صفحات سورية

مقالات تناولت خطة دي ميستورا

 

 

 

 

دي ميستورا إذ يحرق مراكبه/ علي العبدالله

لم تنطوِ الإحاطة التي قدّمها المبعوث الدولي الى سورية السيد ستيفان دي ميستورا الى مجلس الأمن على خطة واضحة ومتكاملة، وجلّ ما حوته عرض لتطّورات مهمته ولقاءاته ومفاوضاته مع النظام والمعارضة، ومشاوراته مع عدد من الدول المؤثرة في الملف السوري، وقد اقتصر إنجازه، بعد أكثر من نصف عام على تكليفه بالمهمة، على الحصول على موافقة النظام على وقف قصف مدينة حلب لفترة ستة أسابيع، لتسهيل تنفيذ تجميد القتال في المدينة، وهو إنجاز هزيل قياساً الى حجم العمل المطلوب لوقف القتل المعمّم، والدمار الهائل الذي لحق بالمدن والبلدات والقرى السورية.

غير أن المشكلة ليست في عدم نجاح السيد دي ميستورا في تحقيق تقدّم واضح وكبير فقط، بل في أنه ارتكب أخطاءً جعلت دخول خطة التجميد حيّز التنفيذ محلّ شكّ كبير.

لقد تحرك السيد دي ميستورا للترويج لفكرته وتسويقها سورياً وإقليميا ودولياً بمعزل عما حصل طوال السنوات الماضية، وبخاصة ما قام به المبعوثان السابقان السيدان كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي ومحصلة محاولتيهما (المبادئ الستة للسيد أنان، وبيان جنيف 1، واجتماع جنيف 2)، وقرارات الأمم المتحدة 2139 و2165 و2170 و2178 ذات الصلة، وحصر لقاءاته ومفاوضاته في فكرة ليس في الإمكان تقدير جدواها والجزم بقدرتها على تجاوز العقبات وكسر الجمود الذي ترتّب على فشل مفاوضات جنيف 2، وخصوصاً عدم تنفيذ النظام القرار 2139 المتعلّق بوقف قصف المدن والبلدات والقرى بالبراميل المتفجرة، ورفع الحصار عن الأحياء والبلدات والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، ومن دون ربط الفكرة بالإطار الدولي المتّفق عليه، بيان جنيف، ما أوحى بأنه يشقّ طريقاً جديدة مجهولة النهاية.

وهذا أثار حذر وهواجس المعارضة وجهات إقليمية ودولية داعمة لها، ناهيك عن استخفافه بالجسم المعارض الرئيس، الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، حيث لم يتكرّم ويقدّم فكرته له مكتوبة، وسعى الى تجاوزه عبر الاتصال بقادة الكتائب ليس من دون تنسيق معه فقط، بل من دون إعلامه بذلك.

لذا لم يكن مستغرباً أن يناقش مجلس الأمن الدولي جدوى العملية والتفكير في وقفها، في ضوء تقويم ما تم، واستنتاج أن السيد دي ميستورا «يملك أفكاراً ولا يملك خطة عمل»، وجاء تصريحه الأخير الذي اعتبر فيه رأس النظام جزءاً من الحل، في تحديد لنتيجة المسار السياسي قبل أن يبدأ، ليثير ردود فعل رافضة (وزارات خارجية فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة)، وليقضي على ما بقي من قناعة وثقة بفكرته وشخصه لدى المعارضة السياسية والمسلّحة، وهذا ما عكسه صدور بيان عن مجلس قيادة الثورة يقول بعدم التعاطي معه، وطلب «الائتلاف» ضمانات دولية بإصدار مجلس الأمن قراراً تحت الفصل السابع «يشكّل إلزاماً حقيقياً لنظام الأسد ويفرض حلاً عادلاً، ويشمل خطوات فورية تضمن حماية المدنيين في سورية بما يتوافق مع القانون الدولي».

وهذا بالإضافة الى التشكيك الأميركي في نجاح الخطة، وتعرّض دي ميستورا للإحراج عندما سئل، بعد تقديمه الإحاطة من جانب مندوب دولة غربية دائمة العضوية في مجلس الأمن، عن موقف المعارضة المعتدلة من فكرته، وتنبيهه الى أهمية التحدّث الى المعارضة الحقيقية في سورية، وليس فقط الى المعارضة المدعومة من النظام وموسكو، والى ما أثاره التصعيد العسكري من جانب النظام وحلفائه في حلب وريفها خلال فترة وجوده في الأمم المتحدة وتقديمه إحاطته.

لقد واجهت فكرة تجميد القتال في مدينة حلب، التي يعمل المبعوث الدولي على تنفيذها في الأيام المقبلة عبر إرسال وفد من فريقه لتقويم الوضع والتحضير لزيارته هو إليها، واختيار قطاع أول من المدينة للبدء به، تجزئة مدينة حلب ذاتها الى قطاعات، الى الآن عقبات جوهرية لعلّ أولها النظرة المتعارضة من جانب طرفي الصراع، حيث قرأها النظام كتكرار لما حصل في مدينة حمص، وحدّد لذلك محدداته في نقطتين، الأولى ما أسماه «حفظ سيادة الدولة السورية على أية منطقة يتم تطبيق التجميد فيها، ومنع أي شكل من الإدارات الذاتية والمحلية فيها يمكن أن تتجاوز سلطة الدولة»، والثانية تتعلّق بمكافحة الإرهاب من خلال «إغلاق الحدود أمام الإرهابيين، ووقف الدعم»، بما في ذلك عمليات التدريب التي ستتلقاها الكتائب المعتدلة.

فالنظام يرفض ما يعتبره إعطاء أية مشروعية للمعارضة في مناطق التجميد، سواء عبر إدارة ذاتية أو حكم محلي، وما شابه. في حين تقرأها المعارضة كتمهيد لتطبيق بيان جنيف، وإقامة هيئة حاكمة كاملة الصلاحيات لإدارة المرحلة الانتقالية، التي لن يكون لرأس النظام دور فيها. وقد أضاف تصريح دي ميستورا حول دور رأس النظام، عقبة من الوزن الثقيل، فإذا تمسّك بتصريحه فقد تعاون المعارضة، وإذا تراجع عنه اصطدم بموقف النظام وحلفائه. وتجاوز آثار التصريح وحده لا يعني أن الطريق سالكة، ذلك أن النظام، وفق تصريحات بعض مسؤوليه، يسعى الى دفع الطرف الآخر الى الرفض، وتحميله مسؤولية فشل العملية عبر التمسّك بتصوّره، وإغراق العملية بمطالب تستند الى اعتبار النظام يمثّل الدولة والشرعية والسيادة، وهذا ما منحه له دي ميستورا بتصريح ولم يقلل من سلبيته التوضيح الذي أعلنه، وتجاهل ما فعله في البلاد والعباد، وتجاهل الثورة ومطالبها المحقة بالحرية والكرامة.

* كاتب سوري

الحياة

 

 

 

 

هل الأسد جزء من الحل في سوريا؟/ عمر كوش

فقدان الوساطة

مسار دي ميستورا

المواقف الدولية

أثارت تصريحات المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، التي اعتبر فيها أن بشار الأسد جزء من الحل في سوريا، ردود فعل غاضبة لدى المعارضة السورية ولدى غالبية السوريين.

وفاقم من غضب السوريين تزامن تلك التصريحات مع انهمار صواريخ وبراميل نظام الأسد المتفجرة على رؤوس المدنيين في بلدة دوما، ومع استمرار حربه الشاملة الكارثية التي قضت على أرواح مئات آلاف السوريين وشردت أكثر من نصف سكان سوريا ودمرت مدنا وبلدات عديدة، ومع اقتراب الأزمة السورية من اكتمال عامها الرابع، وهو (الأسد) أصل الأزمة والمسبب والمسؤول الأول عن نتائجها الكارثية المدمرة على السوريين وسوريا.

فقدان الوساطة

لم تقتصر ردات الفعل على المعارضة السورية، بل لاقت تصريحات دي ميستورا رفضا فوريا من طرف الخارجية الفرنسية، التي اعتبرت أنه لن يكون هنالك تحول في سوريا من دون رحيل الأسد، في حين أكدت الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية جنيفر بساكي أن “موقف الولايات المتحدة لم يتغير، والرئيس السوري بشار الأسد فقد الشرعية ويجب أن يرحل عن السلطة”.

وقد حاولت الناطقة باسمه جولييت توما الالتفاف على تصريحاته، واعتبرت أن “بيان جنيف للعام 2012 نقطة الاستناد الأساسية للوصول إلى حل سياسي طويل الأمد للأزمة السورية”، لكنها اعتبرت أيضا أن “على الرئيس السوري والسلطات المساهمةَ في الوصول إلى حل يضع حدا للعنف والمأساة الإنسانية في سوريا”.

 

ثم حاول دي ميستورا بنفسه التخفيف مع وقع كلامه من خلال الاتصال برئيس الائتلاف السوري المعارض خالد خوجة، في محاولة لشرح وتوضيح التصريح الذي صدر عنه في ختام لقائه بوزير الخارجية النمساوي سيباستيان كورتس في فيينا.

ولعل من المستهجن أن يؤكد دي ميستورا لرئيس الائتلاف أن “المقصود من التصريح هو جر الأسد إلى دائرة الحل، وتوريطه ببداية حل سياسي، وليس المقصود منه حرفية التصريح”، لأن في ذلك محاولة للتذاكي مكشوفة وسمجة، وتضمر اللعب على وتر استجرار رأس النظام إلى حل سياس، مقابل إغرائه وتأكيد دوره في الحل، مما يعني بقاءه في السلطة التي يشن حربا من أجلها، بل باع البلد لنظام الملالي الإيراني ولمليشيات حزب الله مقابل الدفاع عنه، ومحاربة السوريين بغية إخضاعهم لنظام الاستبداد والقهر واستمرار بقاء الأسد على رأسه.

والواقع هو أن كلام دي ميستورا عن دور الأسد في الحل ليس اعتباطيا، فهو لم يأت من مسؤول سابق أو متقاعد، كما يفعل الساسة المنتهية مهامهم، بل من موفد أممي، ويتضمن حمولات وتغيرات في الموقف الأممي حيال نظام الأسد وحيال الأزمة السورية، ولن تنفع محاولات دي ميستورا نفسه التخفيف من وقع تصريحاته، أو تغيير مدلولاتها، خاصة وأن الولايات المتحدة الأميركية، ومعها دول التحالف الذي تقوده، غيرت أجنداتها وأولوياتها، حيث باتت الحرب على داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) هي الوجهة التي تلتقي فيها الجهود الأميركية والدولية، ولم يعد حل الأزمة السورية يعني الكثير بالنسبة إليها.

ويكشف كلام دي ميستورا موقفا منحازا إلى جانب الأسد ونظامه، مما يعني أن وساطته “الأممية” باتت موضع شك وعرضة للانهيار، خاصة مع إعلان قوى المعارضة رفضها شكلا ومضمونا، واتهامه بمحاولة استرضاء الأسد، لأنه اعتبر أن الأسد “جزء من حل المعاناة السورية”، وأكد على “استحالة تجاوزه”، بل تمادى في القول حين اعتبر أن “بشار الأسد لا يزال هو الرئيس السوري الحاكم”، ولم يقل ماذا يحكم هذا الرئيس؟ وكيف يحكم جزءا من البلاد؟

وتناسى أن من يتحدث عنه متهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وأن تقارير أممية عديدة أكدت أنه ارتكب أبشع المجازر ضد غالبية شعبه، واستخدم السلاح الكيميائي ضد المدنيين العزل في غوطتي دمشق، وبدلا من المطالبة بتقديمه إلى المحكمة الجنائية الدولية، الخاصة بمحاكمة مجرمي الحرب، وتحقيق العدالة الدولية، يدعوه السيد دي ميستورا إلى “الإسهام في وضع حد للعنف”، ولأجل ذلك يطمئنه إلى كونه جزءا من الحل في سوريا، وأن نصيبه في السلطة باق ويتمدد.

مسار دي ميستورا

يكشف مسار مهمة دي ميستورا أنه منذ أن استلم هذه المهمة وهو يحاول نسف الأساس السياسي الذي نهض عليه “اتفاق جنيف 1” يوم 30 يونيو/حزيران 2012، رغم حديثه عن أنه يستند إلى الاتفاق في تحركاته، خاصة فيما يتعلق بهيئة الحكم الانتقالية الكاملة الصلاحيات، وكذلك البنود الستة التي تضمنتها خطة كوفي أنان.

والبديل الذي قدمه هو التركيز على الجانب الإنساني، واختصار الأزمة السورية إلى مجرد أزمة إنسانية، تحقيقا لمقولته التي تعتبر أن “المشكلة الأساسية في سوريا تكمن في الأزمة الإنسانية”.

وعلى الرغم من أهمية المسألة الإنسانية في سوريا، التي يجب أن يضمنها المجتمع الدولي دون نقاش أو تردد، فإن ما يطرحه دي ميستورا فيه حرف عن المهمة الأساسية التي أوكلت إليه، المتمثلة في تكثيف جهوده من أجل إيجاد حل سياسي ينهي الأزمة ويلبي طموحات الشعب السوري، وحيث أخذ دي مستورا يتنصل منها شيئا فشيئا، فطرح جملة من الأفكار التي تبدأ من الأسفل، دون المساس برأس نظام الحكم، وبدلا من وقف شامل للقتال، حسبما نص عليه اتفاق جنيف 1، راح يتحدث عن “تجميد القتال في مناطق محدودة”، مقابل إدخال المساعدات الإنسانية إليها.

وقد طرح دي ميستورا في مرحلة أولى تجميد القتال في أكثر من 15 منطقة سورية، ثم عاد وتراجع عن طرحه، حين لم يلق قبولا لدى الأسد، الذي أشار إليه أن يبدأ التجميد في حلب، وبعدها أخذ يتحدث عن “إيجابية النظام” وترحيبه بخطته، ثم أطلق تصريحات، وقام بعدد من الزيارات إلى دمشق، تصب في سياق رفع مستوى التنسيق مع نظام الأسد إلى مستوى تعويم نظام الأسد وإعادة تأهيله، من خلال إعادة الاعتراف الدولي به، وجعله شريكا في الحرب على داعش، بل راح يطالب المعارضة بالتوحد مع النظام “لمواجهة خطر داعش الذي يتهدد الجميع”.

ويتجاهل دي ميستورا عن قصد ودراية دور الأسد في جذب الإرهابيين وتوفير ممكنات تمددهم، كونه المسؤول عن إطلاق سراحهم من سجونه، وانسحاب قوات جيشه من العديد من المواقع لصالحهم، حتى باتوا قوة لا يمكن تجاهلها.

واستغل المبعوث الأممي الحالي انشغال المجتمع الدولي وتركيزه على الحرب ضد تنظيم داعش، كي يسوق أفكاره، وتتناغم مع الجهود الرامية إلى تحويل كل الجهود نحو هذه الحرب، تحقيقا للإجماع الدولي عليها، بمعنى أنه يسعى إلى تركيز جهود المعارضة والنظام في الحرب ضد داعش، لكن ما يسكت عنه المبعوث الدولي، ويتعامى عنه، هو أن أي حل في سوريا يجب أن ينهي الظلم الذي وقع على غالبية السوريين من قبل نظام الأسد، وأن هذا النظام الظالم لم يخض أية معركة حقيقية ضد تنظيم داعش، بل إنه حين كانت فصائل من الجيش الحر تخوض معارك ضد هذا التنظيم، كانت طائرته تقدم الإسناد والعون له من خلال قصف مواقع المعارضة السورية بالصواريخ والبراميل المتفجرة.

بل الأدهى من ذلك هو أن نظام الأسد سهل لداعش السيطرة على العديد من المواقع، وخاصة في الرقة وريف حلب، في حين أنه كان يدافع عنها بشراسة عندما كانت فصائل الجيش الحر تهاجم تلك المواقع.

المواقف الدولية

رغم رد كل من الخارجية الفرنسية والأميركية على تصريحات دي ميستورا، فإن مواقف دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية عرفت مؤخرا تغيرا كبيرا من الأزمة السورية.

ففي حين كان أغلب الساسة يطالبون منذ أكثر من عامين برحيل الأسد، وكانوا يكثرون من الحديث عن أن أيامه باتت معدودة، يجري اليوم السكوت عن ما يقوم به من جرائم، وفي نفس الوقت يتسم موقفهم بالبرود، وعدم القيام بأي فعل ضده، مع عدم تقديم أي جهد لإنضاج حل سياسي ينهي معاناة السوريين الكارثية، وباتوا يركزون على الحرب ضد داعش بوصفها أولوية قصوى بالنسبة للأمن الوطني لكل بلد من بلدانهم، وأعطوا الضوء الأخضر لساسة روسيا كي يجمعوا في موسكو “معارضين” من أجل النظام مع ممثل النظام في الأمم المتحدة بشار الجعفري في لقاء تشاوري، لم يجر فيه التشاور على شيء يمس جوهر معاناة السوريين.

وقد بارك دي ميستورا مساعي موسكو لإنتاج معارضة سياسية تقبل بوجود الأسد، وهو أمر سعت إليه وهمست به إيران وروسيا أكثر من مرة، لذلك تفاخرت وزارة الخارجية الروسية بموقفه، الذي قيم عاليا لقاء موسكو التشاوري، الذي جرى في الفترة ما بين 26 و29 يناير/كانون الثاني الماضي.

وكان الأحرى بالمبعوث الأممي، احتراما للجانب الإنساني على الأقل، أن يقول ولو كلمة واحدة ضد حرب الإبادة التي يشنها النظام ضد مدينة دوما، القريبة من مكان إقامته، حيث كان يجتمع مع الأسد، بدلا من أن يستفز الضحايا باحتفاله مع مسؤولين إيرانيين بعيد الثورة الإيرانية في دمشق، في خطوة استفزازية لا تتناسب مع طبيعة المهمة الدبلوماسية الحساسة الموكلة إليه، وفي مكان لا يبعد سوى بضعة كيلومترات قليلة عن المدينة التي تتعرض لحملة بربرية شرسة من طرف قوات النظام منذ أشهر وسنوات عديدة.

قد يطمئن كلام دي ميستورا نظام الأسد إلى حين، لكنه لن ينفع في إعادة تأهيله، وإرجاع الشرعية إلى هذا النظام الذي فقدها منذ اليوم الأول للثورة السورية. وبين تعويل نظام الأسد ورهانات دي ميستورا، فإن المسار الذي بدأه السوريون منذ أربع سنوات، لن ينتهي إلا بحل سياسي، لا يمكن للأسد أن يكون له أي دور فيه، بوصفه الحل الذي ينهي معاناة السوريين، ويلبي طموحات الشعب السوري في الخلاص من نظام الاستبداد الأسدي، والسير نحو تحقيق أهداف الثورة في الحرية والتحرر.

الجزيرة نت

 

 

 

لماذا فشلت خطة «ديمستورا»؟/ د. رياض نعسان أغا

لم يكن مطروحاً أمام المعارضة السورية سوى مبادرة المبعوث الدولي ديمستورا التي قدمت رؤية لتجميد القتال في شطر من حلب، ولكي تعطي هذه الرؤية المحدودة بعداً شمولياً قالت «إنها خطوة أولى يمكن أن تعمم على باقي المناطق المشتعلة»، وعلى رغم أن غالبية أصحاب الرأي في المعارضة السياسية لم يتفاءلوا بمبادرة المبعوث الدولي الجديد إلا أنهم لم يرفضوها عامة. بعضهم تمسك بها كما يتمسك الغريق بقشة، وبعضهم رأى ألا تبدو المعارضة سلبية في تلقي المبادرات الأممية، ورأى آخرون أن تمسّك المباردة برؤية جنيف -وهي الورقة الرسمية الوحيدة- يمكن أن يعطي دفعة أمل نحو إنجاز حل سياسي، بينما حذر آخرون من أن تكون المبادرة بديلاً عملياً عن رؤية جنيف المجمدة قبلها. وفي حين ارتارب بعض المعارضين في هدف المبادرة لكون حكومة النظام وافقت عليها نظرياً فقد رأى بعضهم أن موافقة النظام قد تفتح بوابة حوار، فالمهم عند غالبية المعارضة أن يتوقف القتال، وأن تتجنب سوريا مزيداً من الدمار، وأن يحقن بعض الدم السوري. وأعلن آخرون تخوفهم من أن تكون المبادرة مهلة للنظام كي يستكمل تطويقه لحلب بينما يفقد المعارضون العسكريون تماسكهم ويفقدون ما يلقون من إمداد، ويتفرغ النظام لاستعادة بقية المناطق التي لن تشملها خطة التجميد بسهولة.

وتساءل محاورو «ديمستورا» من سيحمي الاتفاقية المقترحة؟ وهل ستكون هناك قوات حماية دولية؟ وانتقد المحاورون اسم «التجميد» في وقت تحتاج فيه المبادرات إلى «تحريك» ينهي القضية بدل أن يجمدها! وجاءت تصريحات المبعوث الدولي الأخيرة التي قال فيها إن الأسد جزء من الحل لتثير انتقادات واسعة في بيانات المعارضة التي رأت المبعوث الدولي متحيزاً، وطالبت بحل سياسي يتناسب مع مكانة مبعوث يمثل الأمم المتحدة.

ويبدو أن المبادرة انتهت تماماً بعد الهجوم الأخير على قرى «ريتان» و«الملاح» و«باشكوي» في ريف حلب -وما يزال القتال مستمراً- وقد بدأته قوات النظام بمشاركة «حزب الله» ومقاتلين إيرانيين ومرتزقة أفغان، وقد قاموا بعمليات ذبح بالسكاكين راح ضحيتها أكثر من عشرين شخصاً من المدنيين بينهم أطفال من أسرة واحدة. وقد قام مقاتلون من المعارضة بصد هذا الهجوم فقتلوا وأسروا عدداً كبيراً ونشروا الكثير من مقاطع الفيديو للجثث المنتشرة. كما قتل عدد كبير من مقاتلي المعارضة المسلحة. ولم يعد ممكناً الاطمئنان إلى قدرة مبادرات جزئية مضطربة على تحقيق حل سياسي على رغم أن جميع تشكيلات المعارضة وفيها ممثلون عن المقاتلين قد أعلنوا قبولهم بالحل السياسي وسعيهم له، ولكن لا توجد إلى الآن أية بوادر توحي بالأمل.

وقد كان فشل مؤتمر موسكو في تحقيق اختراق باتجاه الحل السياسي قد جعل المحبطين يتمسكون بالحل العسكري وقد ازدادوا يقيناً بأن النظام يريد استسلاماً وليس سلاماً. وقد تابعت ما يكتب الشباب السوريون في مواقع التواصل الاجتماعي فوجدت تعريضاً كبيراً واتهامات بالتخاذل لكل من شاركوا في مؤتمرات القاهرة وموسكو، والسبب أن النظام قام بتصعيد عملياته القتالية بعد هذين المؤتمرين بدل أن يلتقط اللحظة المناسبة. وأعتقد أن مؤتمر القاهرة كان فرصة كبيرة للبدء في خطوات عملية نحو الحل، لأن أكثر شرائح المعارضة وقعت على بيانه واتفقت على نقاطه العشر التي رسمت خريطة طريق واضحة ولم ترفع سقف المطالب على أمل أن تحظى بنجاح وبقيت تدور في أفق بيان جنيف الذي أهمله صانعوه.

ولقد تخيلت لو أن النظام أعلن قبوله بهذه النقاط العشر التي حددها بيان القاهرة لتجاوز مبادرة «ديمستورا» وسواه، وتم إيقاف القتال والبدء الفوري بإطلاق سراح المعتقلين كبادرة إيجابية توحي برغبة جادة من قبل النظام في إيجاد حل ينتظره ملايين السوريين الذين لم يعودوا يطيقون تحمل المزيد من المآسي والفواجع، ولتم التوجه إلى المؤتمر العام الذي دعا إليه مؤتمر القاهرة في أبريل القادم بدوافع الثقة والأمل بدل حالة اليأس والإحباط التي جعلت الباحثين عن حلول سياسية في موقف ضعيف، بينما تعزز رأي من يعتقدون مجبرين أن الحل العسكري بات هو الحل الوحيد لأن النظام هو الذي اختاره من البداية، والمفجع أن ثمن ذلك سيكون مزيداً من الضحايا ومن طوفان الدم السوري.

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى