدعات وانشقاقات. واستمال في حربه الأنبارية هذه الأيام بعض رموز العشائر. وحتى صراعه مع إقليم كردستان لم يحجب بعض الأصوات الكردية التي لا تزال تنادي بالحوار معه.

أفاد حتى الآن من تشتيت جبهة خصومه في الوسط السنّي وداخل الصف الشيعي نفسه. وهو يدرك أن معركته مع كردستان تظل محكومة بضوابط واعتبارات لا تمت إلى موقفه بمقدار ما تتعلق بالسياسة الكردية عموماً. أهل الإقليم حريصون على عدم الدخول طرفاً فاعلاً في الصراع بين السنّة والشيعة. ولا مصلحة لهم في استعداء الجارين الكبيرين تركيا وإيران. نهجهم الواقعي عنوانه الوحيد ما يخدم مستقبل الإقليم والاستقرار والتنمية والازدهار فيه، فضلاً عن رغبتهم في ألا تقوم مركزية قوية في بغداد تعيد إحياء ذاكرتهم وما تختزن من مآسٍ وويلات ومواجهات وانكسارات.

ثمة شكوك في أن تقدم كل هذه المعارك المفتوحة مع الداخل والخارج إلى المالكي، ما يطمح إليه من التفاف واصطفاف. دلت نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة على أن تياري الصدر و «المجلس الأعلى» حققا تقدماً عليه. وهؤلاء الشركاء في التحالف الشيعي قد لا يذعنون هذه المرة لرغبات جارهم الشرقي. فالتجديد لزعيم «دولة القانون» يعني أن سياسة إقصائهم وإضعافهم وتهميشهم ستتواصل. مع العلم أن السيد الصدر عبر في أكثر من مناسبة عن تبرّمه من الحضور الإيراني في بغداد، وميز نفسه في الموقف من الأزمة السورية. وسعى إلى التواصل مع الجيران العرب. وهو ما كان مؤملاً أن تقوم به الحكومة، ليس للتحرر من يد إيران إذا بدا ذلك صعباً، بل لإقامة نوع من التوازن بين نفوذها وموقع العراق في المنظومة العربية. وبعد الضربات التي وجهها المالكي إلى رموز سنّية، وفي ضوء الحرب التي يخوضها في الأنبار وغيرها، لن يكون سهلاً عليه اختراقات في الصف السنّي، بل فتح الباب واسعاً أمام هذا الصف للاستقواء بالجيران، بترحيله أزماته وإخفاقاته وصراعاته الداخلية إلى هؤلاء الجيران، من السعودية وقطر وغيرهما.

يُقبل العراق على انتخابات في ظروف تغير فيها المشهد العام الذي كان سائداً قبل أربع سنوات. تبدل العالم العربي ونظامه. تركيا أردوغان ليست كما كانت. ومثلها سورية الأسد. وحتى إيران روحاني تحاول خلع صورة أحمدي نجاد الذي كان يعول بالتحالف بين طهران وبغداد ودمشق وبيروت على تغيير النظام العالمي! والعلاقات الدولية بين الكبار ليست على ما يرام. لذلك، ربما كان من المبكر التكهن بما ستحمله الانتخابات العراقية، وما ستفضي إليه حروب المالكي وهل تقوده إلى ولاية ثالثة أم تطوي صفحته. لا جدال في أنه أضاع فرصة كبيرة في السنوات الأربع الماضية. أخفق في تعزيز العملية السياسية التي أطلقها تفاهم إيران وأميركا على ولايته الثانية. وزاد في دفع بلاده إلى حمأة الصراع المذهبي في الداخل وفي الإقليم، تعزيزاً لموقعه وموقع حزبه، بل تحول عنصراً فاعلاً في هذا الصراع، متجاهلاً. وعزز المخاوف من التغلغل الإيراني في المشهد والقرار العراقيين. وأخفقت حكومته في إثبات قدرة العراق على إدارة شؤونه. مثلما أخفقت في استعادة الدور الإقليمي لبغداد للمساهمة في تبريد كثير من الملفات المشتعلة، كما وعد وزير خارجيتها هوشيار زيباري.

وأبعد من كل ذلك ربط المالكي العراق ومستقبله السياسي بالأزمة السورية بعدما كان دفعها إلى قلب الحلف الذي تقوده إيران. رهن مسقبل البلاد بتداعيات الأزمة السورية والصورة الجيوسياسية التي ستخلفها في المنطقة عموماً. وإذا كانت هذه الأزمة مفتوحة على المجهول، فإن الأوضاع العراقية ستظل مفتوحة على شتى الاحتمالات، وربما تحدد مستقبل المالكي في ضوء موقف الكتل الشيعية وقدرتها على مقاومة رغبات طهران، قبل أن يتحدد في ضوء مستقبل جاره السوري. فإذا نجح الرئيس بشار الأسد في التجديد بدعم من حلفائه الكبار، فقد ينجح ربما في التجديد لولاية ثالثة… إلا إذا ارتأى «التفاهم» بين أميركا وإيران خلاف ذلك. علماً أنهما لم تفتحا بعد الأبواب على التفاهمات الإقليمية، وإن كان اللبنانيون نجحوا حتى الآن في إدارة خلافاتهم بالحد الأدنى من الخسائر في رعاية دولية وإقليمية! فهل تشمل الرعاية العراق لئلا ينزلق إلى حرب أهلية مدمرة؟

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى