صفحات العالم

مقالات تناولت “حزب الله”

 

 

 

حزب الله… في العراق قبل سورية/ إياد الدليمي

عرفته أكثر عقب الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، ربما لأن الهويات الطائفية في العراق تفجرت عقب الاحتلال، وصار لزاماً علينا أن نبحث عن هويتنا الطائفية. أتذكّر وقتها أن الحزب الذي كان يصرخ، ليل نهار، بالمقاومة والممانعة، التزم الصمت، بل إن مواقف عديدة له كانت تشي بترحيبه بالاحتلال الأميركي. وأميركا هي الراعي الرسمي الأول لإسرائيل التي كان يقاتلها حزب الله، تناقض صارخ رفض كثيرون أن يعترفوا به، عاطفةً ربما، أو طائفية فجة لدى بعضهم.

لم تتأخر، حينها، نظرتي إلى حزب الله، ليس من منطلق طائفي بتاتاً، وإنما من منطلق عقلاني، فلا يعقل أن يقف حزب مقاوم موقف المتفرج، بل أن يدعم الاحتلال، ومن جاء بهم الاحتلال، في أحيان كثيرة، ويفتح ذراعيه لاستقبال زبانية الاحتلال وعرّابيه، ويدفع بمقاتليه لتدريب مليشياتٍ طائفيةٍ في العراق، لا مهمة معينة لها سوى مقاتلة فصائل المقاومة العراقية.

وقتها، كان حسن نصر الله وحزبه يتألقون، ويصعد نجمهم، يوماً بعد آخر، حتى إنه لم يكن مسموحاً لك أن تشكك بمقاومة هذا الحزب، عندما تنظر إلى مواقفه من احتلال العراق. وقتها، كان يمكن، وبسهولةٍ، أن تتهم بالطائفية، وذلك أضعف الإيمان لدى محبي نصر الله وحزبه وأنصارهما.

في أثناء حرب عام 2006، كبر حجم التعاطف مع حزب الله، وصعد نجم نصر الله، وكان السؤال الذي أسمعه، وكنت في الأردن، أينما ذهبت، عن موقفي من تلك الحرب، وكنت أرمي إجابتي كما هي، وليزعل من يزعل. وتهمة الطائفية كانت على لسان من لم يكونوا يريدون أن يسمعوا صوتاً غير صوت العاطفة التي كانت قد أخذتهم بعيداً، ويحلمون بأن هذا الحزب ومليشياته سيفعلون ما عجزت عنه جيوش العرب، كما كنت أسمع.

كانت مرارةً قاسية أن ترى سذاجة التعامل مع هذا الحزب، ولا سيما وأن هذه السذاجة كانت تصدر من مثقفين وكتاب وصحافيين وسياسيين، لا أشكك لحظة بوطنيتهم وعروبتهم، على الرغم من أن أغلبهم كان يتلعثم بالإجابة على تساؤلي المقابل: هل يعقل أن يدعم حزب مقاوم يقاتل إسرائيل حكومة طائفية جاء بها الاحتلال الأميركي، فعلت ما فعلت بالعراقيين؟ هل يُعقل أن يدرّب هذا الحزب الذي يتحدّث عن تحرير المسجد الأقصى مليشياتٍ وفرق موتٍ عراقية، مهمتها الأولى قتل أهل السنة وتشريدهم من بغداد، والتصدي للمقاومة العراقية التي تقاتل الاحتلال الأميركي؟

“لا يعقل أن يقف حزب مقاوم موقف المتفرج، بل أن يدعم الاحتلال، ومن جاء بهم الاحتلال، في أحيان كثيرة، ويفتح ذراعيه لاستقبال زبانية الاحتلال وعرّابيه، ويدفع بمقاتليه لتدريب مليشياتٍ طائفيةٍ في العراق”

في العراق، كان دور حزب الله لا يقلّ شناعةً وطائفيةً عما يقوم به في سورية حاليا، الفارق أن لا حدود جغرافية للعراق مع كانتون هذا الحزب في لبنان، وبالتالي، فإن ظهوره على الساحة العراقية كان أقل بروزاً من دوره وحضوره في سورية اليوم، علما أن أي متابع كان يمكنه بسهولة أن يعرف طبيعة ما قام به حزب الله في العراق.

وعلى الرغم من أن الشاشات العربية، بمختلف توجهاتها، كانت تحتفي بخطابات نصرالله، وخصوصاً في أعقاب حرب تموز/ يوليو 2006، إلا أن الملاحظ أن تلك الخطابات خلت تماماً من أي ذكر للمقاومة العراقية آنذاك، علماً أنها كانت مقاومةً تشبه، أو هكذا على الأقل يجب أن تكون، مقاومة حزبه في لبنان، وبالتالي، فان المقاوم يساند المقاوم الذي يرفع أهدافاً مثله. وقد كان أول خطاب تطرق فيه نصرالله إلى المقاومة العراقية في العام 2008، لم يكن يشير فيه إلى المقاومة التي كبّدت الأميركان أكثر من خمسة آلاف قتيل وتريليونات الدولارات، وإنما لمليشيات جيش المهدي التابعة لتيار مقتدى الصدر، بعد احتكاكٍ جرى بينها وبين الأميركان. والسبب معروف، أن المقاومة العراقية التي أعلنت عن نفسها، منذ اليوم الأول للاحتلال الأميركي، كانت محسوبة على سنة العراق، ولم يكن لشيعته دوراً يذكر في أعقاب فتاوى المراجع الشيعية التي أقعدت جزءاً كبيراً من العراقيين عن شرف نيل مقاومة الاحتلال. وقتها، ردت عليه المقاومة العراقية ببيانٍ، دعته فيه إلى أن يترك دعمه وإسناده للحكومة الطائفية، قبل أن يتحدث ويمدح أية مقاومة في العراق.

وربما كان الألم أكبر على السوريين، وهم يرون كيف انقلب عليهم هذا الحزب الذي آواه السوريون أنصاره، وخصوصاً في حرب تموز 2006، يوم أن كانت البيوت السورية والمحال التجارية تضم صور نصرالله وأعلام حزبه الصفراء، يوم أن كان السوريون المتعاطفون مع المقاومة العراقية يرفضون المساس بمقاومة نصرالله، أو التشكيك بها، وكانوا يجدون له ألف مبرّر لموقفه من مقاومة العراقيين الاحتلال.

نحن اليوم مدعوون إلى ضرورة أن نكون أكثر وعياً، فليس كل من رفع قضية فلسطين يقصد فلسطين التي نعرفها. خسرت إيران وذراعها في لبنان، حزب الله، عقب الثورة السورية، أكثر بكثير مما كسبته، فيكفي أن هذه الثورة كشفت خداعاً استمر عقوداً طويلة. يكفي أن هذه الثورة علمتنا أن فلسطين والقدس قضية أشرف وأعدل بكثير من أن يتاجر بها المتناقضون، الطائفيون، وسماسرة الشعارات.

العربي الجديد

 

 

 

تعريف حزب الله/ ماجد كيالي

لندع تعريفات مجلس التعاون الخليجي ومجلس وزراء الداخلية العرب، أو أي مؤسسة رسمية عربية أخرى، لأي ظاهرة في العالم العربي، وضمنها لـ”حزب الله”، وذلك لأسباب كثيرة، ضمنها أنها تنطوي على تحيّزات سلطوية، وأنها تأتي لمجرد المناسبات والاستهلاك. وهذا يفيد، أيضا، في التذكير بأن تعريف المجلسيْن لحزب الله، كمنظمة إرهابية، جاء متأخرا جدا، وأنه لم يلاحظ انخراط هذا الحزب في الحرب التي يشنها نظام بشار الأسد ضد السوريين، وضد حقهم في الحرية والكرامة في بلدهم، منذ سنوات عديدة.

مع ذلك لنتجاوز التعريف بالإرهاب، وهو تعريف بات ملتبسا، ويخضع لتوظيفات سياسية ولحظية، فما هو تعريف “حزب الله” حقا، بأفكاره ومرجعياته وبنيته وعلاقاته وشكل عمله؟ ومثلا، هل هو حزب ديني أم علماني؟ هل هو بتركيبته وبتوجهاته وخلفياته حزب طائفي أم وطني؟ هل هو حزب ديمقراطي أم استبدادي؟ هل هو حزب يمحض ولاءه لشعب لبنان أم للنظام الإيراني؟ هل هو حزب لجمهور “الشيعة” اللبنانيين، أي يخدم مصالحهم، أم أن مرجعيته تتبع مصالح نظام “الولي الفقيه”؟ هل هو حزب يتوسل الوسائل السياسية لتحقيق أغراضه أم يستخدم وسائل القوة لفرض سياساته على مجتمع اللبنانيين؟ هل هو حزب يساند قضايا الحرية والعدالة في العالم العربي أم أنه يساند نظم الاستبداد ويعمل كذراع إقليمية لإيران؟ ثم ماذا يفعل هذا الحزب في سوريا؟ ولماذا يقتل في السوريين؟ ولمصلحة من؟ ولماذا توقف عن المقاومة ضد إسرائيل، وهي المفترض مبرر وجوده؟

أيضا لمصلحة من يتم تقويض صدقية المقاومة ضد إسرائيل بتحويلها إلى ميليشيات تقاتل من أجل مصالح طائفية؟ ولمصلحة من جرى التخلص من مفكري “الشيعة” اللبنانيين من حسين مروة إلى خليل نعوس وسهيل طويلة ومهدي عامل في الثمانينات؟ وهل حزب الله بريء من الاغتيالات التي دبرها النظامان السوري والإيراني في لبنان؟ أخيرا، كيف يتعامل حزب الله مع قضية فلسطين؟ ألا يستخدمها بشكل وظيفي لتغطية دوره الإقليمي ولتغطية واقعه كحزب طائفي؟ حقا ما هو حزب الله هذا؟ وما هي وظيفته؟ ولصالح من يعمل؟ وإلى متى ستظل قضية فلسطين مطيّة له ولغيره يركبها ويوجهها ويوظفها كيفما شاء؟

في محاولة الإجابة على كل هذه التساؤلات يجدر التأكيد، في البداية، أن المشكلة مع حزب الله ليست لها علاقة بأفكاره، ولا بمذهبه، ولا بتركيبته الطائفية، فهذا شأنه، فقد تم الاحتفاء بهذا الحزب وبمقاومته لإسرائيل منذ انطلاقته، في أوائل الثمانينات، رغم كل ما تقدم. مثلا، ومع أن المجتمع، في أغلبيته (السنية) يدرك طبيعة هذا الحزب ومذهبه، وهذا معروف ومعلن، إلا أنه ظل يمحضه بدعمه، بوصفه حزب مقاومة، وبحكم الخلفية الوطنية المنغرسة في قلوب السوريين، وهذا يشمل احتضانهم جماهير الحزب التي نزحت من الجنوب إلى سوريا إبان الحرب الإسرائيلية على لبنان (في العام 2006).

هكذا فإن المشكلة مع حزب الله تكمن، بشكل خاص، وبغض النظر عن كل الملاحظات عليه، في طابعه التسلطي وسعيه إلى الهيمنة على المجتمع والدولة اللبنانيين بالقوة، وبتبعيته لإيران، وقتاله للسوريين دفاعا عن نظام تأسس على الفساد والاستبداد.

وعلى أي حال، وبعد كل هذه التجربة، فإن مآلات حزب الله، كذراع إقليمية لإيران، وكمساهم في إثارة النزعات والحساسيات والصراعات الطائفية في مجتمعات المشرق العربي، وبانخراطه المستميت في قتال السوريين، تطرح علينا تساؤلين كبيرين، أولهما: أيهما أكثر أو أقوى تأثيرا، قتال حزب الله لإسرائيل، أم خدمته لها، من خلال إثارته (مع إيران) النعرة الطائفية المذهبية في المنطقة، وتصديعه مجتمعات المشرق العربي على هذا الأساس؟

وثانيهما، أيهما يا ترى أكثر تأثيرا، مقاومته لإسرائيل (بين 1983 و2000) أم قتاله السوريين في السنوات الخمس الماضية؟

هذان السؤالان المعياريان هما من أجل إمعان التفكير في وظيفة هذا الحزب والتمعن في طبيعته وحقيقة دوره، بعيدا عن التلاعبات والتغطيات، هذا لمن يريد أن يرى ويعرف ويفكر حقا في أحوالنا بمعزل عن البديهيات والعصبيات والشعارات الجاهزة.

*نقلا عن “العرب”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى