صفحات الناس

مقالات تناولت حالة اللاجئين السوريين في عرسال والوضع العام هناك

 

 

 

 

عرسال عقدة وصل اللاذقية ـ دمشق/ د. أكرم سكرية

من فارق المصادفات الخيّرة، أن تعتقل شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي حسين شامان الحسين، مشغّل موقع «لواء أحرار السنّة في بعلبك»، بعد إسكات صوت المدافع والصواريخ من كل الجهات، حتى «المتعارضة» منها، على عرسال.

فمن مدفعية جماعة أبو حسن الفلسطيني، المعروف بانتمائه للجبهة الشعبية القيادة العامة (مخابرات سورية)، الى جماعة أبو أحمد جمعة (المعتقل الفار من السجون اللبنانية في ظروف غامضة والذي بايع «داعش» قبل أسبوعين من اعتقاله)، ومساهمة أسلحة حزب الله الصاروخية بقصف طاول البيوت الآهلة!!

الدمار في عرسال، لم يكن أحد ليتخيل حجمه إلا من شاهده بالعين المجردة. إنها عرسال الذبيحة.

فخلال شهر رمضان الكريم المنصرم، كانت الأحاديث في منطقة بعلبك/ الهرمل تقول «بأن الحسم سيكون بعد العيد». وهذا، ما أعلنه رئيس بلدية اللبوة تلفزيونياً.

أما الحاج محمد رعد، فقد قال للجنة مهرجانات بعلبك، عندما زارته لتزف إليه بشرى عودة المهرجانات الى معابد بعلبك هذا العام «يمر ليلتان عاصي الحلاني فقط» وهذا بالفعل ما حصل.

أما السيناريو فكان فعلاً بعد العيد مباشرة، أعاده الله على الخيرين بالخير والبركة، وكان على الشكل التالي:

أولاً: اعتقال المطلوب الفار المدعو والمشبوه مخابراتياً، أبو أحمد جمعة، علماً أنه كان يمر على الطريق العام كما عادته كل يوم.

ثانياً: تحركت مجموعة المدعو أبو حسن الفلسطيني (شاكر عبسي عرسال) بأسلحتها المحمولة (أبلغ بعض أهالي عرسال القيادة العسكرية في المنطقة بأمر تحرك هذه المجموعة) وخلال ساعات قليلة، اقتحمت هذه المجموعة مع مجموعة المعتقل أبو أحمد جمعة، بعض حواجز للجيش اللبناني ووصلوا الى بلدة عرسال عن طريق المفاجأة.

ثالثاً: تحركت وحدات من الجيش اللبناني للدفاع عن بلدة عرسال وأهاليها المدنيين العزل ولاستعادة العناصر العسكرية المخطوفة من المسلحين.

وهكذا تكون بلدة عرسال قد قصفت من مواقع المسلحين السوريين، الذين من المفترض أنهم، ثوار ضد النظام السوري، وأن عرسال بلدة صديقة لهم. ومن الجيش اللبناني الذي من واجبه الدفاع عن الأراضي اللبنانية ضد المسلحين ومن قوات «حزب الله» التي تقاتل في سوريا ولبنان دفاعاً عن النظام السوري.

فهل كان هناك من مايسترو واحد دفع بكل هذه الأسلحة، لتتواجه في بلدة عرسال، بين بيوتها وأهلها المدنيين العزّل؟ وهل، ما حدث، كان تكراراً للسيناريو الذي حدث لمخيم نهر البارد ولكن في ظروف سياسية مختلفة؟

ماذا لو استمرت المعارك في عرسال فترة أطول؟ هل كان المقصود تهجير أهل عرسال من بلدتهم، بعد جعلها خراباً؟

فهذا هو المنشد علي بركات، منشد أناشيد «حزب الله» يساوي بين تل أبيب، يبرود وعرسال.

وهذا حسين شامان الحسين، مشغّل موقع «لواء أحرار السنّة في بعلبك» يسارع الى استخدام هذه التسمية المذهبية لإثارة أهل المنطقة بعلبك/ الهرمل من الشيعة والمسيحيين ضدّ أهل السنّة في المنطقة وبخاصة ضدّ أهل عرسال.

فباسم «لواء أحرار السنّة في بعلبك»، كان يعلن عن تبنّي سقوط بعض الصواريخ على البلدات الشيعية من الهرمل حتى النبي شيت مروراً بالنبي عثمان واللبوة وسهل بعلبك وبريتال من دون وقوع إصابات تذكر!

وباسم «لواء أحرار السنّة في بعلبك» أطلق التهديد ضد البلدات المسيحية القاع ورأس بعلبك وتم التهديد بتفجير الكنائس في كافة بلدات المنطقة.

وإذا كان حسين شامان الحسين، مشغّل هذا الموقع، يعترف بأنه ينتمي الى «حزب الله» هو وعائلته، يتبين لنا من كان المايسترو الفعلي، لهذه المواجهات العسكرية على أرض عرسال وفي بلدة عرسال. خصوصاً أن هذه المواجهات كان قد أعلن عنها سابقاً مع تحديد موعد لها بعد عيد الفطر كل من الحاج محمد رعد ورئيس بلدية اللبوة وأهالي منطقة بعلبك/ الهرمل. فماذا يمكن أن يتخذ من خطوات لمنع تكرار هذا السيناريو؟

أولاً: العمل مع الائتلاف الوطني السوري على ضبط وجود وحركة وإيقاع المسلحين المتواجدين في جرود القلمون.

ثانياً: التنسيق التام بين الأجهزة الأمنية اللبنانية حول عرسال.

ثالثاً: العمل على إطلاق سراح العسكريين المختطفين بكافة الوسائل والسبل أما من وقع منهم في قبضة النظام السوري فأعتقد أن قضيتهم ستبقى معقدة.

رابعاً: التنسيق التام بين أهالي عرسال والقيادات العسكرية والأمنية المتواجدة في المنطقة.

أما ما هي تداعيات تكرار السيناريو ذاته مرة أخرى في ما لو حدث؟ ومَن سيدافع عن بلدة عرسال وأهاليها؟ فالجواب يأتينا من سيناريو الحرب الأهلية اللبنانية العام 1975.

لقد تم التحضير للحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 بهجوم شنته منظمة الصاعقة تنظيم لبنان (الصاعقة تنظيم فلسطيني تابع لنظام آل الأسد) على بلدة القاع المسيحية في منطقة بعلبك وعلى بلدة تل عباس المسيحية في منطقة عكار. فهل يحضر نظام آل الأسد لحرب أهلية لبنانية جديدة وبالتنسيق مع أدواته اللبنانية، من خلال افتعال معركة جديدة في عرسال وعلى عرسال؟

إن حرباً أهلية لبنانية جديدة، قد يكون طرفاها الأساسيان، السنّة والشيعة، تساهم في فك العزلة الدولية عن نظام آل الأسد كما ساهمت الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 الإسلامية المسيحية، بطلب المجتمع الدولي من نظام آل الأسد في حينه الدخول عسكرياً الى لبنان لحماية المسيحيين اللبنانيين بعد الهجوم على بلدتي القاع وتل عباس المسيحيتين والذي شنته قوات الصاعقة تنظيم لبنان التابع عضوياً لنظام آل الأسد عينه.

إن الانتصار الذي حققه لبنان، حكومة وجيشاً وشعباً، وقيادات سياسية، وعلى رأسها رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري في وقف الحرب على عرسال هو انتصار للوطن، كل الوطن، سنّته وشيعته، مسلميه ومسيحييه.

إنه كما انتصار أهالي بيروت وتيار «المستقبل» في عدم الانجرار للفتنة المذهبية في 7 أيار 2008، انتصار للوطن بمكوناته المجتمعية كافة.

إن وقف الحرب على عرسال، هو انتصار للبنان واللبنانيين جميعاً، إلا لمَن أصبحوا أدوات لنظام آل الأسد والذين يعملون على إثارة الفتن المتنقلة من منطقة الى منطقة وبين الجماعات اللبنانية سنّية وشيعية، مسيحية ومسلمة. وأبرز دليل على ذلك ما كان يبثه موقع «لواء أحرار السنّة في بعلبك» من تحريض مذهبي وطائفي، مواكب لقذائف صاروخية ضد البلدات الشيعية وتهديد بتفجير الكنائس سبق موعد ما بعد عيد الفطر للعام 2014. علماً أنه لم يطلق أي قذيفة أو صاروخ خلال المواجهات العسكرية في عرسال على أي من بلدات المنطقة الشيعية أو المسيحية.

إن وقف الحرب على عرسال هو انتصار للجيش اللبناني في حفظ التلاحم بين اللبنانيين وفي حفظ وحدة الشعب والتراب اللبنانيين.

أما في البُعد العسكري، وهذا بيت القصيد من معركة عرسال بالنسبة لنظام آل الأسد وأدواته في لبنان، فإن عرسال هي عقدة وصل اللاذقية بدمشق.

فقد كانت الاستراتيجية العسكرية للنظام الأسدي حزب الله تقضي بالقضاء على الثورة السورية في القلمون من جهة الأراضي السورية. أما وأن الثورة السورية في القلمون لم تسقط، بالرغم من الأناشيد عن «نصر يبرود»، فقد تبدلت الاستراتيجية العسكرية لتصبح: إسقاط عرسال عسكرياً وتهجير أهلها وهو ما يسمح لـ«حزب الله» بمحاصرة ثوار القلمون من جهة الأراضي اللبنانية وبالتالي إسقاط جرد القلمون عسكرياً مما يعني إسقاط الثورة السورية في القلمون فعلياً، وتأمين وصل طريق اللاذقية دمشق من دون أي إمكانية لتهديده، وهذه كانت الغاية الأساس من معركة عرسال.

 

 

«جمر تحت الرماد» في عرسال … و«العيون» على الجرود والقلمون

الرأي الكويتية

لم يكد أهالي عرسال يتنفّسون الصعداء بعد انتهاء المعارك بين الجيش اللبناني ومسلحي «داعش» و«جبهة النصرة» ودخول الإمدادات الإنسانية للعراسلة والنازحين، حتى عادت هذه البلدة البقاعية إلى دائرة الضوء مع المخاوف المتصاعدة من تداعيات ملف العسكريين ورجال الامن المخطوفين الذي دخل مرحلة من التعقيدات باتت تفرض دخول دول على خط التوسط فيه، وايضاً مع التقارير المتزايدة عن ظهور عناصر «الجبهة» و«داعش» في أحياء عرسال وشوارعها قادمين من الجرد الذي بقي أحد ممراته بوابة مفتوحة يستغلونها للدخول بسياراتهم ودراجاتهم النارية، من دون اغفال المخاطر المترتبة على الارتفاع المطرد في أعداد المسلحين السوريين المتمركزين في جرود البلدة ومنطقة القلمون المحاذية لها في إطار المعارك الدائرة بينهم وبين الجيش النظامي السوري ومقاتلي «حزب الله» في ريف دمشق وغيره.

وفيما أكد وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق أن الامن في لبنان «مضبوط وتحت السيطرة»، وأن «أولويته الان عرسال حيث الأزمة فيها لم تنته بعد»، واصفاً ما سجل من تحركات لبعض المسلحين بأنه «حادث محدود ولم يكن شيئاً كبيراً وهو جزء من أزمة لم تنته»، تناقلت وسائل الإعلام أخباراً عن دهم مسلحين لمنازل مواطنين عراسلة بـ «تهمة» التعاون مع الجيش اللبناني، مشيرة إلى أن المسلحين لديهم لائحة من أبناء البلدة «المطلوبين لديهم» بسبب تعاونهم مع الجيش في ابان المعارك التي انفجرت في 2 اغسطس الجاري.

من جانبه، شدد رئيس بلدية عرسال علي الحجيري في اتصال مع «الراي» على أن كل ما يحكى عن إنتشار مسلح في عرسال «كذب»، واضعا الأخبار عن إنتشار مسلحين ومداهمات لبيوت مواطنين في إطار «الشائعات التي يبثها بعض الموالين لـ «حزب الله» في البلدة، فهم لا يريدون وقف إطلاق النار»، ومشددا على أن «الأمور في عرسال بألف خير، والجيش كان عاد إلى كل مراكزه داخل البلدة».

في موازاة ذلك، علمت «الراي» من مصادر في عرسال أن عناصر من «الجبهة» و»داعش» دخلوا البلدة في اليومين الماضييْن من ممر «تلة الحصن» الذي لم يحكم الجيش قبضته عليه ولم يظهروا بعتادهم، مشيرة إلى أن «هؤلاء ربما يكونوا مسلحين، لكن دون أن يشهروا ذلك».

وإزاء هذه التطورات، عاد الرعب ليدب في نفوس أهالي عرسال، حيث نبّهت المصادر إلى أن «العراسلة ليسوا متخوفين فحسب، بل متيقنين أن الأسوأ بإنتظارهم»، كاشفة أن «الميسورين من أهالي عرسال إتخذوا إحتيطات سريعة بالإبتعاد عن البلدة تحاشياً للمخاطر دون أن يعني ذلك نزوحهم عنها».

ووسط هذه الأجواء «الملبدة» بالقلق، يواظب الجيش اللبناني على إقامة الدوريات وتحصين مراكزه. النازحون السوريون عاد عدد كبير منهم أدراجه إلى دياره أو إلى بديل عنه داخل الأراضي السورية. وفي هذا المجال، لفتت المصادر إلى أن «مَن بقي منهم في عرسال يخفف من حركته إلى حدودها الدنيا، ويقتصر خروجه من مسكنه على مقتضيات الضرورة».

وبحسب هذه المصادر، يتنازع العراسلة شعور بين الحنق على النازحين السوريين جراء الإشتباكات التي وقعت، و«قناعتهم» بأن «هؤلاء مغلوب على أمرهم».

وفيما يستشعر العراسلة دنو الخطر، نقلت المصادر مناشدة أهالي البلدة للدولة اللبنانية حمايتهم من مكروه محتمل، وذلك عبر نشر قوة الطوارئ الدولية (اليونيفيل المنتشرة في الجنوب) على الحدود أو أقله نشر الجيش وتعزيزه لمنع دخول أي مسلح، مؤكدين ان رهانهم يبقى على الدولة والجيش ولا أحد سواهما، ومتوقعين تجدد المعارك بين لحظة وأخرى بـ «فتيل» قضية العسكريين المخطوفين لدى «النصرة» و»داعش».

وتحدّثت المصادر نفسها عن معلومات غير مؤكدة حتى الساعة تفيد بأن اليوم ستنتهي المهلة التي أعطتها «النصرة» للدولة اللبنانية للإستجابة لمطالبها (كانت نقلتها اليها «هيئة العلماء المسلمين» قبل تعليق وساطتها) منذرة بأنه اذا لم يأت الجواب إيجابياً من الحكومة اللبنانية فهي ستسلّم العسكريين الذين تحتجزهم إلى «داعش».

ويُذكر ان وزير الداخلية، الذي التقى امس وفداً من اهالي المخطوفين الذين هدّدوا بخطوات تصعيدية «ما لم نلمس جدية في التحرك لإطلاق أبنائنا»، كان اكد «أن الجهد سيتواصل على كل المستويات لإطلاق سراح المخطوفين»، موضحاً أن التحرك مستمر «وهناك أكثر من خط مفتوح على هذا الصعيد، لكن لا يمكنني التوسع أكثر في التفاصيل، لأن الكتمان ضروري في هذه الظروف».

وفي موازاة ذلك، اعلن النائب محمد كبارة (من كتلة الرئيس سعد الحريري) أن «ما قاله قائد الجيش العماد جان قهوجي، كشف المؤامرة التي انتصر الجيش عليها في عرسال والتي كنا أول من حذّر منها»، مثنياً على «الحكمة التي تحلت بها المؤسسة العسكرية، إذ رفضت قصف بلدة عرسال وقتل المدنيين فيها»، معتبراً ان «حزب الله» يحلم بأن يقصف الجيش عرسال ويقتل أهلها مع ما قد يعنيه ذلك من انعكاسات سلبية خطيرة على الجيش والوطن برمته». وطالب «بلجنة تحقيق لتحقق في المؤامرات التي كانت تهدف إلى إسقاط الوطن بكامله».

قيادي في «النصرة»: يمكن أن نلجأ للخيار العسكري لتحرير أسرانا في السجون اللبنانية

نقلت وكالة «الاناضول» عن قائد في «جبهة النصرة» ان «‫‏حزب الله يحضر لهجوم كبير على ‫‏القلمون ولذلك يعرقل مفاوضات الافراج عن العسكريين اللبنانيين ويريد أخذهم بالقوة لكن ذلك سيعني موتهم». وحذّر القيادي في «النصرة» (التي تحتجز 15 عنصر امن و3 جنود لبنانيين اضافة الى 11 عسكرياً مخطوفين مع «داعش») من «اننا ندعو لتفاوض صادق حول العسكريين وإلا يمكن أن نلجأ الى الخيار العسكري لتحرير أسرانا في السجون اللبنانية».

ومعلوم ان «النصرة» كانت تقدمت بلائحة مطالب للإفراج عن المخطوفين حملتها الى الحكومة اللبنانية «هيئة العلماء المسلمين» (قبل تعليق وساطتها) وتتضمن مجموعة بنود يتعلق قسم منها بأمن النازحين في عرسال والمخيمات والجرحى في المستشفيات اضافة الى بند حول «المبادلة بآخرين» هم موقوفون في سجن رومية قيل انه لم يتم تحديد أسمائهم بانتظار موافقة بيروت على «المبدأ» فيما ذكرت معلومات ان بينهم مطلوبين خطرين متهمين بعمليات ارهابية وقعت في لبنان في العامين الاخيرين.

 

 

 

لاجئو عرسال: الموت والمذلّة/ نضال أيوب

“أريد أن أعود إلى القصير، هون في قصف وهونيك في قصف، القصير أحلى من هون”. هذه أمنية جمال البالغ من العمر 14 عاما. وهو كان قد نجا وعائلته من الموت في معركة القصير، إلّا أن حرب عرسال جعلت من أجسادهم تذكارا لها. الحروق تغطي أماكن كثيرة من جسد جمال. يتكلّم عن مصائبه وكأنها شريط مصوّر من دون أن يتذكر التسلسل الزمني. “بنت اختي الصغيرة كانت حدي، انشالت دينتا كلها، كنت واقف عالباب، ماتت”.

العودة إلى سوريا ليست أمنية جمال وحده. غالبية اللاجئين يريدون العودة. “عم ننتقل من منطقة لمنطقة كرمال الولاد، ليش عم نهرب نحن؟ مش كرمال نقعد بمحل آمن؟”، تسأل أم عمار التي فقدت زوجها وثلاثة من أبنائها جراء القصف على القصير. مجيء أم عمار مع أحفادها إلى عرسال لم يحمهم أيضاً، فحفيدها، وعمره 16 عاماً، توفي في عرسال. فيما تصرخ إمرأة أخرى “دخيل رب القصف ع هون.. دخيل رب الطيارات، علاواه نرجع لهونيك ونقعد هيك عالخلا ولا بدنا هالقعدة، عالقليلة لما يصير في ضرب هنيك كنا نلتجي عالدار، هون كل العالم سكرت دارها بوجنا”.

ليس قصف المخيمات وحده ما آلم اللاجئين، بل السماح لأهالي عرسال بالخروج منها ومنع السوريين من ذلك، وتوقيف النساء والأطفال وإجبارهم على العودة إلى البلدة. إذ قال لهم عناصر الأمن “روحوا موتوا عند داعش أو ارجعوا خلوا داعش تحميكن”، وهذا ما آلمهم أكثر. “بأي حق بقوللنا هيك؟ لو بدي تحميني داعش ما كنت هربت لهون”، تقول إحدى النساء التي منعت من الخروج هي وأطفالها، “ما شفنا غير الذل والقهر والموت الأحمر. شو شفنا هون؟”.

1200 خيمة احترقت في عرسال جراء الأحداث الأخيرة. أمّا حصيلة الضحايا فقد بلغت، بحسب اللاجئين في عرسال، حوالي المئة، 62 منهم فقط تمّ توثيق أسمائهم. أكثر من 1200 عائلة فقدت مأواها. وإنشاء خيم جديدة يحتاج إلى مبالغ مالية لا يملكها اللاجئون. هذا عدا عن القرار الرسمي بمنع إنشاء مخيمات جديدة. “وين منروح؟ منام بالشارع، شو ذنبنا نحنا؟”.

بالقرب من أحد المخيمات بيت قيد الإنشاء، لجأت إليه إمرأة مع أحفادها اللذين يتجاوز عددهم العشرة، وبينهم رُضّع. لكنّها لا تملك شيئا لإطعامهم. تجلس المرأة خارج المنزل، وتنتظر أن يمر أي شخص كي تقنعه بأن يأخذها والأطفال ليموتوا على الحاجز. “متنا وانذلينا واندعس علينا وع كرامتنا وميتين من الجوع. نحن تبهدلنا. خدوني عالحاجز هلأ أنا والولاد”. تجهش المرأة بالبكاء، لا حليب للأطفال. تحاول إعطائهم ماءا وسكرا ولكنهم يرفضون. الطفح الجلدي الذي أصاب الأطفال بقي من دون علاج، ولا تملك المرأة شيئاً. كله احترق.

مخيم الفهد

تبلغ مساحة مخيم الفهد 4000 متر مربع. أجار الأرض 2000 دولار سنوياً. يعيش فيه نحو ثلاثين عائلة، أتوا مع خيامهم من مخيمات البرا والجفر، وذلك بعد الخلافات التي حصلت مع مالكي الأرض هناك ومع السكان القاطنين بالقرب من المخيم. لم يشهد أهالي هذا المخيّم أي إصابات إلّا أن الكثير من الخيم تضررت جراء الشظايا، ففي كل خيمة ثقوب عدة لن تصمد طويلا أمام الشتاء. الثقوب لم تطل الخيم فحسب، إذ ثمانية من خزانات المياه أيضاً لم تعد صالحة للإستعمال. وشركة “أندرسون” الإيطالية التي تكفلت بتأمين الخزانات يوم أنشئ المخيم أخبرتهم عن عدم قدرتها تأمين خزانات بديلة.

مخيم أبو بكر الصديق

على بعد أمتار من مخيم الفهد، يقع مخيم أبو بكر الصديق. في وسطه رقعة سوداء، لا يكاد يُلحظ فيها سوى كرسي مدولب بلون فحمي، ما زال يحتفظ بشكله إلّا أنه لم يعد صالحاً للإستعمال. أربع خيم إحترقت في هذا المخيم، وتوزع أًصحابها على الخيم الأخرى.

مخيم بنيان الرابع- أخوة الرجال

استأجرت أرض هذا المخيم لمدة عام بـ3500 دولار. كان يقطن فيه نحو 200 عائلة يتوزعون على 150 خيمة. هذا المخيم احترق بالكامل. وبعد احتراقه حوصر الجرحى والأهالي لمدة ثلاث أيام من دون طعام ومياه. تمكنوا بعدها من الذهاب للمكوث في الجامع لعدة أيام، بعدها انتقلت 48 عائلة منهم إلى مدرسة المختار الرسمية. أمّا الباقون فيتشاركون مع غيرهم من اللاجئين المخيمات الأخرى ليبلغ عدد العائلات القاطنة في الخيمة الواحدة سبع. أهالي مخيم بنيان الرابع لن يستطيعوا العودة إلى الأرض التي استأجروها، فمالك الأرض يريد إسترجاع أرضه، علما بأنّه لم يمض من العام إلا أربعة أشهر.

مدرسة المختار الرسمية

تتكون المدرسة من طبقتين. لم يتسن للاجئين فيها أن يجلبوا معهم أي شيء. خرجوا من مخيمهم فقط بالثياب التي يرتدونها، أمّا البقيّة من القليل الذي يملكونه فقد تحوّلت إلى رماد. ينامون في المدرسة من دون فراش وأغطية. مدير المدرسة أعطاهم مهلة حتى مساء اليوم لإيجاد مأوى آخر، فالمدرسة على وشك أن تبدأ عامها الدراسي، ومصير اللاجئين فيها ما زال مجهولا، وهم غير مهتمين بالسؤال عن الإغاثة ولا عن الفرش أو البطانيات. السؤال الوحيد الذي يعنيهم هو “وين بدنا نروح؟”.

مخيم الزعيم

لا يشبه مخيّم الزعيم بقيّة المخيمات، فهو مكوّن من منشآت باطونيّة، وله عدّة ممرات ضيّقة تتوزع على جوانبها غرف صغيرة. حين بدأ القصف استدعت إحدى الأمهات بناتها اللواتي كن يسكن في خيم بالقرب منها. “في حيطان بتحميكن”، هكذا قالت لهن. إلّا أنّ الجدران خيّبت آمالها. دُمّر بيتها وأصيبت في صدرها وقدمها ويدها اليسرى التي شلّت. أمّا عائلتها التي أرادت أن تحميها، فقد تنوعت إصابتهم. حفيدتها التي تبلغ من العمر ثلاث سنوات قضت، بعد أن عانت لساعات جراء فقدانها لإحدى أذنيها. أمّا ابنتها وحفيدتها الثانية فقد تشوّه نصف وجهيهما وواحدة من عينيهما. ابنتها الثانية أصيبت في ركبتها. وابنها الذي يبلغ من العمر 14 عاما أصيب في كل من يده وظهره ورجله. جلّ ما يتمناه الإبن الصغير العودة إلى القصير.

مخيم أبو إسماعيل

يقع مخيم أبو إسماعيل في منطقة “رأس السرج” بالقرب من نقطة عسكريّة، وتعيش فيه 50 عائلة سوريّة. جرف المخيم منذ ثلاثة أيّام بعد أن إنذر الأهالي بإخلائه خلال مهلة ساعتين فحسب. قيادة الجيش رفعت عن نفسها مسؤوليّة الجرف، وألقتها على صاحب الأرض الذي لم يعد يريد تأجير أرضه. إلّا أن أهالي المخيّم يؤكدّون اشتراك عناصر من الجيش في عملية الجرف، كما ينقلون ما قاله بعضهم ردا على سؤالهم “أين نذهب”، إذ كان الجواب: “اذهبوا إلى القصير أو القلمون”.

هكذا، لا يختلف كلام اللاجئين من مخيم لآخر. هم لا يريدون أن يكونوا طرفاً في ما يحصل، “أنا مش طابة، ما بدي قول شي، عاملينا طابة هيدول شاطونا وهيدول شاطونا والشاطر يفوتنا غول”، تقول إمرأة لم يعد بمقدورها المشي جراء إصابة في قدمها. فيما يستنكر رجل آخر معاملتهم كسلعة، “ما تعملني ورقة ضغط، أنا ما خصني بالمسلحين، هربان من النظام ومن داعش، أنا لاجئ ما جاي أعمل وجعة راس للبنان واللبنانيين، مش قادرين تحموني طلعوني من عندكن، ما بدنا نكون سلعة نحن بشر”.

المصائب لم تلحق باللاجئين في المخيمات فحسب، فبعض المستأجرين في عرسال، أعطاهم المالكون مهلة للبحث عن مكان آخر، “لم نعد نريد تأجير سوريين”.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى