صفحات العالم

مقالات تناولت تورِّط بثينة شعبان في ملف ميشال سماحة

سماحة وشعبان في السيارة من زمان

طوني عيسى

سيكشف التحقيق مدى دقَّة المعلومة التي تؤكّد تورِّط مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان في ملف الوزير السابق ميشال سماحة، أو عدم دقّتها. لكن ما لا يحتاج إلى إثبات هو العلاقة القديمة والمميَّزة بين سماحة وشعبان. إنّهما في سيّارة واحدة… من زمان.

تحتلُّ شعبان موقعاً مميَّزاً في القصر. فهي تحظى بثقة الرئيس بشّار الأسد، كما كانت تحظى بثقة والده الرئيس حافظ الأسد، الذي كانت استرعت اهتمامه بثقافتها وولائها، فساعدها لتتابع دروسها الجامعية، وهي التي تنتمي إلى عائلة محدودة القدرات المالية.

ومع أنّ الدكتوراه التي حازت عليها شعبان كانت في الأدب الإنكليزي، فإنّ شغفها كان دائماً الإعلام. ولذلك، تولَّت في العام 2002 جهاز الإعلام في وزارة المغتربين. وبعد ستة أعوام ارتقت إلى منصب الوزيرة فيها لعامين، ثمّ عادت إلى تولّي مسؤولية المستشارة السياسية والإعلامية للرئيس بشّار الأسد.

طوال فترة عملها في الإعلام، إستعانت شعبان بخبرات ميشال سماحة. وهو استطاع أن يوحي لها بالثقة والمهارة، وقدَّم إليها ما كانت تحتاج إليه من مواد، لتحويلها إلى القصر.

كان سماحة يستمدُّ معلوماته وتحليلاته من مصادر مختلفة، لكن أبرزها كان من صديقٍ سوريٍ له، هو رجل أعمال يعيش في الولايات المتحدة يدعى رجا صيداوي. وهذا الرجل كان يجمع أخباراً وتعليقات وتقارير صحافية يحصل عليها من الصحف الأميركية والعالمية، ويحوِّلها إلى صديقه اللبناني في دمشق. وهناك، كان سماحة يقوم بإعادة “توليف” هذه المعلومات في شكل تقارير خاصة يسلِّمها إلى شعبان، فتُحوِّلها بدورها إلى القصر.

وهكذا نشأت علاقة متينة بين شعبان وسماحة. وهي دعمت موقعه في القصر، عندما كانت تعترضه مشكلة. وعلى سبيل المثال، كان سماحة يجتاز قبل أشهر بسيارته الحدود آتياً من سوريا. لكنّ الأمن السوري منعه من ذلك وأقدَمَ على توقيفه.

ويقال إنّ سماحة قد وقع في إشكالية مع النظام يومذاك، لا تتعلَّق بالسياسة ولا بالأمن، بل بمسألة تتعلق بالمال. واستمرّت عملية التوقيف قرابة أربع ساعات. ولاحقاً، تمَّ الإفراج عنه. وهذا الإفراج كان نتيجة تدخُّلٍ حثيث ومباشر من شعبان.

وقد عمل سماحة في مكتب شعبان كمنسّق للإعلام اللبناني، إذ كان يتولّى إدارة العلاقات مع المؤسّسات الإعلامية اللبنانية لتوجيهها إلى الخط الذي ينتهجه النظام. وانتقل بعد ذلك، بتشجيع منها، ليصبح مستشار الرئيس بشّار الأسد للشؤون الفرنسية. ودعمت شعبان معاونها اللبناني في الأزمات التي اعترضته خلال قيامه بمهمّات الوساطة بين النظام وفرنسا.

وفي هذا المجال، يكشف متابعون أنّ نظام الرئيس الأسد أراد في العام 2007 الإفادة من علاقات سماحة الفرنسية لتحسين وضعه مع باريس، غداة وصول الرئيس نيكولا ساركوزي إلى الإليزيه. فطلبت القيادة السورية من سماحة استمالة صديقه الفرنسي كلود غيان الذي أصبح أميناً عامّاً للرئاسة.

وأوكلت القيادة إلى سماحة، بناءً على اقتراح منه، تقديم هدية ماليّة إلى غيان لتشجيعه، بحيث يتبنّى غيان موقف دمشق، من داخل الإدارة الفرنسية. وفي تقدير دمشق أنّ ذلك يشجّع ساركوزي على التقرُّب من الأسد، ما يساهم في كسر العزلة الفرنسية والأوروبية التي كانت مفروضة عليه في تلك المرحلة.

لكنّ المسؤولين السوريّين لم يلمسوا خلال محادثاتهم مع غيان أيّ تغيير في موقفه تجاههم، ما دفعهم إلى التساؤل عن السبب. وتسرَّبت إلى الإدارة الفرنسية وأجهزتها معلومات عن وجود “هدية”. وكان الفرنسيّون قلقين ليعرفوا هل تلقّى غيان رشوة من دمشق.

ولكن تبيَّن لهم لاحقاً أنّ أيّ هدية لم تصل من سماحة إلى صديقه الفرنسي. وهذه الحادثة تركت أثراً في العلاقة بين سماحة وكبار المسؤولين السوريّين، على الصعيد المالي تحديداً. وبقيت شعبان تدافع عن سماحة وترمِّم هذه العلاقة.

المعروف عن شعبان وسماحة أنّهما ثنائيّ في العمل الإعلامي في القصر، لكن المفاجأة هي أنّهما، ربّما، ثنائي في العمل الأمني أيضاً. وإذا تأكّد دور شعبان بعد سماحة ومملوك، فإنّ لذلك أبعاداً كثيرة وخطيرة.

الجمهورية

السيّدة بثينة

حازم صاغيّة

إذا صحّ أنّ السيّدة بثينة شعبان متورّطة، على نحو أو آخر، بنقل متفجّرات إلى لبنان، فهذا ما يتجاوز شعبان نفسها ليعلّمنا الكثير عن أحوالنا وعمّا يحيط بنا. لا بل إنّ صلة كهذه تضع الكثير من الأفكار الدارجة عندنا أمام ورطة فعليّة أكبر كثيراً من الورطة المحتملة لشعبان.

فالسيّدة التي بدأت حياتها العامّة كاتبة تدعو إلى تحرّر المرأة العربيّة وانعتاقها، قبل أن تغدو مترجمة للرئيس حافظ الأسد، تملك من مواصفات التقدّم والحداثة الكثير. ففضلاً عن دعوتها إلى المساواة بين الجنسين، وهي ما لا حداثة ولا تقدّم بدونها، عملت شعبان وسيطة بين اللغات والثقافات. وكونها مترجمة في القصر الرئاسيّ، كان من الطبيعيّ أن تتقيّد بأعراف ديبلوماسيّة هي، تعريفاً، شديدة الحضّ على التهذيب والانضباط. بعد ذاك، عُرفت بثينة بعلاقاتها مع ديبلوماسيّين وصحافيّين أجانب كثيرين. وهذا، في أغلب الظنّ، ما قرّبها من السيّد ميشال سماحة وقرّبه منها. لكنّ الصلة بالديبلوماسيّين والصحافيّين الأجانب تفترض، حكماً، سعة الأفق والإلمام بأمور العالم الخارجيّ وما يجري فيه، بل السفر والتردّد على بلدان أجنبيّة والاطّلاع على ثقافاتها وسبل حياتها. كذلك شاع عن شعبان دور في العلاقة مع “معارضين معتدلين” للنظام السوريّ، ودور كهذا من شروطه المرونة وقابليّة الحوار، وطبعاً الاعتراف بالآخر الذي يُدار الحوار معه.

هذه المواصفات جميعاً تُلزم صاحبها بمظهر ومأكل وملبس من تلك التي عُرفت بها السيّدة أسماء الأسد. والمواكبة لـ”الموضة” ليست مجرّد شكل خارجيّ عديم الدلالة، إذ يُفترض بها أيضاً أن تنمّ عن شخصيّة وطباع حديثة يكمّلها تعلّم عذوبة الحديث ومعرفة انتقاء المفردات والمصطلحات. وهذا كلّه ممّا ينافي الشخصيّة البدائيّة القاطعة في أحكامها والجلفة في تعبيرها عنها.

بلغة أخرى، تقدّم شعبان العيّنة النقيض عن السلفيّ التكفيريّ القليل التمدّن والعديم الصلة بالعالم ومجرياته، والذي تستولي عليه أفكار بدائيّة متعصّبة وجهل باللغات والعادات والقيم التي تقع خارج دائرته المباشرة.

في هذا المعنى، تجسّد السيّدة شعبان كلّ ما نرغب أن تكونه السيّدة العربيّة، المدركة حقوقها، المساوية للرجل، التي تستطيع التعامل مع الحكّام الأقوياء بقدر ما تجيد الحوار مع معارضيهم، جامعةً بين ولاء وطنيّ للمكان الذي صدرت عنه ونوازع كونيّة تحملها على عدم الشعور بالغربة في أيّ من مدن العالم، ومع أيّ من ديبلوماسيّيها وصحافيّيها.

مع ذلك كلّه فإنّ بثينة قد تكون متّهمة بالاطّلاع على نقل متفجّرات من سوريّا إلى لبنان كي تقتل مدنيّين أبرياء.

فكيف نحلّ الغاز هذا التناقض؟ وماذا نقول في شأن التعارض مع صورة السلفيّ التكفيريّ الذي يقول البعض إنّه الوحيد الذي يتعاطى بالتفجيرات وأدوات الموت؟

نكتفي هنا بالتذكير بأنّ بعض الجنرالات النازيّين كانوا، بلياقة وقيافة مدهشتين، يستعرضون أقصى تهذيبهم الشخصيّ ويستمعون إلى بعض أرقى السيمفونيّات التي أنتجتها الموسيقى الكلاسيكيّة الألمانيّة، فيما يشرفون على حرق يهود ألمان وأوروبيّين في الأفران!

لبنان الآن

هل تورطت بثينة أم ورطوها؟

عبد الرحمن الراشد

أيعقل أن سيدة أنيقة ومثقفة، مثل بثينة شعبان، مستشارة الرئيس السوري بشار الأسد، تتورط في جرائم قذرة؟ تقول التقارير الصحافية إن صوتها ورد ضمن تسجيلات هاتفية للوزير اللبناني السابق ميشال سماحة الموقوف في مؤامرة خطيرة. وفيه اتهام مبطن بأنها، أيضا، قد تكون متورطة في مخطط اغتيال شخصيات دينية ومدنية في لبنان. توجد تسجيلات، يقال: إنها كنز معلوماتي كبير، عثر عليها في بيت الموقوف سماحة، الذي يروى أنه اعتاد على تسجيل كل ما يدور معه ومع من حوله، حتى ورط نفسه وآخرين في القضية. كما فعل الرئيس الأميركي المعزول، ريتشارد نيكسون، الذي أدخل فكرة تسجيل كل ما يدور معه في البيت الأبيض فأصبحت التسجيلات الحبل الذي شنق به نفسه، حيث أثبتت تورطه في فضيحة ووتر غيت.

لم توجد وسيلة للاتصال بها، وأصدقاؤها المشتركون يقولون: إنها لا ترد عليهم، أيضا. نقل على لسانها – ردا على التهم الخطيرة ضدها – قولها إنها «نوع من المهاترات والسجالات السياسية المتعارف عليها هناك (في لبنان)، التي لا تستحق الرد أو التعليق».

هي مخطئة، فكل شيء في هذه القضية المهمة جدا يستحق الرد والتعليق، والاتهامات لا تعني تورطها. نحن نعرف بثينة من وظيفتها، فهي مسؤولة إعلامية في بلاط الرئيسين الأسد، الراحل والابن الآن. وبالتالي أستبعد أن طبيعة مهامها تخولها لمثل هذه النشاطات، خاصة أن في نظام الأسد جهازا أمنيا ضخما مكلفا بالمؤامرات والاغتيالات.

لكن إن كان صحيحا أنها قد تورطت – بأي شكل من الأشكال – في مؤامرة الأسد الأخيرة ذات التهم بالغة الخطورة، فإن تفسيري الوحيد أن الأسد صار يتعمد توريط أكبر عدد ممكن من المحيطين به، حتى لا يفكرون غدا في الهرب والانقلاب عليه، وحتى يجعلهم شركاء مباشرين في جرائمه، وبالتالي عليهم الدفاع عن النظام حتى اللحظة الأخيرة.

بثينة كانت مترجمة ومسؤولة إعلامية في الخارجية، ثم انتقلت كمترجمة فمستشارة إعلامية في القصر الرئاسي، وهذا مكنها بكل تأكيد من الاطلاع على دقائق التفاصيل هناك، وصارت شاهدة مهمة على تاريخ الأسد الابن تحديدا. النظام السوري الحديدي القمعي يخاف كثيرا من الانشقاقات، خشية على أسرار الدولة ومنعا لانهيارها، ولا بد أن الأسد يشك في غالبية المسؤولين المدنيين بأنهم يتحينون الفرصة للهروب والانشقاق، مدركين أن النظام ساقط، ومستقبلهم مظلم. ولهذا فإن معظم المسؤولين تم وضع أقاربهم تحت الإقامة شبه الجبرية وأمام رقابة الأمن، يستخدمونهم وسيلة لردع المسؤول من الهرب.

خالد مشعل، مسؤول حماس، كان يقيم في دمشق وغادرها احتجاجا، وفي أعقاب انتقاده للنظام السوري قبل بضعة أيام قام الأمن بالاعتداء على مكتبه وأقاربه، آخرهم صهره، حيث نهب أزلام النظام بيته بقدسيا وحرقوه.

الراغبون في الانشقاق كثر، لكنه أصبح أكثر صعوبة، يدركون أن من يستطيع الهرب سينجو وتكتب له حياة جديدة. وقد شرح أحد المسؤولين العرب، من المهتمين بالثورة السورية، قاعدة التعامل مع رجالات ونساء النظام. قال: من استطاع الانشقاق إلى قبل يوم واحد من انهيار النظام، فسنفتح له أبوابنا، أما من ينشق بعد ساعة من سقوطه فلن يجد أحدا في استقباله.

والأسد يدرك أن من حوله انتهازيون. شخصيات كبيرة، مثل وزير خارجيته ومستشارته الإعلامية، قد يغادرون دمشق بلا عودة، وهم محل إغراءات كبيرة بالانشقاق، خاصة أنهم لم يتورطوا في القتل، وإن كانوا متورطين في التبرير له. وبالتالي، فإن نظام الأسد، الخائف على وحدة صفه، لا يستبعد أن يتعمد توريط كبار موظفيه في عمليات قذرة بأي شكل حتى لا يكون لهم مخرج منها.

وإلا فما الذي يجعل مسؤولة إعلامية طرفا في مؤامرة لقتل أشخاص، إن كان صحيحا أن هناك تسجيلات عليها؟ الأرجح أن النظام لم يكتف بالتآمر فقط على خصومه في لبنان بقتلهم، وإحداث شرخ وحرب أهلية، كما ظل يحذر بأن لبنان سيسقط إن سقط نظام سوريا، بل تآمر أيضا على رجالاته مثل ميشال سماحة، وربما ورط آخرين مثل بثينة شعبان.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى