صفحات العالم

مقالات تناولت جنيف 2

تجري الرياح بما لا تشتهي… «جنيف – 2»!

جورج سمعان

المستعجلون الذهاب إلى «جنيف – 2» سيصابون بخيبة أمل كبيرة، سواء عُقد أم لم يُعقد. لا معنى للمؤتمر الدولي ما لم يكن هناك اتفاق مسبق على نتائجه. اتفاق على تفسير واحد لبنود الخطة التي أقرتها الدول الكبرى في اجتماعها الأول في حزيران (يونيو) الماضي. هذا الاتفاق يبدو غائباً حتى الآن. لذلك، لم يحدد موعد المؤتمر الجديد بعد. ولم تحدد الأطراف التي ستشارك فيه. ولم يُعتمد تعريف واحد وواضح للحكومة الانتقالية «وصلاحياتها الكاملة». وهل تشمل المسائل العسكرية والأمنية؟ وأين موقع الرئيس بشار الأسد ودوره ودور رموز النظام. ومن يمثل المعارضة السياسية والعسكرية، بأطيافها الداخلية والخارجية التي تكاد تخسر قضيتها بتعدد رؤوسها وتشتتها مجموعات.

الحركة المحمومة استعداداً للمؤتمر الدولي تعميها هذه الأسئلة عن وقائع وحقائق وظروف استجدت منذ توافقت الدول الكبرى على «خطة جنيف». لقد دعا الأخضر الإبراهيمي، منذ انطلاق مهمته، إلى مبادرة دولية ينخرط فيها المتصارعون السوريون طوعاً أو رغماً عنهم. لأنه لمس عجز هؤلاء عن الجلوس إلى طاولة الحوار بحثاً عن تسوية. ومنذ ذلك التاريخ تغير الكثير مما فاقم الاستعصاء وعزّز اقتناع المتحاربين بالقدرة على الحسم العسكري… مهما طال الزمن. واتسعت جبهات الميدان إلى قوى الإقليم كلها، حتى بات شيئاً من الوهم أن يعتقد وزيرا الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف بأن الحكومة الانتقالية هي بداية الطريق إلى التسوية السياسية، أو بأن اختيار النظام وزير خارجيته وليد المعلم وتعويل الأميركيين على قائد «الجيش السوري الحر» اللواء سليم إدريس، ممثلين لبدء تطبيق بنود التسوية، هو الإنجاز الكبير!

التسوية التي يهندس لها الوزيران تبدو شبه مستحيلة. بعد كل هذا التشظي للبلاد والدمار والقتل والمذابح والتهجير، يخشى ألا يبقى مجال لقيام حكومة مركزية لئلا نقول دولة مركزية. ووسط هذا النهر من الدماء والأحقاد والتجييش المذهبي لن يكون سهلاً الحديث عن إعادة اللحمة إلى الجيش والأجهزة الأمنية. ولن تكون قوة حفظ السلام التي تعدها الأمم المتحدة، مهما كان حجمها، قادرة على فرض وقف النار أو ضمان الاستقرار. قد تستطيع الحفاظ على حدود الخريطة الديموغرافية الجديدة التي رسمتها الحرب الطاحنة، والتي تذكر بالدويلات الأربع التي رسم حدودها الانتداب الفرنسي في عشرينات القرن الماضي… والتي تشبه ما يخطو نحوه العراق حيث يبلور سنّته إقليمهم الذاتي، بعد كردستان، بعيداً من الحكومة المركزية «الشيعية». أي أن السوريين قد يجدون أنفسهم أمام أمر واقع لا مفر منه قد يدفع بهم مرغمين نحو نوع من الكونفيديرالية في أحسن الأحوال، ما لم تتحول البلاد إلى ما كانت عليه الصومال قبل سنوات تتوزع أنحاءها مجموعات متناحرة تعيث فيها دماراً وإرهاباً.

من هنا، تعاند أطياف واسعة في المعارضة الدخول في أي تسوية في الظرف الراهن قبل أن يتبدل ميزان القوى على الأرض، الأمر الذي يسهل التفاوض على تغيير النظام وليس رحيل رأسه فحسب. لأنها تدرك جيداً أن موسكو لا يعنيها بقاء الرئيس الأسد بمقدار ما يعنيها بقاء النظام. من هنا، إصرارها على عدم شمول صلاحية الحكومة الانتقالية المسائل العسكرية والأمنية، وتلويحها بتسليم دمشق منظومة صواريخ «إس 300» لتبقى لها الغلبة. لذلك، تستعد المجموعات المقاتلة لرفع وتيرة المواجهة في دمشق المرشحة للصعود في الأسابيع المقبلة، إذا قيض لها السلاح المطلوب، من أجل زعزعة أركان الدولة وتشتيت القوات النظامية وفرض شروط التسوية وعلى رأسها تنحي الرئيس والمجموعة التي تدير الحرب تمهيداً لانتقال سلمي للسلطة.

حتى الآن ليس ما يشير إلى تبدل سريع في الموقف الأميركي أو الأوروبي من موضوع تسليح المعارضة، أو فرض حظر للطيران أو إقامة ملاذات آمنة. لم تفصح واشنطن بعد عن سياسة جديدة حيال سورية. وإذا كانت هناك خطة مختلفة ليس ما يشير إلى سبل تنفيذها وتوقيت هذا التنفيذ، وإن كان بعضهم يتوقع ذلك مطلع الخريف، بعد أن تكون انتظرت عبور استحقاقات على رأسها «جنيف – 2» والقمة المتوقعة بين الرئيسين باراك أوباما وفلاديمير بوتين، والانتخابات الرئاسية في إيران، وقبل هذا وذاك التفاهم مع موسكو على عدد من الملفات. يتجاوز الأمر مسألة الجدال في مدى صدقية الرئيس الأميركي الذي لم ينفذ تهديده بعدما تجاوز الرئيس الأسد «الخط الأحمر». الأهم من ذلك بالتأكيد هو كيف يمكن أن تحقق الولايات المتحدة مصالحها في هذا الصراع، وأن تحدد الوسائل لتحقيق ذلك.

راعت واشنطن، منذ اندلاع الأزمة، موقف موسكو واعترفت لها بمصالحها في سورية. وتسلم لها بدورها في هذا البلد، يجيء ذلك في إطار الاسترتيجية التي أعلنها باراك أوباما مطلع السنة الأخيرة من ولايته الأولى. وجه الثقل الأميركي إلى المحيط الهادئ. من دون أن يقلل من اهتمام بلاده بالشرق الأوسط. أن يبالغ في مراعاة الموقف الروسي يعني الرهان على ثمن مقابل بدعم مواقفه في المواجهة مع الصين، وفي الملف النووي الإيراني. وليس آخرها التفاهم على مستقبل الأوضاع في وسط آسيا بعد الانسحاب من أفغانستان، إلى ملفات أخرى كثيرة.

لذلك، لم تنجح حتى اليوم كل المحاولات لدفع الرئيس أوباما إلى تغيير موقفه حيال سورية. لن يقدم على أي خطوة قبل جلاء صورة الصفقة التي يريد مع موسكو التي عرفت حتى الآن كيف تدير اللعبة وتفرض شروطها. فإذا كان «أصدقاء سورية» يستعد بعضهم جدياً لمد مجموعات محددة من المعارضة بالسلاح، أو الإعداد لمنطقة حظر جوي، فإن روسيا التي نفت قبل أسبوعين نيتها تزويد سورية بأسلحة متطورة، انبرت في الأيام الأخيرة للتلويح بصفقة صواريخ «إس 300». وهي بذلك تصيب أكثر من هدف بحجر واحد: تمارس ضغوطاً لمنع تسليح المعارضة أو إقامة ملاذات آمنة أو فرض مناطق حظر طيران. وتحذر إسرائيل من مواصلة غاراتها. كأن روسيا تنتقم من كل الأطراف، خصوصاً الإسلاميين المعتدلين والجهاديين الذين حولوا أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي ناراً تحت أقدام الاتحاد السوفياتي وعجلوا في هزيمته.

ولا تشكل الاعتبارات والوقائع والتطورات في الساحة الداخلية السورية وحدها عقبة في وجه نجاح «جنيف – 2». هناك اللاعبون الإقليميون الذي لا يمكن المهندسين الروسي والأميركي أن يفرضا عليهم ببساطة صيغة التسوية. ففي مقابل اندفاع إيران وحليفيها اللبناني والعراقي إلى الانخراط الميداني في الصراع دفاعاً عن النظام، لم تتوقف دول عربية وإقليمية أخرى عن الانخراط في الصراع أيضاً. وزراء خارجية السعودية والأردن وقطر ومصر والإمارات وتركيا حددوا، في اجتماعهم الطارئ مطلع الأسبوع الماضي، في أبو ظبي، موقف بلدانهم من التسوية. وعنوانه العريض أن لا مكان للرئيس الأسد ونظامه في أي تسوية. هذا الموقف العربي – التركي لا يواجه موقفي روسيا وإيران فقط، بل يوجه رسالة واضحة إلى الدول الكبرى لتدرك أنها لم تعد تملك حرية كاملة في فرض سياساتها ومواقفها وأجنداتها على الدول الإقليمية. أي أن المؤتمر الدولي العتيد سيضطر إلى التوقف أمام هذه المواقف الإقليمية. لا تجري الأمور ولن تجري كما كان يحصل أيام الحرب الباردة. والحرب الباردة التي يتحدثون عنها اليوم اختلفت شروطها وظروفها.

وليست إسرائيل بعيدة عما يجري خلف حدودها الشمالية. وجاءت غاراتها لتؤكد أنها معنية كغيرها بما يحدث. تغيرت سورية بالنسبة إليها. النظام الذي التزم الهدوء التام على حدودها منذ اتفاقية فصل القوات عام 1974 وحتى اليوم، باتت قواته إلى حد ما تحت رحمة الروس والإيرانيين خصوصاً الذين يمدونه بالمال والعتاد والرجال أيضاً. ويكفي هذا أن يُضاف كابوس إلى كابوس الجماعات المتشددة. أي أن قواعد اللعبة في الجولان باتت مختلفة. وهذا ما لا يمكن الدولة العبرية أن تتغاضى عنه. لا يمكنها التسامح حيال إرسال أسلحة إيرانية متطورة إلى «حزب الله» سواء من ترسانتها أو من الترسانة السورية. لا تريد تل أبيب أن تكون طرفاً في الحرب وإن كان خيارها المفضل هو بقاء النظام. لذلك، تكتفي بهذا المقدار من التدخل. لا تريد أن تكون شريكاً في تحديد مصير الأسد. وبعثت برسائل واضحة إلى دمشق بهذا المعنى. لكنها ترى إلى نفسها معنية، مثلها مثل الدول الكبرى بعدم سقوط سورية في أيدي «جماعة النصرة» وما شابهها من قوى. إضافة إلى كونها معنية بعدم تحولها قاعدة ثالثة متقدمة لإيران في المنطقة، بعد لبنان والعراق!

أما حديث دمشق وطهران و «حزب الله» عن فتح جبهة الجولان فلا يلقى لدى إسرائيل آذاناً صاغية أو يحرك هواجس ومخاوف. ونصيبه من التنفيذ نصيب التحذير الذي أطلقه رئيس الأركان الإسرائيلي بني غانتس من خرق الحدود الشمالية، معتبراً أن ذلك يشكل خطاً أحمر. لا يبدي أي من هؤلاء الأطراف استعداداً لخوض حروب جانبية، أو لخرق اتفاقي وقف النار القديم (1974) والجديد (2006).

الحياة

واشنطن وإشكاليات جنيف 2

بشير هلال *

ليس نمط المعالجة الأميركية للملف السوري معتاداً من قوةٍ كان أعداؤها يعتبرونها حتى وقت قريب التجسيد الحي للأحادية القطبية. نمطٌ يكاد يصبح جزءاً من المشكلة.

ثمة أدلة جديدة على ذلك كل يوم وآخرها «اتفاق» جنيف ٢ الذي انعقدت قبضتا كيري ولافروف المازحيْن خلال إعلانه في موسكو ليتحول بعد أيام قليلة إلى مجرَّد مشروعٍ في حاجة إلى اتفاق آخر على تحضيراته ذات الطابعين الإجرائي والسياسي. كأنما رحلة كيري إلى موسكو واجتماعه بالعرَّاب القيصري المُسَفْيَت بوتين كشفت للأخير أن نظيره الأميركي يتصرَّف بمنطق الطرف الذي لا يملك سياسة تعادل قوته الاصطلاحية المُعلَنَة فقرَّر طلب المزيد من التنازلات.

وخلال بضعة أيام انهالت الأنباء المُحرِجَة على واشنطن. المؤتمر الدولي يصعب عقده قبل نهاية هذا الشهر وفق مصدرٍ روسي «لوجود عدد كبير من النقاط الخلافية»، كما «أن تحديد إطار زمني أمر مبكر جداً». إنه أمر صعب وليس واقعياً» وربما يجب انتظار لقاء الرئيسين أوباما وبوتين في إرلندا الشمالية منتصف الشهر المقبل باعتباره سيكون «حاسماً على طريق تذليل المسائل الخلافية ووضع خريطة طريق مقبولة من الجانبين لتسوية الملف السوري». وساهم النظام في تأكيد جوهرية الخلافات بتصريح وزير إعلامه في اليوم التالي بأن «مسألة الرئيس وشكل الحكم والدستور هي في جوهر وصلب ومفهوم السيادة الوطنية والذي يقرر من هو رئيس البلاد وما هو شكل الحكم وكيف تجرى العملية الداخلية هو الشعب السوري وصناديق الاقتراع فقط»، مُضيفاً أن مشاركة الحكم في المؤتمر «رهن بمعرفة التفاصيل والتطورات» وأن الذهاب نحو حل سياسي لن يوقف في الوقت نفسه «مواجهة الإرهاب أيضاً».

في هذه الأثناء انكشف قرار موسكو اعتزامها تسليم النظام الأسدي صواريخ إس 300 على رغم التطمينات التي تلقاها النظام من تل أبيب بأن الغارتين اللتين نفذتهما ضد منظومتي الصواريخ والكيماوي قرب دمشق لا تستهدفانه بالذات بل إنهما لمنع محاولة نقل قسم من أسلحتهما إلى حزب الله.

وعلى رغم قول البعض إن قرار موسكو لن يتعدى مرحلة الضغط الإعلاني فهي لم تتراجع عنه بمعزل عن تصريح كيري الذي اعتبره مُزعزِعاً للاستقرار في المنطقة والزيارة العاجلة التي قام بها نتانياهو لبوتين في سوتشي. وكان التطمين الوحيد الذي تلقاه الطرفان أشبه باستعراض قوة: فالصواريخ «لن تنتقل إلى حزب الله لأنها ستكون تحت رقابة روسية». ما يعني أنه سيكون بيد موسكو متى شاءت تنفيذ قرارها التحكم النسبي بثلاثة من عناصر «الأزمة السورية»:

أولها، محتوى العلاقة القديمة المُركبة بين إسرائيل والنظام الأسدي وتحويلها إلى علاقة ثلاثية.

ثانيها، مشاطرة النظامين الأسدي والإيراني تعيين حدود تسلح وتحرك حزب الله بعدما بسطت عليه موسكو مقداراً من الحماية انعكس في لقاء بوغدانوف الطويل بالسيد نصرالله واحتفائه به.

ثالثها، تصعيب وتضييق السيناريوات الأطلسية المحتملة إذا فشلت محاولة التسوية.

المفارقة أن مشروع «جنيف 2» يثبت أن رهان أوباما الأساسي والوحيد كان ولا يزال «الشراكة» مع موسكو في الملف السوري حتى حين لا تفعل الأخيرة غير مراكمة المرابح المجانية الناجمة عنه من دون تقديم أي تنازل. الأسوأ أنه كشف أن تهديد وزير خارجيته خلال الأشهر الأخيرة بدعم المعارضة لـ «تغيير الحسابات على الأرض» ودفع النظام للتفاوض الجدي لم يكن سوى مناورة إعلامية لامتصاص زيادة الطلب الداخلي والخارجي على مثل هذا الدعم واستدراج تغير روسي لا يأتي. الأمر الذي شجَّع النظام وحلفاءه بمن فيهم روسيا على تنسيق هجوم مضاد متواصل زُوِّد وسائلَ وقيادة عمليات وعناصر إضافية وسط صمت واشنطن عن تجاوز «الخطوط الحُمر» التي وضعتها بنفسها متذرعة تارةً بنمو القوى الجهادية العائد جزئياً إلى غياب رد دولي على التدمير والمجازر المنهجية المُطيّفة للنظام وتارة أخرى بأخطار التدخل العسكري الذي يستلزم وفق بايدن نائب الرئيس ١٦٠ ألف جندي وألف مليار دولار و٦٠٠٠ قتيل. في حين أن الموضوع لا يدور حول التدخل العسكري بل على تزويد المعارضة بالسلاح وهو أمرٌ كانت نصحت به مؤسسات وشخصيات مختلفة في الإدارة نفسها.

عندما تقول «واشنطن بوست» إن كيري بدل القيام بالخطوات اللازمة لتحويل الاتجاه ضد الأسد «يسرع نحو عقد مؤتمرٍ للسلام بالتعاون مع روسيا قبل تطبيق أية ضغوط جادة»، فذلك لتدل من جهة على عدم التطابق بين الأقوال والأفعال وبين الإمكانات والسياسات ومن جهة أخرى على عوامل الفشل المرجح للمؤتمر العتيد في تحقيق تسوية سياسية تتشكل بموجبها حكومة انتقالية لها كامل الصلاحيات ولا يشترك فيها الأسد. فالشروط الميدانية والسياسية غير متوافرة بل العكس يكاد يكون صحيحاً بسبب غياب الدعم بالسلاح أو بحماية المدنيين عبر إقامة مناطق عازلة و/ أو مناطق حظر جوي ووضع المعارضة المتمثل بالتجزؤ العسكري والتنظيمي وزيادة الأسلمة وصعوبة إدارة المناطق المحررة وسط تصعيد هجمات النظام ووسائله التدميرية ووزن النزوح الداخلي واللجوء إلى دول الجوار. بهذا المعنى، فإن «إنجاح» المؤتمر في الشروط الراهنة – وضمنها تدخل موسكو وطهران وحلفائهما – لا يبدو ممكناً إلا في حالة إلزام المعارضة قبول تراجعاتٍ تؤدي إلى زيادة انقساماتها وانفضاض حاضنتها الشعبية وتعويم هياكل النظام، سواءً أُنقِذَت رؤوسه أو جرى التضحية بقسم منها أو استدامة الصراع وتحويله حرباً طائفية – تفتيتية تشكل خط الدفاع الثاني للنظام.

والحال أن دولاً مثل فرنسا وبريطانيا تبدو منزعجة من استبطان سياسة أوباما السورية تراجعات فعلية وتمارس نقداً غير مباشر لها ذروته تأكيد الرئيس الفرنسي «أن حل النزاع السوري لا يمكن أن يقوم به بلدان فقط».

في لقائه أخيراً برئيس الحكومة التركية أعاد أوباما كعادته منذ صيف 2011 التشديد على ضرورة رحيل الأسد ونقله السلطة إلى حكومة انتقالية، وأكَّد «للمرة الأولى» استعداد إدارته لاتخاذ «خطوات لتقوية قدرة المعارضة على الأرض والتي تحارب للدفاع عن نفسها». فهل يلقى تأكيده هذا مصيراً أفضل من تصريحات وزير خارجيته أم يكون مع مشروع جنيف 2 مهلة إضافية للنظام؟

* كاتب لبناني

الحياة

جنيف والخطيب المبادر

رند صباغ

 يعود معاذ الخطيب الرئيس المستقيل للائتلاف السوري المعارض الى واجهة الحدث. يتجاوز المبادرة التي كانت سبب طلوع نجمه في البداية، لتأتي مبادرة ثانية “فردية” أيضاً، بالتزامن مع اجتماع الائتلاف لانتخاب رئيسٍ بديلٍ عن الخطيب، والتحضير لمؤتمر جنيف2. لا أحد يعلم على ماذا يعول الخطيب في هذا الطرح، فهل من ضماناتٍ أتته من أية جهةٍ كانت؟ ام أنها “مبادرة فردية” تحاكي مبادرته الأولى؟ رغم أنها تبدو أكثر نضجاً في تفاصيلها إلا أنها تفتقد لما افتقدت إليه الأولى في إيجاد قاعدةٍ حقيقيةٍ لتطبيقها على الأرض وإيجادها الطريق إلى توافقٍ بين المعارضة أسوةً بالنظام.

يطالب الخطيب الرئيس الأسد بإعلان قبوله الانتقال السلمي للسلطة خلال عشرين يوماً من إطلاق المبادرة، وتسليم كافة صلاحياته لنائبه فاروق الشرع أو رئيس الوزراء وائل الحلقي، وهو ما يمكن تصنيفه بالابتعاد عن الواقع، حيث ما زالت النقطة الإشكالية الأساسية في تنظيم مؤتمر جنيف والتمهيد لقبول الأطراف له متمحورةً في وجود الأسد وعدمه،علما بان الاخير اعلن نيته الترشح لولاية رئاسية جديدة في انتخابات 2014.

أما البند الثاني للمبادرة فيتضمن المطالبة بحل مجلس الشعب ونقل صلاحياته التشريعية بالإضافة إلى التنفيذية المتمثلة بالحكومة للشخص المكلف بصلاحيات رئاسة الجمهورية ، لتمنحه المبادرة مدة شهرٍ من القبول لينهي عمليات تسليم الصلاحيات كاملة، فيما  تستمر الحكومة الحالية بعملها بصفة مؤقتة لمدةً حددها الخطيب بمئة يوم من تاريخ التسليم، وهي المدة عينها التي يحددها للحكومة الحالية لإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والعسكرية.

البند الذي يتوافق مع رؤية البيان الختامي لمجموعة أصدقاء سوريا الصادر الأربعاء في عمان، والذي اشار إلى أن أية حكومةٍ انتقالية يجب أن تكون لها سلطة على الجيش والسلطات التنفيذية التي بيد الأسد، بالتأكيد على عدم لعب الأسد لأي دورٍ مستقبلي في البلاد.

لكن الخطيب يضيف  إلى مطالبه مغادرة الأسد البلاد برفقة خمسمائة شخص يختارهم مع أسرهم وأطفالهم إلى أي بلدٍ يرغب باستضافتهم، دون تقديم أية ضماناتٍ قانونية للمغادرين كون الأمر من اختصاص مجلس النواب، فيما يدعو الأمين العام للأمم المتحدة الى تكليف وسيطٍ دولي يشرف على المرحلة المؤقتة في البلاد والالتزام بها، ورعاية عملية انتقال السلطات.

من جانب آخر، دعت المبادرة إلى إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين في السجون والمعتقلات السورية فور قبول المبادرة وتحت إشرافٍ دولي، واتخاذ كافة الإجراءات لضمان عودة المهجرين، حيث تكون الأراضي السورية مفتوحة بأكملها لكافة أنواع الإغاثة الإنسانية والمحلية والدولية، مشيراً إلى أن العفو يشمل كل من قام بأعمال تعتبر من الأعمال العسكرية المشروعة في القوانين الدولية زمن الحرب، فيما تعتبر الأوامر بقتل واستهداف المدنيين والتعذيب والاغتصاب والاختطاف أعمالاً إجرامية، تخضع مرتكبيها للقوانين الجنائية المحلية والدولية.

مسارات جنيف2 ما زالت ضبابية، فمبادرة الخطيب التي تطالب الأسد بالرحيل السلمي بأسلوبٍ واضحٍ وممنهج، تدعمها وتحاكيها وإن كان بشكلٍ منفصل قرارات الإحد عشر صديقاً، الذين أكدوا أن الأساس في أي حل سياسي يقوم على تشكيل حكومةٍ انتقاليةٍ في إطار زمني يتم الاتفاق عليه لتتسلم مهامها وسلطاتها الكاملة، بما في ذلك الرئاسية منها، بالإضافة إلى السيطرة على جميع القوات المسلحة والأجهزة الامنية والمخابرات، من خلال اتفاقٍ وإطار زمنيٍ لمرحلة انتقالية محددة.

 هذا التوافق في الإطار العام في الطرح قد يصطدم بتفاصيل اعتاد المراقب عليها وقد تظهر جليةً إثر انتهاء اجتماع الائتلاف السوري المستمر مدة ثلاثة أيام. أما في القاهرة فانتهى اجتماع اللجنة الوزارية العربية حول سوريا بالتوافق على بعض العناصر التي ستساهم في إنجاح مؤتمر جنيف2، ومن بينها وقف إطلاق النار تمهيدا للحوار بين الأطراف.

لكن الاجتماع الذي عقد في غياب وزراء خارجية العراق والسودان والجزائر، والذي شابته خلافات لم يفض إلى المؤتمر الصحافي الذي كان مقرراً. وكلف رئيس اللجنة حمد بن جاسم آل ثاني رئيس وزراء قطر ونبيل العربي الامين العام للجامعة العربية، بعرض العناصر المساهمة في انجاح “جنيف” على الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن الدولي والاخضر الابراهيمي.

وقررت الامانة العامة للجامعة العربية عقد اجتماع جديد على مستوى وزراء الخارجية يوم 5 يونيو/حزيران المقبل لمناقشة ما تم التوصل اليه في الاجتماع الطارئ للجنة الخاصة بسوريا، وحسم الخلافات بشأن بعض المسائل المتعلقة بمشاركة الجامعة في مؤتمر “جنيف 2” المرتقب.

ورغم كل ما يظهر من تضاربٍ في الشروط بين طرف النظام وحلفائه وطرف المعارضة وحلفائها، إلا أن الإيجابي يبدو في اتفاق الأطراف كافة على المشاركة، وإن كانت الخطوات غير واضحة، بدايةً من خطوة عقد المؤتمر عينه، وصولاً إلى اتفاقٍ سلميٍ أو سياسي صار أقرب في طريقة الخطاب وأبعد في الواقع على أرض المعركة السورية.

السياسة حيث عجزت القوة؟

    سميح صعب

على رغم الاهمية التي يكتسبها قبول الاطراف السوريين بالاحتكام الى منطق الحل السياسي في المرحلة المقبلة وترجمة ذلك بانعقاد مؤتمر جنيف – 2 في حزيران المقبل، فإن الخروج من منطق الحرب والرهانات على الحل العسكري قد يستغرق وقتاً طويلاً كي يترسخ.  وحتى لو قيض للمؤتمر ان يبدأ، لن يكون من قبيل المبالغة القول ان وجهة المعارك هي التي ستحدد وجهة هذا الحل. وعليه سيبقى الميدان متحكماً بوجهة المفاوضات، اقله في المرحلة الاولى من الحوار.

والاندفاع الذي حققه الجيش السوري في الاسابيع الاخيرة كان جزءاً من تعزيز الاوراق لدخول الحل السياسي من موقع القوة وليس من موقع الدفاع عن النفس، لأنه في الحال الثانية  كانت  الحكومة السورية ستجد صعوبة في الدفاع عن مواقفها في نزاع لم يعد نزاعاً داخلياً  صرفاً، بل تتشابك فيه المصالح الاقليمية والدولية بصورة ليست خافية على احد.

لذا من المرجح ان يستغرق الحل  السياسي وقتاً كي يتبلور، إذ ان هناك مطالب المعارضة السورية، مضافة اليها مطالب الدول العربية وتركيا ومن خلفها اوروبا والولايات المتحدة. وفي المقابل روسيا وايران حاضرتان بقوة. وكل هؤلاء الاطراف سيحاولون ان يحصلوا من طريق المفاوضات على ما فاتهم من طريق القوة. فالمعارضة والعرب وتركيا والغرب يريدون تحديد نتيجة المفاوضات قبل ان تبدأ  وخصوصاً القول بان الرئيس بشار الاسد يجب ان يتنحى بنتيجة الحوار. وهذا ما ترفضه روسيا وايران وتصران على ان الحوار يجب ان يبدأ من دون شروط، وان مصير الاسد يجب ان يترك للشعب السوري كي يقرر فيه.

واذا ما امكن تجاوز هذه العقدة وجلس الاطراف الى طاولة الحوار، فإن ذلك يمكن ان يكون بداية النهاية للأزمة السورية ليس إلا. ولكن كم يمكن ان تستغرق عملية التوصل الى اتفاق، فإن ذلك رهن بعوامل كثيرة بينها تطور العمليات العسكرية في هذا الاتجاه او ذاك، لينشأ تلازم بين السياسة والميدان. والدول الداعمة لهذا الطرف او ذاك لن تتخلى بين ليلة وضحاها عن الطرف الذي تدعمه وقبل ان تحصل بدورها على ما يضمن مصالحها في الحل المرتقب، الامر الذي من شانه ان يطيل العملية السياسة لا ان يعجل فيها.

ولن يعدو الدخول الى المؤتمر الدولي كونه حلقة اخرى من حلقات  الصراع على سوريا بالوسائل الديبلوماسية بعدما كان الصراع مقتصراً على استخدام القوة حتى الآن من اجل نقل سوريا من موقع الى موقع على الخريطة الجيوسياسية للمنطقة. وقد عجزت القوة عن تحقيق هذا الهدف، فماذا عن الديبلوماسية؟

النهار

لماذا جنيف – 2؟

غازي العريضي

بعد أيام من الدعوة الأميركية – الروسية لعقد مؤتمر جنيف-2 لإيجاد حل للأزمة السورية، بدأت المواقف والتصريحات من جهات عدة، تشكك بفرص نجاح المؤتمر. ورغم الاهتمام بموقف النظام السوري وشروطه لقبول الدعوة، وموقف المعارضة وشروطها المضادة، والنقاش الدائر حول الدول التي يجب أن تشارك في المؤتمر، فإن الأنظار ذهبت إلى اتجاه آخر. إذ، من المفترض أن يكون الهدف، تشكيل حكومة انتقالية لها كامل الصلاحيات لإدارة المرحلة الانتقالية في سوريا، تمهيداً للاتفاق النهائي، والذي بنتيجته يتقرر بقاء الرئيس السوري أو عدم بقائه في السلطة. لكن التركيز في الأيام الأخيرة كان على «الإرهاب» والإرهابيين و«المتطرفين» الأمر الذي أفاد النظام. وخلق مخاوف كثيرة وكبيرة عند المعارضة بكل أطيافها والدول الداعمة لها.

الإعلام الغربي ركّز كثيراً على صورة المقاتل من جبهة «النصرة» الذي سحب قلب جندي سوري نظامي وهمّ بأكله. الصورة مرعبة ومستفزة. وتركت أثراً سلبياً وأعطت فكرة بشعة عن المعارضة. صورة أخرى ظهرت يبدو فيها مقاتل آخر من النصرة يعدم مواطنين قيل أنهم جنود نظاميون. أميركا وضعت جبهة «النصرة» وقائدها أبو محمد الجولاني على لائحة الإرهاب. ثم ظهر من هو أكثر تطرفاً منه كما قيل وهو أبو بكر البغدادي الداعي إلى إقامة «دولة العراق الإسلامية» وبدأ يستقطب مجموعات من «النصرة» وغيرها حوله!

وزير الداخلية الألماني أعلن بوضوح أن سوريا تحولّت إلى معسكر لتدريب الجهاديين. «وإن ما يتراوح بين 600 و 700 إسلامي خرجوا من أوروبا للمشاركة في الحرب السورية وهو ما يمثل نسبة 10 في المئة تقريباً من مجموع المقاتلين الأجانب»!

وحذّر من «التهديد الذي يمثله الإسلاميون الألمان المشاركون في الوقت الراهن في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا مشيراً إلى أن نحو «30 إسلامياً ألمانياً موجودون هناك ».

وتجدر الإشارة إلى أن وفداً مخابراتياً ألمانياً زار سوريا للمرة الثالثة خلال الأيام الماضية للتشاور والتنسيق حول هذا الموضوع!

رئيس الحكومة التركية وبعد زيارته واشنطن، بدأ يتحرك والقلق يرافقه من تنامي دور «جبهة النصرة »، «والمتطرفين» على الأرض السورية. معلومات قالت، إنه يستعد لمواجهة «النصرة»، بعد أن كان قد أعلن أن أميركا استعجلت في إدراج اسم الجبهة على لائحة الإرهاب! فضلاً عن ذلك، ضرب الإرهاب، منطقة الريحانية. صحيح أن الموقف الرسمي التركي أتهم سوريا. لكن الأمر ترك آثاراً سلبية كبيرة على الوضع الداخلي التركي، وعلى موقف الحكومة وسياستها. لقد أصبح الموضوع السوري موضوعاً تركياً داخلياً بامتياز وأخذ بعداً مذهبياً. ثمة تحركات في الأوساط العلوية والتركية تطالب الحكومة بحل المسألة العلوية والتركيز عليها كما تم التركيز على المسألة الكردية. معارضو الحكومة ذهبوا إلى التساؤل عن وجود مذكرة استجواب مهملة منذ 3 أشهر تتهم وزير الدفاع « بطرد 800 عسكري علوي من الجيش لأسباب وحجج واهية. ومعظم القيادات العسكرية التي تم سجنها أو إقصاؤها عن الجيش متهمة بالانتماء إلى تنظيم انقلابي من العلويين».

وفي المقابل تستمر عمليات التطهير العرقي المتبادلة. نفذها النظام في بانياس مؤخراً والقصير ومحيطها وردّت فصائل معارضة بعمل مماثل في ريف حماه. فريق يطهّر مناطق من الوجود السُنّي وآخر يطهر مناطق أخرى من الوجود العلوي! وحالات التطرف و«الإرهاب» تنمو وتكبر، وإنْ كان التركيز في هذا المجال في الغرب خصوصاً يقع على المنظمات المعارضة للنظام وليس على النظام بشكل واضح مع انتقادات توجّه لقواته. حتى وصل الأمر بالبعض إلى الحديث عن أن جنيف -2 سيكون، بل يجب أن يكون لضبط المتطرفين، فيما كان الهدف حلاً سياسياً وحكومة انتقالية لا وجود للأسد فيها في نظر الغرب!

اليوم، الحرب في سوريا حرب الحروب. حروب الدول والأمم والمخابرات والاتجاهات المختلفة. يمكن أن تطلق عليها كل الأوصاف نظراً للتجارب السابقة والحالية في دول أخرى. سوريا تتجه، نحو:«اللبننة»، «العرقنة»، «الصوملة»، «الأفغنة»، وكل هذا يركّز على الممارسات «الإرهابية» التي لا تريدها أميركا ويخشاها الغرب وبالتأكيد تستند إليها موسكو لتأييد النظام ومنع سقوطه، لتدخل إسرائيل على الخط مؤخراً، وتقول بلسان أكثر من مصدر فيها «بقاء الأسد أفضل من حكم المتشددين». «شيطان تعرفه أفضل من شياطين لا تعرفهم»… وهكذا دواليك. تركت الأمور منذ البداية تتفاعل حتى وصلت إلى هذه الحال، والتي يستفيد منها النظام، ولكن سوريا كل سوريا تدمّر، وتطلق التوصيفات التي ذكرنا على الواقع الحالي. أميركا رفضت دعم المعارضة. تنتظر قيام معارضة مدنية سلمية حضارية تقاتل نظاماً مدججاً بكل أنواع الأسلحة وله كل وسائل وطرق الدعم والإمداد. في الفترة الأخيرة، قالت أميركا إنها ستقدم سلاحاً غير فتاك، غير قاتل، سلاحاً ناعماً، هي السياسة الناعمة في المواجهة، بل سياسة النعومة في المواجهة. بل سياسة النعامة التي تدفن رأسها في الرمال! اللعبة مكشوفة من الأساس وخطيرة والشعب السوري يدفع الثمن وكل المنطقة سوف تدفع الثمن وهذا ما يخدم إسرائيل. وبعد فترة قد تلجأ أميركا إلى استخدام الطائرات من دون طيار لتعقب عناصر «القاعدة» و«دولة العراق الإسلامية» و«النصرة» تماماً كما يحصل في اليمن وباكستان وأفغانستان وغيرها.

كثيرون راهنوا على دور أميركي، وتدخل أميركي وغربي ضد النظام، سيرون تدخلاً ضد الإرهابيين. وكل هذا يخدم وجهة نظر النظام وحلفائه!

هل ثمة من يريد أن يتعلّم؟ والرئيس السوري يقول «نحن نقاتل الإرهاب. الشعب السوري يقرر من يبقى ومن لا يبقى في الحكم، سأترشح للانتخابات الرئاسية، ولن أنسحب وأنا قبطان السفينة ولست أنا من يهرب»!

نعم، سيترشح الأسد، وسينتخب رئيساً إذا استمر الوضع على ما هو عليه ولن يفيد بعد ذلك لا جنيف 2 – ولا جنيف 3 – ولا 4… ولا غيره.

الوقائع هي التي تفرض نفسها على الأرض، وينبغي الإشارة إلى وقائع جديدة سنراها على حد قول نائب رئيس الأركان الإيراني، وفي كلام مكمـّل لما قاله الأسد، والأمين العام لـ«حزب الله»، وعدد من المسؤولين الإيرانيين «ثمة مساعٍ حثيثة لتشكيل قوات عسكرية تتولى حماية ما يوصف بالمراقد والمقامات المقدسة للشيعة».

«المنطقة مقبلة على متغيرات سيمـّر جزء منها في هضبة الجولان. وتحريرها ليس بالأمر المتعذر. وهذا الأمر يمكن أن يحصل خلال أشهر وسنشهد تغيراً جذرياً».

صفقة أميركية ـ روسية لتسوية غير ناضجة بعد حول سوريا

  صالح بكر تيار

توصل الأميركيون والروس الى اتفاق يقضي بتنظيم مؤتمر دولي للحوار بين النظام السوري وأطراف المعارضة سيتم عقده في جنيف خلال شهر حزيران / يونيو في وقت تدور معارك على أشدها داخل سوريا من أجل ان يتمكن كل فريق من تحقيق أي انتصار يمكن له ان يعزز من موقفه في جنيف 2. وبموجب الأتفاق تولت واشنطن التواصل مع المعارضة السورية في الخارج لدعوة قادة بصفتهم الشخصية فيما تولت موسكو دعوة قادة من معارضة الداخل والتنسيق مع الرئيس بشار الأسد لتسمية من يمثل النظام من شخصيات لا تشكل استفزازاً لأحد. ويبدو ان واشنطن قد تراجعت عن شرطها السابق الذي كانت تربط بموجبه مشاركة النظام مقابل اعلان الرئيس بشار الأسد عن استعداده للتنحي وتسليم زمام الأمور الى حكومة موقتة رغم التصريحات النارية التي يطلقها الرئيس باراك اوباما وتلك التي تصدر من وقت الى آخر عن وزير خارجيته جون كيري والتي لا تعكس حقيقة ما يجري وراء الكواليس. ويبدو ايضاً ان موسكو تراجعت عن التمسك ببقاء الرئيس الأسد وأقنعت واشنطن بأن هذه المسألة تعود الى الشعب السوري.

وإنعقاد مؤتمر الحوار لا يعني على الأطلاق ان ازمة سوريا قد انتهت بل هو بداية مشوار صعب وعقيم ومليء بالأفخاخ لأن الملف السوري لم يعد ملك النظام والمعارضة بل هناك مصالح دولية وأقليمية، ولكل منها حساباتها الخاصة بها. وبمعنى آخر ان اطراف الحوار ستجد نفسها منقسمة بين محورين أحدهما تقوده أميركا ومن معها ، والآخر تقوده روسيا ومن معها دون وجود لأي طرف محايد توكل اليه مهمة تقريب وجهات النظر او تدوير الزوايا. والذي دفع بواشنطن وموسكو الى عقد التسوية هو وصول هاتين العاصمتين الى قناعة مفادها أن لا النظام السوري ولا المعارضة قادر على حسم الأمور لمصلحته، وأنه كلما طال عمر الأزمة السورية كلما امتدت شراراتها الى دول أخرى مثل تركيا وإسرائيل والأردن ولبنان والعراق إضافة الى بعض دول الخليج العربي وإيران. ومن المؤكد ان الأزمة السورية ليست الوحيدة التي دفعت بموسكو وواشنطن الى التفاهم، لا بل هناك ملفات أخرى قد تكون قد جرت مقايضة بشأنها مثل الملف النووي الإيراني، وملف السلام في الشرق الأوسط، وملف كوريا الشمالية وغيرها والتي ستتضح أبعادها في وقت لاحق. وطبعاً لن يكون هناك في سوريا رابح لا من النظام ولا من المعارضة وستكون سوريا كبلد، وسوريا كشعب هما الخاسر الأكبر في ظل الحديث عن سقوط ما لا يقل عن 100 الف قتيل وأضعاف ذلك من الجرحى، وتدمير كل البنى التحتية ومعظم المدن والقرى التي يقال ان اعادة بنائها تتطلب رصد اكثر من 200 مليار دولار. ومن المرجح ان تنتهي التسوية في سوريا الى ما انتهت اليه في لبنان بعد نشوب حرب أهلية لمدة 15 سنة، أي الى توزيع السلطات على أسس طائفية بحيث قد تبقى الرئاسة الأولى للعلويين مع سحب بعض الصلاحيات منها. ومنح رئاسة الحكومة للمعارضة السنية، ومنح رئاسة البرلمان للطائفة المسيحية. وذلك قد يستدعي ايضاً توزيع الوظائف في المرافق العامة بحسب نسبة التعداد السكاني لكل طائفة او مذهب .كما من المرجح ان تفرض على سوريا شروط إعادة هيكلة القوى الأمنية لجهة تحجيم عديد الجيش، وإلغاء بعض الأجهزة المخابراتية، وتدمير ترسانة الأسلحة الكيماوية في حال وجودها. والحل طبعاً ليس غداً، فالتسوية تحتاج الى مؤتمرات ولقاءات وقمم، وبإنتظار ان تنضج كل هذه الأمور سيسقط المزيد من ابناء الشعب السوري، وسيتم تدمير المزيد من القرى والمدن.

() رئيس مركز الدراسات العربي الاوروبي

المستقبل

الحل السوري بين تردّد أوباما وتعنّت بوتين

رياض طباره

من الواضح أنّ اجتماعات أصدقاء سوريا، كأداة أساسية للسياسة الدولية، بدأت تتلاشى لمصلحة الاجتماعات الثنائية الأميركية الروسية وتلك التي تدور في فلكها.

بدأت سلسلة الاجتماعات الأولى في تونس في شباط 2012 تبعها اجتماع بعد شهرين (نيسان) في اسطنبول وبعد ثلاثة أشهر في باريس وبعد خمسة أشهر في المغرب ثم في الأردن.

من جهة أخرى، بدأت تتكثف الاجتماعات الثنائية ابتداءً بزيارة مستشار الأمن القومي الاميركي توم دونيلون الى موسكو في منتصف نيسان الماضي، تبعتها بعد ثلاثة أسابيع زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري الى موسكو أيضاً، ثم زيارة رئيس وزراء انجلترا دايفيد كاميرون، وزيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، كلاهما الى واشنطن في 13 و16 من أيار تباعاً. وتسعى أميركا لعقد اجتماع دولي في أوائل حزيران يجمع مندوبين عن النظام السوري والمعارضة قبل اجتماع الدول الثماني الكبرى في انكلترا في 17-18 حزيران الذي سيشهد اجتماعاً جانبياً بين أوباما وبوتين. كل هذه الاجتماعات تعتبر تحضيرية لاجتماع القمة بين الرئيسين أوباما وبوتين في أيلول المقبل في موسكو الذي تعلق عليه الآمال لإيجاد اتفاق حل بين العملاقين للحرب في سوريا.

مضى على هذه الحرب أكثر من سنتين ذهب خلالها 80,000 قتيل، حسب الإحصاءات «الموثقة» لـ«المرصد السوري لحقوق الإنسان» في لندن وأكثر من 100,000 حسب الرأي السائد، ولم تتحرك الولايات المتحدة بشكل جدي، إلا مؤخراً ولو بخجل، لحل هذه النكبة الكبيرة التي حلت بالسوريين، وذلك برغم الضغوط المحلية والدولية التي تمارس على الرئيس أوباما. فبعد أن اعترف جون كيري لأعضاء في مجلس الشيوخ في اجتماع مغلق في 25 نيسان الماضي بأنّ النظام السوري استعمل أسلحة كيماوية في حربه على المعارضة، قام عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الفاعلين من الحزبين الجمهوري (أمثال جون ماكين) والديموقراطي (أمثال كارل لفني رئيس لجنة القوات المسلحة) بتذكير أوباما بالخط الأحمر الذي وضعه بالنسبة لاستعمال هذه الأسلحة، طالبين القيام بسلسلة إجراءات منها تسليح المعارضة وقلب موازين القوى على الأرض لمصلحتها. وقد قام عضوان في مجلس الشيوخ، جمهوري وديموقراطي، مؤخراً بتقديم مشروع قرار يطلب من أوباما اتخاذ إجراءات أكثر حسماً بالنسبة لما يحصل في سوريا، بما في ذلك تسليح المعارضة. أضف الى ذلك الضغوط الخارجية. ففي ختام زيارته الأخيرة لأوباما قال كاميرون «إنّ تاريخ سوريا يُكتب اليوم بدماء شعبها وهذا يحصل خلال عهدنا». وكان يعني طبعاً عهد أوباما قبل أي شخص آخر، لأنه من الواضح أنّ أميركا هي الوحيدة بين دول الغرب التي تستطيع أن تغير مجرى الأحداث في سوريا. أما زيارة أردوغان لواشنطن فكانت أوضح لجهة مطالبة أوباما بالتدخل، إذ طلب أردوغان بأن تساند أميركا منطقة حظر للطيران السوري وأن تساعد «الجيش الحر» عسكرياً، خاصة بعد التفجيرات التي حصلت في منطقة ريحانلي في تركيا قريباً من الحدود السورية.

برغم كل هذه الضغوط فإنّ أوباما لم يتحرك بل تراجع كلامياً خاصة فيما يتعلق بالخط الأحمر الذي وضعه لاستعمال السلاح الكيماوي. فبعد أن حصل اقتناع في الإدارة الأميركية، في وزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية بالتحديد، بأنّ النظام في سوريا استعمل سلاحاً كيماوياً مرتين على الأقل، قال أوباما إنّ أميركا ستتحرك إذا ما تمّ استعمال هذا السلاح «بشكل منهجي»، وظل يردد بأنه يريد أن يكون متأكداً مئة في المئة قبل أن يقوم بأي تحرك فعال إذ أنه لا يعلم بعد «متى وأين ولماذا» استعمل هذا السلاح.

لماذا كل هذا التردد، رغم كل الضغوط؟ يعزو كثيرون من المعلّقين الأميركيين ذلك الى شخصية أوباما. فهو كما يقول هؤلاء، رجل متردد بطبيعته، وقد وصفه عديد منهم بأنه «جبان». ووصل الأمر الى نشر عشرات الصور الكاريكاتورية أو المحوّرة على «الانترنت» تنعته بالجبن.

السبب الثاني هو أنّ الشعب الأميركي يمر بمرحلة ما بعد الحروب الفاشلة في العراق وأفغانستان وغالبيته لا تريد الدخول في حرب جديدة، ولذلك فالضغط الشعبي على أوباما بأن يتحرك بفاعلية في المجال السوري ليس قوياً بعد، علماً بأنّ تغطية الإعلام المحلي الأميركي للحرب في سوريا ما زالت ضعيفة.

السبب الأهم قد يكون أنّ أميركا لم تكن مستعجلة في إيقاف الحرب في سوريا لأنها وإسرائيل لم يكونا الخاسرين فيها كل هذه المدة مقارنة بأعدائهما. فإسرائيل التي كانت في البداية لا تريد تغيير النظام في سوريا بسبب التفاهم الضمني مع النظام الذي أبقى جبهة الجولان هادئة خلال الأربعين سنة الماضية، بدأت تغيّر فكرها مؤخراً باعتبار أنّ سوريا المهدّمة كلياً والتي ستتطلب عقوداً من الزمن لإعادة بنائها هي أفضل من سوريا القوية المهادنة، لأنها ستكون غير قادرة على تهديد أمن إسرائيل في المستقبل المنظور والمتوسّط ولربما البعيد أيضاً، حتى لو أرادت ذلك. أما أميركا فإنها وجدت أنّ الجهتين اللتين تعتبرهما إرهابيتين بامتياز في هذه المنطقة ـ أي «حزب الله» والقاعدة – متورطتان في محاربة بعضهما بعضاً بينما هي تتفرج عن بعد، أي أنهما يقومان بما عجزت هي القيام به. أما عدوتها إيران فإنها تُستنزف في سوريا عسكرياً واقتصادياً مما يضاعف من فعالية العقوبات المفروضة عليها من دون أن تضطر أميركا الى مضاعفتها بنفسها. وكذلك الى حد ما روسيا المنغمسة مباشرة في الصراع داخل سوريا خاصة من خلال تزويد النظام بأسلحة قد يكون من الصعب تسديد تكاليفها في المستقبل.

أضف الى ذلك أخيراً عقيدة أوباما القتالية التي أصبحت موضع انتقادات لاذعة، ليس فقط من قبل المحافظين الأميركيين، ولكن من قبل غيرهم أيضاً، بما في ذلك العديد من مؤيدي أوباما الليبراليين واليساريين. فعقيدة أوباما في هذا المجال هي ما سمّاه أحد معاونيه في وصفه الدور الأميركي في التدخل العسكري الغربي في ليبيا «القيادة من الخلف»، أي أن تحارب أميركا بجيوش الآخرين، كما فعلت أيضاً في مالي، وهي تعطي المساندة اللوجستية من خلف خطوط القتال. وفي سياق مشابه، ففي حربه على الإرهاب استبدل أوباما عمليات اعتقال قيادات القاعدة والإرهابيين المحتملين لما يشكل ذلك من مخاطر على جنوده، بعمليات القتل عن بُعد باستعمال طائرات بدون طيار يحركها «طيارون» في أميركا من قواعد حول العالم، خاصة آسيا وأفريقيا، لمراقبة ثمّ قتل أشخاص مشتبه فيهم والعديد من المدنيين الذين شاء سوء طالعهم بأن يكونوا في الموقع الخطأ.

ماذا تغيّر حتى بدأت أميركا تتعامل مع المسألة السورية بجدية أكثر في الآونة الأخيرة؟ لا شك في أنّ وجود جون كيري على رأس الدبلوماسية الأميركية كان له دور كبير في هذا التغيير. فمن الواضح أنّ أوباما قرر أن يكون «إرثه» (Legacy) مستمداً بشكل أساسي من الداخل وهو يواجه هناك تحديات متعاظمة من الجمهوريين، ومن بعض أعضاء حزبه، يوجه اليها معظم جهده. فبرنامجه الصحي واجه مؤخراً المحاولة 39 في مجلس الشيوخ لإلغائه، ويواجه البرنامج في الوقت ذاته دعاوى مختلفة وتضاؤلاً في شعبيته. أضف الى ذلك المشكلات التي مازال الاقتصاد الأميركي يواجهها خاصة في ارتفاع مستوى البطالة. وكذلك تراجعه التدريجي أمام هجمة الجمهوريين لمصلحة مد خط أنبوب بترولي من كندا وشمال الولايات المتحدة الى خليج المكسيك، و«فضائح» متتالية تتعلق بحرية الصحافة وملاحقة مكتب الضرائب الفيدرالي لأخصامه. كل هذا بدأ يقضم من شعبيته بشكل ملحوظ (ولا أحد يقلل في هذا المجال من تأثير انقلاب الكوميدي المشهور جون ستيوارت عليه مؤخراً بسبب هذه الفضائح). أضف الى ذلك أن القيادة من الخلف ليست واقعية هذه المرة.

من هذا المنطلق، وبعد أن أحرق أوباما أصابعه في المسألة الفلسطينية خلال عهده الأول، أعطي جون كيري مساحة أكبر من المعتاد في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط وفي مقدمها فلسطين وسوريا وقد أصبح من الواضح ان كيري الكاثوليكي الذي كاد أن يكون الثاني في رئاسة الجمهورية بعد جون كينيدي، يريد أن يترك بصمته على التاريخ في هذا المجال. فلجون كيري مكانة مرموقة في مجال السياسة الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي منذ العام 1985 إذ كان له دور فاعل في فضح وملاحقة المتورطين في قضية «إيران كونترا» العام 1986 وكان رئيساً للجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ عند تسلمه زمام وزارة الخارجية.

حرك جون كيري السياسة الأميركية في الملف السوري (والفلسطيني) لأسباب موجبة عدة. أولاً التخوف من وصول أسلحة كيماوية أو نوعية الى أيادٍ معادية لإسرائيل والغرب، خاصة «حزب الله» وجبهة النصرة (القاعدة) أو التشكيلات المتطرفة الأخرى الصاعدة مما سيشكل خطراً على أمن إسرائيل ولربما دولياً أيضاً.

ثانياً: التخوف من التداعيات السلبية التي بدأت تظهر في تركيا، الحليف الأكبر الآخر مع اسرائيل لأميركا في المنطقة، وقد كانت تركيا، بمساعدة أميركية، بدأت تتحضر للعب دور مفصلي مما استوجب إعادة العلاقات الطيبة مع اسرائيل بتحريض واشراف أميركيين ومصالحة مع حزب العمال الكردستاني بقيادة عبدالله أوجلان. ففي تركيا أكثر من نصف مليون علوي عربي، معظمهم يعيشون في هتاي (قضاء الاسكندرون) على حدود سوريا، وهم متعاطفون مع أشقائهم العلويين في سوريا، كما أنّ الصراع في سوريا أيقظ بعض الخلايا الشيوعية الراديكالية المتهمة بتفجيرات ريحانلي، إضافة الى التخوف من وجود القاعدة قرب الحدود التركية وأخطار أخرى على أمن تركيا الداخلي.

ثالثاً: القوة المتزايدة لـ«جبهة النصرة» والتشكيلات المتطرفة الأخرى والخوف من أن تصبح هذه القوى أساسية على الأرض مما سيصعب اقتلاعها بعد انتهاء المعارك خاصة إذا كانت إما قد انتصرت أو أصبحت تسيطر على أجزاء كبيرة من سوريا.

من المنتظر أن ينعقد جنيف 2 قبل منتصف حزيران على أساس مقررات جنيف1، على أن يحضره مندوبون عن النظام السوري ومندوبون عن المعارضة. فرص نجاح هذا المؤتمر في إيجاد حل للصراع في سوريا قليلة، فالأميركيون والروس ما زالوا مختلفين على تفسير اتفاق جنيف 1، أقله في ما يتعلق بتنحي بشار الأسد عند تأليف وزارة وفاقية ذات «صلاحيات تنفيذية كاملة» لتدير المرحلة الانتقالية وصولاً الى تأسيس دولة «تعددية ديموقراطية». فإذا كان للحكومة الانتقالية صلاحيات تنفيذية كاملة فهل هذا يعني تنحّي الأسد أم تجريده من صلاحياته التنفيذية (أي كل صلاحياته) كما يريد الأميركيون والمعارضة، أم يبقى على رأس الحكم (بأية صلاحيات؟) كما يريد الروس والنظام؟ هل ستقبل الحكومة وتستجيب الى الطلب في وثيقة جنيف بأن تسارع الى إخلاء سبيل المعتقلين وتأمين حرية التنقل للإعلام الأجنبي من دون تمييز وأن تسمح بالتظاهر وإيصال المساعدات الى جميع أنحاء سوريا؟ من سيشترك في الحكومة الانتقالية، «مَن غير الذين تلطخت أياديهم بدماء السوريين»، كما تطالب المعارضة، ومَن سيقرر مَن هم هؤلاء؟

وعلى كل حال، فإنّ مؤتمر جنيف، ليس سوى خطوة تحضيرية – ولو أنها ذات أهمية خاصة – لاجتماع القمة في أيلول المقبل بين أوباما وبوتين في موسكو، فهل ستتوصّل الاجتماعات المختلفة والمفاوضات القائمة الى حل نهائي بحلول موعد القمة؟ ماذا سيحصل للشعب السوري خلال الأربعة أشهر التي تبعدنا عن موعد القمة خاصة إنّ كل فريق بدأ يكثف نشاطاته الميدانية لتحسين موقعه على الأرض بحلول أيلول المقبل.. وهل يستطيع الشعب السوري تحمل عشرات آلاف القتلى الجدد وملايين أخرى من اللاجئين في الداخل والخارج وماذا سيحصل في الدول المجاورة أي الأردن ولبنان والعراق وتركيا التي ترزح اليوم تحت عبء لا يُحتمل لاستقبالها اللاجئين الحاليين والمحتملين؟

هذا إذا اعتبرنا أنّ القمة المقبلة ستشهد اتفاقاً على الحل للصراع القائم في سوريا يقبل به الطرفان الدوليان الفاعلان. ولكن حتى لو حصل ذلك، فهل سيكون باستطاعة القوتين العظميين فرض الحل على كل الفاعلين على الأرض؟ مَن سيجبر بشار الأسد على التنحي أو عدم الترشح في العام 2014 أو قبول مراقبة دولية لتلك الانتخابات، إذا كان هذا من ضمن الاتفاق، وهو قد أعلن صراحة موقفه الرافض لهذه الشروط؟ وماذا لو انكفأ الأسد الى غرب البلاد على حدود نهر العاصي – أي حمص وحماه – مؤمّناً بذلك عمقاً استراتيجياً متواصلاً مع «حزب الله» في منطقة بعلبك الهرمل في البقاع الشمالي كما بدأ يتردد في أدبيات الحرب السورية مؤخراً؟ مَن سينزع سلاح «جبهة النصرة» بقيادة «الجولاني» أو القوة الصاعدة الأخرى في إطار «القاعدة» والأكثر تطرفاً التي تعمل تحت اسم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» بقيادة أبو بكر البغدادي، أو التشكيلات الإسلامية الأخرى المعادية لأميركا وروسيا في آن واحد؟ من سيدخل الى مناطق البترول التي تسيطر عليها العشائر المسلحة وقوات أخرى في شرق البلاد والتي يدر عليها البترول أرباحاً طائلة؟

في النهاية، ألم يتأخر العملاقان في حل الصراع الدائر، بسبب تردد أوباما وتعنت بوتين، الى أن فقدا السيطرة على مكونات كبيرة وفاعلة على الأرض مما سينتج عنه مرحلة فوضى طويلة بعد الاتفاق، إذا حصل؟

جنيف السوري على طريق جنيف اللبناني

إطار نظري للحلّ ينتظر حرباً ستطول

    روزانا بومنصف

لا تراود ايا من المسؤولين في لبنان اوهام ازاء احتمال ان يحمل مؤتمر جنيف – 2 المرتقب عقده الشهر المقبل حلا للحرب السورية. فالرؤية تستند الى التجربة اللبنانية في الحرب التي سمحت بان يبقى لبنان ساحة لصراعات محلية واقليمية ودولية طوال 15 عاما في مراحل شهدت انتقال الحرب من مرحلة الى اخرى بدأت حادثا مسيحيا فلسطينيا وانتهت حربا مسيحية مسيحية وما بينهما من دخول سوري وعربي ودولي واسرائيلي وايراني في لبنان على غرار ما باتت تشهده الحرب في سوريا التي انتقلت من ثورة شعبية سلمية في آذار 2011 ضد نظام استبدادي الى حرب ايران و “حزب الله” ضد الثوار ومعهما روسيا الداعمة بقوة للنظام في مقابل الدول العربية والغربية الداعمة للمعارضة. كما تستند هذه الرؤية الى غياب العوامل الداعمة للتفاؤل بقرب التوصل الى نهاية الحرب اذ ان المعارك التي تخاض ترمي من جهة الى تعزيز الاوراق والمواقع قبيل جولة تفاوض محتملة في جنيف لكنها ايضا تخاض تحت عناوين الاستمرارية في الحرب وليس نهايتها لانه لا يمكن النظام ايا يكن الدعم له من ايران و”حزب الله” لاستعادة السيطرة على مناطق خسرها في السابق ان يحكم سوريا او يستعيد السيطرة عليها. كما ان مسؤولين كبارا يتطلعون بجدية الى انكفاء الرئيس باراك اوباما عن الرغبة في الاهتمام جديا بالملف السوري بناء على اطلالته الاولى بعيد انتخابه للرئاسة الاميركية اول مرة حين زار كلا من انقره والقاهرة ووجه منهما رسائل الى الدول الاسلامية فلم يجد اي تجاوب او تلاق. كما ان تركيزه على الشأن الداخلي الاميركي بنيّة انتصارات محلية وقد تراجعت الامال العريضة التي علقتها دول عربية عدة عليه مما قد يحمل على الاعتقاد انه سيترك الازمة السورية الى من يخلفه في الرئاسة نظرا الى العوائق التي وضعها لنفسه في وجه اي تورط او تدخل خارجي في سوريا بناء على تجربتي العراق وافغانستان. اذ ان الرئيس الاميركي تجاوز تحذيراته للنظام السوري من استخدام الاسلحة الكيماوية ضد شعبه على رغم التأكيدات الحاسمة بذلك، كما انه لم يشجع رئيس الوزراء التركي لدى زيارته الاخيرة الى واشنطن غداة الانفجار في الريحانية في تركيا الذي اودى بحياة عدد كبير من القتلى والذي اتهمت فيه تركيا النظام السوري باستغلال الحادث من اجل ان تطلب تركيا من دول الناتو مساعدتها في مواجهة التحديات من جانب سوريا. كما ان المخاوف من تهديد سوريا دول الجوار قد انحسرت على رغم وصول الحرب السورية الى كل من لبنان والعراق وحتى الاردن، لكن ذلك لا يشكل هاجسا ملحا ما دامت اسرائيل في وضع مثالي لم تحظ بمثله اطلاقا وستفيد منه لوقت طويل خصوصا مع تمسكها ببقاء الاسد ما دام يحمي حدودها وينشغل بحرب داخلية في مواجهة اسلاميين قد يفتحون لاحقا جبهة الجولان الهادئة منذ العام 1976. وذلك في الوقت الذي بدا تحذير وزير الخارجية الاميركي جون كيري الرئيس السوري من ان عدم الذهاب الى مؤتمر جنيف – 2 سيكون بديله المزيد من المجازر والتقسيم وكانما هذا التحذير موجه الى رئيس يخشى من استخدام المجازر والتقسيم للبقاء في السلطة في حين انها اداته منذ ما يزيد على سنتين.

ويسير في موازاة الانكفاء الاميركي عجز اوروبي عن الذهاب الى اجندة مختلفة غير مرتبطة بالاميركيين مما يترك الامور تدور في الفلك الذي تدور فيه من دون اي تقدم، ويفيد الروس من رغبة الرئيس الاميركي وحرصه على حل تشارك فيه روسيا في رسم سقوف للحل لن تكون مقبولة بالنسبة الى افرقاء معنيين كثر بالحرب الجارية في سوريا. في حين يراهن كثر على ان الاجندة الخفية للاستخبارات الاميركية وسواها ان تستوعب سوريا كل التنظيمات المصنفة “ارهابية” ان في الجانب السني كجبهة النصرة والقاعدة او “حزب الله” في الجانب الشيعي لكي تضعف احداها الاخرى او تنهيها من دون اي تورط خارجي في الوقت الذي يساهم انخراط الجهاديين من اوروبا وروسيا في اراحتهما من مخاطر بعيدة الامد او من تحديدها وحصرها ايضا.

لهذه الاعتبارات وسواها ايضا لا يعلق المسؤولون في لبنان على اختلاف مشاربهم امالا تذكر على مؤتمر جنيف – 2 الذي يشبه البعض ما سيطلقه بما سبق ان انطلق اقليميا ودوليا بالنسبة الى لبنان مع مؤتمري جنيف ولوزان في العامين 1983 و1984 للحوار بين الزعماء اللبنانيين واللذين انعقدا بعد مرور اعوام على الحرب في لبنان علما ان هذه الحرب لم تنته الا باتفاق الطائف العام 1989. كما يشبه البعض المؤتمر بمحادثات باريس التي انطلقت العام 1968 من اجل ايجاد حل لحرب فيتنام وبقيت تجرجر حتى منتصف السبعينات تقريبا. فجل ما يعتقد ان مؤتمر جنيف – 2 يمكن ان يؤدي اليه هو ان يخلق اطارا للحل حتى اذا نضجت الامور على الارض يمكن ان يتحول هذا الاطار الى آلية ممكنة التنفيذ. الا انه في هذا الوقت فان الحرب ستستمر ميدانيا حتى تفرز بنفسها الحل مع اقتناع راسخ بانه لا يحتمل ان يكون اي بقاء للاسد حتى في فترة انتقالية يتفق عليها.

ولذلك فان الخشية كبيرة على لبنان في ظل انزلاق امني وسياسي واقتصادي نحو خطوط حمر بحيث تتعثر المعالجات، في حال وجدت، متى تم تجاوز هذه الخطوط.

النهار

“جنيف – 2″… يا حصرماً!

    راجح الخوري

على ماذا يبني بان كي – مون حساباته عندما يقول ان مؤتمر “جنيف – 2” سيعقد في بداية حزيران المقبل؟ ان عشرة ايام لا تكفي لكي يقنع جون كيري اجتماع “اصدقاء سوريا” في الاردن بممارسة ضغوط على المعارضة لكي تقبل مبدأ الحوار قبل الحصول على قرار باستبعاد بشار الاسد، ولكي يقنع سيرغي لافروف في المقابل الرئيس السوري بالمشاركة في المؤتمر.

قياساً بالمواقف المعلنة ليس من المؤكد ان المؤتمر سيعقد، فالمعارضة وضعت شروطاً لحضوره في مقدمها ضرورة ابعاد الأسد ورموز نظامه من العملية الانتقالية، والتأكد من ان الحكومة الانتقالية يجب ان تكون كاملة الصلاحيات، وان المعارضة يجب ان تكون الطرف النهائي الذي يوافق على اسماء المشاركين من الطرف الآخر، وان يوضع نص اتفاق يحدد آلية التفاوض ويلتزمه الاميركيون. وفي المقابل لم يكتف الاسد بالتشكيك في فرص نجاح المؤتمر فحسب، بل نسفه من الاساس عندما قال انه مصمم على اكمال ولايته وانه سيترشح للانتخابات المقبلة سنة 2014، ولن يقبل اي مراقبين للاشراف على الانتخابات إلا من دول صديقة مثل روسيا والصين.

وقياساً بما يجري في ساحات القتال ربما تبدو فرص المؤتمر معدومة تماماً. صحيح ان المعارك تشتد عادة لتحسين المواقع والشروط قبيل ذهاب المتقاتلين الى طاولة الحوار، لكن القتال في سوريا لا يجري بين دولتين، بل بين سلطة ومعارضة وعلى قاعدة من الشراسة والدموية اكدت منذ البداية انها حرب “يا قاتل يا مقتول”، ولهذا كانت نتائجها كارثية بكل المقاييس، وخصوصاً بعدما دخلت عليها حسابات اقليمية ودولية وبعدما استقطبت المقاتلين من الخارج سواء الجهاديين السنّة الى جانب المعارضة وسواء الجهاديين الشيعة من ايران والعراق ولبنان الى جانب النظام!

إضافة الى ذلك، ان التأمل في المواقف الروسية والاميركية بعد محادثات كيري – لافروف والاعلان عن “جنيف – 2″، ربما يوحي بأن “الادارة المشتركة للقتل” مستمرة بينهما على قاعدة انهاك الدولة السورية بما يرضي اميركا واسرائيل وقتل اكبر عدد ممكن من الاصوليين بما يرضي روسيا، فما معنى امتناع كيري عن التمسك باستبعاد الاسد من المفاوضات بعد لقائه مع لافروف وهو ما دفعنا الى القول ان اميركا استسلمت لروسيا في سوريا، ثم تراجعه وتأكيده ضرورة خروج الاسد… هل هذه “مراهقة سياسية” من كيري الذي يملك هو وزوجته البرتغالية علاقات حميمة مع الاسد وزوجته؟

وعندما تسلم روسيا صواريخ “اس 300″ مضادة للطائرات و”ياخونت” المضادة للسفن الى الاسد عشية المؤتمر الذي تحبذ دعوة ايران اليه، هل تكون راغبة فعلاً في انجاحه، وخصوصاً الآن عندما يتقدم النظام في القصير مدعوماً من ايران واذرعتها وتلوح معالم تقسيم سوريا؟!

النهار

هل تستنسخ أميركا بصفقة مع روسيا

الحلّ في لبنان لسوريا إذا فشل “جنيف – 2″؟

    اميل خوري

تساءل ديبلوماسي عربي: ما دام المجتمع الدولي على اختلاف اتجاهاته يقر ويعترف بأن بقاء الأزمة السورية من دون حل سوف يجعلها تتفاقم ويكون لها تداعيات على دول الجوار وربما على المنطقة بأسرها، فلماذا لا تعمل الدول الكبرى جاهدة على حل هذه الأزمة ولا تكتفي بالتنديد بالمجازر كلما وقعت واتهام هذا الطرف أو ذاك بارتكابها، أو إبداء قلقها حيال النزوح السوري المتزايد والذي لن يتوقف ما دامت الحرب الداخلية مستعرة في سوريا، وهو نزوح من شأنه ان يخلق مشكلات اجتماعية وانسانية وربما امنية للدول المضيفة بدأت تظهر في لبنان، وخصوصا اذا لم ترسل اليها المساعدات الكافية التي يحتاج اليها النازحون بانتظام؟ وتوقف الديبلوماسي نفسه عند قول الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى في حديث صحافي ردا على سؤال عن مدى تأثر لبنان بالوضع في سوريا، وهل يرى في الأفق حلاً للأزمة السورية: “إن الوضع فاق التأثر إلى الانزعاج، بل والخطر البالغ على أمن لبنان، وإذا حدث تقسيم في سوريا، لا قدّر الله، فسوف يحدث تقسيم في لبنان في اللحظة نفسها”. وأضاف: “أشم رائحة صفقة دولية أميركية – روسية في اطار طرح تفاوض داخلي سوري بين الحكم والمعارضة ولكنها تستبعد في النهاية أن يشمل الحل وجود أو بقاء رئيس الدولة. ولا ننسَ أن هناك أبعاداً أخرى غاية في الأهمية مثل البعد الإيراني وأيضاً البعد الشيعي – السني والقضايا الأخرى المرتبطة بفلسطين وإسرائيل، وهذه مشاكل كبيرة جدا تحيط بالمسألة السورية. وأرى أن المسألة السورية لا تقتصر على ما يسمى الربيع العربي وإنما سوف تصل الأمور الى احتمال إعادة رسم خرائط المنطقة، أي إعادة وضع اتفاق “سايكس – بيكو” مرة اخرى على المائدة، وهذا شيء خطير جداً لأن فلسطين لم تحصل على دولتها بعد، وخطير في مرحلة متغيرات غير واضحة وغامضة أقحمت فيها تركيبات سكانية ذات طبيعة مذهبية، السنة والشيعة وغيرهما وحدود مفتوحة وقضايا مثارة هنا وهناك. كل هذه الامور تؤثر سلبا في دفع المنطقة باتجاه وضع غير مطمئن. ومن بين الامور الخطيرة كذلك، الوضع الامني والنظام الاقليمي، فيما العرب منشغلون بالمسألة السورية من زاوية الثورة والنظام وليس من منطق استراتيجي، وقد تركوا هذا مع الاسف لأميركا وروسيا وايران”…

هذه النقاط المهمة والخطيرة التي أثارها عمرو موسى في حديثه تستحقن في رأي الديبلوماسي العربي، التفكير والتأمل ومن ثم السعي الى عدم عقد صفقة اميركية – روسية وربما ايرانية على حساب مصالح العرب، وقت هم مشتتون ويتحاربون بحيث بات يخشى ان تصبح الثورات العربية ربيعا لاسرائيل وليس للعرب، وان يتحقق السلام الشامل على حساب القضية الفلسطينية والحقوق العربية المشروعة، وتكون النكبة هذه المرة عربية بعدما كانت فلسطينية بقيام دولة اسرائيل وتوطيناً للاجئين الفلسطينيين حيث هم ما دام بناء المستوطنات مستمرا ولا يتوقف بارادة احد بحيث ان استيلاء اسرائيل على مزيد من الاراضي الفلسطينية يجعل عودة اللاجئين اليها مستحيلة.

ويعود الديبلوماسي العربي بالذاكرة الى ما جرى في حروب لبنان التي استمرت 15 سنة، وكانت الولايات المتحدة الاميركية تنتظر من ينتصر فيها كي تبني على الشيء مقتضاه. لكن الخلاف الاميركي – السوفياتي يومذاك حال دون حسمها وبات يخشى ان يحصل الشيء نفسه في سوريا اذا لم تتوصل الولايات المتحدة الاميركية وروسيا الى اتفاق على حل للأزمة السورية يبدأ البحث فيه في “جنيف – 2” وقد لا ينتهي الا بعد الاتفاق على تأليف حكومة انتقالية تنتقل اليها كل الصلاحيات كي يصير في الامكان عندئذ البحث في مصير الرئيس الاسد.

لقد انتهت الحرب في لبنان بصفقة اميركية – سورية من وراء ظهر الاتحاد السوفياتي سابقا وعدم ممانعة اسرائيلية، وقضت تلك الصفقة بدخول القوات السورية الى لبنان لوقف الاقتتال فيه وإخراج المسلحين الفلسطينيين منه الى تونس لارضاء اسرائيل التي كان هؤلاء المسلحون يزعجونها بعملياتهم الفدائية. وهذه الصفقة المغرية لسوريا جعلت الرئيس حافظ الاسد يتخلى عن تحالفه مع الاتحاد السوفياتي ليحكم لبنان مدة ثلاثين عاما ويلتزم متطلبات اتفاقية فك الاشتباك في هضبة الجولان.

إن الولايات المتحدة الاميركية قد تكون في صدد الاعداد لعقد صفقة مع روسيا اذا فشل مؤتمر “جنيف – 2″، ولكن على حساب من سيكون عقدها، خصوصا ان كل ادارة اميركية ترى ان أمن اسرائيل هو فوق كل اعتبار. وقد لا يكون أمناً دائماً وثابتاً إلا إذا تم تفكيك دول المنطقة تمهيداً لإقامة دويلات مذهبية وعرقية تكون إسرائيل هي الأقوى بينها.

النهار

كيري يحذّر الأسد ويخشى أفغانستان

وليد شقير

مستهجَن هذا التحذير الذي أطلقه وزير الخارجية الأميركي جون كيري الى الرئيس السوري بشار الأسد، بأن «عدم استغلال فرصة جنيف – 2 سيعني استمرار الحرب ووقوع مجازر وحتى تقسيم سورية».

بدا كيري كأن ما يبشر به الأسد إذا لم يستجب للحل السياسي الذي اتفقت واشنطن مع موسكو على التوصل إليه في مؤتمر دولي، سيردع الأخير عن ارتكاب مزيد من المجازر، أو يخيفه من مواصلة القتال بشراسة قلّ نظيرها ضد الثوار والمدنيين، أو أنه «لهول» ما نبه إليه كيري سيتوقف عن تدمير بلده بصواريخ «سكود» وبراميل البارود التي حوّلت أحياء كاملة في المدن السورية والكثير من القرى الى ركام، أو يمتنع عن استخدام السلاح الكيماوي الفتاك وغاز «سارين» على جرعات وبالتقسيط ليعتاد المجتمع الدولي على هذا الفصل من الحرب الدائرة في بلاد الشام.

فبعد سلسلة من «الخطوط الحمر» التي وضعها الرئيس باراك أوباما، والتي انتهت الى التعايش مع تخطي الأسد لها من دون أي «تغيير في قواعد اللعبة»، كما سبق أن حذر أوباما نفسه، فإن كيري لا يفعل سوى تخويف الأسد مما يمارسه ويقوم به من دون خجل أو حرج، منذ بداية الثورة مطلع عام 2011، فهو ومحيطه القريب قالا إنه إذا أراد معارضوه أن «يأخذوا» السلطة منه سيأخذون سورية مدمرة، وبطانته قالت منذ البداية إنه لا مشكلة في سقوط 50 ألفاً أو 100 ألف قتيل سوري، وأقاربه الذين يلازمونه لم يترددوا في التبشير بالفوضى، وأكثر من زائر سمع منه أنه إذا تمكن معارضوه من السيطرة على دمشق فهو سيتحصن في الساحل السوري وجبال العلويين… وقبل أيام أبلغ حلفاءه من اللبنانيين أن عشرات الآلاف الذين دربتهم إيران من الميليشيا الشعبية سيساعدونه على الانتصار وسيبقى رئيساً «لأن الشعب يحبني». وبدا مطمئناً الى أن موقف دول الغرب سيبقى متحفظاً عن مساعدة المعارضة المسلحة، «لأننا نجحنا في جعل تنظيم القاعدة في واجهة القوى المسلحة» المعارِضة.

وكل ذلك يعرفه كيري جيداً الى درجة يستدعي الأمر استهجان ما قاله بالأمس محذراً من التقسيم والدمار والمجازر في حال لم يستجب الأسد للحل السياسي المطلوب في «جنيف – 2». فالخشية الأميركية والأوروبية الغربية من انتقال الفوضى التي تعم سورية الى المنطقة ودول الجوار، لا سيما لبنان والعراق والأردن، أخذت طريقها الى الظهور بأوضح الصور.

ومن الصعب الاعتقاد أن كيري والمسؤولين الأميركيين تحوّلوا الى ما يشبه المراسلين الحربيين والمحللين السياسيين، يسجلون التوقعات ويستنتجون الخلاصات، والانعكاسات الإنسانية المأسوية لقضية النازحين، إلا إذا كان حصول الفوضى الإقليمية هو هدف ضمني لواشنطن ولإسرائيل المنشرحة لانشغال القوى المعادية لها عنها.

الأرجح أن المصالح الأميركية باتت تشكل نقطة تقاطع أيضاً مع مصالح خصومها في زمن تفاوضها معهم، لا سيما إيران. فالأخيرة لم تعد تمانع في حصول هذه الفوضى، عبر تشبثها ببقاء الأسد في السلطة حتى النهاية ومهما كان الثمن، وعدم اكتراثها بما يسببه نفوذها في السلطة في العراق من حراك أهلي وتنازع بين السنّة والشيعة، وضربها بعرض الحائط التوازنات الدقيقة في لبنان بعد إصرارها على اشتراك «حزب الله» في الحرب الدائرة في ريف دمشق وفي مدينة القصير وريف حمص. بل إن جرّ إيران لبنان الى الفراغ في السلطات بالشروط التي يطرحها «حزب الله» على الانتخابات وعلى تشكيل الحكومة، يتم تحت أعين الدول الكبرى التي كانت حذرت من عدم إجراء الانتخابات في موعدها ثم باتت تطالب بإجرائها وفق الأطر الدستورية القانونية التي باتت تعني تمديداً للبرلمان الحالي عبر قانون يصدر عنه.

أمران يهمان كيري في هذا الخضم: أن تبقي الحكومة الإسرائيلية تدخلها في الأزمة السورية في حدود استهداف الأسلحة النوعية التي يمكن أن ينقلها الأسد الى «حزب الله» في لبنان وعدم توجيه ضربات تؤدي الى إسقاط نظامه. وهو ما صرح به المسؤولون الإسرائيليون بعد ضربة 5 ايار (مايو) الجوية. فإسرائيل تخشى من بديل الأسد في السلطة.

أما الثاني فهو حرص واشنطن على حسن العلاقة مع روسيا من أجل أن تساعدها موسكو على ضمان انسحاب آمن للقوات الأميركية من أفغانستان عام 2014، حيث لإيران أذرع تمكنها من توجيه ضربات لهذه القوات أثناء انسحابها.

أما المواقف التي تبدو أحياناً نارية من جانب واشنطن في ما يخص الأزمة السورية، فهي تبقى «للتاريخ» فقط… والأرجح أن ثمن هذه السياسة هو أن تلعب موسكو دوراً مع إيران، بحكم تعاونهما في سورية، في دفع طهران الى خفض تدخلاتها ضد واشنطن في أفغانستان.

الحياة

حزب الله في سورية: القتال على حدود الدولة الجديدة

حازم الأمين

الحقيقة الأولى التي كشفتها معركة مدينة القصير السورية، والتي يخوضها حزب الله، تتمثل في أن «الجيش العربي السوري» عجز عن إنجاز المهمة، فتم تلزيمها للحزب. هذه المعادلة، التي لا تقبل الجدل، كاشفة حال الاهتراء التي يعيشها النظام في سورية، وما يحمله معهم مقاتلو حزب الله من حكايات عن حال الجيش العربي السوري، ويخبرون أقاربهم بها، تُكمل المشهد. فهم يقولون إن الجنود السوريين لا يُقاتلون، وإن الميليشيا المرافقة لهم جاءت بهدف النهب لا القتال، وإنهم لا يثقون بهم، لا بل إن إشاعات سرت عن اشتراط حزب الله عدم إشراك الميليشيا السورية القريبة من النظام في القتال في القصير.

من الــــواضح أن «المعــركة الكبرى» في القصير تتعدى بأهميتها بالنسبة للمحور الإقليمي الذي يقاتل هناك (أي إيران وحزب الله والنظام السوري)، القيمة الاستراتيجية للمدينة. القول إن أهمية هذه المنطقة تكمن في أنها تتولى وصل دمشق بالعمق الطائفي للنظام، أي الساحل السوري، يبدو ضعيفاً في ظل حجم الوقائع، أو ربما يبدو غير كافياً لتبرير ما أحدثه تدخل حزب الله من خسائر بشرية ومعنوية في صفوفه، ومن اهتزاز في منظومة كلفه بناؤها عقوداً وثروات ومآسي. فالذهاب إلى القصير أتى على ما تبقى من ادعاءات مواجهة إسرائيل، والحزب إذ يُدرك حجم هذه الخسائر، على ما كشف تخبطه في خطاب الحرب الجديدة، ذاهب إلى المعركة من دون تردد، لكن ليس بهدف تأمين الطريق لبشار الأسد إلى ملجئه الأخير في الساحل السوري، إنما لهدف آخر يتمثل في وضع القصير على مائدة الرئيس في مؤتمر «جنيف – 2» الذي من المفترض أن يُعقد في أواسط شهر حزيران المقبل.

لطالما دأب حزب الله، ومن خلفه إيران، على تتويج مغامراته، وما ينجم عنها من مآس، بفعل يعتقد هو أنه سياسي. الذهاب إلى القصير بهدف التفاوض في «جنيف – 2» سيكون مكلفاً، لكن الحزب قليل الحساسية حيال الأثمان، وتأمين المهمة بالنسبة إليه يفوق الأثمان. إنها الأيديولوجيا نفسها التي لا تقيس النتائج بأكلافها، وهي السياسة بصفتها حصيلة لغير مصالح الناس.

لكن القصير في «جنيف – 2» لن تكون صيداً ثميناً على مائدة الرئيس، فالمدينة هامشية إذا ما قيست بالمشهد السوري العام، وحاجة الأسد إلى إنجاز ميداني تكشف معركة القصير مدى إلحاحها من دون أن يؤدي هذا الإنجاز مهمة إنقاذه في المؤتمر. بداية تبدو خطوة الذهاب إلى جنيف خسارة الأسد نصف شرعيته، فهناك سنكون أمام طرفين يملك كل واحد منهما عدداً متساوياً من الأوراق.

الرئيس عجز عن حسم المعركة في القصير، فأوكل المهمة إلى حزب الله، وها هو الأخير يُقاتل هناك، وعلى رغم ترجيح تحقيقه تقدماً إلا أنه لم يتمكن حتى الآن من حسم المعركة. ونحن هنا نتكلم عن مدينة صغيرة محاذية للحدود اللبنانية حيث لحزب الله قواعد ومناصرين وحكومة وأجهزة أمنية وعسكرية! فكيف ستكون عليه الحال في الجنوب مثلاً على الحدود مع الأردن وفي حوران؟ وماذا عن الشمال حيث لا يمكن أن تتأمن للنظام كتائب من حزب الله؟ وفي دمشق نفسها ماذا عن جوبر وعن مخيم اليرموك؟

«النصر الكبير» في القصير لم يتحقق بعد، لكنه الهدية الإيرانية الموعودة للنظام إلى مؤتمر «جنيف – 2»، والهدية إذ تبدو متواضعة إذا ما قيست بحال الشلل التي يكابدها النظام، لكنها تؤشر أيضاً إلى وجهة التفاوض في هذا المؤتمر، فالمعارضة السورية ستفاوض محوراً إقليمياً هناك، وترمز القصير، فيما ترمز إليه، إلى أن الطريق من دمشق إلى الساحل ستكون أحد خطوط المفاوضة هناك. سيجري ذلك وفق ترسيمة طائفية تتولى الخطوط الوهمية للمذاهب تحديدها.

لم تعد مجديةً حال الذهول التي خلفها إعلان حزب الله مشاركته في الحرب في سورية. يجب البدء في البحث عن نتائج هذه المشاركة. في سورية ستبقى الارتدادات محدودة بنتائجها الطائفية، ذاك أن الحزب لا يستطيع أن يتمدد على طول الخريطة، وفي المدن الرئيسة لن يخترق أكثر من حدود مدينة حمص. أما في لبنان فالارتدادات ستقوض مرة أخرى فرصة قيام دولة. فقد ازدادت صعوبة اللقاء، والشارع يكتظ بمزيد من مشاعر الضغينة، وحزب الله إذ يتولى في بيئته ضخ الدلالات الطائفية لمشاركته في الحرب في القصير، يتولى أيضاً استدراج الجماعات المذهبية الأخرى للغة طائفية موازية. وإذا كان الوضع في مدينة طرابلس عينة عن نتائج مشاركة الحزب في القصير، فإن ما جرى في مدينة صيدا هو نموذج أكثر كثافة، وإن كان أقل عنفاً.

مرة أخرى يُقدم لبنان على موائد رؤساء دول أخرى، فحزب الله لم يُغامر بمستقبل بيئته فحسب عندما أقدم على إعلان انخراطه رسمياً في الحرب على القصير، لكنه يغامر بمستقبل جميع الجماعات اللبنانية. وعلى رغم ذلك لا تبدو مهمة إنقاذ بشار الأسد ممكنة. وهو أمر يدفع إلى الحيرة فعلاً، ذاك أن الحزب ومن خلفه إيران يدركان هذه الحقيقة، وعلى رغم ذلك هما سائران في مغامرتهما من دون اكتراث للأكلاف الكبرى لها.

قد يُساعد على تفسير الخطوة استعادة خط الانقسام المذهبي من العراق إلى سورية وصولاً إلى لبنان. في هذه اللحظة يمكن المرء أن يغامر بتصور لا يمكن أن يتبلور إلا في مخيلة إيرانية، إذ إن الأخيرة محصنة من ذهول مشابه لذهولنا إذا ما قرر أحد أن يستأنف تاريخاً من العلاقات المذهبية المؤجلة. ففي إيران ثمة مضمون قومي للتشيع، بينما هو في لبنان وسورية والعراق فارق طقسي ومذهبي. وهذا الاختلاف يُسهل على خيال الجمهورية الإسلامية الذهاب في تصور لإقليم شيعي إلى حدود المغامرة بمستقبل الشيعة العرب.

فلنراقب أداء حكومة نوري المالكي في العراق، وحزب الله في سورية وفي لبنان. أليس ثمة ما يوحي بأن قراراً اتخذ بمباشرة أمر ما؟ وإذا كانت الحال كذلك، فإن معركة القصير لن تكون سهلة.

الحياة

هل سيقبل لبــنـان الاشتراك في “جنيف 2

استثناء لسياسة “النأي” من أجل النازحين؟

    خليل فليحان

لم يتلق لبنان حتى الساعة دعوة خطية رسمية الى المشاركة في “مؤتمر جنيف 2” على رغم الاقتراح الروسي الذي جرى بحثه مع وزير الخارجية الاميركية جون كيري في 2013/05/7 في موسكو، وما تلاه من لقاءات عقدت مع نظيره الروسي سيرغي لافروف على هامش مؤتمرات في أوروبا.

وأفاد مصدر ديبلوماسي “النهار” أن لافروف اطلع وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عدنان منصور على الرغبة الروسية في ان مشاركة لبنان في “مؤتمر جنيف 2” عبر رسالة شفوية نقلها السفير الروسي الكسندر زاسبكين الاسبوع الماضي الى الخارجية وتضمنت شرحاً للاتصالات التمهيدية الجارية للتفاهم على الاطراف الممثلة لكل من النظام والمعارضة وإقناع أميركا وحلفائها بضرورة إشراك إيران وتركيا ودول الجوار التي تستضيف عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين، ولبنان من بينها علماً ان المسؤولين فيه يفضلون تسميتهم بنازحين.

هناك تصوّر قيد التداول عن إدخال بند استثناء علّ تلك السياسة تجيز المشاركة في المؤتمر ليثير قضية النازحين الذين فاق عددهم نصف مليون مسجل، علماً ان المساعدات التي سبق ان تقررت في المؤتمر الدولي للاجئين الذي عقد في الكويت لمساعدتهم لم تسدد، وذلك لاحجام معظم الدول عن دفع المبالغ التي وعدت بها، وتنفق الدولة على أنواع من المساعدات الملحة رغم إنها في حال إفلاس يتزايد يوماً بعد يوم بفعل التداعيات السورية السلبية على لبنان.

السؤال الآخر المطروح هل من مصلحة لبنان إدخال استثناء على سياسة النأي بالنفس وجعلها مرنة باعتبار ان روسيا هي اللاعب الأفضل بالنسبة الى الأزمة السورية، اذ كانت وراء “مؤتمر جنيف 2” الذي تقرر في 2013/05/31 ولم تنفّذ بنوده، لكنها بقيت متمسكة به كحل سياسي متوازن اذا ما التزمه الطرفان المتصارعان. وخلال الفترة الفاصلة من ولادة ذلك المؤتمر الى اليوم شهدت المناطق السورية مزيداً من العنف وسقوط الضحايا بين قتلى وجرحى وما من حل في نظر موسكو الا في “مؤتمر جنيف 1”.

غني عن البيان ان الولايات المتحدة وحلفاءها من الدول الغربية الداعمة للمعارضة الممثلة بـ”الائتلاف الوطني” تجاوبت مع موسكو بعقد مؤتمر يطور “جنيف 1” وتمت معالجة رد فعل كل من النظام بواسطة روسيا والمعارضة لالتئامه وبدء الحوار السياسي بينهما لعلهما يتفقان على وقف العنف، بدليل ان لافروف شخصياً اتصل بعد انذار كيري للنظام علناً بسبب التهرّب من تعيين أسماء للاشتراك في المؤتمر المتوقع انعقاده بداية الشهر المقبل (حزيران) وأبلغه عن أسماء أعضاء الوفد. وعندما اشتكى لافروف من رد فعل “الائتلاف” وبروز خلافات في صفوف المعارضة التي تحولت “معارضات” سارع وزير الخارجية الاميركي الى اجراء اتصالات صدر بنتيجتها بيان “الائتلاف” الذي بدأ بالموافقة على المشاركة في “جنيف 2” مع شروط تضمنته.

وجدير بالتذكير ان روسيا ترفض الشروط المسبقة لاي طرف قبل الجلوس حول طاولة الحوار. واللافت اعتراف “الائتلاف” بخسارة مواقع على الارض مما يقنع جمهورها ربما بالاشتراك في اعمال المؤتمر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى