صفحات الناس

مقالات تناولت “داعش”

«القاعدة ــ ليكس»: صراع البغدادي والجولاني على «إمارة» الشام

«ويكيبغدادي» حسابٌ على موقع تويتر ينشر ما يُسمّيه «أسرار دولة البغدادي». على طريقة «المجتهد» السعودي، يكشف الحساب خفايا حكم أبي بكر البغدادي، والرجل الذي يلازمه كظله، ويروي حكاية ولادة «جبهة النصرة». وفي ظل غياب القدرة على التثبّت من المعلومات المنشورة، تنقل «الأخبار» ما أورده الحساب الذي «يتبعه» عدد من قادة المعارضة السورية المسلحة

رضوان مرتضى

خرج إلى الضوء، في الأيام الماضية، حساب على موقع «تويتر» يدّعي نشر «أسرار دولة (أبي بكر) البغدادي»، تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام». تسلسل المعلومات التي يوردها الموقع، إن صحّت، يوحي بأنّ المسرِّب كان قيادياً سابقاً في صفوف التنظيم، قبل أن ينشق ويلتحق بـ «جبهة النصرة». يكشف الحساب معلومات خطرة عن تأسيس «النصرة» وخفايا الخلافات المحتدمة بينها وبين و«الدولة».

وينطلق في «فضحه» لـ «الدولة» من جملة تساؤلات يطرحها ويُجيب عنها. فيُقدّم إجابات عن هوية أمير التنظيم أبو بكر البغدادي، وأسماء أعضاء مجلسه ومخطّطهم ومصادر تمويلهم. ويتحدّث عن كيفية تسلّم البغدادي إمارة «دولة العراق الإسلامية» وأسباب توسّعه إلى سورياوالسياسة العامة التي يعتمدها في قيادة التنظيم وكيفية إمساكه بالقواعد الأساسية. كما يكشف أسماء المشايخ الشرعيين الذين يدعمونه بالفتاوى، ويتحدّث عن دورٍ محوري لضابط عراقي يرافقه دائماً وضابط سعودي يُدعى بندر الشعلان يلعب دوراً أساسياً في دعم «الدولة». ويُفنِّد الحساب خفايا الخلاف بين البغدادي وأمير «جبهة النصرة» الفاتح أبو محمد الجولاني. باختصار، يُقدّم الموقع الذي أفصح عن نفسه باسم «ويكي بغدادي»، تيمناً بموقع «ويكيليكس» الشهير، سرداً تفصيلياً بالأسماء والأدلة والكنى المستعارة وأحداثاً لوقائع مترابطة. وسواء صدقت هذه الروايات أم لم تصدق، تصلح لأن تكون فيلماً وثائقياً يكشف بعضاً من خفايا التنظيمات الجهادية السريّة وأسلوب عملها.

من هو أبو بكر البغدادي؟

يقول المسرِّب انه ابراهيم عواد ابراهيم بو بدري بن عرموش، وهو يحمل كنيتين، «أبو عواد» و«أبو دعاء». أما «أبو بكر» فكُنية وهمية، باعتبار أن السياسة الأمنية التي يعتمدها وكل من حوله في مجلس قيادة التنظيم تفرض أن لا تكون الكنية أو اللقب حقيقيين. ويكشف أن البغدادي عمِل في الفلوجة، وكان في إحدى الفترات اماماً لمسجد في ديالى. أما لقب «البغدادي»، فهو لقبٌ حركي وليس حقيقياً، كون ابراهيم عواد ليس من بغداد، بل ينتمي إلى عشيرة بوبدري، وهي فرع من عشيرة البوعباس من سامراء، تدّعي صلة نسب بالإمام الحسن بن علي، ما يعني أن «أبو بكر» ينتسب إلى قريش (وهذا إحدى شروط الإمارة العامة لدى الجهاديين). لكن جمعية «تنزيه النسب العلوي» والتحقيق في الأنساب الهاشمية أصدرت بياناً عام 2009 يؤكد أن بوبدري لا ينتسبون لمحمد الجواد ولا للقاسم بن إدريس من الحسنيين كما يزعمون.

ينقل الموقع أنّ مجلس قيادة «الدولة» يتألف من عراقيين بنسبة ١٠٠٪، مشيراً إلى البغدادي أنه لا يقبل أي جنسية أخرى كونه لا يثق بأحد. ويشير الى أن عدد أعضاء المجلس العسكري يزيد وينقص، ويتراوح بين ثمانية و13 شخصاً، وأن قيادة المجلس يتولاها ثلاثة ضباط سابقين في الجيش العراقي في عهد صدام حسين. وهم تحت إمرة عقيد ركن سابق في الجيش العراقي أيضاً يُدعى حجي بكر، انضم إلى «دولة العراق الإسلامية» عندما كانت بقيادة «أبو عمر البغدادي» (قُتل عام ٢٠١٠)، بعدما أعلن «توبته» من حزب البعث (العراقي) وعرض وضع خبرته العسكرية وعلاقاته في خدمة التنظيم. فعيّن مستشاراً عسكرياً لدى «أبو عمر البغدادي» و«أبو حفص المهاجر» بعدما زوّدهما بمعلومات عسكرية عن خطط قتالية وربطهما عبر وسائل الاتصال بقيادات عسكرية سابقة تابعة لحزب البعث. ويذكر المسرِّب أن «أبو بكر البغدادي» لم يكن عضواً في مجلس القيادة السابق لـ «دولة العراق الإسلامية» بإمرة «أبو عمر»، بل كان عضوًا في التنظيم، وكان يقيم في مدينة الفلوجة. ولكن، بعد مقتل «أبو عمر» ونائبه «أبو حمزة المهاجر» (مصري يُدعى عبد المنعم عز الدين بدوي، وله كنيتان: «أبو أيوب» و«أبو حفص»، وكان يشغل منصب وزير الحرب في «الدول) وعدد من أبرز قيادات التنظيم في غارة واحدة، فجّر حجي بكر مفاجأة في المجلس العسكري بمبايعته «أبو بكر البغدادي» أميراً للتنظيم. فبدأت مرحلة جديدة في حياة «الدولة» في ظل قائدين: «أبو بكر البغدادي» في الواجهة، وحجي بكر في الظل. وقد أثار وجود العقيد الركن وهو «حليق متفرنج» الى جوار «أبو بكر» حساسية في نفوس أعضاء «الدولة»، فبدأ العقيد بإطالة لحيته وتغيير مظهره وطريقة كلامه، علماً أن أي عضو في التنظيم لا يملك أن يستفسر عن أي أمر حول القيادة، لأن «الاستفسار تشكيك والتشكيك شق صف يبيح الدم». بدأت «دولة العراق الاسلامية» التركيز على خطّين، الأول ضمان عدم تصدّع الدولة وحمايتها من الداخل عبر إنشاء مفارز أمنية تُصفّي أي جهة تُشكّل خطراً على الكيان، مع ضمان توفير الموارد المادية. وبالتوازي، اتفق البغدادي وحجي بكر على وقف لقاءات الأول بالقيادات الفرعية للتنظيم، وحصر تلقي تعليمات الأمير وتوجيهاته وأوامره عبر أعضاء مجلس الشورى الذي شكله العقيد. وتمثلت الخطوة الثانية في بناء جهاز أمني لتنفيذ تصفيات واغتيالات سرية تشكّل في البداية من ٢٠ شخصاً، ووصل خلال أشهر إلى ١٠٠ شخص، بإمرة ضابط سابق يُدعى «أبو صفوان الرفاعي»، ويتبع مباشرة لقيادة التنظيم. واقتصرت مهمة هذا الجهاز على تصفية من يبدو منه انشقاق او عصيان من رجالات «الدولة» او القادة الميدانيين او القضاة الشرعيين. أما الشق المتعلق بالمورد المادي، فتواصل على ما كان عليه أبّان إمارة «أبو عمر البغدادي»، بمصادرة أموال الشيعة والمسيحيين وغير المسلمين، وعملاء النظام حتى لو كانوا من السنة. والاستيلاء على مصادر النفط ومحطات توليد الطاقة والوقود والمصانع الحكومية واي مصادر مالية حكومية تُعدّ حكماً ملكاً لـ «دولة العراق». أما ما لا يمكن الاستيلاء عليه بالكامل، فيُهدّد مالكه بالقتل أو تفجير الشركة إذا لم يدفع خوّة شهرية تحت مسمّى ضريبة. كذلك وُضعت نقاط تفتيش على الطرق البرية الطويلة لتحصيل أموال من الشاحنات التجارية. وارتفعت العائدات المالية لـ «الدولة»، ما مكّن من دفع رواتب مغرية وصرف مكافآت على العمليات العسكرية. إزاء ذلك، زاد الاقبال على الانضمام الى صفوف التنظيم. وخلال هذه الفترة، عين العقيد بكر «مجلس شورى دولة العراق» تراوح عدد أعضائه بين سبعة و ١٣ كلهم عراقيون. وبقي الوضع كذلك إلى أن اندلعت الأحداث في سوريا عام ٢٠١١.

«جبهة النصرة» و«دولة العراق والشام»

كيف نشأت فكرة «دولة العراق والشام» ومن هو صاحب الفكرة؟ ولماذا أرسل البغدادي الجولاني إلى سوريا، وما هو سبب استعجاله إلغاء «جبهة النصرة» وإعلان الاندماج تحت مسمى «الدولة الإسلامية في العراق والشام»؟ وما هو التهديد الذي أرسله إلى الجولاني قبل اعلان الدولة؟ كلّها أسئلة أفرد صاحب الحساب المجهول عشرات الصفحات للحديث عنها، كالتالي: بعدما بدأت الثورة السورية، اتجهت أنظار عناصر «دولة العراق الإسلامية» الى سوريا. تخوّف العقيد حجي بكر من تسرب عناصر «دولة العراق» للجهاد في الشام مما قد يسبب تصدّعاً في «الدولة»، ويعطي بعض القيادات والأعضاء الذين يفكّرون في الانشقاق باباً لذلك عبر سوريا. لذلك، حرّم البغدادي الذهاب إلى سوريا، واعتبر كل من يخالف التعليمات منشقاً، مبرراً ذلك بأنّ الأوضاع لا تزال غير واضحة المعالم ويجب التريث. في هذه الأثناء، عرض العقيد بكر فكرة تشكيل مجموعة من غير العراقيين تتوجّه الى سوريا بقيادة سوري، وبذلك يحال دون التحاق اي قيادي عراقي بالجبهة السورية من دون إذن مسبق. وبالتالي يتم تأمين عدم انشقاق عراقيين عن «الدولة»، فيما يمكن للقيادة الجديدة في الشام أن تنجح في استقطاب أعضاء غير عراقيين من الخارج. هكذا أُنشئت «جبهة النصرة» بقيادة أبو محمد الجولاني وسرعان ما طار اسمها عالمياً، وباتت قبلة لكثير من «المجاهدين» من الخليج وتونس وليبيا والمغرب والجزائر واوروبا واليمن. أخاف هذا الصعود السريع العقيد بكر والبغدادي، كون الملتحقين الجدد بـ «النصرة» لا يدينون بالولاء لـ «دولة العراق» أو للبغدادي. هنا، حثّ حجي بكر البغدادي على إعطاء أوامره للجولاني بأن يعلن عبر مقطع صوتي أن «جبهة النصرة» تابعة رسمياً لـ «دولة العراق» بقيادة البغدادي. وعد الجولاني بالتفكير في الأمر. لكن أياماً مضت من دون أن يصدر شيئاً، فأرسل البغدادي له توبيخاً وتقريعاً، فجدد الأخير الوعد بالتفكير واستشارة من حوله من مجاهدين وطلاب علم، قبل أن يبعث للبغدادي برسالة مفادها أن هذا الإعلان لا يصب في صالح الثورة، مستنداً إلى رأي مجلس شورى الجبهة. ثارت ثائرة البغدادي والعقيد بكر. وزاد الطين بلة إدراج الولايات المتحدة «جبهة النصرة» في قائمة الإرهاب، ليُصبح الجولاني المطلوب الأول في سوريا، الأمر الذي زاد من منسوب القلق لدى البغدادي والعقيد من منافسة «النصرة» لـ«الدولة». كان أبو محمد الجولاني سياسياً عقلانياً يحاول إمساك العصا من الوسط، لكن خوف العقيد والبغدادي كان أكبر من تطمينات الجولاني مما دعا حجي بكر الى التفكير بخطوات متقدمة لضم «النصرة» الى «الدولة». طلب البغدادي من الجولاني القيام بعمل عسكري ضد قيادات «الجيش الحر» اثناء أحد الاجتماعات في تركيا، مبرراً ذلك بأنه «استهداف لصحوات المستقبل العميلة لأمريكا قبل استفحالهم في الشام». عقد مجلس شورى «النصرة» اجتماعاً ورفض الأمر بالإجماع، فاعتبر البغدادي والعقيد ذلك خروجاً صريحاً عن الطاعة. أرسل البغدادي خطاباً شديد اللهجة يُخيّر الجولاني بين أمرين: تنفيذ الأوامر أو حلّ «النصرة» وتشكيل كيان جديد. طال انتظارهما لرد الجولاني الذي لم يصل. بعث البغدادي رسولًا لمقابلة الجولاني، لكن الأخير اعتذر عن عدم اللقاء. عندها شعر «أمير الدولة» بالخطر كون الجولاني بدأ يخرج عن السيطرة. بعدها، أرسل قيادات عراقية من «الدولة لمقابلة» قيادات في «الجبهة» لجس نبضهم حول تحقيق حلم بدولة إسلامية ممتدة من العراق إلى الشام بقيادة موحّدة. وبالفعل تم تلمّس ميول مؤيدة لدى هؤلاء، ومعظمهم من المهاجرين. لكن «النصرة» سرعان ما زجّت ببعض هؤلاء في السجن بتهمة إشاعة التكفير، وكان بينهم: أبو رتاج السوسي وأبو عمر العبادي (تونسيان) وأبو ضمضم الحسني وأبو الحجاج النواري (مغربيان) وأبو بكر عمر القحطاني (سعودي)، علماً أن الأخير عُيّن في ما بعد أميراً شرعياً لدولة البغدادي، وكان أول المنشقين عندما أعلن البغدادي حل «النصرة».

هكذا عقد البغدادي العزم على إعلان الاندماج. واتّفق مجلس قيادة «الدولة» على ذهابه إلى سوريا لإعطاء زخم أكبر للإعلان. قابل الأمير العراقي القيادات المؤثرة في الجبهة موحياً بأن هدف الإعلان وحدة الصف الجهادي، وأرسل بطلب الجولاني لمقابلته، لكن الأخير اعتذر لدواعٍ أمنية. عندها أرسل البغدادي إلى الجولاني يُعلمه بضرورة إصدار بيان باسمه حرصاً على وحدة الصف يتولى فيه إعلان حل الجبهة والتوحّد في كيان جديد تحت مسمى «الدولة الإسلامية في العراق والشام». ردّ الجولاني معتبراً ذلك خطأ فادحاً سيُمزّق الشعبية التي بنتها «النصرة» بين أهل سوريا. هنا اقترح العقيد بكر على البغدادي إصدار بيان حل «النصرة» باسمه وعدم إصدار بيان بعزل الجولاني لعلّه يعود الى رشده بعد الحل. جرى التواصل مع قيادات «النصرة» لإخطارهم بموعد الإعلان وتهيئتهم لمبايعة البغدادي وجها لوجه كونه سيكون في سوريا. وبذلك، لعب البغدادي على وتر أن الجولاني كان يحتجب عن كبار القياديين والشرعيين في الجبهة. وبالتالي فإن ذلك سيُشكّل جاذباً للمجاهدين الذي سيحظون بفرصة لقاء من هو أكبر منه. انقسمت «النصرة» إلى ثلاث فرق. التحقت الأولى بالبغدادي واختارت الثانية الجولاني، فيما نأت الثالثة بنفسها. هكذا بدأت حرب التكفير والاتهامات بشق الصف المسلم بين أُخوة الجهاد. هنا ظهر على الساحة ضابط سعودي يُدعى بندر الشعلان. كان الأخير صلة الوصل بين البغدادي وقيادات «النصرة» التي بايعت لاحقاً البغدادي.

في هذه الأثناء، وصل الى حجي بكر والبغدادي ان الجولاني لن ينصاع لدعوة حل «النصرة» وانه يُحضّر لإصدار بيان برفض ذلك إعلامياً. اقترح العقيد على البغدادي تشكيل فرق أمنية لتنفيذ مهمتين: الأولى، للاستيلاء على جميع مخازن الاسلحة التي في حوزة «الجبهة»، وتصفية كل من يرفض تسليم مخزنه فوراً. وبذلك لا يبقى لدى «النصرة» ذخيرة واسلحة فينفر الناس منها ويتشتتون ويلتحقون بـ «دولة» البغدادي. والمهمة الثانية تتمثّل بترصّد الجولاني لتصفيته وتصفية القيادات التي معه. واتّفق على أن يتم ذلك بواسطة لواصق متفجّرة توضع في أسفل سياراتهم. هكذا استُهدف أبرز قيادات «النصرة»، ومنهم المهاجر القحطاني، الرجل الثاني بعد الجولاني، فقُتل معاوناه أبو حفص النجدي (عمر المحيسني) وابو عمر الجزراوي (عبدالعزيز العثمان). عندها، لجأ الجولاني إلى زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري للبت في النزاع. وللحؤول دون إحراج «القاعدة». استدعى الظواهري شخصيات جهادية من اليمن والسعودية للتوسط بين المتنازعين، إلا أن البغدادي تملّص من مقابلتهم. وزاد ذلك الأمور سوءاً في ظل الخطر الداهم الذي يتهدد الجولاني. عندها عمد الأخير إلى إصدار بيان يُعلن رفض حل «جبهة النصرة»، واضعاً الأمر في عهدة الظواهري. أما بقية القصة، فباتت معروفة إعلامياً.

بندر السعودي… الرجل القوي

صبّ خطاب الفصل للشيخ أيمن الظواهري الزيت فوق نار أزمة البغدادي ــ الجولاني. رفض أمير «الدولة» مشروع الحلّ، بتشجيع من كل من العقيد حجي بكر والقيادي الشرعي السعودي أبو بكر القحطاني. وفي سياق السعي إلى التمكين لتنظيم «الدولة»، اتصل القحطاني بضابط سعودي سابق اسمه بندر الشعلان ليكون ممثلاً تنظيمياً لهم في السعودية وحلقة وصل لتكوين نواة شرعية مؤيدة للبغدادي في الخليج. وبالفعل، تولى الشعلان المهمة آخذاً على عاتقه جمع مؤيدين للبغدادي. فكان أول بشرى أبلغها لـ «الدولة» وجود «شرعيّ» (مفت) مؤيد للبغدادي يدعى ناصر الثقيل، كاشفاً أنه اجتمع معه مرات عدة للعمل على نصرة البغدادي. وتوسّع عمل الشعلان إلى البحرين حيث تواصل مع تركي بنعلي الذي أبدى تأييده ومساندته لمشروع دولة البغدادي. وتكثّفت جهود المندوب السعودي حتى تم تشكيل لجنة شرعية مناصرة لـ «لدولة» تتكون من عدة أشخاص، بعث بأسمائهم كمناصرين للبغدادي وهم: ناصر الثقيل وتركي بنعلي وعليوي الشمري وحمود المطيري وحمدالريس وصالح الحضيف وابوب لال الحربي وعبدالعزيز العمر وعلي الجبالي. وأصدر تركي بنعلي مذكرته بعنوان «مد الأيادي لبيعة البغدادي»، تحت اسم ابو همام بكر بن عبد العزيز الأثري. وكذلك فعل علي الجبالي وغيره في إصدار فتاوى مماثلة. كما نشر هؤلاء كتاباً حمل عنوان «بيعة الأمصار للإمام المختار/ أحكام البيعة في الإسلام وتنزيلها على بيعة أهل الشام». كذلك نشط الشعلان لاستقطاب ممولين وتنسيق استحضار المقاتلين من شتى أصقاع الأرض. واهتم أيضاً بالشق الإعلامي حتى بات الساعد القوي التي تستند إليها «الدولة الإسلامية في العراق والشام».

فشل وساطة الوحيشي

لجأ أمير «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني إلى زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري لإيجاد حل للخلاف مع «أبو بكر البغدادي». كلّف الظواهري قيادياً سعودياً وسوريين مهمة إيجاد حل للمشكلة، وبعث برسالة إلى قائد تنظيم «القاعدة» في اليمن ناصر الوحيشي يطلب إليه التوسّط قبل إصداره بياناً يُحرج «القاعدة» أمام الرأي العام. عندها أرسل الوحيشي رسالة خطية إلى كل من الجولاني والبغدادي. لم يرد عليه الأخير، فيما قدّم الجولاني المبررات نفسها بأن وجود البغدادي في سوريا مقتلٌ للثورة. إثر ذلك، راسل الوحيشي الظواهري معلناً فشل الوساطة. إزاء ذلك، تدخّل الكويتي حامد العلي للتوسّط من تلقاء نفسه. فاقتنع بالمسوّغات التي قدمها الجولاني موافقاً أن قيام «دولة البغدادي» خطأ سياسي وشرعي فادح. وطلب مقابلة البغدادي بواسطة الأمير الشرعي «أبو علي الأنباري». أبدى العقيد حجي بكر والبغدادي تمسكهما بـ «الدولة»، فيما أكد الكويتي أهمية الوحدة شرط انهاء النزاع. توافق الطرفان على إعطاء الكلمة الفصل للظواهري، إلا أن العقيد كان رافضاً تسليم الأمر للزعيم المصري. هكذا جاء الخطاب في مصلحة الجولاني، فأشار العقيد على البغدادي برفض الحل وتفكيك «النصرة» عبر الاستمرار في تصفية قيادييها، وعبر إيجاد مفتين يدعون إلى وجوب بيعة البغدادي، وتجنيد إعلاميين لدعم «دولة البغدادي» ونشر الشائعات ضد قيادات «جبهة النصرة».

الأخبار

حياد النصرة يوسع نفوذها/ رامي سويد

 مع اندلاع المواجهات بين كتائب الجيش الحر وتنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، بدأت تتردد أنباء عن مشاركة مجموعات محلية تابعة لجبهة النصرة في الريف الغربي في حلب والريف الشمالي في إدلب في المواجهات ضد “داعش”.

أهم شكل لمشاركة “النصرة” كان من خلال مجموعة كبيرة تابعة لها ساندت حركة أحرار الشام في محاولة اقتحام بلدة الدانا، معقل “الدولة” في إدلب، الجمعة الماضي، لكن المحاولة فشلت ونتج عنها وقوع عشرة قتلى في صفوف حركة أحرار الشام، وأربعة قتلى في صفوف جبهة النصرة.

 كما تحدث ناشطون عن مشاركة مجموعات لجبهة النصرة في القتال ضد “داعش” في بلدات قبتان الجبل والسحارة ومدينة الأتارب بريف حلب الغربي، على مبدأ “الفزعة” العائلية الذي جيّش عموم الفصائل ضد “داعش” للدفاع عن المدن والبلدات ومنع اقتحام مقاتلي “داعش” لها.

 ومع وقوع أعداد كبيرة من عناصر “الدولة” أسرى في قبضة الفصائل المسلحة، إلى جانب العشرات من القتلى، بدأ موقف جبهة النصرة بالاتضاح أكثر والجنوح نحو الحياد، على الرغم من علمها بمشاركة بعض مجموعاتها في القتال ضد “داعش”، إذ فضلت اتخاذ موقف الطرف الثالث بشكل كامل والنأي بالنفس عن القتال الدائر.

 هذا الموقف كان في الحقيقة نتيجة متوقعة، نظراً للتقدم الكبير الذي حققته الفصائل المسلحة على الأرض، ولا سيّما أن الجميع يعلم، أن ما يجمع النصرة و”الدولة” أكثر مما يفرق بينهما، إذ يتبنى التنظيمان الفكر السلفي الجهادي الذي يعتبر تنظيم القاعدة أباً له.

 ولكن، مع استشعار جبهة النصرة بتدهور الوضع الميداني لمقاتلي “داعش” ما يؤدي بطبيعة الحال إلى سيطرة الفصائل المقاتلة لها على مستودعاتها من الأسلحة، بدت وكأنها تتحول من الحياد إلى اتخاذ موقف الحامي لـ”داعش”، ويظهر ذلك من خلال قيامها باستقبال عناصر “الدولة” لمجرد طلبهم الاحتماء بها. ومعظم أولئك كانوا ممن يطلق عليهم اسم “المهاجرين” وهم من المقاتلين الأجانب الذي التحقوا في صفوف التنظيمات الجهادية.

 وتعليقاً على هذا الموضوع، يقول قائد كتيبة المداهمة في “لواء الأنصار” التابع للفرقة 19 وهي عماد جيش المجاهدين، أبو البراء، إن “انشقاق مقاتليهم (الدولة) والتحاقهم بجبهة النصرة أو أي فصيل آخر هو أمر يسعدنا لأنه يحقن دماءنا ودماءهم ونحن نثق بأن قيادة جبهة النصرة قادرة على استيعابهم وتوجيههم نحو قتال الأسد وحلفائه الإيرانيين، وهذا عهدنا بجبهة النصرة منذ اليوم الأول لوجودها في سوريا”.

 من جهة ثانية، يقول القيادي في لواء “أمجاد الإسلام”، محمد شاكردي، في حديث لـ”المدن”، إن مقاتلي “داعش” كانوا “يراوغون ويرفضون الاحتكام إلى شرع الله”، مشيراً إلى أنهم قبل أي عملية اقتحام لمراكز التنظيم كانوا يدعون عناصره إلى مغادرة المنطقة لكنهم كانوا يرفضون. وأضاف عند محاصرتهم “ندعوهم إلى تسليم أنفسهم وتأمينهم..، وعندما نصبح بينهم يقومون بفتح النار علينا”.

ويؤكد شاكردي كلام أبو البراء قائلاً “كل من ينشق عن داعش ويلتحق بصفوف جبهة النصرة هو أخ لنا، وقتالنا بالأساس هو لطرد أمراء داعش من سوريا لأنهم حرفوا مسار الثورة وأدخلوها في مستنقع الاحتراب الداخلي”، ويضيف قائلاً “القضاء عليهم شرط لانتصار الثورة”.

 ولم يقتصر موقف جبهة النصرة الجديد على مجرد اتخاذ موقف الطرف الثالث واستقبال “المهاجرين” المنشقين عن “داعش”، إذ ترددت أنباء لدى الناشطين عن مهاجمتها لبعض المنتسبين للفصائل التي تقاتل “الدولة”. كذلك يتناقل الناشطون معلومات تفيد بأن مقاتلي جبهة النصرة بثوا إشاعة تشير إلى أن مقاتلين من الفصائل قاموا بـ”سبي” نساء وأطفال المهاجرين المنتسبين لـ”داعش”، الأمر الذي ينفيه شاكردي قائلاً إن العناصر التي تم أسرها “يتم معاملتهم معاملة الأخوة وأنا مستعد أن أثبت لأي شخص هذا الكلام..، هناك عائلات إلى الآن من المهاجرين في الأتارب، هم في حمايتنا وهم أخوة لنا”.

 وتبرز المفارقة أنه في الوقت الذي اندلعت فيه المعارك مع “داعش”، استطاعت جبهة النصرة استقطاب فصيل كبير إلى صفّها وهو “جيش محمد”، الذي يعتبر المنافس الوحيد لـ”داعش” في منطقة أعزاز في ريف حلب الشمالي، وصار تحت حمايتها.

كما أصدرت بياناً شديد اللهجة، السبت، أعلنت فيه أن قائد الجيش، أحمد العبيد، بايع جبهة النصرة وبالتالي أصبحت الأموال والأسلحة التي يملكها ملكاً للجبهة، مهددة “الدولة” بحسب البيان، بأن أي اعتداء على “جيش محمد”، هو اعتداء على الجبهة.

 لا يخفى على أحد مدى الفائدة التي حصلت عليها جبهة النصرة من الصراعات الدائمة بين مختلف فصائل الجيش الحر في ما بينها أو بينها وبين “داعش”، إذ كان الطرف الأضعف في الصراع ينضم إلى جبهة النصرة للحصول على الحماية الكاملة، بسبب الاحترام الذي تكنه الفصائل والناس لها جراء عدم تدخلها في شؤونهم. إلا أنها هذه المرة استطاعت الحفاظ على شعرة معاوية مع كل الأطراف، بحيث تبقى مقبولة لدى الجميع، في الوقت الذي تبسط فيه هيبتها وسلطتها بهدوء وذكاء.

المدن

داعش تعدم إعلاميين مخطوفين/ نذير رضا

أسرار كثيرة، كشفتها العمليات العسكرية في حلب ضد تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”. لعلّ أخطرها، إحتجاز التنظيم عدداً كبيراً من الإعلاميين، كانوا فُقدوا في البلاد، وإعدام آخرين. لا أرقام واضحة لعدد الإنتهاكات بحق الناشطين الإعلاميين. عدد الضحايا، يتكشف تباعاً، مع تقدم قوات المعارضة وسيطرتها على مقرات “داعش”… وبات يقيناً أن إعلاميين كانوا في عداد المدنيين الذين أُعدموا في أقبية التنظيم.

ليس جديداً على التنظيم المرتبط بـ”القاعدة”، إنتهاكه حقوق الإعلاميين. في الرقة، بلغ التنكيل بهم، مستوى مرتفعاً. آخرها، قتل صحافي عراقي في المدينة. فيما اتُّهم بخطف 19 صحافياً خلال الشهر الماضي، رغم أن 9 آخرين لا زالوا في عداد المفقودين. وبقيت الإنتهاكات في مدينة حلب، “شكوكاً حول ضلوع داعش فيها”، الى أن بدأ معارضون يسيطرون على مقرات التنظيم، ليوثقوا ما اسموه بـ”الجرائم”.

ويؤكد محمد الخطيب، من مركز حلب الإعلامي، لـ”المدن”، أن إعلامياً على الأقل، وجدت جثته بين عشرين مدنياً أعدمهم التنظيم في مقره الرئيس بحي قاضي عسكر في حلب، مشيراً الى أن الصحافي “كان يعمل في قناة “شذا الحرية”.

وكان مقاتلو “داعش”، أواخر الشهر الفائت، إقتحموا في حلب مكتب قناة “شذا الحرية” الذي يقع في حي بستان القصر. إعتقلوا جميع المتواجدين في المكتب، والبالغ عددهم سبعة أشخاص. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، إنهم كسروا المعدات الموجودة داخل مكتب التجمع وسرقة بعضها الآخر.

واتُّهم التنظيم باختطاف إعلاميين آخرين، من غير الإعتراف باحتجازهم. يقول الخطيب إن أحداً “لا يعرف مَن احتجزهم”، مشيراً الى أن كثيرين “لا يزال مصيرهم مجهولاً”، بينهم “مؤيد سلوم ، عبد الوهاب الملا ، كرم كرم، ميلاد شهابي…”. غير أن شقيق سلوم، بعد مداهمة الفصائل الأخرى لأحد مقرات داعش، عُثر عليه هناك، من غير العثور على مؤيد. “وبات يقيناً”، بحسب الخطيب، “أن مؤيد، وهو مراسل  قناة “أورينت”، إختطفته داعش، نظراً لاحتجازه مع شقيقه”، مؤكداً أن “الإعلاميين المفقودين، لا أحد يعرف شيئاً عنهم”.

وتقاطعت تلك المعلومات مع ما كشفته “رابطة الصحافيين السوريين”، الثلاثاء، بأن جثثاً عائدة لإعلاميين من حلب وريفها، “عُثر عليها في مشفى العيون التخصصي الذي اتخذته داعش مقرّا لها في حي قاضي عسكر بحلب”، مشيرة الى أن “جميعهم تعرضوا لإعدام جماعي، وبينهم نساء”.

وقال عضو الرابطة وعضو اتحاد إعلاميي حلب، أحمد العقدة، أنه عرف أربعة أسماء لإعلاميين، من بين الجثث حتى هذه اللحظة، وكانوا قد خُطفوا من مكتب قناة “شدا الحرية”، وهم: قتيبة ابو يونس، أمين ابو محمد، سلطان الشامي، ومحمد قرانية، مشيراً الى أن الأخير  هو إعلامي جبهة النصرة، صودف وجوده مع إعلاميي قناة “شذا الحرية” في مكتبهم بحلب ولقبه “سيف الله”.

واصدر اتحاد الإعلاميين في حلب، بياناً أعلن فيه إدانته وتجريمه لتنظيم “داعش” إثر ارتكابه أفظع مجزرة بحق الإعلاميين والناشطين الثوريين منذ انطلاق الثورة السورية. واعتبر أن “المجزرة المروعة التي راح ضحيتها عشرات الشهداء من شباب الثورة المدنيين العزل بعد اختطافهم وتغييبهم لشهور عدة، عمل جبان وخسيس أقدم عليه التنظيم بحق الثوار والسوريين والإنسانية جمعاء”.

 ويأتي ذلك غداة الإفراج عن  مصور صحيفة “ملييت” التركية، بنيامين إيغون، الذي كان مختطفاً في سوريا منذ أربعين يوماً. وذكرت وكالة “الأناضول” أن الإستخبارات الوطنية التركية “نفذت عملية داخل سوريا على بعد عشرين كيلومترا من الحدود التركية، لإطلاق سراح إيغون، الذي يُعتقد أنه كان مخطوفاً من قبل تنظيم القاعدة”، فيما قالت “الجبهة الإسلامية في سوريا” إنها حررت الصحافي التركي ونقلته إلى معبر باب الهوى.

وقبل أيام صنفت اللجنة الدولية لحماية الصحافيين، سوريا، بأنها المكان الأكثر فتكا بالصحافيين المزاولين لعملهم، خلال العام 2013، حيث اختطف نحو ستين صحافيا على الأقل لفترات وجيزة خلال العام، وما زال حوالى ثلاثين منهم مفقودين حتى اليوم، وفق اللجنة.

وبحسب اللجنة، فإن 29 صحافيا قتلوا في سوريا خلال 2013، ما يرفع إلى 63 عدد الصحافيين الذين قتلوا في هذا البلد -أو على حدوده مع لبنان أو تركيا- منذ بدء الثورة قبل سنوات ثلاث.

هذا، وأصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بياناً قالت فيه إنها وثقت مقتل 14 إعلامياً خلال ديسمبر/كانون الأول الماضي، مشيرة الى توثيق 27 حالة اختطاف واعتقال، بينها 19 على أيدي عناصر “داعش”م، وسبع حالات اعتقال وخطف على أيدي مجموعات مسلحة. وأضافت الشبكة أنه أفرج عن بعض الإعلاميين، ولا يزال 14 رهن الاعتقال أو الخطف

المدن

داعش عصا الأسد : السَلمية نموذجاً/ صبر درويش

 أثير جدل واسع في الأوساط الشعبية في السلمية، المدينة الواقعة إلى الشرق من مدينة حماه، حول بيان زُعم أن أن تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، وزعه سراً في أحياء المدينة وتضمن تهديداً بالقتل والعقاب لسكان مدينة السلمية الذين تنتمي غالبيتهم إلى المذهب الإسماعيلي، واحد من أصغر المذاهب الإسلامية في البلاد، التي لا تتجاوز نسبتها إلى عموم السكان 1 في المئة.

في الحقيقة تم فعلاً وأثناء انقطاع التيار الكهربائي عن المدينة، توزيع بيانٍ وقع باسم “داعش”، ومباشرةً عمدت وسائل الإعلام التابعة للنظام السوري، الى نشر الخبر وتدويله بالسرعة القصوى، وهو ما أثار هلعاً لدى بعض الأوساط الشعبية لما يحمله البيان من لغة كراهية وتعصب ودعوة للقتل، هذا عدا عن الاتهامات اللاأخلاقية التي مست أهل المدينة.

 من جهة أخرى، نشرت صفحات التنسيقيات العاملة في المدينة تكذيباً لهذا البيان متهمةً قوى الأمن والشبيحة بتوزيعه، وذلك في سبيل إثارة الهلع لدى السكان والضغط باتجاه كسب مزيد من المؤيدين للنظام.

 يقول أحد الناشطين في المدينة، طالباً عدم الكشف عن اسمه، “أكاد أجزم بأن نظام الأسد من نشر البيان، فهذه ليست لغة داعش المعتمدة في بياناتهم، ومن جهة اخرى فقد تعودنا على ألاعيب النظام وأسلوبه في إثارة الفتن بين السكان الآمنين”.

 من المعروف أن مدينة السلمية كانت من أولى المدن التي انتفضت ضد النظام، ومن المعلوم أيضاً أن أهالي مدينة السلمية تمكنوا من إخراج أكبر التظاهرات بالمعنى النسبي، في البلاد، وهو ما شكل حرجاً كبيراً في أثنائه لنظام الأسد، الذي كان ولا يزال يدعي حمايته للأقليات.

 على قاعدة ذلك تنوعت أساليب قمعه لمعارضة المدينة وسكانها، بدءاً بالاعتقالات ووصولاً إلى عسكرة المدينة ونشر الحواجز فيها، بينما يأتي التهويل من “داعش” في سياق الاستمرار في السعي من أجل كسر روح المعارضة في المدينة، ودفع الحاضنة الاجتماعية إلى الكف عن دعم الثوار بحجة الارهاب والتطرف.

 من جهة أخرى، أوردت بعض الصحف المحلية معلومات حول حشود من قوات “داعش” في محيط مدينة السلمية وتحديداً في الجهة الشمالية منها، حيث زعم أنهم يتهيأون لدخول بلدة الصبورة الموالية لنظام الأسد التي تبعد حوالي 30 كيلومتراً عن السلمية، وذلك في سياق السيطرة على مدينة السلمية والتي يعني إحكام القبضة عليها السيطرة على طريق الرقة الدولي.

 الناشط جواد، يقول في حديث لـ”المدن” إنه “يجري تداول معلومات حول سيطرة قوات داعش على حاجز التناهج شرق صبورة وهي قرية تعد مركزاً لتجمع قوات الأسد، والخبر أشيع أيضاً على  صفحة اسمها تنسيقية الثورة في ريف حماه الشرقي..، وقد أكدت عدة جهات أنها سمعت بياناً من تنظيم داعش على أجهزة اللاسلكي يهدد فيه سكان قرى السعن والصبورة والمبعوجة بإخلاء المدينة”.

 ويضيف “منذ أيام هاجم تنظيم داعش محطة صلبا للضخ (نفط خام)، المحطة متوقفة عن العمل، ولكنهم اقتحموها وفجروها، بعد أن كانت قوات الأسد انسحبت منها فلم يقع ضحايا”.

 عملياً لا يوجد شيء واضح يمكن أن يثبت عزم تنظيم داعش على الدخول في هذه المعركة، وذلك على الرغم من أن المعارك بين مقاتلي المعارضة وقوات النظام لم تهدأ منذ أشهر في محيط مدينة السلمية وتحديداً شرقي المدينة وشمالها، حيث تمكنت قوات المعارضة من السيطرة على عشرات القرى والبلدات، بيد أن ما يثير تخوفات البعض من أهالي المدينة هو طبيعة الكتائب المتشددة –كالفاروق الاسلامي وغيرها- التي تشارك في هذه العمليات.

 معارضة المدينة لم تتسلح وقررت منذ البداية أن تحافظ على سلمية حراكها الثوري، على الرغم من وجود بعض الكتائب التي تنتمي إلى سكان المدينة، ومن المعلوم أن المدينة قدمت العديد من الشهداء، بينما يقبع عدد كبير من الناشطين في أقبية المخابرات السورية، ويبلغ عددهم بحسب ما تقول تنسيقية السلمية 29 معتقلاً إضافة إلى 5 معتقلات.

 ما يثير الانتباه في كل ما يجري، هو تحول تنظيم “داعش” إلى عصا يلوح بها نظام الأسد في كل مرة يسعى فيها إلى تخويف قطاعات معينة من المجتمع السوري وتحديداً الأقليات منه، وهو ما يعني أن هذا التنظيم الغريب عن روح الثورة السورية بات سنداً لنظام الأسد بشكل مباشر أو غير مباشر، وبات عبئاً على الثورة وحتى على السوريين بمختلف انتماءاتهم، إذ لم تكف ممارسة هذا التنظيم عن التشبه بممارسة مخابرات النظام في الاعتقال والتعذيب والتصفية، واستهداف أكثر الناشطين أهمية في الثورة.

المدن

“داعش” قتلت« سيفو» … الداعشي الذي أضحك أطفال حلب/ باسل الجنيدي

لطالما أثارت شخصية «سيفو» فضولي الطفولي، أراقبه من بعيد حينما يتمشى مزهواً ببندقيته في أزقة «بستان القصر»، يفرد كتفيه ويهندم بدلته العسكرية ويرفع جبهته عالياً مكابراً على الجهد الذي يبذله في حمل البندقية ، يوزع الصيحات الرجولية هنا وهناك ويحرص على أن يلقي السلام على كلّ الرجال العابرين، ويداعب أطفال الحارة بينما يلعبون بالكرة أو الحبال، وبالمحصلة، يبدو المشهد طريفاً وفيه كثير من المفارقات، فبندقية «سيفو» تكاد تكون بطوله، ومهما فرد كتفيه وهندم بدلته لا يذكرك مظهره سوى بمراهق يعلن عن «رجولته» من خلال «سيكارة» يدخنها ويتقصد إظهارها لكل العابرين دون أن يتقن إمساكها ونفث دخانها، سوى أنه استبدل السيجارة بالبندقية: ها قد أصبحت رجلاً !.

لم أكن حقيقة لأكتفي بمراقبته في أزقة «بستان القصر» أو في التظاهرات التي يحضرها ببندقيته، بل كنت أقوم بالتلصص على حسابه في «الفايسبوك» بين الحين والآخر، وبعد عامين من معرفتي به كان من الطريف ألا أستطيع تمييزه من صوره الجديدة، نبتت لـ «سيفو» ذقن شقراء غزيرة جداً حلق معها الشارب، وصار يعصب رأسه بعصبة سوداء عليها «لا إله إلا الله»، وحلق شعر رأسه بالشفرة كما يقول، تغازله خطيبته من خارج سورية وتتبع صوره والفيديوات التي يضعها وتغرقها بالتعليقات التي تعبر عن الوله والاشتياق والرغبة، لكنها لا تنبّهه الى أن الذقن الطويلة لا تليق به، وتجعله يبدو أقصر مما هو عليه، كما لا ينبهها أنّ غزلها به بهذا الشكل الفاضح يزعزع من تقيته أو مكانته الدينية.

سيفو، قرر أن يصبح إسلامياً، وصار يجزم أن دولة الإسلام قائمة لا محالة، وأنّ «داعش» هم أبطالها وروادها، وأنها «باقية وتتمدّد»، سمّى نفسه قائداً لكتيبة أكاد أجزم أنها تتكون منه بمفرده أو مع صديق أو اثنين، وفي أول عملية له في الكتيبة اعتقلته «الهيئة الشرعية» ودكته في سجونها لأيام بتهمة السرقة أو اختطاف شخص طلباً للفدية، خرج بعدها محتفلاً ببراءته وقرر على ما يبدو أن يصبح إعلامياً عند جبهة «النصرة»، وصار يمطر حسابه في الفايسبوك بصور لعمليات النصرة في الجبهات. وإذا كان المصوّر هو «الحاضر الغائب» في كلّ صورة في العرف الفني، فإنّ «سيفو» كان حاضراً دوماً في المقاطع التي يصورها، يكرّس أكثر من نصف الفيديو لنفسه بينما يدير الكاميرا نحوه ويكبّر أو يشد من أزر المجاهدين.

قبلها بسنتين، شاركنا «سيفو» في مشروع أقمناه (مجموعة كش ملك بالاشتراك مع مجلس حي بستان القصر والكلاسة) في العيد شمل نشاطات موجهة لأطفال المناطق المحررة. اختار «سيفو» لنفسه دور البطولة في مسرحية عُرضت على مدار ثلاثة أيام في صالة «قرمان»، ارتدى ملابس غريبة ومثل دور الطالب الشقي وحاول تقليد «عادل إمام» في «مدرسة المشاغبين»، فشل طبعاً بالمقياس الفني لكنه أضحك الأطفال في أكثر من مناسبة بحركاته التهريجية وثيابه المضحكة. يبدو «سيفو» بثياب جبهة النصرة كأنه يحاول أيضاً إضحاك الأطفال، فيعصب رأسه بالسواد أو يغطي أكتافه بعلم أسود كبير، يرفع إصبعه نحو الأعلى وكأنه يكبر، في مزيج يتلبّس العبثية والطرافة مع «النظارة الشمسية» التي تحتل نصف وجهه، وحقيبة الخصر التي تتدلّى من مقدمته، هو المتطرّف الذي لا يستطيع أن يخفي أنه «كول».

قبل أن تختطفه داعش بالخطأ غالباً، كان يلعب على الفايسبوك لعبة الأرقام، ترسل له رقماً برسالة خاصة فيضعه على صفحته ويكتب تحته ما يفكره نحوك، يتخلل ذلك مقاطع فيديو من «الجبهات» يظهر فيها مصوراً أو مقاتلاً. لن ترى عدواً على الأغلب بمقدار ما ستراه يمسك بندقية ويصوبها الى مكان ما ثم يستدير نحو الكاميرا مزهواً مع صوت الرصاص، وبين الحين والآخر يكتب معلقات تتوعد أعداء «داعش»، ويعلن أنّه حذف «العشرات» من كلاب «العلمانيين» من حسابه، وأرسل مراراً وتكراراً تهديدات لنا في «كش ملك» مرفقة بالشتائم، سرعان ما يعتذر عنها كلما ذكرناه بأيام المشاريع المشتركة، ويصر على رغم ذلك أن يعتبرنا ضالين، ويكتب مبرراً لداعش: «خسئتم يا حثالة، دولة الإسلام باقية، كثرت أصابع الاتهام والأقاويل إن الدولة تختطف الإعلاميين في حلب، فاعلموا أن هناك إعلاميين يعملون تحت أجندات أميركية وإسرائيلية، وستقام دولة الإسلام شاء من شاء، وأبى من أبى».

لم تمض أيام طويلة على كتابته هذا الكلام، حتى اختطف «سيفو» حين كان صدفة برفقة إعلاميين آخرين في مقر مجموعة «شذى الحرية»، لم يخرج سريعاً رغم أنه يُحسب على «جبهة النصرة»، وتصاعدت الاشتباكات بين «الجيش الحر» وداعش فجأة، وأعدمت «داعش» عدداً من مساجينها في مقرها في «مشفى الأطفال» في «قاضي عسكر» مساء الاثنين 6-1-2014.

ظلت الجثث مجهولة قبل أن تتكشف بعد يومين حينما حرّر الجيش الحر مقر داعش، إلا أنّ الجثة الوحيدة التي استطاع الجيش الحر انتشالها يومها من مشفى «الأطفال» كانت جثة «سيفو»، أخوه المقاتل هو من انتشلها حينما رآها بينما كان «الجيش الحر» يحاصر المقر، ليس في صورة الجثة بندقية، أو عصبة، أو علم أسود، سيفو وقد بدا وجهه مشوهاً، وفمه مشدوهاً وكأنه أراد أن يقول شيئاً قبل أن يودع الحياة.

سيفو إذاً، شهيد «جبهة النصرة»، قتلته «داعش» التي استبسل في الدفاع عنها والتقرب من عناصرها، وأنا، لا يمكنني إلا أن أذكر ومضات جمعتني معه، سهرة أمضاها معنا «سيفو» بعد يوم عمل شاق يجلس بجانب «ناشطة» يتبادل معها الأحاديث بتودد ويحاول لفت انتباهها الى شجاعته. نقاش عابر بعدما صار «داعشياً» جاء ليباغتني بآية أو حديث فاكتشف أنه نسى النص تماماً، البندقية، سيجارة المراهق، والعصبة السوداء واللحية الطويلة، كحول أو سيجارة حشيش لمراهق في سلم الرجولة.

سيفو المتطرف، هو مثال المتطرف الأكثر شيوعاً في سورية اليوم، والذي نبتت له ذقن طويلة فجأة وصار يرتدي عصبة سوداء. هذا المتطرف يمثل الثقافة البعثية التي عودت الناس على الرضوخ للقوي والمسيطر والتلبس به، حتى تكتمل الرجولة أو على الأقل، لتُحمى الرجولة من الخصاء.

تجوّل في المناطق المحررة، لا تجعل الذقون التي نبتت حديثاً ترعبك. مازال السوري سورياً … مثل «سيفو» تماماً، قبل أن يكفّرك، كان قبل عام فقط معك، يفوقك نجاحاً في إضحاك الأطفال تحت وابل القذائف!

حلب

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى